بطلان إجراءات التحقيق في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري

من إعداد ‘بن الحاج جلول زهية‘ و ‘صافو صارة’ طالبتين باحثتين بسلك الماستر في تخصص القانون الجنائي المعمق، من كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة وهران -2- محمد بن أحمد.

مقدمــــــــــــــــــة

تعد الجريمة من أخطر الظواهر التي تؤدي في حالة إنتشارها إلى فساد المجتمع وإنحلاله، لذا فقد أصبح لزاماعلى كل مجتمع محاربة هذه الظواهر ، بتوقيع العقاب على من يقدم على إرتكابها ، حماية للمصالح والحقوق التي يكلفها القانون في الدولة ، ولا يكفي لضمان تطبيق العقوبة وتحقيق الغاية المرجوة منها، مجرد وجود نصوص قانونية تنذر بتوقيع الجزاء على مرتكب الجريمة ، بل لا بد من وجود نظم إجرائية صحيحة تقرر قواعد معينة ينبغي إتباعها عند تعقب المتهم بإرتكاب الجريمة ، من أجل الكشف عنها وضبط مرتكبها .
ولقد بني قانون الإجراءات الجزائية على قواعد قانونية مقررة لحماية مصالح معتبرة ، ولا يتأتى تحقيق هذه الغاية إلا إذا كانت هناك قواعد قانونية أخرى تضمن تطبيقها ، هذه القواعد هي التي تحدد المخالفات التي تعتري وتصيب الإجراءات، وتجعلها معرضة لعدم تحقق الغاية التي قصدها المشرع منها مما يجعلها معيبة، وبالتالي يحق أن يطبق عليها أحد الجزاءات الإجراءات التي أهمها البطلان، مع عدم الإخلال بالجزاءات الموضوعية الأخرى إلى الشخص القائم والمنفذ للإجراء، كالجزاء الجنائي أو التأديبي أو المدني .
ولم تكن القوانين في ظل الأنظمة القديمة تهتم بقواعد البطلان كجزاء إجرائي، حيث أن أغلبها قد خلا من الإشارة إلى أي حكم يتعلق به، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن المشرع كان يضع ثقة كبيرة في القاضي جعلته لا يتوقع معها خروجه عن القواعد القانونية التي فرضها عليه، وكانت النصوص التشريعية في ذلك الوقت المبكر موجزة وواضحة لا تحتمل تأويلا كثيرا. كما أن هناك سببا آخر قد يفسر ذلك، ويكمن في أن قضاء الحكم له مطلق في تقدير ما يراه بالنسبة لإجراءات التحقيق والمحاكمة، فيمكنه عند الحاجة أن يجردها من كل قيمة قانونية، ويهدر ما أسفرت عنه من أدلة وقرائن إذا وجد مبرر لذلك .
ولكن بتقدم المجتمعات تطورت الإجراءات الجنائية نتيجة لإتساع دائرة الموضوعات التي إشتملت عليها، وأصبح لها مستويات على درجات مختلفة الأهمية، وذلك لمواجهة الجرائم المتصلة بالمصالح المتنوعة إلى جانب تضاعف القضايا التي تنظرها المحاكم، حيث أن عددا لا يستهان به منها كان يتضح بعد التحقيق فيه ومناقشته أنه يعتمد على أسباب معينة ، مما يضيع وقتا ومجهودا كبيرا دون طائل.

وهذا ما أدى إلى ضرورة البحث عن قواعد يكون من شأنها الحد من ذلك،حتى يمكن للقضاء أن يركز مهمته على بحث الدعاوى التي تستند على مبررات قانونية سليمة، ومن ناحية أخرى تؤدي إلى منع السلطات المختصة من تجاوز حدودها. فإتجّه التفكير لتفادي تلك النتائج الضارة، إلى وضع جزاء يترتب على مخالفة القواعد القانونية الهامة ليصبح لها صفة ملزمة، وذلك بالنص على بطلان الإجراء غير المشروع وكافة ما يفسر عنه من نتائج .
ومن المقرر قانونا أن الدعوى الجزائية هي مجموعة من الإجراءات المتسلسلة والمترابطة، التي تهدف إلى التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى مرتكبها، ابتداءا من تحريكها حتى صدور حكم نهائي فيها .
وتشكل مرحلة التحقيق النواة الأساسية والنقطة المفصلية بين مراحل الدعوى الجزائية، إذ أنها تحتل مركزا وسطا، بحيث تلي مرحلة جمع الإستدلالات والتي تقوم بها الضبطية القضائية ، وتسبق مرحلة المحاكمة التي يختص بها قضاء الحكم على إختلاف درجاته ، وينتهج المشرع الجزائري سبل الأنظمة الحديثة التي تفصل بين السلطات ، فيخول سلطة المتابعة والإتهام لجهاز النيابة العامة ممثلة في النائب العام ومساعديه ، ويخول سلطة التحقيق لجهة مستقلة ومحايدة ولا تخضع لغير القانون ، ممثلة في قاضي التحقيق كدرجة أولى و غرفة الإتهام كدرجة عليا للتحقيق .
وأهم ما يميز مرحلة التحقيق هو تشعب وتنوع الإجراءات التي تتم خلالها ، غير أن هذه الإجراءات لا تقتصر فقط على ما تباشره سلطة التحقيق أثناء نظرها الدعوى ، بل تشمل أيضا جميع الإجراءات التي يباشرها باقي الخصوم في الدعوى ، وكذلك الأشخاص الذين وإن لم يعتبروا أطرافا في الخصومة إلا أنهم يقومون بدور إيجابي فيها ، من شأنه أن يساعد على تحقيق الهدف من الدعوى ، ومثالهم الشهود والخبراء ، وتعرف هذه الإجراءات بإجراءات التحقيق .
هذه الإجراءات لكي تكون صحيحة ، لا بد أن تتوافر على شروط موضوعية ، تتعلق بالأطراف وما يتطلبه القانون من شروط خاصة بالمحل المنصب عليه الإجراء ، وسبب القيام به ، وشروط شكلية تتعلق بالشكل الذي يجب أن يصاغ فيه الإجراء ، فإذا توافر في الإجراء الشروط القانونية المتعلقة به سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية ، كان صحيحا ومنتجا لأثاره القانونية . أما إذا تخلف عن الإجراء شرط من شروطه القانونية كان مخالفا للقانون ، وبالتالي يخرج من نطاق إجراءات التحقيق الصحيحة ليندرج تحت إجراءات التحقيق المعيبة ، أو بمعنى إدق إجراءات التحقيق الباطلة .
هذا وقد تطور جزاء البطلان وإزدادت فعاليته بتطور حقوق الدفاع ، وإتساع رقعة الحريات الفردية ومجال حمايتهم ، حيث تم إدخال المحامي كطرف إجرائي عند مباشرة الإجراءات ، وأصبح بإمكانه الحضور بجانب المتهم في إستجوابه ومواجهته .
بالإضافة إلى ما سبق ذكره ، فإن القضاء يختص هو الأخر بحماية الشرعية الإجرائية ، وذلك عن طريق الرقابة على الإجراءات الجنائية بصفة عامة وإجراءات التحقيق بصفة خاصة ، للتأكد من أن الأجهزة المختصة بالبحث عن الحقيقة ، تعمل وفقا لقواعد قانونية معينة تحمي حقوق وحريات الأفراد وتصونها من التعسف والتحكم وإساءة إستعمال السلطة . و وسيلة القضاء في ذلك تتمثل في منع الإجراء الذي إتخذ بالمخالفة للقانون من ترتيب أثاره، أي بطلان الإجراء المخالف للقانون .
وتنبع أهمية دراسة بطلان إجراءات التحقيق من إستظهار القيمة العملية لقواعد إجراءات التحقيق ، والتي يترتب على مخالفتها جزاء يحدد قيمة العمل الذي خالفها ، ومدى ما له من فاعلية ودور إجرائي في سير الدعوى نحو غايته المتمثلة في صدور حكم بات فاصلا في موضوعها هذا من جهة . ومن جهة أخرى فإن إجراءات التحقيق لها أهداف قانونية إجتماعية ، تتمثل في كفالة حسن سير عمل القضاء وكفالة إحترام حقوق الدفاع ، والحرص على تحقيق هذه الغاية يقتضي وضع الجزاء الذي يكفل إحترام القواعد التي تستهدفها ، ليست دراسة موضوع بطلان إجراءات التحقيق هي دراسة في سبيل كشف الثغرات الإجرائية بل هي في المقام الأول دراسة لسد هذه الثغرات ، وبالتالي يغدو جزاء البطلان موجها إلى المشرع وإلى سائر القائمين على تنفيذ النصوص الإجرائية .
ومن هذا المنطق ، تبرز الأهمية البالغة التي يكتسبها البطلان كجزاء إجرائي على الصعيدين العلمي والعملي ، وهو ما دفعنا إلى ولوج دراسة هذا الجزاء الإجرائي ، وإختيار موضوع بطلان إجراءات التحقيق ، لكونه يتوافق ويتماشى في نفس الوقت مع التخصص الدراسي ، وكذا الإهتمام و الميول الشخصي نحو المواضيع ذات الطابع الجنائي وبالأخص الإجرائي .
وتهدف هذه الدراسة بشكل رئيسي إلى إستجلاء أحكام البطلان وإستظهار أهم تطبيقاته على إجراءات التحقيق، وكذا تأصيل وإستقراء دور قضاء المحكمة العليا في هذا الخصوص. فالغاية الأولى تأصيلية بينما الثانية تحليلية، في حين أن الغاية الثالثة وظيفية نسعى من خلالها للكشف عن صور البطلان الناشئة عن مخالفة القواعد المنظمة لإجراءات التحقيق، وتهدف هذه الأهداف الثلاثة بدورها إلى ما يلي :
– التعرف على مفهوم البطلان ، وكذا الوقوف على أسبابه .
– توضيح حالات البطلان بنوعيها.
– معرفة تقسيمات البطلان وبيان أنواعه، وشروط التمسك به والتنازل عنه ومن له الحق في ذلك .
– بيان و توضيح كيفية تقرير البطلان ، وتحديد الجهات القضائية المختصة بالحكم والفصل في البطلان ، وإستقراء دور المحكمة العليا في تقرير البطلان .
– تحديد آثأر البطلان على إجراءات التحقيق ، وكذا معرفة كيفية إصلاح إجراءات التحقيق المعيبة دون إبطالها .
– إستظهار أهم تطبيقات البطلان على إجراءات التحقيق .
ولعل الشيء الذي نريد أن نؤكده هنا، هو قلة البحوث والدراسات الأكاديمية التي تناولت موضوع بطلان إجراءات التحقيق في قانون الاجراءات الجزائية الجزائري . إلاّ أن عملنا ومسعانا لم يكن سهلا ومعبدا ، بل واجهتنا عدة صعوبات وعراقيل تكمن في التمييز بين جزاء البطلان عن غيره من الإجراءات الجزائية الأخرى ، ومرد هذه الصعوبة يكمن في معرفة مدى تميز فكرة البطلان في ذاتها وتمايزها بالتالي عن غيرها من الجزاءات الإجرائية الأخرى .
أما فيما يخص الصعيد التشريعي للبطلان ، فالإشكال يكمن في صعوبة الأخذ بأحد مذهبي البطلان القانوني أو الجوهري ، ومرجع الصعوبة أن تبني أحد مذهبي البطلان دون الأخر لا يبدو حلا عمليا ناجعا. هذا بالإضافة إلى صعوبة أخرى مرجعها الكشف عن المعايير والضوابط المميزة للإجراءات والأشكال الجوهرية، وهي معايير لا تخلو من النسبية والغموض .
غير أن أهم العقبات التي يمكن أن تعترض هذا البحث ، تكمن في صعوبة إستجلاء وإستظهار صور البطلان الناشئة عن مخالفة القواعد والمنظمة لإجراءات التحقيق، ولا شك أن ضبط فكرة البطلان تتوقف إلى حد كبير على تحديد المقصود بما يرد عليه ها البطلان في القاعدة الجنائية الإجرائية ، لكن المشكلة ليست في تحديد البطلان ذاته بقدر ما هي في تحديد تطبيقات البطلان على إجراءات التحقيق ، إذ ليس أيسر من حسم البطلان في أحكامه ، ولكن ليس أعسر من إستظهار أهم تطبيقاته على إجراءات التحقيق.

ومن كل ما تقدم تتضح إشكالية موضوع البحث ، والتي تتمحور أساسا حول ما يلي :
كيف يمكن الوصول إلى تحقيق التوازن والتوفيق بين مصلحتين متعارضتين جديرتين بالحماية على حد سواء ، مصلحة المجتمع في حماية أمنه وإستقراره في توقيع العقاب على المتهم ، ومصلحة المتهم في حماية حقوقه وحرياته الفردية من التعدي عليها وإنتهاكها ، عند مباشرة إجراءات التحقيق ؟
ومن الواضح أن هذه الإشكالية تضم في جوانبها أفكارا مترابطة يمكن تفصيلها في شكل تساؤلات فرعية ، يشكل كل واحد منها محورا من المحاور الأساسية لهذا البحث ، هذه التساؤلات يمكن إجمالها فيما بعد :
– ما مفهوم البطلان ؟ وفيما تتمثل أسبابه ؟
– ما هي أهم تقسيمات البطلان ؟ وما هي شروط التمسك به ، وكيف يتم التنازل عنه ؟ ومن له الحق في ذلك ؟
– كيف يمكن تقرير البطلان ؟ وما هي الجهات المختصة بتقريره ؟
– فيما تتمثل آثأر البطلان ؟ وكيف يمكن الحد منها وتجنبها ؟
– ما هي أهم تطبيقات البطلان على إجراءات التحقيق ؟ ماهي صور البطلان الناشئة عن الإخلال ومخالفة القواعد المنظمة لإجراءات التحقيق ؟
وحتى نجيب على هذه الإشكاليات ، سوف نتبع المنهج الوصفي التحليلي ، لأن طبيعة الموضوع تقتضي الوصف الدقيق والتحليل في آن واحد ، للوقوف على مفهوم البطلان وتحديد أسبابه ، ومعروفة مذاهبه وأنواع ، وإستجلاء كيفية تقريره ، وكذا الآثار المترتبة عنه ، وصولا إلى دراسة أهم تطبيقاته على إجراءات التحقيق. كما أن الإحاطة بموضوع كهذا غاية في الأهمية ، يتطلب إستعمال التحليل والتفسير لنصوص قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بطلان إجراءات التحقيق وتحديد نطاقها ، حتى يتم التوصل إلى إستنتاجات حقيقة تعبر عن الموضوع بأهمية البطلان .
وإلى جانب هذا المنهج ، نستخدم المنهج المقارن أيضا في بعض الجزئيات، والتي تتطلب المقارنة بين أحكام البطلان في التشريع الجزائري ، وأحكام البطلان في بعض التشريعات الأخرى ، وبالأخص قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي نظرا لتقارب أحكامه مع أحكام التشريع الجزائري في هذا الخصوص .
وكذا قانون الإجراءات الجزائية المصري في بعض الجزئيات هذا من جهة . وللمقارنة بين مختلف الإتجاهات الفقهية والقضائية بخصوص المسائل التي يطرحا الموضح البحث من جهة أخرى .
وإعتبارا لما تقدم ، يهمنا في هذا المقام أيضا إطار البحث وتحديد نطاقه لإماكن تقصي غاياته ومراميه ، حيث إرتأينا عرض ذلك ضمن خطة ثنائية تقوم على فصلين إثنين .
نتناول في الفصل الأول الأساس القانوني لبطلان إجراءات التحقيق ، ونتعرض في الفصل الثاني إلى الحكم بالبطلان و أثاره .
ويحتوي الفصل الأول على مبحثين مرتبط كل منهما بالأخر ، حيث نتعرف في المبحث الأول إلى أسباب البطلان وحالاته ، والذي يتضمن تحديد أسباب البطلان بدقة وتفصيل حالاته ، ونخصص المبحث الثاني للحذيث عن أنواع البطلان وشروط التمسك به والتنازل عنه .
أما الفصل الثاني ، فيحتوي هو كذلك على مبحثين نخصص المبحث الأول للتبيان ومعرفة الجهات القضائية المختصة بالحكم ببطلان الإجراءات ونتعرض في المبحث الثاني إلى آثار الحكم بالبطلان .
ثم ننهي ونختم هذا البحث بخاتمة تتضمن حصيلة ما توصلنا إليه من نتائج مع بعض الإقتراحات والتي نعتقد أنها ستساهم في إنارة بعض أماكن الظل ونقاط الغموض.

 

 

الفصل الأول : الأساس القانوني لبطلان إجراءات التحقيق :
لقد كان التطور التاريخي للبطلان دور كبير يلعبه كل من التشريع و القضاء و الفقه، فقد تولى التشريع و القضاء جنبا إلى جنب إنشاء حالات البطلان و تحديد معالم نظرية البطلان عبر مراحل زمنية متعاقبة منذ القانون الفرنسي القديم الصادر سنة 1970 إلى وقتنا الحالي.
وعليه فإن كل من التشريع و القضاء إشتركا في تطوير البطلان و بطريقة متناسقة و مترابطة (1)، ولكي نصل إلى تحديد مفهوم البطلان فمن الأفضل تعريفه من الجانب اللغوي و الإصطلاحي ثم تعريفه من الجانب القانوني تبعا لما يلي :
التعريف اللغوي للبطلان : البطلان لغة ( نقيض الحق) مأخوذ من كلمة بطل ، ويقال الشيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا (بضمهن)، فسد و سقط حكمه، فهو باطل (2)، ومنه قوله تعالى : ” إن هؤلاء متبّر ما هم فيه و باطل ما كانوا يعلمون “(3). و الباطل إجمالا هو الذي لا يكون صحيحا بأصله (4).
التعريف الإصطلاحي للبطلان : يراد بالبطلان إصطلاحا عدم ترتب آثار العمل عليه في الدنيا، ويختلف بحسب ما إذا كان الأمر متعلقا بالعبادات أو المعاملات ففي العبادات يعني البطلان إعتبار العبادة كأن لم تكن، كأداء الصلاة من غير نية أو أدائها ناقصة ركعة أو سجدة أو نحو ذلك (5)، و في المعاملات البطلان مرادف للفساد و يقصد به أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله ووصفه أو بهما معا.(6)
التعريف القانوني للبطلان : إختلف فقهاء وشراح القانون في تعريفهم للبطلان، فهناك من عرفه بأنه :
” جزاء إجرائي يلحق كل إجراء معيب وقع بالمخالفة لنموذجه المرسوم قانونا، فيعوقه عن أداء وظيفته،
ويجرده من آثاره القانونية التي كان يمكن ترتيبها فيما لوقع صحيحا (7)، ويلاحظ أن هذا التعريف لم يفرق بين الإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية.
ويعرف فتحي والي البطلان بأنه : ” تكييف قانوني لعمل يخالف نموذجه القانوني مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يرتبها القانون إذا كان كاملا (8).
(1)- أحمد الشافعي، البطلان في قانون الإجراءات الجزائية، دراسة مقارنة، الطبعة الثانية، دار هومة، الجزائر 2005 ،ص ، 11
(2)- المنجد الأبجدي، الطبعة الثامنة، دار المشرق، ش.م.م بيروت – لبنان 1967 ،ص 204،
(3)- الآية 139 من سورة الأعراف
(4)- العلامة الشيخ عبد الله البستاني، البستان معجم لغوي مطول، مكتبة لبنان، 1992 ،ص ،72
(5)- أبي إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، المكتبة التوفيقية القاهرة 2003 ،ص، 239
(6)- وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، ج1، الطبعة الأولى دار الفكر سورية، 1986 ،ص، 106
(7)- سليمان عبد المنعم، بطلان الإجراء الجنائي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2002 ،ص، 15
(8) – مصطفى صخري، موسوعة المرافعات المدنية و التجارية و الإدارية و الجنائية – دراسة نظرية وتطبيقية – الطبعة الثانية، المكتب الجامعي الحديث الإسكندرية 2005 ،ص، 822
البطلان هو الجزاء الذي يلحق إجراء نتيجة مخالفته أو إغفاله لقاعدة جوهرية في الإجراءات يترتب عنه عدم إنتاجه لأي أثر قانوني.
فالبطلان إذا هو أهم جزاء إجرائي قد يلحق إجراء معين من إجراءات التحقيق، لهذا بادر المشرع إلى تنظيم أحكامه بنصوص خاصة، وقد ساهم الفقه و القضاء أيضا بقسط كبير في توسيع حالات البطلان وزيادة الضمانات الممنوحة للأفراد أثناء إجراءات الدعوى الجزائية بوجه عام وأثناء إجراءات التحقيق بوجه خاص، ولعل خير تعريف هو التعريف التالي : ” البطلان هو جزاء عدم ترتيب الأثر القانوني الذي نصت عليه القاعدة الإجرائية، لأن العمل الإجرائي المتخذ بناءا عليها لم يستكمل شروط صحته، أو شكله، أو صيغته أو الكيفية المنصوص عليها في القانون، فيصبح الإجراء وما يترتب عليه من إجراءات لا قيمة لها قانونا.
هذه الإزدواجية في التنظيم بين التشريع من جهة وبين القضاء و الفقه من جهة ثانية أدت إلى قيام أسباب البطلان على مذهبين مختلفين من حيث الأساس و الآثار مترتبة وعنهما البطلان القانوني والبطلان الجوهري، وإنعكست أيضا على تقسيم البطلان إلى بطلان مطلق و بطلان نسبي و تعلقهما بالمصلحة التي يسعيان إلى حمايتها سواء كانت عامة أو خاصة وبما أن مرحلة التحقيق تشكل مرحلة هامة و أساسية تمتاز بتعدد وتشعب الإجراءات فإنه من الجائز أن يشوبها عيب البطلان نتيجة عدم مراعاة بعض الأحكام القانونية أو إغفال بعض الأوضاع الجوهرية.
ومن هذا المنطق سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين، فنخصص )المبحث الأول( لتحديد أسباب وحالات البطلان ثم نتناول في )المبحث الثاني( أنواع البطلان وشروط التمسك به والتنازل عنه. (1)
المبحث الأول: أسباب البطلان و حالاته :
تتجاذب البطلان عدة إتجاهات قانونية تستمد مصدرها من أساسها التاريخي ومن تطور قانون إجراءات الجزائية ومبادئه العامة ومن مساهمة الفقه و إجتهاد القضاء.
ومجال أسباب البطلان هو الذي عرف تطورا ملحوظا بتطور ميدان الحريات الفردية وتدعيم حقوق الدفاع لذلك فالبطلان يكون قانونيا أو جوهريا.

(1) – أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق ،ص، 12
ونوع البطلان يختلف بإختلاف المصلحة المتضررة من إجراء المعيب، لذلك يكون البطلان مطلقا إذا كان الإجراء المخالف يتعلق بمصلحة المجتمع وبحسن سير العدالة، فإن البطلان الذي يلحق الإجراء المعيب يكون بطلانا مطلقا متعلقا بالنظام العام أما إذا كانت المصلحة هنا تخص شخصا معينا طرفا في الدعوى الجزائية، فإن البطلان يكون بطلانا نسبيا متعلقا بمصلحة الأطراف. (1)
وللوقوف على ذلك يتعين علينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نتناول في( المطلب الأول) أسباب البطلان و( المطلب الثاني) حالات البطلان.
المطلب الأول: أسباب البطلان:
وضع القانون قواعد إجرائية لإظهار الحقيقة و التأكد من وقوع الجريمة و نسبتها لمرتكبها، لذلك يقتضي المنطق وجوب إتباع إجراءات التحقيق وفقا لما نظمه المشرع، ولهذا فإن إجراءات التحقيق لكي تكون صحيحة ومنتجة لأثارها القانونية لابد أن تتوافر فيها الشروط المقررة قانونا، أما إذا اختل فيها أحد الشروط إعتبرت معيبة و ترتب على ذلك البطلان وهذا هو البطلان القانوني.(2)
وكان للقضاء دور مميز في التفرقة بين العيوب التي تصيب إجراءات التحقيق و إعتبر أنها ليست على مستوى واحد من حيث الآثار المترتبة عليها (3)، فمن الإجراءات ما يوجب القانون مراعاتها تحت طائلة البطلان و منها ما يستهدف مجرد التنظيم و الإرشاد، وبالتالي عندما ينطوي إجراء التحقيق على خرق واضح للقاعدة الإجرائية ويمس بحقوق الدفاع يكون باطلا ولو لم ينص عليه القانون، وهذا هو البطلان الجوهري.
ومن هذا المنطلق نجد تشريعات الدول يتجاذبها في مجال البطلان إتجاهان أو مذهبان :
الإتجاه الأول: هناك من الدول من لا تعترف إلا بالبطلان المنصوص عليه في القانون ولا تأخذ إلا بحالات البطلان التي أوردها القانون على سبيل الحصر.
الإتجاه الثاني: يأخذ بالبطلان الجوهري أو الذاتي الذي يقضي به القضاء حتى و لو لم ينص عليه القانون إذا كان الإجراء قد خالف قاعدة من القواعد الجوهرية في الإجراءات.

(1)- جيلالي بغدادي، التحقيق، دراسة مقارنة نظرية تطبيقية، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر 1999 ،ص، 245.
(2)- أحمد فتحي سرور، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1959 ،ص، 73.
(3)- عبد الله اوهايبية، ضمانات الحرية الشخصية أثناء مرحلة البحث التمهيدي، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر 2004 ،ص، 61

وقد أخذت قوانين كل من مصر وفرنسا وتونس و المغرب بالمذهبين، كما ساير المشرع الجزائري في قانون الإجراءات الجزائرية نفس التشريعات.
وعليه سنقسم هذا المطلب إلى فرعين، نتناول في الفرع الأول البطلان القانوني، والفرع الثاني البطلان الجوهري.
الفرع الأول: البطلان القانوني:
سنتعرض للبطلان القانوني وفقا للآتي: أولا مفهوم البطلان القانوني ثانيا تقسيم بطلان قانوني
أولا : مفهوم البطلان القانوني : يقصد بالبطلان القانوني، أن القانون هو الذي يتولى وحده دون غيره تحديد حالات البطلان مسبقا جزاء عدم مراعاة القواعد الإجرائية التي نص عليها القانون (1)، فلا يمكن للقاضي أن يحكم بالبطلان إلا في الحالات التي أوردها القانون على سبيل الحصر ولا يملك أن يجتهد في ذلك لأنّ البطلان القانوني يعد إمتدادا للقاعدة العامة و السائدة و التي مفادها ” لا بطلان بدون نص ”
Pas de nullité sans texte وتستمد هذه القاعدة أساس وجودها من المبدأ العام الذي يحكم قانون العقوبات و التجريم بصفة عامة و هو ” لا عقوبة بغير نص ” وأساس تشابه هذين المبدأين راجع إلى أن العقوبة جزاء يلحق عملا معينا أخل بنظام المجتمع وجرمه المشرع، في حين أن البطلان هو جزاء يلحق إجراءا تم مخالفا للشكليات التي يشترطها القانون.(2)
وإشترط قانون إجراءات الجزائية شكليات معينة في إجراءات التحقيق الإبتدائي يقوم بها قاضي التحقيق
غير أنه لا يكفي أن ينص القانون على إتباع إجراء معين ليترتب على مخالفته أو إغفاله البطلان، بل يجب أن ينص القانون على أن هذه المخالفة ترتب البطلان لذلك يسمى هذا البطلان بالبطلان النصي (3)،
ومن أهم ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية الجزائري فيما يتعلق بالبطلان القانوني المادة : 38 من قانون الإجراءات الجزائرية الجزائري التي تنص على أنه : ” تناط بقاضي التحقيق إجراءات البحث والتحري، ولا يجوز له أن يشترك في الحكم في قضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق و إلا كان ذلك الحكم باطلا.”
(1)- د.سليمان عبد المنعم، بطلان الإجراء الجنائي، محاولة تأصيل أسباب البطلان في ظل قضاء النقض في مصر و لبنان وفرنسا، دار الجامعة الجديدة للنشر، القاهرة 1999 ص، 43.
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق ص ،29
(3) – د. أحسن بوسقيعة، التحقيق القضائي، الطبعة الخامسة، دار هومة، الجزائر 2006 ص، 187

وقد نصت مادة 44 في فقرتها الثالتة على أنه يجب أن يتضمن الإذن بالتفتيش تكييف الجريمة موضوع البحث عن الدليل بشأنها وعنوان الأماكن تحت طائلة البطلان، كما تتضمن مادة 65 مكرر 15 وجوبا أن يكون الإذن المسلم مكتوبا ومسببا تحت طائلة البطلان، وذهبت المادة 48 من نفس القانون، إلى أنه يجب مراعاة الإجراءات التي إستوجبتها المادتان 45 و 47 ويترتب على مخالفتها البطلان.
كما نصت المادة 157/1 قانون الإجراءات الجزائية على أنه تراعى الأحكام المقررة في مادة 100 المتعلقة بإستجواب المتهمين و المادة 105 المتعلقة بسماع المدعي المدني و إلا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه و ما يتلوه من الإجراءات.
وتنص مادة 198 من نفس القانون على أن قرار الإحالة يتضمن بيان الوقائع موضوع الإتهام ووصفها القانوني و إلا كان باطلا، في حين نصت المادة 559 على أن يقدم طلب رد القضاة كتابة، ويجب تحت طائلة البطلان أن يعين فيه إسم القاضي المطلوب رده وأن يوقع عليه الطالب شخصيا.
وبالرجوع إلى المادة 593 قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي نجدها تنص على أن قرار غرفة الإتهام وكذا القرارات و الأحكام الصادرة في آخر درجة تعتبر باطلة إذا لم تتضمن أسبابا أوكانت ناقصة التسبيب، ويكون الأمر كذلك عند إغفال أو رفض الفصل سواء في طلب أو عدة طلبات الأطراف أو في طلبات النيابة، و يتضح من ذلك أن المشرع عندما يريد أن يرتب جزاء البطلان على مخالفة إجراء معينة للقانون فإنه ينص عليه بعبارات صريحة وواضحة لا تقبل أي تأويل و بمفهوم المخالفة فإنه لا يمكن للقاضي أن يحكم بإبطل إجراء مالم ينص عليه القانون صراحة(1)، فهو مقيد بالنص ولا يحكم بالبطلان حتى ولو كان الإجراء يمس حقوق الدفاع ويضر بمصالح الأطراف.
ثانيا : تقييم البطلان القانوني : تكفل نظرية البطلان القانوني تحديد حالات البطلان سلفا فلا تتضارب الأحكام بشأنها (2)، فيعلم كل من قاضي التحقيق والأطراف الإجراءات التي يرتب عليها القانون البطلان فيعملون على إحترامها، كما أن حصر جميع حالات البطلان يستبعد كل تأويل يقوم به
القاضي للقاعدة الإجرائية مما يؤدي إلى عدم تحكمه وتعسفه في تقدير البطلان.

