الأحكام العامة المنظمة للطعن بالتعرض في القانون المغربي

 

من إعداد عبد الإله الصبار متخصص في القانون الخاص.

لا شك أن المحكمة في إطار السلطات المخولة لها قانونيا من خلال البث في النزاعات المعروضة عليها، فإنها حتما قد تخرج في مداولاتها بأحكام تمس حقا من حقوق أحد المتقاضين، لذلك سمح التشريع المنظم للإجراءات القضائية في المملكة المغربية وكغيرها من التشريعات المقارنة، إلى إقرار أنه لكل من تضرر بمقتضى حكم قضائي أن يطالب بمراجعته، من خلال إمكانية الطعن فيه أمام المحاكم سواء أكانت من نفس الدرجة أو أعلى درجة منها، وذلك باستعمال أحد طرق الطعن التي ينص عليها القانون، والتي تنقسم إلى صنفين، طرق طعن غير عادية وأخرى عادية، وإن كان ما يهمنا في إطار الطعن بالتعرض هو هذا النوع الأخير الذي يضم إلى جانب ذلك الطعن بالإستئناف.

 

ويعرف التعرض عامة في إطار قانون الإجراءات القضائية المدنية، بأنه الوسيلة القانونية المتبعة من لدن أحد المتقاضين الذي يكون هو الطاعن، وذلك في الحالة التي يصدر القاضي فيها الحكم غيابيا، طبقا لما ينص عليه قانون المسطرة المدنية المغربي، إلا أن ما يلاحظ عمليا أن إستعماله يخضع لنوع من الرقابة، وذلك ما سنحاول تسليط الضوء عليه عمليا من خلال النقط التالية:

 

أولا: توضيح الأحكام التي يوجه ضدها التعرض.

ثانيا: التطرق للشكل الذي يجب أن يحترم عند إستعمال التعرض.

ثالثا: تبيان الآجال المقررة قانونيا لقبول رفع طلب الطعن بالتعرض أمام المحكمة المختصة.

رابعا: الوقوف عند آثار التعرض سواء في علاقته بالنزاع وفى علاقته بتنفيد الحكم المطعون فيه.

 

 

أولا: الأحكام التي يوجه ضدها التعرض

لا يمكن الطعن بالتعرض في جميع الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم، بحيث يجب أن تتوفر في الحكم المراد الطعن فيه بالتعرض مجموعة من الخصائص، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

1­­‑ يجب أن يكون الحكم المراد التعرض عليه يدخل ضمن الأحكام الإبتدائية والإستئنافية التي تصدرها غيابيا المحكمة في حق المدعى عليه.

ويجدر التنبيه إلى أن صفة الحكم الغيابي تخضع لطبيعة المسطرة المتبعة كتابية أو شفوية، ففي المسطرة الشفوية، تتحقق صفة الحكم الغيابي في الحالة التي لا يحضر المدعى عليه فيها رغم إستدعائه قانونيا، طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية أمام هيأة الحكم، بخلاف إذا كانت المسطرة القضائية كتابية، فإن صفة الحكم الغيابي لا تتحقق إلا متى لم يقدم المدعى عليه مستنداته الكتابية أمام هيأة المحكمة للنظر في القضية.

2­‑ يجب أن يكون الحكم المراد الطعن فيه بالتعرض من الأحكام الإنتهائية غير القابلة للإستئناف، وذلك طبقا لما تنص عليه مقتضيات المادة 130 من ق.م.م. وهو ما ينتج عليه أنه لا يجوز الجمع بين طعني التعرض والإستئناف، وحيث أنه كلما كان الحكم قابلا للإستئناف أمتنع التعرض عليه، في حين وجب إستئنافه فقط.

3‑ وتكون بصفة عامة القرارات الصادرة عن محاكم الإستئناف دائما قابلة للطعن بالتعرض لما تصدر غيابيا، لأنها أصلا قرارات إنتقالية.

4‑ بالمقابل من ذلك وبصفة عامة أيضا من الملاحظ أن المشرع المغربي منع التعرض على بعض الأحكام صراحة، التي هي:

* الأوامر الإستعجالية، طبقا لما تنص عليه المادة 153 من ق.م.م

* أوامر الآداء، طبقا لمقتضيات المادة 158 من ق.م.م

* الأحكام الصادرة غيابيا عن محكمة النقض، طبقا لما تؤكد عليه المادة 378 من ق.م.م

* أحكام المحكمين، طبقا لما هو مقرر في المادة 319 من ق.م.م

 

ثانيا: الشكل الذي يجب أن يحترم عند إستعمال التعرض

 

لكي يكون الطعن بالتعرض المرفوع لدى المحكمة المختصة سليما، وفقا لحالاته القانونية التي سبق التطرق إليها، يجب أن يأتي هذا الطعن في شكله المنظم بشكل دقيق من خلال قانون المسطرة المدنية، وحيث يجب ان يراعى فيه مدى توفر الشروط الشكلية التالية:

1‑ يجب أن يقدم هذا التعرض طبقا للقواعد الخاصة التي ينص عليها ق.م.م. والمنصوص عليها من خلال الفصول 31 و37 و38 و39، من خلال مقال مكتوب موقع عليه من طرف المتعرض أو وكيله، أو من خلال تصريح يدلي به هذا الأخير شخصيا، ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوضع من طرف المتعرض.

