المقتضيات العامة المنظمة للطعن بالإستئناف في ضوء التشريع المغربي

إعداد “قديري المكي” متخصص في القانون الخاص، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية

من الملاحظ عمليا أن المحاكم الإبتدائية في النظام القضائي المغربي، أثناء البث في النزاعات المعروضة عليها، في إطار السلطات المخولة لها من الناحية القانونية، فإنها قد تصدر أحكاما غير سليمة، من شأنها أن تمس حقا من الحقوق المقررة للمتقاضين بمقتضى القانون، لذلك نجد أن المشرع المنظم للإجراءات المدنية، قد أقر مبدءا يرمي إلى إعطاء الحق لكل من تضرر بمقتضى حكم قضائي إبتدائي أن يطالب بمراجعته، من خلال إمكانية الطعن فيه أمام محاكم الإستئناف.

وعليه، سنعمل من خلال هاته المحاولة (في فقرة أولى) إلى توضيح المقصود بطعن الإستئناف، لننتقل بعده (في فقرة ثانية) إلى تسليط الضوء حول الأحكام القابلة للإستئناف، أما (في الفقرة الثالثة) سوف نبرز أجل سقوط حق ممارسته، ثم لنعرج على أطرافه (في فقرة رابعة)، على أن نخصص (الفقرة الخامسة) لرفع الستار حول آثاره، و (في الفقرة الأخيرة) سنحاول التطرق لإجراءات هذا الطعن.

أولا: المقصود بطعن الإستئناف

يعتبر الطعن بالإستئناف وسيلة قانونية يستعملها عمليا الطرف الذي خسر الدعوى القضائية أمام المحكمة الإبتدائية، من أجل الطعن في الحكم الذي صدر ضده أمام محكمة أعلى درجة، والتي تدعى محكمة الإستئناف، وذلك من أجل الحصول على حكم يعدل الحكم الذي صدر عن قضاء الدرجة الأولى، لذلك يمكن إعتبار الإستئناف طريق طعن عادي هدفه إصلاح الأحكام.

في حين يتجلى دور المحكمة خلال ذلك في إعادة الفصل في نفس النزاع الذي طرح أمام محكمة أول درجة، لكن في حدود ما طعن فيه بالإستئناف، وهذا يعني أن القاضي يتمتع بجميع السلط التي يتمتع بها القاضي الإبتدائي، وهي سلطات تسمح له عمليا بتفحص النزاع وإعادة النظر فيه من جديد.

بالتالي، الطعن بالإستئناف يضطلع بوطيفة أساسية تكمن في إعتباره الوسيلة الإجرائية التي تجسد وتترجم مبدأ التقاضي على درجتين، كمبدأ دستوري تقر به أغلب الدساتير الحديثة، التي من بينها الدستور المغربي الجديد لسنة 2011.

إن الوظيفة الأساسية لهذا الطعن لا تقف عند حدود مراقبة مدى صحة الحكم المستأنف، وإنما تتعدى ذلك إلى إمكانية إعادة النزاع بالنظر فيه من جديد من الناحيتين الشكلية والموضوعية.

كذلك يترتب على هذا الطعن، أنه لايجوز إستئناف الحكم إلا مرة واحدة، كما لايجوز إستئناف الأحكام المستأنفة، لأن التقاضي لا يكون إلا على درجة واحدة فقط، وليس على درجتين.

في حين من الملاحظ أن المشرع المغربي قد نظم الطعن بالإستئناف عبر مجموعة من النصوص ما بين المواد من 134 إلى 146 من ق.م.م. وكذى من المادة 398 إلى المادة 352 مننفس القانون، فيما يخص المسطرة أمام محاكم الإستئناف.

ثانيا: الأحكام القابلة للإستئناف

تؤكد مقتضيات المادة 134 من ق.م.م وخاصة في فقرتها الأولى على مبدأ الطعن بالإستئناف، بصريح العبارة التي تقول بأن كل الأحكام تكون قابلة للطعن بالإستئناف مالم ينص القانون على خلاف ذلك، وهذا يعني أن الإستئناف يعتبر حقا من حقوق التقاضي، طبقا لما ينص عليه الدستور المغربي لسنة 2011 أو لسنة 1996 وما قبله، كضمانة هامة وأساسية لحسن سير مرفق العدالة، وتطبيقا فعليا لمبدا التقاضي على درجتين.