(1)- د.أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص ،32 وما يليها.
(2)- أحمد شوقي الشلفاني، مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائي، الجزء الثاني ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1999 ص، 316
ومع ذلك فإن المشرع لا يستطيع أن يحصي مقدما جميع الحالات التي تستوجب البطلان ولا أن يتنبأ بها فلا يوفر حماية كافية للقاعدة الإجرائية الأساسية، والتي قد لا يضمنها البطلان صراحة فيؤدي إلى عدم صيانة كافية لحقوق الدفاع. (1)
لهذا ذهبت مختلف التشريعات إلى الأخذ بمذهب آخر أكثر مرونة وحماية لحقوق الدفاع والحريات الفردية فتبنت مذهب البطلان الجوهري.
الفرع الثاني: البطلان الجوهري:
لقد تبين للقضاة و الفقه أن البطلان القانوني لا يكفي وحده لمواجهة حالات البطلان التي لم ينص عليها المشرع صراحة، والتي تلحق الإجراءات الجوهرية في الدعوى الجزائية لذلك إقتضت الضرورة تغطية هذا النقص وإنشاء نظام جديد ألا وهو البطلان الجوهري.
سنتعرض أولا إلى مفهوم البطلان الجوهري ثم ثانيا إلى الإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية وثالثا إلى معيار التفرقة بينهما.
أولا : مفهوم البطلان الجوهري : ويسمى أيضا البطلان الذاتي وهو بطلان أنشأه الفقه و القضاء الفرنسي في الحالات التي لم ينص فيها القانون صراحة على البطلان ثم أخذ به القضاء كجزاء على المخالفات أو إغفال قاعدة الجوهرية في الإجراءات الجزائية.
وقد أخذ الفقه و القضاء بهذا النظام من فقرة الثالتة من المادة 408 قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي القديم التي كانت السبب في تطوره وتوسعه.(2)
وعليه يمكن القول بأن البطلان الجوهري يستجيب للشرطين التاليين :
الشرط الأول : هو شكل الأساسي للإجراءات يعتبر ضروريا لصحة وسلامة متابعة.
الشرط الثاني : إغفال شكل من الأشكال الأساسية، مثل الإمضاء و التاريخ، فهما شرطين يجب توافرهما في الطلب الإفتتاحي لإجراء التحقيق غير موقع أو غير مؤرخ، مما يترتب عنه عدم إمكانية إخطار قاضي التحقيق.(3)

(1)- جيلاي بغدادي، التحقيق، نفس المجرع السابق، ص، 245.
(2)- دبراش سليمان، شرح قانون الإجراءات الجزائية، الجزء الأول، درا الهدى ، الجزائر2007،ص،35.
(3)- نقض جنائي فرنسي ، 21 جوان 1951 و 04 ديسمبر 1952 .

ونظرا لكون هذا البطلان من وضع الفقه و القضاء فإن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في تقرير البطلان و الحكم به ولو لم ينص عليه القانون وذلك إذا تعلق الأمر بمخالفة أو إغفال قاعدة جوهرية في الإجراءات ومع هذه المرونة و السلطة التي يتمتع بها القاضي في الحكم ببطلان الإجراء حسب جسامة المخالفة و أهميتها ومدى مساسها بحقوق الدفاع، فإنه من الصعب تحديد وتعريف القواعد الجوهرية.
فقد نص قانون الإجراءات الجزائية على إجراءات شكلية عديدة غير أنها ليست جميعا بنفس الأهمية و القيمة القانونية ولا ترتب نفس النتائج والآثار، فهناك إجراءات جوهرية وضعت من أجل التنظيم والإرشاد و التوجيه بحيث لا يترتب على مخالفتها البطلان.
كما أن المشرع لم يعطي تعريفا للقواعد الجوهرية ولا للقواعد غير الجوهرية بل ترك هذه المهمة لإجتهاد القضاء و الفقه، وبالتالي بقي الأمر غامضا يحتاج إلى توضيح طبقا للمقتضيات الشرعية الإجرائية.(1)
ثانيا : الإجراءات الجوهرية و الإجراءات غير الجوهرية :
أ- الإجراءات الجوهرية : تنص المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه يترتب البطلان أيضا على مخالفة الأحكام الجوهرية الواردة في الباب الثالث الخاص بالتحقيق بالإضافة إلى تلك المنصوص عليها في مادتين 100 و 105 إذا ترتب على مخالفتها إخلال بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى.
وقد إعتمد المشرع على حقوق الدفاع كمعيار لتحديد الإجراء الجوهري، كما إعتبرت المحكمة العليا أن الشكلية إجراءا جوهريا تعتبر جوهرية عندما تمس بحقوق من يتمسك بها.(2)
ومع ذلك فإن المشرع لم يحدد مضمون حقوق الدفاع طبقا لمبدأ الشرعية الذي يقتضي توضيح و تبين النصوص الجنائية (3) تفاديا للتفسير القضائي الذي طالما ترتب عليه إخلال بحقوق ويمكن القول أن حقوق الدفاع تتمثل في الأحكام التي تعطي ضمانات للمتهم للدفاع عن نفسه مساوية لتلك الحقوق لجهة الإتهام

(1) د.أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق ص ،35
(2) قرار جنائي صادر في 28/11/1989 ملف رقم 58430، المجلة القضائية، العدد الثاني لسنة 1994 ص، 262
(3)- قرار صادر في 29/11/1983 عن الفرقة الجنائية الأولى، تحت رقم 34094، المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الرابع لسنة 1989،
ص،278

تحت إشراف القضاء (1)، وبالرجوع إلى قضاء محكمة النقض الفرنسية فإنها قد إعتمدت في تحديد الإجراء الجوهري على معيارين هما معيار حسن إدارة العدالة و معيار حقوق الدفاع، ومثال ذلك الحق في إختيار محامي للدفاع عنه.(2)
والملاحظ أن كل من القضاء الجزائري و القضاء الفرنسي قبل تعديل 04/01/1993 لم يكن يرتب البطلان على إنتهاك الأحكام الخاصة بالتوقيف للنظر،غير أنه وبصدور قانون 04/01/1993 أصبح يعتبر الأشكال الخاصة بالتوقيف للنظر جوهرية، ويفحص خلالها فيما إذا كانت قد إحترمت أم لا، وفي حالة عدم إحترامها يقضي ببطلان الإجراءات، وبالتالي يكون هذا القانون قد أضاف حقوق جديدة للشخص الموقوف للنظر. كحق إخطار الشخص سواء كان قريبا أم لا بتوقيفه، وحق فحصه من قبل الطبيب وحقه في طلب محامي للتحدث معه.
أما بالنسبة للقانون الإجراءات الجزائري فقد نصت المادة 51 مكرر 1 قانون الإجراءات الجزائية على وجوب قيام ضابط الشرطة القضائية بأن يضع تحت تصرف الشخص الموقوف للنظر كل وسيلة تمكنه من الإتصال فورا بعائلته وزيارتها له، وهذا ما يؤدي إلى تكريس وتدعيم مبدأ قرينة البراءة، ومع ذلك لم نعثر على قرارات قضائية لمعرفة موقف القضاء الجزائري في حالة عدم إحترام هذا الإجراء، وهذا ما يؤدي إلى بطلان الجوهري لإجراء التوقيف للنظر.
ويترتب نفس الجزاء على عدم إحترام مدة التوقيف تحت النظر و المحددة بـ 48 ساعة (مادة 51 فقرة 2) إذا تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في فقرة 9.8.7.6 من مادة 51 قانون الإجراءات الجزائية فإنه يمكن بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية المختص تمديد آجال التوقيف للنظر بعدد المرات المذكورة في نفس المادة.(3)
كما يعتبر إخبار وكيل الجمهورية من طرف ضابط شرطة القضائية بمجرد توقيف الشخص للنظر إجراء جوهري يترتب على مخالفته البطلان.
وبذلك يعتبر إجراء جوهريا يرمي إلى حسن سير العدالة وجوب التوقيع على الطلب الإفتتاحي لإجراء تحقيق وتدعيم هذا الطلب بالوثائق اللازمة لمباشرة التحقيق، ويعتبر إجراء جوهريا يترتب على مخالفته أو إغفاله مساس بحقوق الدفاع إستجواب المتهم بعد تحليفه اليمين وكذا إستنباط إعتراف المتهم من وسائل غير مشروعة.
ويلاحظ أن محكمة النقض الفرنسية ضيقت من فكرة حقوق الدفاع و إشترطت لاعتبار مخالفتها سببا للبطلان أن تعرض المخالفة الإجرائية أهم الحقوق الأساسية للخطر وأن يتوفر الاعتداء الجسيم عليها.
(1)- د.بارش سليمان، نفس المرجع السابق ،ص، 36
(2)- نقض جنائي فرنسي في 04/12/1952، أشار إليه د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص ،192.
(3)- يلاحظ أن المادتين 51/65 من قانون الإجراءات الجزائية، نصت على عدة جرائم يمكن تمديد آجال المدة الأصلية لتوقيف شخص للنظر أثناء البحث التمهيدي الذي يجرى بشأنها أو بمناسبة البحث في جريمة متلبس بها، كما أن مدة التمديد الإضافية طويلة جدا بالنسبة لبعض الجرائم.
وقد إستقرت المحكمة العليا على أن الإجراء يكون جوهريا إذا كان يهدف إلى حماية حقوق الدفاع (1) أو حقوق أطراف الدعوى الجزائية أو يرمي إلى حسن سير العدالة فيعتبر إجراءا جوهريا استجواب المتهم قبل إصدار أمر إيداع ضده.
والمعيار في تحديد الإجراء الجوهري من غيره مرتبط بالمصلحة التي يحميها سواء كانت المصلحة عامة أو مصلحة خاصة، ويترتب على عدم مراعاة الإجراء الجوهري البطلان.
والإجراءات الجوهرية لا يمكن تعدادها و لا حصرها لأن عددها يمكن أن يتغير تبعا لتعديلات قانون الإجراءات الجزائية التي تنشئ أشكالا جوهرية جديدة.
ب-الإجراءات غير الجوهرية : هي إجراءات إرشادية تنظيمية نص عليها المشرع لمجرد إرشاد وتوجيه رجال القضاء و الأطراف إلى الطريقة المثلى لإجراء التحقيق و الفصل في الدعوى الجزائية ولا تهدف لحماية حقوق أي طرف في الدعوى، ولا يترتب على خرقها أو مخالفتها أي بطلان.(2)
إعتبرت المحكمة العليا أن إخراج المتهم من قاعة الجلسة بعد قفل باب المرافعات إلى حين أن تتداول المحكمة في القضية بعد تدابير وقائيا بهدف المحافظة على النظام و الأمن وليس إجراء جوهري.
وقد قضت المحكمة العليا في القرار الصادر في 14/07/1998 من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 195447 أن ذكر رقم قاعة الجلسة في الإستدعاء لا يشكل إجراء جوهريا و لا يعتبر مخالفة لقاعدة جوهرية في الإجراءات يترتب عنه البطلان، وفي قرار آخر قرار صادر بتاريخ 02/07/1985 من الغرفة الجنائية الثانية في الطعن رقم 43509 قضت أن ترتيب القضايا وجدولتها في دورة عادية أو غير عادية هو إجراء تنظيمي و إداري لا جوهري لذلك لا ينجر عنه البطلان.(3)
ومثال الإجراءات غير الجوهرية كذلك عدم تبليغ المتهم بجلسة غرفة الاتهام لذا ما تبت أنه تم تبليغ محاميه بتاريخ الجلسة وحضر إليها وقدم أمام غرفة الاتهام ملاحظات شفوية طبقا المادة 182 قانون الإجراءات الجزائية، وكذا عدم تبليغ المتهم بأمر الإيداع الصادر ضده طبقا المادة 117 فقرة 2 من نفس القانون (4).

(1)- قرار رقم 72149 مؤرخ في 17/03/1990 صادر عن المحكمة العليا الغرفة الجنائية الأولى، المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الرابع للسنة 1991، ص، 271.
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 44
(3)- قرار صادر في 02/03/1982 عن الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا، طعن رقم 26687
(4)- جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول، الجزائر 1996 ،ص، 130

ثالثا : معيار التفرقة بين الإجراءات الجوهرية و الإجراءات غير جوهرية :
نص المشرع على البطلان إذا تمت مخالفة الأحكام الجوهرية المتعلقة بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى ولكنه لم يوضح هذه الحقوق ولم يفسرها تفسيرا يكفي لضمان حرية المتهم، وهنا يبرز دور الإجتهاد الذي يقوم به القضاء الذي يتولى التقرير بأن هذا الإجراء يعتبر جوهريا أم لا حسب الغاية المتوخاة من كل واحد منهما.
وفي سبيل الوصول إلى كشف الحقيقة وتحقيقا للتوازن بين مصلحة المتهم ومصلحة المجتمع يرى بعض الفقه أنه تعد إجراءات جوهرية تلك الإجراءات التي تحدد ضمانات الحرية الشخصية للمتهم وتكفل الإشراف القضائي على الإجراءات(1)، وعليه يمكن تقسيم هذه المعايير إلى الآتي :
أ-قواعد ضمانات الحرية الشخصية : يتمثل هذا المعيار في فكرة مصلحة المتهم فإذا كان الإجراء يهدف إلى حماية مصلحة ما بناءا على قرينة البراءة يعد جوهريا وأن مخالفته يترتب عليها البطلان (2)، وتشمل هذه الإجراءات، ضمانات الدفاع التي تواجه التهمة وضمانات الأمن الشخصي التي تواجه الإجراءات الماسة بسلامة الجسم، وحرية التنقل كالقبض و الحبس المؤقت، و الضمانات المتعلقة بالحياة الخاصة التي تحمي الحق في كتمان الأسرار و التي تواجه الإجراءات الماسة بها مثل التفتيش و التصنت على المكالمات الهاتفية. (3)
ب-القواعد التي تكفل الإشراف القضائي : مادامت الإجراءات الجزائية تهدف إلى إقامة التوازن بين حقوق المتهم ومتطلبات المجتمع في الحماية تطبيقا لمبدأ الشرعية، فإن ذلك يقتضي إشرافا قضائيا ومن تم تعد القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي قواعد جوهرية كتلك المتعلقة بإختصاص قاضي التحقيق وكيفية مباشرته إجراءات التحقيق.
ج-معيار الضوابط : يقوم هذا المعيار على أساس :
1)- ضابط المصلحة العامة في حسين سير الجهاز القضائي :
إن القواعد التي وصفها المشرع في قانون الإجراءات الجزائية، والمتعلقة بالإجراءات التي يجب مراعاتها ضمانا لحسن سير الجهاز القضائي، لا شك أنها ترتبط بالمصلحة العامة للمجتمع في كفالة فاعلية هذا الجهاز، ولذلك فإن جميع الإجراءات المتعلقة بحسن سير هذا الجهاز، تعتبر إجراءات جوهرية يجب مراعاة أحكامها و إلا ترتب على مخالفتها البطلان ومن أجل ذلك نجد أن الإجراءات المتعلقة بحق النيابة العامة في رفع الدعوى الجزائية ومباشرتها و تمثيلها أمام القضاء تعتبر إجراءات جوهرية كما أن القواعد المتعلقة بتشكيل المحاكم من حيث عدد أعضائها و صفاتهم وولايتهم لنظر
الدعوى جميعا إجراءات وقواعد جوهرية روعيت فيها المصلحة العامة في حسن سير الجهاز القضائي.
(1)- د.بارش سليمان، نفس المرجع السابق، ص، 38، أنظر كذلك د.أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص،193
(2)- أحمد شوقي السلقاني، المرجع السابق، ص ،317
(3)- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988 ،ص، 346.
ولا تقتصر الحماية التشريعية للمصلحة العامة في حسن سير الجهاز القضائي على القواعد المتعلقة بالتشكيل و الإختصاص والولاية، بل تمتد أيضا إلى الإجراءات التي يصغها المشرع لضمان تحقيق العدالة الجزائية على خير وجه، ولو كانت في ظاهرها مقررة لمصلحة المتهم، فالمصلحة العامة في حسن سير الجهاز القضائي هي التي دعت المشرع إلى النص على ضرورة إستجواب المتهم قبل إصدار الأمر بحبسه مؤقتا.(1)
ب)- ضابط مصلحة الأطراف :
إذا تعلق الإجراء بمصلحة الخصوم مباشرة فهو إجراء جوهري يؤدي إغفاله أو تغيبه إلى البطلان، ذلك أن مصلحة الخصوم هي من المصالح الجوهرية التي يحرص المشرع على حمايتها في الدعوى الجنائية تحقيقا للعدالة، ومن هذا القبيل تبليغ الخصوم لحضورهم إجراءات التحقيق، وكذلك جميع الإجراءات المتعلقة بتبليغ الأوامر و القرارات.(2)
ج)- إحترام حقوق الدفاع:
مؤدى هذا الضابط ترتيب البطلان على كل مخالفة لقاعدة إجرائية تقرر حقوقا للدفاع المتهمين (3)، إذ أن القانون يكفل للمتهم حق الدفاع عن نفسه، ونفي التهمة المنسوبة إليه، وتفيد آدلة ثبوت التهمة ضده.
والإجراءات المتعلقة بحقوق الدفاع، منها ما هو مقرر تحقيقا للمصلحة العامة، ومنها ما هو مقرر لمصلحة المتهم الشخصية، ومن قبيل الإجراءات المتعلقة بالمصلحة العامة وجوب إستجواب المتهم قبل حبسه مؤقتا، ووجوب تحديد التهمة المنسوبة إليه في أمر الإحالة، ومن أمثلة الإجراءات المتعلقة بمصلحة المتهم الشخصية، وجوب مباشرة إجراءات التحقيق الإبتدائي في مواجهته.(4)
د)- ضابط الغاية من الإجراء :
إعتبر الإجراء جوهريا إذا كانت الغاية منه إنتاج أثر قانوني يتعلق بسير الدعوى الجنائية والفصل فيها، فالإجراء ليس عملا شكليا أصم، بل عمل واع يرتبط بالغاية التي يرمي إلى تحقيقها فإذا تحققت هذه الغاية.

(1)- نبيل صقر، البطلان في المواد الجزائية، نفس المرجع السابق ،ص، 22
(2)- عبد الحكم قودة، البراءة وعدم العقاب في الدعوى الجزائية، منشأة المعارف، الاسكندرية 2000 ،ص، 241
(3)- سليمان عبد المنعم، بطلان الاجراء الجنائي، نفس المرجع السابق، ص، 57.
(4) – محمد مروان ونبيل صقر، الموسوعة القضائية الجزائرية، الدفوع الجوهرية في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، الجزائر، ص، 42

عدّ الإجراء صحيحا منتجا لآثاره القانونية، وإذا تخلفت هذه الغاية عد الإجراء باطلا وتجرد من آثاره القانونية.
ويمكن القول أن غاية القواعد الإجرائية الجنائية هي الموازنة بين حق الدولة في العقاب وحق المتهم في الحرية، وذلك بقصد الوصول إلى معرفة الحقيقة، وليست كل القواعد تستهدف لتحقيق غاية، إذ هناك من القواعد ما لا يرمي إلى تحقيق غاية، وإنما تمثل وسائل تنظيمية أو توجيهية لخدمة أعمال إجرائية أهم وأسمى.
والبطلان وفقا لهذا المعيار لا يترتب إلا على مخالفة القواعد الإجرائية حين لا تتحقق الغاية منها، أي أن البطلان يلحق بالإجراء رغم حصوله بالفعل لأنه لم ينتج الغاية منه، ولكن لا يترتب البطلان على مخالفة القواعد الإجرائية التنظيمية أو التوجيهية التي لا ترمي لغاية ما.
ومن أمثلة الإجراءات الواجب إبطالها لعدم تحقق الغاية منها، عدم إصطحاب المحقق لكاتب يضطلح بتدوين التحقيق عند إستجواب المتهم أو سماع شاهد، إذ أن لهذا الإجراء غاية هي تمكين المحقق من التفرغ تماما للجانب الفني في عمله التحقيقي، وترك تدوين التحقيق لشخص آخر.(1)
ويبدو أن ضابط الغاية من الإجراء يحمل في طياته الضوابط الأخرى التي سبق ذكرها، ذلك أن القاعدة يمكن إعتبارها جوهرية متى كانت غايتها تحقيق المصلحة العامة أو تحقيق مصلحة الخصوم أو ضمان حقوق الدفاع للمتهم. أما إذا لم تكن غاية القاعدة الإجرائية تحقيق هذه المصالح فإن هذا يعني أنها قاعدة إرشادية تنظيمية لا يترتب على مخالفتها البطلان.(2)
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم الجهود المبذولة للإتيان بهذه الضوابط لتحديد الإجراء الجوهري من غيره إلا أن هناك من يحاول إهدار قيمة هذه الضوابط، إذ يرى بعدم وجود تفرقة بين الإجراء الجوهري و غير الجوهري، ذلك لأن القواعد الإجرائية كلها شرعت إما لمصلحة المجتمع أو لمصلحة الخصوم.(3)
وينطبق على نظام البطلان القانوني و البطلان الجوهري نظام لا بطلان بغير ضرر بشرط أن يتعلق بمصلحة الأطراف، و الفرق الوحيد هو الضرر الذي يلحقه الإجراء المعيب بالطرف الذي يتمسك به،

(1)- عمر فخري عبد الرزاق ألحديتي، حق المتهم في محاكمة عادلة، دار الثقافة للنشر و التوزيع الأردن 2005 ص، 195.
(2)- عبد الحميد بوسليو، بطلان التحقيق الإبتدائي في القانون الجزائري، بحث متمم لنيل شهادة الماجيستر في القانون الجنائي و العلوم الجنائية، كلية الحقوق جامعة باجي مختار، عنابة، 1999 ص، 89.
(3)- فتحي والي، نفس المرجع السابق، ص،157.

معناه أن القاضي لا يحكم إلا ببطلان الإجراءات المشوبة بعيب والتي سببت ضررا للغير أو الطرف المتمسك بها، فهو نظام وسيط بين البطلان القانوني و البطلان الجوهري، فإذا كان الأول ينص على أنه لا يجوز للقاضي الحكم ببطلان إجراء معين إذا لم ينص عليه القانون، فإن نظام البطلان الجوهري يمنح القاضي الحرية بإبطال إجراء من الإجراءات إذا كان مشوبا بعيب مخالفة قاعدة جوهرية ولو لم ينص القانون صراحة على هذا البطلان.(1)
المطلب الثاني: حالات البطلان :
لم يسوي المشرع الجزائري في تنظيمه لأحكام بطلان إجراءات التحقيق بين جميع الحالات بل فرق بينها في الآثار القانونية المترتبة ومراد ذلك أنه أخذ بالبطلان النصي (المقرر بنص صريح ) وبالبطلان الجوهري (المترتب على الإخلال بالإجراءات الجوهرية ).وذلك سواء تعلق الأمر بالإجراءات المتخذة من طرف قاضي التحقيق أو من طرف غرفة الإتهام لذلك سنتطرق إلى حالات البطلان حسب النطق الذي إتبعه المشرع الجزائري وهو حالات البطلان المقررة بنص صريح (الفرع الأول ) ثم حالات البطلان الجوهري (الفرع الثاني ) .
الفرع الأول: البطلان المقرر بنص صريح:
وهي الحالات التي رتب فيها المشرع البطلان صراحة على عدم مراعاة شكليات معينة وهي مذكورة في المواد 3،48،157،198،260 من القانون الإجراءات الجزائية وسنتطرق إليها في الفروع الآتية :
أولا: الحالات المنصوص عليها في المادة 157 :
تنص المادة 157/1 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه تراعى الأحكام المقررة في المادة 100 المتعلقة بإستجواب المتهمين والمادة 105 المتعلقة بسماع المدعي المدني وإلا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه وما يتلوه من إجراءات (2) .
بإستقراء نص المادة يتبين أن المشرع قد رتب البطلان في حالتين: الحالة الأولى: عند عدم مراعاة الأحكام المقررة في المادة 100 المتعلقة باستجواب المتهمين. الحالة الثانية: عند عدم مراعاة الأحكام المقررة في المادة 105 المتعلقة بسماع المدني. غير أنه وبقراءة متمعنة لنص هذه المادة نجد أن المشرع حصر أسباب البطلان بالنسبة للمتهم في الحالات التي لا تراعي فيها أحكام المادة 100 من القانون حين ذكرت مخالفة أحكام المادة 105 من أسباب البطلان بالنسبة للمدعي المدني وكان المشرع يحمي هذا الأخير دون المتهم وهذا أمر يخالف المنطق ولا يستقيم مع روح القانون.
(1)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص ،4 .
(2)- تضمنت المادة 201 من القانون الإجراءات الجزائية انه تطبق نفس الأحكام المقررة في المواد 157 و159 و160 المتعلقة ببطلان إجراءات التحقيق على إجراءات المتبعة أمام غرفة الاتهام.
وبناءا على ذلك فإنه يمكننا القول أن قاضي التحقيق غير ملزم بإستجواب المتهم في الموضوع بحضور محاميه أو بعد دعوته قانونا ولا بإستدعاء المحامي بكتاب موصى عليه يرسل قبل الإستجواب بيومين على الأكثر(1)، ولا بوضع ملف الإجراءات تحت طلب المحامي أربع وعشرين ساعة على الأقل قبل كل إستجواب (2).
غير أن ما ورد في نص المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية يخالف هذا الإستنتاج ويدعم الإعتقاد بأن ما ورد في المادة 157/1 هو نتاج إغفال ليس إلا ،وبتالي فإن الشكليات التي يترتب على عدم مراعاتها البطلان بالنسبة للمتهم (بطلان الإستجواب عند الحضور الأول)وبالنسبة للمدعي المدني (بطلان سماع المدعي المدني )،وكذا محضر المواجهة كما سيأتي بيانه :
أ‌. بطلان الإستجواب عند الحضور الأول :هو الذي يجريه قاضي التحقيق عند المثول أمامه لأول مرة ويعتبر هذا الإجراء في واقع الأمر سؤالا للمتهم وليس إستنطاقا أو إستجوابا لأن قاضي التحقيق يكتفي في هذه المرحلة بسؤال المتهم عن هويته وإخطاره بالإتهام الموجه إليه من النيابة العامة دون مناقشته (3).
كما أنه يشكل إستجوابا في الموضوع في حال ما إذا أدلى المتهم بإرادته بتصريحات وقدم تفسيرات عند الحضور الأول، وهنا يمكن لقاضي التحقيق إختتام التحقيق وإحالة المتهم أمام غرفة الإتهام دون أن يطلب منه تفسيرات جديدة الأفعال المنسوبة إليه،وقد وضع المشرع شروطا صارمة عند إستجواب المتهم يترتب على مخالفتها أو إغفالها بطلان الإستجواب والإجراءات اللاحقة عليه ،ولهذا أوجبت المادة 100 من القانون الإجراءات الجزائية مايلي :
1) التحقق من هوية المتهم وإعلامه بالتهمة الموجهة إليه: يعد هذا الإجراء أساسيا حيث يجسد إتهام الشخص محل المتابعة ومن ثمة فهو من الإجراءات التي يترتب البطلان على عدم الإلتزام بها فالغرض منه هو تحديد الجريمة المسندة للمتهم بوضوح حتى يحاط علما بها .
ويجب ذكر ظروفها الزمانية والمكانية وكيفية إرتكابها، ذلك أن التهمة هي التي تعطي للمشتبه فيه صفة المتهم ،ولا يعقل أن يحاكم شخص على وقائع لم يعلم بها ولم تعط له الفرصة بأن يحظر دفاعه بشأنها وهو ما يشكل مساسا بقرينة البراءة (4).

