آليات الديموقراطية التشاركية على المستوى الترابي

من إعداد: قديري المكي الخلافة، طالب جامعي

بعد أن أبانت الديموقراطية التمثيلية عن عجزها على المستوى العملي في تحقيق المطالب المتزايدة ومواكبة تطورات العصر الذي برزت فيه مجموعة من المبادئ كالحرية الفردية في التعبير، وتأسيس التنظيمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وغيرها، الشئ الذي ولد حاجة إلى نظرة جديدة لتدبير الشأم العام، وفق مقاربة جديدة تهدف بالأساس إلى ضمان مشاركة المواطنين في التدبير، والمساهمة في إنتاج صناعة القرار العمومي، في إطار توافقي بين أهم القوى الحية في المجتمع، وبين السلطة العامة، الشئ الذي مهد لظهور تيار فكري إداري وسياسي.

فماهو السياق التاريخي لبزوغ فجر الديموقراطية التشاركية كشكل جديد لممارسة السلطة؟ وما هي الأسس والآليات التي تقوم عليها الديموقراطية التشاركية؟

 

أولا: سياق ظهور الديموقراطية التشاركية، وتعريفها:

ظهر مفهوم الديموقراطية التشاركية منذ ستينيات القرن الماضي، حيث بدأ مسؤولي مجموعة من الشركات الخاصة في و.م.أ في طريق الرفع من مستوى الجدوى والفعالية الإقتصادية، وذلك هو ما تأتى كآلية من خلال وسيلة إشراك العمال في عملية التدبير الإداري، وحيث أفرز نتائج إيجابية في الوصول إلى الأهداف المرجوو بلوغها، من هنا بدأ التفكير في نقل مضامين هذه الفكرة إلى المجال العمومي، من خلال تجسيد فكرة إشراك المواطن في إتخاد القرار السياسي.

أما في المغرب فلم تظهر البوادر الأولى للديموقراطية التشاركية إلا في الخطب الملكية، التي كان أولها خطاب العرش 30 يوليوز 2007، الذي نبه من خلاله جلالة الملك محمد السادس أنه مهما كانت مشروعية الديموقراطية النيابية، فإنه من الضروري إستكمالها بالديموقراطية التشاركية، التي ستفتح المجال أمام الإدارة للإستفادة من كل الخبرات وطنيا وجهويا ومحليا.

ومع تعالي أصوات المدافعين عن الحقوق المدنية والسياسية التي تطالب بفتح أوراش الإصلاح الدستوري، التي عرفها المغرب سنة 2011 في سياق التطورات السياسية التي شهدتها دول الجوار المغاربي وكدي دول الشرق الأوسط، من ثورات على نظم الحكم المستبدة، خاصة الدول الشقيقة تونس، ليبيا، مصر، سوريا، واليمن، مما جعل المشرع المغربي يتدخل عبر تعديل دستور 2011، ليؤكد على مبدأ الديموقراطية التشاركية، من خلال الفصل الأول من وثيقة الدستور بأن النظام الدستوري للملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديموقراطية المواطنة والتشاركية.

وتنبني الديموقراطية التشاركية على مجموعة من الأسس التي بدونها لا يمكن الحديث عنها مبدئيا، وهي:

أولا، ضرورة وجود الديموقراطية النيابية كأساس، لأن الإرادة في الوصول إلى الديموقراطية التشاركية كهدف ينبني على أساس وجود ديموقراطي.

ثانيا، يجب على الفاعل الإداري أن يمنح الثقة للمواطن ويشركه في عملية إتخاد القرار، لذلك يجب أولا وقبل كل شئ تبسيط المساطر الإدارية من أجل أن يسهل على أي مواطن أن يبادر ويساهم، ولكي تكون الإدارة في خدمة المواطن، ويكون هذا الأخير في محور العمل الإداري.

