وسائل إثبات النسب

من إعداد المحكم الدولي والباحث ‘العمري المفضل’
عمل المشرع المغربي على تأطير النسب ووسائل إثباته من الفصول 150الى 162 من مدونة الاسرة والنسب كما عرفته المادة 150 لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف والخلف، فهو بهذا المعنى رابطة شرعية تربط الفروع بالأصول وينسب فيها الولد لأبيه، سواء ترتب ذلك عن زواج صحيح أو فاسد أو شبهه كما ينسب فيها لأمه إذا أثبتت البنوة بواقعة الولادة أو بإقرار الأم أو صدور حكم قضائي بها على ذلك وتعتبر بنوة الأم شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب، وقد حدد المشرع وسائل إثبات النسب في المادة 158 من مدونة الأسرة وهي الفراش والإقرار أو شهادة عدلين أو بينة السماع إضافة إلى الخبرة الطبية.
إثبات النسب عن طريق الإقرار
نظمه المشرع المغربي بمدونة الأسرة وسماه كذلك بالاستلحاق من خلال المواد 160 و 161 غير أنه يوجد إلى جانب هذا الإقرار من نوع آخر غير مباشر يجعل المقر له ينتسب إلى الغير لا إلى المقر مباشرة.
ولكي يرتب الإقرار بالنسب آثاره القانونية . لابد من أن تتوفر فيه بعض الشروط، ورد النص عليها ضمن مقتضيات المادة 160 من مدونة الأسرة بالكيفية الآتية :
” يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقربة ولو في مرض الموت، وفق الشروط الآتية :
– أن يكون الأب المقر عاقلا
– ألا يكون الولد المقربه معلوم النسب
– أن لا يكذب المستلحق عقل أوعادة
– أن يوافق المستلحق إذا كان راشدا حيث الاستلحاق وإدا استلحق قبل أن يبلغ سن الرشد.
إذا عين المستلحق الأم ، أمكنها الإعتراض بنفي النسب عنها، أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الإستلحاق . لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة، مادام المستلحق حيا ”
إلى جانب هذه الشروط فإن إثبات الإقرار بالنسب حددته المدونة في المادة 162 من مدونة الأسرة حيث يتم إثباته عبر وسيلتين فإما أن يتم بالإشهاد الرسمي أو بخط المقر الذي لا بشك فيه.
الإشهاد الرسمي
هنا يجب الاشهاد على الإقرار بالنسب من طرف عدلين منتصبين للإشهاد وتوثيقه ثم بعد ذلك المصادقة عليه من جانب قاضي التوثيق إلى حين اكتسابه الصفة الرسمية .
*خط يد المقر الذي لا يشك فيه
يمكن أن تحول ظروف قاهر بالمقر تمنعه من الإلتجاء إلى العدول كإصابته بمرض أقعده في المنزل هنا يصح له ، استثناء أن يكتب الإقرار بالنسب بخط يده .
هنا لا يصح الإقرار إلا من طرف المقر نفسه وبخط يده وتكون وثيقة عرفية. ومن خلال كل ما سبق يمكن القول أن الإقرار يعتبر من الوسائل التي يتم بها إثبات النسب .
إثبات النسب بالفراش
يقصد بالفراش في اللغة، ما يبسط عادة للنوم أو اللجلوس عليه ويطلق عادة على المرأة التي يستمتع بها زوجها وذلك من خلال قوله تعالى:
“وفرش مرفوعة إنا أنشأنا هن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أثرابا لأصحاب اليمين الأية من 34 إلى 38 من سورة الواقعة )
واصطلاحا يقصد بالفراش الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة أو كون المرأة معدة للولادة من رجل معين ولا يكون ذلك عادة إلا بالزواج أو ما لحقه به الشرع استثناء كالزواج الفاسد و الإتصال عن طريق الشبهة بخصوص النسب.
وانطلاقا من هذا التعريف فمتى تم إزدياد الطفل خلال مرحلة الزواج ثبت نسبة من ذلك الزواج دون اللجوء إلى بينة أو إقرار من الزوج وذلك استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم “الولد للفراش …” و لإثبات النسب بالفراش فلا بد من توفر شروط لابد من احترامها وهي إبرام عقد زواج صحيح كقاعدة
– انصرام مدة الحمل
– إمكانية ولادة الزوجة من زوجها.