(1)- -د.احسن بوسقيعة المرجع السابق.ص ،188.
(2)- الأستاذ بوسقيعة اقترح ضرورة إعادة صياغة المادة 157/1 من قانون الإجراءات الجزائية بما يضمن حقوق الدفاع لتكون الصياغة كالأتي: تراعي الأحكام المقررة في المادتين 100 و105 من هذا القانون وإلا ترتب على مخالفتهما بطلان الإجراء نفسه وما يتلوه من إجراءات
(3)- جيلالي بغدادي ، المرجع السابق، ص ،131.
(4) – احمد الشافعي، المرجع السابق، ص،74.
2) تنبيه المتهم بحقه في عدم الإدلاء بأي تصريح: يعد هذا التنبيه جوهريا يترتب على عدم مراعاتها بطلان الإستجواب وهذا ما قضت به المحكمة العليا (1)،وينوه على ذلك التنبيه في المحضر ، وبهذا يتمكن المتهم من إبداء دفاعه إذا شاء أو يرفض الإدلاء بأقواله حتى حضور محام إلى جواره فإخراجه عن الصمت نتيجة لإستعمال الوسائل غير المشروعة فيه إخلال بحقه في الدفاع.
3) تنبيه المتهم بحقه في الإستعانة بمحام: يجب على قاضي التحقيق أن ينبه المتهم بحقه في الإستعانة بمحام فإذا لم يختر محاميا عين له قاضي التحقيق محاميا من تلقاء نفسه إذا طلب منه ذلك ،وبديهي أن هذا التوجه غير لازم إذا حدد المتهم محاميه من تلقاء نفسه أو حظر إلى قاضي التحقيق وبصحبته إياه،وينوه عن ذلك في المحضر في كل الحالات .
ويؤدي إغفال هذا الإجراء إلى بطلان محضر الإستجواب وكافة الإجراءات اللاحقة له لعدم تنبيه المتهم إلا إذا أبدى رغبته صراحة في الإدلاء بأقواله دون حضور محام ويثبت قاضي التحقيق ذلك التنازل في المحضر .
4) تنبيه المتهم بوجوب إخبار قاضي التحقيق بتغيير عنوانه :ويتعلق الأمر هنا بالمتهم الذي يتركه قاضي التحقيق في الإفراج ،وبإستطاعة المتهم أن يختار موطنا له في دائرة إختصاص المحكمة لضمان مثوله أمام قاضي التحقيق أو جهات الحكم عند طلبه أو تكليفه بالحضور .
هذا وقررت المادة 101 إستثناءات على ضمانات الإستجواب عند الحضور الأول في حالتين إستعجاليتين هما:وجود شاهد في خطر الموت أو وجود آثار ودلائل على وشك الإخفاء على أن يذكر القاضي في المحضر دواعي الإستعجال .
ب: بطلان سماع المدعي المدني :سماع المدعي المدني هو ذلك الإجراء الذي بموجبه تتلقى السلطة المكلفة بالتحقيق تصريحات المتضرر حول الجريمة المرتكبة والتي يطالب فيها بالتعويض عن ملاحقه من ضرر،طبقا للمادة 72 من قانون الإجراءات الجزائية .
ويتمتع الطرف المدني عند سماع أقواله أو مواجهته بالتهم أو الشهود بذات الضمانات الخاصة بالمتهم عند إستجوابه أو مواجهته والمنصوص عليها بالمادة 105 من قانون الإجراءات الجزائية.
(1)- جيلالي بغدادي ،المرجع السابق ،ص131.
بكتاب موصى عليه يرسل قبل الموعد المحدد لسماع المدعي المدني بيومين على الأقل ويوضع ملف الإجراءات تحت طلب المحامي أربع وعشرون ساعة قبل كل سماع كل ذلك تحت طائلة البطلان طبقا للمادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية .
ج : بطلان المواجهة :وهي المواجهة التي تتم بين المتهم والمدعي المدني ، وهو ما جاء في نص المادة 105/1 من قانون الإجراءات الجزائية ، التي تضمنت الشكليات الواجب إتباعها بصدد المدعي المدني تحت طائلة البطلان ويتعلق الأمر أساسا بوجوب إجراء المواجهة بحضور المحامي أو بعد دعوته قانونا ما لم يتنازل الأطراف صراحة عن ذلك .
وإستدعاء المحامي شكلية جوهرية لصحة سماع المتهم والمدعي المدني ولحماية حقوق الدفاع أكثر ينبغي أن يكون محاموا الأطراف حاضرين (1)، وهذا يقتضي وضع الملف تحت تصرفهم أربع وعشرون ساعة قبل المواجهة ن إلا إذا كان الغرض منها تلقي ملاحظات المتهم حول نقطة أو بعض تصريحات الشهود أو المدعي المدني أو تصريحات متهمين آخرين .
ثانيا: حالة البطلان المنصوص عليها بالمادتين 38 و260 :
أخذ المشرع بمبدأ إستقلال سلطتي التحقيق والحكم ، حيث خول الأول لقاضي التحقيق والثانية لقاضي الحكم مما يترتب عنه نتائج جد هامة مفادها أنه لا يجوز لقاضي التحقيق أو قاضي آخر شارك في التحقيق في قضية جزائية أن يجلس للفصل في نفس القضية على مستوى الحكم وذلك تحت طائلة البطلان طبقا للمادتين 38 و260 من قانون الإجراءات الجزائية .
ولعلّ ذلك يرجع إلى التعارض الموجود بين السلطتين لأن من قام بالتحقيق الإبتدائي قد يتأثر برأيه الذي إنتهى إليه عند تصرفه في الدعوى فيخشى أن يبقى هذا الإتجاه مسيطرا عليه ولا يكون عقيدته من المرافعات التي تدور حوله بالجلسة ، وهذا التسبيب إعتمدته المحكمة العليا وأضافت أنه لا يجوز أيضا لأعضاء غرفة الإتهام الذين عرفوا القضية أن يشاركوا في نظرها أثناء عرضها على محكمة الجنايات وإلا كان قرارهم باطلا (2) ،إلا أنه يجوز له أن يمثل النيابة العامة في الجلسة ويقدم التماسات .

(1)- د. أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص ،76 .
(2)- قرار جنائي صادر في : 12/07/1988 ملف رقم 48744، المجلة القضائية، العدد الثالث لسنة 1990، ص، 282 وما يليها.
ثالثا : حالة البطلان المنصوص عليها بالمادة 198 :
إستلزم المشرع في المادة 198 من قانون الإجراءات الجزائية تحت طائلة البطلان بيان الوقائع موضوع الإتهام ووصفها القانوني في قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات ،ويجب على غرفة الإتهام أن تبين في قراراتها وقائع الدعوى والأدلة الموجودة بها بيانا كافيا وإلا كان قضاؤها باطلا (1).
ولبيان وقائع الدعوى في قرار الإحالة أهمية كبرى تمكن المتهم من الإطلاع على ما هو منسوب إليه ويقيد صلاحية محكمة الجنايات في نظر القضية ، كما أنه يسمح للمحكمة العليا من مراقبة صحة تطبيق القانون ، وبما أن هذا الهدف لا يتحقق إلا عن طريق بيانات كافية وواضحة ، فإن القرار الذي يكتنفه الغموض والإبهام يستوجب البطلان (2)، ولا يكفي لصحة قرار الإحالة بيان الوقائع موضوع الإتهام
وإنما يجب أن يتضمن أيضا الوصف الصحيح لها وفقا للنموذج القانوني المطبق عليها والنص التشريعي الذي تخضع له طبقا لمبدأ الشرعية (3) .
الفرع الثاني : حالات البطلان لمخالفة الإجراءات الجوهرية :
إكتفى المشرع ببيان حالات البطلان القانوني الصريح لإجراءات التحقيق ، ثم اخذ بمذهب البطلان الذاتي الذي بمقتضاه يبطل الإجراء المخالف لقاعدة جوهرية إذا أخل بحقوق الدفاع كما رأينا فيم تقدم .
و تنص المادة 159/1 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه يترتب البطلان أيضا على مخالفة الأحكام الجوهرية المقررة في هذا الباب ، خلاف الأحكام المقررة في المادتين 100 و105 إذا ترتب على مخالفتها إخلال بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى.
وعليه سنتعرض في ما يلي إلى عدد من الحالات التي يعتبر فيها البطلان جوهريا:
أولا: بطلان التفتيش و الحجز:
التفتيش و الحجز من الإجراءات التي يمكن مباشرتها خلال مرحلة التحريات الأولية وكذا خلال مرحلة التحقيق الإبتدائي وهما وسيلتان لإثبات الأدلة المادية (4)، وقد رتب المشرع على مخالفة أو عدم مراعاة الشكليات الخاصة بالتفتيش و الحجز جزاء البطلان.

(1)- قرار جنائي صادر في : 21/05/1985 ملف رقم 40779، المجلة القضائية، العدد الثاني لسنة 1990، ص، 251 وما يليها.
(2)- قرار جنائي صادر في : 20/11/1984 ملف رقم 41088، المجلة القضائية، العدد الأول لسنة 1989، ص، 319 وما يليها
(3)- قرار جنائي صادر في : 20/02/1979 ملف رقم 19418، المجلة القضائية، الأول لسنة 1989، وما يليها.
(4)- د.أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص، 87.
ويقوم بها قاضي التحقيق أساسا كما يمكنه ندب أحد ضباط الشرطة القضائية لمباشرتها طبقا للمواد 79 و 84 من قانون الإجراءات الجزائية.
تنص المادة 48 من نفس القانون أنه يجب مراعاة الإجراءات التي إستوجبتها المادتان 45 و 47 والذي يرتب على مخالفتها البطلان، وهذا البطلان هو بطلان نسبي، (1) يتعلق بمصلحة الأطراف لأنه لا يجوز التمسك ببطلان التفتيش أو التنازل عنه إلا لمن قررت الأحكام لمصلحته، فهو بالتالي ليس بطلانا مطلقا لعدم تعلقة بالنظام العام.
و قد قررت محكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 27/01/1981 عن الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 22147 أن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يجب عرضها على قضاة الموضوع حتى يقولوا كلمتهم فيها و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا. (2)
لكن يجب الأخذ بعين الإعتبار أن بطلان التفتيش لا ينصرف إلى إجراءات المتابعة و بإمكان قاضي التحقيق الإستناد إلى أدلة الإثبات المستقلة على الإجراءات الباطلة بكل حرية ودون إكراه بإستثناء التصرفات والإستجوابات الناتجة على التفتيش الذي تم بطريقة غير صحيحة فتكون باطلة ولا تصلح كدليل إثبات.(3)
ويشترط قانون الإجراءات الجزائية ضمانات شكلية وموضوعية لصحة التفتيش(4)، تتعلق بحضور الأشخاص أثناء التفتيش و تحرير محضر بذلك إضافة إلى الإذن و الميقات القانوني و القيام بالتفتيش من طرف السلطة القضائية المختصة.
ثانيا: بطلان الإنابة القضائية:
تعتبر الإنابة القضائية وسيلة تحقيق وضعت تحت تصرف قاضي التحقيق بعد إخطاره بالقضية من أجل السماح له بإنتداب قضاة و ضباط الشرطة القضائية للقيام بإجراءات لا يمكنه القيام بها بنفسه.(5)

(1)- أحمد الشافعي ، المرجع السابق، ص، 103.
(2)- جيلالي بغدادي، الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية، المرجع السابق، ص ،114 و 115.
(3)- Aissa DAOUDI : Le juge d’instruction, édition DAOUDI, Alger 1994, p62.
(4)- تنص المادة 45 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية : لا تطبق هذه الأحكام إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية و الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف باستثناء الأحكام المتعلقة بالحفاظ على السر المهني وكذا جرد الأشياء وحجز المستندات المذكورة أعلاه، وقد أضيفت هذه الفقرة بالقانون رقم 06/22 المؤرخ في 20/12/2006.
(5)- د.عبد الله أوهابية : شرح قانون الإجراءات الجزائري التحري و التحقيق، دار هومة، الجزائر 2005 ص، 364 وما يليها.

وإذا كان يجوز لقاضي التحقيق أن يكلف بطريق الإنابة القضائية أي قاضي من قضاة محكمته أو أي ضابط شرطة قضائية يعمل بدائرة إختصاص هذه المحكمة أو أي قاضي من قضاة التحقيق للقيام بإجراءات التحقيق التي يراها ضرورية، فإنه لا يمكنه أن يفوض القضاة و الموظفين تفويضا عاما (1) و إلا كانت الإنابة مشوبة بعيب البطلان لأنها تشكل تخل من طرف قاضي التحقيق عن سلطاته، ويترتب عنها البطلان الجوهري.
وتذكر في إنابة القضائية صفة القاضي الذي أصدرها و المحكمة التي يعمل بها و الجهة الموجهة إليها سواء كانت قاضيا أو ضابط شرطة قضائية، ويجب أن تكون الإنابة مؤرخة وموقع عليها من طرف القاضي الذي أصدرها وتمهر بختمه الذي يمنح الصفة الرسمية للتوقيع طبقا للمادة 138/2 من قانون الإجراءات الجزائية.
ثالثا : بطلان الخبرة :
قد تعرض على قاضي التحقيق أمور ومسائل ذات طابع فني محض فيلجأ إلى الخبرة كإجراء يستهدف إستخدام قدرات شخص الفنية أو العلمية من أجل الكشف عن دليل أو قرينة تفيد في معرفة الحقيقة بشأن وقوع الجريمة أو نسبتها إلى المتهم أو تحديد ملامح شخصيته الإجرامية.(2)
ولكل جهة قضائية تتولى التحقيق أن تأمر بندب خبير إما بناءا على طلب من النيابة أو الخصوم أو من تلقاء نفسها، وإذا طلب أحد الأطراف الخبرة ورأى قاضي التحقيق أنه لا داعي لإجرائها تعين عليه أن يصدر أمرا مسببا (3)، لكن لا يجوز للأطراف أن يعينوا أو يختاروا الخبير.
ويختار الخبراء من الجدول الذي تعده المجالس القضائية بعد إستطلاع رأي وكيل الجمهورية دون إلتزام بترتيب معين، وتوجب المادة 145 من قانون الإجراءات الجزائية أن يحلف الخبير غير المقيد في الجدول الخاص بالمجلس يمينا، ويعتبر حلف اليمين القانونية إجراءا جوهريا يترتب على عدم مراعاته البطلان.(4)
ويجب أن تحدد دائما في قرار ندب الخبراء مهمتهم التي لا يجوز إلا أن تهدف إلى فحص مسائل تكتسي طابعا فنيا بحتا مع مراعاة عدم التخلي عن صلاحيات القاضي لفائدة الخبير، ويكون باطل أمر الخبير إجراء تحقيق مع سماع الشهود وإعتماد نتائج تقريره للفصل في موضوع الدعوى.(5)
(1)- د.أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص، 111.
(2)- عبد العزيز سعد : مذكرات في قانون الإجراءات الجزائية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1991، ص، 128 وما يليها.
(3)- قرار جنائي صادر في : 02/01/1973 ملف رقم 7773، جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، المرجع السابق ص، .335
(4)- قرار جنائي صادر في: 20/12/1986 ملف رقم 38154، المجلة القضائية، العدد الثالث لسنة 1989، ص، 262 وما يليها.
(5)- قرار جنائي صادر في 07/07/1993 ملف رقم 97774، المجلة القضائية، العدد الثاني لسنة 1994، ص، 103 وما يليها.
وتعتبر جميع الإجراءات التي نصت عليها المواد من 143 إلى 156 من قانون الإجراءات الجزائية جوهرية حيث أنها تضمن قيمة الخبرة، وأن أي مخالفة تمس هذه الإجراءات تؤدي بالنتيجة إلى إبطالها، وتنظر غرفة الإتهام فيما إذا كان البطلان يمس الخبرة وحدها أو يتعداه إلى الإجراءات اللاحقة عليها، غير أنه يجب إثارة الوجه المتعلق ببطلان الخبرة و التمسك به في الوقت المناسب، إذ لا يمكن إثارته لأول مرة أمام المحكمة العليا.
وترى محكمة النقض الفرنسية أنه في مواد الجنح و المخالفات فإن الدفع بالخبرة يجب أن يثار أمام قاضي الموضوع ثم أمام قاضي الإستئناف ليكون في وسع الطاعن التمسك به أمامها، أما إثارته لأول مرة في النقض فهو غير مقبول.(1)
رابعا: بطلان أوامر القضاء:
يعتبر أمر القضاء إجراء من إجراءات التحقيق الإبتدائي حيث يتم البحث خلال هذه المرحلة من الخصومة الجزائية عن المتهم و التأكد من هويته، مما يجعل قاضي التحقيق هو من يصدره في أغلب الأحيان، وقد نصت على أوامر القضاء المواد 109 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية، وتشمل أوامر الإحضار و الإيداع و القبض.
وقد إعتبر القضاء أن المخالفات الشكلية البحتة لأوامر القضاء لا تمس صحتها، وعليه فإن إغفال ذكر وقائع الإتهام لا يبطل الأمر بالقبض إلا أنه لابد من إحاطة المتهم علما بما إتخذ ضده من إجراءات ولابد أيضا أن يتضمن المحضر أن المتهم بلغ بهذا الأمر طبقا للمادة 117 من نفس القانون و يترتب عن هذا الإغفال بطلان الأمر و الإفراج عن المتهم فورا.(2)
وقضت محكمة النقض الفرنسية أنه لا يمكن إثارة البطلان الخاص بأوامر القضاء المشوبة بعيب إلا أمام غرفة الإتهام أثناء الإستئناف المرفوع ضد الأمر بالوضع بالحبس المؤقت (3)، وقد أضاف القانون رقم 01/08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 أن عدم تسبيب أمر الوضع بالحبس المؤقت يؤدي إلى بطلانه.

(1)- عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص، 139.
(2)- أحمد الشافعي، المرجع السابق، ص،117 .
(3)- Aissa DAOUDI, Op-cit, p89.

خامسا : بطلان أوامر التصرف في التحقيق :
عندما ينتهي قاضي التحقيق من البحث يتصرف في الدعوى على ضوء ما توصل إليه من وقائع وأدلة وقرائن فيصدر حسب الأحوال أمرا بأن لا وجه للمتابعة أو بإحالة المتهم إلى المحكمة الفاصلة في المخالفات أو الجنح أو أمرا بإرسال ملف القضية إلى النائب العام، وذلك بعد إستطلاع رأي النيابة العامة كتابة.
وتعتبر هذه الأوامر بمثابة أحكام قضائية (1)، لذلك أوجب المشرع بشأنها إتباع ومراعاة قواعد تتمثل في الآتي:
أ)- تبليغها إلى الخصوم : يوجب القانون تبليغ أوامر التصرف إلى أطراف الدعوى حتى يتمكن من يهمه الأمر إستعمال حقه في طرق الطعن المقررة طبقا للمادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية، وذلك تحت طائلة البطلان.
ب)- بيان هوية المتهم : وذلك حسب المادة 169/2 من قانون الإجراءات الجزائية، وتتضمن ذكر إسم ولقب ونسب المتهم وتاريخ و مكان ميلاده وموطنه و مهنته للتأكد من شخصية المتهم، وقد قضت المحكمة العليا في إحدى قرارتها أن السهو عن ذكر محل الإقامة و المهنة لا يؤدي إلى البطلان لأن غرض التحقيق من هوية المتهم قد تحقق من بيانات أخرى تم ذكرها.(2)
ج)- تسبيب أوامر التصرف : يوجب القانون تحديد أوامر التصرف على وجه الدقة للأسباب التي من أجلها توجد أو لا توجد ضد المتهم دلائل كافية ( المادة 169 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية)، وقد جاء في قرار المحكمة العليا أنه ينبغي أن يتضمن الأمر بالإحالة بيان الواقعة و الأدلة أو القرائن الموجودة ضد المتهم على أنه |إرتكب الجريمة المنسوبة إليه و إلا كان باطلا.(3)
د)- بيان الوصف القانوني للواقعة : إن وصف الواقعة أو تكييفها يقتضي إلحاق فعل بنص قانوني معين أو إخضاعه لقاعدة قانونية تنطبق عليه، ومن المبادئ المستقر عليها قضاءا أن تكييف الوقائع في المواد الجزائية يخضع لرقابة المحكمة العليا لذلك أبطلت هذه الأخيرة قرارا كيف خطأ الواقعة بإنتحال صفة خيالية في حين أن الوصف الصحيح و الحقيقي لها هو النصب.(4)

(1)- جيلالي بغدادي، التحقيق، المرجع السابق،ص، 206.
(2)- قرار جنائي صادر في : 26/11/1985 ملف رقم 39440، المجلة القضائية، العدد الأول لسنة 1990، ص، 242 وما يليها.
(3)- قرار جنائي صادر في : 21/05/1985 ملف رقم 40779، المجلة القضائية، العدد الثاني لسنة 1990، ص، 251 وما يليها.
(4)- قرار جنائي صادر في : 10/01/1984 ملف رقم 28460، المجلة القضائية، العدد الثاني لسنة 1990، ص، 289 وما يليها.
سادسا: بطلان الشهادة:
أجازت المادة 88 من قانون الإجراءات الجزائية لقاضي التحقيق إذا رأى ضرورة سماع شاهد قد تكون لشهادته فائدة تسهل العثور على المجرم أو تساهم في تكوين أدلة الإثبات أو تحديد مسؤولية أحد المساهمين في الجريمة.
وقد يعتري شهادة الشهود عيب يؤدي إلى بطلانها، ومن أسباب بطلان الشهادة ما يلي :
أ- إذا تمت الشهادة تحت إكراه أو تعذيب، وذلك لإنعدام الإرادة الصحيحة و السليمة للشاهد.
ب- إذا كان هناك تعارض بين صفة الشاهد و مصلحته، لأن ذلك يمس بحقه في الدفاع(1).
ج- في حالة عدم تأدية الشاهد لليمين القانونية قبل الإدلاء بشهادته إلا إذا أعفى منها.
المبحث الثاني: أنواع البطلان وشروط التمسك به و التنازل عنه:
سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نخصص (المطلب الأول) لدراسة أنواع البطلان (2)، أما (المطلب الثاني) فسندرس شروط التمسك بالبطلان وشروط التنازل عنه.
المطلب الأول: أنواع البطلان:
يترتب البطلان سواء القانوني أو الجوهري على مخالفة القواعد الإجرائية، والقاعدة الإجرائية قد تتعلق بالنظام العام وقد تتعلق بمصلحة الخصوم، وبناءا على ذلك ينقسم البطلان إلى بطلان مطلق وبطلان نسبي.
ونظرا لأهمية القصوى في الميدان العملي لهذا التقسيم لما يترتب عليه من آثار على إجراءات الدعوى الجزائية بوجه عام وإجراءات التحقيق الإبتدائي بوجه خاص، فإن القضاة في كل مرة تواجههم هذه المسألة مدعوون لإلتزام الدقة في مميزات كل نوع للقول بأن مخالفة إجراء معين يترتب عليها بطلان مطلق و نسبي.(3)
وفيما يلي سنتطرق إلى مضمون هذين النوعين من البطلان، حيت سنقسم هذا المطلب إلى فرعين،نتناول في الفرع الأول البطلان المطلق أو المتعلق بالنظام العام و في الفرع الثاني البطلان النسبي أو المتعلق بمصلحة الخصوم.

