الشروط القانونية لرفع الدعوى أمام المحكمة من حيث الشكل

من إعداد قديري المكي الخلافة متخصص في القانون الخاص.

مبدئيا لكل شخص الحق في إقامة دعوى قضائية، على سبيل المثال لإثارة مسؤولية شخص على ضرر تسبب فيه من أجل الحصول على تعويض لجبر الضرر الذي لحقه من جرتء ذلك، حيث يحق للشخص المتضرر عرض ما يدعيه على المحكمة المختصة، إلا أن المحكمة بصفة عامة لا تنظر في موضوع الدعوى من أجل البث فيه بالرفض أو القبول، إلا متى تبين لها توفر مجموعة من الشروط الشكلية المحددة قانونا، تحت طائلة عدم القبول الطلب شكلا وقبل البث في المضمون أو بعده.

وعليه، ما هي أبرز تجليات شروط قبول الدعوى من حيث الشكل؟
وإلى أي حد يمكن أن تستخلص المحكمة مدى توفر تلك الشروط لقبول الدعوى من عدمه؟

يؤطر الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية المغربي شروط قبول الدعوى شكلا بصفة عامة، طبقا لما جاء فيه بأنه: “لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، و الأهلية، و المصلحة، لإثبات حقوقه.
تثير المحكمة تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا و تنذر الطـرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده.
إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة. و إلا صرحت المحكمة بعدم قبول الدعوى” (1)

وعليه، تعتبر كل شروط الصفة والأهلية والمصلحة من النظام العام، لذلك لا يجوز لأطراف النزاع إثارتها في أية مرحلة في مراحل التقاضي، كما يجوز للمحكمة أي للقاضي التأكد من توفرها أو عدمه من تلقاء نفسها، مادام قانون الشكل الذي يعتبر نفسه صمام أمان النظام العام.

إن أول ما يثير نفسه من الشروط ضمن ما يؤطر قبول الدعوى أمام المحاكم المدنية، هو شرط الصفة، والذي يجب أن يتحلى بها طالب الحق في الدعوى قبل إجراء الخصومة، والتي يستمدها بالأساس لكونه صاحب الحق المدعى به سواء كان طالب حق بصفته الأصيلة أو بصفة إنابة قانونية أو إتفاقية أو قضائية.

كما التنبيه إلى أن هذا الشرط قد يختلف بين الأشخاص الطبيعية والمعنوية، بالنسبة للشركات والتعاونيات والجمعيات كأشخاص اعتبارية يمثلون في شخص رؤسائهم، وذلك متى ثبت للقاضي ما يفيد ذلك، والشئ نفسه يجب توفره بالنسبة لممثلي الأشخاص المعنوية العامة كالدولة والجماعات والبلديات وغيرها،في حين تمثيل الشخص الطبيعي سواء كان كامل الأهلية كما سبقت الإشارة يمكن أن يمثل بصفة شخصية أو نيابية، أما اذا كان ناقصا لها فيمثله وليه الشرعي، متى أثبت صفته لذلك، وإلا جاز للقاضي تلقائيا إثارة انعدام الصفة، وبالتالي إنذار الطرف المعني بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده له تحت طائلة البطلان.

أما بالنسبة لثاني تلك الشروط فهو شرط الأهلية، والذي يختلف كما هو معلوم بين الوضعين، الأول هو أهلية الوجوب، حيث يعرف بكونه صلاحية الشخص لأن تثبت له الحقوق وتقرر عليه الاتزامات، والثاني أهلية الأداء، الذي يعرف بكونه قدرة الشخص على مباشرة التصرفات القانونية بنفسه، في حين تتفاوت أهلية الأداء بتفاوت الإدراك والتمييز، بحيث تتبعه في الوجود والعدم والنقصان، فإذا كان الإدراك ناقصا تبعا لذلك تكون الأهلية ناقصة، أما إذا كان الإدراك مفقودا تكون الأهلية مفقودة (2).

لذلك من بلغ سن الرشد يحق له مباشرة كل التصرفات القانونية والتي من بينها في هذا الإطار هو رفع الدعوى أمام القضاء لحماية حقه أو المطالبة به على هذا السبيل.

