القمة العربية غير العادية بمصر
القمة العربية غير العادية بمصر
بين دواعي الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار ومساعي إعادة إعمار قطاع غزة
الدكتور محمد البغدادي
باحث في العلوم القانونية
جامعة عبد المالك السعدي بطنجة
المملكة المغربية
مقدمة :
إن انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر بتاريخ 4 مارس 2025 وبطلب من دولة فلسطين، يأتي في ظل احتواء خطة تهجير الفلسطينيين لكل من مصر والأردن الذي نادى بها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب خلال مطلع شهر فبراير لسنة 2025، وكذا تداعيات المشهد السوداوي وسط المآسي والويلات والذمار والخراب والحزن لقطاع غزة، واستمرار الكيان الإسرائيلي في إغلاق المعابر وفرض الحصار، حيث منع هذا الأخير من دخول المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، وهو ما أدى إلى انتهاك صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، والذي تم توقيع عليه بتاريخ 15 يناير 2025، وذلك في خضم الحضور الوازن للأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتريس الذي شدد على سرعة وأهمية الدعم المادي والمالي والسياسي بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة سواء على صعيد دولة فلسطين أو على المستوى الدولي والإقليمي.
ويمكن تعريف القمة العربية غير العادية بمصر على أنها قمة طارئة واستثنائية وخاصة ولها أبعاد ودلالات سياسية وتنموية التي من شأنها التوصل إلى الاتفاق على الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار قطاع غزة.
واعتبارا لأهمية ومكانة القمة العربية غير العادية بمصر في ظل تراكم التداعيات السلبية للكيان الإسرائيلي على قطاع غزة، والحرص الملكي على ضمان الأمن والسلم والاستقرار داخل الشرق الأوسط، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيما يلي: كيف يمكن للقمة العربية غير العادية بمصر التوصل إلى حلول ناجعة وفاعلة بشأن والإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار قطاع غزة ؟
وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ماهي دواعي الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر؟ وما هي مساعي إعادة إعمار قطاع غزة في ضوء مخرجات القمة العربية غير العادية بمصر؟
ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:
المبحث الأول: دواعي الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر
المبحث الثاني: مساعي إعادة إعمار قطاع غزة في ضوء مخرجات القمة العربية غير العادية بمصر
المبحث الأول: دواعي الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر
معلوم أن انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر بطلب من دولة فلسطين في العاصمة الإدارية الجديدة له عدة إشارات ودلالات سياسية وتنموية، فمنها ما يتعلق بالسياق الدقيق والصعب الذي يعيشه قطاع غزة من خراب وذمار وحزن ، ومنها ما يرتبط بوضع التصور السياسي للمشهد السوداوي والبئيس للشعب الفلسطيني.
وعليه، سوف نتطرق إلى الأسباب المباشرة لعدم الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر في المطلب الأول والأسباب غير المباشرة لعدم الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الأسباب المباشرة لعدم الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر
نظرا للوضع المأسوي لقطاع غزة داخل شهر رمضان المبارك لسنة 2025، فإن المنتظم العربي الإقليمي سارع إلى تلبية طلب دولة فلسطين في تنظيم قمة عربية طارئة ومستعجلة بتاريخ 4 مارس 2025 من أجل تفعيل اقتراح وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس على ثلاث مراحل هو هدنة مقترحة لإنهاء الحرب الفلسطينية الإسرائيلية لسنة 2023 وإعادة إعمار قطاع غزة.
حيث تمت صياغة الاتفاق في البداية من قبل وسطاء من مصر وقطر وأيدته حماس، ثم اقترحته إسرائيل لاحقًا وأعلنت عنه الولايات المتحدة في شخص الرئيس الأمريكي السابق جون بايدن، وعهدة الرئيس الأمريكي الجديد الذي دخل إلى البيت الأبيض بتاريخ 20 يناير2025 بعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بتاريخ 19 يناير 2025 بعد مباحثات صارمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وينبغي التذكير إلى أن الاقتراح عبارة عن مبادرة متسلسلة من ثلاث مراحل، تبدأ بوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، والإفراج عن الرهائن والإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين، والمفاوضات للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، يليه انسحاب إسرائيل من غزة، وتنتهي بعملية إعادة الإعمار التي تستمر من ثلاث إلى خمس سنوات.