(1)- عبد الله أوهايبية، المرجه السابق، ص، 348.
(2)– هناك تقسيمات مختلفة للبطلان وفقا لمعايير متعددة، فهناك البطلان العام و البطلان الخاص، وذلك على أساس النص التشريعي المقرر. فالبطلان يكون عاما إذا كان المشرع قد جعله جزاء لمخالفة طائفة من القواعد التي أضفى عليها صفة معينة دون أن ينص على البطلان بصدد كل قاعدة، أما بالنسبة للبطلان الخاص فيصيب إجراء معينا حدده المشرع مسبقا. وهناك أيضا البطلان الشكلي و البطلان الموضوعي، فالبطلان الشكلي ينصب على القواعد الشكلية للعمل الإجرائي، أما البطلان الموضوعي فينصب على القواعد الموضوعية للعمل الإجرائي، ومخالفتها تمس شرعية الإجراء ذاته.
(3)– د.سليمان عبد المنعم، المرجع السابق ،ص، 89

الفرع الأول: البطلان المطلق أو المتعلق بالنظام العام:
هناك من يفرق بين البطلان المطلق و البطلان المتعلق بالنظام العام، غير أن قانون الإجراءات الجزائية لم يشر في نصوصه لا إلى البطلان المطلق ولا إلى البطلان المتعلق بالنظام العام،في حين أن قضاء المحكمة العليا إستقر على إستعمال مصطلح البطلان المتعلق بالنظام العام بدلا من البطلان المطلق.(1)
ومن ثم سنتطرق إلى مفهوم البطلان المطلق أو المتعلق بالنظام العام أولا ثم نتناول تعريف النظام العام ثانيا.
أولا : مفهوم البطلان المطلق :
البطلان المطلق هو الذي يترتب على مخالفة القواعد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام (2)، ومن يفرق بين البطلان المطلق و البطلان المتعلق بالنظام العام يرى أنهما مختلفان في خصائصهما وآثارهما، فالأول يتقرر بقوة القانون و لا يحتاج لحكم من القاضي لإقراره، كما لا يمكن تصحيحه، في حين أن الثاني لا يتقرر إلا بموجب حكم قضائي و يمكن تصحيحه.
أما من يرى أنهما يتفقان، فيقول أنهما يجتمعان في ثلاث نقاط في أنهما لا يمكن تصحيحهما بالتنازل عنهما، ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك بهما ويجب على القاضي أن يحكم بهما من تلقاء نفسه حتى ولو لم يطلب منه الأطراف ذلك، كما يجوز التمسك بهما في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام المحكمة العيا .(3)
والإتجاه السائد في الفقه و القضاء، يرى أنه لا يوجد فرق بين البطلان المطلق و البطلان المتعلق بالنظام العام، وأنهما يؤديان نفس المعنى، و إن إختلفا إصطلاحا.
كما أن المحكمة العليا تكتفي بالقول أن الإجراء باطل لتعلقه بالنظام العام للدلالة على البطلان للمطلق، ولمعرفة مدى تعلق البطلان بالنظام العام أو بمصلحة الخصوم، فإنه لابد من التطرق إلى فكرة النظام العام.(4)
ثانيا: تعريف النظام العام:
إن فكرة النظام العام من الأفكار السائدة في أغلب التشريعات وفي معظم فروع القانون، نظرا لما تكتسبه من أهمية في تحديد قواعد النظام القانوني، ورغم أن هذه الفكرة تتسم بالتجريد و العمومية و المرونة فإن هناك من حاول تعريف النظام العام في الإجراءات الجزائية.(5)

(1)– أحمد الشاقعي، نفس المرجع السابق ،ص، 53.
(2)- د.بارش سليمان، المرجع السابق، ص ،39.
(3)- د.أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص، 194.
(4)- حامد الشريف، نظرية الدفوع أمام القضاء الجنائي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1996 ص 55.
(5)- محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، 2005 ص 39.
فرأى البعض أن النظام العام هو الذي يهدف إلى حسن إدارة العدالة كقواعد التنظيم القضائي و قواعد الإختصاص و القواعد التي يجب مراعاتها لتحقيق الغاية من الأعمال الإجرائية.(1)
ورأى آخرون أن فكرة النظام العام تعتبر من ضروريات المصلحة العليا للمجتمع بحيث يجب تغليبها على المصلحة الشخصية الخاصة في حالة التعارض والتضاد.(2)
إلا أن المشرع لم يحاول إعطاء تعريف للنظام العام أو تحديد معناه، وبالتالي كان لابد من تحديد ضابط أو معيار لمعرفة البطلان المتعلق بالنظام العام.
ذهب فريق إلى أن الضابط الصحيح هو أهمية المصلحة التي تحميها القاعدة التي تمت مخالفتها، فإذا كانت المصلحة عامة كان البطلان المترتب عن مخالفة هذا الإجراء متعلقا بالنظام العام، وإذا كانت المصلحة خاصة كان البطلان متعلقا بمصلحة الأطراف (3)، وهناك من يرى أن الفاصل في تحديد مدى تعلق البطلان بالنظام العام، وهو قابلية الحق الذي تحميه القاعدة الإجرائية للتصرف فيه، فإن كان الحق لا يقبل التصرف فيه كان البطلان متعلقا بالنظام العام و إلا لم يكن متعلقا به.(4)
وإعتبر بطلانا من النظام العام مشاركة أو قيام قاضي التحقيق بالفصل في القضايا التي حقق فيها بصفته هذه، وكذا عدّ من النظام من النظام العام سماع المتهم بعد أداء اليمين، وعدم قيام الخبير غير المقيد بالجدول بأداء اليمين قبل مباشرة إجراءات الخبرة.
وقد قسم بعض الفقهاء البطلان المتعلق بالنظام العام إلى ثلاث فئات أساسية:
أ : البطلان الذي يلحق شروط ممارسة الدعوى العمومية :
ومنه على سبيل المثال القاعدة التي ترى أن قاضي التحقيق مع مراعاة حقوق الطرف المدني، يجب أن يحضر بواسطة طلب إفتتاحي لإجراء تحقيق لوكيل الجمهورية في حدود إختصاصه، فهي قاعدة تعتبر من النظام العام، كما أن عدم قبول الدعوى العمومية يعتبر بدوره من النظام العام سواء تعلق الأمر بقوة شيء مقضي أو بتقادم الدعوى العمومية.
(1)- د.عوض محمد ، المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجزائية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1999 ص، 567.
(2)- جيلالي بغدادي، التحقيق، نفس المرجع السابق، ص، 55 و 56
(3)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق ص، 55 و 56
(4)- د. عوض محمد عوض، نفس المرجع السابق، ص، 40.

ب : البطلان الذي يلحق قواعد تنظيم الجهات القضائية الجزائية :
فقد إعتبرت القواعد الملزمة للتوقيع على المحاضر و العقود الرسمية من قبيل النظام العام، ومثال ذلك محضر المواجهة غير موقع من قبل قاضي التحقيق يعتبر غير موجود وباطل بطلانا مطلقا، إلى جانب محضر الإنتقال غير موقع من قبل كاتب الضبط إذ يعتبر بدوره باطل لتعلقه بالنظام العام.
ج : البطلان الذي يلحق عدم مراعاة المبادئ الأساسية للإجراءات :
ومن ضمنها عدم مراعاة أحكام القوانين المتعلقة بتشكيل المحكمة أو ولايتها بالحكم في الدعوى أو بإختصاصها من حيث وصف الجريمة إذ يحق للمحكمة العليا أن تقضي بالبطلان في أية حالة كانت عليها الدعوى و لو بغير طلب.
وكذلك ما نصت عليه المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية التي ترتب البطلان على مخالفة الأحكام الجوهرية المقررة في المادة 100 و 105 من نفس القانون إذا ترتب على مخالفتها إخلال بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى.
الفرع الثاني: البطلان النسبي أو المتعلق بمصلحة الخصوم:
بعدما تطرقنا فيما سبق إلى البطلان المتعلق بالنظام العام، نتناول فيما يلي البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم، وذلك بإبراز مفهومه أولا، و المعيار الذي يرتكز عليه ثانيا، وأحكامه المميزة للبطلان النسبي ثالتا.
أولا: تعريف البطلان النسبي:
إذا كان البطلان المطلق يرمي إلى حماية المصلحة العامة للمجتمع، فإن البطلان النسبي وضع لحماية مصلحة الخصوم في الدعوى وصيانتها و تقرير ضمانات لها (1)، وبالتالي فهو يترتب على مخالفة القواعد الإجرائية المتعلقة بمصلحة الخصوم، أو بمفهوم آخر تهدر أحد الحقوق أو المصالح الفردية التي لا يستفيد منها إلا من يتمسك بالبطلان.(2)
والقواعد الإجرائية المتعلقة بمصلحة الخصوم و التي يترتب على مخالفتها البطلان النسبي نوعين:

(1)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق ص، 62.
2)- Bernard Boulouc, l’acte d’instruction, librairie générale de droit et de jurisprudence, paris, 1965,p657

النوع الأول ينطوي على ضمانات تتعلق بتنفيذ الإجراءات التي تمس الحرية الشخصية، كحضور المتهم أو من ينوب عنه أثناء عملية التفتيش، و النوع الثاني يتعلق بالإجراءات التي لا تمس الحرية الشخصية للمتهم، وإنما تخدم مصلحته كإجراءات الشهادة و الخبرة و المعاينة.(1)
فهذه الضمانات لا تتعلق بالنظام العام و إنما بمصلحة الخصوم، ومن تم فإن أي ضرر يلحق بأطراف الدعوى الجزائية من نيابة و متهم و مسؤول مدني نكون أمام البطلان النسبي.
ثانيا : معيار المصلحة في تحديد البطلان النسبي :
يبقى المعيار أو الضابط الذي يعتمد عليه لتقرير البطلان المتعلق بمصلحة الأطراف هو معيار المصلحة، ولذلك يقتصر مجاله في الأحوال التي ترد مخالفة فيما على قاعدة إجرائية تحمي مصلحة تقبل التصرف فيها، وأن القضاء هو الذي يقدر أن الإجراء الجوهري المخالف يمس المصلحة الخاصة لأطراف الدعوى الجزائية.(2)
ويعد الإجراء أو القاعدة متعلقة بمصلحة الخصوم إذا كان منطويا على ضمانات لا تخدم إلا مصلحة المتهم مثل الشهادة و الخبرة و المعاينة، حيث يحيط القانون هذه الإجراءات بضمانات معينة لصالح المتهم حتى يثق في الدليل المستمد منها، ومن تم فإن الإجراءات الماسة بحرية المتهم وأمنه تعد من القواعد المتعلقة بالنظام العام، و بالتالي يترتب على مخالفتها البطلان.(3)
ثالثا : الأحكام المميزة للبطلان المتعلق بمصلحة الخصوم :
يمكن إيجاز الأحكام الخاصة بالبطلان النسبي المتعلق بمصلحة الخصوم فيما يلي :
– يجوز التنازل عن التمسك بالبطلان النسبي صراحة أو ضمنا من جانب من تقرر الإجراء لمصلحته.
– لا يجوز للمحكمة الحكم بالبطلان النسبي من تلقاء نفسها دون طلب من الخصوم.(4)

(2)- د. أحسن بوسقيعة، نفس المرجع السابق، ص، 194 .
(3)– د.بارشا سليمان، نفس المرجع السابق، ص، 40.
(4) – سليمان عبد المنعم ، بطلان الإجراء الجنائي، نفس المرجع السابق، ص، 93.

– لا يجوز التمسك بالبطلان النسبي لأول مرة أمام المحكمة العليا، حتى ولو لم يتطلب تحقيقا في الموضوع.
– لا يجوز التمسك بالبطلان النسبي إلا ممن شرع البطلان لمصلحته، أي أن البطلان النسبي لا يقبل الدفع به إلا من جانب الخصم صاحب المصلحة المباشرة في ذلك دون باقي الخصوم، فالمتهم الذي تم تفتيشه أو تفتيش مسكنه بإجراءات غير مشروعة هو صاحب المصلحة في الدفع ببطلان هذا التفتيش دون غيره، بشرط ألا يكون المتهم قد ساهم أو تسبب في وقوع الإجراء الباطل.
– يمكن تصحيح الإجراء الباطل بطلانا نسبيا إما بالقبول الصريح أو الضمني لهذا الإجراء من قبل من تقرر البطلان لمصلحة، أو عن طريق تحقيق الغرض من الإجراء الباطل.(1)

المطلب الثاني: التمسك بالبطلان و التنازل عنه:
أولى المشرع الجزائري تقرير البطلان عناية خاصة ووضع لها ضوابط وقواعد دقيقة بهدف تنظيم سير الدعوى الجزائية، سواء خلال مرحلة التحقيق الإبتدائي بدرجته أو أثناء مرحلة المحاكمة حتى لا يتأخر الفصل في الدعوى ولا تتعرض حقوق الدفاع و الأطراف للمساس بها وانتهاكها.
ولذلك فإن إعمال البطلان و إستخدامه يتطلب معرفة وتحديد الأطراف التي تستطيع إثارة البطلان أو التنازل عنه و الإجراءات التي تتبع في ذلك إضافة إلى تحديد الجهات المختصة بالفصل في طلب البطلان.(2)
ولمعالجة ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين، نتناول في الفرع الأول شروط التمسك بالبطلان والأطراف التي لها الحق في ذلك وفي الفرع الثاني تنازل عن البطلان و شروطه.
الفرع الأول: شروط التمسك بالبطلان و الأطراف التي لها الحق في ذلك:
إذا لحق البطلان إجراء من الإجراءات خلال مراحل الدعوى الجزائية و ذلك إما لمخالفته أو عدم مراعاته للقواعد الجوهرية للإجراءات فإن ذلك يستوجب بالضرورة طلب إلغاء الإجراء المشوب بالبطلان، فمن هي الأطراف التي يحق لها طلب البطلان ؟

(1)- قرار جنائي صادر في 27/11/1981 ملف رقم 21643 جيلالي بغدادي الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية المرجع السابق ص، 115.
(2)- بغدادي جيلالي نفس المرجع السابق ص، 251.

إذا كان التمسك بالبطلان والتنازل عنه وعلى مستوى جهات الحكم لا يثير إشكالا، فإنه يمكن لأطراف الدعوى الجزائية التمسك بالبطلان و التنازل عنه إذا قرر لمصلحتها.
كما يمكن للنيابة التمسك بالبطلان، غير أنه لا يمكن لجميع أطراف الدعوى التنازل عن البطلان المتعلق بالنظام العام.
كما يمكن لجهة الحكم إما بناءا على طلب الأطراف أو من تلقاء نفسها أن تثير حالات البطلان المتعلق بالنظام العام وتحكم به حتى ولو لم تثيره الأطراف.
من خلال إستقراء نصوص قانون الإجراءات الجزائية نجد أن حق طلب البطلان يقتصر على أطراف الدعوى ولقاضي التحقيق ووكيل الجمهورية وغرفة الإتهام أيضا أن تقتضي به من تلقاء نفسها،ومن خلال ماسبق ذكره،سنحاول توضيح شروط التمسك بالبطلان أولا والأطراف التي لها الحق في ذلك ثانيا.
أولا : شروط التمسك بالبطلان :
حددت المادة 161 من قانون الإجراءات الإجزائية شروط التمسك بالبطلان والتي نوردها فيما يلي :
أ: أن يكون الإجراء المعيب المطلوب بطلانه إجراء جوهري:
إذا كان القانون يعتبر كقواعد إجرائية جوهرية تلك التي تتعلق بإستجواب المتهم وسماع المدعي المدني و المواجهة بين الخصوم، فإنه لم يحدد المقصود من الإجراء الجوهري، وإنما ترك ذلك لاجتهاد القضاء يستنبطه بناءا على الحكمة أو الغاية التي تقف وراء كل قاعدة تقرر إجراء معينا. فإذا كان القانون لا يقصد من القاعدة إلا الإرشاد أو التنظيم دون تحقيق غاية معينة للصالح العام أو لمصلحة الخصوم، إعتبر الإجراء غير جوهري.
ب: أن يكون للمتمسك بالبطلان مصلحة في ذلك:
إن السلطة أو الحق في التمسك بالبطلان لا تنشأ إلا لمن له مصلحة في تقريره، و القاعدة أنه لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقررها القانون. ولا يشترط في المصلحة أن تكون محققة، بل يكفي مجرد إحتمال الفائدة.(1)
وينبغي التنبيه إلى أن شرط المصلحة هنا لا يقصد به المصلحة في الحكم ببطلان الإجراء، وإنما المقصود به المصلحة في مراعاة القواعد التي خولفت، فعدم مراعاة أحكام التفتيش يترتب عليه بطلان التفتيش.
(1)- عبد الحميد الشواربي، البطلان الجنائي، المرجع السابق، ص،60 .

ج : ألا يكون للمتمسك بالبطلان سببا في حصوله :
إنطلاقا من قاعدة عدم إستفادة الخصم من خطأه(1)، لا يجوز أن يتمسك بالبطلان من تسبب فيه (2)،لأنه ليس للشخص أن يدعي ضد فعله (3)، سواء كان ذلك عن قصد منه أو عن إهمال، ولا يشترط أن يكون ذلك الفعل هوالذي تسبب ببطلان الإجراء مباشرة، وإنما يكفي توافر علاقة السببية بين الفعل و العيب الذي أصاب الإجراء فأهدر آثاره التي خصه بها القانون فيما لو تم بطريقة صحيحة.
د : أن يترتب على مخالفة الإجراء الجوهري إخلال بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى:
إن الحق في التمسك بالبطلان لا ينشأ إلا لمن له مصلحة في إثارته، فعدم إعلان النيابة العامة بإعتبارها ممثلة للمجتمع المتهم ومحاميه بتاريخ نظر القضية أمام غرفة الإتهام (4) يمس بحقوق الدفاع، إذ أنه لا يسمح له بإطلاع على أوراق الدعوى وتقديم مذكرة كتابية بشأنها.
هـ : ألا يكون المتمسك بالبطلان قد تنازل صراحة عن الدفع به :
يشترط للتمسك بالبطلان ألا يكون المتمسك به قد تنازل صراحة عن الدفع به أمام قاضي التحقيق وصحيح بتنازله الصريح الإجراء المعيب (5)، وهذا ما تنص عليه المادة 157 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية.
ثانيا: الأطراف التي لها الحق في التمسك بالبطلان: سييتم تفصيلها على النحو التالي:
أ- وكيل الجمهورية :
طبقا للمادة 158 فقرة 2 قانون الإجراءات الجزائية فإنه يمكن لوكيل الجمهورية إذ تبين له سواء عند إطلاعه على ملف إجراءات التحقيق بأية مناسبة كانت أو عند إبلاغه بملف القضية بمناسبة تسوية الإجراءات أو التصرف فيها بأن إجراء من إجراءات التحقيق مشوب بعيب البطلان أو بطلب من قاضي التحقيق موافاته بملف القضية ليرسله إلى غرفة الإتهام مرفقا بعريضة من أجل طلب إلغاء الإجراء الباطل.(6)
(1)- إن قاعدة عدم التمسك بالبطلان ممن تسبب فيه قاعدة قديمة تنتمي بجذورها إلى القانون الروماني، الذي كان يقرر أنه ليس لأحد أن يستفيد من باطل صدر عنه، وتمثل هذه القاعدة الآن مبدأ مستقر لا يحتاج إلى التصريح للعمل به، كما هو الحال في القانون الفرنسي، ويمكن اعتبار هذا المبدأ بمثابة إحدى وسائل الحد من البطلان، ذلك أن الإجراء يقع باطلا ولكن لا تحكم المحكمة ببطلانه رغم إثارة الخصوم لذلك، وبالتالي يعتبر هذا الإجراء وكأنه إجراء صحيح ويرتب ذات الآثار التي ينتجها الإجراء الصحيح.
(2)- عبد الحكيم فودة، البطلان في قانون المرافعات المدنية و التجارية، الطبعة الثانية، دار الكتاب الحديث، 1993، ص، 273 .
(3)- مدحت محمد الحسيني، المرجع نفسه،ص،44.
(4)- راجع المادة 182 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
(5)- جيلالي بغدادي، التحقيق، المرجع السابق، ص، 254.
(6)- بلعليات إبراهيم، أوامر التحقيق المستأنفة أمام غرفة الإتهام مع إجتهاد المحكمة العليا، دراسة عملية تطبيقية، دار الهدى، الجزائر 2004،ص،75 ومايليها.
وبالنسبة للجهات القضائية الأخرى (غرفة الإتهام، جهات الحكم) فإنه لم يتبع القواعد العامة الخاصة بجميع الأطراف التي تشترط أن تثار أوجه البطلان قبل أي دفاع في الموضوع، كما يجوز لوكيل الجمهورية أو النائب العام التنازل عنه صراحة أو ضمنا.(1)
ب- قاضي التحقيق :
أجاز قانون الإجراءات الجزائية في المادة 158 بصفة إستثنائية لقاضي التحقيق الطعن في إجراءات التحقيق المشوبة بالبطلان أمام غرفة الإتهام.(2)
ويفهم من هذا النص أن القانون لم يخول لقاضي التحقيق صلاحية تصحيح الإجراء الذي تبين له بطلانه سواء قام به شخصيا أو كلف بتنفيذه مأمور الضبط القضائي وسواء كان البطلان نسبيا أو مطلقا دفع به أحد الخصوم أو لم يدفع، و إنما خول هذا الحق لغرفة الإتهام وحدها بحيث إذا ظهر له أن إجراء معينا مشوب
بالبطلان عرض الأمر عليها لتقرر بطلان الإجراء المعيب، وإذا طلب منه أحد الخصوم القضاء ببطلان إجراء من إجراءات التحقيق أو تصحيحه وجب عليه رفض الطلب لكونه غير مختص بالنظر فيه و إلا تجاوز سلطته.(3)
ج- المتهم و المدعي المدني:
سعيا في تبسيط الإجراءات و الإسراع في سيرها وربحا للوقت و المصاريف القضائية، وتجنبا للمماطلة ولعدم الإفراط في الدفع بالبطلان دون مبرر لم يخول المشرع للخصوم حق التمسك بالبطلان مادام ملف القضية موجود بين يدي قاضي التحقيق.
ولا يجوز للمتهم و المدعي المدني رفع طلب البطلان إلى غرفة الإتهام كما لم يسمح لهما في كل الأحوال إلا بإبداء ملاحظات أمام التحقيق في حالة ما إذا عاينا أن إجراء من الإجراءات التي تخصهما مشوب بالبطلان مع تحديد سبب هذا البطلان، ويلتمسان من قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية رفع الأمر إلى غرفة الإتهام، غير أنهما لا يملكان أي وسيلة للطعن في جهود قاضي التحقيق أو في أمر قاضي التحقيق.

.
(1)- راجع المادة 158 و المادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية.
(2)- تعتبر هذه الحالة هي الوحيدة التي يجوز فيها لقاضي التحقيق إثارة حالات البطلان أمام جهة قضائية أعلى منه هي غرفة الإتهام للفصل فيها، ذلك أنه و من حيث المبدأ فإن القضاة الذين تثار حالات البطلان أمامهم هم أنفسهم الذين يفصلون في البطلان، وتعد حالة قاضي التحقيق استثناءا على القاعدة.
(3)- نقض جنائي فرنسي بتاريخ 04/11/1986، أشار إليه، د.جيلالي بغدادي، التحقيق، نفس المرجع السابق، ص، 252.
ونرى أن عدم تمكين المتهم و المدعى المدني من إثارة البطلان و التمسك به أمام القاضي التحقيق أو غرفة الإتهام يشكل مساسا بحقوق الدفاع، بل وعدم مساواة بين الأطراف إذا علمنا أن النيابة تستطيع ممارسة هذا الحق متى تريد، وما يزيد الأمر تعقيدا أن المشرع أجاز للأطراف التنازل عن البطلان دون الحق في طلبه وهو ما يشكل تناقضا يجب إعادة النظر فيه.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي الذي كان لا يقر هو الأخر بحق المتهم و المدعي المدني في الطعن بالبطلان في إجراءات التحقيق أمام غرفة الإتهام قد عدل عن موقفه حيث فسح المجال أمامها للطعن بالبطلان وذلك إثر تعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب قانوني المؤرخ في 04/01 غشت 1993. (1)
وفي التشريع الجزائري فإن قاضي التحقيق غير ملزم بالفصل في الملاحظات التي يبديها كل من المتهم والمدعي المدني وحتى ولو أجابهما بواسطة أمر قضى فيه برفض هذه الطلبات، فإنه غير قابل للإستئناف أمام غرفة الإتهام لأن المادتين 172 و 173 من قانون الإجراءات الجزائية حددتها على سبيل الحصر أوامر التحقيق التي يجوز لكل من المتهم و المدعي المدني إستئنافها وهذا الأمر لا يدخل ضمنها.

غير أنه بخلاف ذلك فإن القانون الذي لم يعط للمتهم و المدعي المدني إمكانية التمسك ببطلان إجراءات ألحقت بهما ضررا وتمت بالمخالفة للقانون ولم تراع القواعد الجوهرية في حقهما فإنه أجاز لهما التنازل عن التمسك بالبطلان بشرط أن يكون التنازل صريحا لا يستنتج من سكوت الطرف المعني به (2)، ويكون بحضور المحامي أو بعد إستدعائه قانونا.
أما فيما يتعلق بمرحلة المحاكمة فإنه يجوز لأطراف الدعوى التمسك ببطلان إجراءات التحقيق و التنازل عنه، باستثناء بطلان الإجراءات أمام محكمة الجنايات ومحكمة الجنح إذا صدر قرار الإحالة من غرفة الإتهام.(3)
الفرع الثاني: التنازل عن التمسك بالبطلان و شروطه:
يمكن للطرف الذي له حق التمسك بالبطلان أن يتنازل عن هذا الحق، وقد يكون هذا التنازل إما صراحة أو ضمنيا، يعبر عنه الطرف المعني بإرادة حرة خالية من أي إكراه أو ضغط معنوي ويمكن أن يكون التنازل سابقا للإجراء، كما يمكن أن يكون بعد إتمام الإجراء المشوب بعيب البطلان.

(1)- د. أحسن بوسقيعة، نفس المرجع السابق، ص، 195.
(2)-د. أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 185 و ما يليها.
(3)-علي جروة، الموسوعى في الإجراءات الجزائية، المجلد 02، في التحقيق القضائية، الجزائر، 2006، ص ،625.

ويكون ذلك سواء خلال مرحلة التحقيق القضائي أو عند مرحلة المحاكمة، وإذا كان قانون الإجراءات الجزائية قد نص على عدم جواز التمسك بالبطلان خلال مرحلة التحقيق القضائي من قبل كل من المتهم والطرف المدني ولم يجز ذلك إلا خلال مرحلة المحاكمة أو أمام غرفة الإتهام أثناء تسوية الإجراءات، فإنه بعكس ذلك قد أجاز لكل من المتهم و الطرف المدني التنازل عن البطلان المرتكب خلال هذه المرحلة.
وبناءا على ما سبق نتناول شروط التنازل عن التمسك بالبطلان أولا و الجهات التي يتم التنازل أمامها ثانيا.(1)
أولا : شروط التنازل عن التمسك بالبطلان :
حتى يتم التنازل عن البطلان لابد من توافر الشروط الآتية :
1-أن يتم التنازل شخصيا أو من قبل الوالي إذا كان الطرف المعني قاصرا.(2)
2-أن لا يكون التنازل تحت وجود ضغط أو إكراه.(3)
3-أن يكون التنازل صريحا رغم أن هناك من الفقهاء من يرى أنه لا مانع أن يكون التنازل ضمنيا.(4)
4-أن يكون التنازل بحضور المحامي أو بعد إستدعاء قانونا.(5)
ثانيا: الجهات التي يتم التنازل أمامها عن التمسك بالبطلان:
سبق وأن ذكرنا أن التنازل عن التمسك بالبطلان يكون إما أمام قاضي التحقيق أو أمام غرفة الإتهام أو أمام جهات الحكم، وهذا ما سنفصله كالتالي.
أ- قاضي التحقيق :
لقد منح قانون الإجراءات الجزائية إمكانية تصحيح الإجراء المعيب، وذلك بأن يقوم الطرف المتضرر من الإجراء الباطل بالتنازل عن التمسك ببطلان الإجراء المشوب بهذا العيب عندما يسمح له القانون بالتنازل.(6)
(1)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق 331.
(2)- قرار صادر يوم 01/02/1983 تحت رقم 31122 (جيلالي بغدادي، التحقيق، نفس المرجع السابق .
(3)- مدحت محمد الحسيني، البطلان في المواد الجنائية، دار الحديت الإسكندرية 1988، ص، 48.
(4)- عبد المجيد بوسيلو، نفس المرجع السابق، ص،99.
(5)- سليمان عبد المنعم، نفس المرجع السابق، ص، 95.
(6)- على جروة، نفس المرجع السابق، ص،692.
وتستمد فكرة التنازل مصدرها من قانون الفرنسي الصادر بتاريخ 08/12/1897 في الفقرة الثانية من المادة 09 منه على أنه يمكن لكل من المتهم و الطرف المدني التنازل عند إستجوابهما عن حضور محاميهما و الذي إستدعى بطريقة قانونية وقد نقل المشرع الجزائري هذا المبدأ من القانون الفرنسي.(1)
ومما تجدر الإشارة إليه أنه يجب أن يكون هذا التنازل صريحا لا غموض ولا لبس فيه، ولا يأخذ بسكوت الطرف المعني، كما يجب على قاضي التحقيق أن يشير في محضر الإستجواب و المواجهة إلى تنازل الأطراف عن الإستعانة بمحامي.
ولا يشمل هذا التنازل المسبق إلا إجراءات إستجواب المتهم أو سماع الطرف المدني أو إجراء مواجهة بينهما ولا يمتد إلى الإجراءات الأخرى.(2)
غير أن هناك من الفقهاء من يرى أن هذا التنازل يمكن أن يمتد إلى إجراءات أخرى مثل وضع ملف الإجراءات تحت تصرف محامي الأطراف عشية القيام بالإستجواب أو المواجهة،وكذلك نفس الشيء بالنسبة لتبليغ الأوامر القضائية لمحامي المتهم أو الطرف المدني.
في حين يرى فريق آخر من الفقهاء، أن إمكانية التنازل عن إتمام بعض الإجراءات الخاصة بالمحامي يستفيد منها الحدث البالغ من العمر أقل من 18سنة.(3)
غير أن الرأي الراجح أن التنازل المسبق أو السابق للإجراءات لا يشمل إلا ثلاث إجراءات هي الإستجواب و السماع و المواجهة ولا يمتد إلى غيرها من الإجراءات.
ب -غرفة الاتهام :
تطبق أحكام المادتين 157 و 159 من قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بإجراءات التحقيق أمام غرفة الإتهام، بحيث يمكن للمتهم أن يتنازل عن الضمانات الممنوحة له أثناء إستجوابه عند الحضور الأول طبقا للمادة 100 قانون الإجراءات الجزائية، كما يجوز لكل من المتهم و الطرف المدني أن يتنازلا مسبقا عن سماعهما أو مواجهتهما بدون حضور محامي بشرط أن يكون هذا التنازل صريحا ضمنيا أو بمجرد السكوت عنه.