في حين أن المشرع المغربي لم يجعل هذا الطعن يسري كقاعدة مطلقة، وإنما ترد عليه مجموعة من الإستثناء التي تضيق من نطاق تطبيق هذا المبدأ، فماهي أبرز تجلياتهما على الصعيد العملي؟

حدد المشرع المغربي على الأحكام القضائية التي يمكن الطعن فيها بالإستئناف، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

1‑ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإبتدائية الفاصلة في الجوهر أو الصادرة بصورة غير إنتهائية أي إبتدائيا، إما بناءا على قاعدة النصاب المشار إليها في الفصل 19 من ق.م.م. وهي الأحكام الإبتدائية التي تصدر بصورة إبتدائية طبعا في جميع الطلبات التي لا تتجاوز 5000 درهم.

2‑ الأحكام التي لا يمكن تحديد أو تقدير فيمة النزاع فيها.

3‑ الأحكام التمهيدية التي تكون سابقة للأحكام الفاصلة في الموضوع، تمهيدا للفصل في النزاع، طبقا لما تنص مقتضيات المادة 140 من ق.م.م. بأنه لا يمكن إستئناف الأحكام التمهيدية إلا في وقت واحد مع الأحكام الفاصلة في الموضوع وضمن نفس الآجال ودون معزل عنها، مع العلم أن هذا التوجه هو ما دأب به القضاء المغربي في مجموعة من قرارته في هذا الشأن.

4‑ الأحكام التأويلية أو التفسيرية الصادرة عن المحكمة بهدف تفسير حكم معين، بحيث لا يجوز إستئناف هذه الأحكام، إلا إذا كانت الأحكام موضوع التأويل نفسها قابلة للإستئناف.

5‑ الأحكام التي تسجل بإتفاق الأطراف وتثبت العقود القضائية المقامة بينهم حالة وجود هذا الإتفاق موضوع النزاع.

6‑ الأوامر المبنية على طلب التي يصدرها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، لكن إستئناف هذه الأوامر لا يكون إلا في حالة الرفض، طبقا لما تنص عليه أحكام المادة 148 من ق.م.م

7‑ الأحكام الصادرة في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية والمعاشات الممنوحة في نطاق الضمان الإجتماعي، طبقا لمقتضيات المادة 21 من ق.م.م

في حين نص المشرع المغربي على مجموعة من القضايا التي تخرج عن دائرة الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالإستئناف، والتي يمكن إبرازها كالتالي:

1‑ الأحكام التي تصدرها محاكم القرب التي حلت محل محاكم الجماعات والمقاطعات.

2‑ الأحكام التي لا تتجاوز قيمة النزاع فيها 5000 درهم.

3‑ الأحكام الصادرة في حدود إختصاص المحاكم الإبتدائية، والمحددة بمقتضى المادة 19 و 21 من ق.م.م

4‑ الأحكام الصادرة في إطار النزاعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التمهيدية المقررة في التشريع الخاص المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، ولو كان مبلغ الطلب فيها غير محدد.

5‑ الأحكام الصادرة في إطار المادة 206 من ظهير 6 فبرير 1963 المتعلق بشأن التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.

ثانيا: ميعاد الطعن بالإستئناف

طبقا لما تنص عليه المادة 134 من ق.م.م أن الطعن بالإستئناف الأصلي يجب أن يرفع داخل أجل 30 يوما، ويبتدئ هذا الأجل من تاريخ التبليغ إلى الشخص نفسه أو في موطنه الحقيقي أو المختار أو بالتبليغ في الجلسة، إذا كان ذلك مقرر بمقتضى القانون.

بالنسبة للأوامر المبنية على طلب والمعاينات فيتص الفصل 148 من ق.م.م. وحيث أن الأوامر المبنية على طلب وكذى الأوامر الإستعجالية تكون قابلة للإستئناف داخل أجل 15 يوما، أما بالنسبة لأوامر الآداء فلا يكن إستئنافها إلا داخل أجل 8 أيام طبقا لما تنص عليه مقتضيات المادة 153 من ق.م.م. وكذى الأحكام المتعلقة بالتسوية والتصفية القضائية وسقوط الأهلية التجارية.

