نظام الامتياز القضائي أو الإختصاص الاستثنائي في الجنايات و الجنح المنسوبة لبعض القضاة و الموظفين.
من إعداد الطالب الباحث
محمد الشريف العمري
حاصل على ديبلوم الماستر في العلوم الجنائية
مما لا شك فيه أن قانون المسطرة الجنائية له ارتباط وثيق بحقوق الإنسان لما يقرره من إجراءات متصلة عضويا بحقوق الإنسان الأساسية كما هو متعارف عليها عالميا، كمبدأ الشرعية والبراءة هي الأصلية والتقاضي أمام القضاء وحرية الدفاع والطعن في القرارات والأحكام القضائية وتعتبر المحاكمة العادلة من أبرز وأهم الأعمدة الأساسية التي تهدف إلى حماية الإنسان من كل ما شأنه المس بحقوقه وكرامته في جميع مراحل الدعوى، منذ لحظة إيقافه والبحث معه من قبل الشرطة القضائية في ما يعرف بالبحث التمهيدي مرورا باستنطاقه أمام النيابة العامة و بالتحقيق الإعدادي وصولا إلى المحاكمة، ابتدائيا، استئنافيا، ونقضا.
حيث تعتبر قرينة البراءة من أهم وأرقى ضمانات المحاكمة العادلة التي تضمن أمن الأشخاص وحماية حرياتهم الفردية ،حيث ارتقى بها المشرع إلى مصاف المبادئ الدستورية، إذ تم التنصيص عليها في الفصول 23 و 119 من الدستور ، فالفصل 23 ينص على ” قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة مضمونان “، والفصل 119 ينص على أنه ” يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به” كما أخدت به المسطرة الجنائية، ونصت في مادتها الأولى على أن “كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.
وجاءت صياغة هذه المادة مشابهة مع ما نصت عليه المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 6 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان، حيث تم التأكيد على أن المتهم يبقى بريئا ويجب تمتيعه بكافة الضمانات القانونية إلى أن تثبث إدانته قانونا في إطار محاكمة عادلة، ومن نتائج هذا المبدأ أن الشك يفسر دوما لفائدة المتهم.
كما أن السياسة الجنائية المعاصرة تسعى إلى إيجاد بدائل للتجريم والعقاب في نطاق الجرائم القليلة الخطورة من خلال مجموعة من الآليات، وإيجاد قواعد إجرائية جديدة تحل مكان القواعد التقليدية المتبعة في إدارة الدعوى الجنائية في نطاق جرائم محددة، ذلك أن إدارة الدعوى بالآليات التقليدية لم يعد متناسبا مع الكم الهائل من القضايا الناتجة عن التضخم التشريعي الذي جعل نظام العدالة الجنائية أمام أزمة حادة، تتمثل في عجزه عن القيام بوظيفته في حسم النزاعات المعروضة في وقت مناسب وبطريقة سريعة ومرنة، ولعل هذا ما جعل الفكر الجنائي يحس بوطأة تقليدية في الدعوى الجنائية، فبدأ يبحث عن أساليب مرنة لإدارة الدعوى العمومية، تعتمد على طرق ووسائل جديدة لحل النزاعات وتواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن الإجراءات الطويلة التي تعرفها المحــــــاكم.
وفي إطار إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، خصص الملك محمد السادس الخطاب السامي الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب، لإطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، والذي يريد جلالته أن يكون إصلاحا جوهريا لا يقتصر على قطاع القضاء وإنما يمتد بعمقه وشموليته لنظام العدالة، ومن بين محاور الإصلاح التي أطلقها في خطابه السامي نجده تمحور حول تطوير الطرق القضائية لفض النزاعات حيث ذكر جلالته ما يلي: “… وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح…”، فقد أصبح اللجوء إلى الطرق البديلة لفض النزاعات أمرا ملحا في الوقت الراهن، فرضته ضرورة تخفيف العبء على المحاكم من كثرة القضايا المعروضة عليها، والتي باتت تثقل كاهل القضاة والموظفين.
حيث يعرف المجتمع يعرف نوعا من الحركية و التضارب واختلاف المصالح، و بعد تطور الزمن أصبح الإجرام متطورا في عصرنا الراهن بعد أن انتقل الزمن من البدائية إلى الحداثة والانفتاح والتطور كذلك كان لزاما على التشريعات ضبط السلوك الإنساني رغم صعوبة الأمر من خلال قوانين زجرية تصون و تحفظ حياة الفرد و المجتمع و إلى قوانين تحاول ضبط المعاملات المالية.
و معاقبة الفرد على أفعاله الخارجة عن القانون و ذلك من خلال القناعة الوجدانية للقاضي، و لا يمكن بناء هذه القناعة عن هوى أو فراغ بل يتم ذلك عن طريق الدليل القاطع و إثبات الجرائم على مرتكبها بوسائل من شأنها أن تحفظ أمن المجتمع و سلامته و تحقق المحاكمة العادلة و كما قال الفقهاء ” الدليل إذا تطرق إليه الإحتمال سقط به الإستدلال “.
و الإثبات هو إقامة الدليل أو البرهان عن أمر من الأمور و تقديم الحجة على حصوله أو عدم حصوله أو النتيجة المحصل عليها بإستعمال وسائل الإثبات المختلفة و ذلك عن طريق جمع الأدلة في المرحلة الأولى و تقديمها للقضاء أو للنيابة العامة قصد تحميصها حيث يتم تقدير قيمة الحجج بما يولد الحزم و اليقين، و في الميدان الجنائي تعني محاولة إعادة صياغة و بناء الوقائع و الأحداث في عملية تركيبية يقصد منها معرفة الحقيقة حيث يقتضي أن يكون الحكم الفاصل في موضوع الدعوى العمومية مطابقا للحقيقة الواقعية و ليس للحقيقة القانونية أو الشكلية.
و المشرع المغربي أخذ بمبدأ الإثبات المختلط و حرية الإثبات بكافة الوسائل و أعطى للقاضي سلطة تقديرية في الإقتناع وذلك راجع لخصوصية بعض القضايا و قد عمل المشرع على حماية حقوق الإنسان لكونه الغاية التي عملت على تحينها بقوانين خاصة خصوصا قانون المسطرة الجنائية
فالاختصاص عموما هو سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة، و يقابله عدم الاختصاص الذي هو فقدان هذه السلطة. و اختصاص محكمة ما معناه نصيبها من المنازعات التي يجوز لها الفصل فيها، و قوانين الاختصاص هي القوانين التي تحدد ولاية المحاكم المختلفة، و بالتالي فالاختصاص الجنائي هو اختصاص المحكمة للنظر في الدعوى المرفوعة أمامها حينما يتعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي أو في إطار قوانين خاصة. فهو يعبر عن مشروعية ممارسة السلطة القضائية، إذ يجب على المحكمة أن تتحقق من اختصاصها للنظر في الدعوى المعروضة عليها قبل الفصل في موضوعها، و إذا تبين أنها غير مختصة عليها أن تحكم بذلك قبل الخوض بأساس الدعوى لكي يتم إعادة إجراءاتها من قبل المحكمة المختصة، فالقضاء الجنائي لكي ينعقد له الاختصاص لا بد من التقييد بثلاثة قيود أساسية : أولها الشخصي الذي على رغم من أن الأصل في المسائل الجنائية أنه لا يعتد بشخص المتهم أو صفته إلا أنه لاعتبارات معينة قيد المشرع الاختصاص بسن المتهم أو وظيفته كما في محاكم الأحداث و المحاكم العسكرية، و ثانيها القيد النوعي الذي يتحدد على أساس نوع الجريمة، و ثالثها القيد المكاني الذي يتحدد طبقا لمكان وقوع الجريمة أو مكان إقامة المتهم أو مكان القبض عليه.
إن المشرع و هو يأخذ بهذه العناصر الثلاثة التي تحدث عنها في تحديد اختصاص المحاكم، كان مدركا لما لقواعد الاختصاص من أهمية بالغة ترمي إلى تحقيق العدالة و حسن سيرها للمحافظة على حقوق و حريات المواطنين، حيث قيل بحق أن قواعد الاختصاص لها علاقة بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها و لا المساس بها تحت طائلة البطلان، و مع ذلك فإن المشرع تنبه إلى بعض الحالات التي تفرض الخروج على القواعد العامة للاختصاص و التعامل معها بمرونة لخدمة العدالة و مصالح الخصومة و الرفع من مردودية العمل القضائي و كذا تقريب القضاء من المتقاضين، الشيء الذي جعله يرى ضرورة الخروج عن هذه الوضعية و يعمد استثناءات على القواعد العامة، من خلال الخروج عن هذه الأخيرة من خلال صنفين أساسيا : الأولى أوردها من خلال مجموعة من النصوص الخاصة التي لم تطرح في عمومها أية تحليل أو مشاكل عويصة عند العمل بها كما أن أهميتها جد محدودة من حيت تطبيقاتها ، و ثانية ثم الخروج فيها عن القواعد العامة للاختصاص من خلال الباب الثاني المعنون “بقواعد الاختصاص الاستثنائية ” من الكتاب الثاني لقانون المسطرة الجنائية ضمن المواد من 264إلى 272 منها.
لقد كان و مازال القضاء لبنة الدولة و أساسها لكن ومع مضي الزمن و تطور المجتمعات و ظهور مجموعة من الوسائل التي يستعين بها الإنسان في حياته اليومية بدأت تنتشر جرائم الرشوة و استغلال النفوذ و غيرها من الجرائم التي تنتشر بين الموظفين و القضاة و غيرهم من ذوي النفوذ فكان لزاما على المشرع تخصيص بعض المساطر الخاصة لمتابعة السالفين الذكر بشكل يتماشى وخصوصية المؤسسة التي ينتمي لها مرتكب الفعل الجرمي.
- فما هي أحكام وخصوصيات المساطر الاستثنائية المتخذة في حق الموظفين و القضاة ومدى نجاعتها في تحقيق العدالة الجنائية ؟
- فما هي الأحكام العامة لنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــظام الامتياز القضائي؟
- ما هي دواعي تطبيق نـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــظام الامتياز القضائي؟
- من هم الفئات المستهدفة بالمســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاطر الاستثنائية؟
- كيف نظم المشرع المســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــطرة السالفة الذكر؟
لقد عملنا على مناقشة و تمحيص هذا الموضوع من خلال منهجين الأول هو المنهج التحليلي الذي من خلاله قمنا بتفسير بعض الأحكام الخاصة بمسطرة الامتياز القضائي والمنهج الاستقرائي الذي ناقشنا من خلاله الأحكام العامة لنظام الامتياز القضائي ثم عرجنا من خلاله للفئات المستهدفة من هذه الإجراءات.
- المبحث الأول: الأحكام العامة لنظام الامتياز القضائي.