(1)- فتحي والي، نفس المرجع السابق، ص، 210.
(2)- محمد كامل إبراهيم، النظرية العامة للبطلان في قانون الإجراءات الجزائية، الجزء الأول، مكتبة التربية، بيروت، 1996، ص، 321.
(3)- محمد حزيط، نفس المرجع السابق، ص،49.
كما يمكن لنفس الطرفين أن يتنازلا عن التمسك بالبطلان المترتب في حقهما نتيجة عدم إحترام أحكام المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية الخاصة بإستجواب عند الحضور الأول أو سماعهما أو مواجهتهما، كما تنص المادة 105 من نفس القانون على أن هذا التنازل يجب أن يكون صريحا و بحضور محامي أو بعد إستدعاءه بصفة قانونية.(1)
ج- جهات الحكم :
بالنسبة لتنازل الأطراف عن البطلان أمام جهات الحكم بإستثناء محكمة الجنايات فقد نصت عليه المادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري في فقرتها الثالتة التي أوضحت أنه يجوز للحضور التنازل عن التمسك بالبطلان القانوني و البطلان المتعلق بمخالفة القواعد الجوهرية للإجراءات المنصوص عليها في المادتين 157 و159من نفس القانون.(2)
كما يجوز لهم التنازل عن التمسك بالبطلان المترتب عن عدم مراعاة أحكام الفقرة الأولى من مادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية الخاصة بتبليغ كل الأوامر القضائية إلى محامي كل من المتهم و الطرف المدني خلال 24 ساعة من صدورها عن قاضي التحقيق، وذلك برسالة موصى عليها.
كما لم يشرط القانون لصحة هذا التنازل أن يكون بحضور محامي أو بعد إستدعائه قانونا، غير أنه إذا كانت القضية قد أحيلت أمام المحكمة بموجب قرار صادر عن غرفة الإتهام، فإن مسالة تنازل الأطراف عن التمسك بالبطلان القانوني و البطلان المتعلق بمخالفة قواعد جوهرية في الإجراءات تصبح بدون موضوع (3)، ذلك أن كلا من المحكمة و المجلس عندما يفصلان في قضايا الجنح و المخالفات المحالة عليهما بموجب قرار الإحالة الصادر عن غرفة الإتهام لا يمكنهما إلغاء إجراءات التحقيق التي يكون قد شابها البطلان، حيث أن قرار الإحالة يغطي ويصحح جميع حالات البطلان التي تكون قد لحقت إجراءات التحقيق القضائي.(4) وبالنسبة للبطلان اللاحق بالإجراءات الأخرى غير تلك المتعلقة بالتحقيق القضائي، فإن عدم إثارته في بداية التقاضي وقبل الشروع في الموضوع يعتبر تنازلا ضمنيا عنه، وتطبق هذه القاعدة على جميع الجهات القضائية.(5)

(1)- المحكمة العليا، القسم الأول للغرفة الجنائية الثانية، قرار رقم 47019، صادر بتاريخ 1986/04/15 نقلا ” عن عبد العزيز يعد ” دور فرقة الإتهام كجهة قضائية للتحقيق و الرقابة وعلاقتها بمحكمة الجنايات، الندوة الوطنية للقضاء الجنائي، فندق الرمال الذهبية، زرالدة يومي 24 و 25 نوفمبر 1993، ص، 03.
(2)- محمد الصالح بوقجار، مدى تقيد غرفة الإتهام بوقائع الدعوى، مديرية التشريع و المصادر، وزارة العدل، نشرة القضاة، 1972، ص،30
(3)-فتحي والي، نفس المرجع السابق، ص،492.
(4) – أحسن بوسقيعة، نفس المرجع السابق، ص131 .
(5)- محمد حزيط، نفس المرجع السابق، ص،52.
الفصل الثاني: الحكم بالبطلان و آثاره:
إن إجراءات تقرير البطلان معقدة و متنوعة وذلك راجع إلى أن إجراءات التحقيق في حد ذاتها كثيرة و متشبعة لما تمثله من ضمانات لحقوق الدفاع، لذلك فإن إحترامها واجب وضروري.
إلا أنه كثيرا ما يحصل خلال المرحلة أن يصيب إجراء من إجراءات التحقيق عيب البطلان إما بسبب السهو أو التطبيق الخاطئ للقانون، مما يجعل إثارته أمرا لا مفر منه.(1)
لذا يجدر بنا تحديد الأطراف التي يحق لها أن تتمسك بحق إثارة البطلان، ويقتضي الأمر كذلك بيان الجهة أو الجهات التي تتصدى للفصل فيه و التي يعطيها القانون سلطة وصلاحية ذلك وفي حالة الفصل في طلب البطلان فإنه يترتب عليه آثار هامة تتمثل في عدم إنتاج الإجراءات الباطلة لأية أثار قانونية، إلا أن القانون وضع بعض الحلول التي تمكن من القليل و الحد من آثار البطلان عن طريق تصحيح الإجراء الباطل أو إعادته بطريقة سليمة، كما حدد في المقابل مصير هذه الإجراءات الملغاة، ومنع الرجوع إليها لإستنباط أي عناصر أو أدلة اتهام.
وتبعا لذلك سنتناول في هذا الفصل مبحثين، نخصص المبحث الأول لدراسة الجهات القضائية المختصة بالحكم ببطلان إجراءات التحقيق، لندرس في المبحث الثاني آثار البطلان ونطاقه.
المبحث الأول : الجهات القضائية المختصة بالحكم ببطلان الإجراءات :
لقد أقر المشرع الجزائري صلاحية الفصل في البطلان وتقريره إلى جهات قضائية معينة يمكن تصنيفها إلى جهات تحقيق وجهات حكم، حيث نصت المادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه لغرفة الإتهام أن تقضي بالبطلان الذي تكشفه خلال نظرها و فحصها لإجراءات التحقيق، كما نصت نفس المادة على صلاحية غرفة الإتهام في النظر في صحة الإجراءات المعروضة عليها، وإذا إكتشفت سببا من أسباب البطلان، قضت ببطلان الإجراء المعيب.(2)
وقد نصت المادة 161 من نفس القانون على جواز تمسك الخصوم ببطلان إجراءات التحقيق أمام الجهة القضائية التي تتولى الفصل في الدعوى في بداية التقاضي و قبل الشروع في الموضوع.(3)

(1)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص 105.
(2)- محمد مروان، نظام الإثبات في المواد الجنائية في القانون الوضعي الجزائري، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1999
(3)- محمد حزيط، نفس المرجع، ص، 72.

وتباعا لما سبق ذكره سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتحدث في (المطلب الأول) عن غرفة الإتهام كجهة تحقيق درجة ثانية و في (المطلب الثاني) عن تقرير البطلان من جهات الحكم.
المطلب الأول: غرفة الإتهام كجهة تحقيق درجة ثانية:
لقد إختلفت أراء الفقهاء، فمنهم من يقول بعدم إمكانية تصحيح الإجراء الباطل من قبل قاضي التحقيق(1) ، سواء قام به بنفسه أو قام به غيره بكيفية خاطئة وغير قانونية، وهذا ما أكده الفقيه روني جارو،في حين يرى البعض الآخر أن الإجراءات الباطلة التي تمت بموجب إنابة قضائية، يمكن لقاضي التحقيق إعادتها بكيفية صحيحة، وهذا ما جاء به جون بغادل، و الرأي الراجح هو الرأي الذي أخذ به الفقيه روني جارو، وقد شاركه القضاء في هذا الإتجاه.
كما أن المتهم و المدعي المدني لا يجوز لهما طرح البطلان على غرفة الإتهام ونتيجة لذلك فإن القانون منح إختصاص الفصل في بطلان إجراءات التحقيق لغرفة الإتهام التي تعتبر جهاز رقابة لجهات التحقيق ولهما إختصاص الفصل في البطلان المحال إليهما من طرف قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية حسب قانون الإجراءات الجزائية وهنا لابد أن نميز بين حالتين :
أولا : بمناسبة إستئناف أوامر التحقيق :
لقد أشارت المادتين 172 و 173من قانون الإجراءات الجزائية إلى أوامر قاضي التحقيق التي يجوز للأطراف إستئنافها أمام غرفة الإتهام (2)، وتنحصر هذه الأوامر بالنسبة للمتهم في الوضع في الحبس المؤقت ورفض طلب الإفراج أو تمديد الحبس المؤقت أو الأمر برفض تلقي تصريحات المتهم أو سماع شاهد أو إجراء معاينة لإظهار الحقيقة.
إضافة إلى الأمر بالرقابة القضائية و الأمر بإجراء خبرة وغيرها من الأوامر المذكورة في المادة 172من قانون الإجراءات الجزائية، أما بالنسبة للطرف المدني فإن الأوامر التي يجوز له استئنافها محددة على سبيل الحصر في المادة 173 وهي الأوامر الخاصة بعدم إجراء تحقيق وبأن لا وجه للمتابعة أو الأوامر التي تمس حقوقه المدنية.
(1)- نبيل صقر، نفس المرجع السابق، ص، 155 .
(2)- أصبح بإمكان المتهم إستئناف هذه الأوامر بموجب القانون 04/13 المؤرخ في 10/11/2004 في المادة 69 مكرر، إلا أنه حرم المدعي المدني من إستئنافها لأن المادة 173 لم تعدل.

إضافة للأمر الذي حكم بموجب القاضي في مسالة إختصاصه. إن غرفة الإتهام لا تنظر إلا في حدود موضوع الإستئناف(1) المرفوع إليها، ولا يمكن أن تتجاوزه إلى مسائل ونقاط قانونية أخرى لم تخطر بها في عريضة الإستئناف، لذلك لا يمكن للأطراف ( المتهم و الطرف المدني) بمناسبة هذا الإستئناف تقديم وجه خارج عن موضوعه من أجل مراقبة صحة الإجراءات.
ثانيا : بمناسبة تسوية الإجراءات :
متى إنتهى التحقيق الإبتدائي وصدر بشأنه قرار بالتصرف في ملف الدعوى فإن الحكم بالبطلان لا يكون إلا باستئناف النيابة العامة للقرار المذكور دون المتهم أو المدعي المدني طالما أنه لم يصبح باتا بعد، إلا أنه إذا كان القرار بلا وجه لإقامة الدعوى فيمكن أن يستأنف المدعي المدني ويطرح البطلان بذلك على الغرفة الإتهام.(2)
وفي حالة فصل غرفة الإتهام في الأمر الصادر عن قاضي التحقيق الخاص بإرسال المستندات في مادة الجنايات لإحالتها على محكمة الجنايات أو إستئناف أمر بإحالة الدعوى على محكمة الجنح أو المخالفات حيث تلعب غرفة الإتهام دورها كاملا كمنظم ومراقب للإجراءات السابقة المحالة عليها حسب المادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية.
وهنا على غرفة الإتهام دراسته صحة الإجراءات و إثارة كل المخالفات التي قد لحقت بها وتحديد أثارها تحت رقابة المحكمة العليا.(3)
كما تطبق أحكام التحقيق القضائي على إجراءات التحقيق التكميلي طبقا للمادة 190 من قانون الإجراءات الجزائية، وعلى تسوية الإجراءات بناءا على طلب النائب العام ، ويخضع قرار غرفة الإتهام الفاصل في البطلان لرقابة المحكمة العليا وحدها طبقا لنص المادة 201 من قانون الإجراءات الجزائية، سواء كان الطعن مرفوعا مباشرة أو عند دراسة بعد القرار الفاصل في الموضوع محل الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا، وهنا يمكن أيضا للمحكمة العليا أن تثير هذا الوجه تلقائيا طبقا للمادة 500 من نفس القانون، وتبعا لما سبق ذكره سنقسم هذا المطلب إلى فرعين، نحدد إختصاص غرفة الإتهام في حالة إخطارها من قبل قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية (الفرع الأول) و إخطار غرفة الإتهام من قبل الأطراف (الفرع الثاني).

(1)- قرار جنائي صادر في 02/06/1991 ملف رقم 76624، المجلة القضائية العدد التالث لسنة 1993، ص، 313.
(2)- أحمد شوقي السلقاني، نفس المرجع السابق، ص، 319.
(3)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 216.
الفرع الأول: إختصاص غرفة الإتهام في حالة إخطارها من قبل قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية:
يمكن لقاضي التحقيق عند دراسته لملف الدعوى أو إثر إيداع المتهم و الطرف المدني للمذكرات، وتبين له أن إجراء من الإجراءات الذي قام به هو نفسه أو خاص بالإنابة القضائية يشوبه عيب البطلان (1)، أن يرسل ملف الإجراءات لوكيل الجمهورية ليأخذ رأيه.
وفي هذه المرحلة يكون لأطراف الدعوى من متهمين وأطراف مدنية إثارة و التمسك بأوجه و أسباب البطلان المتعلقة بمصلحتهم أو المتعلقة بالنظام العام، كما يمكن للنيابة العامة أيضا أن تتمسك بالبطلان الذي ترى أنه شاب إجراء من إجراءات التحقيق القضائي، وإذا لم يثر الأطراف أسباب البطلان أمام غرفة الإتهام بإستثناء تلك التي كانت تجهلها ولم تكن معروفة لديها قبل النطق بالقرار، فإنه لا يمكنها بعد ذلك إثارتها لأول مرة أمام جهات الحكم أو المحكمة العليا بسبب تغطية وتصحيح قرار غرفة الإتهام لجميع حالات البطلان السابقة، وهو ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر في 08/10/1968 من الغرفة الجنائية وكذا قرار الصادر في 22/01/1981 ملف رقم 22641 الغرفة الجنائية الثانية، وعلى غرفة الإتهام إذا اكتشفت أن إجراء من إجراءات التحقيق مشوب بعيب البطلان أن تقضي بإلغائه ولو تلقائيا دون طلب من الخصوم، وعليها أن تقرر فيما إذا كان البطلان ينصب على الإجراء المشوب بعيب البطلان وحده أو يمتد جزئيا أو كليا للإجراءات اللاحقة له.(2)
وفي هذه الحالة نصت المادة191من قانون الإجراءات الجزائية على أنه يمكن لغرفة الإتهام إما أن تلغي الإجراء الباطل وتأمر بإحالة الإجراءات إلى نفس قاضي التحقيق لمواصلة التحقيق إبتداءا من الإجراء الباطل دون الحاجة لطلب إفتتاحي لإجراء تحقيق، وإما أن تحيل ملف الإجراءات إلى قاضي تحقيق آخر، و إما أن تتصدى لموضوع الإجراءات وتعين أحد أعضائها للقيام بإجراء تحقيق تكميلي، وهو ما جاء في القرار الصادر بتاريخ 15/04/1986 و المشار إليه آنفا.
غير أن المشرع الجزائري كان أكثر وضوحا بالنسبة للإجراءات المتبعة من طرف وكيل الجمهورية الذي يتمتع بنفس الصلاحية التي يتمتع بها قاضي التحقيق في إخطار غرفة الإتهام طبقا للمادة 159/2 من قانون الإجراءات الجزائية، فعندما يكتشف وكيل الجمهورية سواء عند تسوية الملف أو عند إطلاعه عليه بأية مناسبة كانت، أن إجراء من إجراءات الدعوى مشوب بعيب البطلان، يطلب من قاضي التحقيق موافاته بملف الإجراءات بعد إخطار الأطراف، من أجل إرساله لغرفة الإتهام، ويرفقه بعريضة يطلب فيها من هذه الجهة القضائية إلغاء الإجراء المشوب بالبطلان.
(1) – راجع المادة 171/1 القديمة من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص ،242 .
غير أن هذه العريضة لا تعفي النيابة العامة للمجلس من تحضير الملف وتقديم طلباتها حول الأساس القانوني لعريضة الإلغاء.(1)
وفي كلتا الحالتين يرسل ملف الإجراءات لرئيس غرفة الإتهام، الذي يقوم بدوره بإرساله للنيابة العامة لإبداء طلباتها، ثم تحضيره وجدولته أمام غرفة الإتهام للفصل فيه، وذلك إما بإلغاء الإجراء المشوب بعيب البطلان و إحالة الملف أمام نفس قاضي التحقيق الوارد منه الملف، أو التصدي للقضية ومنه القيام بإجراء بحث تكميلي ضروري يقوم به أحد قضاة غرفة الإتهام.(2)
الفرع الثاني: إخطار غرفة الإتهام من قبل الأطراف:
إن قانون الإجراءات الجزائية لم يخول لأطراف الدعوى الجزائية الحق في إخطار غرفة الإتهام من أجل إلغاء إجراءات التحقيق الباطلة، هذا بإستثناء النيابة التي أعطت لها الحق في ذلك فيه مسبقا، تم يخطر مباشرة غرفة الإتهام، وذلك بعد إخطار المتهم والطرف المدني بقرار الإلغاء، وهناك من يرى أن هذا الإخطار يكون بموجب أمر مسبب. وهنا يطرح التساؤل حول طبيعة الرأي الصادر من وكيل الجمهورية في هذه المسألة، هل يكون هذا الرأي دائما بالموافقة ؟ أم له أن يعارض على ذلك؟ وبالتالي رفع إستئناف ضد أمر قاضي التحقيق أمام غرفة الإتهام، مثل ما يفعل بالنسبة لجميع أوامر قاضي التحقيق ؟
إن القانون الجزائري لم يقدم جوابا على هذا التساؤل، كما أن أحكام القضاء منعدمة في هذا المجال.(3)
وهناك من يرى أنه يمكن أن يكون هذا الإخطار بواسطة إرسال عادي لغرفة الإتهام. أما المادة 173/1 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي (قانون رقم 93-2)المؤرخ في 04/01/1993 تنص على أنه إذا تراءى لقاضي التحقيق أن إجراء أو مستندا من إجراءات الملف مشوب بعيب البطلان، فإنه يخطر غرفة الإتهام من أجل إلغائه، وذلك بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية و إخبار الأطراف.(4)
ويلاحظ في هذا الصدد أن القانون الفرنسي على عكس القانون الجزائري لم يحصر البطلان في إجراءات التحقيق القضائي وحدها، بل تشمل أيضا كل وثيقة تكون مودعة بملف الدعوى، وتكون قابلة لطلب إلغائها من طرف غرفة الإتهام.
غير أن المشرع الفرنسي، وبعد التعديل الذي مس المادة 17 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، أجاز لأطراف الدعوى خلال مرحلة التحقيق القضائي إخطار غرفة الإتهام من أجل إلغاء إجراء من الإجراءات.
(1)- عدلي خليل، إستجواب المتهم فقها وقضاء، دار الكتب القانونية، مصر 2004، ص، 132 .
(2)- محمد سعيد نمور، نفس المرجع السابق، ص، 314.
(3)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص ،249.
(4)- أحسن بوسقيعة، نفس المرجع السابق، ص، 214.
وهذا لم يكن منصوص عليه في المادة 170 القديمة من نفس القانون الإجراءات الجزائية، وقد جاءت المادة 173 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي لتحديد إجراءات وكيفيات إخطار غرفة الإتهام من قبل المتهم و الطرف المدني، وقد إتسم المشرع الفرنسي بهذه النقطة بدرجة كبيرة من الدقة و الوضوح، وقد ساهم بذلك في تسهيل مهمة أطراف الدعوى، مما ينجر عنه سير الدعوى إيجابا، وهذا ما يؤدي إلى حسن سير العدالة وحماية حقوق الأطراف.(1)
وبالرجوع إلى المادة 173 فإنه يمكن للطرف المعني سواء كان متهم أو طرف مدني، إخطار غرفة الإتهام بعريضة مسببة توجه نسخة منها لقاضي التحقيق حسب الحالات التالية :
أولا : الحالة التي يقيم فيها طالب الإخطار بدائرة إختصاص الجهة القضائية المختصة :
يقدم الطرف الذي يرغب في إلغاء إجراء من إجراءات التحقيق المشوب بعيب البطلان عريضته أمام غرفة الإتهام، ويجب أن تكون هذه العريضة موضوع تصريح بكتابة ضبط الغرفة (2)، ويقوم كاتب الضبط بتأكيد هذا التصريح وتأريخه تم التوقيع عليه، كما يتولى كل من الطالب أو محاميه التوقيع على التصريح، وفي حالة عدم إمكانية التوقيع يشير كاتب الضبط إلى ذلك.
ثانيا : الحالة التي لا يقيم فيها الطالب أو محاميه بدائرة إختصاص الجهة القضائية المختصة :
هذه الحالة التي أشارت إليها المادة 173 في فقرتها الثالثة قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي حيث يمكن أن يتم التصريح بكتابة ضبط غرفة الإتهام عن طريق رسالة مضمنة مع الإشعار بالإسلام.
ثالثا: في حالة ما إذا كان الشخص المتهم محبوسا:
وفي هذه الحالة يمكن أن يقدم طلبه في شكل تصريح أمام رئيس المؤسسة العقابية المحبوس بها، والذي يقوم بدوره في أقرب الآجال بإرسال أصل هذا التصريح |أو نسخة منه إلى كتابة ضبط غرفة الإتهام.
وفي كلى الحالات الثلاثة، يقوم قاضي التحقيق بإرسال ملف الإجراءات لرئيس غرفة الإتهام، و الذي يقوم بدوره في آجال ثمانية (8) أيام من إستلامه بإرساله إلى النائب العام، وذلك حتى تتبع الإجراءات العادية المعروفة أمام غرفة الإتهام، كإستدعاء الأطراف و محاميهم، وتحديد تاريخ النظر في القضية (3)

(1)- المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الثالث لسنة 1991، ص ،115.
(2)- فتحي والي ، نفس المرجع السابق، ص، 214.
(3)- G.STEAFAN.G.LEVASSEUR .B.BOULOC.OP.CIT.PG14.

وتقديم الدفوع من قبل الأطراف ومحاميهم، وقيام النيابة العامة بتقديم طلباتها، وبعدها يتم الفصل في القضية بعد المداولة فيها، غير أن الطلب المقدم من قبل أحد الأطراف لإلغاء إجراء من إجراءات التحقيق قد لا يقبل شكلا ، وذلك إما لأن التمسك بطلب إلغاء الإجراء المعيب جاء متأخرا أي خارج الآجال ، أوأن الطلب غير مسبب، أو أن الطلب ينصب على قرارات قابلة للإستئناف ، وهنا يقوم رئيس غرفة الإتهام بإعادة إرسال ملف التحقيق برمته إلى قاضي التحقيق .
والملاحظة أن المشرع الفرنسي لم يضع جلا معينا لأطراف الدعوى الجزائرية لتقديم طلبات إلغاء التحقيق المنسوبة بعيب البطلان ، بل سمح بذلك خلال جميع مراحل التحقيق ، وإستثناء لهذه القاعدة فان الأطراف تفقد الحق في تقديم طلبات الإلغاء بعد إنقضاء أجل عشرين (20) يوما من تاريخ إرسال الإخطار باإختصار التحقيق في القضية .
المطلب الثاني : تقرير البطلان من جهات الحكم :
الأصل أن غرفة الإتهام هي الجهة الوحيدة المختصة بالفصل في طلبات البطلان والحكم به ما دام التحقيق القضائي ساريا . وطالما أن القانون أجاز لوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق دون سواهما تقديم طلب البطلان إلى غرفة الإتهام ، فانه لا يجوز للمتهم والمدعي المدني رفع المسألة مباشرة إلى غرفة الإتهام طبقا لقانون الإجراءات الجزائية الجزائري .
وإذا كان باب غرفة الإتهام موصدا أمام المتهم والمدعي المدني لطلب بطلان الإجراءات أثناء التحقيق ،فان المشرع أجاز لهما بصفة إستثنائية تقديم طلب البطلان أمام جهات الحكم (1) ، والتي يحق لها إثارة البطلان المتعلق بالنظام العام من تلقاء نفسها . خلافا للبطلان النسبي الذي هو مقرر لمصلحة الخصوم والتي يقتضي تقريره الدفع به من قبلهم ( الخصوم) أمام جهة الحكم قبل البدء في الموضوع ، ولا يمكن إثارته لأول مرة أمام المحكمة العليا ، كما تنص على ذلك المادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية التي تجيز للمتهم والطرف المدني بصفة إستثنائية ، وكذا وكيل الجمهورية تقديم طلب البطلان أمام جهات الحكم .
وسيكون موضوع الفرع الأول تقرير البطلان من محكمة الموضوع وفي الفرع الثاني تقرير البطلان من محكمة النقض.
(1)- أحسن بوسقيعة ،نفس المرجع السابق ، ص، 200.
الفرع الأول : محكمة الموضوع :
سنتطرق في هذا الفرع إلى صلاحيات محكمة الجنح والمخالفات (أولا ) وجهة الإستئناف للفصل في البطلان ( ثانيا ) وصلاحية محكمة الجنايات للفصل في البطلان (ثالثا )
أولا : صلاحية محكمة الجنح والمخالفات للفصل في البطلان :
نصت المادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه لجميع جهات الحكم عدى الجنائية تقرير البطلان المشار إليه بالمادتين 157 و 159 من نفس القانون ، والبطلان المترتب على عدم مراعاة أحكام الفقرة الأولى من المادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية .
حيث أن المادة 157 من نفس القانون ترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام المادتين 100 و 105 المتعلقة بسماع المتهمين والمدعي المدني كما تنص المادة 168/1 من قانون الإجراءات الجزائية على وجوب تبليغ الأوامر القضائية الصادرة عن قاضي التحقيق إلى محامي المتهم والمدعي المدني في ظرف أربع وعشرين (24) ساعة بكتاب موصى عليه .
فإذا تحقق سبب من أسباب البطلان المشار إليه بالمادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية ، وفقا لهذه الأحكام يجوز لمحكمة الجنح والمخالفات الفصل في البطلان وتقريره ، غير أن ذلك مشروط بوجوب إثارة أوجه البطلان قبل أي دفاع في الموضوع من قبل الخصوم تحت طائلة عدم قبول هذا الدفع ، كما أنه لا يجوز للمحكمة لدى النظر في موضوع جنحة أو مخالفة الحكم ببطلان إجراءات التحقيق إذا كانت القضية قد أحيلت إليها من غرفة الإتهام (1) .وللأطراف من ناحية أخرى أن تتنازل عن التمسك بالبطلان أمام المحكمة وفقا للمادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية ، وعموما نميز في صلاحية محكمة الجنح والمخالفات في الحكم بالبطلان بين حالتين:
1- عند إحالة الدعوى إليها بقرار من غرفة الإتهام :
ففي هذه الحالة نصت المادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه لا يجوز لهذه الجهات القضائية القضاء ببطلان إجراءات التحقيق ، ذلك أن قرار الإحالة الصادر عن غرفة الإتهام (2) يغطي ويصحح جميع حالات البطلان السابقة بالرغم من أن قرارات الإحالة الصادرة عن غرفة الإتهام في قضايا الجنح والمخالفات لا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة العليا. (3)
(1)- المحكمة العليا قرار صادر بتاريخ 1972/03/01 ، نشرة القضاة، العدد 01، مارس 1972 ، ص 65.
(2)- Ahmed lourdjan, le code algérien de procédure pénale, entreprise nationale du livre, Alger, 1984,p62.
(3)- نقض فرنسي06/03/1958، اشار اليه حمد شوقي الشلقاني، نفس المرجع السابق، ص 320.

