حالة الضرورة في القانون الجنائي المغربي

من إعداد سكينة بلحاج طالبة متخصصة في القانون الخاص.

يمكن تعريف حالة الضرورة في ضوء مجموعة من التعريفات الفقهية بكونها تلك الحالة التي يجد الإنسان نفسه او غيره فيها مهددا بخطر جسيم وحال، يضيق عليه نطاق إختياره فلا يستطيع تلافيه ولا تجنبه إلا بارتكاب جريمة معينة، هي ما يعرف بالجريمة الضرورية التي تمس من خلالها حقوق الغير.

والحالات التي تقع فيها الضرورة كثيرة، منها من يدفع الخطر الذي يتهدد حقه عن طريق التضحية بحق شخص بريء أقل قيمة من حقه، وذلك مثلا أن يستنجد غارقان بخشبة في البحر لا تستحمل إلا واحدا، فيضطر أحدهما أن يدفع بالآخر إلى ماء البحر، ويدرفه قتيلا لينجوا هو بنفسه!!

مما يجعلنا نطرح هذا السؤال الجوهري محاولين الإجابة عليه من خلال هاته المحاولة المتواضعة:
وعليه، هل تعتبر الضرورة من موانع المسؤولية ام من اسباب التبرير؟
يمكن القول بأن المشرع المغربي وعلى خلاف بعض التشريعات الأخرى المقارنة، يلاحظ أنه جعل من حالة الضرورة سببا من أسباب التبرير والإباحة، وذلك ما يظهر جليا عند استعماله لعبارة “لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة …” والحال أنه​ -المشرع- لو كان يريد ان يجعلها مانعا من موانع المسؤولية لعبر عن ذلك بقوله “لا مسؤولية“، مما يبين أن إرادة المشرع المغربي تسير نحو إتجاه تبرير وإباحة إرتكاب جريمة في ظروف معينة.

 

أولا: شروط حالة الضرورة

إذا قام خطر يهدد حقا فلابد من صدور فعل رد هذا الخطر حتى ولو كان هذا الفعل موجها لانسان بريء .ولهذا فشروط حالة الضرورة محددة بالنسبة للخطر وللفعل الضروري.

1- شروط الخطر

أ: يجب ان يكون الخطر جسيما وحالا،ذلك ان الشخص الذي يتحمل الجريمة الضرورية يكون بريئا وليست له علاقة بهذه الجريمة، ولذلك فالقانون لم يجز ارتكابها ضده لدفع الخطر الا اذا كان هذا الخطر جسيما يستحق هذا الاعتداء، فلا يعتد في حالة الضرورة بالخطر البسيط الذي يمكن ان يتحمله الشخص.
ونفس الاحتراز يعتد به فيشترط ان يكون الخطر حالا غير مستقبل ،فالخطر الذي تحقق وانتهى لا يعتبر حلا
ب: يجب ان يكون الخطر حقيقيا:ان الخطر الوهمي لا يبيح ارتكاب الجريمة الضرورية.فتوهم الشخص انه في خطر محدق به لا يسمح له بارتكاب جريمة ما للدفاع عن نفسه او ماله
ج: يجب ان لا يكون لارادة الفاعل دخل في حلول الخطر، ذلك انه من القواعد العامة ان الانسان اذا تسبب في خطر بنفسه فإنه لا يمكن ان يقاومه بارتكاب جريمة او يدفع عنه هذا الخطر باعتداء على حقوق الغير
د: يجب ان لا يكون هناك واجب قانوني يفرض على الشخص مواجهة الخطر، وتقضي هذه الحالة ان يرتكب انسان جريمة لدفع خطر ناجم عن القيام بواجبه القانوني او بمهمة داخلة في اختصاصاته،كالطبيب الذي يمتنع عن علاج مريض خوفا من العدوى فإنه يحاسب على هذا الامتناع لان هذا الخطر هو جزء من مهنته ومن واجباته

2-شروط الفعل الضروري:

أ: يشترط في الضرورية ان ترتكب لدرء الخطر وابعاده عن نفس الفاعل او غيره او عن ماله او مال غيره،ولا يمكن ان يسائل الشخص هل لقيامه بدفع الخطر عن طريق ارتكاب الجريمة كان بحسن نية ام بسوء نية مادام ان استعمل الفعل الضروري وتوافرت شروطه
ب: كما يجب ان تكون الجريمة المرتكبة هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر اي ان يتوفر فعل الضرورة ويكون هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الخطر.اما اذا توفرت للفاعل المضطر وسائل اخرى فلا يعتد بحالة الضرورة وذلك كإمكانية اللجوء الى السلطات العامة بدل مواجهة الخطر بنفسه او كمن يستطيع ان يفر من وجه الخطر دون ارتكاب جريمة الضرورة ولم يفعل فإنه اضطر في الفعل المرتكب.

 

ثانيا: آثار إثبات حالة الضرورة

عندما جعل المشرع المغربي من حالة الضرورة سببا من اسباب التبرير فإنه عدها فعلا مشروعا ومباحا وبالتالي فإن الاثار المترتبة عن ذلك من الناحية الجنائية تتمثل في عدم توقيع اي جزاء جنائي على الفاعل ولا على المساهمين والشركاء.

أما من حيث الاثبات فإن توافر شروط حالة الضرورة يقع على عاتق المتهم الذي استعمل حالة الضرورة واثبات حالة الضرورة من الامور الموضوعية التي يرجع امر البث فيها الى قاضي الموضوع الذي يقدر بدوره وقائع وملابسات الدعوى بكيفية واضحة.

قد يعجبك ايضا