ومن خلال هذه الشروط فإن إبرام عقد زواج صحيح يثبت الطفل حقه في النسب حيث أن الزواج الصحيح باستجماعه لكافة أركانه وشروطه يرتب جميع أثاره الشرعية في الحال وأهمها إثبات نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش دون غيره ، وهذه القاعدة بديهية في الشرع الإسلامي وقد تم العمل بها في مدونة الأسرة من خلال نصوص قانونية.
وإذا كانت القاعدة هي أن الزوجية الصحيحة بالفراش فاستثناء يثبت النكاح شبهة وفي النكاح الفاسد أحيانا.
وبالنسبة لشرط المدة فحسب جمهور الفقهاء لا يكفي أن يكون هناك عقد صحيح يربط بين الزوج وبين زوجته وإنما لابد من أن تتحقق مدة الحمل المفروضة شرعا. ومدة الحمل من الناحية القانونية حدان أحدهما أدنى وثانيهما أقصى فيفيما يخص المدة الأدنى فقد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية والفقهاء على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر وذلك انطلاقا من قوله تعالى :” وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ” وقد أيدت هذا الطرح المدونة من خلال المادة 154 . أما بالنسبة للمدة الأقصى فقد تضاربت مواقف الفقه الإسلامي بشأن أقصى مدة الحمل ما بين تسعة أشهر وسنتان وأربع سنوات أما بالنسبة للمدونة فلم يبين المشرع المغربي هل المقصود بأقصى أمد الحمل السنة القمرية أم السنة الشمسية .
إثبات النسب بشهادة عدلين أو بينه السماع
إلى جانب إثبات النسب بالفراش والإقرار فإنه يتم إثباته بشهادة عدلين أو بينه السماع وذلك طبقا لمقتضيات المادة 158 من مدونة الأسرة إلا أن هناك فرق واضح بين شهادة العدلين وبينه السماع
_ إثبات النسب بواسطة شهادة عدلين
المشرع قام بتنظيم الشهادة في قواعد قانون الالتزامات والعقود إلى جانب تنظيمه الإجراءات المسطرية الخاصة بها في قانون المسطرة المدنية
_ إثبات النسب عن طريق الشهادة بالخصوص فيتمثل في فقه الإمام مالك وذلك انطلاقا من المادة 400 من مدونة الأسرة، التي تحيل على الفقه المالكي، الذي يعتبر شهادة الشهود كوسيلة لإثبات النسب حيث يتم عتبارها أقوى من الإقرار وهذا أيضا ما تم تبنيه من طرف الفقه الإسلامي .
بالرغم من نص المشرع المغربي على الشهادة كوسيلة لإثبات النسب إلا أنه لم ينظمها تاركا امر ذلك للفقه المالكي، حيث أن القاعدة العامة في الشهادة في الفقه المالكي هي شهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين ولكن متى تم تعليق الشهادة بالولادة فيمكن إثباتها أحيانا بشهادة امرأتين فقط على أساس أن الولادة مما يطلع عليه إلا النساء أحيانا دون الرجل.
إثبات النسب شهادة السماع
يمكن إثبات النسب حسب مقتضيات المادة 158 من مدونة الأسرة بواسطة بينه السماع ويقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية ، إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أو واقعة ما قد تحققت.
وتشترك شهادة السماع مع البينة أي شهادة العدلين في الكثير من الأحيان ومن ذلك ما يتصل بالخصوص بإثبات النسب، وقد اشترط الفقه المالكي لصحتها وبالتالي ترتيب أثارها خمسة شروط أساسية أولها بالاستفاضة وثانيها السلامة من الريبة وثالثها أداء اليمين تزكية لها، رابعها طول الزمن وأخيرا ألا يتعلق الأمر بنقل شهادة.
ولإثبات النسب بشهادة أو بنية السماع ثم العمل بالاستعانة بالإثبات عن طريق اللفيف في هذا المجال، وصورة شهادة اللفيف هي اثني عشر رجلا حيث يتم وضع أسماءهم عقب تاريخ الشهادة.
وتقبل شهادة اللفيف في إثبات النسب عموما لأنها ما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك .
