الذكاء الاصطناعي و العدالة : قراءة في الاثار والتحديات 

الدكتور جابر غنيمي

قاضي

مدرس جامعي 

تونس

 

ملخص: 

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً مهماً في المجتمع، حيث تم استخدامه في مجالات مختلفة مثل المجالات الطبية والقانونية والعسكرية والتعليمية والعديد من المجالات الأخرى…

ومنظومة العدالة لم تبق بعيدًة عن هذه التغييرات، فالذكاء الاصطناعي أصبح يؤثر على الممارسات والخدمات القانونية، فقد ساعد الذكاء الاصطناعي في تسهيل سير العدالة وتحقيق الشفافية واختصار الوقت في القضايا، والتنبؤ ببعض الأحكام القضائية، وتحليل البيانات وإجراء البحث بسرعة قصوى، وهذا من شأنه إرشاد القانونيين وتمكينهم من وضع استراتيجيات تتسم بالدقة والشمولية. 

ولكن في المقابل توجد مخاوف اخلاقية بشأن طبيعة استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الشخصية، مثل الحق في الخصوصية، وحماية البيانات        و التحيز… و كذلك مخاوف قانونية مثل المسؤولية و الشخصية القانونية للذكاء الاصطناعي…

و قد طرح الباحث إشكالية اثار استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة و التحديات التي يطرحها.

وللإجابة على هذه الإشكالية اعتمد الباحث المخطط التالي:

المبحث الأول: دور الذكاء الاصطناعي في دعم منظومة العدالة.

المبحث الثاني: التحديات التي يثيرها تطبيق الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة.

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي، العدالة، التنبؤ، القاضي الذكي، التحديات الأخلاقية، التحديات القانونية.

Abstract: 

Artificial intelligence has come to play an important role in society, as it has been used in various fields such as medical, legal, military, educational, and many other fields…

The justice system is not far from these changes, as artificial intelligence is affecting legal practices and services. 

Artificial intelligence has played an important role in facilitating the course of justice, achieving transparency, and reducing time in cases, predicting some judicial rulings, analyzing data, and conducting research at maximum speed, and this will guide jurists and enable them to develop accurate and comprehensive strategies.

But on the other hand, there are concerns about the nature of the use of artificial intelligence in the justice system, including violations of human rights and personal freedoms, such as the right to privacy, data protection, and bias…

The researcher raised the problem of the effects of the use of artificial intelligence in the justice system and the challenges it poses.

The researcher raised the problem of the effects of the use of artificial intelligence in the justice system and the challenges it poses.

To answer this problem, the researcher adopted the following scheme:

The first section: The role of artificial intelligence in supporting the justice system.

The second section: The challenges raised by the application of artificial intelligence in the justice system.

Keywords: artificial intelligence, justice, prediction, smart judge, ethical challenges, legal challenges.

المقدمة:

يشهد العالم اليوم تحولا غير مسبوق في مجال الابتكارات التكنولوجية والثورة المعلوماتية، حيث حقق العقل البشري على مدى العصور إنجازات وإبداعات علمية رائدة التي تخدم البشرية وتحقق الكثير من أحلام الإنسان، عن طريق معالم الذكاء الاصطناعي واتجاهه بخياله إلى آلة تستطيع أن تحاكيه في التفكير.

ومنظومة العدالة لم تبق بعيدًة عن هذه التغييرات، فالذكاء الاصطناعي أصبح يؤثر على الممارسات والخدمات القانونية. فقد ساعد الذكاء الاصطناعي في تسهيل سير العدالة وتحقيق الشفافية واختصار الوقت في القضايا، والتنبؤ ببعض الأحكام القضائية، وتحليل البيانات وإجراء البحث بسرعة قصوى، وهذا من شأنه إرشاد القانونيين وتمكينهم من وضع استراتيجيات تتسم بالدقة والشمولية.

ويمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الالة على إظهار قدرات تشبه قدرات الانسان مثل التفكير والتعلم والتخطيط والابداع، حيث يمكن الذكاء الاصطناعي الأنظمة التقنية من إدراك بيئتها والتعامل مع ما تدرك، وحل المشكلات والعمل لتحقيق أهداف محددة. 

أهمية البحث: 

تكمن أھمیة البحث في الحاجة العملية إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة حیث إنه یُسھم في حلّ القضایا والتصدي للجرائم والوصول إلى البیانات بسھولة، وتحسین نظام الإدارة فى القضایا كما یحول دون تراكمھا، فضلاً عن مزایا أخرى تشمل السرعة في إنجاز العمل وتوفیر الوقت والجھد، وإنجاز العمل في أي وقت ومن أي مكان.

كما تظهر أهمية البحث في  معرفة التحديات التي یخلقھا الذكاء الاصطناعي على مستویات عدة والمخاوف المترتبة عن دمج الذكاء الاصطناعي في النظام القضائي كخطورة التحیّز عند استخدامه في النظام القضائي والاعتداء على خصوصیة البیانات والمعلومات، في ظل الافتقار إلى القواعد التنظيمية والمعاییر المھنیة والأخلاقية التي ترعى استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع العدالة، مع غیاب القوانین والتشریعات الكافیة لمعالجة المخاطر المرتقبة التي قد تنتج من استخدام العدالة الرقمیة بشكل یضمن سیادة القانون وحمایة الحقوق والحریات، و ذلك للسعي الى معالجتها و إيجاد اليات للتصدي لها.

إشكالية البحث:

يطرح موضوع الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة إشكالية دور الذكاء الاصطناعي في دعم منظومة العدالة و التحديات التي يطرحها.

تساؤلات البحث:

يتفرع من سؤال الدراسة الرئيس مجموعة من الاسئلة الفرعية:

ما هو مفهوم الذكاء الاصطناعي؟

ما هي اثار استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة ؟

ما هي مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة ؟

اهداف البحث:

يھدف البحث إلى بیان ما یلي: 

– بیان مفھوم الذكاء الاصطناعي.

–  التعرف على دور الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة.

– التعرف على تحارب بعض الدول في استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة.

– بیان المخاطر المترتبة عن دمج الذكاء الاصطناعي في النظام القضائي.

منهجية البحث:

اعتمد الباحث المنهج التحليلي الوصفي لدراسة مختلف اثار استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة و المخاطر الناتجة عن ذلك.

كما اعتمد البحث على المنھج التحليلي المقارن في دراسة عدة تجارب دولية تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في التقاضي.

خطة البحث:

للإجابة على إشكالية البحث تولى الباحث تقسيم البحث الى مبحثين:

المبحث الأول: دور الذكاء الاصطناعي في دعم مرفق العدالة.

المبحث الثاني: التحديات التي يثيرها تطبيق الذكاء الاصطناعي في مرفق العدالة.

 

المبحث الأول: دور الذكاء الاصطناعي في دعم مرفق العدالة

يترتب عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مرفق العدالة عدة اثار إيجابية (المطلب الأول) و هو ما يظهر في تجارب عدة دول في العالم ( المطلب الثاني)

المطلب: اثار استخدام الذكاء الاصطناعي في مرفق العدالة 

بترتب عن استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة عدة فوائد تتمثل في: 

1-   العدالة التنبئية:

يقصد بالعدالة التنبئية تقنية الذكاء الاصطناعي القائمة على الخوارزميات، المرتبطة بالأدوات الرياضية؛ التي تقوم بتحليل مجموعات كبيرة من قرارات المحاكم، للوقوف على نتائج القرارات وأسبابها في المحاكمة، وإمكانية التحقق من مقدار التعويض في بعض الدعاوي المتخصصة التي تحكم في قراراتها بتعويض للمدعي. 

وبمعنى أخر بيان مقدار نسبة الأخطاء التي تحتويها القرارات القضائية الصادرة عن العدالة التقليدية (قضاة المحكمة)، في الدعاوي المنظورة من قبلهم مع اتخاذ العدالة التنبؤية وعن طريق – الذكاء الاصطناعي- للقرار في نفس القضية أو أخرى من حيث التعامل مع أساسيات معينة تمهيدا للوصول إلى القرار الصحيح.