- المبحث الثاني: قواعد الاختصاص الاستثنائية الخاصة بالقضاة و الموظفين.
المبحث الأول: الأحكام العامة لنظام الامتياز القضائي
سنحاول من خلال هذا المبحث مناقشته في مطلبين نخصص الأول للحديث عن مستجدات الامتياز القضائي ومن خلالها نقسم المطلب الأول الفقرة الأولى للتعريف بالامتياز القضائي و مستجداته ثم في الفقرة الثانية دواعي منح الامتياز القضائي حيث نلاحظ ان المشرع المغربي كان حكيما بإقراره لنظام الامتياز القضائي لبعض الاشخاص قد ميز بين الاشخاص أمام القانون من الناحية الاجرائية حيث خص بعضهم بمسطرة غير التي يخضع لها المتهم في الحالة العادية و من ثم أهداف قانون المسطرة الجنائية الجديد من الناحية الشكلة ثم نعرض للفئات الأربع بدرجاتها من خللا ما تطرقت له المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية إلى أصحاب الدرجة الأولى و ضمت المادة 266 من نفس القانون شكليات المتابعة ومحاكمة أصحاب الدرجة الثانية.
و بعدها نمر للحديث عن المطلب الثاني الذي سنتناول فيه الحديث عن مراقبة مسطرة الامتياز القضائي حيث يقتضي منا دراسة و تحليل هذا المطلب تقسيمه إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن دور المحكمة العليا في بعض الجرائم المنسوبة لبعض الموظفين ثم ننتقل في الفقرة الثانية للحديث عن دور المجلس الأعلى و محكمة الاستئناف في الجرائم المنسوب لبعض الموظفين و القضاة.
المطلب الأول: مستجدات الامتياز القضائي و دواعيه
كان تغيير قانون المسطرة الجنائية القديم الصادر بتاريخ 1995/02/10 مطروحا منذ السبعينات من القرن الماضي، وحتى قانون الإجراءات الإنتقالية الصادر 1974/09/28 لم يتضمن الا تغيرات مؤقتة و مرحلة و مرحلية في انتظار صدور قانون المسطرة الجنائية الجديدة الذي كتب له الصدور مؤخرا الذي جاء بتغييرات عميقة وجديدة مست كل الكتب الثمانية التي يحتوي عليها وقد نالت المقتضيات القانونية الخاصة بمسطرة الامتباز القضائي أيضا حظها من التغيير الجديد ويمكن إجمال المستجدات التي جاءت بها هذه المسطرة حيث يقتضي منا الأمر مناقشة هذا المطلب عبر شطرين الأول نخصصه للتعريف بهذا المسطرة ثم بعدها نفصل في المستجدات التي جاءت بها هذه المسطرة.
الفقرة الأولى: التعريف بالامتياز القضائي و مستجداته
يقتضي منا مناقشة هذه الفقرة تقسيمها عبر شطرين الأول نخصصه للتعريف بهذا المسطرة ثم بعدها نفصل في المستجدات التي جاءت بها هذه المسطرة.
أولا: التعريف بمسطرة الامتياز القضائي:
لعل المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية إبتعد عن تعريف هذه المسطرة حيث أن الفقه بدوره لم يفسر هذه الأخيرة و لم ترد عليها تعريفات واضحة تجاهها حيث يقصد بالمسطرة الاستثنائية أو الامتياز القضائي منح طائفة من موظفي الدولة مسطرة خاصة في المتابعة و هي تلك الإجراءات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية أو مصالح الدرك الملكي وهي التحري عن مدي مصداقية الشكايات و الوشايات سواء ضد شخص عادي أو موظف أو غيرهم والمحاكمة عند ارتكابهم لجناية أو جنحة أثناء مزاولة وظيفتهم كما أن هذه المحاكمة ليست كباقي المحاكمات العادية التي يخضع لها جل الاشخاص الذين ارتكبوا الجرائم هي مرحلة مفصلية تقرر إما الإذانة أو البراءة في حق المتهمين أمام هيئة الحكم التي تمحص الأدلة لتحقيق القناعة الوجدانية للقاضي[1]، وقد عبر قانون المسطرة الجنائية المغربي عن هذا الامتياز بمصطلح الاختصاص الاستثنائي، أو قواعد الاختصاص الاستثنائية لكونها مسطرة تخول المستفيدين منها الحق في محاكمة خاصة تخضع لضوابط صارمة يتعين إتباعها نظرا لحساسية مجال المتابعة كما مع ذوي الصفات كالقضاة و الموظفين مثلا.
ثانيا: مستجدات مسطرة الامتياز القضائي:
لقد جاءت المسطرة الجنائية لسنة 2002 بموجب القانون 22.01 بعدة مستجدات نذكر منها ما يلي:
- تحسين الصياغة القانونية[2]:
لعل أحد أهداف قانون المسطرة الجنائية الجديد من الناحية الشكلة هو تجاوز عيوب الصياغة التشريعية للنصوص القانونية التي كشف عنها تطبيق القانون القديم، والتالي كان الاهتمام منصبا على تحسين تبويب المقتضيات القانونية وصياغتها صياغة واضحة كما جاء في ديباجة قانون المسطرة الجنائية الجديد يظهر ذلك على مستوى الامتياز القضائي من خلال الحرص على دقة المصطلحات القانونية والاستغناء عن بعض المصطلحات التي لم تعد مناسبة للتنظيم القضائي الجديد كغرفة الإتهام التي تم تعويضها بغرفة الجنح الاستئنافية وكوكيل الدولة العام التي تم إستبدالها بالوكيل العام للملك بالإضافة إلى حذف بعض التسميات القديمة كقاضي بمحكمة اقليمية أو بمحكمة سدد.
- توسيع فئات المستفيدين[3]:
مسطرة الإمتياز القضائي على أربع درجات تطرقت المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية إلى أصحاب الدرجة الأولى و ضمت المادة 266 من نفس القانون شكليات المتابعة ومحاكمة أصحاب الدرجة الثانية بين ما أشارت المادة 267 من نفس القانون إلى أصحاب الدرجة الثالثة في حين تولت المادة 268 من القانون السالف الذكر معالجة المقتضيات الخاصة بأصحاب الدرجة الرابعة و يلاحظ أن جميع هذه الدرجات المعنية بمسطرة الامتياز القضائي طرا عليها تغيير سوء من خلال توسيع الفئات المستفيدة أو إعادة توزيعها و ذلك من أجل خلق إنسجام مع الهيكلة القضائية الجديدة و مع الانواع الجديدة من المحاكم التي تم احداثها في السنوات الماضية
وهكذا أضيف إلى فئة الدرجة الأولى أصحاب المناصب كاتب الدولة نائب كاتب الدولة قاض بالمجلس الأعلى للحسابات و الوالي و غيرهم
الدرجة الثالثة في حين تولت المادة 268 من القانون السالف الذكر معالجة المقتضيات الخاصة بأصحاب الدرجة الرابعة و يلاحظ أن جميع هذه الدرجات المعنية بمسطرة الامتياز القضائي طرا عليها تغيير سوء من خلال توسيع الفئات المستفيدة أو إعادة توزيعها و ذلك من أجل خلق انسجام مع الهيكلة القضائية الجديدة و مع الانواع الجديدة من المحاكم التي تم احداثها في السنوات الماضية.
أما بالنسبة لفئتي الدرجة الثالثة و الرابعة عرفت نوعا من إعادة توزيع و التغيير و هكذا أصبحت المقتضيات التي نصت عليها المادة 267 من قانون المسطرة الجنائية الخاصة بفئة الدرجة الثالثة المقتصر على القاضي بالمحكمة الابتدائية العادية أو المتخصصة في حين أضيف إلى لائحة أصحاب الدرجة الرابعة ذوي المناصب التالية الباشا و الخليفة أول لعامل ثم رئيس الدائرة و القائد.
- تعزيز حقوق الدفاع[4]:
يظهر تعزيز حقوق الدفاع في المقتضيات الجديدة المتعلقة بمسطرة الامتياز القضائي من خلال إحداث درجات جديدة من دراجات التقاضي بدل الاقتصار على مرحلة واحدة و هكذا أصبح من حق فئة الدرجة الأولى المستفيدين من مسطرة الامتياز القضائي الاستفادة من مرحلة الاستئناف فإذا أصدرت الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى سابقا قرارها في القضية يكون قرارها قابل للطعن داخل أجل ثمانية أيام و تجتمع غرف المجلس الاعلى باستثناء الغرفة الجنائية التي سبق لها البث في القضية و ذلك من أجل البث في الاستئناف كدرجة ثانية من درجات التقاضي و بالنسبة لفئات الدرجة الثانية و الثالثة و الرابعة فإن إحالة القضية إلى غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف يبقى باب الطعن بالاستئناف مفتوحا لعرض القضية على غرفة الجنايات الاستئنافية.
الفقرة الثانية: دواعي منح الامتياز القضائي
كان المشرع المغربي حكيما بإقراره لنظام الامتياز القضائي لبعض الاشخاص قد ميز بين الاشخاص أمام القانون من الناحية الاجرائية حيث خص بعضهم بمسطرة غير التي يخضع لها المتهم في الحالة العادية حيث جاء في جواب الحكومة على مختلف تدخلات النواب حول هذا الموضوع أن الإجراءات الخاصة أو غير العادية شرعت لحماية الوظيفة و ليس لحماية الشخص[5]، دون ان تبرز المبررات التي من اجلها منح الامتياز القضائي في مجال الاجراءات لهؤلاء الأشخاص دون غيرهم خلافا القواعد العامة التي تفرضها مبادئ المساواة و التي لا تعتد بأي صفة كانت أو أي شيء من هذا القبيل في تطبيق القانون مما دفع بعض الفقه الى التركيز على عدة اعتبارات لتبرير ذلك:
أولهما:
إن العدالة تفرض ذلك حيث يظهر من الصعب ان تتم المحاكمة وفقا لما تفرضه شروط العدل و الانصاف و الموضوعية اذا جاءت من لدنك إحدى المحاكم المختصة مبدئيا[6].
ثانيهما:
إن المصلحة العامة وما تتطلبه من حسن سير العمل الوظيفي على الوجه الأكمل و الحفاظ على معدلات أدائه على اعتبار أن الدولة تؤدي دورها عن طريق موظفيها يقتضي أن يتم توفير المناخ الملائم لحسن سير أداء الموظفين لوظائفهم و هذا ما ينطبق مع استمرارية سير المؤسسات العمومية أو بمنظور أعم يمكن اعتبار الموقف القانوني بمثابة الأخذ بالحسبان للاحترام الواجب للجهة التي ينتمي اليها الاشخاص المشمولون بالامتياز القضائي وقد قصد من هذه المسطرة الخاصة اضفاء نوع من الحماية لهؤلاء الأشخاص حتى يتمكنوا من ممارسة مهامهم على الوجه المطلوب و في الطمأنينة اللازمة وفي غياب أي ضغط من أي سلطة كانت و توفير الحماية لهم من كيد الأفراد لهم و نزعتهم الطبيعية الى الشكوى منهم فلا يقدمون للمحاكمة إلا إذا كان هناك اتهام جاد و حقيقي ضدهم[7] و حسب هذا الرأي فإن الجهة التي ينتمي إليها المتهم هي التي تؤخذ في الحسبان فكل مساس بشخص أحد رجال القضاء مثلا هو مساس بالسلطة القضائية و بالتالي الخط من الهيبة الواجبة للجهة التي ينتمي اليها المتهم.