ومن الملاحظ أن الأهلية تختلف بين الأشخاص القانونية، سواء المعنوية الاعتبارية منها وبين الطبيعية منها، حيث أنه بالنسبة للشخص الطبيعي يجب أن تتوفر فيه الأهلية كاملة (3)، أما إذا كان قاصرا بسبب نقص في الأهلية كحالة السفيه أو المعتوه، أو بسبب فقدانها كحالة المجنون على سبيل المثال أيضاً، أما بخصوص الشخص المعنوي فهي تتجسد وفق التمثيل القانوني، بحيث تقوم الأهلية القاونية متى تم رفع الدعوى من طرف من يمثل الشخص المعنوي بصفة قانونية، طبقا لأحكام قواعد شرط الصفة التي تم التطرف له سابقا من خلال هاته الورقة البحثية.

إلا أنه يجب التأكيد على أن شرط الأهلية يجب أن يكون قائما لدى أطراف الدعوى بدون تمييز سواء أكان مدعي أو مدعا عليه، بحيث أن هذا الشرط تبعا لذلك وكما أنف التأكيد يعتبر من النظام العام، لذلك يجوز للأطراف إثارته في أي مرحلة من مراحل التقاضي ولو لأول أمام محكمة النقض، كما يحق للقاضي إثارته من تلقاء نفسه، غير أنه في حالة إثارة إنعدام الأهلية من طرف القاضي، فإنه يمكن لهذا الأخير أن يأذن بتصحيح الدعوى داخل أجل معين، وهو ما يؤكده مجموعة من الفقه المغربي، لعل من بينهم الأستاذ المعزوز البكاي (4).

أما ثالث الشروط لقبول رفع الدعوى من جهة الشكل، والذي يحظى بأهمية بالغة باعتباره الركن الأساسي والجوهري للدعوى، حتى قيل عنه من لدن مجمل الفقه والنقاد والباحثين والدراسين في الحقل القانوني أنه ” لا دعوى بدون مصلحة ” لدرجة أن البعض يجمع أن هذا الشرط هو الوحيد الذي يفرض ذاته لقبول الدعوى، أما مختلف الشروط الأخرى فهي فقط مجرد وجه له ولا تعكس إلا صورته الواقعية.

ويقصد بالمصلحة، طبقا لمعناها اللغوي الظاهر يتبين بأنها الفائدة المادية التي يتطلع إليها المدعي عند الحكم له بطلبه من خلال اللجوء للقضاء، أي بعبارة صريحة الربح الذي يقصده من وراء دعواه تأكيدا لحق من حقوقه وحماية له.
بالتالي على إعتبار أن القانون الخاص ما جاء إلا لحماية مصالح الأفراد، فإذا اعتدي على أي من حقوقه موازاتا وذلك تقوم مصلحت المتضرر في إثارة دعواه للمطالبة بالحماية القضائية.
وفي ذلك استقرت قرار قضاء النقض المغربي على إعتبار المصلحة شرط قبول للدعوى، تبعا لما ورد في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية المغربية.
لكن شرط المصلحة لا يقوم من الناحية القانونية إلا إذا توفرت مجموعة من الشروط الأساسية التي هي كالتالي:

1- يجب أن تكون المصلحة قانونية
2- يحب تكون المصلحة قائمة حالا
3- يجب أن تكون المصلحة شخصية

(هاته الشروط سوف نحاول شرحها بالتفصيل فيما بعد بحول الله تعالى)

المراجع المعتمدة:

(1) ظهير الالتزامات والعقود المغربي
(2) راجع ورقة بحثية تحت عنوان “أنواع الأهلية” منشور على موقعنا المعلومة القانونية-alkanounia.info
(3) تكتمل الأهلية طبقا لقانون الأسرة المغربي في بلوغ الفتى والفتاة سن 18 سنة شمسية كاملة مع عدم وجود أي عارض من عوارض الأهلية كالسفه أو الجنون.
(4) المعزوز البكاي، محاضرات في قانون المسطرة المدنية، السنة الجامعية 2015 كلية الحقوق مولاي إسماعيل مكناس.

 

قد يعجبك ايضا