 ويرجع الفضل في هذه الفكرة إلى الفقهاء  ليوفينجر Loevinger و لولروكورت Kort وLawlor الذين إقترحوا إنشاء علم “جوريميتر” يعرف بإسم “تطبيق المنهج العلمي لدراسة القانون”، وكان غرضه هو “حساب احتمالات القرارات القضائية “، وهذا في سنة 1709 إلا أنها أسست على فكرة الاحتمال دون تسخير الذكاء الاصطناعي واللوغاريتمات اللذان يعتبران أساس العدالة التنبؤية، ثم تطورت  الفكرة عن طريق الحقوقي وعالم التكنولوجيا “جاك آلو” المتخصص بمادة تاريخ القانون في  مؤلفه ” التكنيك الفني”.

قامت مجموعة من الاكاديميين الأمريكيين بتطوير برنامج اليكتروني قادر علي التنبؤ بنتيجة القضية المعروضة علي المحكمة العليا بدقة وصلت الي %70.2 ، و هناك مجموعة ايضا اخري من الاكاديميين الأوروبيين قاموا بتطوير برنامج اليكتروني قادر علي التنبؤ بنتيجة القضية المعروضة علي المحكمة الأوروبية حقوق الانسان، حيث قام هذا البرنامج بمعالجة الوقائع المقدمة لهذه المحكمة وصولا الي القرار الفاصل فيها علاوة علي الاستعانة بكثير  من المعلومات المشابهة و المستمدة من احكام سبق صدورها من هذه المحكمة.

و اهتمت بريطانيا كذلك بمسألة العدالة التنبؤية، حيث  قام احد المتخصصين في جامعة لندن بابتكار  “القاضي الروبوت”، الذي يمارس وظيفة القاضي عن طريق ميزة الذكاء الاصطناعي، حيث تم تجربته واختباره على مجموعة من القضايا التي حقق نسبة نجاح 70%، إذ اصدر قرارات صحيحة على القسم الأكبر من الدعاوي حسب قانون الدولة النافذ فيها . 

2- دور الذكاء الاصطناعي في التحقيق الجنائي:

ان استخدام الذكاء الاصطناعي في تحقيق العدالة الجنائية يقتضى توفر مجموعة من التقنيات والتطبيقات الذكية لتحليل البيانات الضرورية المتعلقة بالجريمة، وبالتالي التحليل الدقيق للفيديوهات والصور وتعقب أصوات الرصاص وتطوير نظام التعقب بشكل دقيق وسريع وفي دقائق معدودة. مثال على هذا نجد دولة الصين التي تستخدم أنظمة كاميرا المراقبة وخاصية التعرف على الوجوه، بحيث تتعاون الشرطة مع شركات التكنولوجيا لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وسلوكيات الأفراد قبل ارتكاب الجرائم.

و في أمريكا بدأ مكتب التحقيق الفيديرالي الامريكي في استخدام شكل جديد من أشكال المراقبة الإلكترونية في التحقيقات الجنائية، وذلك عن طريق تنشيط ميكروفون الهاتف المحمول عن بعد واستخدامه للتنصت على المحادثات القريبة، وقد أطلق على هذه التقنية اسم “الحشرة المتجولة”، وقد تمت الموافقة عليها من قبل وزارة العدل الأمريكية لاستخدامها ضد أفراد إحدى عائلات الجريمة المنظمة في نيويورك الذين كانوا حذرين من تقنيات المراقبة التقليدية مثل تتبع المشتبه به أو التنصت عليه

يلعب الذكاء الاصطناعي دورا حاسما في عدة أمور في مجال التحقيق وهي: 

–  تصنيـف المجرميـن: تسـتخدم برمجيـات الـذكاء الاصطناعي فـي تصنيـف المجرميـن وتسـهيل القبـض عليهـم بسـهولة وموضوعيــة وبعيــدا عــن الأهواء الشــخصية كمــا البشــر، الأمر الــذي يــؤدي إلــى تخفيــض نســبة الخطــأ فــي عمليــة التصنيف، وذـك من خلال مـا يـسمى بالشـرطة الرقمـية.

– التنبـؤ بالجرائـم: تسـاعد تقنيـات الـذكاء الاصطناعي فـي محاولـة التنبـؤ بوقـوع الجرائـم مـن قبـل البشـر ، وتوقـع أكثــر أنواعهــا حدوثــا، وتوقــع نســب الإجرام والأماكن التــي يمكــن أن تكــون بــؤرا إجراميــة مستقبلا وذلــك مــن خلال خوارزميـات برمجيـة يتـم تزويدهـا ببيانـات وتعطـي نتائـج تسـاعد فـي الوقايـة مـن حـدوث جرائـم متوقعـة ، وسـاهم اسـتخدام المجرميـن وعصابـات الجريمـة المنظمـة للتقنيـات الحديثـة فـي ارتـكاب جرائمهـم فـي تسـريع جهـود الاستعانة بهـذه القـدرات التنبؤيـة التــي تعتمــد الــذكاء الاصطناعي ، مــن ذلــك مثر تحديــد العملاء الذيــن يقومــون بشــراء كميــات كبيــرة مــن المــواد الكيميائيــة المسـتخدمة فـي نشـاطات إرهابيـة كصنـع المتفجـرات والقنابـل اليدويـة ، وذلـك مـن خلال مـا يسـمى  بالشـرطة الاستباقية .

–  إجـراءات التفتيـش للحصـول علـى الأدلة: تسـتخدم تقنيـات الـذكاء الاصطناعي فـي إجـراءات التفتيـش فـي سـبيل الحصـول علـى الأدلة الجنائيـة، ومثـال هـذه التقنيـات رادار قيـاس الأرض المسـتخدم للكشـف عـن الأشياء المدفونـة تحـت الأرض مثـل الأسلحة والمخــدرات وجثــت القتلــى بــدون اللجـوء إلـى الحفـر والتنقيــب، وكالـرادار المحمــول لكشـف مــا وراء الجـدران والـذي يكشـف عـن الحركـة والتنفـس مـن مسـافة تصـل لأكثر مـن 50 قـدم مـن خلال موجـات الراديـو، وكذلـك جـهاز نقـار الخـشب الذي يـستخدم  عن بعد  في حالات المراقبة السمعية و التنصت.

–  إعـادة بنـاء مسـرح الجريمـة: إن قـدرة التنبـؤ الكبيـرة التـي تقدمهـا أدوات الـذكاء الاصطناعي تسـاعد فـي إعـادة بنـاء مسـرح الجريمـة، وذلـك مـن خلال نمـوذج شـبكة القـرار للتنبـؤ، وهـو نمـوذج يمثـل مجموعـة مـن المتغيـرات عبـر رسـم بيانـي يتنبـأ بالاحتمالات ويسـاعد فـي تحديـد شـخص الجانـي مـن خلال اسـتخدام خوارزميـات معينـة تكشـف غمـوض أي واقعة و تدرس حالة المتهم الصحية و التي تبين مدى قدرته على ارتكاب الجريمة من عدمه.

وعلــى الرغــم مــن الــدور المهــم الــذي تقدمــه تقنيــات الــذكاء الاصطناعي فــي المجــال الجنائــي إلا أن الاستعانة بتلــك التقنيــات ليســت علــى مســتوى واحــد بيــن الــدول وذلــك بســبب التفــاوت فــي التطــور التقنــي والقــدرات الاقتصادية للدول.

-الاستماع إلى ضحايا الجرائم وبعض الأشخاص المدانين: يرى علماء النفس أن الإنسان قد يكون صادقا وأكثر حرية عندما يتحدث إلى آلة، لأن الآلات لن تحكم عليه، لكن بالطبع لن يحل الذكاء الاصطناعي محل وسائل جمع المعلومات، فأحيانا تكون المناقشات أكثر فاعلية. ومع ذلك يساعد الذكاء الصناعي في ذلك خلال عمليات الاستجواب والمناقشات بتقصّي ردود فعل الشهود والمجرمين في كل مرة يتحدثون فيها، ومقارنة ذلك دائما للوصول إلى أفضل نتيجة. كما يمكن الاستماع عن طريق الذكاء الاصطناعي إلى الضحايا والنساء المُعنفات وإرشادهم وتوجيه النصح لهم، وما إن كان ذلك يستلزم توجيههم لأقرب مركز أمني، أو محكمة أو مستشفى

3-إعداد البحوث الاجتماعية:

يمكن للذكاء الاصطناعي إنجاز البحوث الاجتماعية وتوجيه أسئلة دقيقة للشخص المستهدف، وتكوين استنتاجات دقيقة حول وضعيته وقدراته الاجتماعية، وهذه البحوث مهمة جدا، خاصة في زواج القاصر وجنوح الأحداث، وتوفر للقاضي رؤية شمولية حول الشخص ووضعه الاجتماعي وتساعده على اتخاذ القرار الصحيح، وتوفر الوقت والجهد وتساهم في تكوين قاعدة بيانات مهمة للبحث القضائي والعلمي. 