و يمكن بالإضافة إلى ذلك إيجاد تبرير لنظام الامتياز القضائي في كون أن هذا الأخير ليس ميزة شخصية لمن يطبق عليه و انما القصد منه ضمان تطبيق العدالة بتوفير هيئة تحقيق أو حكم لا تتأثر بنفوذ المتهم أو وظيفته التي كان أو مازال يمارسها ومن هذا المنظور فهو إجراء فرضته المصلحة العامة و معايير تطبيق العدالة على الجميع و هو التبرير الذي دفع المشرع الى تسمية الإجراءات المتعلقة به بقواعد الاختصاص الاستثنائية وليس نظام الامتياز القضائي.
لذلك فإن نظام الامتياز القضائي يتعلق بالنظام العام فلا يحق للمتمتع به أن يتنازل عنه كما يجب على المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها[8] و يمكن إثارته في اي مرحلة من مراحل التقاضي[9] و تقدر صفة المتهم بالنظر إلى وقت ارتكاب الجريمة لا إلى وقت تحريك المتابعة إذ ليس من الضروري ان يتوفر على هذه الصفة عند الاتهام و عليه فإذا كان أحد الأشخاص المشمولين بالامتياز القضائي قد توقف عن مزاولة وظيفته بعد اقتراف الجريمة فإنه يبقى مع ذلك خاضعا القواعد المقررة في المواد 265 من قانون المسطرة الجنائية.
ولو قيل بغير ذلك لكان امر الضمانات المقررة في الامتياز القضائي موكولا الى السلطة وليس القانون إذ يمكن للسلطة إذا يمكن للسلطة إذا أردت إهدار الضمانات بالنسبة لشخص مشمول بالامتياز القضائي لا زال يمارس مهامه أن تعفيه من منصبه ليقدم بعد ذلك إلى محاكمة طبقا للقواعد العادية فضلا عن إن ما أورده المشرع من قواعد استثنائية في النظام ليس مقصودا بها شخص المشمول به بل يتعلق بمصلحة عامة اقتضت تخصيص إجراءات معينة لمساءلته عن الجرائم التي تقع منه أثناء تأدية وظيفته.
المطلب الثاني: مراقبة مسطرة الامتياز القضائي
يقتضي منا دراسة و تحليل هذا المطلب تقسيمه إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن دور المحكمة العليا في بعض الجرائم المنسوبة لبعض الموظفين ثم ننتقل في الفقرة الثانية للحديث عن دور المجلس الأعلى و محكمة الاستئناف في الجرائم المنسوب لبعض الموظفين و القضاة معه نستحضر الحديث عن الدستور المغربي الحالي في الفصل السادس والثمانين نص على ما يلي ” اعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا عما يرتكبون من جنايات وجنح اثناء ممارستهم لمهامهم ”
وقد كان الدستور المغربي الأول الصادر سنة 1962 يسمي هذه المحكمة “المحكمة العليا للعدل و كذلك قواعد اختصاص المجلس الأعلى في البت في قضايا الامتياز القضائي فصول الباب الثاني من الكتاب الثاني لقانون المسطرة الجنائية وبالضبط الفصول 267 وما بعده، و سنتناول الحديث تعتبر محكمة الاستئناف تعتبر درجة ثانية من درجات التقاضي حيث تعمل الهيئة الحاكمة على تأييد الحكم الصادر ابتدائيا أو تغير من معالم الحكم الصادر ابتدائيا.
الفقرة الأولى: المحــــــكمة العلــــــــــيا سابقا[10].
نص الدستور المغربي الحالي في الفصل السادس والثمانين نص على ما يلي ” اعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا عما يرتكبون من جنايات وجنح اثناء ممارستهم لمهامهم ”
وقد كان الدستور المغربي الأول الصادر سنة 1962 يسمي هذه المحكمة “المحكمة العليا للعدل وهكذا نص دستور 1962 في فصوله من 88 الى 92 على إحداث محكمة عليا للعدل تختص بمحاكمة اعضاء الحكومة جنائيا عما يرتكبونه من جنايات وجنح اثناء ممارستهم لمهامهم، كما نص على ان اعضاء هذه المحكمة ينتخبهم البرلمان (المجلسان آنذاك) من بين اعضائه وعلى أن رئيس المحكمة العليا للعدل يعين بمرسوم ملكي[11].
واخيرا نص على أن عدد اعضاء المحكمة العليا للعدل وكيفية تعيينهم، والمسطرة المتبعة في ذلك ستنظم بمقتضى قانون تنظيمي والملاحظ أن دستور 1970 عبر عن هذه المؤسسة بالمحكمة العليا فقط، دون اضافة كلمة العدل الواردة في دستور 1962، وانه جعل انتخاب اعضاء المحكمة العليا بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب بعد أن لم يعد هناك إلا مجلس واحد، كما جعل تعيين الرئيس يتم بمقتضى ظهير شريف.
وعند صدور دستور 1972 استقر الأمر على تسمية هذه المؤسسة بالمحكمة العليا وعلى جميع المقتضيات الاخرى دون تغيير، وهي نفس المقتضيات التي ظلت قائمة عند صدور دستور 1992 المعدل، وقد صدرت القوانين التنظيمية المذكورة أثر كل دستور، وهكذا صدر بتاريخ 1963/11/9 ظهير شريف بمثابة قانون تنظيمي للمحكمة العليا للعدل، ثم صدر بتاريخ 70/10/1 ظهير شريف بمثابة قانون تنظيمي للمحكمة العليا للعدل ثم صدر بتاريخ 1977/10/8 ظهير شريف بمثابة قانون تنظيمي للمحكمة العليا للعدل وهو المعمول به حاليا.
وتنص هذه الظهائر مع بعض الاختلافات على أن المحكمة العليا تتكون من رئيس وقضاة ينتخبهم مجلس النواب وتستعين بلجنة للتحقيق ونيابة عامة، أما عدد القضاة فهم ستة بالإضافة الى الرئيس ويضاف اليهم ثلاثة قضاة مساعدون أما لجنة التحقيق فتتكون من ثلاثة قضاة للمحكمة بالمجلس الأعلى ومن اربعة اعضاء رسميين ينتخبهم مجلس النواب وتضم ثلاثة قضاة مساعدين هم قاضي للمحكمة بالمجلس الأعلى و قاضيان مساعدان ينتخبهما مجلس النواب، على أن يعين رئيسا للجنة التحقيق احد قضاة الحكم بالمجلس الأعلى[12].
وقد كانت النيابة العامة ممثلة بواسطة قاض من النيابة العامة بمشاركة عضوين ينتخبان من مجلس النواب، وذلك وفق احكام ظهير 1970/10/1 واصبحت حاليا ممثلة بواسطة الوكيل العام لجلالة الملك لدى المجلس الأعلى بمساعدة المحامي العام الأول وعضوين ينتخبهما مجلس النواب وينتخب مجلس النواب في الشهر الموالي المستهل مدة كل نيابة، ستة قضاة رسميين للمحكمة وثلاثة قضاة مساعدين واربعة قضاة رئيسيين للجنة التحقيق وعضوين مساعدين وعضوين رسميين يشاركان في مهام النيابة العامة وعضو مساعد، وذلك بالاقتراع السري وبالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب.
ولعل أن لهذه المحكمة خصوصيات لأنها لا تقبل المطالبة بالحق المدني لا أمام لجنة التحقيق ولا أمام المحكمة العليا، وأن احكامها لا تقبل الاستئناف ولا الطعن بالنقض وان الشركاء في الاتهام من غير اعضاء الحكومة يفصل ملفهم ويحال على المحاكم العادية أما بقية الاجراءات وطرق المحاكمة والمداولة فهي عادية باستثناء وجوب بت المحكمة بعد المداولة في مسؤولية المتهم بالتصويت الانفرادي حول كل تهمة على حدة وبالأوراق السرية وبالأغلبية المطلقة، وبعد صدور الدستور المراجع والمصادق عليه في استفتاء 13/9/1996 والمحدث للنظام البرلماني بالغرفتين تم التنصيص في بابه الثامن على المحكمة العليا وعلى تأليفها من أعضاء ينتخب نصفهم من بين أعضاء مجلس النواب ونصف الاخر من بين أعضاء مجلس المستشارين ويعين رئيسها بظهير شريف[13]، على أن يصدر قانون تنظيمي يحدد عدد أعضاء هذه المحكمة وكيفية ومسطرة انتخابهم.
وتجدر الاشارة الى أن توجيه الاتهام الى اعضاء الحكومة يجب أن يكون موقعا على الأقل من ربع أعضاء المجلس الذي يقدم اليه أولا، ويناقشه المجلسان بالتتابع ويوافق عليه بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس باستثناء الاعضاء الذين يعهد اليهم بالمشاركة في المتابعة أو التحقيق أو الحكم.
الفقرة الثانية: المجلس الأعلى و محاكم الاستئناف
سنعمل على تقسيم هذه الفقرة إلى جزئيين نخصص الاول لمناقشة مهام المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا أولا و بعدها نمر للتفصيل أيضا في مهام محاكم الاستئناف ثانيا.
أولا: المـــــــــجلس الأعــــــــــلى سابقا[14]
نظمت قواعد اختصاص المجلس الأعلى في البت في قضايا الامتياز القضائي فصول الباب الثاني من الكتاب الثاني لقانون المسطرة الجنائية وبالضبط الفصول 267 وما بعده و التي جاء في أحكامها على أنه وهكذا تختص الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى بإصدار الأمر بالمتابعة أو بالإحالة على المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا، كل ما تعلق الأمر بمستشار ملكي او عضو من أعضاء الحكومة، أو قاض بالمجلس الأعلى أو عامل اقليم أو رئيس اول لمحكمة استئناف أو وكيل عام بها أو ضابط للشرطة القضائية يباشر وظيفته في مجموع تراب المملكة المغربية وذلك من خلال المادة 267 والفقرة الثامنة من المادة 270 من ق.م.ج[15].
