أي دور للبنوك التشاركية في حماية المستهلك؟

 

إنجاز “إدريس بلعرابي طالب باحث بماستر قانون المنازعات، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية

مقدمة:

بعد إنتظار طال عقودا، أخیرا وجدت البنوك التشاركیة مكانا لھا داخل المنظومة القانونیة المغربیة، من خلال القانون البنكي الجدید والمسمى بقانون مؤسسات الإئتمان والھیئات المعتبرة في حكمھا رقم 103.12، وذلك في إطار الثورة القانونیة التي عرفھا التشریع المغربي منذ إستقلال البلاد عن نظام الحمایة، قصد مواكبة التحولات الإجتماعیة والإقتصادیة والسیاسیة التي عرفھا العالم.

وأصبحت البنوك التشاركیة حقیقة واقعیة فرضت نفسھا، ولم تعد قابلة للتأجیل، خاصة في بلد إسلامي كالمغرب، لیس فقط للنجاح الذي حققته في باقي دول العالم، ولا على القدرة التي أبانت علیھا في تخطي الأزمات الاقتصادیة كذلك، بل صارت مطلبا شعبیا ونخبویا، وذلك لتوافق معاملاتھا مع المعتقدات الدینیة للمغاربة(1).

ھذه الأخیرة التي جاءت بضمانات ھامة للمتعاملین معھا، وذلك تجاوزا لما ھو معمول به في ظل البنوك التقلیدیة، التي أبانت عن قصورھا في توفیر الحمایة اللازمة للزبون/المستھلك، التي كانت تفقده میزة التفاوض والاختیار، الأمر الذي یجعله یخضع لما تضعه ھذه الأخیرة من شروط إذعانه.

ومن ھذا المنطلق یمكن أن نطرح الإشكال الآتي:

أي حمایة للمستھلك في إطار الخدمات البنكیة التشاركیة؟ و ما ھي الحقوق و الضمانات التي كرسھا القسم الثالث من القانون المتعلق بالبنوك التشاركیة؟ وما ھي الإضافة التي یمكن أن تساھم بھا في حمایة المستھلك؟

ولملامسة كافة جوانب ھذا الموضوع، إرتأینا أن نقسمه كالآتي:

المطلب الأول: الحمایة القانونیة التي توفرھا البنوك التشاركیة للمستھلك قبل التعاقد.
المطلب الثاني: الحمایة القانونیة التي توفرھا البنوك التشاركیة للمستھلك بعد التعاقد.

المطلب الأول: الحمایة القانونیة التي توفرھا البنوك التشاركیة للمستھلك قبل التعاقد

إن القسم الثالث من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والھیئات المعتبرة في حكمھا قد كرس مجموعة من الحقوق والضمانات، التي یمكن أن تساھم في تعزیز حمایة المستھلك، وذلك قبل التعاقد من خلال عدم خضوعه للاذعان (الفقرة أولى) وإخضاع    جميع معاملاته للرقابة القبلیة (الفقرة ثانیة).

الفقرة الأولى: عدم خضوع المتعاقد للإذعان

في إطار ما تتمیز به المؤسسات البنكیة من إحتكار للأنشطة البنكیة، فإنھا بذلك تفرض شروطھا في علاقتھا التعاقدیة مع المستھلك، فما على ھذا الأخیر سوى الإذعان للصیغ التي تتعامل بھا ھذه المؤسسات، وبعیدا عن محاولة الاستنجاد بفكرة الشروط التعسفیة المعمول بھا في قانون حمایة المستھلك، نجد أن البنوك التشاركیة والصیغ التي تعتمدھا تتجه في إطار منح المستھلك ھامشا من الحریة التعاقدیة في معاملاتھا وھو ما یتبین لنا من خلال المواد 55 و56 و58 من قانون 1032.1، فغالبا ما نجد تكرار المشرع لعبارة “ما اتفق علیه العملاء” وذلك على مدار مواد القسم الثالث من ھذا القانون، وھو ما ینفي فرضیة العقد النموذجي أو الإذعان الواسع التطبیق في البنوك التقلیدیة، حیث یخضع المستھلك لشروط البنك في جمیع المعاملات المبنیة على القرض.
الأمر الذي لا یمكن استساغته بالنسبة للمنتجات التشاركیة من خلال المادة 58، والتي یؤكد المشرع من خلالها على أن ھامش الربح محدد في حصة متفق علیھا بین البنك والمستھلك، ولیس في نسبة مئویة كالفائدة، مما یدل على أن ھامش الربح یخضع للمساومة ولیس الإذعان (2).

