إدارة الأزمات Dispute Management
الأستاذ/ محمود صبره
استشاري الصياغة التشريعية بالأمم المتحدة والبنك الدولي
محاضر ومدرب بكلية حقوق القاهرة
أولا:- مفهوم إدارة المنازعات
تهدف عملية تسوية النزاعات إلى حل كل المشكلات قبل تفاقمها وتصعيدها. ولتجنب تفاقم المشكلات وتصعيدها والتأكد من أن الجهة المتعاقدة لم تزد من حدة المشكلات المحتملة, ينبغي على موظفي الجهة المتعاقدة أن يجيبوا بشكل فوري على كل الاستفسارات التي يطرحها المقاول، وأن يتواصلوا بشكل فعال معه. ويجب إضفاء الصبغة الرسمية على كل المراسلات عن طريق المراسلات الكتابية التي توضح إجراءات تدارك الخطأ. ويعد إنهاء العقد بمثابة فشل من كلا الطرفين المتعاقدين؛ ومن ثم، ينبغي أن يكون الملاذ الأخير.
وفيما يلي الخطوات التمهيدية التي ينبغي اتخاذها لإدارة المنازعات:
تحديد المشكلة:
في حالات كثيرة، يمكن حل ما يبدو أنه مشكلة بمجرد تقديم معلومات أو توضيحات للمقاول. ومن الضروري تحديد المشكلات في وقت مبكر خلال فترة تنفيذ العقد.
الحصول على الحقائق:
ينبغي على الجهة المتعاقدة أن تحصل من كل المصادر المعنية بمن فيهم مدير المشروع والمقاول على كل المعلومات المتعلقة بالمشكلة المحتملة.
التحليل والتقييم:
يجب على الجهة المتعاقدة أن تراجع كل الحقائق المتعلقة بمتطلبات وبنود وشروط العقد، وبعد ذلك تحدد المسار المناسب للعمل.
الحل:
يمثل الحل البديل المناسب لكلا الطرفين.
ثانيا- مفهوم التسوية الودية للنزاع
يشير مصطلح “التسوية الودية للنزاع” Amicable Dispute Resolution، ويُشار إليه في اللغة الإنجليزية اختصاراً باسم ADR، إلى عدد من الأساليب غير الرسمية التى تم ابتكارها لمساعدة الأطراف على تسوية النزاعات التجارية بينهم في إطار مؤسسي بمساعدة “طرف محايد” neutral وبدون اللجوء إلى المحاكم.
وبموجب قواعد غرفة التجارة الدولية للتسوية الودية للنزاع ICC ADR Rules، تشمل أساليب هذه التسوية ما يلي:
1. الوساطة mediation
2. التقييم المحايد neutral evaluation
3. المحاكمة المصغرة mini-trial
4. أي أسلوب آخر للتسوية
5. توليفة من أساليب التسوية
وقد ظهر هذا المصطلح إلى الوجود عندما تم الإعلان عن “قواعد التسوية الودية للنزاع لغرفة التجارة الدولية” ICC ADR Rules في يوليو عام 2001 لتحل محل “قواعد المصالحة لغرفة التجارة الدولية” ICC Rules of Conciliation التي كانت قد دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من 1 يناير عام 1988، ولتأخذ مكانها بجانب “قواعد غرفة التجارة الدولية للتحكيم” ICC Rules of Arbitration[1].
وبسبب الطبيعة “الودية” amicable لهذه القواعد، اختارت الغرفة الإشارة إليها باسم قواعد “التسوية الودية للنزاع” Amicable Dispute Resolution بدلا من الاسم الأكثر شيوعاً الذي كان يستخدم في الماضي، وهو قواعد “التسوية البديلة للنزاع” Alternative Dispute Resolution. ولذلك، لا يعتبر التحكيم ضمن الأساليب التي يشير إليها مصطلح قواعد “التسوية الودية للنزاع” التي، لا تؤدي على عكس التحكيم، إلى قرار أو حكم نافذ قانوناً[2].
ومن ثم، يعتبر التحكيم والتسوية الودية للنزاع طريقتين مختلفتين تماماً لحل النزاعات رغم أنهما يتفقان في أن كلتيهما من الأساليب البديلة لتسوية النزاعات. والمقصود بالأساليب البديلة تلك التي تستخدم خارج قاعات المحاكم. وكما أسلفنا، يكمن الاختلاف الأساسي بينهما في أن التحكيم يؤدي إلى قرار ملزم قانوناً في حين تؤدي التسوية الودية إلى قرار غير ملزم قانوناً، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك. ورغم ذلك، تستخدم الطريقتان أحياناً لتكمل إحداهما الأخرى. وعلى سبيل المثال، من الممكن أن يتفق الطرفان على اللجوء إلى التحكيم في حالة عدم التوصل إلى حل عن طريق التسوية الودية. وبالمثل، يمكن للطرفين اللذين يعرضان نزاعهما على التحكيم أن يتحولا إلى التسوية الودية إذا تبين لهما أن نزاعهما يقتضي منهما اتباع أسلوب آخر يعتمد على التراضي فيما بينهما.
ثالثا: السمات الجوهرية للتسوية الودية للنزاع
فيما يلي السمات الجوهرية للتسوية الودية للنزاع بموجب قواعد غرفة التجارة الدولية ICC ADR[3]:، تتميز إجراءات التسوية الودية بالمرونة وبأن الطرفين يتحكمان فيها إلى أقصى حد ممكن، تهدف الإجراءات إلى التوصل إلى حل سريع، ومن ثم، غير مكلف نسبياً. وهي تسمح للطرفين بالسعي إلى التوصل إلى حل ودي للنزاع بينهما من خلال استخدام الحد الأدنى من الوقت والموارد.