 

إن تراجع دور الدولة في القيام ببعض أدوارها لفائدة هيئاة المجتمع المدني في مجموع الميادين وسيرها في هذا الإتجاه، من أجل تحقيق تنمية محلية تشاركية يشتركها القطاع الخاص والعمومي على حد السواء، ولعل أول الفاعلين في تجسيد هذا الشكل من التدبير، نجد الجمعيات بمختلف أهدافها، حيث نص الفصل 12 من الدستور المغربي لسنة 2011، بأن الجمعيات تساهم في إعداد القرارات والمشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا تفعيلها وتقييمها.

 

أيضا لا يكتمل التصور الجديد لمفهوم الديموقراطية التشاركية من خلال تبنيها لآليات هذا التدبير فقط، بل يكمن في خلق إطار تكاملي مع الخواص من قبل الإدارة وطنيا، جهويا وأيضا حتى على المستوى المحلي.

ثانيا: آليات ووسائل الديموقراطية التشاركية:

يشكل الدستور المغربي 2011، إلى جانب مجموعة من القوانين التنظيمية للجماعات المحلية، آلية قانونية تعزز دور المواطن والمجتمع المدني في مقاربة جديدة تضطلع عليهم من أجل ممارسة صلاحيات التشارك الديموقراطي، من خلال مجموعة من الوسائل وهي كالتالي:

1- الديموقراطية التشاركية من خلال آلية العرائض:

العريضة هي آلية إقتراحية يطالب من خلالها المواطنون والجمعيات المجالس المحلية بإدراج نقطة تدخل في صلاحياتها، ضمن جدول أعمال المجلس الجماعي ذاته، في حين تختلف شروط تقديم العرائض بحسب المستويات الترابية، وبحسب الجهه التي تقدم العريضة.

1-1- بالنسبة للإختلافات على المستوى الترابي:

حسب الجهات تنص المادة 120 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات على أنه يجب على مقدمي العرائض أن يستوفوا مجموعة من الشرروط التي هي:

– أن يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسو بها نشاطا إقتصاديا أو إجتماعيا أو تجاريا أو مهنيا.

– أن يكون لهم مصلحة مباشرة ومشتركة في تقديم العريضة.

– وألا يقل عدد التوقيعات على ما يلي:

300 توقيع بالنسبة للجهات التاي يبلغ عدد سكانها أقل من مليون نسمة.

400 توقيع بالنسبة توقيع بالنسبة للجهات التي يتراوح عدد سكانها مابين المليون واثلاثة الملايين نسم.

500 توقيع بالنسبة للجهات التي يتجاوز عدد سكانها ثلاثة الملايين نسمة.

كما يتعين أن يكون الموقعون موزعين بحسب مقرات إقامتهم الفعلية على عمالات وأقاليم الجهة، شرط ألا يقل عددهم في كل عمالة أو إقليم تابع للجهة عن 5 في المائة من العدد المطلوب.

وهناك شرط جوهري نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 118 من نفس القانون التنظيمي الذي سبقت الإشارة له واشترط فضلا عن ذلك عدم مساس موضوع العريضة بثوابت الأمة كشئ بديهي من وجهة نظر قانونية ولا تحتاج إلى تأكيد أو نفي.

1-2- بالنسبة للجماعات والأقاليم:

إن القانون التنظيمي 112.14 وخاصة المادة 114 منه مما يلاحظ جليا أنها أعادة فقط تكرار نفس الشروط التي تضمنها القانون التنظيمي للجهة السالف الإشارة إليه، باستثناء إختلافات بسيطة وخاصة فيما يخص من طبيعة الحال عدد الموقعين على العرائض، الذي يجب أن تتوفر فيهم مجموعة من الشروط، وهي كالتالي:

أ- بالنسبة للجماعات، طبقا لما تنص المادة 123 من القانون 123.14 يجب إحترام ما يلي:

100 توقيع فيما يخص الجماعات الترابية التي يقل عدد سكانها عن 35000 نسمة.