وحسنا فعل المشرع البنكي لما أكد على مسألة الاتفاق بین البنك التشاركي والمستھلك حول قيمة الربح، لأنه في ظل البنوك التقلیدیة كان المستھلك كطرف ضعیف لا یقوى ولا یقدر على مواجھة البنك كطرف قوي مھنيا، قوي اقتصادیا، بحيث یستطیع بمفرده تطویع مفاصل العقد كما یرید ووقت ما یرید، وفرض شروطه التعسفیة، وما على المستھلك إلا أن یقبل بتلك الشروط أو يرفض العرض.

الفقرة الثانیة: إخضاع جمیع المعاملات للرقابة القبلیة

بعد صدور القانون البنكي الجدید في شھر ینایر 2015، قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس بإصدار ظھیر شریف رقم 1.15.02 بتاریخ 28 من ربیع الأول 1426 الموافق ل 20 ینایر 2015 القاضي بتتمیم الظھیر الشریف رقم 1.03.300 الصادر في 2 ربیع الأول 1425 (22 أبریل 2004) بإعادة تنظیم المجالس العلمیة الذي یقضي بإحداث اللجنة الشرعیة للمالیة التشاركیة.
وللحدیث عن الدور الذي ستقوم به اللجنة الشرعیة فیما یخص المصارف الإسلامیة والمالیة التشاركیة عموما، نستشھد بمقتضیات المادة 10 المكررة التي نصت على أنه: “تحدث لدى الھیئة العلمیة المكلفة بالإفتاء لجنة عملیة متخصصة تحمل اسم ’اللجنة الشرعیة للمالیة التشاركیة’، تكلف بالمھام التالیة:

1- إبداء الرأي بشأن مطابقة المنتوجات المالیة التشاركیة التي تقدمھا مؤسسات الائتمان و الھیئات المعتبرة في حكمھا لزبنائھا… لأحكام الشریعة الإسلامیة و مقاصدھا، كلما كان تقدیم ھذه المنتوجات و إبرام العقود المتعقلة بھا رھینا بصدور الرأي المذكور طبقا للتشریع الجاري به العمل .” (3)

وتعتبر المادة 10 أعلاه دعامة أساسیة لحمایة المستھلك المتعاقد مع البنك التشاركي، بحیث یتبین من خلال الفقرة الأولى من نفس المادة، على أن اللجنة الشرعیة للمالیة التشاركیة تقوم بدور فعال وذلك لحمایة المتعاقد، وھي حمایة قبلیة بمعنى قبل إبرام العقد مع البنك، بحیث تقوم اللجنة المذكورة بإبداء رأیھا بشأن مطابقة المنتوجات المالیة التشاركیة التي تقدمھا مؤسسات الائتمان والھیئات المعتبرة في حكمھا لزبنائھا، ومعنى ھذا الكلام أنھا كلما رأت اللجنة أن منتوجا معینا لا ینطبق مع الشریعة الاسلامیة وأحكامھا السمحة، فإن رأیھا سیكون عكس ما ینتظر البنك الذي أحال الأمر على المطابقة، وھذا الأمر فیه حمایة فعلیة للمتعاقد/ المستھلك، وخاصة تلك الشریحة الكبیرة من المستھلكین المغاربة الذین كانوا یعرضون عن التعامل بالفائدة مع البنوك التقلیدیة قبل صدور القانون البنكي 103. 12 (4) والذي حمل في طیاته قسما خاصا بالبنوك التشاركیة، و ذلك لاعتبارات دینیة روحیة.