4- التحرير في المحاكم:

يعتبر دور الكتاب القضائيين في القاعات القضائية حاسمًا. إذ يقومون بإنشاء سجل رسمي لجميع الكلمات المنطوقة خلال الجلسات والمحاكمات، مما يحافظ على السجلات القضائية الهامة للأجيال القادمة.

ومع ذلك، مع التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، نرى الإمكانات لتقديم أدوات لتولى هذا الدور. فيمكن لخدمات التحرير بالذكاء الاصطناعي أن تستمع إلى الكلمات المنطوقة وتترجمها إلى نص في الوقت الحقيقي، مما يخلق سجلات قضائية قوية. كما يمكن تطبيق خدمات التحرير بالذكاء الاصطناعي على الشهادات المسجلة وأنواع أخرى من الأدلة الصوتية والمرئية، مما يجعل من السهل إنشاء مجموعة قوية من السجلات القابلة للبحث بغض النظر عن تنسيق المواد الأصلي.

5- مساعد افتراضي للقضاة والمدعين والمحامين: 

ففي امريكا والدول المتقدمة ادت اتمتة القوانين والقضايا والقرارات الى جعلها كنزا للمعلومات يلجا اليه القضاة عند عرض واقعة معينة امامه بسبب الية البرامج المعتمدة في تغذية الذكاء الصناعي للربوتات التي امتلكت القدرة الهائلة على الجمع بين الظروف المتشابهة في القضايا المتماثلة والخروج بنتائج تعرض على القضاة الذين يعتمدون هذا النظام ففي احدى التجارب التي اجرية في الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت هذه الربوتات خلال فترة قصيرة من الخروج بنتائج معينة من خلال المطابقة بين 750000الف قضية حسمها القضاء واصدر فيها قراراته وهذه النتائج استشارية وليست الزامية وهي تمكن القاضي من اجراء التحليل الدقيق لظروف الواقعة المعروضة امامه وادلتها وصولا الى اصدار حكم عادل فيها .

6-  الترجمة في المحاكم:

يمكن أن تشكل حواجز اللغة عقبات كبيرة في إجراءات المحكمة، فالكثير من الأفراد يتعذر عليهم الوصول إلى خدمات المحكمة لأنهم لا يستطيعون فهم اللغة الافتراضية للمحكمة أو التواصل بفعالية بها.

و يسهل الذكاء الاصطناعي الترجمة. و يعد روبوت دردشة تشات جي بي تي من أشهر التقنيات الحديثة المستخدمة في عصرنا الحالي.  كما أنه يعد واحدًا من تقنيات الترجمة الحديثة بجانب برامج ترجمة جوجل وميمو كيو وغيرها  من البرامج المستخدمة في مجال الترجمة. 

7 – توجيه القضاة:

يجد الذكاء الاصطناعي أيضًا طريقه إلى مكاتب القضاة، حيث يستخدم القضاة في الهند وكولومبيا ChatGPT لمساعدتهم في تبرير استنتاجاتهم والرد على الأسئلة القانونية، على التوالي. 

وتساعد أدوات مثل CARA التابعة لـ Casetext القضاة في تقييم البراهين، وإجراء البحوث القانونية، والمساعدة في صياغة الأحكام. يمكنها مراجعة كميات كبيرة من البيانات القانونية وتحديد المعلومات ذات الصلة، مما يجعل عملية اتخاذ القرار أكثر كفاءة.

ومع ذلك، يمتد الاستخدام الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من المساعدة المجردة. فأدوات التعلم الآلي يتم استخدامها لتقديم توصيات لتحديدات الكفالة والسراح الشرطي.

8 – تقييم المساجين بالمؤسسة العقابية: 

تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي القيام بمهام تقييم المساجين في المؤسسات العقابية ودراسة حالتهم من خلال التقارير التي يتم إدخالها إلى تلك الأنظمة وتقوم هذه الأنظمة بتحليلها والوصول إلى نتيجة تتمتع بالحيادية والشفافية بخصوص الإفراج الشرطي عن المتهم أو إكمال العقوبة.

9- الكفاءة وتوفير الوقت:

ان استخدام الذكاء الصناعي يسرع من اجرأت التقاضي ويختزل الجهد والوقت والنفقات المطلوبة لحسم الدعوى وهذا بدوره ينعكس إيجابا على عملية الترافع امام المحاكم ويسهم في ضمان استقرار القضاء ,

من خلال أتمته هذه العمليات، تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي أداء المهام التي تستغرق عادة ساعات عمل بشرية أو حتى أياما لإكمالها في جزء صغير من الوقت. 

هذا لا يؤدي فقط إلى توفير الوقت ولكن أيضا يمكن أن يحسن دقة المخرجات. 

يمكن للأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة وتحديد المعلومات ذات الصلة وتقديم رؤى وتوصيات. يمكن أن يساعد ذلك المحامين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتقديم مشورة أكثر دقة لعملائهم.

10-الدقة:

تم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتقديم رؤى دون التحيزات والخطأ البشري الذي يمكن أن يحدث مع العمليات اليدوية. ويمكن أن يقلل ذلك من احتمالية حدوث أخطاء، ويحسن جودة البيانات، ويؤدي إلى مخرجات أكثر دقة.

من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتحديد الأنماط، يمكن للمحامين اتخاذ قرارات أكثر استنارة ودقة.

بالإضافة إلى ذلك، من خلال دمج الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إعداد المستندات القانونية، يمكن تقليل فرصة حدوث أخطاء في لغة العقد. 

يمكن للأنظمة الذكاء الاصطناعي تحديد التناقضات داخل المستندات القانونية، مما يقلل من احتمالية حدوث أخطاء قد تؤدي إلى نزاعات قانونية.

تحوّل أدوات الذكاء الاصطناعي الطريقة التي تدار بها مهام العمل القانوني وخاصةً تلك التي تستهلك الوقت مختصرةً إياه بنسبةٍ تصل إلى 50%  مما يتيح لك تكريس وقتك للمهام الأكثر تعقيدًا واستراتيجيةً.

11- تقليل التكاليف:

ما يقوم به الذكاء الاصطناعي في القانون من أتمتةٍ للمهام المتكررة من بحثٍ ومراجعة مستندات وأعمالٍ إدارية ٍيوفر تكاليف كبيرةً على شركات المحاماة، وهذا ينعكس أيضاً على تقليل التكلفة بالنسبة للعملاء.

12- زيادة الإنتاجية:

يعيد المتخصصون القانونيون تعريف الكفاءة عبر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام الروتينية مما يقلل الأخطاء البشرية ويسرّع العمليات. وهذا النهج يتيح التركيز أكثر على الاعمال الأساسية .

13- إدارة الوثائق والأتمتة:

يُحدث برنامج إدارة المستندات الذكي نقلةً نوعيةً في كيفية تخزين وتنظيم الوثائق القانونية مثل العقود وملفات القضايا، معززًا يذلك وظائف التصنيف الآلي والبحث الدقيق لتسهيل الوصول إلى المستندات. حيث يُدمج هذا النظام مع برامج مثل Microsoft Office مما يوفر طريقةً موحدةً لإدارة الوثائق القانونية.

14- استخدام الذكاء الاصطناعي للعناية الواجبة:

العناية الواجبة هي عملية قانونية مهمة حيث يقوم المحامون بفحص العقود والمستندات والمواد الأخرى بعناية للتحقق من صحتها والعثور على المخاطر المحتملة والتأكد من أن كل شيء يتبع القواعد. و هو أمر بالغ الأهمية للصفقات التجارية وعمليات الاندماج والمسائل القانونية لتجنب المشاكل واتخاذ قرارات ذكية.

