الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا بين الواقع والظاهر
الدكتور محمد البغدادي
باحث في العلوم القانونية
بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة
المملكة المغربية
مقدمة:
يأتي موضوع الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا في ضوء حجم التحديات المطروحة وحدة التحولات الجيوسياسية الراهنة، سواء تعلق الأمر بتداعيات زيارة الرئيس الفرنسي في شخص إيمانويل ماكرون إلى المغرب وجولة الرئيس الجزائري إلى موريتانيا في شخص السيد عبد المجيد تبون أو تبعات الحدود المغربية الموريتانية بشأن نقل المنتجات الفلاحية والغذائية من خلال خط بحري بين أكادير ودكار بدل من نقلها على متن الشاحنات عبر المجال الترابي الموريتاني، نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية، ومستقبل تعزيز التعاون المغربي الموريتاني الإماراتي من خلال الاتفاق بين موريتانيا والمغرب بشأن إزالة المنطقة العازلة وربط مدينة الداخلة جنوب المغرب بمدينة نواذيبو شمال موريتانيا على طول السواحل، وكذا الزيارة الخاصة والعائلية للرئيس الموريتاني في شخص السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب بتاريخ 20 دجنبر 2024، حيث تمثل خطوة مفصلية ونقلة مثالية لتسريع التعاون في مجال الكهرباء والطاقات المتجددة، وتوطيد مشاريع تزويد القرى بالكهرباء، وتعزيز مبادرات الطاقة النظيفة، والعمل على توحيد الأنظمة الكهربائية القياسية بين البلدين.
ويمكن تعريف الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا على أنها تلك مشروع الربط الكهربائي الاستراتيجي بين المغرب وموريتانيا من خلال توقيع مذكرة تفاهم لتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة والتي وقعت بين وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة السيدة ليلى بنعلي ووزير الطاقة والنفطي السيد محمد ولد خالد بتاريخ 23 يناير 2025.
واعتبارا لأهمية ومكانة الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا في تعزيز واستكمال باقي المشاريع الاستراتيجية الطاقية الأخرى وتعزيز الدينامية التنموية والحركية الاستثمارية في مجال الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيمايلي:
كيف يمكن ضمان الأثر المتوقع عن الشراكة الاستراتيجية الطاقية في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية والوطنية؟ وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ما هو واقع الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا؟ وما هو ظاهر الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا؟
ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:
المبحث الأول: واقع الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا
المبحث الثاني: ظاهر الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا
المبحث الأول: واقع الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا
ما من شك في أن الشراكة الاستراتيجية الطاقية لها تحديات كبرى داخل منطقة غرب إفريقيا، وخاصة وأن الحضور المغربي الجيو سياسي الراهن يزعج أعداد وخصوم ملف الوحدة الترابية للمملكة، وذلك في ظل سياق دولي وإقليمي معقد.
وعليه سوف نتطرق إلى أن السقوط السيكولوجي والفشل الذريع من محاولات واستفزازات النظام العسكري الجزائري في المطلب الأول و الزيارة الخاصة والعائلية للرئيس الموريتاني إلى المغرب في المطلب الثاني.
المطلب الأول: السقوط السيكولوجي والفشل الذريع من محاولات واستفزازات النظام العسكري الجزائري
من المؤكد أن الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا، تأتي في إطار الفشل الذريع من محاولات واستفزازات النظام الجزائري، لاسيما وأن الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون زار موريتانيا بتاريخ 9 دجنبر 2024 قبل زيارة الرئيس الموريتاني السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب بتاريخ 20 دجنبر 2024.
وينبغي التذكير إلى أن دولة موريتانيا تحاول ضمان الحياد الإيجابي لملف الوحدة الترابية للمملكة في ظل حدة ملف الوحدة الترابية للمملكة وتغليب منطق رابح رابح وفق منظور الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا.
المطلب الثاني: الزيارة الخاصة والعائلية للرئيس الموريتاني إلى المغرب
لقد بات واضحا بأن الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني للمملكة بتاريخ 20 دجنبر 2024، وإن اتخذت في شكلها طابعا خاصا من خلال زيارته لعيادة زوجته التي تتلقى علاجها في المغرب، ، فقد كانت في عمقها زيارة رسمية ذات أبعاد استراتيجية في العلاقات الخارجية للدولتين.
