عدالة وعصرنة التشريع المغربي في فروعي القانون العام والخاص
الدكتور محمد البغدادي
باحث في العلوم القانونية
جامعة عبد المالك السعدي بطنجة
المملكة المغربية
مقدمة:
لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي تلعبه الجهات التشريعية للمملكة في مجال تطوير وتحديث الترسانة القانونية في مختلف ميادين الحياة، حيث يحتل موضوع عدالة وعصرنة التشريع المغربي حيزا كبيرا في حقل فروعي القانون العام والخاص، وذلك في ظل عصر تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات مناخ عولمة اقتصاد المعرفة التي ما فتئت تتواجد في جميع أنحاء العالم، حيث أصبح النظام الدولي الحالي يعرف العديد من المتغيرات الجذرية سواء تعلق الأمر بنظام العلاقات الدولية أو قطاع تكنولوجيا المعلومات أو الاتصالات الذي هو نتاج عولمة اقتصاد المعرفة.
والمقصود بعدالة وعصرنة التشريع المغربي بأنها ملاءمة وتكييف القواعد القانونية لفروع القانون العام والخاص وفق تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات عولمة اقتصاد المعرفة.
ونظرا لأهمية عدالة وعصرنة التشريع المغربي في ضمان الأمن القانوني الذي هو ثبات واستقرار المراكز القانونية المتضمنة في القواعد القانونية في بيئة حافلة بالمتغيرات الدولية والتحولات التكنولوجية والعلمية والتقنية، فإن الإشكالية المركزية تتمثل فيما يلي: هل النظام القانوني المغربي من خلال فروعه القانون العام والخاص يواكب تحولات عصر نظام العلاقات الدولية ومناخ عولمة اقتصاد المعرفة؟
وتحت هاته الإشكالية المحورية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ما هي مجالات عصرنة التشريع المغربي
في فروعي القانون العام والخاص؟ وما هي تحديات عدالة التشريع المغربي وفق تطورات نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة؟
ولمعالجة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد التقسيم التالي:
المبحث الأول: مجالات عصرنة التشريع المغربي في فروعي القانون العام والخاص
المبحث الثاني: تحديات عدالة التشريع المغربي وفق تطورات نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة
المبحث الأول: مجالات عصرنة التشريع المغربي في فروعي القانون العام والخاص
لا شك أن عصرنة التشريع المغربي تقتضي من الدولة القانونية أو الديمقراطية تكييف وملاءمة الأنظمة والقوانين وفق دستور 2011، وذلك بما يتماشى ويتكامل مع مستجدات وتحولات الساحة الدولية والتطورات الميدانية المتسارعة الجارية في النظام الدولي، بما فيها نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة.
وعليه، سوف نتطرق إلى نطاق تطبيق فروع القانون العام الخارجي والداخلي وفق دستور 2011 في المطلب الأول و نطاق تطبيق فروع القانون الخاص وفق دستور 2011 في المطلب الثاني.
المطلب الأول: نطاق تطبيق فروع القانون العام الخارجي والداخلي وفق دستور 2011
من المؤكد أن فروع القانون العام تلعب دورا حيويا ومهما في رسم الأفكار والخطط والنظريات المتعلقة بدمقرطة مؤسسات الدولة والمجتمع، وتكريس الصرح الديمقراطي والحقوقي والتنموي للمملكة، وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات، وذلك تماشيا مع مقتضيات وبنود دستور2011
وتجدر الإشارة إلى أن للقانون العام الخارجي أو الداخلي مواضيع تندرج ضمن القوانين الدولية والدستورية والإدارية والمالية، حيث تستوجب من المشرع المغربي تحديث أنظمتها وقوانينها لأي دولة معينة، وذلك بما ينسجم ويخدم عصر نظام العلاقات الدولية ومناخ اقتصاد المعرفة، وهذا ما اتضح ذلك جليا من خلال دور القانون الدولي في تحقيق السلم والأمن الدوليين في جميع ميادين الحياة من خلال تنفيذ قواعد ميثاق الأمم المتحدة وأجهزتها التقريرية والتنفيذية، كما أن للقانون الدستوري مكانة بارزة في أي بلد ما كونه هو الوثيقة الدستورية للدولة التي تنظم مجموعة من القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة، ويتضمن بيان السلطات الثلاث في الدولة واختصاصاتها والعلاقة بينها، وتحديد الحريات والحقوق الأساسية، وعلاقة المواطنين والمواطنات بالدولة، في حين أن القانون الإداري هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم هياكل الدولة ووحداتها المركزية واللامركزية ومؤسسات القطاع العام والمقاولات العمومية تنظيماً ونشاطاً ورقابة.
ومن جانب آخر، فإن القانون المالي هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة من حيث تحديد الإرادات والنفقات وإعداد الميزانية والرقابة عليها.
المطلب الثاني: نطاق تطبيق فروع القانون الخاص وفق دستور 2011
معلوم أن فروع القانون الخاص تتمثل أساسا في قانون الالتزامات والعقود ومدونات الأسرة والتجارة والقانون الاجتماعي، وكذا القوانين العقارية والجنائية وقانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية والقانون الدولي الخاص، حيث بات واضحا اليوم على أن المشروع المغربي من خلال التزاماته الدستورية والقانونية أن يلاءمها وينسجمها مع تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات عولمة اقتصاد المعرفة.
كما أن قانون الالتزامات والعقود أو القانون المدني هو الشريعة العامة أو المنهج العام لباقي فروع القانون الخاص في حالة عدم وجود النص الخاص، فهو ينظم المعاملات والتصرفات المالية بين التزامات الأطراف التعاقدية.