لقد أعادت تقنية الذكاء الاصطناعي تعريف هذه العملية من خلال أتمتة عمليات فحص المستندات وتحليل كميات كبيرة من الأوراق بسرعة للعثور على التفاصيل المهمة والمشكلات المحتملة. وهي تساعد المحامين على مقارنة العقود بسهولة، والتنبؤ بالمخاطر من البيانات السابقة، والتحقق من الامتثال للقوانين الحالية، وإنشاء تقارير مفصلة تلخص النتائج. يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى جعل العناية الواجبة أسرع وأكثر دقة، مما يعود بالنفع على العملاء والشركات على حد سواء.

15- مراقبة قاعات المحاكم بمساعدة الذكاء الاصطناعي:

يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لأكثر من مجرد التحضير لجلسة استماع في المحكمة.  ويمكن مراقبة قاعات المحاكم استخدام الرؤية الحاسوبية. 

وباستخدام الكاميرات وأجهزة الاستشعار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، يمكن لأنظمة الرؤية الحاسوبية أن تلتقط وتحلل تلقائيًا تفاعلات قاعة المحكمة مثل الشهادات المنطوقة وبيانات القاضي ومرافعات المحامين. 

16 تقنية المعلومات في الادعاءات المقدمة من الخصوم:

تساعد تقنية الذكاء الاصطناعي ت علي تنظيم جميع المعلومات التي يتم استخراجها من ملفات الدعاوي والمستندات المقدمة من اطراف الدعوي المؤيدة لدعواهم، مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يقوم استخدام Discovery علي اجراء تحقيق آلي للمعلومات التي قد تم ويقوم علي تنظيمها واعدادها قبل بدء اجراءات التحقيق بواسطة المحكمة ادخالها الكترونيا وتساعد هذه التقنية علي استخراج المسائل الاجرائية ذات الصلة بموضوع النزاع المعروض علي المحكمة من خلال اليه البحث والتشفير التي يستخدمها اطراف الدعوي.  وهذه طريقة تعد اكثر دقة و سرعة من البحث اليدوي عن الملفات.

17- المساعدة علي تقديم المشورة القانونية لأفراد المجتمع: 

يساعد الذكاء الاصطناعي علي تقديم المشورة القانونية في عرض التوقع لمصير الحكم في القضايا الخاصة الافراد المجتمع بصفة عامة وخصوم الدعاوي القضائية بصفة خاصة قبل صدور الحكم في دعواهم حتي يستطيعون الوصول الي حل سليم لنزاعهم، لانهم لا يعرفون ما قد تصدره المحكمة من قرارات اذا تم عرض النزاع عليها ، وبالتالي فهذه التقنية التي تسمي بالوظيفة الاستشارية  لتقنية الذكاء الاصطناعي تساعد علي حل الكثير من مشاكل افراد المجتمع وبالتالي تجنبهم الوقوع في المنازعات المستقبلية كلما كان ذلك ممكنا  حدوثه

تقدم روبوتات المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مساعدة قانونية سهلة المنال للجمهور. فمنصات مثل   DoNotPay تُسهم في تعميم وتسهيل الوصول إلى المعلومات القانونية، حيث توجه المستخدمين خلال الإجراءات القانونية المعقدة، كما تقوم بصياغة بعض المستندات القانونية البسيطة. وعلى الرغم من أنها لا تُغني عن استشارة المحامي المختص، إلا أن روبوتات المحادثة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تُعد مورداً قيماً للأفراد الذين يسعون للحصول على مساعدة قانونية أساسية

و كذلك منصة للذكاء الاصطناعي  Juri Flow AI ، و هي مصممة لمساعدة المحامين وطلاب القانون والأفراد الذين يبحثون عن المساعدة القانونية. تقدم ميزات مثل تحليل الوثائق، واجهة المحادثة والمشورة القانونية الشخصية.  كما تتيح هذه الأداة للمستخدمين تنزيل مستنداتهم القانونية بسهولة والحصول على المشورة من المحامين الذين يعملون بالذكاء الاصطناعي.

18- مراجعة العقود وادارتها وتحليلها:

يقود الذكاء الاصطناعي الى إنشاء وإدارة العقود، إذ تتيح المنصات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على إنشاء تلقائياً لمسودات عقود مصممة خصيصًا بناءً على قوالب محددة مسبقًا ومدخلات محددة من المستخدم. وهذا لا يسرع عملية صياغة العقود فحسب، بل يقلل أيضًا من الأخطاء والتناقضات. 

علاوة على ذلك، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي مراقبة وإدارة العقود طوال دورة حياتها، وإرسال تنبيهات بشأن تواريخ التجديد، ومتطلبات الامتثال، والانتهاكات المحتملة. 

وهذا النهج الاستباقي لإدارة العقود يساعد المؤسسات على تخفيف المخاطر والحفاظ على الالتزامات التعاقدية بكفاءة.

تجدر الإشارة إلى أنّ دور الإنسان في عمليات مراجعة العقود لا يمكن الاستغناء عنه بصورة نهائية، إذ يبقى مساهمًا في ذلك من خلال الفحص الإشرافي على النواتج، وتقديم الأحكام النهائية، وقد يكون الاعتماد الكلّي على الذكاء الاصطناعي ممكنًا في المستقبل، إلا أنّه حاليًا لا يعدّ أمرًا موثوقًا.

 و من اهم أدوات الذكاء الاصطناعي الأساسية  للأطر القانونية:  

  • Motionize:

Motionize هي أداة تساعد في كتابة العقود مدعومة بالذكاء الاصطناعي المدمجة مع Microsoft Word.  توفر ميزات مثل الكتابة التلقائية واكتشاف الأخطاء وفرز البيانات الوصفية والتحميل المجمع والوصول إلى محتوى المؤسسة والدعم المخصص.  تهدف Motionize إلى زيادة سرعة ودقة كتابة العقود، مع ضمان أمن البيانات المقدمة.

  • LawGeex:

LawGeex هي عبارة عن منصة لمراجعة العقود قائمة على الذكاء الاصطناعي مصممة لمساعدة المهنيين القانونيين والشركات على تبسيط عملية مراجعة العقود الخاصة بهم. تقوم المنصة بأتمتة استعراض أنواع مختلفة من العقود، وتحديد المشاكل المحتملة وضمان الامتثال للمبادئ التوجيهية الداخلية والخارجية.  من خلال الاستفادة من خوارزميات التعلم الآلي، يمكن لـ LawGeex تحليل العقود بسرعة، ومقارنتها بمعايير محددة مسبقا، وتقديم رؤى وتوصيات قابلة للتنفيذ.

19-  تحليل التشريعات وتوصيات التعديلات:

تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحليل التشريعات وفهم محتواها ومدى تأثيرها على المجتمع وتقديم توصيات لتعديلها.  كما يمكن استخدامها للبحث عن السياسات والأنظمة القانونية الجديدة التي يمكن تطبيقها.

20- تطوير قوانين أكثر فعالية وعدالة:

تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير قوانين أكثر فعالية وعدالة، بما في ذلك الأطر الزمنية وتحديد الجزاءات والمخالفات. 

يستند التقدم في هذا المجال على استخدام التنبؤات الذكية وإدخال بيانات معيارية سابقة من قصص وحالات تم تحليلها مسبقًا، وتدقيق دقيق بمساعدة تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

21- توقع نتائج الحالات الوشيكة:

 يمكّن الذكاء الاصطناعي من توقّع حالات التقاضي الوشيكة من خلال تطوير نماذج التعلّم الآلي، والدمج بين التكنولوجيا والواقع الحقيقي، كما تنتهج العديد من الشركات والجهات القانونية هذا الأسلوب بهدف تسريع عمليات المفاوضة للتسوية، إضافةً إلى التخفيف من أعداد القضايا المحوّلة إلى المحاكم.