2- عند إحالة الدعوى إليها بأمر من قاضي التحقيق :
عندما تخطر محكمة الجنح أو المخالفات بموجب أمر صادر عن قاضي التحقيق ، يمكن للأطراف خاصة المتهمين و الأطراف المدنية التمسك بالبطلان وإثارته أمام محكمة الجنح وهو ما لم يكن مخولا لهما أثناء سير التحقيق .
غير أن هذا الحق في إثارة البطلان أمام هذه الجهات ليس حقا عاما ينصب على كافة إجراءات التحقيق ، بل ينصب على حالات محدودة ذكرتها المادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية بشرط عدم تنازل الأطراف عنها ، وإثارتها قبل أي دفع في الموضوع وإلا كانت الأوجه غير مقبولة شكرا .
وقد قصر القضاء الفرنسي في توضيح حالات البطلان التي تفصل فيها محكمة الجنح بالبطلان القانوني ، أما البطلان المتعلق بمخالفة أو فرق القواعد الجوهرية ، فقد إشترط فيه أن يلحق ضررا بالخصوم طبعا لمبدأ البطلان بدون ضرر (1) وهو المبدأ الذي كرسته المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
أما القانون الجزائري فقد وسع من حالات البطلان الخاصة بالتحقيق وهو الأمر الواضح من نص المادة 161/1 التي تتيح لجهات الحكم الفصل في حالات البطلان الجوهري الخاصة بالتحقيق إضافة إلى البطلان القانوني .
وفي هذا السياق فقد قضت المحكمة العليا بقرار صادر في 22/01/1981 عن الغرفة الجنائية الثانية في الطعن رقم 41 226 أنه يجوز للمتهم أن يتمسك ببطلان الإجراءات الجوهرية التي تم خرقها أثناء التحقيق التكميلي أمام قضاة الموضوع وقبل البدء في المرافعات ، وإلا سقط حقه في ذلك . (2)
ثانيا : صلاحية المجلس القضائي بالفصل في البطلان :
تخص جهة الإستئناف بالفصل في حالات البطلان التي تلحق إجراءات التحقيق بشرط أن تكون الأطراف قد أثارت هذا الدفع من قبل أمام محكم الجنح والمخالفات . و هنا يمكن للمجلس أن يقوم بمعاينة حالات البطلان والفصل فيها بإستثناء البطلان المتعلق بالنظام العام .
وقد قضت المحكمة العليا بقرار صادر في 27/01/1981 في الطعن رقم 147 22 عن الغرفة الجنائية الأولى بأن بطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يجب عرضها على قضاء الموضوع حتى يقولوا كلمتهم فيها وإلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا.
(1)- أحمد الشافعي، المرجع السابق، ص، 237 وما يليها .
(2)- جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، نفس المرجع السابق، ص، 116.
وأكدت في قرار آخر صادر في 22/01/1981 عن الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 22624 أن من يتمسك ببطلان إجراءات التحقيق يتعين عليه أن يثيرها أمام قضاة الموضوع (1) وتطبق أمام المجلس نفس الإجراءات التي تطبق أمام المحكمة ، إلا أنّه يجوز للشخص الذي إعتبرت محاكمته محاكمة حضورية في غيابه طبقا للمواد 345 و 347 من قانون الإجراءات الجزائية أن يقدم للمجلس قبل أي دفاع في الموضوع طلب بطلان إجراءات التحقيق الإبتدائي .
إن سلطات المجلس تختلف عن سلطات المحكمة فيما يتعلق بالفصل في البطلان ( المادة 161 من قانون الإجراءات الجزائية )، فهو مخول فعلا بشرط إحترام حدود الأثر الناقل للإستئناف إعتبارا لصفة المستأنف (2) ، بحق وواجب التصدي ، وهذا ما أكدته المادة 438 من قانون الإجراءات الجزائية
التي جاء فيها أنه » إذا كان الحكم باطلا بسبب مخالفة أو إغفاال لا يمكن تداركه للأوضاع المقررة قانونيا والمرتب على مخالفتها أو إغفالها البطلان ، فإن المجلس يتصدى ويحكم في الموضوع « وهو نفس الحكم الذي نصت عليه المادة 520 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي . (3)
وقد أصدرت المحكمة العليا العديد من القرارات المتعلقة بتصدي المجلس للقضية في حالة إلغاء الحكم لمخالفته أو إغفاله لأشكال قررها القانون تحت طائلة البطلان .
وقد قضت في قرارلها مؤرخ في 07/04/1981 طعن رقم 22839 (4) بوجوب إستعمال قضاة الإستئناف حق التصدي والفصل في الموضوع طبقا للمادة 438 من قانون الإجراءات الجزائية وأن لا يكتفوا بالحكم بالبطلان فقط .
أما إذا أخطر المجلس بإستئناف الطرف المدني فقط، فإنه لا يمكنه أن يفصل في الدفوع المتعلقة ببطلان إجراءات التحقيق، ذلك أن الدعوى العمومية تعد مطروحة .
وهو ما نبهت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 07/04/1981 حيث قضت أن المجلس القضائي يتأكد من صحة الإجراءات المعروضة عليه ، فإذا تبين له أن إجراء جوهريا قد وقع خرقه وأخل بحقوق الدفاع أو بقاعدة من النظام العام ، تعين عليه إبطاله .(5)
.
(1)- جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، نفس المرجع السابق، ص، 116.
(2)- Crim , 29 juin 1967,D,1968,2,J,C,.P,1967,11,15377,21Mars 1968 ,bull,crim N°99,Ibid ,P7.
(3)- Art,520 du code de procédure pénale français.
(4)- قرار صادر يوم 07/04/1981 عن القسم الأول للغرفة الجنائية الثانية للمحكمة العليا، طعن رقم22839،بغدادي جيلالي، المرجع السابق،ص147.
(5)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 291.
ويعتبر موقف المشرع المصري مشابها لموقف المشرع في القانون الجزائري والفرنسي ، فحسب المادة 419/1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري ، فإنه إذا رأى المجلس أن هناك بطلانا في الإجراءات أو في الحكم الصادر من المحكمة أول درجة في الموضوع ، فإن القرار الذي يصدره على إلغاء الحكم المستأنف فقط وإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للحكم فيها من جديد ،(1) بل يقوم بتصحيح الإجراءات ثم يحكم بحكم في الموضوع وهو ما أكدته محكمة النقض المصرية .
ثالثا : صلاحية محكمة الجنايات للفصل في البطلان :
خول المشرع الجزائري لجهات الحكم حق تقرير البطلان بإستثناء محكمة الجنايات وهذا لسببين:
أولهما : أن قرار الإحالة الصادرة عن غرفة الإتهام يغطي ويصحح جميع حالات البطلان التي تشوب إجراءات التحقيق السابقة بمجرد أن يكتسب هذا القرار حجية الشيء المقضي فيه ويصبح نهائيا بعدم جواز الطعن فيه بالنقض .
ثانيهما : كون المشرع أجاز للمتهم والنائب العام ، وكذا للمدعي المدني في حالة طعن النائب العام بطريق النقض في قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات في حالة خرق قواعد جوهرية في الإجراءات .(2)
وقد قضت المحكمة العليا في هذا الصدد ،(3) بأنه لا يجوز للدفاع أن يتمسك ببطلان إجراءات التحقيق أمام محكمة الجنايات ، متى كانت القضية قد سبق عرضها على غرفة الإتهام ، وإكتسب قرار الإحالة حجية الشيء المقضي به لعدم وقوع الطعن بالنقض فيه، وبالتالي لا يمكن إثارة أوجه البطلان أمام محكمة الجنايات ، كما لا يمكن لهذه الأخيرة أن تقضي به، كما ليس لها أن تتنازل عن الفصل في القضية بعد صدور قرار نهائي بإحالته إليها .
وعليه فإن عدم الطعن بالنقض ضد قرار الإحالة يترتب عليه عدم قبول طعن المتهم الرامي إلى بطلان إجراءات التحقيق فيما بعد شكلا .
أما بالنسبة للإجراءات الخاصة بالمرحلة السابقة على عقد جلسة محكمة الجنايات فإنه يمكن للمحكمة أن تقضي ببطلانها ويمكن للأطراف إثارتها ،ويتعلق الأمر هنا بإستجواب المتهم من طرف رئيس محكمة الجنايات وتبليغ المتهم قائمة المحلفين تبعا للمادتين 270 و 271 من قانون الإجراءات الجزائية ، وفي كل الحالات يحرر محضر بكل هذه الإجراءات ويوقع عليها الرئيس وكاتب الضبط والمتهم بحضور محاميه
(1)- محمد كامل ابراهيم، نفس المرجع السابق،ص ،188 .
(2)- د. أحسن بوسقيعة، نفس المرجع السابق، ص، 201.
(3)- المحكمة العليا، الغرفة الجنائية، قرار رقم 50040، صادر بتاريخ 22/11/1988، المجلة القضائية، العدد الاول، 1992،ص، 184 وما يليها

ويجب القيام بالإستجواب قبل إستفتاح المناقشات بثمانية (8) أيام على الأقل ، على أنه يجوز للمتهم ومحاميه التنازل عن التمسك بهذا البطلان ، ويعتبر عدم إثارته تنازلا ضمنيا عنه ، وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر في 20/01/1987 ملف رقم 45841 (1)عن الغرفة الجنائية الأولى .
وقد قضت الغرفة الجنائية للمحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 19/05/1992 تحت رقم 102470 حيث جاء في هذا القرار أنه :
” لا يجوز لمحكمة الجنايات التخلي عن الدعوى لصالح جهة أخرى بعد صدور قرار نهائي بإحالتها عليها ، لأن قرار الإحالة الصادر عن غرفة الإتهام والذي لم يطعن فيه بالنقض في الوقت المناسب والذي إكتسب على ضوء ذلك قوة الشيء المقضي فيه (2) هو مسند لإختصاص وليس دالا له فقط ”.
وقد نصت المادة 290/1 على المتهمين أو محاميهم الذين يتمسكون بالبطلان الذي يشوب صحة الإجراءات التحضيرية لدورات محكمة الجنايات المنصوص عليها في الفصل الرابع من الباب الخاص بمحكمة الجنايات ( المواد من 268 إلى 279 من قانون الإجراءات الجزائية ) أن يقدموا مذكرة وحيدة قبل الشروع في المناقشات وإلا كان دفعهم غير مقبول شكلا .
بالرجوع إلى القانون الفرنسي نجد أنه قد نص على وجوب تمسك الأطراف بحالات البطلان الخاصة بالمرحلة السابقة لبدء المناقشات كتبليغ قائمة المحلفين وتشكيلة المحلفين المساعدين المكملين لتشكيلة محكمة الجنايات.(3)
وقد نصت المادة 319/3 من قانون الإجراءات الجزائية على أن إغفال إجراء من الإجراءات التي نصت عليها المادة 317 من نفس القانون ، يترتب عنه بطلان إجراءات التخلف عن الحضور ، وهذا نصت عليه المادة 632 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي. (4)
الفرع الثاني : محكمة النقض :
سنتناول في هذا الفرع شروط الفصل في البطلان من طرف المحكمة العليا بإعتبار هذه الأخيرة هي الجهة المقومة لجميع أعمال الجهات القضائية .

(1)- قرار صادر عن الغرفة الجنائية الاولى للمحكمة العليا، المجلة القضائية العليا، العدد الاول لسنة 1992، ص، 184.
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 258
(3)- محمد فريط ، نفس المرجع السابق، ص، 72.
(4)- أحسن بوسقيعة، نفس المرجع السابق، ص، 115.
وهي تتولى مراقبة مدى التطبيق السليم للقانون من طرف الجهات القضائية الدنيا سواء كانت جهات تحقيق أو جهات حكم ، وتضمن توحيد الإجتهاد القضائي ، وتسهر على إحترام القانون . (1)
وبالتالي فالمحكمة العليا لا تفصل في وجود البطلان من عدمه ، وإنما تقوم بتقدير فيما كانت الجهات القضائية المكلفة بالتحقيق وجهات الحكم قد قدرت تقديرا حسنا حالات البطلان المعروفة عليها التي أثارتها الأطراف أو التي قضت بها تلقائيا لتعلق بالنظام العام .
ولقد رأينا أنه لا يمكن إثارة أوجه البطلان الذي لحق الإجراءات على مستوى التحقيق الإبتدائي أو المحاكمة لأول مرة أمام المحكمة العليا إذا لم تتم إثارتها أمام قاضي الموضوع ،(2) إذ تعتبر في هذه الحالة أوجها جديدة بإستثناء حالات البطلان المتعلق بالنظام العام التي يمكن إثارتها من تلقاء نفسها ولو لما يثرها الأطراف.
أما بالنسبة لحالات البطلان المرتكبة أمام المجلس والتي لم تكن معروفة قبل النطق بالقرار الصادر في الدعوى أو البطلان اللاحق بالقرار نفسه فإنه يمكن إثارته أمام المحكمة العليا والتمسك به من طرف المتضرر من الإجراء المنسوب بالبطلان طبقا للمادة 501 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه : ” لا يجوز للأطراف إثارة أوجه البطلان في الشكل وفي الإجراءات لأول مرة أمام المحكمة العليا ، غير أنه يستثني من ذلك أوجه البطلان المتعلقة بالقرار المطعون فيه والتي لم تكن لتعرف قبل النطق به ”
ولقد تم تكريس هذه القاعدة من طرف المحكمة العليا في عدة قرارات، وهكذا قضت في قرارها الصادر في 07/04/1981 ملف رقم 22509 عن الغرفة الجنائية الثانية ، بأنه يمكن للمتهم أن يتمسك أمام قضاة الموضوع ببطلان ورقة التكليف بالحضور وأن يطلب تصحيح التكليف أو إستيفاء أي نقص فيه ، وعلى قضاة الموضوع أن يجيبوه على طلبه، أما إذا لم يفعل إعتبر سكوته تنازلا ضمنيا عن الدفع بالبطلان وسقط حقه في إثارة هذا الوجه لأول مرة أمام المحكمة العليا . (3)
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي نص في المادة 599 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه :
”لا يجوز للمتهم في مواد الجنح تقديم كوجه للنقض، البطلان المرتكب خلال أول درجة للتقاضي، إذا لم يتمسك به أمام المجلس، وذلك بإستثناء البطلان المتعلق بعدم الإختصاص،إذا كان هناك إستئناف للنيابة(4).

(1)- حفيصة بن عيسى، بطلان التحقيق، اطروحة لنيل درجة الماجستر في القانون الجنائي، كلية الحقوق، جامعة باتنة،2002،ص،57.
(2)- المحكمة العليا، الغرفة الجنائية، قرار رقم 49169، صادر بتاريخ 05/01/1988.
(3)- جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، نفس المرجع السابق،ص، 119.
(4)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 251.
أما في الجنايات فقد نص على أنه لا يقبل من المتهم تقديم كوجه للنقض،حالات البطلان التي لم يترها أمام محكمة الجنايات الفاصلة في الإستئناف طبقا لأحكام المادة 305/1 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
وقد قضت المحكمة العليا في عدة قرارات لها بإعتبار قواعد الإختصاص في المواد الجزائية وقواعد تحريك الدعوى العمومية والقواعد المتعلقة بتشكيل الجهات القضائية الجزائية من النظام العام ، يترتب على مخالفتها البطلان المطلق .
كما إعتبرت المحكمة العليا أن القواعد المتعلقة بالآجال تعتبر من النظام العام يترتب على مخالفتها
البطلان .(1)
وحسب المادة 201 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المحكمة العليا تختص وحدها برقابة صفة قرارات غرفة الإتهام، وكذا إجراءات التحقيق السابقة عليها، إذا فصلت الغرفة المذكورة في تسوية الإجراءات.(2)
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمتهم إثارة كل حالات البطلان الخاصة بالتحقيق القضائي أمام المحكمة العليا، وعلى إثر ذلك فإن إعطاء الكلمة الأخيرة للمتهم كما تنص على ذلك المادة 431 من قانون الإجراءات الجزائية،(3) إجراء جوهري متعلق بالنظام العام، يترتب على إغفاله البطلان المطلق لإخلاله بحقوق الدفاع ومساسه بحن سير العدالة ، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في العديد من قراراتها .
المبحث الثاني : أثر الحكم بالبطلان :
الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تمت صحيحة مستوفية لمقوماتها وشروطها، والبطلان كأحد الإجراءات الجزائية يولد آثارا قانونية تتجه مباشرة إلى العمل الإجرائي الذي أصابه العيب، كما أن الأعمال الإجرائية الأخرى قد لا تسلم منه ، وتحدد علاقة هذه الأعمال الإجرائية بالعمل الإجرائي المعيب، تعد مسالة جوهرية تحتاج إلى بحث قبل تحديد مدى تأثر هذه الأعمال بالبطلان الذي أصاب العمل الإجرائي الأول،وبتالي فان كل عيب يصيب عملا إجرائيا يحتاج أولا إلى بحث مدى جوهرية العمل الإجرائي وأهميته ، ومن ثم مدى تأثره بالعيب الذي أصابه وأصاب غيره من أعمال إجرائية أخرى لذا فإن البطلان لا يكمن أن يترتب تلقائيا بقوة القانون، بل لا بد من إصدار قرار قضائي يقضي بهذا البطلان حتى يمكن أن يكون للبطلان أثر.وعليه فإنه يترتب على البطلان آثار هامة، منها ما يتعلق
(1)- علي جدوة، نفس المرجع السابق،ص، 254.
(2)- فتحي والي، نفس المرجع السابق،ص، 311.
(3)- مامون محمد سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، دار الفكر العربي، الإسكندرية، 1985.
بالإجراء الباطل ذاته، ومنها ما يتعلق بالإجراءات المتصلة به سواء كانت سابقة أم لاحقة له ، ولكن من ناحية أخرى يمكن للقضاء بدلا من تقرير بطلان إجراء ما أن يقوم بتصحيحه أو إعادته في بعض الحالات إذا توافرت شروط معينة (1) ، وذلك بغية تنشيط الإجراء المعيب وبالتالي تفعيل القاعدة الإجرائية .
وعلى ضوء ذلك نقسم الدراسة في هذا المبحث إلى مطلبين نخصص في المطلب الأول للحديث عن تجريد الإجراءات الباطلة من ترتيب آثارها القانونية لندرس في المطلب الثاني تصحيح الإجراءات الباطلة و إعادتها ومصير الإجراءات الملغاة.
المطلب الأول : تجريد الإجراءات الباطلة من ترتيب آثارها القانونية :
يظل الإجراءات المباشرة خلال مرحلة الدعوى الجزائية صحيحة ومنتجة لأثارها القانونية إلى حيث أن تفصل الجهة القضائية في البطلان، ويصدر حكم أو قرار قضائي يقضي ببطلانها أو إلغائها(2).
والأصل أن بطلان الإجراء يتقرر تلقائيا بقوة القانون (3) وذلك مهما كان نوع البطلان، وإنما لا بد أن يقرر ويحكم به القاضي، وبالتالي يضل الإجراء المنسوب بالبطلان منتجا لأثاره القانونية، ولا يترتب عليه أثار البطلان إلى أن يحكم القضاء ببطلان الإجراء المعيب . (4)
وتجدر الإشارة إلى أن الجهة القضائية التي تفصل في البطلان المثار أمامها بقبوله أو رفضه،هي التي تحدد نطاقه وأثره، ويمكنها بالتالي إتخاذ ثلاث مواقف مختلفة :
الموقف الأول : إما أن تقرر أن المخالفة التي يتمسك بها أحد أطراف الدعوى ما هي إلا عدم مراعاة لحكم دال على القانون، ولا تمس بصحة الإجراءات، وإذا رأت عكس ذلك أي أن المخالفة المثارة والتمسك بها تشكل إحدى حالات البطلان، فإنما تقرر فيما إذا كان هذا البطلان لا يلحق الإجراء المعيب، أم أنه يمتد إلى جميع الإجراءات اللاحقة له.
الموقف الثاني : أن تقرر الجهة القضائية المختصة أيضا، فيما إذا كان البطلان لا يلحق إلا بعض المتهمين أو بعض حالات المتابعة .

(1)- نصر الدين مروك، نفس المرجع السابق،ص، 597.
(2)-فتحي والي، نفس المرجع السابق، ص، 644.
(3)- سليمان عبد المنعم،أصول الإجراءات الجزائية في التشريع والقضاء والفقه، المؤسسة الجامعية الجديدة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1997، ص، 141.
(4)-مدحي محمد الحسيني، البطلان في المواد الجنائية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1993،ص، 48.

الموقف الثالث: أن تقرر غرفة الإتهام سواء عند فصلها في عريضة إلغاء إجراء من الإجراءات أو عند إكتشافها لحالة من حالات البطلان في الإجراءات المعروضة عليها، فيما إذا كان هذا البطلان يجب أن يقتصر على الإجراء المعيب نفسه أو يمتد إلى كل أو جزء من الإجراءات اللاحقة له .
ومن هذا المنطق سنقسم هذا المطلب إلى فرعين ندرس في الفرع الأول أثر البطلان على الإجراء المعيب نفسه، ونخصص الفرع الثاني لدراسة ومعرفة أثر البطلان على الإجراءات السابقة واللاحقة له .
الفرع الأول : أثر البطلان على الإجراء المعيب نفسه :
بمجرد صدور حكم ببطلان إجراء من إجراءات التحقيق يترتب عنه زوال أثاره القانونية طبقا للمبدأ العام، أن الإجراء الباطل لا ينتج أثرا ويصبح كأن لم يكن(1).ويفقد قيمته في الدعوى الجزائية ويصبح الإجراء منعدما .
ويؤدي الحكم ببطلان الإجراء إلى زوال أثره القانوني فيما يتعلق بقطع التقادم للدعوى الجزائية،(2) وعليه فإن الأحكام والقرارات النهائية أو الصادرة قبل الفصل في الموضوع لا تقطع التقادم إثر إجراء صرح ببطلانه.(3) كما أن إجراءات التحقيق الصادرة عن قاضي تحقيق غير مختص غير قابلة لإعطاءها الطابع القاطع للتقادم، وأنه ليس للطلب الإفتتاحي الباطل والإجراءات اللاحقة الأثر القاطع للتقادم، ونفس الحكم ينطبق على التكليف بالحضور الباطل لعيب في الشكل أو لإنعدام الصفة في الشخص الذي قام به، فالتكليف بالحضور لا يقطع التقادم.(4)
كما يترتب على بطلان التفتيش زوال ما نتج عنه إذا لم تراع بشأنه أحكام المادتين 45 و47 من قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بعمليات التفتيش وظروفه و أوقات القيام به، ذلك أن الإجراءات الصحيحة وحدها هي التي تؤدي إلى قطع تقادم الدعوى.(5)وقد قضت المحكمة العليا في القرار الصادر 07/12/ 1982 عن الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 29815 بإبطال قرار الإحالة على محكمة الجنايات الذي لم يراعي أحكام المادة 66/1 من نفس القانون التي تستوجب إجراء التحقيق في مواد الجنايات.(6)

(1)- د.بارش سليمان، نفس المرجع السابق، ص،43.
(2)- د.سليمان عبد المنع بطلان الإجراء الجنائي، نفس المرجع السابق، ص، 97 وما يليها .
(3)- Crim 12 mai 1971,bull N° 154,G.STEFANI.G.LEVASSEUR .B.BOULOC. procédure pénale.16 eme edition.p142.
(4)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 306.
(5)- سليمان عبد المنعم، أصول الإجراءات الجزائية في التشريع والقضاء والفقه، ص، 142.
(6)- جييلالي بغدادي، التحقيق، نفس المرجع السابق، ص، 256.
وطبقا للمادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية فإن إستجواب المتهم أو الطرف المدني أو إجراء مواجهة بينهما بدون حضور محاميهما أو دعوته قانونا ما لم يتنازلا صراحة عن ذلك ، يترتب عنه بطلان الإستجواب أو المواجهة .
والخبرة يمكن أن تمسها مخالفة الإجراءات مما يؤدي بالنتيجة إلى إبطالها، وعدم أداء الخبير غير المقيد في الجدول لليمين القانونية، يترتب عنه بطلان الخبرة فقط وتنظر غرفة الإتهام فيما إذا كان البطلان يمكن أن يتعداه إلى الإجراءات اللاحقة لها .
ويجب التذكير أيضا أن المشرع الفرنسي لم يرتب هو الأخر أي جزاء إجرائي على الإجراءات التي بنيت على الإجراءات الملغاة، والتي إستمدت منها عناصر تقديرها وإقتناعها، كما أنه توسع في المنع المقرر، إذا منع إستنباط حتى العناصر التي تكون في مصلحة الأطراف.
في حين أن القانون المصري لم يتعرض إلى وجوب إستبعاد الإجراءات الباطلة من ملف الدعوى كما فعل القانون الجزائري والفرنسي .
الفرع الثاني : أثر الإجراء الباطل على غيره من الإجراءات :
تتعدد وتتنوع إجراءات التحقيق في الخصومة الجنائية، فمنها ما يهدف إلى جمع الأدلة كالمعاينة والتفتيش وندب الخبراء والشهادة والإستجواب . ومنها ما يهدف إلى إتخاذ إجراءات إحتياطية ضد المتهم لضمان حسن سير التحقيق، كالقبض والضبط والإحضار والحبس المؤقت .
وبما أن هذه الإجراءات تتضافر جميعها في وحدة واحدة هي الخصومة الجزائية، مما يجعل هذه الأعمال الإجرائية مترابطة وغير مستقلة ويؤثر كل منها على الآخر حسب الإجراء ذاته، وظروف كل قضية، والشخص الإجرائي الذي يمارسه(1)، فإذا سقط أحدها أو تم إستبعادها تعذر معرفة مبلغ الأثر المتعلق بالدليل الباطل في الحكم الذي توصلت إليه المحكمة.
وفيما يلي نتناول دراسة أثر الإجراء الباطل على الإجراءات السابقة عليه ( أولا ) ثم أثره على الإجراءات اللاحقة عليه ( ثانيا ).

(1)- فتحي والي، احمد ماهر زغلول، نظرية البطلان في قانون المرافعات، الطبعة الثانية، در الطباعة الحديثة، القاهرة،1997، ص، 84.
أولا : أثر بطلان الإجراء على الإجراءات السابقة عليه :
الأصل عند الحكم بالبطلان تجريد الإجراء المعيب نفسه من إنتاج أثاره القانونية في الدعوى الجزائية، كما يمكن أن يمتد أثر الإجراء الباطل لجميع الإجراءات اللاحقة له ، وهو ما أكدته المواد 157/1 و 159/2 191و من قانون الإجراءات الجزائية، وقد تعددت قرارات المحكمة العليا في هذا الشأن (1)، فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة للإجراءات السابقة على الإجراء المعيب .(2)
فالقاعدة العامة أن الحكم ببطلان الإجراء المعيب لا يمتد أساسا للإجراءات السابقة عليه، بل تبقى هذه الإجراءات صحيحة وسليمة، ولا يلحق بها أو يشوبها أي عيب كان .
وقد إتبع المشرع الجزائري نفس الإتجاه الذي سار عليه وإتبعه التشريع والقضاء الفرنسي ومفاده أن قانون الإجراءات الجزائية لم يتضمن أي حكم يتعلق بإمتداد أثر البطلان الذي يلحق إجراء معين إلى الإجراءات السابقة على الإجراء المعيب . (3)
أما بالنسبة للمشرع المصري فإنه لم ينص على إمتداد أثر الإجراء إلى الإجراءات السابقة عليه، وهو ما أكدته المادة 24 من قانون المرافعات بنصها التالي : ” ولا يترتب على بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة عليه …” لأنها مستقلة عنه، وبالتالي تبقى منتجة لجميع أثارها القانونية .
غير أن الإجراء الباطل وإن كان ليس له تأثير سلبي على الإجراءات السابقة له، وبالتالي لا تتأثر به كقاعدة عامة، إلا أن هذه الإجراءات رغم كونها سابقة أو معاصرة قد يمتد إليها البطلان إذا توافر نوع من الإرتباط بينها وبين الإجراء الباطل (4).
بحيث لا يستطيع أحد هذه الإجراءات إنتاج أثاره القانونية كاملة دون باقي الإجراءات فمثلا بطلان أمر الإحالة لتجهيل الإتهام يمتد ليشمل الإستجواب السابق .
هذا وقد حاول الفقيه الإيطالي”بناين BANNAIN ” وضع معيار للإستهداء به في القول بوجود ذلك الإرتباط بين الإجراء الباطل والإجراء السابق أو المعاصر له ، والذي يعتمد أساسا على التسليم بوجود تلك الرابطة، متى كان الإجراء الباطل يعتبر تكملة ضرورية أو جزء لا يتجزأ عن الإجراءات السابقة عليه. (5)
(1)- قرار صادر في 21/04/1981، طعن رقم، 24905، عن القسم الأول للغرفة الجنائية الثانية للمحكمة العليا.
(2)- جيلاي بغدادي، نفس المرجع السابق، ص، 147 و 148.
(3)- محمد كامل ابراهيم، نفس المرجع السابق، ص، 109.
(4)- مامون محمد سلامة، نفس المرجع السباق، ص، 355.
(5)- نصر الدين مروك، نفس المرجع السابق، ص، 598.