ومن ناحية أخرى، فإن مدونة الأسرة هي مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم حقوق وواجبات الأسرة، خلافا لمدونة التجارة التي هي مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد علاقات التجار فيما بينهم، في حين أن القانون الاجتماعي هو ينقسم إلى قسمين ، الأول يرتبط بأنظمة الحماية الاجتماعية ، بينما الثاني يتعلق بمدونة الشغل التي هي مجموعة من القواعد القانونية التي تبين ضوابط علاقة المشغلين بالأجراء. كما أن القانون العقاري هو الذي ينظم الإجراءات المقررة على العقارات غير المحفظة أو في طور التحفيظ أو المحفظة، أضف إلى ذلك القانون الجنائي الذي يقضي بتنظيم شرعية التجريم والعقاب، والقوانين الإجرائية التي تنظم سير تحريك الدعاوى سواء في إطار قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية ، والقانون الدولي الخاص هو مجموعة من القواعد القانونية المشوبة بعنصر أجنبي.
تحظى عدالة التشريع المغربي بأهمية كبرى في حقل نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة، وذلك في ظل تواجد علاقة وطيدة بين العدالة التشريعية من جهة، وتحولات وتطورات ومستجدات النظام الدولي من جهة أخرى.
وعليه، سوف نعالج التحديات المجتمعية لتكريس عدالة التشريع المغربي في المطلب الأول و تحديات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لتوطيد عدالة التشريع المغربي في المطلب الثاني.
المطلب الأول: التحديات المجتمعية لتكريس عدالة التشريع المغربي
في خضم أهمية السلوك الديمقراطي في تكريس ثقافة الاحترام والعلم بالقانون، بما في ذلك التحولات الجارية في النظام الدولي وتطورات مناخ اقتصاد المعرفة الذي يحث في أي وقت مضى على ضرورة إيجاد مجتمع المعلومات ليتحول فيما بعد إلى مجتمع المعرفة القائم على عناصر الإنتاج من خلال اكتساب أفراد المجتمع المعرفة والمعلومات، فإن المجتمع المغربي أصبح يعاني من نقص من مقومات السلوك الديمقراطي وهي الوعي والإرادة والثقافة التي هي محركات النهوض لتحولات نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة.
وتجدر الإشارة إلى أن ركائز المفهوم الجديد للسلطة ترتبط أساسا في الحق في الحصول على المعلومة الذي هو مفتاح في معرفة ما يجري ويروج في الساحة الدولية من متغيرات وتحولات وتطورات في مختلف ميادين الحياة من جانب مؤسسات الدولة والمجتمع.
المطلب الثاني: تحديات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لتوطيد عدالة التشريع المغربي
من الواضح جدا أن عدالة التشريع المغربي محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فعالة وناجعة في تكييف وملاءمة الأنظمة والنصوص من ناحية، والقوانين والتشريعات من ناحية ثانية، وذلك وفق تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات مناخ عولمة اقتصاد المعرفة، حيث أن هذه التحولات الجارية في النظام الدولي ينبغي أن تكون موجودة في المناهج الدراسية والجامعية ، وفي مراكز البحث العلمي، كما أن الكفاءات والطاقات المؤهلة في قطاع منظومة التربية والتكوين، يجب أن تساير وتواكب جميع التطورات الدولية والتحولات التكنولوجية والعلمية والتقنية، بما يضمن الرأس المال الفكري والنجاعة المعرفية لجميع أفراد المجتمع.
ومن جهة أخرى، فإن عولمة اقتصاد المعرفة يتطلب من الجهات المسؤولة على قطاع التربية والتكوين أن تضع المعرفة محور أولويتها واهتمامها، وذلك باعتبارها عنصرا أساسيا في إنتاج أي اقتصاد دولة ما.
الخاتمة:
وتأسيسا على ما سبق، يتضح أن عدالة وعصرنة التشريع المغربي في ضوء التحولات الجارية في النظام الدولي وتطورات مناخ اقتصاد المعرفة، تشهد إكراهات كبرى على صعيد تقدم وتنمية الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، الأمر الذي يجب البحث عن الوسائل والآليات الكفيلة في مواجهة العقبات الدولية والمعرفية.
كما أن دور الدولة الديمقراطية أو القانونية يكمن في توفير الأرضية الدستورية والسياسية من ناحية، والإدارية والحقوقية من ناحية أخرى، وذلك امتثالا لمجموعة من التطورات الميدانية المتسارعة في نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة.
لائحة المراجع:
المقالات:
أحمد لعروسي، دور القاضي الدستوري في تحقيق العدالة التشريعية، مجلة الدراسات الحقوقية، العدد9، بدون سنة النشر.
أحمد عبد الحسيبا لسنتريسي، العدالة التشريعية في ضوء فكرة التوقع المشروع، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية بكلية الحقوق، عدد خاص، ديسمبر 2012.
ليث كمال نصراوين، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة وأثرها على الإصلاح القانوني، مجلة ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الرابع، العدد2 ، ماي 2017.
مالكي توفيق، دور الحكم الديمقراطي الصالح في تعزيز التنمية وحماية حقوق الإنسان، مجلة القانون والمجتمع والسلطة، عدد خاص،2012.
محمد صافو، الحكم الرشيد والتنمية، مجلة القانون والمجتمع والسلطة، بدون العدد،2014.
شورش حسن عمر، دور العدالة التشريعية في تحقيق الأمن القانوني، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية، العدد2، سبتمبر2019.