 تعدّ شركة (Blue J Legal) من الأمثلة البارزة على الشركات المتّجهة نحو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء محرّكات متخصّصة في التنبؤ بالحالات الوشيكة، كما تركّز هذه الشركة في عملها على تدعيم الذكاء الاصطناعي في مجال قانون الضرائب.
22- البحث القانوني:

 يُعرف البحث القانوني عمومًا بأنّه العملية التي تهدف إلى تجميع القوانين والآراء المتنوعة ذات الصلة المباشرة بقضيةٍ ما، ولمّا كان هذا الأمر صعبًا ومعقدًا أحيانًا، كان لا بدّ من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في البحث عن القضايا المشابهة للقضية الحالية بسهولة بالغة.

إن البحث القانوني، الذي كان يستغرق وقتاً طويلاً، يشهد حاليا تحولاً جذرياً مع انتشار تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث إن منصة مثل ROSS Intelligence التي تستخدم الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة IBM أظهرت إمكانيات الذكاء الاصطناعي الملحوظة في البحث القانوني، إذ يمكن لـROSS قراءة ملايين الوثائق القانونية، والأحكام القضائية في ثوان معدودة مقارنة بالوقت الهائل الذي يستغرقه الإنسان، مما يوفر للمحامين سوابق وأحكام قضائية ذات صلة، وذلك لا يسرع البحث القانوني فحسب بل يزيد كذلك من عمقه واتساعه، مما قد يؤدي إلى تقديم حجج قانونية أكثر جودة واستنارة وشمولية. كما تساعد منصة  Ordalie AI و هي متخصصة في البحث القانوني حيث تساعد مهنيي القانون من خلال تقديم إجابات دقيقة على الأسئلة القانونية، وتحليل الوثائق القانونية واقتراح حلول تحريرية، بهدف تحسين كفاءة عمل المحامين وموظفي القانون.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركة الكندية Legal J Blue أنشأت أدوات لمساعدة المحامين والقضاة لمعرفة كيف يمكن للمحاكم حل القضايا الصعبة وزيادة كفاءة البحث القانوني. 

23- اعتماد تقنيات الذكاء ء الاصطناعي في المطالبات المالية صغيرة القيمة: 

يقوم الذكاء الاصطناعي برفع مستوي الخدمات في العدالة القضائية فيقوم بتطبيق الاجراءات في المطالبات المالية صغيرة القيمة والتعاون بين الجهات القائمة علي اقامة العدل والمساواة بين افراد المجتمع لتحليل قرارات المحاكم بهدف معرفة السوابق القضائية لتطبيقها علي القضايا المستقبلية والتي تكون مشابهه في ذات المسائل القانونية.

استخدمت الحكومة الإستونية قاضي الذكاء الاصطناعي للفصل في نزاعات المطالبات الصغيرة مثل مطالبات العقود التي تقل قيمتها عن 8000 يورو.

وفي سنغافورة في بعض القضايا البسيطة مثل النزاعات المالية الصغيرة، يُستخدم “القاضي الرقمي”، وهو نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإصدار قرارات مبدئية بعد تحليل القضية بناءً على المعايير القانونية، وهذا النظام لا يستبدل القضاة في القضايا المعقدة، ولكنه يساهم في تخفيف العبء عن المحاكم. 

المطلب الثاني: نماذج من تجارب الدول في استخدام الذكاء الاصطناعي في مرفق العدالة:

لقد سخرت بعض الدول التقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي للأعمال القانونية. و في هذا الاطار سأتعرض الى بعض النماذج: 

1 – الولايات المتحدة الامريكية: قامت الولايات المتحدة الامريكية بإطلاق المحامي الالي الذي يقوم بتوفير المعلومات القانونية المتنوعة و التحدث مع الناس بطريقة تحاكي البشر، و أيضا تم تقديم بعض الخدمات القانونية التي يتم من خلالها الوصول الى المعلومات القانونية و السوابق القضائية معينة و كذلك توفير بعض الخدمات المتعلقة بالتنبؤ بالأحكام التي سيصدرها القضاة و التي تعرف بالعدالة التنبؤية.

2- الصين: وفي ديسمبر 2019 أعلنت جمهورية الصين الشعبية أن ملايين القضايا القانونية يتم البت فيها الآن من قبل “محاكم الإنترنت” التي لا تتطلب من المواطنين المثول أمام المحكمة وتضم “المحكمة الذكية” قضاة غير بشريين، مدعومين بالذكاء الاصطناعي . وتسمح للخصوم بتسجيل قضاياهم عبر الإنترنت وحل أمورهم من خلال جلسة استماع رقمية للمحكمة، وتنظر هذه المحاكم في مجموعة متنوعة من النزاعات، والتي تشمل الملكية الفكرية والتجارة الإلكترونية والنزاعات المالية وقضايا الملكية ومسؤولية المنتج الناشئة عن المشتريات عبر الإنترنت وبعض النزاعات الإدارية، ففي بكين، يبلغ متوسط مدة القضية 30 يوما.

 يذكر أنه تم تشغيل أول روبوت ذكاء اصطناعي في العاصمة الصينية للخدمات القانونية في محكمة بكين، يسمى زايوفا Xiaofa ، و يقدم  المشورة والتوجيه القانوني بصوت طفل، فيقوم بشرح المصطلحات القانونية المعقدة لمساعدة الجمهور على فهم التعريفات القانونية بشكل أفضل، ويعود استخدام صوت الطفل لتخفيف المشاعر المتوترة للمتقاضين الذين يأتون إلى المحاكم للحصول على المساعدة. 

ويمكن للروبوت تحريك رأسه والتلويح بأيديه مع ظهور التعليمات على الشاشة، ويمكنه توجيه الناس إلى نافذة الخدمة الدقيقة لخدمات التقاضي، ويمكن للروبوت الإجابة عن أكثر من 40000 سؤال قانوني أو متعلق بالإجراءات القضائية بشكل عام، وقبل أن يتم إدخال هذا الروبوت في المحاكم الصينية تم اختباره من قبل عدد من المهنيين القانونيين.

وقامت مدينة بكين بتقديم مركز خدمة التقاضي عبر الإنترنت والذي يضم قاضيًا بالذكاء الاصطناعي من أجل أنواع معينة من الدعاوى القضائية. القاضية، والتي تُدعى شينخوا “Xinhua”، هي أنثى اصطناعية لها جسد، وتعبيرات وجه، وصوت، وأفعال تستند إلى قاضية بشرية تعيش في الدائرة. 

3- الهند: استخدمت المحكمة العليا في الهند تقنيات الذكاء الاصطناعي لتدوين إجراءاتها في الوقت الفعلي من خلال تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (TERES)، وتم ذلك من خلال ترجمة حجج ومرافعات المحكمة وتدوينها خلال انعقاد جلسة الاستماع الدستورية بشأن الجدل السياسي في ولاية ماهاراشترا.  كما أطلقت الهند منصة عبر الإنترنت لتساهم في الأبحاث والتنقيب عن البيانات القانونية، 

4- استونيا: في عام 2019، بدأت إستونيا باستخدام تطبيقات الروبوتات المعززة بالذكاء الاصطناعي في المحاكم، وخاصة في مجال فحص وتحليل الوثائق القانونية ومعالجة القضايا التي تقل قيمتها المادية عن 8 آلاف يورو. ويفصل القضاة الآليون في الدعاوى الصغيرة، حيث ساعد تطبيق DoNotPay، الذي أنشأه رجل أعمال بريطاني أمريكي 160 ألف شخص على الطعن في غرامات وقوف السيارات بنجاح.

5- ماليزيا:  بدأت ماليزيا عام 2022 استخدام التطبيقات التجريبية لنظام التقاضي باستخدام الذكاء الاصطناعي في محاكم بعض الولايات. ففي مخطّطٍ تجريبي في ولايتيّ صباح وساراواك بجزيرة بورنيو، تُقدَّم المشورة للقضاة من خلال برنامج مدعوم بالذكاء الاصطناعي أنشأته شركة Sarawak Information Systems.

6- بريطانيا: أعلنت المحكمة العليا البريطانية في جويلية 2023، عن السماح للقضاة باستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة الآراء لإصدار الأحكام، وذلك في إطار مبادرة أطلقتها الحكومة البريطانية لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، ولكن، أكدت المحكمة أن القضاة لن يتمكنوا من الاستعانة بخدمات البحث والتحليل القانوني التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، لأنها “موضع شك في دقتها وتحيزها”.