و لكي تكون أراء اللجنة الشرعیة للمالیة التشاركیة ذات جدوى و ملزمة للبنوك التشاركیة، أقر المشرع البنكي في المادة 64 من القانون المذكور أعلاه على أنھا “یجب على البنوك التشاركیة أن تحدث وظیفة للتقید بآراء المجلس العلمي، والتعرف على مخاطر عدم مطابقة عملیاتھا و أنشطتھا للآراء بالمطابقة التي یصدر المجلس العلمي الأعلى“.

و في الأخیر نستنتج أن المشرع المغربي من خلال القانون البنكي الجدید قد جاء بحمایة خاصة للمستھلك، حمایة خارجیة من خلال الدور الذي تلعبه اللجنة الشرعیة للمالیة التشاركیة من خلال العمل على مطابقة المنتوجات المالیة التشاركیة مع الشریعة الاسلامیة ومقاصدھا السمحة، و أخرى داخلیة من خلال تنصیص المشرع في المادة 64 أعلاه على إحداث وظیفة للتقید بآراء المجلس الأعلى داخل البنوك التشاركیة، وذلك لمراقبة التطبیق الفعلي لآراء المجلس العلمي، وذلك وفق ما تأمر وتنھي عنه الشریعة الإسلامیة.

المطلب الثاني: الحمایة القانونیة التي توفرھا البنوك التشاركیة للمستھلك بعد التعاقد

لا شك أن أھم مستجد جاء به القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان و الھیئات المعتبرة في حكمھا، و بالضبط في القسم الثالث من ھذا القانون والذي یحمل عنوان “البنوك التشاركیة” ھو عدم أخذ أو فرض أي فائدة تذكر تثقل كاھل المستھلك المتعامل معھا (الفقرة أولى)، بالإضافة إلى إحداث صندوق خاص لتعویض المتعاملین معھا (الفقرة ثانیة) و ھو ما یعتبر دعامة ھامة لتعزیز حمایة المستھلك.

الفقرة الأولى: عدم التعامل بالفائدة

تنص المادة 54 من القانون البنكي الجدید في الفقرة الأخیرة منھا على أنھا:

یجب ألا تؤدي ھذه الأنشطة و العملیات المشار إلیھا أعلاه إلى تحصیل أو دفع فائدة أو ھما معا“.

من خلال ھذه المادة یتبین على أن جمیع الأنشطة والعملیات التي تقوم بھا البنوك التشاركیة في علاقتھا بالمستھلك ھي عملیات بدون فائدة وھذه العملیات والأنشطة منصوص علیھا في المواد 55 و 58، بحیث تقوم البنوك التشاركیة بتلقي الودائع الاستثماریة من الجمھور، وكذا إبرام عدة عقود مع العملاء مثل المرابحة و المشاركة و الإجارة وغیرھا من العقود التشاركیة، وكل ذلك دون تحصیل مبلغ معین أو دفع فائدة أو ھما معا حسب تعبیر المادة 54.

وبالتالي نرى في ھذه الأمر حمایة ھامة للمتعاقد/ المستھلك، بحیث أصبح لھ الحق في أن یقوم بإبرام ما شاء من العقود طبقا للمادة 58، دون إلزامه بدفع أي فائدة تذكر، لأنھا في ظل البنوك التقلیدیة ونظرا لعدم وجود البدیل الشرعي، كان المتعاقد یرغم على دفع الفوائد في حالة قیامه باستھلاك قرض معین، و كلما تأخر عن سداد ھذا القرض في التاریخ المعین و المحدد له، إلا و قام البنك التقلیدي بمضاعفة تلك الفائدة الأمر الذي كان یثقل كاھل المستھلك بالقروض وما ینتج عنھا من فوائد. أما في ظل البنوك التشاركیة فمصطلح الفائدة/ الربا لم یعد له موطئ داخل ھذه البنوك وھو ما یعتبر تعزیزا لحمایة المستھلك.

ورغم عدم وجود الفائدة لدى البنوك التشاركیة إلا أنھا لا ینبغي علیھا أن تستغل ضعف و جھل المستھلك وترھق كاھلھ بقروض بنكیة لیست ربویة ولعدم ذكر الفائدة بھا، و لكنھا قد تكون عبارة عن عقود غبن للمقترض، فالمرابحة التي یكون فیھا الفرق بین ثمن الاقتناء الأول الذي یتم من البائع لفائدة البنك، والاقتناء الثاني بین البنك و الزبون (الأمر بإجراء عقد المرابحة)، ھو ضعف الثمن الحقیقي للعقار أو المنقول (أي الثمن الحقیقي×2)، یشكل حقیقة غبنا فاحشا، ولا یعبر سوى عن استغلال الحاجة و الشعور الدیني للزبون فقط.