فقد جاءت المادة 267 من ق.م.ج من خلال احكامها على أنه” إذا كان الفعل منسوباً إلى قاض بمحكمة ابتدائية عادية أو متخصصة، فإن للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أن يحيل القضية بملتمس إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة الذي يقرر ما إذا كان الأمر يقتضي إجراء بحث، وفي حالة الإيجاب، يعهد إلى قاض للتحقيق أو إلى مستشار بمحكمته يكلفه بالتحقيق، بإجراء البحث في الوقائع موضوع المتابعة.
وتطبق مقتضيات المادة السابقة بالنسبة للبحث والمتابعة والإحالة والمطالبة بالحق المدني”
ويمكن للغرفة الجنائية بناء على ملتمسات الوكيل العام بالمجلس الأعلى تعيين عضو أو أكثر لإجراء التحقيق، ولها أن تصدر امرا قضائيا بعدم المتابعة او بالإحالة على المجلس الأعلى وفي حالة صدور الأمر بالإحالة فإن المجلس الأعلى يجتمع بكامل غرفه للبت في القضية ولا يمكن تقديم أية مطالبة بالحق المدني امام المجلس الأعلى.
وهكذا يزول الاستغراب الذي اشرنا اليه في البداية، فالمجلس الأعلى بجميع غرفه هو الذي يبت في حالة متابعة وزير أو أي شخص من المشار اليهم سابقا ولا تمكن المطالبة بالحق المدني امامه.
وهكذا فالمشتكي هنا مجرد شاهد لا صفة له في تناول الكلمة كمطالب بالحق ومن ثم فلا حق له في تنصيب محام ولا حق لهذا الأخير في التكلم أو توجيه الأسئلة أو المشاركة في المناقشة أو تقديم أي مطالب أو شرح وجهة نظره، لأن الأمر يتعلق بمجرد شاهد في القضية لم يرق الى درجة الطرف القانوني الذي هو المطالب بالحق المدني.
وقد تحصل هذه الواقعة ايضا في القضايا العادية عندما لا يقدم المشتكى امام القضاء العادي على إتخاذ الاجراءات الكفيلة باعتباره مطالبا بالحق وفق احكام المادة 333 من ق.م.ج[16] وما بعده، فيعتبر شاهدا لا حق له في تنصيب محام وليس لهذا الأخير الحق في اخذ الكلمة، وتظهر هذه الصورة في كثير من الأحيان، عند صدور الحكم الابتدائي بالبراءة، فلا يحق للمشتكي استئنافه ولا يحق له بسط وجهة نظره امام محكمة الاستئناف.
و مما لا شك فيه ان قاعدة عدم قبول تقديم المطالب المدنية امام المجلس الأعلى لا تعني انتفاء حق المشتكي في تقديم طلباته امام المحاكم المدنية العادية المختصة اختصاصا مكانيا ونوعيا، فهذا الحق قد يصبح مضمونا في حالة صدور قرار بالإدانة يكون هو السبب الأساسي في رفع دعوى التعويض.
ثانيا: محــــــــــــاكم الاستئنــــــــــــاف[17]
تعتبر محكمة الاستئناف تعتبر درجة ثانية من درجات التقاضي حيث تعمل الهيئة الحاكمة على تأييد الحكم الصادر ابتدائيا أو تغير من معالم الحكم الصادر ابتدائيا و أيضا محاكم الاستئناف في نطاق الامتياز القضائي كلما كان الفعل منسوبا الى قاض بمحاكم الاستئناف او المحاكم الابتدائية أو الى باشا أو قائد ممتاز، او قائد او ضابط للشرطة القضائية أو خليفة للباشا أو خليفة للقائد وذلك سواء تعلق الأمر بعمل أثناء ممارسة الوظيفة أو خارجه وتختلف طرق المتابعة بينما اذا كان الفاعل قاضيا بمحكمة الاستئناف حيث يرفع الأمر الى الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى من طرف السيد الوكيل العام، وعلى هذه الأخيرة أن تعين محكمة استئناف غير تلك التي وقعت فيها المتابع مهامه.
أما إذا كان الفعل منسوبا الى قاض بالمحاكم الابتدائية او الى باشا أو قائد أو قائد ممتاز أو خلفائهم، فإن السيد الوكيل العام بالدائرة التي وقعت فيها المتابعة يرفع الأمر الى السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي يعين في حالة ظهور بوادر تستوجب البت مستشارا من خارج الدائرة التي يباشر فيها المتابع عمله، على ان تحال القضية دائما على محكمة استئناف خارج هذه الدائرة كذلك.
وتمتاز هذه الطريقة بأمرين أساسيين أولهما انه في حالة المتابعة بجنحة، فإن الاحالة تتم على محكمة الاستئناف لا على المحكمة الابتدائية المختصة طبقا للقواعد العادية وثانيهما أنه يمكن المطالبة بالحق المدني امام هيئة الحكم المواد 268 و 269 و 270 من ق.م.ج[18].
وحيث أن المادة 268 جاء من خلال مقتضياتها على أنه ” إذا نسب لباشا أو خليفة أول لعامل أو رئيس دائرة أو قائد أو لضابط شرطة قضائية من غير القضاة المشار إليهم في المواد السابقة ارتكابه لجناية أو جنحة أثناء مزاولة مهامه، فإن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المعروضة عليه القضية من طرف الوكيل العام للملك، يقرر ما إذا كان يقتضي الأمر إجراء البحث، وفي حالة الإيجاب يعين مستشاراً مكلفاً بالتحقيق بمحكمته.
إذا تعلق الأمر بجناية، فإن المستشار المكلف بالتحقيق يصدر أمرا بالإحالة إلى غرفة الجنايات، أما إذا تعلق الأمر بجنحة فإنه يحيل القضية إلى محكمة ابتدائية غير التي يزاول المتهم مهامه بدائرتها.
إذا كان ضابط الشرطة القضائية مؤهلا لمباشرة وظيفته في مجموع تراب المملكة، فإن الاختصاص يرجع إلى محكمة النقض حسب الكيفيات المنصوص عليها في المادة 265.
يمكن للطرف المدني التدخل لدى هيئة الحكم ضمن الشروط المحددة في المادتين 350 و351 بعده”[19].
المبحث الثاني: قواعد الاختصاص الاستثنائية الخاصة بالقضاة و الموظفين.
لعل مناقشة هذا المبحث يقتضي منا تقسيمه إلى شقين نتناول من خلال المطلب الأول قواعد الاختصاص الاستثنائية بموجب نصوص خاص كالجرائم التي يرتكبها الأحداث و جرائم الارهاب و ايضا الجرائم التي تنصب على الأسرة و جرائم الصيد البحري، ثم ننتقل في خضم مناقشة هذا المبحث لزاما علينا أن نتناول في المطلب الثاني قواعد الاختصاص الاستثنائية المعالجة في الباب الثاني من قانون المسطرة الجنائية و الذي سنعمل على تحليله من خلال التفصيل في حالات الامتياز القضائي و حالات الإحالة من محكمة إلى أخرى و نمر بعد ذلك لمناقشة امتداد الاختصاص ويتم ذلك من خلال محكمة من المحاكم “عادية كانت أو مختصة”، بمقتضاه تخول النظر في جرائم لا تكون لها ولاية الفصل فيها بحسب القواعد المعتادة للاختصاص و بعدها نمر للحديث عن تعارض بعض المقتضيات القانونية وذلك عبر كيفية التحقيق و الجهاز الموكول له هذه المهمة ثم الجرائم التي ذكرها المشرع و التي تدخل في خانة الجنح و الجنايات مع إغفاله التنصيص عن الأوقات التي يقضيها الموظف أو القاضي خارج المهام.
ونتطرق للحديث عن المادة 264 من ق.م.ج التي تشير إلى أن مسطرة الإمتياز القضائي تطبق في حق مجموعة من الأشخاص إذا نسب إليهم فعل جرمي خلال تأدية المهام أو خارجها يوصف بجنحة أو جناية، في حين نجد أن المادة 268 من ق.م.ج التي وضعت أحكام خاصة بفئة الدرجة الرابعة استعملت صياغة ضيقة و تحدثت فقط عن ارتكاب جناية أو جنحة أثناء مزاولة المهام الموكولة له و لم تتحدث عن ارتكاب جناية أو جنحة خارج مزاولة المهام و هذا ما تعارض مع مقتضيات المادة 264 و مقتضيات المادة 268 من ق.م.ج[20].
المطلب الأول: قواعد الاختصاص الاستثنائية و المقتضيات المعارضة لها.
يتعين علينا في هذا الصدد تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين نخصص الأولى للحديث عن قواعد الاختصاص الاستثنائية بموجب نصوص خاص و بعدا نمر للتفصيل في الفقرة الثانية عن المقتضيات المعارضة لمسطرة الإمتياز و سنستحضر الحديث عن غرفة الجنايات تبت ابتدائيا بمجرد إحالة القضية عليها و لا يجوز لها أن تصرح بعدم اختصاصها بنظرها، اللهم إن هو الأمر تعلق بقضية يرجع النظر فيها لمحكمة متخصصة “أو استثنائية “، و مفاد ما سبق إذن هو أن مقرر الإحالة على غرفة الجنايات الابتدائية و مهما كان مصدره ” النيابة العامة ، أو قاضي التحقيق، أو الغرفة الجنحية عندما تلغى أمرا بعدم المتابعة يكون أصدره قاضي التحقيق”. يمنح الاختصاص لهذه الغرفة وجوبا حتى و إن كان ذلك ينافي قواعد الاختصاص المعتادة.
وفي هذا الصدد يمكن استحضار قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الاعلى سابقا محكمة النقض من خلال القرار عدد: 847/1 المؤرخ في: 7/6/2006 في الملف الجنحي عدد: 2883/2006 حيث جاء فيه ” قواعد الاختصاص – الامر بإيداع المتهم في السجن الصادر عن السيد قاضي التحقيق – استئنافه – اختصاص الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى.
الفقرة الأولى: قواعد الاختصاص الاستثنائية بموجب نصوص خاصة
في هذا الصنف من الاستثناءات، يلاحظ أن المشرع يخرج عن القواعد العام للاختصاص في بعض الحالات بنصوص خاصة، و هي في عمومها لا تطرح مشاكل عويصة عند العمل بها ، كما أن أهميتها جد محدودة من حيث عدد تطبيقاتها. و من أبرز هذه الحالات نشير إلى :
الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث، فإن نظرها يرجع لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث الذي ارتكبت الجريمة في دائرة نفوذه، أو الذي يوجد ضمن دائرة نفوده محل إقامة الحدث أو أبويه أو وصيه أو المقدم عليه أو كافله أو حاضنه أو للقاضي الذي عثر في دائرته على الحدث، و يكون كذلك لقاضي المكان الذي أودع به الحدث إما بصفته مؤقتة أو بصفة نهائية ، و هذا ما جاءت به المادة 469 من قانون المسطرة الجنائية [21].