إثبات النسب عن طريق الخبرة الطبية
في إطار مدونة الأسرة أشار المشرع إلى الخبرة القضائية كوسيلة إضافية من وسائل الإثبات عامة في مجال إثبات النسب أو نفيه وذلك في المادتين 153 و 158 والمقصود بها الخبرة الطبية التي لم تبقى مقتصرة على الفحوصات الأولية فحسب وإنما تطورت إلى فحص دم الفصيلة التي ينتسب إليها دم الزوجة والزوج والولد ذلك أن الأبحاث العلمية آظهرت منذ مدة ليست بالقصيرة أن دم الإنسان بتنوع إلى فصائل عدة وعن طريق هذا الفحص أمكن التوصل إلى أحد الفرضين :
الفرض الأول : ظهور فصيلة دم الطفل مخالفة لمقتضيات تناسل فصيلة الزوجين وذلك معناه ان الزوج ليس الأب الحقيقي للطفل .
الفرض الثاني : ظهور فصيلة الدم للطفل موافقة لمقتضيات تناسل فصيلتي دم الزوجين وهذا معناه أن الزوج قد يكون الأب الحقيقي وقد لا يكون.
-المجلس الأعلى قبل صدور المدونة كان يرفض اللجوء إلى الخبرة الطبية للبث في المنازعات حول النسب ، إذ من شأن الانحراف عن وسائل الإثبات الشرعية واعتماد الخبرة في النسب نسف الحديث النبوي الشريف “الولد للفراش ” ومساس خطير بالنظام العام وبالعقيدة وتحليل لنظام التبني الذي حرمته الشريعة الإسلامية.
غير أنه بعد تطبيق المدونة أصبح لازما اللجوء إلى الخبرة الطبية في موضوع النسب خاصة بعد اكتشاف البصمة الوراثية باعتبارها دليلا مؤكدا للنفي والإثبات لتحديد المسؤولية على خلاف تحليل فصائل الدم التي كانت نتائجها مقتصرة فقط على النفي دون الإثبات كما جاء في كتاب الخبرات الطبية.
البصمة الوراثية حسب تعريفها العلمي ” هي التركيب الوراثي الناتج عن فحص الحمض النووي ADN لحدد واحد أو أكثر من أنظمة الدلالات الوراثية ” ومن الملاحظ أن معرفة البصمة الوراثية لشخص ما يتم عن طريق فحص الحمض النووي لأحد المواد السائلة في جسمه كالدم والمني واللعاب، أو لأحد أنسجة الجسم كاللحم أو الجلد أو مواد أخرى كالشعر أو العظام أو في أحد الأدوات المستعملة كشفرة الحلاقة أو حتى في طعامه بل أصبح الحامض النووي له دور في تشخيص الحمل وإثبات علاقة الأبوة قبل الولادة وفي وقت مبكر يمكن أن يصل إلى سبعة أيام بعد الحمل وذلك بإجراء تحليل مخبري على هرمون بالدم يسمى BHCG وباستعمال هذا التحليل أصبح من الممكن تحديد الأبوة قبل ولادة الجنين.
ثارموضوع اللجوء إلى الخبرة الطبية من أجل إثبات النسب عدة ردود فعل سواء في المغرب أو الخارج فحول اللجوء إلى الخبرة الطبية يرى الأستاذ إبراهيم بحماني رئيس الغرفة الشرعية لدى المجلس الأعلى أنه يتعين اللجوء إلى الفحوص الطبية لمعرفة من ينسب إليه الولد عند الاقتضاء ولكن ذلك لا يكون في الحالة التي يقع فيها نزاع حول نسبة ولا يوجد حل لذلك النزاع، أما إذا وجد الحل القانوني كما إذا نتج عن زواج مضى عليه أقل مدة الحمل وتم الاتصال بين الزوجين جنسيا فإنه لا يبقى هناك مبرر للفحص الطبيعي لأن الولد للفراش ولأن البنوة الشرعية مقدمة على البنوة الطبيعية.
وبخصوص حجية الإثبات بالبصمة الوراثية قرر المجمع الفقهي الإسلامي في دورته 16 المنعقدة بمكة المكرمة أيام 5 إلى 10 يناير 2002 أن البحوث والدراسات العلمية أفادت أن البصمة الوراثية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ويمكن أخذها من أي خلية بشرية.
هكذا يمكن اعتبار الخبرة الطبية وسيلة إثبات إضافية إلى الوسائل الشرعية (الإقرار الشبهة والمشاهدة أو بنية السماع ) وهكذا يمكن القول أن الخبرة الطبية هي من الوسائل الجديدة لإثبات النسب.

قد يعجبك ايضا