7- فرنسا:  تم انشاء ما يسمى ب Datajust و هي خزارزمية لوضع أسس استرشادية للتعويض عن الإصابات الشخصية و أتاح هذا النظام للقضاة و المحامين وشركات التامين و المتضررين حساب و تقديم مبلغ التعويض الذي يستحقه المتضرر.     

8- الامارات العربية المتحدة: أعلنت دولة الإمارات عن مشروع “المحامي الافتراضي” المدعم بالذكاء الاصطناعي، الذي يساعد المؤسسات القانونية في تطوير المرافعات القانونية في القضايا البسيطة، ويسهم في تعزيز جاهزية قطاع العدل لفرص ومتغيرات المستقبل، وأثرها على قطاع العدل والمهن القانونية وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي لإيجاد نماذج حكومية جديدة لتسريع الخدمات وتحسين تجربة المتعامل في بيئة رقمية وتفاعلية للتقاضي.

ويعد المحامي الافتراضي، المشروع الأول من نوعه في دولة الإمارات والمنطقة، ويهدف الى تحقيق قيمة إضافية تتمثل في تسريع وقت التقاضي وتطوير خدماته وريادته عالميا، وتسهيل رحلة المتقاضي.

ويستعمل المحامي الافتراضي “قاعدة بيانات النصوص التشريعية الوطنية الموحدة” التي انشاتها وزارة العدل.

واعلنت النيابة العامة الاتحادية في الامارات العربية المتحدة في عام 2024 عن تطوير منظومة عمل رقمية مبتكرة، قائمة على الذكاء الاصطناعي، لتعزيز كفاءة إجراءاتها وتسريعها.

وتعتمد المنظومة الرقمية الجديدة على الذكاء الاصطناعي، من حيث تصميمها وتطويرها، بشكل يدعم آليات العمل، ويسهم في رفع كفاءة إجراءات التحقيق، وتعزيز العدالة الجنائية، والدعم القانوني بما يضمن اتخاذ القرارات القضائية بدقة وفعالية، وصولاً إلى تحقيق العدالة الجنائية الناجزة.

وتم تطوير المنظومة العمل الرقمية الجديدة، خصيصا لدعم النظام القانوني الجنائي الإماراتي، مع إمكانية تكييفه للعمل في أنظمة قانونية مختلفة حول العالم، وتتميز قدرتها على إجراء بحوث قانونية دقيقة، من ضمنها تحليل وإعادة ترتيب وقائع القضايا الجنائية، وإبداء الملاحظات على الصور والتسجيلات الصوتية ومقاطع التصوير المرئي وتفريغها، واسترجاع المعلومات والمبادئ القضائية، وربطها بوقائع القضايا والسوابق الجنائية بشكل فوري، وعرض الآراء القانونية والفقهية، مما يسهم في تبسيط العمليات القانونية بشكل شامل.

7- سنغفورة:  تعد تجربة سنغافورة في إدخال الذكاء الاصطناعي (AI) في القضاء واحدة من أبرز النماذج عالميًا على كيفية استخدام التكنولوجيا لتعزيز الكفاءة والعدالة في النظام القضائي، حيث استخدمته في تطوير  أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل القضايا السابقة وتقديم توصيات للقضاة بشأن الأحكام المناسبة، وتعتمد هذه الأنظمة على دراسة السوابق القضائية والقوانين المحلية لتحديد نماذج الحكم بما يضمن الاتساق في الأحكام وتقليل التباينات. 

و أطلقت سنغافورة منصة إلكترونية  ELitigation   تُعزز من سهولة الوصول للعدالة، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الوثائق القانونية، جدولة الجلسات، وحتى تقديم استشارات قانونية مبسطة، وبالإضافة إلى أن المنصة تدعم المستخدمين في تقديم الدعاوى وإدارة الوثائق إلكترونيًا، مما يقلل الوقت والجهد،  توفر الأنظمة الذكية في سنغافورة خدمات استشارية للمواطنين من خلال تحليل مشكلاتهم القانونية وإرشادهم إلى الحلول المناسبة، وتُستخدم هذه التقنية لتوسيع الوصول إلى العدالة، خاصة للأشخاص الذين قد لا يملكون الموارد للاستعانة بمحامين.

وتُستخدم أنظمة الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتوفير ترجمات دقيقة للوثائق القانونية، وهذا يقلل من التحديات المرتبطة بالتواصل ويضمن مشاركة جميع الأطراف. 

وفي بعض القضايا البسيطة مثل النزاعات المالية الصغيرة، يُستخدم “القاضي الرقمي”، وهو نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإصدار قرارات مبدئية بعد تحليل القضية بناءً على المعايير القانونية، وهذا النظام لا يستبدل القضاة في القضايا المعقدة، ولكنه يساهم في تخفيف العبء عن المحاكم.

المبحث الثاني: التحديات التي يطرحها تطبيق الذكاء الاصطناعي في مرفق العدالة:

تُطرح العديد من التساؤلات حول التحديات التي يخلقها تطبيق الذكاء الاصطناعي في مرفق العدالة على مستويات عدة. و تنقسم هذه التحديات الى تحديات اخلاقية (المطلب الأول) و تحديات قانونية           ( المطلب الثاني)

المطلب الأول: التحديات الأخلاقية:

يثير استعمال الذكاء الاصطناعي في مجال القانون مجموعة من التحديات الاخلاقية التي تنبني عليها دولة الحق والقانون ومن بينها نجد: 

1- البيانات الشخصية والخصوصية:

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة على جمع كميات هائلة من البيانات الشخصية وتحليلها، وهو ما يعني جمع بيانات قد تكون حساسة، مثل التاريخ القانوني للشخص، وسجلات السجناء وتفاصيل الحالات القضائية، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن خصوصية البيانات وأمنها، إذ إن هنالك خطر يتعلق بإمكانية الوصول إلى هذه البيانات أو إساءة استخدامها من قبل أطراف غير مصرح لها، أو أن الأفراد قد يتم استهدافهم أو وصمهم أو تصنيفهم بشكل غير عادل بناءً على بياناتهم. وعليه يجب ضمان حماية هذه البيانات بشكل صارم لمنع الوصول غير المصرح به إليها وحماية خصوصية الأفراد. كما يجب وضع تعليمات وأطر واضحة تضمن آليات استخدام هذه البيانات وآليات وضوابط حماية الخصوصية ومصالح الأفراد والجماعات.

ويجب تدريب الذكاء الاصطناعي على الامتثال للقوانين والتشريعات، نتيجة لذلك يجب على كل نظام سياسي أن يضع قوانين وتشريعات تراعي خصوصيته، فتعمل تلك التشريعات على حماية المعطيات الشخصية.

و يجب وضع قوانين صارمة لضمان حماية البيانات الشخصية وتنظيم استخدامها ومشاركتها بطرق آمنة وملائمة.

 

2- التحيز والعدالة:

بشكل عام، التحيز هو سلوكٌ تمييزي أو تحاملٌ موجود في شخص ما، وبما أن الذكاء الاصطناعي من صنع البشر؛ فهو لا يخلو من التحيز. فأثناء البرمجة، قد ينشئ المبرمجون خوارزمية تحمل التحيزات الشخصية الخاصة بهم. قد يفعلون ذلك بوعيٍ أو دون وعي، ولكن في كلتا الحالتين، يمكن ملاحظة مدىً معينٍ من هذا التحيز في الخوارزمية، مما يجعلها غير عادلة.

ويمكن للتحيز أن يجد طريقه إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي بعدة طرق من خلال خوارزمياتها. تتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي من بيانات التدريب، والتي تتعلم من خلالها اتخاذ القرارات. قد تحتوي هذه البيانات على قراراتٍ بشرية متحيزة أو تمثل عدم مساواة تاريخية أو اجتماعية. وهكذا، يمكن أن يدخل التحيز مباشرةً من برمجة الإنسان الذي يصمم النظام، بناءً على تحيزاته الخاصة.

و قد برزت العديد من الحالات حيث عومل الأشخاص معاملةً غير عادلة بسبب الذكاء الاصطناعي، مثل حرمانهم من تعويضات الضمان الاجتماعي بسبب أدوات الذكاء الاصطناعي المعيبة أو القبض عليهم بسبب خلل في أنظمة التعرف على الوجه.

