اليوم العالمي للقانون بين مطرقة منهج الجدية المغربية وسندان عولمة مجتمع المعلومات
الدكتور محمد البغدادي
باحث في العلوم القانونية
بكلية الحقوق بطنجة
مقدمة:
يأتي موضوع اليوم العالمي للقانون في إطار تجويد وتحيين الأوراش الإصلاحية الكبرى وتحصيل حاصل لمجموعة من السياسات والمخططات والاستراتيجيات التنموية والمجتمعية، كونه يؤطر ويضبط مختلف العلاقات والمعاملات والالتزامات التي تنظم حياة الإنسان في مختلف مناحي الحياة، سواء السياسية، الديمقراطية، الحقوقية، القانونية، القضائية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، البيئية، الدينية، لاسيما وأن العالم يعرف أزمة عارمة في أخلاقيات المعلومات والتي ترتبط بالإشكاليات المتربطة بالحق في الخصوصية في بيئة رقمية وإلكترونية وسيبرانية من جهة، والحق في الحصول على المعلومة على اعتبار أن هذه الأخيرة هي مفتاح السلطة وأوكسيجين الديمقراطية من جهة أخرى ، حيث أصبح المجتمع الدولي يتطور بشكل سريع من خلال موجة عولمة اقتصاد المعرفة في ظل نظام عالمي متعدد الأطراف بعد تداعيات مرحلة الحرب الباردة وبروز نظام القطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويمكن تعريف اليوم العالمي للقانون على أنه ذلك الإعلان عن اليوم العالمي للقانون الذي تم لأول مرة في جميع أنحاء العالم في 13 سبتمبر 1965 في مؤتمر واشنطن للسلام العالمي، والذي حضره 3200 شخص من 121 دولة.
واعتبارا لأهمية ومكانة اليوم العالمي للقانون في تعزيز جودة النظام القانوني وتكريس الحماية وضمان الحقوق والحريات الأساسية، وتحقيق دولة الحق والقانون والمؤسسات، وتوطيد مبادئ العدل والعدالة، وترسيخ الأمن القضائي في كونه ضرورة حتمية لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، والتصدي للجرائم، وتحقيق الانضباط والاستقامة والصالح العام للمجتمع، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيما يلي:
كيف يمكن لليوم العالمي للقانون أن يوازن بين منهج الجدية المغربية و عولمة مجتمع المعلومات؟
وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية:
ما مدى مساهمة منهج الجدية المغربية في تجويد وأنسنة فروع القانون العام والخاص؟ وما هو تأثير عولمة مجتمع المعلومات على فروع القانون العام والخاص؟
ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:
المبحث الأول: مساهمة منهج الجدية المغربية في تجويد وأنسنة فروع القانون العام والخاص
المبحث الثاني: تأثير عولمة مجتمع المعلومات على فروع القانون العام والخاص
المبحث الأول: مساهمة منهج الجدية المغربية في تجويد وأنسنة فروع القانون العام والخاص
من المؤكد أن منهج الجدية المغربية له دور كبير ومهم في ترسيخ بناء عولمة مجتمع المعلومات، وذلك بموجب الضوابط والشروط التي ينص عليها من خلال الحدود الفاصلة بين ضمان الأصالة المغربية وانفتاح على عولمة مجتمع المعلومات.
وعليه، سوف نتناول نطاق تطبيق فروع القانون العام الخارجي والداخلي وفق دستور 2011 في
المطلب الأول ونطاق تطبيق فروع القانون الخاص وفق دستور2011 في المطلب الثاني
المطلب الأول: نطاق تطبيق فروع القانون العام الخارجي والداخلي وفق دستور 2011
من المعلوم أن فروع القانون العام تلعب دورا حيويا ومهما في رسم الأفكار والخطط والنظريات المتعلقة بدمقرطة مؤسسات الدولة والمجتمع، وتكريس الصرح الديمقراطي والحقوقي والتنموي للمملكة، وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات، وذلك تماشيا مع مقتضيات وبنود دستور2011.