كما أننا نجد عملا بما جاء في الفقرة الأولى من الفصل 481 من مجموعة القانون الجنائي فإنه يلاحظ بأن المشرع المغربي قرر استثناء مفاده، أنه إلى جانب المحاكم المختصة طبقا لقواعد الاختصاص العادية ” أو المعتادة التي تجعلها إما محل اقتراف الجريمة ، أو محل إقامة المتهم ، أو محل إلقاء القبض عليه”، تكون المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المتهم أو المستحق للنفقة مختصة أيضا بالنظر في تلك الدعاوي المرفوعة ، طبقا للفصلين 479-480 من مجموعة القانون الجنائي المتعلقين بإهمال الأسرة[22].
أيضا نجد تطبيقا للمادة 418 من قانون المسطرة الجنائية ، فإن غرفة الجنايات تبت ابتدائيا بمجرد إحالة القضية عليها و لا يجوز لها أن تصرح بعدم اختصاصها بنظرها، اللهم إن هو الأمر تعلق بقضية يرجع النظر فيها لمحكمة متخصصة “أو استثنائية “، و مفاد ما سبق إذن هو أن مقرر الإحالة على غرفة الجنايات الابتدائية و مهما كان مصدره ” النيابة العامة ، أو قاضي التحقيق، أو الغرفة الجنحية عندما تلغى أمرا بعدم المتابعة يكون أصدره قاضي التحقيق”. يمنح الاختصاص لهذه الغرفة وجوبا حتى و إن كان ذلك ينافي قواعد الاختصاص المعتادة.
ليس هذا فقط بل حتى المادة السابعة من القانون المتعلق بالإرهاب رقم 03.03 ، فإنه خلافا للقواعد الاختصاص المقررة في قانون المسطرة الجنائية ، أو في نصوص أخرى، تختص محكمة الاستئناف بالرباط بالمتابعة و التحقيق و الحكم في الجرائم الإرهابية[23]. و هو نفس النهج الذي سار عليه تعديل قانون 36.10 الذي أضاف المادة1-260، فإن أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف المحددة و المعينة دوائر نفوذها بمرسوم هي المختصة استثناء من قواعد الاختصاص العادية الواردة في الفرع الأول من القسم الأول من الكتاب الثاني من قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية- بالنظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول من 241إلى 256 من مجموعة القانون الجنائي و كذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها.
أيضا نجد عملا بالفصل 49 من قانون الصيد البحري فإن المتابعات عن الجرائم التي وردت في هذا القانون ترفع فيما يخص البواخر المغربية إلى المحكمة الداخل في دائرة نفوذها الميناء المسجلة في الباخرة المذكورة. أما بالنسبة للمراكب الأجنبية فترفع إلى المحكمة القريبة من الميناء الذي يساق إليه المركب[24]، أضف إلى ذلك نص المادة 517 من قانون المسطرة المدنية الذي نص على “إذا كان قاض من قضاة محكمة الاستئناف أو المحكمة الابتدائية أو زوجه طرفا في الدعوى بصفته مدعي أو مدعى عليه أصدر الرئيس الأول لمحكمة النقض بناء على طلب من يعنيه الأمر قرارا يقضي بتعيين المحكمة التي نظر في القضية خارج دائرة محكمة الاستئناف التي يزاول بها مهامه و ذلك خلاف لقواعد الاختصاص المشار إيها في القانون و يكون كل حكم يصدر بدون هذا القرار باطلا”.
فالنص و لو أنه وارد في قانون المسطرة المدنية، فهو عام وواجب التطبيق كذلك أمام المحكمة الزجرية لتصور إمكانية انتصاب أحد القضاة أو زوجه، مثلا، طرفا في الدعوى الزجرية للمطالبة أمام المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية التي يمارس ضمن نفوذها مهامه، بتعويض الضرر الناجم مباشرة عن جريمة من الجرائم، و هو ما منعه المشرع إتقاء للشبهات .مما يؤدي عمليا إلى نقل الاختصاص بنظر في الدعوى في هذه الحالة لمحكمة أخرى- خلافا لقواعد الاختصاص العادية، بناء على الطلب الذي يرفعه المعني بالأمر للرئيس الأول لمحكمة النقض الذي يخول له القانون صلاحية تحديد المحكمة – خلافا لقواعد الاختصاص المعتادة التي يرى بأنها أضمن لتحقيق العدالة[25].
الفقرة الثانية: تعارض المقتضيات القانونية و مسطرة الإمتياز.
لعل المادة 264 من ق.م.ج تشير إلى أن مسطرة الإمتياز القضائي تطبق في حق مجموعة من الأشخاص إذا نسب إليهم فعل جرمي خلال تأدية المهام أو خارجها يوصف بجنحة أو جناية، في حين نجد أن المادة 268 من ق.م.ج التي وضعت أحكام خاصة بفئة الدرجة الرابعة استعملت صياغة ضيقة و تحدثت فقط عن ارتكاب جناية أو جنحة أثناء مزاولة المهام الموكولة له و لم تتحدث عن إرتكاب جناية أو جنحة خارج مزاولة المهام و هذا ما تعارض مع مقتضيات المادة 264 و مقتضيات المادة 268 من ق.م.ج[26].
و من خلال هذا الطرح الذي تقدمنا بعرضه يثار عدة إشكالات تجعل من المستفيدين من هذه المسطرة أن المشرع أغفل الحديث عن الجرائم المرتكبة خارج المهام و لعلها في نظر كل باحث أو متخصص في مجال القانون أنه هي الفترة التي يعمد بعض الموظفين بإرتكاب مجموعة من الجرائم التي يمكن وصفها في خانة الجنح أو الجنايات، كاستغلال النفوذ أو الرشوة أو الفساد و غريرها من الجرائم التي أصبحت تلامس الواقع و مما لا شك فيه أن المشرع الجنائي أبان عن حكمة محاكمة الموظفين و القضاة من خلال مسطرة اللإمتياز.
يلاحظ أن الفقرة الثانية من المادة 265 من ق.م.ج تشير إلى التحقيق يجري حسب الكيفية المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي إلا أن الفقرة الرابعة تحصر الأوامر القضائية التي يمكن أن يصدرها قاضي أو قضاة التحقيق بعد إنها التحقيق من خلال أمرين الأمر بعدم المتابعة أو الأمر بالإحالة، و من خلال مضمون المادة السالفة الذكر التي جاء فيها على انه ” إذا كان الفعل منسوباً إلى مستشار لجلالة الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة مع مراعاة مقتضيات الباب الثامن من الدستور أو قاض بمحكمة النقض أو المجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري أو إلى والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها، فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر- عند الاقتضاء – بناء على ملتمسات الوكيل العام للملك بنفس المحكمة بأن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتها.
يجرى التحقيق حسب الكيفية المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي.
بعد إنهاء التحقيق يصدر قاضي أو قضاة التحقيق، حسب الأحوال، أمراً قضائياً بعدم المتابعة أو بالإحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض.
تبت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في القضية.
يقبل قرار الغرفة الجنائية الاستئناف داخل أجل ثمانية أيام. وتبت في الاستئناف غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي بتت في القضية.
لا تقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض[27]“.
وفي هذا الصدد يمكن استحضار قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الاعلى سابقا محكمة النقض من خلال القرار عدد: 847/1 المؤرخ في: 7/6/2006 في الملف الجنحي عدد: 2883/2006 حيث جاء فيه ” قواعد الاختصاص – الامر بإيداع المتهم في السجن الصادر عن السيد قاضي التحقيق – استئنافه – اختصاص الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى:
إن خلو المادة 265 من ق.م.ج من تعيين جهة قضائية للنظر في الطعن بالاستئناف المقدم ضد أوامر و إجراءات التحقيق يحتم على الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى سد هذا الفراغ، و مد مراقبتها إلى ما ذكر بغية تقويم أي مساس محتمل بالحريات أو بالقانون، بما ينسجم مع مهامها الرقابية على المقررات القضائية و النظر بالتالي في التصريح بالاستئناف المرفوع إليها ضد الأمر القضائي الصادر عن السيد قاضي التحقيق القاضي بإيداع المتهم في السجن مؤقتا [28]“.
المطلب الثاني : قواعد الاختصاص الاستثنائية المعالجة في الباب الثاني من ق.م.ج.
عالج المشرع المغربي في الباب الثاني المعنون “بقواعد الاختصاص لاستثنائية”، من الكتاب الثاني المعنون ب ” الحكم في الجرائم” ضمن قانون المسطرة الجنائية ، مجموعة من الحالات التي خرج فيها عن المألوف المتضمن في قواعد الاختصاص العامة. فجاءت هذه القواعد الاستثنائية محددة و محصورة على أشخاص معينة و على حالات خاصة، و بهذا فسأتطرق في الفقرة الأولى إلى “حالات الامتياز القضائي و الإحالة من محكمة إلى أخرى”، و في الفقرة الثانية “الحالات التي يقع فيها امتداد الاختصاص”.
و يتعلق الأمر بالمحاكمة عن جرائم “جنايات و جنح” يرتكبها مستشار لجلالة الملك أو أي عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة، أو نائب كاتب دولة، أو قاضي بمحكمة النقض، أو بالمجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المحكمة الدستورية أو والي، أو عامل، أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية، و بالرجوع للمادة 268 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد المسطرة الخاصة الواجبة الإتباع بالنسبة لهذه الفئة من الموظفين حينما يرتكبون جنايات أو جنح أثناء مزاولة مهامهم.
الفقرة الأولى: حالات الامتياز القضائي و حالات الإحالة من محكمة إلى أخرى.
سنقوم بذكر هذه الحالات تواليا كما يأتي:
حالات هذه المجموعة من الاستثناءات، أتت بها المواد من 264إلى 268 من قانون المسطرة الجنائية، و هي تحدد الاختصاص بنظر في الجرائم تبعا لفات معينة من الأشخاص ” قضاة و موظفين عمومين” كالآتي:
- الفئة الأولى: و يتعلق الأمر بالمحاكمة عن جرائم “جنايات و جنح” يرتكبها مستشار لجلالة الملك أو أي عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة، أو نائب كاتب دولة، أو قاضي بمحكمة النقض، أو بالمجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المحكمة الدستورية أو والي، أو عامل، أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية، أو متخصصة، أو وكيل عام للملك لديها، أو ضابط للشرطة القضائية مؤهل لمباشرة وظيفة في مجموع التراب المملكة. حيث الاختصاص بالنسبة لهذه الفئة ينعقد للغرفة الجنائية بمحكمة النقض التي تبث في القضية ابتدائيا بقرار يكون قابلا للطعن فيه بالاستئناف أمام غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي تبت في القضية ابتدائيا[29].