ويكفي الإشارة إلى أن التخوف من إثارة الحساسية الجزائرية من جانب الرئيس الموريتناني، فمنطق الدولة القائم على تغليب المصلحة قد كان موجها لهذه الزيارة ، حيث سرعان ما تحولت من زيارة ذات طابع خاص للتحول إلى زيارة رسمية بكل أبعادها البروتوكولية والمراسيمية، ففي هذا السياق ، استقبل الملك محمد السادس، عشية يوم الجمعة بالقصر الملكي بالدار البيضاء، محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بما يكتسيه هذا التوقيت من رمزية دينية خاصة الشيء الذي تكرس من خلال مظاهر الاستقبال الرسمي الذي أحيط بوصول الرئيس الموريتاني إلى القصر الملكي. إذ “استعرض محمد ولد الشيخ الغزواني تشكيلة من الحرس الملكي التي أدت التحية، قبل أن يقدم له التمر والحليب جريا على التقاليد المغربية الأصيلة”. علما بأنه قد سبق أن نزل بدار الضيافة بالرباط لدى مقامه بالمملكة. وبالتالي فقد اندرج هذا اللقاء حسب بلاغ للديوان الملكي “في إطار علاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين، وأواصر الأخوة الصادقة بين الشعبين الشقيقين”. حيث ثمن قائدا البلدين خلال هذا اللقاء على أعلى مستوى دبلوماسي التطور الإيجابي الذي تعرفه الشراكة المغربية – الموريتانية في جميع المجالات، وأكدا حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
المبحث الثاني: ظاهر الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا
لقد حظي مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا بأهمية جيو استراتيجية في سياق عالمي مضطرب ومعقد، وذلك في إطار الأهداف المسطرة وبلورة رؤية منطق رابح رابح وتفعيل أجندة إفريقيا 2015-2063.
وتبعا لذلك، سوف نتناول التحديات الجيو سياسية للشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا في المطلب الأول والرهانات التنموية المطروحة على الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا في المطلب الثاني.
المطلب الأول: التحديات الجيو سياسية للشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا
من الواضح جدا أن دولة موريتانيا أمامها جملة من التحديات الجيوسياسية من أجل أجرأة وتنزيل الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا، بما في ذلك ملف الوحدة الترابية للملكة التي عليها أن تحسم في موقفها السيادي والسياسي على اعتبار أن مغربية الصحراء لا يمكن مفاوضتها ومناقشتها تحت طاولة الحوار السياسي مع المغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب على وشك في طي ملف الوحدة الترابية للمملكة في إطار السيادة المغربية وفي صلب مبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها المغرب سنة 2007 والتي تحظى بإجماع واتفاق دولي وأممي على أساس أنه هو الحل الوحيد والأوحد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل من طرف النظام الجزائري وأعداء وخصوم ملف الوحدة الترابية للمملكة.
المطلب الثاني: الرهانات التنموية المطروحة على الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا
وقع المغرب وموريتانيا، الخميس بالرباط بتاريخ 23 يناير 2025، على مذكرة تفاهم لتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة بين البلدين.وتشكل مذكرة التفاهم، التي وقعتها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، ووزير الطاقة والنفط الموريتاني، محمد ولد خالد، نقلة نوعية في مسار نجاح هذه الشراكة. كما يتضمن هذا التعاون تبادل الخبرات والتقنيات وأفضل الممارسات في مجال إدارة الشبكات والسلامة الكهربائية، فضلا عن تعزيز الكفاءات البشرية من خلال برامج تدريبية مشتركة.