وتجدر الإشارة إلى أن للقانون العام الخارجي أو الداخلي مواضيع تندرج ضمن القوانين الدولية والدستورية والإدارية والمالية، حيث تستوجب من المشرع المغربي تحديث أنظمتها وقوانينها لأي دولة معينة، وذلك بما ينسجم ويخدم عصر نظام العلاقات الدولية ومناخ اقتصاد المعرفة، اتضح ذلك جليا من خلال دور القانون الدولي في تحقيق السلم والأمن الدوليين في جميع ميادين الحياة من خلال تنفيذ قواعد ميثاق الأمم المتحدة وأجهزتها التقريرية والتنفيذية، كما أن للقانون الدستوري مكانة بارزة في أي بلد ما كونه هو الوثيقة الدستورية للدولة التي تنظم مجموعة من القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة، ويتضمن بيان السلطات الثلاث في الدولة واختصاصاتها والعلاقة بينها، وتحديد الحريات والحقوق الأساسية، وعلاقة المواطنين والمواطنات بالدولة، في حين أن القانون الإداري هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم هياكل الدولة ووحداتها المركزية واللامركزية ومؤسسات القطاع العام والمقاولات العمومية تنظيماً ونشاطاً ورقابة.
ومن جانب آخر، فإن القانون المالي هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة من حيث تحديد الإرادات والنفقات وإعداد الميزانية والرقابة عليها.
المطلب الثاني: نطاق تطبيق فروع القانون الخاص وفق دستور 2011
معلوم أن فروع القانون الخاص تتمثل أساسا في قانون الالتزامات والعقود ومدونات الأسرة والتجارة والقانون الاجتماعي، وكذا القوانين العقارية والجنائية وقانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية والقانون الدولي الخاص، حيث بات واضحا اليوم على أن المشروع المغربي من خلال التزاماته الدستورية والقانونية أن يلاءمها وينسجمها مع تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات عولمة اقتصاد المعرفة.
كما أن قانون الالتزامات والعقود أو القانون المدني هو الشريعة العامة أو المنهج العام لباقي فروع القانون الخاص في حالة عدم وجود النص الخاص، فهو ينظم المعاملات والتصرفات المالية بين التزامات الأطراف التعاقدية.
ومن ناحية أخرى، فإن مدونة الأسرة هي مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم حقوق وواجبات الأسرة، خلافا لمدونة التجارة التي هي مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد علاقات التجار فيما بينهم، في حين أن مدونة الشغل هي مجموعة من القواعد القانونية التي تبين ضوابط علاقة المشغلين بالأجراء.
كما أن القانون العقاري هو الذي ينظم الإجراءات المقررة على العقارات غير المحفظة أو في طور التحفيظ أو المحفظة، أضف إلى ذلك القانون الجنائي الذي يقضي بتنظيم شرعية التجريم والعقاب، والقوانين الإجرائية التي تنظم سير تحريك الدعاوى سواء في إطار قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية، والقانون الدولي الخاص هو مجموعة من القواعد القانونية المشوبة بعنصر أجنبي.
المبحث الثاني: تأثير عولمة مجتمع المعلومات على فروع القانون العام والخاص
تحظى عولمة مجتمع المعلومات بأهمية كبرى في حقل نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة، وذلك في ظل تواجد علاقة وطيدة بين العدالة التشريعية من جهة، وتحولات وتطورات ومستجدات النظام الدولي من جهة أخرى.
وعليه، سوف نعالج الرقمنة كمدخل لاقتصاد المعرفة في المطلب الأول والذكاء الاصطناعي كدعامة لبناء مجتمع المعلومات في ضوء نظام عالمي متعدد الأطراف في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الرقمنة كمدخل لاقتصاد المعرفة
لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي تلعبه الجهات التشريعية للمملكة في مجال تطوير وتحديث الترسانة القانونية في مختلف ميادين الحياة، حيث يحتل موضوع عدالة وعصرنة التشريع المغربي حيزا كبيرا في حقل فروعي القانون العام والخاص، وذلك في ظل عصر تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات مناخ عولمة اقتصاد المعرفة التي ما فتئت تتواجد في جميع أنحاء العالم، حيث أصبح النظام الدولي الحالي يعرف العديد من المتغيرات الجذرية سواء تعلق الأمر بنظام العلاقات الدولية أو قطاع تكنولوجيا المعلومات أو الاتصالات الذي هو نتاج عولمة اقتصاد المعرفة. كما أن عدالة وعصرنة التشريع المغربي بأنها ملاءمة وتكييف القواعد القانونية لفروع القانون العام والخاص وفق تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات عولمة اقتصاد المعرفة.