- الفئة الثانية : و يتعلق الأمر بالأشخاص المذكورين في المادة 266 من قانون المسطرة الجنائية عندما ينسب إليهم اقتراف جناية أ جنحة، و هم حصرا، القضاة بمحاكم الاستئناف أو رئيس المحكمة الابتدائية العادية أو المتخصصة، أو وكيل الملك بها أو قاض بمجلس جهوي للحسابات، حيث ينعقد الاختصاص بالنسبة لهذه الفئة لغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف غير تلك التي يباشر المعني فيها مهامه إن تعلق الأمر بجناية، أما إن تعلق الأمر بجنحة انعقد الاختصاص لغرفة الجنح الاستئنافية من ذات المحكمة و كل هذا بقرار تتخذه الغرفة الجنائية بمحكمة النقض[30].
- الفئة الثالثة: إن هذه الفئة لا تشمل غير القضاة بالمحاكم الابتدائية العادية أو المتخصصة، كما عبر ذلك صراحة نص المادة 267 من قانون المسطرة الجنائية، و من ثم فإنه لا يشمل الموظفين من غير القضاة، كما يفهم من الصياغة العامة للنص كذلك أنه يتسع ليشمل قضاة الحكم و التحقق و النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية العادية و المتخصصة.
أما الاختصاص بنظر الجرائم من الجنايات أو الجنح التي ترتكبها هذه الفئة من القضاة فإن المادة 267 من قانون المسطرة الجنائية، ميزة ، بين ما إذا كان الأمر يتعلق بجناية، حيث يكون للقاضي المكلف بالتحقيق إصدار أمره بإحالة القضية على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف التي بوشر فيها التحقيق، أما إن هو تعلق الأمر بجنحة ، فإنه –قاضي التحقيق- يحيلها على غرفة الجنح الاستئنافية لتنظر فيها ابتدائيا.
- الفئة الرابعة: و هذه الفئة من الموظفين[31] لا تجري عليهم هذه المسطرة الاستثنائية من حيث المتابعة و التحقيق و المحاكمة، سوى بالنسبة للجرائم” جنايات و الجنح”، التي يقترفونها أثناء قيامهم بمهامهم( و هذا خلافا للآفة الأخرى التي تستفيد من هذه المسطرة حتى بالنسبة للجرائم التي يرتكبونها خارج نطاق مزاولة مهامهم)، من دون غيرهم مما يكونون اقترفوه و هم لا يمارسون مهامهم فيخضعون تبعا لذلك للمسطرة العادية.
و بالرجوع للمادة 268 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد المسطرة الخاصة الواجبة الإتباع بالنسبة لهذه الفئة من الموظفين حينما يرتكبون جنايات أو جنح أثناء مزاولة مهامهم ، نجد أن الاختصاص بنظرها ، عملا بالمادة السابقة ، إما أن ينعقد لغرفة الجنايات التي يكون التحقيق قد بوشر فيها، إن تعلق الأمر بجناية. أما إذا تعلق الأمر بجنحة فإن قاضي التحقيق الذي أجرى التحقيق يحيلها على المحكمة الابتدائية غير تلك التي يمارس بدائرتها المتهم مهامه[32].
و الملاحظ أن نشير من خلال هذه الفئة من الموظفين أن المشرع وجد مناسبا أن ينبه من جهة إلى أن المسطرة المطبقة باستثناء عليهم لا تسري على القضاة حتى و إن ارتكبوا جرائمهم ” جنايات أو جنح”، و هم يمارسون أعمال الشرطة القضائية ” ممثلي النيابة العامة، قضاة التحقيق”. و من جهة أخرى أن يمتنع ضباط الشرطة الذين يمارسون مهامهم على مجموع التراب الوطني بنفس الامتياز الذي يسري على الأشخاص المعدودين[33]، “مستشاري الملك و أعضاء الحكومة أو كتاب الدولة….”. حيث ينعقد الاختصاص في نظر جرائمهم ابتدائيا للغرفة الجنائية بمحكمة النقض و استئنافيا لمحكمة النقض برمتها باستثناء الغرفة الجنائية التي نظرت ابتدائيا في القضية[34].
ثانيا: حالات الإحالة من محكمة إلى أخرى.
الإحالة من محكمة إلى أخرى عبارة عن إجراء قانوني يؤدي حتما إلى تعديل في قواعد الاختصاص، و خصوصا المحلي أو المكاني منه المعتادة و الذي تتخذ حالاته ثلاثة صور و هي:
- الإحالة من أجل تشكك مشروع:
الدواعي التي يعتمد عليها في الاتخاذ هذا الإجراء متعددة و مختلفة طبعا، و يمكن اختصارها بإجمال في توافر كل ظرف من شأنه أن يمس مسا خطيرا بمبدأ حياد المحكمة أو جهة التحقيق أو استقلالها في نظر بالدعوى العمومية. حيث نجد المشرع قام بوضع آلية للوقوف ضد كل شبهة من شأنها أن تمس بنزاهة القضاء و ذلك في المادة 270 من قانون المسطرة الجنائية لما قرر بأنه “يمكن للغرفة الجنائية بمحكمة النقض أن تسحب الدعوى من أجل تشكك مشروع من اي هيئة للتحقيق أو هيئة للحكم و تحيلها إلى هيئة قضائية من نفس الدرجة”.
وتبتدئ مسطرة الإحالة بتقديم عريضة توضع بكتابة الضبط محكمة النقض ، إما من طرف الوكيل العام بها ، أو من قبل النيابة العامة بالمحكمة التي رفعت إليها الدعوى، أو من قبل المتهم أو المطالب بالحق المدني. و تقديم العريضة لا يترتب عنه توقف المحكمة المعروضة عليها الدعوى عن النظر فيها إلا إذا قررت الغرفة المذكورة خلاف ذلك[35]، كما يجب أن يحصل هذا التقديم للعريضة قبل كل استنطاق أو مناقشة في جوهر الدعوى، اللهم إلا إذا كانت أسباب الإحالة المستدل بها قد طرأت أن اكتشفت بعد أن شرع في الاستنطاق أو مناقشة جوهر الدعوى، و بمجرد تلقي العريضة يتم تبليغها فورا لجميع الأطراف الذين يهمهم الأمر و يضرب لهم أجل قدره عشرة أيام قصد الإدلاء بموقفهم و ذلك في مذكرة توضع لدى تابة الضبط بمحكمة النقض.
ومن خلال ذلك يتم التوصل بمذكرات الأطراف تجتمع الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في غرفة المشورة، و في غياب الأطراف، و ذلك داخل شهر من تاريخ تقديم الطلب الذي تبت فيه بقرار يبلغ على الفور إليهم[36]. و طبيعي أن المقرر قبول طلب الإحالة يترتب عنه حتما سحب الدعوى من المحكمة التي كانت معروضة عليها و إحالتها علة محكمة أخرى من نفس درجتها .أما إن صدر مقرر الغرفة الجنائية برفض طلب الإحالة، استمرت المحكمة المطعون في حيادها بنظر الدعوى العمومية . و اعتبرت كل الإجراءات التي قامت بها منذ إحالة القضية عليها من جهة الإحالة إلى حين صدور مقرر الغرفة المذكورة بالرفض صحيحة و منتجة لأثارها، مادام المشرع لم يرتب على طلب تقديم طلب الإحالة توقف المحكمة المعروضة عليها الدعوى تلقائيا عن النظر فيها إذا قررت الغرفة الجنائية خلاف ذلك[37].
- الإحالة من اجل المصلحة العامة:
تؤطر هذه الصورة من صور الإحالة على محكمة أخرى غير المحكمة المعروضة عليها الدعوى طبقا للقواعد العامة للاختصاص، فقد نصت المادة 272 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي :”يمكن للغرفة الجنائية بمحكمة النقض ، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وحدها، أن تأمر بالإحالة من أجل الأمن العمومي.
و يمكن أيضا لنفس الغرفة، بناء على ملتمس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أو من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية، تلقائيا او بناء على طلب الأطراف أن تأمر بالإحالة لتحقيق حسن سير العدالة ، بشرط ألا ينتج عن ذلك أي ضرر يعرقل ظهور الحقيقة أو يمس بممارسة حقوق الدفاع ، تجري المسطرة في الحالتين حسب الكيفيات المنصوص عليها في المادة السابقة”.
الملاحظ من خلال النص أعلاه، أن مسطرة الإحالة من أجل الملحة العامة تكون وفق الكيفيات التي تحدت عليها في الإحالة من أجل تشكك مشروع ، و لكن وجه الخلاف بينهما يكمن في كون ملتمس طلب الإحالة لا يقدم في الأولى سوى من النيابة العامة “الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية بطلب الإحالة، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض” دون غيرها من الأطراف ، كالمتهم أو المطالب بالحق المدني من جهة، و من جهة أخرى ، فإن المشرع ربط جواز الإحالة من أجل تحقيق حسن سير العدالة – على الخصوص- بشرط عدم ترتيب أي ضرر عنها يمس بإظهار الحقيقة أو كشفها أو ينال من حقوق الدفاع التي ينبغي صيانتها تحرزا من أن يؤول استخدام الإحالة من أجل تحقيق حسن سير العدالة[38].
- الإحالة بسبب نقض محكمة النقض للحكم:
تنص المادة 550 من قانون المسطرة الجنائية على أنه “إذا أبطلت محكمة نقض مقررا صادرا عن محكمة زجرية، أحالت الدعوى و الأطراف إلى نفس المحكمة متركبة من هيئة أخرى، و بصفة استثنائية على محكمة أخرى من نفس النوع و درجة المحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه.
غير أنه في حالة الإبطال من أجل عدم اختصاص المحكمة التي اصدرت الحكم المقرر إبطاله، يتعين إحالة القضية إلى محكمة مختصة قانونا”.
فيتبين من هذا النص، أنه بالإمكان تجاوز قواعد الاختصاص المعتادة خصوصا المحلي منها، عندما تنقض محكمة النقض مقررا قضائيا تتعذر إحالة الدعوى و الأطراف على نفس المحكمة التي أصدرت المقرر المنقوض و هي مركبة من هيئة أخرى. حيث يسمح استثناء بإحالة القضية لتنظر فيها محكمة أخرى من نفس النوع و درجة المحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه، حتى و لو تعارض ذلك مع ما تقضي به القواعد العامة للاختصاص[39].
الفقرة الثانية: الحالات التي يقع فيها امتداد الاختصاص.