3- الشفافية:

تشكل الغموض في العديد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي تهديدًا للشفافية الأساسية في العمليات القضائية. يمكن للخوارزميات الملكية المستخدمة في إصدار الأحكام أن تخفي الأسباب وراء القرارات، مما يعقِّد القدرة على تحدي النتائج غير العادلة والمحافظة على المساءلة.

المطلب الثاني: التحديات القانونية في الذكاء الاصطناعي:

تتمثل التحديات القانونية التي يطرحها تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة في:

1- المسؤولية: 

تنقسم المسؤولية إلى قسمين مسؤولية مدنية ومسؤولية جنائية، فمن سيتحمل المسؤولية القانونية عن أخطاء الذكاء الاصطناعي؟

الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي قد ينتج عنه مجموعة من الأخطاء نتيجة الاستخدام السلبي له، مما قد يجعل الفرد يطالب بتعويض عن الضرر الذي لحقه من الذكاء الاصطناعي، فهذا الأخير أصبح يتخذ قرارات بعيدة عن إرادة البشر؛ لكن عن أي إرادة يمكن أن يتمتع بها الذكاء الاصطناعي الذي هو مجرد آلة؟

من المهم تحديد من هو المسؤول، سواء المطور، أو المستخدم، أو النظام نفسه. يجب وضع إطار قانوني يوفر توزيعًا منصفًا للمسؤولية وتحديد التعويضات المناسبة في حالة وقوع أضرار.

وفي حالة ارتكاب جريمة باستغلال الذكاء الاصطناعي فإنه يجب على القوانين أن تواجه هذا السلوك غير القانوني ذلك أننا أصبحنا أمام خطر يهدد البشرية.

2- غياب التشريعات:

القوانين المنظمة للذكاء الاصطناعي غير واضحة، فالذكاء الاصطناعي يعمل الآن تحت قوانين مراقبة المحتوى على الإنترنت دون وجود قوانين خاصة بها تراعي خصوصية تقنيات الذكاء الاصطناعي والقدرات الهائلة التي توفرها هذه التقنيات.

و قد قامت دول مثل نيوزيلندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا، وكندا بمحاولات فردية لوضع معايير إرشادية تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمتها القضائية. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة في وجود معايير دولية موحدة تكفل الاستخدام المسؤول لهذه التقنية، مما يعكس الحاجة إلى تعاون دولي لمعالجة هذه القضية.

و في الولايات المتحدة الامريكية وفي ظل غياب التشريعات الفيدرالية، تولت بعض الولايات الأميركية زمام الأمور بنفسها. ففي 2024، وافق المشرعون في ولاية كاليفورنيا على مشروع قانون يهدف إلى تعزيز سلامة الذكاء الاصطناعي، حيث يحمل الشركات المسؤولية إذا تم استخدام أدواتها لإحداث “أضرار جسيمة”، مثل إطلاق سلاح بيولوجي

ولقد أدركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، أهمية وضع إرشادات دولية لضبط استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية. ومن هذا المنطلق، دشنت مشروعًا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية. وفي إطار هذا المشروع، أجرت اليونسكو دراسة استقصائية في عام 2023 كشفت أن 93% من الكوادر القضائية التي شملتها الدراسة تستخدم الذكاء الاصطناعي في أنشطتها المهنية. كما أظهرت الدراسة أن 9% فقط من الجهات القضائية التي تعتمد على هذه الأدوات قد أصدرت مبادئ توجيهية لتنظيم استخدامها، مما يبرز الحاجة الملحة إلى تطوير إطار عالمي موحد يضمن الاستخدام المسؤول لهذه التقنية.

وبناء على تلك المعطيات، دشنت اليونسكو مشروعًا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة توازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية. وقد تضمنت مسودة المبادئ ثلاثة عشر مبدأً، ركزت على حماية حقوق الإنسان وضمان العدالة الإجرائية والمساواة من خلال توفير وصول متكافئ للتكنولوجيا لجميع الأطراف. كما أكدت على حماية البيانات الشخصية، وضمان الخصوصية، وتجنب التحيز، حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات المُدخلة، والتي إن كانت متحيزة ستؤدي إلى نتائج غير عادلة. كذلك، فقد شددت المسودة أيضًا على الالتزام بالقيم القضائية الأساسية كالحياد والاستقلالية، مع توفير التدريب المستمر للكوادر القضائية لتطوير مهاراتهم الرقمية. كما أوصت المسودة بضرورة وجود إشراف بشري مستمر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لضمان دقة المخرجات وتجنب الاعتماد المفرط عليها، حيث وردت تقارير في بعض الدول عن حالات اعتمد فيها قضاة ومحامون على معلومات غير دقيقة صادرة عن أدوات الذكاء الاصطناعي، مما أسفر عن إصدار قرارات قضائية أو إعداد مذكرات قانونية استندت إلى أحكام غير صحيحة أو غير موجودة.

ومن المتوقع أن تعتمد اليونسكو المسودة بعد مراجعة كافة الملاحظات وأخذها بعين الاعتبار، تمهيدًا لإصدار المبادئ بصيغتها النهائية.

وفي أوائل عام 2024، قام البرلمان الأوروبي بالموافقة بإجماع الأعضاء على قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي. وينصب التركيز الأساسي لقانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي على تعزيز الامتثال التنظيمي في مجالات إدارة المخاطر وحماية البيانات وأنظمة إدارة الجودة والشفافية والرقابة البشرية والدقة والمتانة والأمن الإلكتروني. ويهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في كيفية تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي ونشرها، مما يساعد على ضمان أن تكون منتجات الذكاء الاصطناعي المطروحة في السوق آمنة للاستخدام من قبل الأفراد.

ويهدف قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي إلى مواجهة التحدي المتمثل في تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول عبر المجالات المختلفة

الخاتمة:

يبدو مستقبل الذكاء الاصطناعي في صناعة القانون مشرقاً وحافلاً بالمفاجآت الواعدة. وعلى الرغم من أن ذلك ليس بديلاً عن العنصر البشري وخبراته، فإن الذكاء الاصطناعي يظل حليفاً قوياً، ويعزز من قدرات المهنة القانونية، ويوسع آفاق كل ما هو ممكن في الممارسة القانونية على مستوى العالم. ولكن ينبغي الأخذ بعين الاعتبار المسائل الأخلاقية والخصوصية والأمان.
اولا: النتائج 

– الذكاء الاصطناعي تقنية تحاكي العقل البشري لأداء مهامه ويحسن من نفسه في نفس الوقت بناء على المعلومات التي يجمعها وهو ينصب على التفكير العالي المستوي وتحليل البيانات واداء المهام التي تتطلب منه بغض النظر عن الشكل او الوظيفة، وتعاظم دوره مع الايام في الحياة البشرية بكافة اوجه نشاطها وكذلك الحياة القانونية على وجه العموم والقضائية على وجه الخصوص.

– وجود مزايا من استخدام الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة سواء كجهاز معاون له او حتى في التصور المستقبلي بأن يكون بديلا عنه ويحقق ما يسمي ب ” لوجيستيات التقاضي ” من توفير الوقت والجهد والمال واختصار الإجراءات وذلك يحقق العدالة الناجزة.

– ينتج عن الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة مخاطر تتمثل في المساس بحق الانسان في محاكمة عادلة وحق الدفاع ومبدا المواجهة وحق الخصوصية.

ثانيا – التوصيات:

–  وجب تفعیل الذكاء الاصطناعي في الأنظمة القضائية، لأسباب عدو منها انها تعمل على توفیر الوقت والجھد ، وتسھم في إنجاز القضایا وعدم تراكمھا.

– وجب إنشاء إطار قانوني وأخلاقي متكامل للذكاء الاصطناعي في قطاع العدالة من خلال وضع سياسات وقوانين واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع القضائي، مع التركيز على احترام حقوق الإنسان والخصوصية. ويتضمن ذلك إنشاء لجنة متخصصة لمراقبة تطوير واستخدام هذه التقنيات وضمان أنها تتوافق مع المعايير الأخلاقية والقانونية.

