الحضور الوازن للرئيس الصيني في المغرب

الحضور الوازن للرئيس الصيني في المغرب

بين حمولات استقبال ولي العهد وميكانيزمات الجدية والاحترام المتبادل لتوثيق الشراكة الاستراتيجية

الدكتور محمد البغدادي

باحث في العلوم القانونية

بكلية الحقوق بطنجة

 

مقدمة:

من الواضح جدا أن الحضور الوازن للرئيس الصيني في المغرب من خلال زيارته النوعية والاستثنائية الذي يقوم بها بتاريخ 21 نونبر 2024، له الكثير من الدلالات والأبعاد الكبرى، وذلك تماشيا مع عمق علاقات الصداقة والتعاون والتضامن، وتعزيزا للشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبكين التي تم إبرامها في ماي 2016 إبان الزيارة التاريخية والملحمية للعاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الصين على أساس الربح المشترك ودعم نماء البلدين، كما أن هذه الزيارة الصينية إلى المغرب، تأتي بعد موعد قمة مجموعة العشرين بمدينة ريودي جانيرو بالبرازيل بتاريخ 18 نونبر 2024 الذي كان الرئيس الصيني شي جي بينغ أحد المشاركين البارزين فيها.

ويمكن تعريف الحضور الوازن للرئيس الصيني في المغرب على أنه تأكيد التعاون المتجدد وضمان الاحترام المتبادل لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين من خلال زيارة الرئيس الصيني شي جي بينغ إلى المغرب في الفترة الممتدة ما بين 21 و22 من شهر نونبر 2024 على اعتبار أن بكين تعتبر الشريك الرئيسي الثالث بالنسبة المغرب .

واعتبارا لأهمية ومكانة الحضور الوازن للرئيس الصيني في المغرب في الدور الريادي والمهم للعاهل المغربي الملك محمد السادس في ضمان السلم والسلام والأمن والتعايش والتنمية، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيمايلي:كيف يمكن الحضور الوازن للرئيس الصيني في المغرب تحقيق التوازن بين التعاون المتجدد وضمان ميكانيزمات العمل والاحترام المتبادل؟.

وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ماهي حمولات استقبال ولي العهد الأمير مولاي الحسن لـتأكيد التعاون المتجدد بين الرباط؟ وماهي ميكانيزمات الجدية والاحترام المتبادل لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبكين؟.

وقصد الوقف على هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:

المبحث الأول : حمولات استقبال ولي العهد الأمير مولاي الحسن لـتأكيد التعاون المتجدد بين الرباط

المبحث الثاني: ميكانيزمات الجدية والاحترام المتبادل لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبكين

 

المبحث الأول: حمولات استقبال ولي العهد الأمير مولاي الحسن لـتأكيد التعاون المتجدد بين الرباط وبكين

ما من شك في أن استقبال ولي العهد الأمير مولاي الحسن بناء على التعليمات المولوية السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، دليل واضح ومما لا يدعو مجالا للشك على أن المغرب أصبح بوابة محورية لجذب الاستثمارات والشراكات التنموية وفق منطق رابح رابح.

وعليه، سوف نتطرق إلى الدلالات الجيوسياسية والجيو استراتيجية للتعاون المتجدد بين المغرب والصين في المطلب الأول والدلالات المجتمعية والتنموية بين المغرب والصين في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الدلالات الجيوسياسية والجيو استراتيجية للتعاون المتجدد بين المغرب والصين

معلوم أن العلاقات المغربية الصينية لها باع طويل في توطيد الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات منذ سنة 2016، وذلك من خلال ترسيخ التعاون المتجدد وفق آليات الحوار السياسي والتفاهم الاستراتيجي بين البلدين، كما أن الحضور الشخصي لولي العهد الأمير مولاي الحسن يزيد من أهمية ومكانة العلاقات المغربية الصينية، لاسيما وأن البروتكول الملكي السامي البارز الذي كان محط إعجاب واسع وتصفيق كبير وأسال الكثير من المداد في المنابر الإعلامية، والذي تمثل في الكرم المغربي من خلال أكل الثمر ولي العهد مع الرئيس الصيني شي جي بينغ.

ويكفي الإشارة إلى أن السياق الاستراتيجي الذي تأتي فيه الزيارة الصينية إلى المغرب كمحور لتعزيز التعاون المغربي الإفريقي يتمثل في أن المغرب أصبح الوجهة التاسعة عالميا والثالثة إفريقيا في يخص اهتمامات المستثمرين الصينين، هذا فضلا عن أن المغرب لديه محفظة من الاستثمارات والشراكات الأوروبية والأمريكية والإفريقية من خلال أكثر من 20 دولة إفريقيا، وكذا دخول القطاع الخاص الصيني في المغرب.