200 توقيع بالنسبة بالنسبة لغيرها من الجماعات على أن يقل عدد الموقعين بالنسبة لغيرها من الجماعات ذات نظام المقاطعات، كما يجب أن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الإنتخابية.

ب- شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات في كل من العمالات والأقاليم والجهات:

تحدد المادة 121 من القانون 111.14 المتعلق بالجهات، على أنه يجب على الجمعيات التي تريد تقديم العرائض أن تستوفي مجموعة من الشروط كالتالي:

– أن تكون الجمعية معترف بها إداريا طبقا للقانون لمدة تزيد عن ثلاثة سنوات وتعمل لمبادئ الديموقراطية والأنظمة السياسية.

– أن تكون في وضعية سليمة إزاء القواميم والأنظمة الجاري بها العمل.

– أن يكون لديها مقر أو أحد فروعها واقعا بمجال الجهة المعنية من حيث الإختصاص الترابي.

– فيما يخص تقديم العرائض من قبل الجمعيات في العمالات والأقاليم وكذى الجماعات، كملاحظة فقد تم الإحتفاظ بنفس الشروط الواردة في القانون 111.14، إلا أن القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم ينص في مادته 115 على أنه يجب أن يكون المنخرطون في الجمعية يصل إلى المائة 100 منخرط.

1-3- كيفية أيداع العرائض:

تودع العرائض من قبل الوكيل أو الممثل القانوني لدى رؤساء الجماعات الترابية، مرفقة بالوثائق المثبتة للشروط التي يتطلبها القانون كما سلف التطرق إليه تفصيلا، مقابل وصل يسلم فورا قبل أن تحال العريضة من قبل رئيس المجلس إلى مكتب المجلس الذي يتحقق من إستفتاء العريضة للشروط القانونية حسب الحالة.

وفي حالة قبول العريضة، فإنها تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية، ثم تحال بعد ذلك العريضة إلى اللجان الدائمة المختصة لتداراسها قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها وفي حالة التصويت عليها لتصبح مقررا قابلا للتنفيذ.

أما في حالة عدم قبول العريضة من قبل المكتب، يتعين على الرئيس تبليغ ذلك إلى الممثل القانوني للجمعية أو الوكيل بحسب كل حالة، قرار بالرفض يجب إن يكون معللا داخل أجل شهرين إبتداءا من تاريخ توصله بالعريضة.

2- الأليات التشاركية للحوار والتشاور:

خصص المشرع الدستوري 2011 مجموعة من المقتضيات التي حاولت تعزيز ودعم هذا الشكل السياسي الديموقراطي التشاركي، حيث ينص الفصل 139 على ان مجالس الجهات والجماعات المحلية، بالإضافة إلى مجموعة من الآليات التشاركية للحوار والتشاور، التي نصت عليها مقتضيات في مجموعة من القوانين التنظيمية للمجالس المعنية.

إذ على مستوى الجهات، تنص المادة 117 من القانون 111.14 المتعلق بالجهات على إحداث مجلس الجهات ثلاث هيئات استشارية، وهي:

هيئة إستشارية تختص بمشاركة فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة ومقاربة النوع.

هيئة أسشارية تختص بدراسة القضايا المتعلقة باهتمامات الشباب.

هيئة إستشارية بشراكة مع الفاعلين الأقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة القضايا ذات الطابع الإقتصادي.

فيما يحدد النظام الداخلي للمجلس تسمية هاته الهيئات وكيفية تأليفها وتسييرها.

أما على مستوى العمالة والإقليم نصت المادة 111 من القانون التنظيمي 112.14 على أنه تحدث لدى مجلس العمالة أو الإقليم هيئة إستشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الإقليمية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة.

في حين على مستوى الجماعات، فقد نصت المادة 120 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات على أنه تحدث لدى مجلس الجماعة هيئة إستشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تدعى هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، أيضا يحدد النظام الداخلي للمجالس كيفية تأليف وتسييرها.

قد يعجبك ايضا