مع ضرورة الإشارة والتنبيه إلى أن أجل الطعن بالإستئناف هو ميعاد كامل، حيث لا يدخل في ضبطه وحسابه لا يوم التبليغ ولا اليوم الذي ينتهي فيه الأجل.

لكن يتوقف هذا الميعاد بسبب وفاة المحكوم عليه، ولا يبدأ في السريان من جهة إلا بعد مرور 15 يوما التي تلي التبليغ للورثة، ويتعلق أجل الطعن بالإستئناف بالنظام العام، وتبعا لذلك يجوز التمسك بعدم إحترامه من لدن كل من له مصلحة في ذلك، وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام المجلس الأعلى، كما يجوز للمحكمة غثارته من تلقاء نفسها.

ثالثا: أطراف الإستئناف

تتحدد أطراف الطعن بالإستئناف في طرفين رئيسيين هما: الطاعن والمطعون ضده، إذ بماذا يمكن وصفهما من الناحية القانونية؟

بالنسبة للأول يجب أن تتوافر فيه شروط رفع الدعوى، والتي من المفترض أن يكون قد رفعها، والتي هي: الصفة، الأهلية، والمصلحة.

أما المطعون ضده، فيجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط يمكن إجمالها كالتالي:

1‑ يجب أن يكون المستأنف ضده طرفا في النزاع.

2‑ يجب أن يكون قد إستفاد من الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية مبدئيا.

رابعا: آثار الإستئناف

متى كان الطعن بالإستئناف مرفوع بصفة قانونية إلى الجهة القضائية المختصة، من خلال صدوره عن الأطراف المخول إليهم الحق في ممارسته، مع إحترام أجله القانوني، فإنه يرتب عنه مجموعة من الآثار التي يهم إشكالية تنفيد الحكم، إلى جانب الآثار الذي يلحقها بموضوع النزاع، والتي يكمن إجمالها كالآتي:

1‑ الأثر الواقف للنزاع، حيث أنه وطبقا لمقتضيات المادة 134 من ق.م.م التي تؤكد على أن الطعن بالإستئناف متى صدر بصفة قانونية فإنه يوقف تنفيد الحكم المطعون فيه بالإستئناف بصفة عامة، وهذا يعني أنه بمجرد إيداع مقال طلب الإستئناف بسجلات المحكمة داخل أجله القانوني، يصبح الحكم المطعون فيه غير قابل للتنفيد، ما عدا إذا جاء الحكم مقترنا بأمر قضائي يقضي بالتنفيد المعجل، ضمن الحدود والشروط الإستثنائية التي تنص عليها مقتضيات المادة 147 من ق.م.م

ويمتد الأثر الواقف للتنفيد، إلى حين البث في الإستئناف لتصدر المحكمة في حقه حكمها إما بإلغاء الحكم الإبتدائي، ليصبح هذا الأخير عديم الجدوى، أو تصدر حكما بتأييد ذلك الحكم، ليسترجع هذا الأخير آثاره العملية.

2‑ الأثر الناقل، وحيث يلاحظ عمليا أنه من جملة الآثار التي يرتبها هذا الطعن، أنه ينقل النزاع من المحكمة الإبتدائية إلى محكمة الإستئناف بصفة كلية، لكن المحكمة الإبتدائية وهي تنظر في النزاع المنقول إليها، فأنها تلتزم بمجموعة من القواعد، وهي:

1‑ أن محكمة الإستئناف لا تفصل إلا فيما طرح عليها:

حيث تكون سلطة القضاء لدى المحكمة الإستئنافية مقيدة بمقال الإستئناف، فلا يجوز الحكم إلا بناءا على الطلب الإستئنافي المقدم.