المطلب الثاني: الأسباب غير المباشرة لعدم الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر
لقد بات واضحا بأن انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر جاء نتيجة عدم التزام واحترام الكيان الإسرائيلي اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم تنفيذه بتاريخ 19 يناير 2025 ، واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وينبغي التذكير بأن الأسباب غير المباشرة لعدم الإعلان الدائم والثابت لوقف إطلاق النار في ضوء انعقاد القمة العربية غير العادية بمصر ترتبط أساسا في غياب رؤية ولحمة عربية مندمجة ومستدامة لأجرأة وتنزيل الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة ، وغياب وحدة الصف الفلسطيني، وكذا التدخل الدولي لأغراض غير إنسانية لاحتواء الحرب الإسرائيلية الفلسطينية لسنة 2023.
المبحث الثاني: مساعي إعادة إعمار قطاع غزة في ضوء مخرجات القمة العربية غير العادية بمصر
لاريب في أن القمة العربية الطارئة بمصر لها تداعيات جد إيجابية في التعاطي والتعامل مع مختلف الملفات الحارقة داخل المنتظم الدولي، وذلك من خلال وضع تصور سياسي بناء وفعال بشأن القضية الفلسطينية.
وتبعا لذلك، سوف نتناول التأكيد على بلورة الوحدة الوطنية لدولة فلسطين وأجرأة وتنزيل الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة في المطلب الأول والدور المغربي البارز والريادي في دعم القضية الفلسطينية في المطلب الثاني.
المطلب الأول: التأكيد على بلورة الوحدة الوطنية لدولة فلسطين وأجرأة وتنزيل الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة
من المؤكد أن القمة العربية الطارئة بمصر سطرت على عدد كبير من الأهداف والطموحات التي ينبغي اعتمادها في الرؤية العربية المشتركة بشأن التأكيد على بلورة الوحدة واللحمة الوطنية لدولة فلسطين وأجرأة وتنزيل الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع عزة بقيمة 53 مليار دولار على مدى خمس سنوات بحلول عام 2030.
ويكفي الإشارة إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى توحيد وتأثيث الصف والبيت الفلسطيني بسبب الانقسام الفلسطيني بين الفصل في الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية والفصل بين حماس في قطاع غزة ، وإلى رؤية سياسية مواكبة بشأن الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة من خلال التزام الدول سواء الدولية أو العربية بضخ مساعدات مالية ضخمة بدل من تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن وإفراغ المنطقة وإغلاق المعابر واستمرار فرض الحصار ومنع الهدنة والمساعدات الإنسانية والمبادرات السلمية.
المطلب الثاني: الدور المغربي البارز والريادي في دعم القضية الفلسطينية
لقد استطاعت المملكة المغربية خلال عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس أعزه الله ونصره من تحقيق نجاحات دبلوماسية كبيرة، اعتمادًا على سياسة الوضوح والطموح التي نهجتها الدبلوماسية الرسمية تحت القيادة الملكية السامية، وخطى المغرب خطوات كبيرة في مجال السياسة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه وعلاقاته وشركائه من أجل تحقيق مصالح جيوسياسية وتنموية وميدانية، مكنت المملكة من تحقيق اختراق غير مسبوق على مستوى أدائها الدبلوماسي.
كما لابد من الإشارة إلى أن المغرب قدم عبر التاريخ دعما وسندا للقضية الفلسطينية لم تقف عند حد المساعدات الإنسانية والمالية، بل تجاوزتها إلى المستوى الدبلوماسي والسياسي على اعتبار أن المغرب يضع القضية الفلسطينية في نفس المرتبة لملف الوحدة الترابية للمملكة باعتبارها من ثوابت السياسة الخارجية المغربية وقضية وطنية لدى المغاربة ملكا وشعبا، وهذا ما أوضحته القمة العربية الطارئة بمصر، حيث نوهت بدور لجنة القدس برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعزه ووكالة بيت مال القدس للجنة، كما أشادت بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس الشريف وصون هويتها الحضارية والحفاظ على مكانتها.
الخاتمة:
وبناء على ذلك، أكد البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الطارئة بتاريخ 4 مارس 2025 على ضرورة العمل على تقديم كافة أنواع الدعم المالي والمادي والسياسي لتنفيذ الخطة التي قدمتها مصر في ظل غياب آليات التنفيذ للخطة العربية المشتركة، وحث المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية على سرعة تقديم الدعم اللازم للخطة، بالتوازي مع تدشين افق للحل الدائم والعادل بهدف تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته والعيش في سلام وأمان. ودعت القمة العربية الطارئة مجلس الأمن الدولي إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام تسهم في تحقيق الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على أن يكون ذلك في سياق تعزيز الأفق السياسي لتجسيد الدولة الفلسطينية.