المطلب الثاني: الذكاء الاصطناعي كدعامة لبناء مجتمع المعلومات في ضوء نظام عالمي متعدد الأطراف
من الواضح جدا أن بناء مجتمع المعلومات في عصر الذكاء الاصطناعي محتاج أكثر من أي وقت مضى إلى منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فعالة وناجعة في تكييف وملاءمة الأنظمة والنصوص من ناحية، والقوانين والتشريعات من ناحية ثانية، وذلك وفق تحولات نظام العلاقات الدولية وتطورات مناخ عولمة اقتصاد المعرفة، حيث أن هذه التحولات الجارية في النظام الدولي ينبغي أن تكون موجودة في المناهج الدراسية والجامعية، وفي مراكز البحث العلمي، كما أن الكفاءات والطاقات المؤهلة في قطاع منظومة التربية والتكوين، يجب أن تساير وتواكب جميع التطورات الدولية والتحولات التكنولوجية والعلمية والتقنية، بما يضمن الرأس المال الفكري والنجاعة المعرفية لجميع أفراد المجتمع.
ومن جهة أخرى، فإن عولمة اقتصاد المعرفة يتطلب من الجهات المسؤولة على قطاع التربية والتكوين أن تضع المعرفة محور أولويتها واهتمامها، وذلك باعتبارها عنصرا أساسيا في إنتاج أي اقتصاد دولة ما.
الخاتمة:
وتأسيسا على ما سبق، يتضح أن القانون العالمي للقانون في ضوء التحولات الجارية في النظام الدولي وتطورات مناخ اقتصاد المعرفة، تشهد إكراهات كبرى على صعيد تقدم وتنمية الاقتصاد المجتمع على حد سواء، الأمر الذي يجب البحث عن الوسائل والآليات الكفيلة في مواجهة التقلبات الدولية والمعرفية.
كما أن دور الدولة الديمقراطية أو القانونية يكمن في توفير الأرضية الدستورية والسياسية من ناحية، والإدارية والحقوقية من ناحية أخرى، وذلك امتثالا لمجموعة من التطورات الميدانية المتسارعة في نظام العلاقات الدولية وعولمة اقتصاد المعرفة.
لائحة المراجع:
المقالات:
- أحمد عبد الحسيبا لسنتر يسي، العدالة التشريعية في ضوء فكرة التوقع المشروع، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية بكلية الحقوق، عدد خاص، ديسمبر 2012.
- أحمد لعروسي، دور القاضي الدستوري في تحقيق العدالة التشريعية، مجلة الدراسات الحقوقية، العدد9،بدون سنة النشر.
- ليث كمال نصراوين، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة وأثرها على الإصلاح القانوني،مجلة ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الرابع، العدد2،ماي 2017.
- مالكي توفيق، دور الحكم الديمقراطي الصالح في تعزيز التنمية وحماية حقوق الإنسان، مجلة القانون والمجتمع والسلطة، عدد خاص،2012.
- مذكور كريمة، أخلاقيات المعلومات بين الحق في الخصوصية والحق في حرية الوصول إلى المعلومات، مجلة الإنسان والمجال، عدد1، يونيو 2023.
- علي فيلاني، القانون والاجتماع الإنساني، مجلة كلية الحقوق ببيروت، بدون دار الطبع، بدون سنة النشر.
- شورش حسن عمر، دور العدالة التشريعية في تحقيق الأمن القانوني، المجلة الاكاديمية للبحوث القانونية والسياسية، العدد2، سبتمبر2019.
- خير الدين بوسنة، القانون والمجتمع، مجلة حوليات الجزائر1، العدد 33، يونيو 2019.
الخطابات الملكية:
- الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش المجيد بشأن منهج الجدية المغربية والمؤرخ في 29 يوليوز 2023.