– تركيز بنية تحتية تكنولوجية موثوقة لدعم تنفيذ وصيانة الأنظمة الذكية في مجال العدالة.

– عدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مجال القضاء بشكل كامل، بحیث يبقى القرار النهائي بيد القاضي البشري خصوصا في القضايا الشائكة والمعقدة والتي بحاجة إلى موضوعیة أكثر. 

– تسخير الذكاء الاصطناعي في مسألة الأحكام الجنائية ينبغي ألا يشمل جميع الجرائم؛ بل البسيطة منها. ولكن القضايا التي تحتاج إلى جهد إنساني وتحليل كالقضايا الجنائية التي تتطلب عنصري الترافع والإقناع من أجل اطمئنان هيئة المحكمة مثل جريمة قتل مثلاً فلا بد من وجود التقييم الإنساني، ولن تتمكن الآلة من إصدار احلكم بشكل دقيق.

– وضع خطة استراتيجية على مستوى الدولة لاستعمال انظمة الذكاء الاصطناعي في المجالات المتعددة والمختلفة عموما وامام القضاء والتحكيم والوسائل البديلة على وجه الخصوص وتبنى الكترونية الإجراءات والإجراءات الإلكترونية مع ضرورة احترام حقوق الانسان الأساسية واحترام مبادئ العدالة الناجزة.

– انشاء محاكم ونيابة متخصصة في القضايا المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

– الاستثمار في تدريب وتأهيل القضاة والعاملين في القطاع القضائي من خلال توفير برامج تدريبية مكثّفة للقضاة والمحامين والموظفين القضائيين، لتعزيز فهمهم واستخدامهم الفعّال لتقنيات الذكاء الاصطناعي مثل كيفية استخدام الأدوات الذكية لتحليل الأدلة، وفهم البيانات الكبيرة، واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات القضائية.

– العمل على اشراك القطاع الخاص المتخصص في التقنيات في هذا التطوير والتحديث عن طريق عقود شراكة بين القطاعين العام والخاص واشراك الوزارات المعنية في هذا الصدد.

–  الاستفادة من الدراسات والتجارب الأخرى لبعض الدول التي تبنت الكترونية الاجراءات والإجراءات الإلكترونية ومنها استخدام انظمة الذكاء الاصطناعي في القضاء او التحكيم بما لا يخل بالهوية الوطنية.

– يجب على المشرع تحديد ضوابط صارمة لاستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة القضائية حتى لا تكون هذه التقنية اداه للإخلال بحق من حقوق افراد المجتمع في الحفاظ على الخصوصية وعدم المساس بسرية البيانات والمعلومات التي يدلي بها، فضلا عن التأكيد على قاعدة العدالة والمساواة بين افراد المجتمع.

– تعزيز التعاون الدولي لتبادل الخبرات والمعرفة في استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة، من خلال شراكات دولية مع مؤسسات قضائية أخرى ومنظمات دولية ومراكز أبحاث لمشاركة المعرفة والخبرات.

المراجع:

1- بالعربية:

–  اروي بنت عبد الرحمن بن عثمان، احكام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القضاء، الجمعية العلمية القضائية السعودية، الدراسات القضائية، مركز قضاء للبحوث والدراسات، طبعة 1، 2020.

–  ايناس خلف الخالدي، حوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل القضائي، قراءة قانونية في الميثاق الاخلاقي الأوروبي بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في النظم القضائية وبيئتها، مجلة البحوث والدراسات الشرعية، العدد ،2019.

– إبراهيــم، علــي، تطبيقــات الــذكاء الاصطناعي فــي مواجهــة الجرائــم الإلكترونية، المجلــة القانونيــة، مجلــد،9 عــدد ،2021.

– اسامة عبد الرحمن، الذكاء الاصطناعي ومخاطره، دار الكتب المصرية, 2019.

–  إبراهيــم، محمــد فتحــي، التنظيــم التشــريعي لتطبيقــات الــذكاء الاصطناعي، مجلــة البحــوث القانونيــة والاقتصادية، عــدد،81، ســبتمبر 2023.

 – أبــو منصــور، حســين، الــذكاء الاصطناعي وأبعــاده الأمنية، ورقــة تحليــل سياســات أمنيــة، جامعـة نايـف للعلـوم الأمنية، مجلـد 1، عـدد،1، 2020.

– إياد مطشر صهيود، استشراف الأثر القانوني لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (الروبوت الذكي) ما بعد الانسانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2021.

– خالد ممدوح إبراهيم، التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 2022.

– خالد حسن احمد، الذكاء الاصطناعي وحمايته من الناحية المدنية والجنائية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2021.

– فاطمه عبد العزيز حسن احمد بلال، دور الذكاء الاصطناعي فى تعزيز العدالة الناجزة امام القضاء ” دراسة مقارنة مع النظامين القانوني والقضائي في دولة قطر، رسالة ماجستير في القانون الخاص، 2023 . 

– فريدة بن عثمان، الذكاء الاصطناعي – مقارنة قانونية، دفاتر السياسة والقانون، المجموعة 12، الجزء الثاني، 2020.

– كريم علي سالم، الجوانب القانونية للذكاء الاصطناعي، مجلة جيل الابحاث القانونية المعمقة، العدد 54 ، اكتوبر 2022.

– محمد القطب مسعد، دور الملكية الفكرية في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي، دراسة قانونية تحليلية مقارنة، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، جامعة المنصورة، العدد 75، مارس 2021 .

– محمد بومديان، الذكاء الاصطناعي – تحد جديد للقانون، مسارات في الابحاث والدراسات القانونية، 2019.

– محمد سويف محمود، جرائم الذكاء الاصطناعي، المجرمون الجدد،  دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية، مصر، الطبعة الأولى، 2022.

– محمدي نسيم أحمد، ثورة الذكاء الجديدة كيف يغير الذكاء الاصطناعي عالم اليوم، الطبعة الأولى، أدليس،  بلزمة للنشر والترجمة، باتنة، الجزائر، 2021.

– أحمد خالد حسن، الحق في خصوصية البيانات الشخصية بين الحماية القانونية التحديات التقنية –دراسة مقارنة- دار الكتب والدراسات العربية، طبعة،.2020.

2- باللغة الاجنبية:

–  A.D Reiling, technology for justice, how information technology can support judicial reform ( diss. VU Amsterdam) Leiden university press 2009, 

– Aletras N, Tsarapatsanis D, Preotiuc-Pietro D, Lampos V. 2016. “ predicting judicial decisions of the ECHR: A natural language processing perspective.

– Halder, D., & Jaishankar, K. 2011: Cybercrime and the Victimization of Women: Laws, Rights, and Regulations. Hershey, PA, USA: IGI Global. ISBN 978-1-60960-830-9. 

– UNODC United Nations Office on Drugs and Crime 2013.Comprehensive Study on Cybercrime. United nations. 

– Nasi, M. Oksanen, A. Keipi, T. Rasanen,P. 2015. “Cybercrime Victimization Among Young People: A Multi-Nation Study”. Journal of scandinavian studies in criminology and crime prevention. 

-Akerkar R., Artificial Intelligence for Business. SpringerBriefs in Business. Springer, 5. Cham, 2019.

– Davenport, Thamas & Kalakota, Ravi ,The potential for artificial intelligence in healthcare, Futuer Journal, Vol 6, No 2,2019.

– Ryan, M,Integrating Humans and Machines. The Strategy Bridge Janu – ary,2018.

– Analytic-Steps, 6 Major Branches of Artificial Intelligence AI, Consulté le 10 11, sur https://www.analyticssteps.com/blogs/6-major-branches-artificialintelligence-ai?,2021

–  C. BARBARO, Y. MENECEUR, Issues in the use of artificial intelligence algorithms in judicial systems, 1, 2018.

– C. BARBARO, Y. MENECEUR, issues in the use of artificial intelligence, 2018-2019

– J.N KOK, E.J.W. BOERS, W.A. KOSTERS , P. VAN DER PUTTEN, artificial intelligence,2021.

– KATZ, Daniel Martin et al. A, general approach for predicting the behaviour of the supreme court of the united states, D.L Dalke, Can computer replace lawyers, Mediators and judges?, 2017.

قد يعجبك ايضا