المطلب الثاني: الدلالات المجتمعية والتنموية بين المغرب والصين

لقد نجحت التوجيهات الملكية السامية من تحويل الشراكة التقليدية إلى نموذج استراتيجي متكامل من خلال الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبكين الذي أشرف على توقيعها العاهل المغربي الملك محمد السادس من خلال عدة بروتكولات تتعلق بأنسنة السياسات العمومية ورؤية النموذج التنموي الجديد لسنة 2021، وعلى وجه الخصوص،الصحة والأدوية والتعليم والثقافة، هذا فضلا عن قطاعات غيار السيارات والصناعات الغذائية الطاقات المتجددة والبطاريات الجديدة لصناعات السيارات كبطاريات الفوسفاط والحديد والليثيوم والكوبالت.

 

المبحث الثاني: ميكانيزمات الجدية والاحترام المتبادل لتوثيق الاستراتيجية بين الرباط وبكين

لقد بات واضحا بأن الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبكين لها العديد من المكيانيزمات التي على أساسها الجدية والاحترام المتبادل بين البلدين، وذلك في ظل النضج الفطري والحس الوطني والفكر الاستراتيجي النير للعاهل المغربي الملك محمد السادس أعزه الله ونصره.

وتبعا لذلك، سوف نتناول إعمال آلية الحوار السياسي لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين في المطلب الأول و تفعيل آلية التفاهم الاستراتيجي لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين في المطلب الثاني.

المطلب الأول: إعمال آلية الحوار السياسي لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين

من المؤكد أن آلية الحوار السياسي مسألة مهمة في أية شراكة استراتيجية من أجل معالجة ومناقشة مختلف القضايا والملفات الراهنة المطروحة على الساحة الدولية، وذلك من خلال الاتفاق والتفاهم بشأن البنود وترجمتها عبر بروتوكولات ولجان عملية وتنفيذية، وهذا ما ذهبت إليه الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين في إطار آلية الحوار السياسي، وذلك انسجاما مع مستجدات وتطورات المشهد الدولي والإقليمي في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب وعملا بنهج دبلوماسية ناعمة متعددة الأطراف.

المطلب الثاني: تفعيل آلية التفاهم الاستراتيجي لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين

في إطار فعالية وحكامة الحوار السياسي بين المغرب والصين وإرساء شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، فإن الرباط بادرت إلى ترجمة وتنزيل التزاماتها على أرض الواقع من خلال تفعيل عدة اتفاقيات في المجالات التالية:

-إحداث مدينة محمد السادس للتكنولوجيا

-تأسيس مشروع طنجة تيك

– اتفاق شركات صينية ومغربية لتصنيع البطاريات التي تعد العنصر الأساسي في صناعة السيارات الكهربائية .

 

الخاتمة:

وبناء على ذلك، يتضح أن الحضور الوازن للرئيس الصيني إلى المغرب يدفع بمزيد تعزيز العلاقات المغربية الصينية وتكريس التعاون المتجدد وترسيخ الجدية والاحترام المتبادل لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبكين في شتى المناحي.

كما أن هذا الحضور الصيني كان مرفوقا بوفد يتكون على الخصوص من كاي تشي عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي والمدير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، و وانغ يي عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ومدير مكتب اللجنة المركزية للشؤون الخارجية، و هوا تشونينغ نائبة وزير الشؤون الخارجية.

وينبغي الإشارة إلى أن المغرب يوفر مناخا استثماريا جذابا بفضل بنيته التحتية المتطورة، والحوافز الضريبية والجمركية. كما أن العلاقات المغربية الصينية تشهد تطورا ملحوظا على جميع الأصعدة، لا سيما في مجالات التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي، هذا فضلا عن أن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين التي تعززت بشكل كبير منذ توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية سنة 2016 تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة تخدم مصالح البلدين.

