تقرير: الندوة العلمية “العدالة الانتقالية في سوريا: أفقا للتفكير

قديري المكي الخلافة

عضو المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية

مدير موقع المعلومة القانونية

 

في إطار الدبلوماسية الحقوقية، نظم المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية ندوة دولية تفاعلية تحت عنوان: “العدالة الانتقالية في سوريا: آفاق للتفكير”، وذلك يوم الاثنين 10 مارس 2025، على الساعة 21:30 مساءً، عبر تقنية المناظرة المرئية، بمشاركة نخبة من الخبراء والباحثين المتخصصين في العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان.

شارك في الندوة كل من الدكتور محمد النشناش، عضو هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، والأستاذ المصطفى المنوزي، الأمين العام لشبكة أمان المغرب للحماية والوقاية من التعذيب، والأستاذة ابتهال عبد اللطيف، عضوة هيئة الحقيقة والكرامة بتونس ورئيسة لجنة المرأة ونائبة رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بالهيئة، إضافة إلى الأستاذ أنور البني، رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية، والناشطة الحقوقية الأستاذة نوران الغميان. كما شارك الدكتور المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، فيما تولى المحامي الأستاذ أحمد حجازي تسيير وإدارة الجلسة.

هدفت الندوة إلى مناقشة مقاربات العدالة الانتقالية كإطار توجيهي لبناء أسس الدولة بعد الصراع أو عقب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما سعت إلى تسليط الضوء على التحديات المرتبطة بتنفيذ العدالة الانتقالية في سوريا، بما في ذلك تحديد المسؤوليات، توثيق الانتهاكات، وإرساء آليات المحاسبة والمصالحة الوطنية.

ركزت المداخلات على أهمية الاستفادة من التجارب المقارنة، لا سيما التجربة التونسية، حيث قدمت الأستاذة ابتهال عبد اللطيف عرضًا حول مسار العدالة الانتقالية في تونس، مستعرضة الدروس والتحديات الرئيسية التي واجهتها التجربة، مع التأكيد على أهمية الإطار القانوني الواضح، واستقلالية القضاء، والتمييز بين انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الفساد المالي. كما أبرزت الحاجة إلى اتباع نهج يراعي الفوارق بين الجنسين، مع اختيار دقيق لأعضاء اللجان، ووضع جدول زمني محدد لتنفيذ آليات العدالة الانتقالية.

ناقش المشاركون أهمية اعتماد نهج سوري قائم على أسس علمية لمعالجة إرث الانتهاكات، حيث شدد المصطفى المنوزي على ضرورة وضع نظام عدالة انتقالية تنبؤي يهدف إلى منع تكرار الجرائم وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية. كما سلطت نوران الغميان الضوء على الحاجة إلى العدالة والمساءلة عن الجرائم الماضية، مع الاعتراف بالصعوبات التي تواجه تحقيق هذه الأهداف في سياق الصراع السوري.

تناول الدكتور المصطفى بوجعبوط أهمية المشاورات الوطنية في تنفيذ آليات العدالة الانتقالية، مؤكدًا على ضرورة إجراء مشاورات شاملة تشمل الضحايا والمجتمع المدني وكافة الفاعلين المعنيين لضمان نهج عادل ومستدام. كما شدد على ضرورة بناء الثقة بين المؤسسات والمجتمع، مع اختيار أعضاء مستقلين وذوي كفاءة عالية لقيادة عملية تقصي الحقائق.

وفي هذا السياق، سلط بعض المشاركين الضوء على التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، باعتبارها نموذجًا يمكن الاستفادة منه في السياق السوري، حيث قدم الدكتور المصطفى بوجعبوط قراءة تحليلية لمسار العدالة الانتقالية في المغرب، مبرزًا أهم المكتسبات التي تحققت من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة، والتحديات التي واجهت تطبيق توصياتها، وأهمية هذا النموذج في تعزيز المصالحة الوطنية وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان.

تمت مناقشة الإطار القانوني اللازم لدعم عملية العدالة الانتقالية في سوريا، بما في ذلك إمكانية إنشاء محاكم خاصة مستقلة لضمان محاكمات عادلة. كما تم التطرق إلى دور المشاركة الدولية في العملية القضائية، من خلال اعتماد نظام مختلط يجمع بين القضاة السوريين والدوليين. كما تم التأكيد على أهمية تعويض الضحايا، ودور المصالحة في تحقيق العدالة، مع مناقشة تأثير قرارات العفو على مسار العدالة الانتقالية وضرورة ضمان عدم الإفلات من العقاب.

اختتمت الندوة بمناقشة تحديات تطبيق العدالة الانتقالية في مناطق النزاع، لا سيما في السياق السوري، مع مقارنات لحالات مشابهة مثل أفغانستان. كما تم التأكيد على ضرورة التحضير لمرحلة ما بعد النزاع عبر إنشاء مؤسسات فعالة قادرة على تحقيق العدالة، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، وتعزيز دور المجتمع المدني في دعم مسار العدالة الانتقالية.

قد يعجبك ايضا