2‑ عدم قبول الطلبات الجديدة لأول مرة أمام محكمة الإستئناف:

مفاد ذلك أن الطلبات الجديدة لا تقبل إذا تقدم بها المستأنف لأول مرة أمام محكمة الإستئناف، أيا كانت صفته هذا الأخير في الدعوى، سواء أكان مدع أو مدعا عليه، طبقا لما أقره المشرع المغربي من خلال أحكام المادة 143 من ق.م.م

وحيث تتجلى الغاية من إقرار المشرع لهاته القاعدة القضائية، كونها ترتكز على مجموعة من المبادئ التي تصب في تحقيق عدالة قضائية، تتجسد على أرض الواقع من خلال أن المستأنف مثلا إذا تقدم بطلب جديد لم يسبق أن رافع خصمه به في المرحلة الإبتدائية، ولم يخوله إمكانية إبداء دفاعه فيه، من دون شك فإنه سيحرمه من إمكانية إستئناف هذا الطلب أمام جهة قضائية ثالثة، لأن الجهة التي تبث في النزاع المستأنف هي محكمة ثاني درجة، وليست أولى درجة كما هو عليه الأمر أمام المحكمة الإبتدائية.

3­‑ محكمة الإستئناف تملك الحق في التصدي للموضوع:

يخول القانون المغربي لمحكمة الإستئناف الحق في التصدي للموضوع، طبقا لما أكدته المادة 164 من ق.م.م، الذي يستفاد منه التأكيد على هذا الحق، لكنه لا يجوز لهيئة محكمة الإستئناف ممارسة هذا الحق إلا بتوافر مجموعة من الشروط التالية:

أ) بضرورة إلغاء أو إبطال الحكم المطعون فيه

ب) يجب أن تكون الدعوى جاهزة للحكم فيها، بمعنى أن تكون قد إستوفيت جميع عناصرها الإجرائية

خامسا: إجراءات الطعن بالإستئناف

خصص المشرع خلال قانون المسطرة المدنية مجموعة من المواد التي تحدد الإطار العام لمسطرة ممارسة هذا الحق.

وفي هذا الإطار يمكن حصر هاته الإجراءات عبر مجموعة من المراحل، وهي كالتالي:

1‑ مرحلة تقديم المقال الإستئنافي:

يجدر التنبيه خلال هاته المرحلة الأولى إلى طريقة رفع المقال الإستئنافي والشكل الذي يجب أن يحترم في المقال، والذي لا يخرج عن دائرة الشروط الجوهرية الواجب توفرها في المقالات الإبتدائية أو أمام محكمة النقض بصفة عامة، من أهمها ضرورة تحديده لأطراف النزاع وهوياتهم، موضوع الحكم وشكلياته، المحكمة التي أصدرت الحكم الإبتدائي، أسباب الإستئناف الشكلية والموضوعية.

في حين يدخل أيضا ضمن إجراءات تقديم المقال الإستئنافي إلزامية وضعه بكتابة ضبط المحكمة الإبتدائية طبعا التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وحيث تتولى هاته الأخيرة إحالة الطلب إلى كتابة ضبط المحكمة الإستئنافية.

2‑ مرحلة التحقيق:

بعد تقديم طلب الإستئناف وإيداعه بكتابة الضبط يقوم الرئيس الأول لنفس الهيئة بتعيين الغرفة التي ستحال القضية عليها، كما يعهد بعملية التحقيق لمستشار مقرر يعينه هو.

في حين يقوم هذا المستشار بتبليغ هذا الأمر إلى المستأنف من أجل إعلامه قانونيا، بتاريخ الجلسة، مع تنبيهه بضرورة تقديم مذكرات للدفاع عن موقفه، وفي تنصيب محام لينوب عنه.

3‑ مرحلة القرار النهائي للمحكمة:

بعدما تقوم هيئة المحكمة بدراسة الطلب، ويتبين لها توافر شروط قبول طلب الإستئناف الشكلية، وإلا أصدرت قرارا بعدم قبول الطلب، أما إذا تبين لهيئة الحكم أن الإستئناف مقبول، فإنها تنكب على جوهر النزاع من أجل تأكيد أو إلغاء الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية.

فإذا قامت المحكمة بعد المداولة في تأكيد الحكم، تحال القضية من جديد على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، للقيام بإجراءات التنفيد.

أما إذا تبين لهيئة الحكم بعد التداول في وقائع القضية أن الحكم الصائب هو إلغاء القرار المستأنف، فإنها تقضي بإحالة الملف إلى محكمة إبتدائية أخرى حسب إختيارها، طبقا لمقتضيات المادة 145 من ق.م.م.

 

قد يعجبك ايضا