وفي ما يتعلق بمبادرة “الحزام والطريق” التي تأتي في ظل موقع جيوستراتيجي مهم للمغرب على اعتبار أنه بوابة لإفريقيا وجسر لأوروبا وطريق نحو القارة الأمريكية، كان من أوائل البلدان التي وقعت مذكرة تفاهم بشأن هذه المبادرة. كما أن المغرب يتطلع إلى إنجاز عدد كبير من المشاريع في إطار هذه المبادرة، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة، والتي تتكامل مع البرامج التنموية المحلية وتساهم في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين والدول الإفريقية. زد على ذلك أن المغرب في طور تنفيذ سياسة “الانتقال الطاقي” بهدف إنتاج 50 في المائة من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول سنة 2030، أضف إلى ذلك أن محطة “نور” للطاقة الشمسية المركزة التي تنفذها شركات صينية، هي جزء من المشاريع التي تعكس هذه الجهود، حيث أن المشاريع المشتركة بين البلدين في إطار مبادرة “الحزام والطريق” ستساهم في تسهيل حركة تنقل البضائع والأشخاص، وكذا نقل التكنولوجيا، ما يعزز التنمية الاقتصادية في المغرب وبقية الدول الإفريقية.

وبخصوص منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك)، فهو يندمج في إطار إلى تعزيز التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا في مجالات الأمن والسلام، حيث يتم وضع تصورات واستراتيجيات تسهم في استتباب الاستقرار الضروري لتحقيق التنمية المستدامة في القارة الإفريقية.

ومن جهة أخرى، يجب لفت الإنتباه إلى أن استعدادات المغرب لاستضافة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، سيشكل فرصة هامة لتعزيز البنية التحتية في المغرب، مسجلا أن الحكومة المغربية تسعى إلى إشراك الشركات الصينية في تنفيذ عدد من المشاريع المرتبطة بهذا الحدث. كما أن بكين ستساهم الشركات الصينية في إنجاز مشاريع تتعلق بالسكن والطاقة والمواصلات، ما يعزز من قدرة المغرب على تنظيم حدث عالمي ناجح ويحقق فوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة. وفي ما يتعلق بالتبادل الثقافي والإنساني، أكد السفير أن هذه الروابط تعزز التفاهم المتبادل وتساهم في استدامة العلاقات، مسجلا أن العلاقات بين البلدين متجذرة في التاريخ، وهو ما تجلى من خلال رحلات ابن بطوطة إلى الصين في القرن الرابع عشر، وكذا الشاي المغربي المعروف عالميا الذي يستورد من الصين، “حيث يعد المغرب أكبر مستورد للشاي الأخضر الصيني”. كما أن المملكة كانت من أوائل البلدان الإفريقية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين منذ خمسينيات القرن الماضي، معتبر أنه منذ ذلك الحين، تطورت العلاقات بشكل كبير، لا سيما في السنوات الأخيرة، حيث شهدت زيادة كبيرة في أعداد السياح الصينيين إلى المغرب بعد إعفاء المواطنين الصينيين من تأشيرة الدخول سنة 2016.

كما أن الإقبال الكبير من الشباب المغربي على دراسة اللغة الصينية في الوقت الحاضر بفضل تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين ورغبة بعض الشباب في العمل في المجال السياحي بحكم النمو المتوقع للسياحة الصينية بالمغرب، فضلا عن رغبة الشباب الصيني في تعلم اللغة العربية. كما أن أعداد الطلبة المغاربة الذين يدرسون في الصين يتزايد بشكل متواصل، خاصة في المجالات التقنية والتكنولوجية، ما يعزز التعاون الثنائي في مجال التعليم والبحث العلمي.

 

لائحة المراجع:

البرامج التلفزيونية

 مداخلة إدريس لكريني، المغرب-الصين: جسور ممتدة الرباط وبكين لتوثيق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الظهيرة الأولى، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة المهدي الحلو، الرئيس الصيني يلتقي ولي عهد المغرب: ما خلفيات الزيارة؟، مشاركة في برنامج قناة المشهد الليلة، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة زكريا فيرانو، المغرب-الصين: رؤية ملكية استراتيجية لتوثيق الشراكة الاستراتيجية المغربية الصينية متعدد الأبعاد، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الرئيسية الأولى، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة لي تشانغ لين، رؤية ملكية استراتيجية لتوثيق الشراكة الاستراتيجية المغربية الصينية متعدد الأبعاد، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الرئيسية الأولى، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة نادر رونغ، قراءة في دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة ناصر بوشيبة، رؤية ملكية استراتيجية لتوثيق الشراكة الاستراتيجية المغربية الصينية متعدد الأبعاد، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الرئيسية الأولى، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة عبد الحميد جماهري، بتعليمات ملكية ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني، مشاركة في برنامج الأخبار الظهيرة لقناة دوزيم، يوم 22 نونبر 2024.

 مداخلة عبد القادر الأنصاري، رؤية ملكية استراتيجية لتوثيق الشراكة الاستراتيجية المغربية الصينية متعدد الأبعاد، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الرئيسية الأولى، يوم 22 نونبر 2024.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا