الدفاع الأوروبي المستقل عن منظمة حلف شمال الأطلسي بين موسكو وباريس: السياق والأسباب 

الدكتور محمد البغدادي

باحث في العلوم القانونية

جامعة عبد المالك السعدي بطنجة

المملكة المغربية

 

مقدمة:

يأتي موضوع الدفاع الأوروبي المستقل في ضوء التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتاريخ 27 مارس 2025 الذي أكد على توسيع المظلة النووية الفرنسية من أجل ضمان استقلال أوروبا عسكريا ودفاعيا ونشر قوة أوروبية داخل أوكرانيا بدل من الانكباب على المظلة النووية الأمريكية بقيادة وزعامة منظمة حلف شمال الأطلسي، وهذا ما هو ثابت في اجتماع وزراء الخارجية للناتو في بروكسيل المنعقد في 3 و4 أبريل 2025 الذي شدد على إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا وفرنسا تعطي مهلة أخيرة لبوتين لحسم قراره من السلام، وذلك في ظل فرض الولايات المتحدة الأمريكية على قادة وزعماء دول الاتحاد الأوروبي التعريفات الجمركية بتاريخ 2 أبريل 2025 بنسبة 20 في المائة وتهديدها من الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي.

ويمكن تعريف الدفاع الأوروبي المستقل على أنه تحالف عسكري ودفاعي بقيادة فرنسا من خلال توسيع المظلة النووية الفرنسية في ظل التقارب الروسي الأمريكي.

واعتبارا لمكانة وأهمية الدفاع الأوروبي المستقل في ضمان توحيد الصف واستقلالية القرار الأوروبي وتقليل الحماية الأمريكية لأوروبا وهندسة الردع النووي الأوروبي والحفاظ على الأمن والاستقلال الاستراتيجي، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيمايلي: كيف يمكن ضمان الدفاع الأوروبي المستقل في ظل تصاعد التهديدات الروسية على الأمن القومي الأوروبي؟.

وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ما هو السياق الجيوسي الراهن في ضوء الدفاع الأوروبي المستقل عن منظمة حلف شمال الأطلسي؟ وماهي أسباب الردع النووي الأوروبي؟

ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:

المبحث الأول: السياق الجيوسياسي الراهن في ضوء الدفاع الأوروبي المستقل عن منظمة حلف شمال الأطلسي

المبحث الثاني: أسباب الردع النووي الأوروبي 

 

المبحث الأول: السياق الجيوسياسي الراهن في ضوء الدفاع الأوروبي المستقل عن منظمة حلف شمال الأطلسي

معلوم أن الدفاع الأوروبي المستقل أصبح محط جدال واسع من لدن القادة الأوروبيين من خلال توسيع المظلة النووية الفرنسية على حساب المظلة النووية الأمريكية، لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تقلل من الدعم العسكري والمالي بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.

وعليه، سوف نتطرق إلى قمة أوروبية بباريس في المطلب الأول وقمة وزراء الخارجية لحلف شمال الأطلسي في بروكسيل في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول: قمة أوروبية بباريس 

لقد استضافت باريس قمة أوروبية بتاريخ 27 مارس 2025 بمشاركة نحو 30 دولة من أجل استهداف تجديد الالتزام العلني بدعم أوكرانيا، وسط حديث يتصاعد عن إمكانية نشر قوة مسلحة تابعة للتكتل بكييف. وتركز القمة على استكمال العمل بشأن المساعدات العاجلة للجيش الأوكراني، وتطوير نموذج مستدام للقوات المسلحة الأوكرانية، من أجل منع أي هجوم روسي جديد، وصياغة ضمانات أمنية تقدمها الجيوش الأوروبية. وأكد أن هذه الترتيبات ستُستكمل خلال الأيام المقبلة.

ويكفي الإشارة إلى أن تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، تمتلك فرنسا 290 رأسا نوويا، مثبتة على الصواريخ أو موجودة في قواعد عسكرية، أي أنها جاهزة للاستخدام. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك فرنسا 10 رؤوس نووية أخرى في حالة الاحتياط يمكن استخدامها نظريا بعد بعض التحضيرات. لكن، مقارنة بروسيا التي بحوزتها حوالي 5 آلاف رأس نووي، تبدو الترسانة الفرنسية جد محدودة.

 

المطلب الثاني: قمة وزراء الخارجية لحلف شمال الأطلسي في بروكسيل 

 في ظل التقارب الروسي الأمريكي من خلال الاتصال الهاتفي بين بوتين وترامب بتاريخ 18 مارس 2025، فإن اجتماع وزراء الخارجية لحلف شمال الأطلسي في بروكسيل المنعقد في 3 و4 أبريل 2025 أكد على إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا وفرنسا تعطي مهلة أخيرة لبوتين لحسم قراره من السلام، وذلك في ظل فرض الولايات المتحدة الأمريكية على قادة وزعماء دول الاتحاد الأوروبي وتهديدها من الانسحاب من منظمة حلف الناتو.

كما تؤكد العقيدة النووية الفرنسية الحالية أن فرنسا ترفض اعتبار الأسلحة النووية أداة للحروب التقليدية، بل ترى فيها وسيلة لردع الصراعات ومنع اندلاع الحروب. ومع ذلك، تستمر فرنسا في تطوير أنظمة تسلح جديدة مرتبطة بالردع النووي، لا سيما الصاروخ الفرط صوتي، الذي سيتجاوز مداه ألف كيلومتر، بالإضافة إلى نسخة جديدة من طائرة التزود بالوقود “فينيكس” لتعزيز قدرات سلاحها الجوي.