يمكن أن يحصل الامتداد في اختصاص محكمة من المحاكم “عادية كانت أو مختصة”، بمقتضاه تخول النظر في جرائم لا تكون لها ولاية الفصل فيها بحسب القواعد المعتادة للاختصاص، و ذلك عندما يتوافر في النازلة أحد أسباب الامتداد التي يمكن إرجاعها بعد ترصد حالاتها في القانون المغربي إلى تطبيقات ثلاث، أولها ” و أهمها” يفرضه وجود ارتباط بين الجرائم في بعض الحالات. و ثانيها ” و قد خفت أهميته لدرجة كبيرة” يتعلق بجرائم الجلسات، و ثالثها، يتعلق باختصاص المحكمة في المسائل المعترضة المثارة بمناسبة نظر في الدعوى العمومية.
أولا : حالات الجرائم المرتبطة بين الجناة.
يمكن حصر هذه الجرائم في صورتين نذكرهما تواليا كما يلي:
- الارتباط البسيط أو العادي “أو القابل للتجزئة”:
هو الذي يتعرض له القانون في المادة 257 من قانون المسطرة الجنائية بقوله “تكون الجرائم مرتبطة في الأحوال الآتية:
- إذا ارتكبت في وقت واحد من طرف عدة اشخاص مجتمعين.
- إذا ارتكبت من طرف أشخاص مختلفين و لو في أوقات متباينة و في أماكن مختلفة على إثر اتفاق بينهم من قبل.
- إذا ارتكب الجناة جرائم للحصول على وسائل تمكنهم من ارتكاب جرائم أخرى، أو تساعدهم على إتمام تنفيذها أو تمكنهم من الإفلات من العقوبة
- يعتبر إخفاء الأشياء مرتبطا بالجريمة التي مكنت من الحصول على الأشياء المخفاة، أو من انتزاعها او اختلاسها كلا أو بعضا”.
هذا و يلاحظ أن حالات ارتباط العادي أو البسيط التي جاء بها المشرع في المادة السابقة لم يقصد بها الحصر أبدا، و هذا بإجماع كل من الفقه و القضاء بالمغرب، و إنما مثل بها – المشرع- لحالات من الارتباط البسيط بين الجرائم التي تكونها في محاكمة واحدة – خلافا لقواعد توزيع الاختصاص- تحاشيا لصدور أحكام متناقضة ، و توخيا لتحقيق حسن سير العدالة، و الإفادة ما أمكن من سهولة فهم الملابسات التي تحيط بها بكيفية مرضية، و هذا زيادة على ضمان سلامة الإجراءات و سرعتها و الاقتصاد في نفقاتها[40].
- الارتباط غير القابل للتجزئة أو ما يطلق عليه “الاتحاد”:
يتحقق في كل الحالات التي تتوقف فيها دعوى الصلة بين الجرائم بكيفية تمنع تجزئتها و الفصل في كل واحدة على حدة، و يمتل له[41] -أي لهذا النوع من الارتباط- بتزوير أحدهم لأوراقه الشخصية بغرض انتحال صفة من اجل ارتكاب النصب ، و يرتكب هذا الأخير بالفعل ، أو كما في حالة الجرائم التي اعتبرها المشرع مشروعا إجراميا واحدا فرض له عقوبة واحدة.
ويمكن القول مبدئيا، من جهة بأن ضم المسطرة لجهة قضائية واحدة للنظر فيها جميعا يكون إلزاميا في حالات الاتحاد أو الارتباط بين الجرائم غير القابلة للتجزئة و اختياريا في الارتباط البسيط أو العادي. و من جهة أخرى ، فإن أمر ضم المسطرة سواء الوجوبي أو الاختياري تبعا لصور الارتباط – و الذي يؤدي إلى تجاوز قواعد الاختصاص العادي – لا يطرح إذا كانت الجرائم المرتبطة لها طبيعة واحدة، أي نوع واحد، و إنما يثور بالفعل، إذا هي تباينت الجرائم المكونة للارتباط نوعا.
فإذا تعلق الأمر بالارتباط بين عدة جرائم يعود الاختصاص بنظرها جميعها إلى محكمتين عاديتين و لكن من درجتين مختلفتين، انعقد الاختصاص بنظر الجميع إلى المحكمة المختصة بالنظر في الجريمة الأشد[42]. أما إذا كان الارتباط بين عدة جرائم يعود الاختصاص بنظر بعضها إلى محكمة عادية و الأخرى إلى محكمة استثنائية، فإن المشرع المغربي عقد الاختصاص في هذه الحالة إلى القضاء الاستثنائي.
ثانيا: جرائم الجلســـــــــــــــــــــــــــــــات:
مما لا شك فيه أن الأحكام التي تنطبق في جرائم الجلسات في القانون الجديد في الفرع الثاني من الباب الثاني المخصص لقواعد الاختصاص الاستثنائية، و تحت عنوان: ” المعاقبة على الجرائم المرتكبة أثناء جلسات هيئة الحكم”، نجد المشرع قد خصها بمادة فريدة رقمها ب269 التي تنص على ما يلي: ” خلافا للقواعد العادية الراجعة للاختصاص أو المسطرة ، تنظر المحاكم في الجرائم التي قد ترتكب خلال الجلسات ، و ذلك غما بموجب ملتمسات من النيابة العامة أو تلقائيا و ضمن الشروط المحددة في المادة 357 و ما يليها إلى المادة 361 من هذا القانون.
و إذا كانت الجريمة المقترفة لها صفة جنحة يعاقب عنها بالحبس أو صفة جناية، فللمحاكم أن تصدر أمرا بالإيداع في الحبس أو بإلقاء القبض”.
و بناء على عنونة الفرع، و المادة التي خصها المشرع و المواد من 357 إلى 361 من قانون المسطرة الجنائية ، التي تحكم شروط تطبيق المسطرة الخاصة بالمتابعة و المعاقبة عن جرائم الجلسات و خصوصا المواد 359 و 360 و361 من نفس القانون، التي تهمنا عن قرب ، يمكن القول بأن امتداد الاختصاص في المسطرة الحالية لم يعد منطبقا سوى بالنسبة للمخالفات التي ترتكب أثناء الجلسة دون الجنايات او الجنح التي صيرتها النصوص الحالية خاضعة لقواعد الاختصاص المعتادة[43].
ثالثا: حـــــــــــــــــــــــــالات المسائل المعترضة ” أو الفرعية”.
توشي أحكام الفصل 258 من قانون المسطرة الجنائية على أنه “يختص القاضي الذي ترفع إليه الدعوى العمومية بالبث في أي وجه من وجوه الدفع يثيره الشخص المتهم في دفاعه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك أو ما لم يستظهر الشخص المتهم بحق عيني عقاري..”. يذهب هذا الفصل إلى تحديد مبدأ الاختصاص العام للقاضي الجنائي و يجعل أن قاضي الموضوع أي الدعوى هو قاضي الدفع ما لم يمنع القانون من ذلك أو كانت الدعوى العمومية لها علاقة بحق عيني عقاري، في هذه الحالة يحدد القاضي للمتهم أجلا قصير المدة ليرفع الموضوع إلى الجهة المختصة قصد البث فيه و ذلك قبل البث في الدعوى العمومية ، فتغيير معالم حدود الأملاك العقارية بشكل غير قانوني يتطل عرضه على القاضي المدني لتحديد الصفة العقارية قبل البث في هذه الجريمة ، و نفس الشيء بالنسبة لجرائم السرقة بين الأقارب ” الفصلين 534و 535 من مجموعة القانون الجنائي “، فالقاضي المدني يجب أن يبث و يتأكد من قيام الزوجية أو البنوة قبل المرحلة الجنائية أو من أجل تطبيق الحصانة في هذا الموضوع. و على خلاف ذلك إذا كان الدفع يتعلق بالزور فإن المحكمة الجنائية هي التي تقرر هل ستستمر في نظر الدعوى الأصلية إلى حين البث في دعوى الزور أم ستنظر في النزاع دفعة واحدة[44].
خاتمة:
لقد أضحت الدعوى العمومية لها فضلا كبير في حفظ أمن الدولة و سلامة المجتمع لان الجريمة أصبحت قدرا لا مفر منه و ما تمخض في المجتمع من عدة وسائل من أجل جلب المال كبا يملكه البشر إلا و هو التملك الذي أضحى يسبب عدة جرائم في وسط ذي أهمية بالغة كما مع راجل السلطة من قضاة و موظفين و ذوي ياقات بيضاء و بشاوات و غيرهم.
صفوة القول، أنه بالرغم من تحديد المشرع إلى قواعد الاختصاص العامة التي قيدها في ثلاثة قيود أساسية ” الشخصي، النوعي، المحلي”، إلا أنه أورد عليها قواعد الاختصاص استثنائية في محاولة منه إلى تحقيق العدالة و حسن سيرها، للمحافظة على حقوق و حريات المواطنين كذلك التعامل مع هذه القواعد بمرونة أكثر لخدمة هذه العدالة و مصالح الخصوم.
لهذا فإننا نجد المشرع في هذا الشأن لم يقتصر على قواعد الاختصاص الاستثنائية التي ضمنها في قانون المسطرة الجنائية في الكتاب الثاني من الباب الثاني المعنون ب” قواعد الاختصاص الاستثنائية”ـ التي شرع فيها ثلاثة مجموعات من الاستثناءات : المجموعة الأولى و تضم ” حالات الامتياز القضائي”، و المجموعة الثانية و تضم ” حالات الإحالة من محكمة إلى أخرى”، و أخيرا المجموعة الثالثة و تضم ” الحالات التي يقع فيها امتداد الاختصاص”. ليمتد المشرع في الخروج عن القواعد الاختصاص المعتادة من خلال نصوص خاصة، و التي بالرغم من أهميتها إلا أنها كانت محدودة و لا تطرح في مجملها أي مشاكل عويصة عند العمل بها . فتنوعت بين تلك التي همت الجرائم المرتكبة من قبل الأحداث إلى الجرائم المتعلقة بإهمال الأسرة، و صولا إلى القانون المتعلق بالإهاب 03.03، و أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف، و غيرها من القوانين التي هدف بها المشرع محاولة تجويد النصوص القانونية و سد أي فراغ تشريعي في مجال الاختصاص القضائي.
حيث أن قانون المسطرة الجنائية له ارتباط وثيق بحقوق الإنسان لما يقرره من إجراءات متصلة عضويا بحقوق الإنسان الأساسية كما هي متعارف عليها عالميا، كمبدأ الشرعية والبراءة الأصلية والتقاضي أمام القضاء وحرية الدفاع والطعن في القرارات والأحكام القضائية.
وهذا القانون الذي يبتدئ تطبيقه بعد التحقق من خرق النصوص الجنائية الموضوعية، لا علاقة له بالشرطة الإدارية التي ينحصر نشاطها في الميدان الجنائي في الحيلولة دون وقوع الجريمة، وبالتالي فهو يعمل على معطيين أساسيين ومتقابلين هما ضمان حقوق المجتمع في توقيع الجزاء على المجرمين بشكل حازم وفعال من جهة، وضمان حقوق الأفراد من جهة أخرى وتعتبر المحاكمة العادلة من أبرز وأهم الأعمدة الأساسية التي تهدف إلى حماية الإنسان من كل ما شأنه المس بحقوقه وكرامته في جميع مراحل الدعوى، منذ لحظة إيقافه والبحث معه من قبل الشرطة القضائية في ما يعرف بالبحث التمهيدي مرورا بالاستنطاق أمام النيابة العامة و بالتحقيق الإعدادي وصولا إلى المحاكمة، ابتدائيا، استئنافيا، ونقضا.