وحذرت القمة العربية من أن أي محاولات آثمة لتهجير الشعب الفلسطيني أو محاولات لضم أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة سيكون من شأنها إدخال المنطقة في مرحلة جديدة من الصراعات وتقويض فرص الاستقرار وتوسيع رقعة الصراع ليمتد إلى دول أخري بالمنطقة، وبما يعد تهديدا واضحا لأسس السلام في الشرق الأوسط، وينسف آفاقه المستقبلية ويقضي على طموح التعايش المشترك بين شعوب المنطقة.وأكد البيان الختامي على الأولوية القصوى لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار لمرحلتيه الثانية والثالثة، وأهمية التزام كل طرف بتعهداته وخاصة الطرف الإسرائيلي وبما يؤدي إلى وقف دائم للعدوان على غزة وانسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع بما في ذلك من محور “فيلادلفيا” ويضمن النفاذ الآمن والكافي والآني للمساعدات الإنسانية والإيوائية والطبية دون إعاقة.
ورحبت القمة بعقد مؤتمر دولي في القاهرة في أقرب وقت للتعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة وذلك بالتعاون مع دولة فلسطين والأمم المتحدة، وحث المجتمع الدولي على المشاركة فيه للتسريع في تأهيل قطاع غزة وإعادة إعماره بعد الدمار الذي تسبب به العدوان الإسرائيلي.ورحبت القمة بالعمل على إنشاء صندوق ائتماني يتولى تلقي التعهدات المالية من كافة الدول ومؤسسات التمويل المانحة بغرض تنفيذ مشروعات التعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة لتنفيذ الخطة العربية لإعادة الإعمار.
وأكدت القمة على تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية بما في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة، في سياق العمل على إنهاء كافة الصراعات بالشرق الأوسط مع تأكيد الاستعداد للانخراط الفوري مع الإدارة الأمريكية وكافة الشركاء في المجتمع الدولي، لاستئناف مفاوضات السلام بغية التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وشدد البيان الختامي على رفض الدول العربية القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه أو داخلها وتحت أي مسمى أو ظرف أو مبرر أو دعاوي باعتبار ذلك انتهاكا جسيما للقانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا، وكذلك إدانة سياسات التجويع والأرض المحروقة الهادفة إلى إجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل من أرضه.
لائحة المراجع:
- الوثائق الرسمية
- البيان الختامي للقمة العربية غير العادية بمصر والمؤرخ في 4 مارس 2025.
البرامج التلفزيونية:
- مداخلة إدريس لكريني، ماذا بعد القمة العربية الطارئة، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 4 مارس 2025.
-
- مداخلة الموساوي العجلاوي، قمة عربية طارئة حول فلسطين بمشاركة المغرب، مشاركة في برنامج الأخبار المسائية لقناة دوزيم، يوم 4 مارس 2025.
- مداخلة الغالي الغيلاني، القاهرة-القمة العربية غير العادية-: المغرب يجدد التأكيد على الدعم الدائم لجلالة الملك لكل المبادرات الرامية إلى تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الرئيسية الأولى، يوم 5 مارس 2025.
- مداخلة هاني الجمل، القمة العربية الطارئة في القاهرة: الرهانات والتحديات، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 4 مارس 2025
- مداخلة هشام الحبلي، مخرجات القمة العربية الطارئة، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 5 مارس 2025.
- مداخلة محمد نشطاوي، القمة العربية غير العادية، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الظهيرة الأولى ، يوم 6 مارس 2025.
- مداخلة عادل الحامدي، مشروع بديل لمقترح دونالد ترامب بشأن غزة على طاولة القمة العربية، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 4 مارس 2025.
- مداخلة عبد النبي صبري، -القاهرة –القمة العربية غير العادية: التأكيد على دور لجنة القدس التي يرأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ووكالة بيت مال القدس الشريف الذراع التنفيذي للجنة، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الظهيرة الأولى، يوم 5 مارس 2025.
- مداخلة عصام لعروسي، القمة العربية الطارئة في القاهرة: الرهانات والتحديات، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 4 مارس 2025
- مداخلة عصام ملكاوي، مخرجات القمة العربية الطارئة، مشاركة في برنامج قناة ميدي 1 تيفي، يوم 5 مارس 2025.