تسمح الإجراءات للطرفين بأن يختارا بأنفسهما أي أسلوب للتسوية يناسبهما أكثر من غيره لمساعدتهما على حل النزاع بينهما بواسطة “محايد” neutral متمرس. وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول أسلوب معين للتسوية، يُستخدم أسلوب الوساطة. ويمكن أن تؤدي الإجراءات إلى إبرام “عقد تسوية” بين الطرفين ينهي النزاع بينهما ويكون ملزماً لهما طبقاً للقانون واجب التطبيق عليه. ويمكن أن تؤدي الإجراءات، أيضاً، إلى إبداء رأي أو تقييم غير ملزم من المحايد، إذا اختار الطرفان ذلك كأسلوب لتسوية النزاع.
ومن ثم، يمكن للطرفين أن يتفقا كتابياً على التزام توصية المحايد أو قراره رغم أن كلا منهما في حد ذاته غير نافذ قانوناً. وفي هذه الحالة، يصبح الاتفاق بين الطرفين ملزماً لهما طبقاً للقانون واجب التطبيق على ذلك الاتفاق، تتسم الإجراءات بالسرية. وتضع القواعد موضع التنفيذ أقصى ضمانات ممكنة لتحقيق ذلك الغرض.
أساليب التسوية الودية للنزاع وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية
1. الوساطة mediation
بموجب قواعد الغرفة، تعين الأطراف شخصاً محايداً neutral لبحث النزاع ومحاولة التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. ويلعب “المحايد” دور المسهّل facilitator وليس مطلوباً منه أن يقدم أي رأي فيما يتعلق بجدارة موقف أي من طرفي النزاع (المادة “5” من القواعد)، ويعقد المحايد، بصفة عامة، اجتماعات مشتركة مع كل أطراف النزاع الحاضرة، ويجوز له أن يعقد جلسات خاصة منفصلة مع كل طرف على حدة، تسمى في اللغة الإنجليزية caucuses. وتسمح هذه الجلسات للمحايد بأن يوفر جواً مناسباً للمفاوضات ويحصل على معلومات مفيدة ويتعرف مصالح كل طرف ويساعد على التوصل إلى إيجاد أرضية مشتركة لحل النزاع. ولا ينقل المحايد أي أقوال شفوية أو مستندات خطية، قدمها أحد الطرفين في أثناء الاجتماع المنفصل أو غيره، إلى الطرف الآخر ما لم يصرح الطرف الأول بذلك للمحايد (المادة “5” من القواعد).
وتعد الوساطة mediation أكثر أساليب التسوية الودية للنزاع شيوعاً حالياً. ويتميز هذا الحل بأنه يُبقي على العلاقات التجارية بين أطراف العقد ويسمح لهم بصياغة شروط لتسوية النزاع تتجاوز تلك التى يمكن أن تأمر بها المحكمة، أو التى من المحتمل أن يعرضها المحامون . وعلاوة على ذلك، تكون العملية سرية.
ولأن الوساطة لا تؤدى الى التوصل إلى قرار يمكن إنفاذه قانونا، ربما لا يكون من المناسب تضمين بند في العقد ينص عليها كوسيلة لحل النزاع بين الأطراف، ولكن فى الظروف المناسبة، ربما تكون هذه العملية وسيلة مفيدة لتسوية نزاعات معينة.
2. التقييم المحايد neutral evaluation
بموجب هذا الأسلوب، يطلب الطرفان من المحايد إبداء رأي أو تقييم غير ملزم بخصوص مسألة أو أكثر تتصل بواقعة ما، أو بمسألة فنية من أي نوع، أو قانونية، أو تخص تفسير حكم تعاقدي، أو تعديل العقد.
3. المحاكمة المصغرة mini-trial
بموجب هذا الأسلوب، تشكل هيئة مكونة من المحايد، بوصفه مسهّلا، ومدير لدى كل طرف من أطراف النزاع. ومن حيث المبدأ، ينبغي أن يكون كل مدير مفوضاً بإلزام الطرف الذي اختاره وألا تكون له صلة مباشرة بالنزاع. ويعرض كل طرف موقفه على الهيئة بطريقة مختصرة، وبعد ذلك حسب الوضع تحاول الهيئة التوصل إلى حل يقبله الطرفان أو تعبر عن رأيها فيما يتعلق بمواقف كل طرف.
4. أي أسلوب آخر للتسوية
يمكن للطرفين، بالتشاور مع المحايد وفي إطار المادة (5-1) من القواعد، الاتفاق على أي أسلوب للتسوية الودية للنزاع يساعدهم على حل النزاع بينهما بالطرق الودية.
5. توليفة من أساليب التسوية
قد يكون من المفيد السير في إجراءات التسوية باستخدام توليفة من أساليب التسوية الودية. ويمكن، مثلا، أن يطلب الطرفان من المحايد أن يعطي رأيه في مسألة ما في سياق الوساطة.
وبغض النظر عن أسلوب التسوية الذي يختاره الطرفان، لا يستطيع المحايد إلزامهما بأي رأي يتوصل إليه. ومع ذلك، يمكن للطرفين، كما أسلفنا، أن يلزما أنفسهما في عقد برأي المحايد أو تقييمه أو توصيته.
المراجع:
[1]
[2]
انظر دليل قواعد غرفة التجارة الدولية للتسوية الودية للنزاع، “الجزء الأول- المقدمة” على الموقع الإلكتروني: http://www.iccwo.org/index_adr.asp
[3]
المرجع السابق