ثانيا : أثر بطلان الإجراء على الإجراءات اللاحقة عليه :
إن الحكم ببطلان الإجراء المعيب لا يؤدي فقط إلى إهدار قيمته القانونية وعدم إنتاجه لأثاره، بل يؤدي كذلك إلى بطلان الإجراءات الأخرى اللا حقة عليه، متى كانت هذه الإجراءات مترتبة على الإجراء المعيب ومرتبطة به إرتباطا مباشرا، وذلك تطبيقا للمبدأ القائل: ” ما بني على الباطل فهو باطل ”. (1)
أي بمعنى أن يكون الإجراء الباطل هو السبب المنشئ للإجراء التالي، بحيث لولا الإجراء الباطل لما وقع الإجراء اللاحق .
غير أنه يجب التمييز بين أثار بطلان الإجراءات حسب ما إذا كان البطلان قانونيا تحكمه المادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية، أو كان بطلانا جوهريا تحكمه المادتين 159 و191 من نفس القانون.
إذ أن هناك إختلافا كبيرا بين الحالتين فيما يتعلق بإمتداد أثر بطلان إجراء من الإجراءات اللاحقة. (2)
فإذا تعلق الأمر بالبطلان المنصوص عليه بالمدة 157 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن إمتداد البطلان إلى الإجراءات اللاحقة له يكون تلقائيا وإلزاميا.(3) أما إذا تعلق الأمر بالمادتين 159 و 1991 من قانون الإجراءات الجزائية فإن إمتداد البطلان إلى الإجراءات اللاحقة يكون إختياريا. وسنتناول ذلك كالآتي :
أ: إمتداد أثر البطلان القانوني :
لقد تجسد مبدأ إمتداد أثر بطلان الإجراء إلى إجراءات اللاحقة له في الفقرة الأولى من المادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على ضرورة وجوب مراعاة أحكام الماديتن 100 و105 من قانون الإجراءات الجزائية المتعلقين بإستجواب المتهمين وسماع الأطراف المدنية وإجراء المواجهة بينهم وإلا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه وما يتلوه من إجراءات .
ونتيجة لذلك فإن غرفة الإتهام لا تملك سلطة تقديرية في تقرير البطلان المؤسس على هذه الحالة، وعليه تمديد أثر البطلان الذي لحق بإجراءات التحقيق إلى الإجراءات اللاحقة، ولا تملك الحرية والإختيار في عدم تمديده(4).

(1)- سليمان عبد المنعم ،بطلان الإاجراء الجنائي، نفس المرجع السابق، ص، 98.
(2)- محمد كامل ابراهيم، نفس المرجع السابق، ص، 110.
(3)- أحمد فتحي سرور، نفس المرجع السابق، ص، 375.
(4)- التعديل الذي أدخله قانون04 جانفي 249 اوت 1993 على نص المادة من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي .

وتطبيقا لذلك فإن إستجواب المتهم بعد تحليفه اليمين القانونية يكون باطلا، ويترتب عليه بطلان كل الإجراءات التالية له .(1)
وكذلك يكون الحكم عندما يتعلق الأمر بعدم إختصاص قاضي التحقيق، فقد قضت المحكمة العليا بقرار صادر في 24/11/1981 عن الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 29091 أن يمتد البطلان وجوبا إلى كل الإجراءات التي تلي الإجراء الباطل ( المادة 157/1 من قانون الإجراءات الجزائية ) .
إذا كان الأمر متعلقا بالنظام العام كمتابعة رئيس المجلس الشعبي البلدي جزائيا من أجل جناية أو جنحة إرتكبها أثناء مزاولة وظيفته أمام قاضي التحقيق التابع لدائرة إختصاصه. (2)
ولا تطبق هذه الحالة على جميع حالات البطلان القانوني، وإنما فقط على الحالات المنصوص عليها في المادة 157 من نفس القانون، وهكذا لا يطبق هذا الإمتداد على بطلان إجراءات التفتيش رغم أن المشرع رتب عليها بطلانا قانونيا حسب ما تظمنته المادة 48 من قانون الإجراءات الجزائية إلا أنه لم ينص صراحة على أن بطلان التفتيش يلحق وجوبا الإجراءات اللاحقة لهما، وترك للقضاء تقرير إمتداد أثر البطلان من عدمه.(3)
وهناك من يرى(4) أن سبب إمتداد أثر بطلان إستجواب المتهم وسماع الطرف المدني أو إجراء مواجهة بينهما وجوبا إلى كل الإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل إلى كون البطلان هنا مطلق وأن غرفة الإتهام إذا تؤسس قرارها بإمتداد أثر البطلان إلى الإجراءات اللاحقة له على نوع البطلان الذي يقرره.
فإذا كان البطلان نسبيا فإنه يقتصر على الإجراء المعيب فقط، أما إذا كان مطلقا فيجب أن يمتد أثره كليا أو جزئيا إلى الإجراءات اللاحقة .
غير أن هذا الرأي لم يأخذ به الفقه (5) ولم يتبناه القضاء، إذا أن القاعدة العامة هي عدم جواز التنازل عن البطلان المطلق، في حين أنه يمكن التنازل عن البطلان المقرر في المادة 157/1 من قانون الإجراءات الجزائية، والمعيار المعتمد هو العلاقة الموجودة بين الإجراء البطال والإجراءات اللاحقة له .
(1)- أحمد شوقي الشلقاني ، نفس المرجع السابق،ص 320، أنظر كذلك د. أحسن بوسقيعة المرجع السابق،ص، 192.
(2)- جلالي بغدادي، التحقيق، نفس المرجع السابق،ص، 256.
(3)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 275و 276.
(4)- جيلالي بغدادي، التحقيق، نفس المرجع السابق، ص، 257.
(5)- د.أحمد بوسقيعة،نفس المرجع السابق، ص، 202.

ب:إمتداد أثر البطلان الجوهري :
ترك المشرع الجزائري أمر تحديد البطلان الجوهري لغرفة الإتهام، فهي وحدها المختصة في تقرير ما إذا كان البطلان ينحصر في الإجراء المطعون فيه وحده، أم أنه يمتد كليا أو جزئيا للإجراءات اللاحقة له، وهذا ما أكدته المادة 159 فقرة 02 وكذا المادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري .(1)
إلى جانب القانون فقد إستقر قضاء المحكمة العليا على ما يلي : ” متى كان من المقرر قانونا أن غرفة الإتهام تنظر في صحة الإجراءات المرفوعة إليها، وإذا تبين لها سبب من أسباب البطلان قضت ببطلان الإجراء المنسوب به، وعند الإقتضاء ببطلان الإجراءات التالية له كلها أو بعضها.
ولها بعد الإبطال أن تتصدى لموضوع الإجراء أو تحيل الملف إلى قاضي التحقيق نفسه أو قاضي غيره لمواصلة إجراءات التحقيق.
فإن التصرف أو القضاء بخلاف المبدأ يعتبر خطأ في تطبيق القانون إذا كان من الثابت أن غرفة الإتهام قضت ببطلان بعض إجراءات التحقيق وأمرت النيابة العامة بإتخاذ ما تراه مناسبا بشأنها، دون أن تتصدى للإجراءات بإحالة المتهمين أمام المحكمة المختصة أو بإتمام الإجراءات سواء بمعرفة نفس قاضي التحقيق أو غيره من القضاة، فإنها تكون قد تركت الدعوى معلقة، وأخطأت في تطبيق القانون.(2)
هذا بخلاف المشرع المصري الذي ينتهج منهج مخالفا لما نهجه المشرع الجزائري ،حيث ينص على أنه إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة ولزم إعادته متى أمكن ذلك.
وهي قاعدة تطبق بالنسبة للإجراءات الجوهرية والمتعلقة بالنظام العام، التي تمس صالحا للخصوم على حد سواء، ولا محل لتطبيقها بالنسبة للإجراءات غير الجوهرية، إذا لا يترتب عليها البطلان. (3)
أما بالنسبة للقانون الفرنسي، فإنه يطبق قواعد أثار البطلان الجوهري على جميع إجراءات التحقيق دون إستثناء وهذا بعد إلغاء نص المادة 170 القديمة (4)،حيث نص على أنه لم يعد يمتد بطلان الإجراء المعيب وجوبا إلى الإجراءات اللاحقة له مهما كانت طبيعة ونوع الإجراء بل أنه قد خول غرفة الإتهام سلطة تقدير ما إذا كان بطلان الإجراء المعيب يقتصر على إهدار القيمة القانونية لهذا الإجراء وحده،أم أنه
يستتبع بطلان كل أو بعض الإجراءات اللاحقة له، وعلى أي حال فإن للجهة القضائية أن تقدر وفقا
(1)- تنص المادة159/2 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه : ” تقرر غرفة الإتهام ما إذا كان البطلان يتعين قصره على الإجراء المطعون فيه أو إمتداده جزئيا أو كليا على اٌلإجراءات اللاحقة له ”.
(2)- المحكمة العليا، الغرفة الجنائية، طعن جنائي صادر بتاريخ 15/04/1986، المجلة القضائية، العدد ، 02، 1989،ص، 265.
(3)- مأمون محمد سلامة، نفس المرجع السابق، ص، 354.
(4)- الغيت المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي بموجب قانون 04 جانفي 1993 الفرنسي .
لظروف وملابسات كل قضية على حدى فيما إذا كان بطلان الإجراء المعيب يقتصر عليه في ذاته، أم أنه يمتد ليصيب الإجراءات اللاحقة عليه، وهذا طبقا لما تنص عليه المادة 172 فقرة 02 والمادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي . (1)
المطلب الثاني : تصحيح الإجراءات الباطلة وإعادتها ومصير الإجراءات الملغاة :
بعد أن تعاين الجهة القضائية المختصة بأن إجراء معينا من إجراءات التحقيق مشوب بعيب البطلان فإنها تصدر حكما بإلغاء هذا الإجراء ولها أيضا أن تحكم بإلغاء الإجراءات اللاحقة له والتي ترتبط به إرتباطا مباشرا، ذلك أن الإجراءات تؤدي إلى حماية حقوق الدفاع وضمان حسن سير العدالة، ولأجل بلوغ هذه الغاية يمكن تنشيط الإجراء المعيب. وذلك بتصحيحه أو إعادته (2) وهذا ما سندرسه في الفرع الأول ومعرفة مصير الإجراءات الملغاة الذي سنخصص الفرع الثاني للحديث عنه .
الفرع الأول : تصحيح الإجراءات الباطلة وإعادتها :
يتقرر البطلان كجزاء إجرائي في مجال قانون الإجراءات الجزائية، لكي تستقيم أحكام هذا القانون، وهي تستقيم إذا تم توظيف إجراءاته على نحو صحيح وهادف .(3)
ويتم كل هذا من خلال تنظيم إجرائي واع يربط بين هذه الإجراءات وبين الغاية المرجوة منها، لكي لا يتعطل سير الخصومة وتتكدس القضايا. (4)
وبالتالي إذا لحق عيب إجراء من الإجراءات وترتب عنه بطلانه، فإنه يمكن تصحيح هذا الإجراء أو إعادته وهذا ما سنتناوله في هذا الفرع حيث نتطرق أولا إلى تصحيح الإجراء الباطل وثانيا إلى إعادة الإجراء الباطل .
أولا : تصحيح الإجراء الباطل :
يترتب البطلان على الإجراء المعيب، وبالتالي يمكن تصحيح هذا الإجراء الباطل، وتصحيح البطلان يأتي بعد نشوء الحق في التمسك بالبطلان، وليس للتصحيح أثر رجعي، حيث أن الإجراء ينتج أثاره من تاريخ تصحيحه وليس من التاريخ الأول الذي إتخذ بصفة معيبة. (5)

(1)- مامون محمد سلامة، نفس المرجع السابق،ص، 354.
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 325.
(3)- أحمد فتحي سرور، نفس المرجع السابق، ص، 403.
(4)- سليمان عبد المنعم، نفس المرجع السابق،ص، 101.
(5)- د.أحمد بوسقيعة، نفس المرجع السابق،ص، 215.

ويتم تصحيح البطلان إما بالتنازل عن التمسك بالبطلان طبقا لما نصت عليه المواد 157،159، و 161 من قانون الإجراءات الجزائية، (1) وأما بحضور المتهم أو الطرف المدني جلسة المحاكمة إذا كان التكليف بالحضور باطلا. ففي هذه الحالة تكون الغاية من التكليف بالحضور قد تحققت بحضور المتهم أو الطرف المدني أمام القضاء، (2) إلا أنه يمكن للطرف المعني أن يطلب تصحيح التكليف بالحضور بإتمام النقائص الموجودة به ومنحه أجلا جديدا لتحضير دفاعه وتأجيل القضية لجلسة مقبلة.(3)
وهو ما قررته المحكمة العليا قضت في إحدى قراراتها بأنه يمكن للمتهم أن يتمسك أمام قضاة الموضوع ببطلان ورقة التكليف بالحضور، وأن يطلب تصحيح التكليف بالحضور أو إستفاء أي نقص فيه، وعلى القضاة أن يجيبوا على طلبه. (4)
وقد نصت المادة 157/2 من قانون الإجراءات الجزائية، على أنه يجوز للخصم الذي لم تراع فيه حقه أحكام المادتين 100 و 105 أن يتنازل عن التمسك بالبطلان، ويصحح بذلك الإجراء الباطل، وإشترطت هذه المادة أن يكون التنازل صريحا وبحضور محامي الطرف المتنازل أو بعد إستدعائه قانونا، وهو نفس الحكم الذي تضمنته الفقرة الثانية من المادة 170 القديمة من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي. (5)
وقد ذكرت المادتان المذكورتان أعلاه ، إجراءات التحقيق المشوبة بالبطلان القانوني التي يمكن التنازل عن التمسك ببطلانها، مما يترتب عنه تصحيح الإجراءات الباطلة، وحصرت هذه الإجراءات في إستجواب المتهم وسماع الطرف المدني أو إجراء مواجهة بينهما. (6)
أما بالنسبة للبطلان الجوهري المتعلق بمصلحة الأطراف فقد نصت المادة 159/3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه يجوز دائما للخصم التنازل عن التمسك بالبطلان المقرر لمصلحته وحده، ويجب أن يكون التنازل صريحا، ومعنى ذلك أنه لا يعتد بالتنازل الضمني، كما أن السكوت عن التمسك بالبطلان لا يعتبر تنازلا، بل يجب أن يكون التنازل صراحة واضحا لا لبس ولا غموض فيه، ويترتب عن التنازل عن التمسك بالبطلان الجوهري المتعلق بمصلحة الأطراف تصحيح الإجراء الباطل. (7)

(1)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 227.
(2)- فتحي والي، نفس المرجع السابق، ص، 315.
(3)- جيلالي بغدادي، نفس المرجع السابق، 256.
(4)- سليمان عبد المنعم، نفس المرجع السابق، ص، 107.
(5)- محمد حزيط، نفس المرجع السابق، ص، 87.
(6)- محمد صبيحي نجم، قانون أصول المحاكمة الجزائية، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الاردن، 2000، ص، 117.
(7)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 327 وما يليها.
وقد نصت المادة 161/3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه يجوز للأطراف أن تتنازل عن التمسك بالبطلان المشار إليه في المادة 157 و 159 من نفس القانون وكذلك البطلان الذي قد يترتب عن عدم مراعاة أحكام المادة 168/1 من قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بوجوب تبليغ الأوامر القضائية في ظرف 24 ساعة برسالة مضمنة لكل من محامي المتهم والطرف المدني.(1)
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن التنازل عن التمسك بالبطلان المتعلق بالنظام العام، وإن السكوت عنه وعدم إثارته لا يترتب عنه تصحيحه.
ويلاحظ أن التنازل الذي نصت عليه المادة 172 الجديدة من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، (2) لا يعني إلا حالات البطلان الجوهري، ولم تتطرق هذه المادة لحالات التنازل عن التمسك عن البطلان القانوني .
فمن غير المعقول أن لا تستطيع الأطراف التنازل عن حالات البطلان القانوني خاصة بالنسبة لبعض الإجراءات المتعلقة بالتفتيش والحجز، وبالتالي تصحيح الإجراءات ، في حين تنص المواد 157، 159 و 161 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري والمواد170،172و174 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي على التنازل عن التمسك بالبطلان القانوني والجوهري معا.
ومما يلاحظ أنه كما يتم تصحيح الإجراءات الباطلة الخاصة بالتحقيق القضائي، فإنه يتم كذلك تصحيح الإجراءات الباطلة الخاصة بمرحلة المحاكمة. (3)
ثانيا: إعادة الإجراء الباطل:
يقصد بإعادة الإجراء الباطل إحلال إجراء صحيح محل الإجراء الباطل كلما أمكن ذلك وإستبعاد هذا الأخير وعدم الإعتماد عليه في الخصومة الجنائية، ويتم ذلك بإعادته بطريقة سليمة مع تجنب العيب الذي كان قد شابه أو القصور الذي لحقه وأدى إلى بطلانه. (4)
هذا ويختلف تصحيح الإجراء الباطل عن إعادته في أن التصحيح يكون جوازيا قبل القضاء ببطلان إجراء معين (5) في حين يصبح إلزاميا بعد القضاء ببطلان إجراء من الإجراءات ويتوجب على المحكمة إعادته حسب نموذجه القانوني والأوضاع القانونية التي تحكمه.
(1)- سليمان عبد المنعم، نفس المرجع السابق، ص، 109.
(2)- Art 172 code de procédure pénale français (L.N°93-2 du 04 janvier
(3)- محمد كامل إبراهيم، نفس الرجع السابق، ص، 118.
(4)- فتحي والي، نفس المرجع السابق، ص، 691.
(5)- مدحت محمد الحسيني، البطلان في المواد الجنائية، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 1993، ص، 53.

وما تجدر الإشارة إليه في هذا الشأن هو أن إلتزام المحكمة بإعادة الإجراء الباطل لا يعني أنها هي التي تتولى بنفسها عملية الإعادة وإنما تأمر فحسب بإعادته.
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن المشرع الجزائري لم يضمن قانون الإجراءات الجزائية أي مادة تنص على إعادة الإجراء الباطل، غير أن الحكم الذي تضمنته المادة 191 من نفس القانون يستفاد منه ضمنا على أن غرفة الإتهام هي التي تقضي ببطلان الإجراء المعيب وعند الإقتضاء ببطلان الإجراءات اللاحقة كلها
أو بعضها .حيث تقوم هي نفسها أو تأمر قاضي التحقيق أو قاضي آخر غيره بتصحيح الإجراءات الباطلة وذلك بإعادتها بطريقة سليمة خالية من العيوب التي أدت إلى بطلانها. وهذا ما قضت به المحكمة العليا في إحدى قراراتها. (1)
أما بالنسبة للقانون الفرنسي فقد كان أكثر وضوحا إذ نص على أنه بعد إلغاء الإجراءات الباطلة فإنه يمكن لغرفة الإتهام إما التصدي أو القيام بالإجراءات وإما إحالة ملف الإجراءات إلى نفس قاضي التحقيق أو قاضي آخر لمواصلة التحقيق القضائي وهذا ما قضت به المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي. (2) هذا ويشترط لإعادة الإجراء الباطل توافر الشروط التالية :
الشرط الأول : أن تكون الإعادة ممكنة :
يجب لإمكانية تصحيح الإجراء الباطل بإعادته أن تكون الظروف الخاصة بمباشرته ما زالت قائمة وممكنة من ناحية القانون والواقع (3) فإذا إستحال قانونا إعادة الإجراء إنتفى الإلزام كإنقضاء المهلة المحددة لمباشرة الإجراء مثل : فوات أجل طرق الطعن في الأحكام والقرارات القضائية (4) وإذا إستحال واقعيا مباشرة الإجراء فلا فائدة أيضا من إعادته كوفاة الشاهد المراد سماع شهادته من جديد وكذا إجراء القبض والتفتيش. (5)
الشرط الثاني : أن تكون الإعادة ضرورية:
لا يكفي لإعادة الإجراء المعيب إمكانية إعادته بل لابد أن تكون إعادته ضرورية ولازمة فإذا الضرورة الضرورة من الإعادة أو لم تعد من هذه الأخيرة فائدة وذلك إذا كانت النتيجة المراد تحقيقها من الإجراء الباطل قد تحققت بواسطة إجراء آخر.
(1)- قرار صادر عن الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا بتاريخ 15/04/1986 ، طعن رقم 47019.
(2)- قرار صادر عن الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا بتاريخ 07/05/1985 ، طعن رقم 38763 ، المجلة القضائية، العدد الثاني 199،
ص،227.
(3)- مدحت محمد الحسيني، نفس المرجع السابقّ، ص، 54.
(4)- مامون محمد سلامة، نفس المرجع السابق، ص، 358.
(5)- سليمان عبد المنعم، بطلان الإجراء الجنائي، نفس المرجع السابق، ص، 103
ومما يجب الإشارة إليه أن الإعادة لا تقتصر على الإجراء الباطل وحده بل تشمل جميع الإجراءات التي إمتد إليها البطلان سواء كانت سابقة أو لاحقة أو معاصرة للإجراء الباطل إذا كانت مرتبطة به إرتباطا مباشرا أو منبثقة عنه. (1) .
الفرع الثاني: مصير الإجراءات الملغاة:
نصت المادة 160 من قانون الإجراءات الجزائية الخاصة ببطلان إجراءات التحقيق على أن تسحب من ملف التحقيق أوراق الإجراءات التي أبطلت وتودع لدى كتابة ضبط المجلس القضائي ويمنع على القضاة والمحامين الرجوع إليها لإستنباط عناصر أو أدلة إتهام ضد الأطراف أو الخصوم في المرافعات وإلا تعرضوا لعقوبات تأديبية أمام المجلس التأديبي المختص وهذا ما سنتناوله كالآتي حيث سنتحدث عن سحب الإجراءات الملغاة من الملف أولا ومنع إستنباط عناصر أو أدلة إثبات ضد الأطراف من الإجراءات الملغاة ثانيا .
أولا : سحب الإجراءات الملغاة من الملف :
إن القضاء بإلغاء الإجراء الباطل وكذا الإجراءات اللاحقة له يترتب عنه سحب أصل ونسخة الإجراء الباطل والإجراءات اللاحقة له وحفظها بكتابة ضبط المجلس القضائي. (2)
وكما أشرنا إليه سابقا أن إجراءات التحقيق الملغاة التي صدر بشأنها قرار يقضي ببطلانها تسحب من ملف التحقيق وتودع بكتابة ضبط المجلس . (3)
وهذا السحب لا يمس إلا الإجراءات المشار إليها في المادتين 157و 159 من نفس القانون،ولا ينطبق على الإجراءات القضائية الملغاة على أثر الإسئناف ضدها. (4)
وسحب الإجراءات الملغاة من ملف التحقيق يكون بطريقة غير قابلة للتجزئة إتجاه جميع الأطراف إذ لا يسمح للجهة القضائية من إستعمال الإجراءات الملغاة لصالح طرف في الدعوى ضد آخر لم يحظر الجلسة ولم يناقشها وشرعية سحب إجراءات التحقيق الباطلة تستمد أساسها من مبدأ قرينة البراءة وحماية حقوق المواطن نظرا لخطورة الدعوى الجزائية التي تمس مباشرة بحرية الفرد وشرفه وحرية تنقله وعليه يجب أن تكون الأدلة المعتمدة في إدانته قد إستخرجت بطريقة قانونية خالية من العيوب التي تشوب شرعيتها (5).
(1)- مأمون محمد سلامة، نفس المرجع السابق، ص 358 و359.
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابقن ص، 335.
(3)- جيلالي بغدادي ، الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية، نفس المرجع السابق، ص، 256.
(4)- نبيل صقر، نفس المرجع السابق، ص، 162.
(5)- مدحت محمد الحسيني، نفس المرجع السابق، ص، 259.
والملاحظ أن المشرع الجزائري لم يقرر أي جزاء في حال عدم سحب الإجراءات الملغاة من الملف، وأن الإجراءات التي تتم رغم وجود الإجراءات الملغاة بالملف تعتبر صحيحة لا يشوبها أي عيب (1) وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر في 24/07/1990 من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 69666 بقضائها أن عدم إخراج الوثائق الملغاة من ملف القضية لا يترتب عليه النقض متى تبين أن قضاة الموضوع لم يعتمدوا عليها في عقيدتهم.
إلى أنه يمنع إستنباط أو إستخلاص عناصر أو أدلة الإثبات من الإجراءات الملغاة ضد الأطراف. فمثلا يمنع على القاضي أن يؤسس حكمه على تفتيش غير قانوني أو على خبرة غير صحيحة .
لكن ما يلاحظ من المادة 160 من قانون الإجراءات الجزائية يشوبها نقص في بعض التفاصيل الأساسية أدت إلى نشوء بعض الوضعيات الصعبة أثناء الممارسة الفعلية فمثل حالة وجود عدة أشخاص متابعين في نفس القضية وقيام البعض منهم برفع الطعن بالنقض في قرار الإحالة (2) وبعد النقض قامت غرفة الإتهام بإلغاء بعض الإجراءات فهل يحتج بهذا الإلغاء إتجاه جميع الأطراف المتابعة أم من طرف تلك التي طعنت في القرار فقط؟
لقد إتبعت محكمة النقض الفرنسية موقفين في هذا الخصوص :
الموقف الأول: قضت فيه بتطبيق أحكام المادة 173 القديمة من قانون الإجراءات الجزائية تطبيقا صارما أي أن الإجراءات الملغاة يحتج بها تجاه جميع الأطراف في الدعوى سواء التي طعنت في القرار أو التي لم تطعن فيه، وقررت عدم تجزئة السحب تجاه جميع الأطراف سواء إستعملت طرق الطعن المتاحة لها أم لا، وعليه يجب سحب الإجراءات الملغاة من الملف وحفظها بكتابة ضبط المجلس القضائي ( نقص جنائي فرنسي 08 ماي 1974 ). (3)
الموقف الثاني : تراجعت فيه محكمة النقض الفرنسية عن موقفها الأول، سواء في ما يتعلق بسحب الإجراءات الملغاة، أو بخصوص الرجوع إليها على أثر قرارات صادرة عن غرفة الإتهام الفاصلة في الإحالة بعد نقض قرارات الإحالة أمام محكمة الجنايات، وقضت بصحة قراءة قرار الإحالة أمام محكمة الجنايات الذي تم نقضه بعد طعن بعض المتهمين، والذي تضمن إجراءات تم إلغائها فيما بعد من طرف غرفة الإتهام المحالة إليها القضية، والذي أصبح نهائيا تجاه المتهم الذي لم يطعن فيه.

(1)- محمد مروان، نظام الإثبات في المواد الجنائية في القانون الوضعي الجزائري، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، 1999، ص 179
(2)- أحمد الشافعي، نفس المرجع السابق، ص، 337.و339.
(3)- Code De Procédure Pénale Français, Dalloz , 2001, p 298.
ثانيا: منع إستنباط عناصر أو أدلة الإثبات ضد الأطراف من الإجراءات الملغاة:
لقد نصت المادة 161/2 من قانون الإجراءات الجزائية على منع القضاة والمحامين من الرجوع لأوراق الإجراءات التي أبطلت، لإستنباط عناصر أو إتهامات ضد الخصوم في المرافعات، وإلا تعرضوا لعقوبات تأديبة. ولا يمكن التحايل على هذا المنع، وذلك بسماع ضابط الشرطة القضائية الذي تلقى التصريحات الملغاة كشاهد، وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرارها المؤرخ في 30 جوان 1981.
غير أن منع إبقاء الإجراءات الملغاة بالملف، لا يعمل به ولا يطبق في حالة ما إذا تعلق الأمر بإجراءات مختلفة ومرافعات مستقلة . (1)
فإذا كان القانون قد نص على معاقبة القضاة والمحامين المدافعين الذين يلجأون للإجراءات الباطلة الملغاة ليستمدوا منها دلائل الإتهام ضد الأطراف الأخرى، فإنه بالعكس من ذلك، لم ينص على أي جزاء بالنسبة للإجراءات القضائية المؤسسة على ما تضمنته الإجراءات الباطلة.(2)
ويرى الأستاذ أحمد الشافعي على أنه كان على المشرع أن يرتب البطلان على الإجراءات المبنية أساسا على الإجراءات الباطلة الملغاة كليا أو جزئيا .
ويضاف إلى ذلك أن المشرع لم ينص على الإثارة التي يمكن أن تلحق العرائض التي تشير إلى المستندات الملغاة أو تكون مرفقة بها ، ومع غياب النص؛ فإنه لا يمكن القول ببطلان هذه العرائض، ولكن توجد فقط إمكانية إتخاذ إجراءات تأديبية ضد المحامين الذين قدموا المستندات الملغاة إلى القضاء .(3)
وإذا كان المشرع الجزائري نص على منع إستنباط دلائل إتهام ضد الخصوم ، فإن المشرع الفرنسي قد أشار إلى منع إستنباط أية معلومات ضد الأطراف.
غير أنه يلاحظ أن سحب الإجراءات من الملف صدر بإلغائه لعيب في الشكل ، يمكن أن يلحق ضرر بالمتهم ، إذا ما كان مضمونه في صالحه ، ذلك أن نفس الإجراء يمكن أن يكون في صالح طرف ، وفي غير صالح طرف آخر في آن واحد.