2‑ يجب أن يتضمن مقال التعرض موضوع التعرض والحكم المتعرض عليه، وبيان وسائل التعرض، وفي حالة تعدد الأطراف المتعرض عليهم، وجب وضع المقال في عدد من النسخ مساو لعدد الخصوم، مع ضرورة آداء الرسوم القضائية الواجبة قانونيا.

3‑ يجب أن يرفع التعرض بنفس الكيفية التي تقدم بها الدعوى أمام المحاكم الإبتدائية كتابيا أو شفويا.

 

ثالثا: الآجال المقررة قانونيا لقبول رفع طلب الطعن بالتعرض أمام المحكمة المختصة

 

لا بد من أجل قبول الطعن بالتعرض بصفة قانونية، بالرغم من إحترام كل الشروط الشكلية وكذى الموضوعية السالفة الذكر، أن يرفع أمام المحكمة المختصة داخل أجله القانوني، الذي ينص عليه ق.م.م. ولعل ما يلاحظ أن المشرع قصر هذه الآجال، حيث حددها في 10 أيام تبتدئ من تاريخ تبليغ الحكم الغيابي للطاعن تبليغا صحيحا، طبقا لمقتضيات المادة 54 من ق.م.م

 

رابعا: آثار التعرض على النزاع وعلى تنفيد الحكم

 

ينتج عن إقامة التعرض مجموعة من النتائج المهمة سواء على مستوى تنفيد الأحكام الصادرة غيابيا من خلال ما يعرف قانونيا بالأثر الواقف، أو على مستوى نقل النزاع، بما يعرف في الإصطلاح القانوني بالأثر الناقل.

1‑ فيما يخص الأثر الواقف للتعرض، من خلال وقف تنفيد الحكم الصادر غيابيا

طبقا لما ينص عليه الفصل 132 من ق.م.م بأن الطعن بالتعرض يوقف التنفيد مالم يأمر بغير ذلك في الحكم الغيابي، وحيث يتبين من خلال هذا المقتضى بأنه متى بوشرت عملية التنفيد من طرف المحكوم له وجب إيقاف تنفيد الحكم المطعون فيه، لكن لا يصح هذا الإيقاف إلا إذا كان الحكم الغيابي مشمولا بالنفاذ المعجل، بناءا على ما تنص عليه مقتضيات المادة 147 من ق.م.م حيث تبث المحكمة مسبقا في هذا الطلب في غرفة المشورة.

2‑ فيما يخص الأثر الناقل، من خلال تطبيق إجراء نقل النزاع من جديد أمام نفس المحكمة

يسمى أيضا من لدن مجموعة من الفقه القانوني والمختصين في المجال بالأثر الناشئ للتعرض، كأثر ثاني ناتج عن ممارسة طعن التعرض.

في حين لم يتطرق المشرع المغربي للأثر الناشئ طبقا لمواد ق.م.م. لكن مع ذلك يلاحظ بأن مجموعة من الفقه المغربي، يعتبر أن التعرض يؤدي إلى إرجاع الدعوى أمام نفس المحكمة، وبالتالي نقل النزاع بعناصره القانونية والموضوعية، من أجل النظر فيه من جديد من طرف المحكمة التي بث فيها النزاع غيابيا، بحيث يحتفظ كل من المدعي والمدعى عليه بأدوارهم السابقة، وحيث يسمح للمتعرض بتقديم جميع حججه، كما يسمح للمتعرض ضده أن يغير طلباته الأصلية أو يقدم طلبات جديدة.

 

ومن كل هذا يتبين أن الطعن بالتعرض نظرا لخطورة الحكم المطعون فيه يهدف كغيره من الطعون إلى التصدي للأحكام القضائية المشوبة بعيب، فضلا عن أن المشرع خصص طرقا أخرى توجه ضد القضاة الذين يصدرون هاته الأحكام، مثلا عبر مخاصمة القضاة، أو الإحالة من أجل التشكك المشروع.

 

قد يعجبك ايضا