وتهدف مذكرة التفاهم هذه أيضا إلى المساهمة في تحقيق أمن الطاقة، وتنويع مصادرها، ودراسة إنجاز مشروع ربط كهربائي يعزز استقرار الشبكات، ويحسن إمدادات الكهرباء. وبهذه المناسبة، أبرزت الوزيرة بنعلي أن توقيع هذه المذكرة شكل “مناسبة لتكريس مرحلة جديدة للتعاون بين الوزارتين، وأيضا بين مؤسسات القطاعين العام والخاص في موريتانيا وفي المغرب، التي تشتغل في قطاعات حيوية تهم أساسا مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والتنمية المستدامة”.وأشارت بنعلي، في تصريح للصحافة، إلى وجود مجموعة من المؤهلات التي يشتغل عليها البلدان والمكتسبات، التي ستمكن من تطوير العديد من المشاريع التي من شأنها تعزيز تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة وتقوية الاندماج الجهوي بين القارتين الأوروبية والإفريقية تكريسا لمكانة إفريقيا في النمو الاقتصادي العالمي.ومن جهته، قال الوزير الموريتاني إن مذكرة التفاهم هذه تجسد الأخوة والعلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين، مؤكدا: “نحن هنا للعمل على الرقي بعلاقاتنا إلى مستوى طموحات قائدي البلدين” الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وسجل ولد خالد، في تصريح مماثل، أن المغرب وموريتانيا يتمتعان بمؤهلات هائلة تسمح لهما بأن يكونا في صدارة الدول في مجال الطاقات المتجددة والكهرباء، مؤكدا أن “المستقبل واعد والفرص كثيرة والرؤية واضحة، وسيتم إنجاز كل ما تم الاتفاق عليه”. وتم كذلك خلال هذا اللقاء التطرق إلى مشاريع استراتيجية كبرى مثل مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا، ومشاريع الطاقات الجديدة كالهيدروجين الأخضر.وقد أكد الطرفان أن العلاقات بين المغرب وموريتانيا تقوم على رؤية مشتركة تركز على التنمية المستدامة وتعكس إرادة البلدين في تعزيز مكانة إفريقيا كقارة تمتلك إمكانات معتبرة للنمو والازدهار.
وتندرج زيارة العمل التي يقوم بها وزير الطاقة والنفط الموريتاني إلى المغرب في إطار دينامية التشاور والتنسيق المستمر بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية وتنميتها بما يحقق طموحات البلدين، وذلك تجسيدا لتوجيهات الملك محمد السادس، ورئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني. وحضر هذا اللقاء عن الجانب المغربي، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والرئيس المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة، والكاتب العام لقطاع الانتقال الطاقي، والكاتب العام لقطاع التنمية المستدامة. وعن الجانب الموريتاني، بالخصوص، المدير العام للكهرباء والطاقات المتجددة، محمد المختار أحمد مولود.
الخاتمة:
واستنادا على ما تم ذكره، فإن على دولة موريتانيا توضيح موقفها السيادي والسياسي بشأن ملف الوحدة الترابية للمملكة من أجل نجاح واستدامة الشراكة الاستراتيجية الطاقية بين المغرب وموريتانيا، الأمر الذي دفع بالرئيس الموريتاني إلى التفكير مليا في علاقته مع المغرب من خلال زيارته الخاصة والعالية التي اتسمت بالطابع الدبلوماسي عندما استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.
لائحة المراجع
البرامج التلفزيوني
- مداخلة أحمد النحوي، الرباط ونواكشوط: تحالف قوي لمواجهة التوترات في منطقة الساحل والصحراء، مشاركة في برنامج قناة المشهد ، يوم 2 يناير 2025.
- مداخلة زعيم حرمة بابنا، الشراكة المغربية الموريتانية الإماراتية: تعاون اقتصادي أم تحالف سياسي؟، مشاركة في برنامج الأخبار عربية، يوم 12 يناير 2025.
- مداخلة محمد المصطفى الشيخ أحمد، ماهي دوافع زيارة الرئيس الموريتاني إلى المغرب، مشاركة في برنامج قناة الساحل، يوم 22 دجنبر 2024.
- مداخلة محمد وحميد، ما هو الأثر المتوقع من مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا؟، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 23 يناير 2025.
- مداخلة محمد سالم ولد الداه، دلالات لقاء العاهل المغربي مع الرئيس الموريتاني، مشاركة في برنامج قناة صحراء 24، يوم 21 دجنبر 2024.
- مداخلة عبد الحميد جماهري، جلالة الملك استقبل الرئيس الموريتاني، مشاركة في برنامج الأخبار الظهيرة لقناة دوزيم، يوم 21 دجنبر 2024.
- مداخلة عبد الصمد ملاوي، مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 24 يناير 2025.
- مداخلة شيخاني ولد الشيخ، مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 24 يناير 2025.