الأبعاد الدستورية و السياسية لقرار الملك محمد السادس القاضي بتعيين رئيس حكومة جديد

بقلم : زهير البكري باحث قانوني مختص في القانون العام

اعتمد البلاغ الملكي القاضي بتعين رئيس حكومة جديد، من حزب العدالة والتنمية بدل أمينه العام السيد عبد الإله بنكران على الصلاحيات الدستورية لجلالة الملك، بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين وهو ما يتوافق مع منطوق الفصل 42 من الدستور الذي ينص في فقرته الأولى على ” الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة..”
وقد اعتبر البلاغ القرار الملكي بمثابة تجسيد لإرادة الملك الصادقة وحرصه الدائم على توطيد الاختيار الديمقراطي، وصيانة المكاسب التي حققتها بلادنا في هذا المجال.. حيث يذكر أن الملك فضل اتخاذ هذا القرار من بين مجموعة من الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص و روح الدستور..
مما يدل على انه كان أمام الملك مجموعة من الاختيارات فضل منها قرار اختيار شخصية سياسية تنتمي إلى حزب العدالة والتنمية.. مما يطرح معه الإشكالية التالية: إلى أي مدى كان هذا القرار الملكي محترما للمقتضيات الدستورية و ما هي انعكاساته و أبعاده السياسية ؟
لقد تجنب البلاغ ذكر أن الملك قرر إعفاء بنكران رئيس الحكومة المعين من مهمة تشكيل الحكومة و ذلك لعدم تنصيص الدستور صراحة على هذا الإجراء ، حيث لا ينص صراحة على إمكانية إعفاء رئيس الحكومة من طرف الملك بعد تعيينه، و الإمكانية الوحيدة المنصوص عليها هي استقالة رئيس من تلقاء نفسه ، الأمر الذي يؤذي إلى إعفاء الحكومة بأكملها وهو الأمر الذي لم يحصل حيث لم يطلب بنكران إعفاءه وهو ما يتضح من نص البلاغ الذي قال “أخذ علما بأن المشاورات التي قام بها السيد رئيس الحكومة المعين، لمدة تجاوزت الخمسة أشهر، لم تسفر إلى حد اليوم، عن تشكيل أغلبية حكومية، إضافة إلى انعدام مؤشرات توحي بقرب تشكيلها…”
ونظرا لعدم اكتمال الركن القانون الكامن في تنصيب الحكومة من طرف البرلمان.. فإن رئيس الحكومة المعين يكون غير حاصل على المقومات الشخصية القانونية اللازمة توفرها في رئيس حكومة منصبة من طرف البرلمان ، و هو الأمر الذي يفند استخدام البلاغ لمصطلح روح الدستور وليس فقط المنطوق الصريح للدستور واعتبار رئيس الحكومة مجرد عضوا أيضا في الحكومة يسري عليه حكم الإعفاء من طرف الملك كباقي الوزراء..
ومن جهة أخرى فإن اصطلاح إعفاء رئيس الحكومة المعين و المكلف بتشكيل الحكومة سيشكل رد فعل سلبي من طرف الرأي العام الوطني و الدولي و سيتسبب معه إحراج سياسي لسيد عبد الإله بنكران و هو ما يتضح من خلال مدح البلاغ لشخص بنكران من خلال مسؤوليته السابقة كرئيس حكومة ..
أما الخيارات التي كانت أمام الملك فهي انتخابات سابقة لأوانها وهو الأمر الذي دافع عنه بنكران و حزبه بشدة رغم تكلفته المادية و هدره للزمن السياسي و صورة المغرب في الخارج من خلال إظهاره بلدا غير مستقر سياسيا… من هذا المنطلق يكون قرار رئيس الدولة –الملك- باعتباره حسب نص البلاغ “المؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين..” فإن الملك بتعبيره الصريح و القطعي بأنه سيقوم بالاختيار شخصية سياسية من ضمن هذا الحزب، وهو دليل على احترام الملك لأصوات الناخبين و تعبيرهم عن إراداتهم ، مما يجعل الملك يحترم النتائج الانتخابية و الأسس الديمقراطية المعبرة عن إرادة شعبه و اعتبار فشل المفاوضات فشل شخصي لسيد عبد الإله بنكران وليس لحزب العدالة والتنمية لامر الذي يجنب الملك في دخول في صراع سياسي مع حزب العدالة والتنمية..