وقد عرف الأستاذ محمد اليديدي رئيس المحكمة الإبتدائية بالرباط سابقا المحاكمة العادلة كما يلي : ” المحاكمة العادلة تكمن في سلامة الإجراءات المسطرية التي تباشر عند محاكمة كل شخص ومطابقتها للقانون، بالإضافة إلى تكييف القانون وجعله منسجما مع المبادئ المتفق عليها والتي تضمن وتصون حقوق الإنسان”.
وفي ذات السياق، فالمحاكمة العادلة أصبحت اليوم تستمد مرجعيتها من الدستور الذي عمل على تكريسها في الباب الثاني منه، المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، حيث نص الفصل 23 على أن ” قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة مضمونان ” وكذلك ثم ترسيخها في الفصل 120 من الدستور والذي أكد فيه أن ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول “.
لكن نطرح مجموعة من النتائج في سياق مناقشة مسطرة الامتياز القضائي ما يلي:
أولا: إذا كانت مسطرة الامتياز القضائي تهدف إلى محاكمة الشخصيات التي تعتمدها الدولة في بناء منظومة أمنية منسجمة تحمي أمن و سلامة المجتمع لكن ومع يبقى الإنسان متميزا بالنسبية لذلك يرتكب الانسان الجريمة لغايات عدة كما في جرائم الموظفين و القضاة فهل ستحقق هذه المسطرة الغاية المرجوة منها.
ثانيا: لقد أضحى مطلب تحقيق العدالة الجنائية أمرا لا غنى عنه خصوصا مع كثرة الجرائم و نتشارها كالهشيم في النار و استغلال النفوذ تحكم المال في السلطة أحيانا يعلق هذا المطلب الذي يشكك ثقة الناس في أهم المؤسسات التي تستعين بها الدولة لتحقيق الاستقرار.
ثالثا: إن القانون يحقق الاستقرار و السكينة العامة من خلال المقتضيات القانونية الواضحة الصياغة حيث أن مسطرة الامتياز لها بعض النواقص التي و مع مرور الزمن نتمنى جاهدين من الله أن يصلح المشرع تلك النواقص كتخصيص محاكم خاصة لمحاكمة الموظفين و القضاة و الشخصيات التي تحمل صفة معينة ولو بلغت من البساطة أشدها.
الكتب العامة:
– احمد مالك حسين الحصانة القضائية او الامتياز القضائي في التشريع المقارن – مجلة المرافعة العدد السابع السنة 1997- ص 54 و 56.
– محمد الادريسي العلمي النمشيشي – المسطرة الجنائية -الجزء الاول – المؤسسات القضائية – منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية – دار النشر المعرفة – الرباط 1991 ص 155.
– عبد المعطاوي ابو الفتوح شرح قانون المسطرة الجنائية ص 68
– الأستاذ محمد مصطفى الريسوني – مسطرة الإمتياز القضائي – مقال قانوني منشور في عالم القانون بتاريخ – 26 مايو 2022.
– عبد الواحد العلمي ، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ، جزء الثاني : التحقيق الإعدادي ، المحاكمة، طبعة 2018، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ص231 و 234.
– ونزة ليلى، قدوري إسماعيل، قدوري المحجوب، الاختصاص القضائي في المادة الجنائية ، عرض ماستر قانون المنازعات ، جامعة مولاي إسماعيل ، الكلية المتعددة التخصصات، 2017/2018، ص18.
الكتب الخاصة:
- عبد الكافي ورياشي و المصطفى عامر – نظام الامتياز القضائي – دراسة مقارنة في ضوء التشريع الجنائي المغربي – الصفحة 130-131 – العدد 5 – يناير 2005.
- أحمد قليش ، مجيدة السعدية ، سعاد حمدي، محمد زنون، الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية، الطبعة الثانية 2016، المطبعة و الوراقة الوطنية بمراكش، ص 246.
- عبد السلام بن حدو، الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية، مع أخر التعديلات2003، الطبعة السادسة،2006.ص 174.
الدساتير:
– دستور 1962 في فصوله من 88 الى 92.
– دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
القرارات:
- قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الاعلى سابقا محكمة النقض من خلال القرار عدد: 847/1 المؤرخ في: 7/6/2006 في الملف الجنحي عدد: 2883/2006.
القوانين:
- المادة 270 من قانون المسطرة الجنائية.
- المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002.
- المواد 266 و 268 من قانون المسطرة الجنائية.
المقالات:
- الأستاذ محمد مصطفى الريسوني – مسطرة الإمتياز القضائي – مقال قانوني منشور في عالم القانون بتاريخ – 26 مايو 2022.
[1] – الأستاذ: محمد مصطفى الريسوني- مسطرة الإمتياز القضائي مقال منشور بعالـم القانون26 مايو 2022.
[2] – عبد الكافي ورياشي و المصطفى عامر – نظام الامتياز القضائي – دراسة مقارنة في ضوء التشريع الجنائي المغربي – الصفحة 130-131 – العدد 5 – يناير 2005.
[3] – عبد الكافي ورياشي و المصطفى عامر – نظام الامتياز القضائي – دراسة مقارنة في ضوء التشريع الجنائي المغربي – الصفحة 131 – 132- العدد 5 – يناير 2005.
[4] – عبد الكافي ورياشي و المصطفى عامر – نظام الامتياز القضائي – دراسة مقارنة في ضوء التشريع الجنائي المغربي – الصفحة 132- العدد 5 – يناير 2005.
[5] – احمد مالك حسين الحصانة القضائية او الامتياز القضائي في التشريع المقارن – مجلة المرافعة العدد السابع السنة 1997- ص 54.
[6] – محمد الادريسي العلمي النمشيشي – المسطرة الجنائية -الجزء الاول – المؤسسات القضائية – منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية – دار النشر المعرفة – الرباط 1991 ص 155.
[7] – عبد المعطاوي ابو الفتوح شرح قانون المسطرة الجنائية ص 68.
[8] – تنص المادة 33 من قانون المسطرة الجنائية على أنه – إذا ارتأت الغرفة الجنحية أو ضابط الشرطة القضائية ارتكب جريمة أمرت علاوة على ما ذكر بإرسال الملف إلى وكيل العام للملك –
[9] – احمد مالك حسين – الحصانة القضائية او الإمتياز القضائي في التشريع المقارن – مجلة المرافعة العدد السابع السنة 1997 ص 56.
[10] – الأستاذ محمد مصطفى الريسوني – مسطرة الإمتياز القضائي – مقال قانوني منشور في عالم القانون بتاريخ – 26 مايو 2022.
[11] – دستور 1962 في فصوله من 88 الى 92.
[12] – المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا.
[13] – من خلال دستور المملكة المغربية لسنة 13/09/1996.
[14] – المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا.
[15] – المادة 267 والفقرة الثامنة من المادة 270 من قانون المسطرة الجنائية.
[16] – المادة 33 من قانون المسطرة الجنائية.
[17] – الأستاذ محمد مصطفى الريسوني – مسطرة الإمتياز القضائي – مقال قانوني منشور في عالم القانون بتاريخ – 26 مايو 2022.
[18] – المواد 268 و 269 و 270 من قانون المسطرة الجنائية.
[19] – المادة 268 من قانون المسطرة الجنائية المعربي.
[20] – المواد 264 و 265 من قانون المسطرة الجنائية.
[21] – المادة 469 من قانون المسطرة الجنائية.
[22] – عبد الواحد العلمي ، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ، جزء الثاني : التحقيق الإعدادي ، المحاكمة، طبعة 2018، مطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء ص231.
[23] – نفس المرجع ، ص 234.
[24] – ونزة ليلى، قدوري إسماعيل، قدوري المحجوب، الاختصاص القضائي في المادة الجنائية ، عرض ماستر قانون المنازعات ، جامعة مولاي إسماعيل ، الكلية المتعددة التخصصات، 2017/2018، ص18.
[25] – عبد الواحد العلمي ، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ، جزء الثاني ، مرجع2 سابق، ص 235.
[26] – عبد الكافي ورياشي و المصطفى عامر – نظام الامتياز القضائي – دراسة مقارنة في ضوء التشريع الجنائي المغربي – الصفحة 135 – العدد 5 – يناير 2005.
[27] – المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002.
[28] – قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الاعلى سابقا محكمة النقض من خلال القرار عدد: 847/1 المؤرخ في: 7/6/2006 في الملف الجنحي عدد: 2883/2006.
[29] – المادتان 265و268 من قانون المسطرة الجنائية .
[30] – المادة 266 من قانون المسطرة الجنائية.
[31] – حسب المادة 268 من قانون المسطرة الجنائية فهم هؤلاء الموظفين ” الباشا أو الخليفة، أو العامل أو رئيس دائرة أو قائد أو ضابط شرطة قضائية من غير المشار إليهم في المواد السابقة”.
[32] – أحمد قليش ، مجيدة السعدية ، سعاد حمدي، محمد زنون، الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية، الطبعة الثانية 2016، المطبعة و الوراقة الوطنية بمراكش، ص 246.
[33] – المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية.
[34] -المادة 268-3 من قانون المسطرة الجنائية.
[35] -أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الثاني ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، 2001، ص340.
[36] -المادة 271 من قانون المسطرة الجنائية.
[37] – أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الثاني ، مرجع سابق، ص251.
[38] – عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص241.
[39] – ونزة ليلى ، قدوري إسماعيل، قدوري المحجوب، الاختصاص القضائي في المادة الجنائية، مرجع سابق، ص20.
[40] – محمد الإدريسي المشيشي العلمي، ، المسطرة الجنائية ، جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية ، الرباط ، 1991، ص149.
[41] – حسب المادة 256 من قانون المسطرة الجنائية ” تعتبر الجرائم غير قابلة للتجزئة خاصة إذا كانت متصلة اتصالا وثيقا لدرجة أن وجود بعضها لا يتصور بدون وجود البعض الأخر ، أو عندما تكون مترتبة عن نفس السبب، و ناشئة عن نفس الدافع و ارتكبت في نفس الزمان و المكان”.
[42] – المادة 255/1 من قانون المسطرة الجنائية.
[43] – أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية ، الجزء الثاني ، مرجع سابق، ص355.
[44] – عبد السلام بن حدو، الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية، مع أخر التعديلات2003، الطبعة السادسة،2006.ص 174.