مبدأ سلطان الإرادة، تعريفه، صيرورته التاريخية وموقف المشرع المغربي من الأخد به

 

من إعداد “خولة الوردي” طالبة جامعية متخصصة في القانون الخاص، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية

يقصد بمبدأ سلطان الإرادة قدرة الإرادة على إنشاء الإلتزام، وذلك من منطلق أن العقد يستمد قوته من هذه الإرادة وليس من إقرار القانون لها، ومرده أن الفرد حر في التعاقد، لكن إذا قيد بنفسه بالموافقة على العقد، فإن ذلك يجب أن يكون على إقتناع وإختيار حر.
لكن هذه الحرية كما عبر عنها أصحاب هذا المبدأ الحر طبعا ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة باحترام النظام والآداب العامة، وعدم التعسف في حقوق الآخرين.

وفيما يخص الصيرورة التاريخية لهذا المبدأ، يمكن القول من خلال ما خلصت إليه نتائج مجموعة من الأبحاث والدراسات القانونية التي أقيمت في هذا الصدد بصفة عامة، بأنه وخلافا للقانون الروماني الذي كان يعتمد على سلطات الإرادة كمبدأ، فإنه قد كان السبق للشريعة الإسلامية العمل به منذ بداية عهودها، وذلك يجد منبعه من المبدأ القائل بأن “التراضي أساس إبرام العقود“. والذي ظل عمولا به إلى عصرنا الحالي في كل الدول الإسلامية قبل وبعد تحديث نظمها القانونية.
أما في العهد الكنسي فقد تم التخلص نسبيا من الشكلية، وأصبح العقد مرتبطا باحترام مبادئ ذات طابع ديني (كاحترام الوفاء بالعهود…)

ثم أخد هذا المبدأ يتقوى تدريجيا إلى أن بلغ أوجه في الحياة القانونية، وخاصة خلال القرنين 18 و 19، وذلك نتيجة إنتشار المذهب الحر/الفردي، والذي نادى بتقديس حرية الفرد وتقوية دوره على مستوى جميع المجالات إقتصاديا واجتماعيا وقانونيا إلى غير ذلك من المستويات، وخاصة على المستوى السياسي، والذي كان بشكل رئيسي أساس انبثاق العقد الإجتماعي.

هنالك مجموعة من النتائج التي تترتب على الأحد بهذا المبدأ، التي هما:

“الحرية التعاقدية” مفادها أنه يحق للأفراد إبرام ما شاؤوا من العقود وتضمينها ما شاؤوا من الإلتزامات والشروط، وترتيب ما أرادوا من آثار عن تعاقدهم، وذلك دون إلتزام بشكليات معينة، في حين لا يتدخل القانون إلا ليفرض إحترام هذا الإتفاقيات للنظام العام والأخلاق الحميدة…

• إعتبار الإلتزامات الإرادية هي الأصل أما غير الإرادية فتظل ثانوية، كاالإراء بلا سبب.

• الإعتراف بحرية الفرد بعدم التعاقد في مقابل ذلك.

أيضا نجد مبدأ “إحترام مشيئة المتعاقدين”، حيث يصبح العقد ‘شريعة المتعاقدين’ والإلتزام الناشئ عنه يعادل في قوته الإلتزام الناشئ عن القانون.

• الالتزامات الناشئة عن العقد تعادل في قوتها الإلتزام الناشئ عن القانون.

• الإلتزامات الناشئة عن العقد يجب أن تنفد كما أرادها العاقدان، والقاضي وهو يفسر العقد يقتصر دوره على البحث عن حقيقة هذه الإرادة، أي تطبيق بنود العقد كما لو كان يطبق القانون.

• المشرع لا يملك التدخل لتعديل ما أراده الطرفان ولو خالف قاعدة قانونية مكملة، هاته الأخيرة التي يجوز طبعا للأطراف الإتفاق على مخالفتها.

وقد تعرض مبدأ سلطان الإرادة لنقد لذيع نتيجة مغالات بعض أنصاره في تطبيقه واقعيا، ويرجع السبب في هذا التطور أولا إلى سقوط المدرسة الفردية كمدهب إجتماعي لصالح القوانين التي أصبح ياخذ بها المشرع، والتي تقضي بضرورة أن تلعب الدولة دور تدخلي في جميع المستويات، تبعا التصورات المذهب الإجتماعي الذي فرض ذاته فيما بعد.

ونتيجة لهذه المتغيرات المعاصرة إتجه العمل التشريعي سواء في التشريع المغربي أو المقارن، إلى التقليص من فعالية مبدأ سلطان الارادة، وتقييده بعدة استثناءات تكاد تجهز عليه في بعض الحالات.

بخصوص موقف المشرع المغربي من مبدأ سلطان الإرادة، من الملاحظ عموما أن المشرع قد حدد نطاق هذا المبدأ بشكل واضح في الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود، الذي جاء فيه بأن “ الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضائهما معا، أو في الحالات المنصوص عليها في القانون

من خلال هذا النص يتبين لنا كدارسين أن المشرع المغربي قد جعل من ‘الارادةشريعة المتعاقدين، وفي حالة الإتفاق بين اكثر من إرادة فإنها تصبح بمثابة القانون المنظم لهذه العلاقة.

وهذا المبدأ المنصوص عليه يرتبط في الأصل بمبدأين آخرين هما : مبدأ “القوة الملزمة في العقد” ومبدأ “نسبية آثار العقد“.

وهاته المبادئ الثلاثة تشكل الأعمدة التي تقوم عليها ‘نظرية مبدأ سلطان الإرادة’ طبقا لما هو ممصوص عليه في التشريع المغربي.

 

 

قد يعجبك ايضا