مما يجعل الملك يجب مسبقا عن وبشكل قاطع عن التساؤلات المستقبلية المحتملة وازالة الغموض الذي قد يؤذي الى ردود فعل سلبة اتجاه هذا البلاغ..باعتبار بنكران كان مفوضا من لدن الأمانة العامة للحزب لتدبير المفاوضات، و حول من هي الشخصية التي ستعوض بنكران و هل يمكن أن يكون لهذا القرار انعكاس سلبي على حزب العدالة والتنمية و تقسيمه و انشقاقه خصوصا انه حزب معروف بالديمقراطية الداخلية و قرارات بنكران في المفاوضات كانت تعبير عن مواقف الحزب و توجهاته ..
لقد توقع السيد عبد الإله بنكران أن يتدخل الملك من اجل إبعاد حزب الاتحاد الاشتراكي من التشكيلة الحكومية و اعتبر الأمر تحديا شخصيا له ..و قد صرح كذلك بتصريحات سياسية تمس الصورة الديمقراطية للبلاد من خلال تعبيره بأن الشعب المغربي يهان في إرادته: وهو أمر غير صحيح لأنه يغلط الرأي العام الوطني و خصوصا انه يعلم انه لا يملك الأغلبية المطلقة التي تجعله يتكلم باسم الشعب كله فهو متصدر انتخابيا و لم يمنحه الشعب أغلبية برلمانية حيت حصل على مليون وستمائة صوت من أصل سبعة وعشرون مليون التي يحق لها التصويت، كما انه تجاهل التوجيهات الملكية من خلال خطاب العرش الذي ألقاه من دكار و أعطى من خلاله معايير تشكيل الحكومة
وقد تزامنت تصريحات بنكران التي أثرت سلبا على أداء السياسة الخارجية للمغرب لأنها جاءت في سياق المجهودات الملكية المبذولة من اجل لحشد الدعم الإفريقي للقضية الوحدة الترابية للمملكة و خصوصا في الظرف الذي يصعد فيه أعداء هذه الوحدة الترابية من مواقفهم ضد المغرب ، والذي يتجلى جزء منه في النزاع على مستوى منطقة الكركرات .. و من اجل الحد و إعاقة هذه الإستراتيجية الدبلوماسية المغربية الناجعة التي ينهجها المغرب والتي بدأت تعطي أكلها و كان لها صدى طيب على المستوى الدولي.
لقد كان لزاما على رئيس الدولة المتمثل في الملك أن يضع حدا لهذا الاستهتار السياسي الذي أساء كثيرا لصورة البلد سواء في الداخل آو الخارج خصوصا أن الملك بعث مستشارين إلى السيد بنكران يحثانه على التعجيل بتشكيل الحكومة في اقرب وقت وهو ما فشل فيه فعلا بعد مرور أكثر من خمسة أشهر ،
وقد ابتعد الملك عن السجال السياسي الحاصل بين الأحزاب واعتمد على تفعيل الوثيقة دستورية نصا و روحا وكذلك كرس اأوعراف دستورية جديدة مكملة للنقص الحاصل على مستوى الفصل 47 من الدستور و الذي أصبح لزاما تعديله خصوصا في تحديد الآجال الدستورية لتشكيل الحكومة و الهيكلة الحكومية و الانتقال للإتلاف ألأغلبي و باقي الإمكانات المتاحة لتجاوز الأزمة مستقبلا .
ثم إن خيار تعديل جزئي للدستور كان ممكنا أمام الملك لكنه لن يكون سائرا على الحكومة الحالية وفقا لمبدأ عدم رجعية القانون، ولكنه أصبح لزاما لتجاوز مثل هذا الأزمة في الحكومات المقبلة..
لقد أرادت المؤسسة الملكية أن تبعث عدة رسائل أن مصلحة الوطن فوق المصلحة و الاعتبارات الشخصية و الحزبية ، من خلال احترام الإرادة الشعبية و أصوات المواطنين و أن المسؤولية الأولى لتشكيل الحكومة تقع على عاتق رئيس الحكومة المعين وحده و بشكل شخصي ..
وقد تم تكريس عرف دستوري جديد يمكن اعتباره مفسرا ومكملا لنقص للفصل 47 حيث أصبح للملك بمقتضى هذا العرف حق إعادة تعين شخصية سياسة أخر من نفس الهيئة السياسة المتصدرة للانتخابات بعد فشل رئيس الحكومة المعين في تشكيل الحكومة في أجال معقولة يكون أقصاها خمسة أشهر.

قد يعجبك ايضا