 

المبحث الثاني: أسباب الردع النووي الأوروبي 

لقد بات واضحا بأن الردع النووي الأوروبي أضحى نقطة مفصلية في ضمان الأمن القومي الأوروبي من خلال توسيع المظلة النووية الفرنسية، وذلك في ظل توجه قادة وزعماء في دعم وتزكية الحرب الروسية الأوكرانية. 

وتبعا لذلك، سوف نعالج فرض الولايات المتحدة الأمريكية التعريفات الجمركية على أوروبا في المطلب الأول وتقليل الحماية الأمريكية لأوروبا في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول: فرض الولايات المتحدة الأمريكية التعريفات الجمركية على أوروبا   

 من الواضح جدا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 2 أبريل 2025 وقع أمرا تنفيذيا يفرض رسوما جمركية بنسبة 10% على الأقل على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة و20% على تلك القادمة من الاتحاد الأوروبي، ما أثار موجة من الصدمة في أنحاء العالم، حيث أن أوروبا تحاول قدر الإمكان إيجاد حلول وبدائل ناجعة وفاعلية لاحتواء وامتصاص هذه التعريفات الجمركية الأمريكية التي تضر بلا شك بالاقتصادات والشعوب في ظل التداعيات السلبية لوكرونا وارتفاع التضخم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا.

 

المطلب الثاني: تقليل الحماية الأمريكية لأوروبا 

من المؤكد أن أوروبا في حاجة ماسة إلى السيادة الدفاعية بزعامة فرنسا من خلال توسيع المظلة النووية الفرنسية، وذلك من خلال التقارب الروسي الأمريكي وتهديد الولايات المتحدة الأمريكية من الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي.

ويكفي الإشارة إلى أن بريطانيا وفرنسا تتحركان لبحث تشكيل قوة أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا، تتصاعد نبرة التوتر مع إدارة ترامب، التي تنظر إلى هذه المبادرة بعين من الشك والسخرية. تسريبات جديدة كشفت عن ازدراء واضح داخل الإدارة الأميركية تجاه القدرات الأوروبية، وسط اتهامات بأن القارة العجوز تتخبط في ملفات تفوق إمكانياتها. وفي ظل هذا الانقسام الغربي، يبقى السلام في أوكرانيا مرهونًا بصراع الإرادات أكثر من كونه مسألة أمنية.

وتجب الإشارة إلى أسس العقيدة النووية الفرنسية في عهد الجنرال ديغول وتعرضت لتعديلات في عهدي الرئيسين السابقين فرانسوا ميتران ونيكولاي ساركوزي. وعلى لعموم تنص هذه العقيدة على استخدام الأسلحة النووية الفرنسية للدفاع وحماية فرنسا حصريا. ولم يكن الهدف من امتلاك فرنسا أسلحة نووية حماية أي حلفاء أجانب، بما في ذلك  ألمانيا، التي اضطرت فرنسا لمواجهتها خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. بل كان التركيز منصبا فقط على الدفاع عن فرنسا والشعب الفرنسي.

كذلك تنص العقيدة النووية الفرنسية على أن أهداف الردع النووي الفرنسي دفاعية بحتة باعتباره مصمما للتصدي لأي محاولة من جانب السلطات الأجنبية للتعدي على المصالح الحيوية لفرنسا وضمان قدرة القوات النووية على إلحاق أضرار جسيمة بمراكز القوة المعادية.

 

الخاتمة:

وتأسيسا على ذلك، يتضح أن الدفاع الأوروبي المستقل ما هو إلا خطة عسكرية ودفاعية لفرنسا من خلال إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تحالف عسكري مضاد لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وذلك تماشيا مع التطورات الدولية والتحولات الجيوسياسية الراهنة على اعتبار أن موسكو أصبحت تهديدا أمنيا لدول أوروبا.

 

 لائحة المراجع:

البرامج التلفزيونية:

    • مداخلة ديمترو تشيكالكين، ثمن إنهاء الحرب في أوكرانيا.. ماذا سيطلب ترامب من بوتين؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية ،يوم 18 مارس 2025.
    • مداخلة زكريا فيرانو، تداعيات قرار ترامب يفرض رسوم جمركية جديدة على حركة التجارة العالمية، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 4 أبريل 2025.
  • مداخلة يفغيني سيدروف،ماكرون يلوّح بالنووي ويحذر من روسيا.. هل يقود أوروبا نحو قوة نووية مستقلة؟،مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 6 مارس2025.
  • مداخلة محمد نشطاوي، مرحلة مفصلية من تاريخ حلف الناتو، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 4 أبريل 2025.
  • مداخلة محمد سعيد الوافي، ترامب يفرض رسوم جمركية متبادلة على دول في مختلف أنحاء العالم، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 3 أبريل 2025.
  • مداخلة محمد رجائي بركات، مرحلة مفصلية من تاريخ حلف الناتو، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 4 أبريل 2025.
  • مداخلة نبيل عادل، تداعيات قرار ترامب يفرض رسوم جمركية جديدة على حركة التجارة العالمية، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 4 أبريل 2025.
  • مداخلة رامي خليفة العلي، أوروبا تعيد الحسابات.. هل تقود فرنسا تحالفا عسكريا جديدا ضد روسيا؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 27 مارس 2025.
  • مداخلة خلدون النبواني، فرنسا تقود تشكيل قوة أوروبية: وروسيا تحذر أن الرد سيكون حاسما، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 28 مارس 2025.

 

قد يعجبك ايضا