الفقرة الثانیة: تعویض المودعین لدى البنوك التشاركیة.

تنص المادة 67 من القانون البنكي الجدید في الفقرة الأولى على أنه “یحدث صندوق یسمى ’صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركیة’ لتعویض المودعین لدى البنوك التشاركیة و ذلك في حالة عدم توفر ودائعھم أو جمیع الأموال الأخرى القابلة للإرجاع“.

ومن خلال المادة أعلاه یتبین أن المشرع المغربي قد نص على ھذا الصندوق المذكور و ذلك لحمایة المستھلك. وذلك بتعویضه في حالة عدم توفر ودیعته التي أودعھا لدى البنك التشاركي أو جمیع الأموال الأخرى القابلة للإرجاع، و ذلك في حالة لم یعد البنك یتوفر على ھذه الودائع أو في حالة إعساره، بحیث سمع المشرع من خلال المادة 67 للمستھلك بالمطالبة بالتعویض عن تلك الودائع و الأموال القابلة للإرجاع، كما ألزم البنك التشاركي أن یقوم بتعویض جمیع المودعین أو جمیع الأموال القابلة للإرجاع باستثناء الودائع الاستثماریة المنصوص علیھا في المادة 55.

ویكون المشرع المغربي بذلك نھج مسلك جمھور الفقھاء المعاصرین المانعین لضمان الودائع الاستثماریة، خلافا لما هو الأمر عليه في القانون المصرفي السوداني، وما علیه العمل في البنوك الإسلامیة الأردنیة، التي سمحت بتعویض المودعين أي أصحاب الودائع الاستثماریة، وبذلك يلاحظ عمليا بأن مشرعنا في هذا الصدد قد نھج طريقا مخالفة لما دأب علیه العمل لدى الفقھاء المعاصرین المانعین لضمان ھذه الودائع الأخیرة.

خاتمة:

وفي الختام یمكن أن نخلص القول إلى أن البنوك التشاركیة فعلا تعتبر دعامة أساسیة في حمایة المستھلك/ المتعاقد معھا، بحیث توفر لھذا الأخیر مجموعة من الضمانات القانونية التي تم تسليط الضوء عليها، لكن یبقى التساؤل قائما حول كیفیة التطبيق الفعلي لھذه الامتیازات التي یزخر بھا القسم الثالث من القانون البنكي الجدید نظريا، فهل سیتم تطبیق هاته المقتضيات بشكل یضمن ویصون حقوق المستھلك على مستوى الممارسة أم العكس ھو الصحیح؟

لائـــــــــــحة المراجـــــــــــــــــع:

1- عبد السلام بلاجي، البنوك التشاركیة بالمغرب واقع وآفاق، ندوة علمیة بتاریخ 12 مارس 2016 بقاعة جھة مكناس، الساعة 15:00.

2- عدنان بوشان، أیة حمایة للمستھلك في إطار الخدمات البنكیة؟، أنظر الموقع الرسمي لمجلة القانون والأعمال، على الموقع التالي: www.droitetentreprise.org، تاریخ الاطلاع: 2017/04/07

3- رشید صبیح، ھیئات الرقابة الشرعیة من الدور الشرعي و القانون، البنوك التشاركیة : أیة امتیازات؟ منشورات المنارة للدراسات القانونیة و الإداریة، الندوة العلمیة الأولى نظمھا مركز المنارة للدراسات و الأبحاث یوم السبت 15 مارس 2016، العدد 1، 2016، 56- 58.

4- جواد كموني، البنوك الإسلامیة بالمغرب، الطموح المستقبلي ـ والحقیقة القانونیة والواقعیة، مجلة القانون التجاریة، العدد الأول لسنة 2014، ص 84.

 

قد يعجبك ايضا