الرئيس الأمريكي الجديد بين انكماش الأمن القومي الأوروبي واحتواء الصراع الروسي الأوكراني

الدكتور محمد البغدادي

 – باحث في العلوم القانونية

بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة – المملكة المغربية

 

مقدمة:

لاريب في أن فوز الرئيس الأمريكي الجديد الخامس والأربعين دونالد ترامب الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتاريخ 5 نونبر 2024 أعاد الصراع الروسي الأوكراني إلى واجهة المحاولات السياسية والمساعي الدبلوماسية لاحتواء هذه الحرب التي عمرت أكثر من اللازم ، حيث إن عودته هذا الأخير إلى البيت الأبيض تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الحرب الروسية-الأوكرانية في ظل العلاقة المميزة التي تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ففي الوقت الذي يراهن البعض على دور ترامب في إيقاف واحتواء الصراع الروسي الأوكراني، تتزايد المخاوف من أن تُغيّر الولايات المتحدة موقفها، مما قد يضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات مؤلمة تتضمن التخلي عن أراضٍ تحت سيطرة القوات الروسية.

ويمكن تعريف الرئيس الأمريكي الجديد على أنه فوز كاسح ومستحق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرة الثانية من الحزب الجمهوري على الرغم من عدة محاولات لاغتياله أمام نظيرها كامالا هاليس من الحزب الديمقراطي.

واعتبارا لأهمية ومكانة اكتساح وفوز الرئيس الأمريكي الجديد في ظل حجم التوترات الجيوسياسية داخل منظمة الاتحاد الأوروبي، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيمايلي: كيف ستؤثر عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية في ظل تخوف الغرب من تراجع الدعم المالي والتقارب الروسي الأمريكي؟

وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: كيف فشلت الاتحاد الأوروبي في ضمان الأمن القومي الأوروبي؟ وكيف يمكن للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب احتواء الصراع الروسي الأوكراني؟

ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:

المبحث الأول: إنكماش الاتحاد الأوروبي في ضمان الأمن القومي الأوروبي

المبحث الثاني: احتواء الصراع الروسي الأوكراني في ضوء تصفية الحسابات الجيوسياسية والحفاظ على المصالح الحيوية والهواجس الاستراتيجية

 

المبحث الأول: إنكماش الاتحاد الأوروبي في ضمان الأمن القومي الأوروبي

معلوم أن نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية غير بشكل كثير تحالفات غربية بشأن عودة هذا الأخير إلى البيت الأبيض، وذلك في ظل توعده مع جلوس في طاولة الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن وقف الغزو الأوكراني من جانب موسكو.

وعليه، سوف نتطرق إلى تخاوفات وقلق لزعماء وقادة الاتحاد الأوروبي بشأن الاجتماع المرتقب بين واشنطن وموسكوفي المطلب الأول وتطبيق قاعدة لا دفاع أمريكي بدون إنفاق أوروبي من جانب منظمة حلف الأطلسي في المطلب الثاني.

المطلب الأول: تخاوفات وقلق لزعماء وقادة الاتحاد الأوروبي بشأن الاجتماع المرتقب بين واشنطن وموسكو

مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، تتجه الأنظار إلى توازن القوى بين أميركا وروسيا والصين، حيث يشهد العالم مرحلة جديدة من الشد والجذب بين هذه القوى الكبرى، و تتجه الولايات المتحدة نحو إعادة رسم تحالفاتها الدولية، علما أن روسيا والصين تترقبان بحذر تطورات السياسية الأمريكية، بينما يقف ترامب أمام فرصة لإعادة تشكيل العلاقات على الساحة الدولية، فإما تصعيد المواجهة أو بناء توازن جديد يغيّر قواعد اللعبة.

المطلب الثاني: تطبيق قاعدة لا دفاع أمريكي بدون إنفاق أوروبي من جانب منظمة حلف الأطلسي والدول الأوروبية

في إطار تطبيق قاعدة لا دفاع أمريكي بدون إنفاق أوروبي من جانب منظمة حلف الأطلسي أو الناتو والدول الأوروبية من خلال فرض الرسوم الجمركية ومنع مواصلة الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، على حسب قول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ، فلقد أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني أولاف شولتز لإجراء مكالمة هاتفية، بتاريخ 15 نونبر 2024 ، حيث إن المتحدث باسم الحكومة الألمانية قال، إن شولتز طالب بوتين خلال الاتصال بسحب القوات الروسية من أوكرانيا، ودعاه إلى “التفاوض مع أوكرانيا لتحقيق السلام العادل والدائم”. والمكالمة أول اتصال بين الزعيمين منذ قرابة عامين، وتأتي بعدما قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا باربوك الشهر الماضي إن بوتين غير مستعد للتحدث مع شولتز بشأن تحقيق السلام في أوكرانيا، وانتقدته لرفضه مقترحات إجراء محادثات بينهما، على الرغم من انتقاد وغضب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاتصال الهاتفي بين المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

المبحث الثاني: احتواء الصراع الروسي الأوكراني في ضوء تصفية الحسابات الجيوسياسية والحفاظ على المصالح الحيوية

إن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول قدر الإمكان الحفاظ على مصالحها الحيوية والاستراتيجية من خلال وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث سيبحث هذا الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إيجاد الحلول السلمية والبدائل الدبلوماسية والسياسية بشأن احتواء وإيقاف الصراع الروسي الأوكراني.