(1)-بلعليات ابراهيم، نفس المرجع السابق، ص، 97
(2)- قرار جنائي صادر بتاريخ 21/04/1981 تحت رقم 24905، إشار إليه جيلالي بغدادي ، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية ، نفس الرمجع السابق، ص، 127.
(3)- نقض جنائي فرنسي 17 مارس 1987.

وقدت نصت المادة 174 الجديدة من قانون الإجراءات الجزائية على سحب أوراق الإجراءات والمستندات الملغاة من الملف وإيداعها بكتابة ضبط المجلس القضائي ، كما نصت على شطب أوراق الإجراءات والمستندات الملغاة جزائيا بعد إعداد نسخة منها مطابقة للأصل تحفظ بكتابة ضبط المجلس القضائي.
والملاحظ أن المادة 174 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي ، لم ترتب أي جزاء إجرائي على الإجراءات والأحكام القضائية التي بنيت على إجراءات الملغاة وإستمدت منها عناصر تقديرها وإقتناعها بل تركت ذلك للقضاء ليقرر بشأنها الجزاء الذي يقدره، في إطار البطلان الجوهري .(1)

(1)- احمد الشافعي ، نفس المرجع السابق، ص 340.
الخـــــــــــاتمة
أظهرت هذه الدراسة أن البطلان في إجراءات التحقيق يعد من أهم مشكلات القانون الإجرائي ومن أدق المعضلات التي تواجه المشرع و القضاء على حد سواء، فنظام البطلان ليس من الأنظمة المستقرة والثابتة، وحالات البطلان المقررة في قانون الدول ليست واحدة بل تختلف من قانون لآخر.
ولا يعد البطلان مجرد موضوع تقليدي فقهي بحث، فالحقيقة والممارسة بينتا عكس ذلك، بأنه موضوع تطبيقي عملي يتطور بتطور حقوق الدفاع وإتساع رقعتها وتدعيمها، والغاية الأساسية منه هي سلامة وضمان صحة الإجراءات بصفة عامة وإجراءات التحقيق بصفة خاصة .
ويمكن حصر أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة في النقاط التالية :
– البطلان هو الجزاء القانوني الجدير بتحقيق التوازن والتوافق بين مصلحتين متعارضتين جديرتين بالحماية على حد سواء، ومصلحة المجتمع في حماية أمنه وإستقراره، ومصلحة المتهم في حماية حريته الفردية من التعدي عليها وإنتهاكها عند مباشرة إجراءات التحقيق .
– البطلان أهم جزاء إجرائي يلحق بإجراء من إجراءات التحقيق، تمت مباشرته بالمخالفة للشكل الواجب إتباعه، ويترتب عن ذلك عدم إنتاجه لأي أثر قانوني، فهذا الجزاء قد وضعه المشرع من أجل حماية إجراءات التحقيق من العيوب التي تعتريها وتؤثر فيها إلى إنحرافها عن مسارها الطبيعي مما يؤثر في الخصومة الجنائية .
– ولقد أخذ المشرع الجزائري بمذهب البطلان القانوني والذاتي معا، حيث نص على مراعاة بعض الإجراءات تحت طائلة البطلان، كالإستجواب والتفتيش، مستمدا ذلك من المبدأ العام أنه لا بطلان بغير نص، ثم ترك تقرير حالات البطلان الأخرى التي تلحق إجراءات التحقيق للقضاء، في إطار مراقبة المخالفات التي تعرض لها القواعد الإجرائية الجوهرية، والمتعلقة إما بحقوق الدفاع وإما بقواعد التنظيم القضائي، وهو ما تبين فعلا من إجتهاد المحكمة العليا في هذا الإطار.
– البطلان الذي يصيب إجراءات التحقيق قد يكون مطلقا متعلقا بالنظام العام، لا يجوز التنازل عنه صراحة أو ضمنا، ويجوز التمسك به في أي مرحلة كانت عليه الدعوى، ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا من قبل كل من له مصلحة، ولو لم يكن صاحب مصلحة مباشرة من وراء الدفع به، بل وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يدفع به أحد الخصوم .
– قد يتعلق البطلان الذي تتعرض له إجراءات التحقيق بمصلحة الخصوم، والذي يمكن التنازل عنه صراحة أو ضمنا، ولا يجوز التمسك به إلا ممن شرعت القاعدة الإجرائية المخالفة لصالحه،
وأن يكون تسمكه به في المرحلة التالية للمرحلة التي تم فيها الإجراء الباطل، فإن لم يدفع به في هذه المرحلة فإن ذلك يعد تنازلا منه ولا تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها.
– من خلال التطرق إلى كل نوع من نوعي البطلان سواء المطلق أو النسبي، توصلنا إلى أن المحكمة العليا مستقرة على إستعمال مصطلح البطلان المتعلق بالنظام العام بدلا من البطلان المطلق، وأنه لا فرق بينهما في الواقع، في حين أن البطلان النسبي وضع لحماية مصلحة الخصوم وتقرير ضمانات لهم .
– منح المشرع الجزائري حق الدفع ببطلان إجراءات التحقيق لقاضي التحقيق ووكيل الجمهورية وذلك برفع الطلب إلى غرفة الإتهام، سواء كان البطلان متعلقا بالنظام العام أو متعلقا بمصلحة الخصوم. ضف إلى ذلك أن المشرع قد خول حق إثارة البطلان لغرفة الإتهام من تلقاء نفسها، أما الخصوم فلا يمكنهم سوى توجيه نظر قاضي التحقيق إلى أسباب البطلان دون الدفع به .
– خول المشرع الجزائري حق تقرير البطلان والفصل فيه لجهتين رئيسيتين هما : غرفة الإتهام بإعتبارها قضاء تحقيق درجة ثانية، وجميع جهات الحكم بإستثناء محكمة الجنايات التي لا يجوز لها ذلك، على أساس أن قرار الإحالة الصادر عن غرفة الإتهام يغطي ويصحح جميع حالات البطلان التي تشوب إجراء التحقيق السابقة.
– البطلان الذي يصيب إجراءات التحقيق من جراء المخالفة، يكون له تأثير مباشر على إجراءات المعيب ذاته، في وجوب إستبعاد الدليل المستمد منه و عدم التعويل عليه، ووجوب سحب أوراق هذا الإجراء الباطل من ملف التحقيق، كما قد يكون للإجراء الباطل أثر على إجراءات التحقيق اللاحقة له، إذا كانت مرتبطة به بعلاقة السببية وفق ما تقرره غرفة الإتهام.أما إجراءات التحقيق السابقة على الإجراء الباطل، فنها تكون معصومة من البطلان الذي شاب الإجراء.
– يتم وضع حد لآثار البطلان وعدم المغالاة فيها عن طريق تصحيح الإجراء الباطل وإعادته، وتبدو أهمية تصحيح الإجراء الباطل وإعادته حين يترتب عليه إبطال الإجراءات اللاحقة له، وبالتالي يكون للتصحيح فائدة كبيرة في عدم إهدار وقت الخصومة ومواصلة صيرورتها من جديد.
ومن خلال هذه الدراسة التي تناولت بطلان إجراءات التحقيق، إتضحت جملة من مواطن الخلل والنقص تصل في بعض الأحيان إلى التناقض والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
– نص المشرع الجزائري على البطلان كجزاء إجرائي ضمن الباب الثالث المتعلق بجهات التحقيق وقصره على إجراءات التحقيق وحدها دون غيرها من الإجراءات، وعنونه ببطلان إجراءات التحقيق، وكان البطلان بذلك لا يصيب إلا إجراءات التحقيق المعيبة وحدها دون إجراءات المحاكمة، وهو ما يستوجب إعادة النظر فيه، بأن يخصص المشرع باب مستقلا من أبواب قانون الإجراءات الجزائية ويعنونه ببطلان الإجراءات الجزائية، حتى يعمم بالتالي البطلان على جميع الإجراءات التي تتخذ خلال مراحل الخصومة الجزائية .
– العمل على كل ما من شأنه إستظهار القيمة العلمية والعملية لقواعد إجراءات التحقيق، حتى لا تبقى هذه القواعد مجرد قواعد نظرية، وذلك لضمان فعالية الإجراءات وصولا إلى عدالة فعالة وضمان حقوق وحريات الأفراد .
– تم تعديل قانون الإجراءات الجزائية الصادر سنة 1966 عدة مرات منذ هذا التاريخ، إلا أن يد التعديل لم تطل على الإطلاق النصوص المنظمة لموضوع بطلان إجراءات التحقيق، بغية إثراءه وتقرير حالات إستقر عليها قضاء المحكمة العليا، أو إنشاء حالات إعتمدتها النظم الإجرائية بصفة عامة وإجراءات التحقيق بصفة خاصة، وهي بذلك تكون قد سدت الفراغ الذي تركه المشرع في الميدان، حيث لم تترد في القضاء بإلغاء الإجراءات المشوبة بعيب البطلان، وهو ما يستوجب إعادة النظر في هذه النصوص، حتى يمكن تعديل ما يجب تعديله سواء بالإلغاء أو بالإضافة تماشيا مع القرارات التي أصدرتها المحكمة العليا فينا يخص البطلان كجزاء إجرائي.
– ضرورة إعادة صياغة الفقرة الأولى من المادة 157 بما يضمن حقوق الدفاع، لأن الصياغة الحالية يفهم منها أن المدعي المدني هو فقط من يستطيع التمسك بالبطلان، طبقا لما تنص عليه المادة 105 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري دون المتهم، وذلك بالنص على مراعاة أحكام المادتين 100 و 105 دون تخصيص، فتصبح صياغتها على النحو التالي : ” تراعى الأحكام المقررة في المادتين 100 و 105 من هذا القانون، وإلا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء نفسه وما يتلوه من إجراءات ”.
– ضرورة تعديل نص المادة 158 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، بشكل يتضمن حق المتهم والمدعي المدني في إخطار غرفة الإتهام بحالات البطلان، من أجل إبطال مفعول الإجراءات الباطلة التي إتخذت إتجاههما و التي مست مصلحتهما، وذلك إعمالا لمبدأ المساواة بين الخصوم، وكذا تفادي وتجاوز النقص و الخلل الموجود حاليا بهذه المادة، مع ضرورة توضيح إجراءات إخطار غرفة الإتهام من قبل الأطراف بكيفية مفصلة ودقيقة .
– إعادة النظر في نص المادة 159 بشكل يوضح فيه المقصود بحقوق الدفاع أو حقوق أي خصم في الدعوى، والتي تعد معيار لتحديد جوهرية الإجراءات من عدمها، لأن هذا المعيار ظل مبهما ولا يعبر عن النية الحقيقة للمشرع، إذ بقي مصطلحا مطاطا يمكن تكييفه على حسب سلطة القضاء.
– ضرورة إدخال نصوص قانونية ضمن المواد المتضمنة بطلان إجراءات التحقيق، تنظم وتعالج مسألة تصحيح الإجراءات الباطلة وإعادتها من جديد متى أمكن ذلك، بغية وضع حد للتطبيق غير البصير لأثار البطلان وعدم المغالاة فيه، والسماح للإجراءات من الإستمرار في إنتاج أثارها القانونية، كما هو الشأن بالنسبة لأغلب التشريعات الإجرائية.
– ضرورة توسيع المشرع حالات البطلان قصد إعطاء فعالية أكثر لإجراءات التحقيق، وبالتالي ضمانة أكثر لحقوق الدفاع، نظرا لما لهذه الإجراءات من تأثير على القضاء حيث أنها عين وأذن القاضي.
– ضرورة اللجوء إلى الإجراءات المشروعة والأساليب القانونية عند القيام بإجراءات التحقيق، وحظر إستعمال كافة الوسائل المؤثرة على الإرادة الحرة للإنسان مهما كانت نوع التهمة الموجهة إليه.
– ضرورة جمع وتحصيل الأحكام والقرارات المتعلقة بتقرير أحكام نظرية البطلان في مختلف الإجراءات المكونة للخصومة الجزائية بجميع مراحلها، سواء مرحلة جمع الإستدلالات أو مرحلة التحقيق أو مرحلة المحاكمة، وإخراجها على شكل مبادئ قانونية، كي ترشد أجهزة العدالة الجنائية، بما يكفل وضع الضوابط والخطوط العامة التي تكفل توحيد نظرية البطلان على كل الأعمال الجزائية بما يناسب طبيعة كل عمل ودوره في الخصومة الجزائية.
– الإستفادة من تجارب تشريعات بعض الدول الأخرى في مجال تطبيق نظرية البطلان من خلال إجراء الدراسات المقارنة خاصة القانون الفرنسي والقانون المصري.
– ضرورة ترتيب البطلان صراحة على عدم تفتيش أنثى بواسطة أنثى مثلها، وذلك بموجب إضافة نص قانون جديد يتضمن ذلك، أو إضافة فقرة جديدة لنص المادة 48 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري تقضي بذلك.
ونأمل أن يأخذ المشرع الجزائري بعين الإعتبار هذه الإقتراحات لتفادي النقص والغموض اللذين وقعا فيهما من جراء تأثره بقوانين ومصادر مختلفة ومتباينة.
ولا شك أنه رغم الجهد المبذول في إتمام هذه المذكرة، فإن هذه الأخير لا تخلو من النقائص بسبب عدم القدرة على تناول كل شئ بالتفصيل، إلا أنها يمكن أن تكون جسرا يربط بين بحوث سبقت فأضافت إليها بعض المستجدات لإثرائها وبعثها من جديد، وكبداية لبحوث مقبلة إن شاء الله .
وفي ختام هذه المذكرة نتوجه بجزيل الحمد والشكر والثناء لله عز وجل والذي أعاننا ووفقنا على إتمام هذه المذكرة، ولا يسعني سوى تقديم الشكر وعظيم الإمتنان لأستأذنا الفاضل الأستاذ بن شنات، لما بذله من جهد وعطاء وافرين خلال هذه المذكرة، وما قدمه لي من نصح وإرشاد وتوجيه كان له بالغ الأثر في مذكرتي فجزاه الله عني خير الجزاء، وأسأله تعالى أن ينفعنا بهذا العمل المتواضع، وأن يشملنا برحمته التي وسعت كل شئ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
قائمة المراجع
أولا : باللغة العربية
1. القران الكريم :
2. الكتب :
– أحسن بوسقيعة، التحقيق القضائي، دار هومة، الجزائر، 2006.
– أحمد الشافعي، البطلان القانوني في الإجراءات الجزائية- دراسة مقارنة – ، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2004.
– أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995 .
– ـــــــــــــــــ ،النقض الجنائي، الطبعة الرابعة، دار الشروق، القاهرة، 2004.
– جيلالي بغدادي، الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول، المؤسسة الوطنية للإتصال والنشر والإشهار، الجزائر، 1996.
– ــــــــــــــــ،التحقيق، دراسة مقارنة نظرية وتطبيقية، الطبعة الأولى ، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 1999.
– حامد الشريف، نظرية الدفوع أمام القضاء الجنائي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1996
– سليمان بارش، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دار الشهاب للطباعة والنشر، باتنة، الجزائر، 1986.
– سليمان عبد المنعم ، بطلان الإجراء الجنائي، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية، 2002.
– أصول الإجراءات الجزائية في التشريع والقضاء والفقه، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الإسكندرية، 1999.
– صلاح الدين جمال الدين ، الطعن في إجراءات التفتيش، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية،2005.
– عبد الله أوهايبية، ضمانات الحرية الشخصية أثناء محلة البحث التمهيدي- الاستدلال- ، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2004.
– عدلي خليل، إستجواب المتهم فقها وقضاء، دار الكتب القانونية، مصر، 2004 .
– علي جروة، الموسوعة في الإجراءات الجزائية، المجلد02 في التحقيق القضائي ، الجزائر، 2006.
– عمر فخري عبد الرزاق الحديثي، حق المتهم في محاكمة عادلة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2005.
– عوض محمد عوض، المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجزائرية، دار المطبوعات ،الجامعية الإسكندرية، 1999
– فتحي والي، أحمد ماهر زغلول ، نظرية البطلان في قانون المرافعات ، الطبعة الثانية، دار الطباعة الحديثة، القاهرة، 1997.
– مأمون محمد سلامة ،الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ، الجزر الأول، دار الفكر العربي ، القاهرة، 1985.
– محمد حزيط، قاضي التحقيق في ميدان القضاء الجزائي، الطبعة الرابعة، دار هوما للنشر، الجزائر، 2014
– محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2005.
– محمد صالح بوقجار، مدى تقيض غرفة الإتهام بوقائع الدعوى، مديرية التشريع و المصادر، وزارة العدل، نشرة القضاة، 1972
– محمد صبحي نجم، قانون أصول المحاكمات الجزائية، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن،2000.
– محمد كامل إبراهيم، النظرية العامة للبطلان في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1989.
– محمد مروان ونبيل صقر، الموسوعة القضائية الجزائية، الدفوع الجوهرية في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، الجزائر.
– محمود نجيب حسني ، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988.
– نبيل صقر، الموسوعة القضائية الجزائرية، البطلان في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، وهران، الجزائر، 2003.
– نصر الدين مروك، محاضرات في الإثبات الجنائي، الجزء الأول، النظرية العامة للإثبات الجنائي، دار هومة، الجزائر، 2003.
3. المقالات والدوريات :
– أحمد الشافعي، ” إشكالية البطلان في الإجراءات الجزائية ” ، المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الأول، 2003.
– فاتح محمد التيجاني، ” الطابع الإستثنائي للحبس المؤقت في التطبيق القضائي ”، المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد02،2002.
– محمد الصالح بوقجار، ”مدى تقيد غرفة الإتهام بواقع الدعوى ”، مديرية التشريع والمصادر، وزارة العدل، نشرة القضاة، 1972.
4 . الرسائل الجامعية :
– عبد المجيد بوسليو، بطلان التحقيق الابتدائي في القانون الجزائري، بحث متمم لنيل شهادة الماجستير في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، كلية الحقوق، جامعة باجي مختار عنابة، سبتمبر1999.
5. النصوص القانوينة :
– دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية المرسوم الرئاسي رقم 96-438 المؤرخ في 07 ديسمبر 1996، المتضمن تعديل الدستور المصادق عليه في إستفتاء 28 نوفمبر 1996، الجريدة الرسمية، العدد76، المؤرخ في 08 ديسمبر 1996.
– الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08 يونيو 1996 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الجريدة الرسمية، العدد 48، المؤرخة في 10 يونيو 1966.
– الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات، الجريدة الرسمية، العدد 49، المؤرخة في 11 يونيو 1966.
– القانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982، المعدل والمتمم للأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08 يونيو 1966 والمتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الجريدة الرسمية، العدد 07، المؤرخة في 16 فبراير 1982.
– القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، يعدل ويتتم الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08 يونيو 1966 والمتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الجريدة الرسمية، العدد 71، المؤرخة في 10 نوفمبر 2004.
– القانون رقم 06-22 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، يعدل ويتمم الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08 يونيو 1966 والمتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الجريدة الرسمية، العدد 84، المؤرخ في 24 ديسمبر 2006.
– القانون رقم 79-07 المؤرخ في 21 يوليو 1979، المتضمن قانون الجمارك، الجريدة الرسمية، العدد 30، المؤرخة في 24 يوليو 1979.
6. القواميس والمعاجم :
– المنجد الأبجدي، الطبعة الثامنة، دار المشرق ش.م.م، بيروت – لبنان – ، 1967.
– العلامة الشيخ عبد الله البستاني ، البستان معجم لغوي مطول، مكتبة لبنان، 1992.
– إبن منظور جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم، لسان العرب، تحقيق وتعليق: عامر أحمد حيدر ومراجعة: عبد المنعم خليل إبراهيم جزء 01، طبعة01، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002..
7- المجلات :
– المجلات القضائية
– المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد 02، 1989.
– المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد 03، 1989
– المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد04، 1990.
– المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد01، 1992.
– المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد03، 1992.
– المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد02، 1997.
– النشرات
– نشرة القضاة، العدد 02، 1985.
– نشرة القضاة، العدد 03، 1986.
ثانيا : باللغة الفرنسية
1- Les ouvrages
– Bernard boulouc, l’acte d’instruction, librairie générale de droit et de jurisprudence, paris, 1965.
– Ahmed lourdjane , le code algérien de procédure pénale entreprise nationale du livre, Alger, 1984.
2- Périodique et articles :
– Escande pierre, transport perquisition et saisies, juris classeur procédure pénale art 92-98, 1993.
3- Dictionnaires
– Petit Larousse, dictionnaire langue français et culture générale, libraire Larousse , paris, 1989.
ثالثا: المصادر الالكترونية :
Http://www.nauss.edu.sa/nauss/arabic/menu/elibrary/seletterresearch/masters/year2/part2/cj326.htm
– على الحامادة، وسائل الاثبات الجزائي- تعريفها وماهيتها-، فرح حلب، نشرت بتاريخ: 12/01/2009. متوفرة على الموقع:

http://www.barasy.com/index.php?name=news&op=article&sid=1977

فهرس المحتويات
المقدمة ………………………………………………………………………………………………
الفصل الأول: الأساس القانوني لبطلان إجراءات التحقيق ………………………………………..
التعريف اللغوي للبطلان…………………………………………………………………………….
التعريف الاصطلاحي للبطلان………………………………………………………………………
التعريف القانوني للبطلان ………………………………………………………………………….
المبحث الأول : أسباب البطلان وحالاته………………………………………………………….
المطلب الأول : أسباب البطلان ………………………………………………………….
الفرع الأول : البطلان القانوني ………………………………………………………….
أولا: مفهوم البطلان القانوني………………………………………………………….
ثانيا : تقييم البطلان القانوني ………………………………………………………….
الفرع الثاني: البطلان الجوهري ………………………………………………………….
أولا مفهوم البطلان الجوهري………………………………………………………….
ثانيا : الإجراءات الجوهرية والإجراءات غير الجوهرية …………………………………………..
الإجراءات الجوهرية ………………………………………………………….
الإجراءات غير الجوهرية ………………………………………………………….
ثالثا : معيار التفرقة بين الإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية ……………………………………
المطلب الثاني: حالات البطلان ………………………………………………………….
الفرع الأول : حالات البطلان المقررة بنص صريح ……………………………………………
أولا : حالات البطلان المنصوص عليها في المادة 157……………………………………………
ثانيا: حالات البطلان المنصوص عليها في المادتين 38 و 260…………………………………….
ثالثا : حالات البطلان المنصوص عليها في المادة 198 ………………………………………………
الفرع الثاني : حالات البطلان المقررة لمخالفة الإجراءات الجوهري………………………………..
أولا: بطلان التفتيش والحجز ……………………………………………………………………….
ثانيا: بطلان الإنابة القضائية ……………………………………………………………………..
ثالثا: بطلان الخبرة………………………………………………………………………………
رابعا: بطلان أوامر القضاء………………………………………………………………………
خامسا: بطلان أوامر التصرف في التحقيق ………………………………………………………….
سادسا: بطلان الشهادة …………………………………………………………………………….
المبحث الثاني: أنواع البطلان وشروط التمسك به والتنازل عنه ………………………………….
المطلب الأول : أنواع البطلان ………………………………………………………………………
الفرع الأول: البطلان المطلق أو المتعلق بالنظام العام ……………………………………………
أولا: مفهوم البطلان المطلق ……………………………………………………………………..
ثانيا: تعريف النظام العام …………………………………………………………………………
الفرع الثاني: البطلان النسبي أو المتعلق بمصلحة الخصوم ……………………………………..
أولا : تعريف البطلان النسبي ……………………………………………………………………
ثانيا: معيار المصلحة في تحديد البطلان النسبي …………………………………………………
ثالثا : أحكام البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم …………………………………………………
المطلب الثاني : التمسك بالبطلان والتنازل عنه …………………………………………………
الفرع الأول : شروط التمسك بالبطلان والأطراف التي لها الحق في ذلك ……………………..
أولا : شروط التمسك بالبطلان …………………………………………………………………..
ثانيا: الأطراف التي لها الحق في التمسك بالبطلان ………………………………………………
وكيل الجمهورية ……………………………………………………………………………….
قاضي التحقيق ……………………………………………………………………………….
المتهم والمدعي المدني……………………………………………………………………………….
الفرع الثاني: التنازل عن التمسك بالبطلان وشروطه………………………………………………..
أولا : شروط التنازل عن التمسك بالبطلان ………………………………………………..
ثانيا: الجهات التي يتم أمامها التنازل عن التمسك بالبطلان ………………………………………………..
قاضي التحقيق ……………………………………………………………………………….
غرفة الاتهام ……………………………………………………………………………….
جهات الحكم ……………………………………………………………………………….
الفصل الثاني : الحكم بالبطلان وأثاره ……………………………………………………………..
المبحث الأول: الجهات المختصة بالحكم ببطلان إجراءات التحقيق ……………………………..
المطلب الأول : غرفة التهام كجهة تحقيق درجة ثانية ……………………………………………
أولا : بمناسبة استئناف أوامر التحقيق ………………………………………………………….
ثانيا : بمناسبة تسوية الإجراءات ……………………………………………………………
الفرع الأول: اختصاص غرفة الاتهام في حالة إخطارها من قبل قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية ..
الفرع الثاني : اختصاص غرفة الاتهام في حالة إخطار من قبل الأطراف …………………………
أولا : الحالة التي يقيم فيها طال الإخطار بدائرة اختصاص الجهة القضائية المختصة …………….
ثانيا: في حالة ما إذا كان الشخص المتهم محبوسا ………………………………………………….
المطلب الثاني: تقرير البطلان من جهات الحكم ………………………………………………………
الفرع الأول : محكمة الموضوع …………………………………………………………………..
أولا : صلاحية محكمة الجنح والمخالفات للفصل في البطلان ………………………………..
ثانيا : صلاحيات المجلس القضائي للفصل في البطلان …………………………………………………..
ثالثا ك صلاحية محكمة الجنايات للفصل في البطلان …………………………………………………..
الفرع الثاني : محكمة النقض …………………………………………………………………………..
المبحث الثاني : اثر الحكم بالبطلان ………………………………………………………………….
المطلب الأول ك بتجريد الإجراءات الباطلة من إنتاج أثاره القانونية ………………………………..
الفرع الأول : اثر البطلان على الإجراء المعيب نفسه ……………………………………………….
الفرع الثاني : اثر الإجراء الباطل على غيره من الإجراءات ……………………………………….
أولا : اثر بطلان الإجراء على الإجراءات السابقة عليه ……………………………………….
ثانيا : اثر بطلان الإجراء على الإجراءات اللاحقة عليه ……………………………………….
المطلب الثاني : تصحيح الإجراءات الباطلة وإعادتها ومصير الإجراءات الملغاة ……………
الفرع الأول : تصحيح الإجراءات الباطلة وإعادتها ……………………………………….
أولا : تصحيح الإجراءات الباطلة …………………………………………………………….
ثانيا : إعادة الإجراءات الباطلة …………………………………………………………….
الفرع الثاني: مصير الإجراءات الملغاة …………………………………………………………….
أولا : سحب الإجراءات الملغاة من الملف ……………………………………………………..
ثانيا : منع استنباط عناصر وأدلة الإثبات ضد الأطراف من الإجراءات الملغاة ………………..
خـــــــــــــــــــــــــاتمة

قد يعجبك ايضا