وتبعا لذلك، سوف نتناول احترام مشروع الضمانات الأمنية الروسية في المطلب الأول وتقديم الغرب تنازلات لروسيا لضمان وحفظ الأمن القومي الأوروبي في المطلب الثاني.

المطلب الأول: احترام مشروع الضمانات الأمنية الروسية

من الواضح جدا أن مشروع الضمانات الأمنية الروسية من خلال إعادة الخريطة العالمية من خلال مراجعة النظام الأمني بالنسبة للقارة الأوروبية، وعدم التمدد الكبير لحلف النيتو في شرق دول أوروبا ومدها بالمساعدات والمعدات العسكرية.

وتجدر الإشارة إلى أن الطرح الروسي لمشروع الضمانات الأمنية يتمثل أساسا في اقتراح تطوير معادلة جديدة للأمن، وعدم انسحاب قواتها العسكرية من داخل أراضيها، وتعارض سياسة الأبواب المفتوحة للناتو مع مبدأ عدم تعزيز أمن أي طرف على حساب أمن الآخرين، ووجوب سحب القوات والأسلحة الأمريكية من وسط أوروبا وشرقها ومن دول البلطيق، وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.

المطلب الثاني: تقديم الغرب تنازلات لروسيا لضمان وحفظ الأمن القومي الأوروبي

لقد بات واضحا بأن الغرب في ترقب مستمر لمجريات عودة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من خلال اجتماع قمة أوروبية بالعاصمة المجرية في بودابيست بتاريخ 7 نونبر 2024، حيث أن فرنسا في شخص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تدعو زعماء الناتو لعدم الاعتماد على واشنطن في ضمان أمنهم بشأن عدم توافق أجندة حلف الناتو مع أجندة الولايات المتحدة الأمريكية وغياب تحالفات عسكرية قوية ومتماسكة، كما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توعد بالجلوس والحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن مناقشة وقف العمليات العسكرية الخاصة الروسية في الأراضي الأوكرانية، خاصة دخول كل من الصين وكوريا الشمالية وإيران على خط الأزمة الأوكرانية، وإرسال القوات العسكرية إلى روسيا من جانب دولة كوريا الشمالية.

ويكفي الإشارة إلى أن إعلان عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أدى إلى انهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، قاطرة أوروبا السياسية والاقتصادية. وتدفع عودة ترامب إلى الرئاسة الأوربيين إلى إعادة حساباتهم في تعاطيهم مع العديد من الملفات الشائكة وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا.

 

الخاتمة:

وتأسيسا على ذلك، يتضح أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أربك بشكل لا يدعو مجالا للشك حسابات ومصالح الحيوية والاستراتيجية للأمن القومي الأوروبي من خلال مناقشة زعماء وقادة الاتحاد الأوروبي في اجتماع قمة أوروبية بالعاصمة المجرية في بودابيست بتاريخ 7 نونبر 2024 مجريات الحرب الروسية الأوكرانية وعلاقتها بالنظام الأمني الأوروبي.

وفي ذات السياق، أكد زعماء مجموعة الدول السبع الكبرى بتاريخ 16 نونبر 2024 على تعهدهم بمواصلة فرض تدابير باهظة التكلفة على روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا، من خلال فرض عقوبات وضوابط تصدير وغيرها من التدابير، وتعهدوا بدعم كييف مهما تطلب الأمر.

 

لائحة المراجع:

  البرامج التلفزيونية:

 مداخلة أوليكس هاران، مكالمة بين بوتين وشولتز تغضب رئيس أوكرانيا.. ما الذي حدث؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 16 نونبر 2024.

 مداخلة إيهاب عباس، تصورات ترامب للحرب في أوكرانيا وللعلاقة مع حلف الأطلسي، مشاركة في برنامج قناة الأخبار عربية، يوم 7 نونبر 2024.

 مداخلة جاسم محمد، ماذا جرى بين بوتين وشولتز في أول مكالمة منذ عامين؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 15 نونبر 2024.

 مداخلة حسن القبي، ترامب يعود وأوروبا تترقب… هل يجبر التحالف الغربي على تقديم تنازلات لبوتين؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 8 نونبر 2024.

 مداخلة يفغني سيدروف، فوز ترامب يفتح فصلا جديدا: كيف تتشكل العلاقات بين أميركا وروسيا والصين؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 15 نونبر 2024.

 مداخلة سكوت أولينغر، فوز ترامب يفتح فصلا جديدا: كيف تتشكل العلاقات بين أميركا وروسيا والصين؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 15 نونبر 2024.

 مداخلة علي أوحيدة، تصورات ترامب للحرب في أوكرانيا وللعلاقة مع حلف الأطلسي، مشاركة في برنامج قناة الأخبار عربية، يوم 7 نونبر 2024.

 مداخلة عماد أبو الرب، حرب روسيا وأوكرانيا: نهاية قريبة أم شرارة لحرب عالمية؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 15 نونبر 2024.

 مداخلة رولاند بيجاموف، مكالمة بين بوتين وشولتز تغضب رئيس أوكرانيا.. ما الذي حدث؟، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 16 نونبر 2024.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا