التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال

سعد ميكو 

ماستر قانون الأعمال، ماستر العلوم الجنائية و الدراسات الأمنية
ماستر الإدارة الترابية، للسلك العادي لرجال السلطة بالمعهد الملكي للإدارة الترابية لوزارة الداخلية

إن التحقيق الإعدادي، مرحلة من مراحل القضية الجنائية تسبق عملية المحاكمة والهدف من اللجوء إليه ، في الحدود التي يسمح بـها القانون ، والتي تتسع أو تضيق، بحسب الإتجاهات القانونية المختلفة ، هو تمحيص الأدلة من قبل جهات التحقيق المتوفرة في التهمة – والتي تكون الشرطة القضائية أو أعوان الإدارات العمومية قد مهدت سبل التوصل إليها من خلال البحث التمهيدي وتقديرها ، من أجل اتخاذ القرار في ضوء ذلك، إما بالمتابعة والأمر بإحالة القضية على المحكمة ، إن هي قدرت بأن هذه الأدلة كافية ، وإما بعد المتابعة بأن لأوجه لإقامة الدعوى وإثارتـها – إن وجدت جهة التحقيق بأن هذه الأدلة غير كافية .

ولا تخفى أهمية هذه المرحلة الدقيقة وفائدتـها، إذ هي بالنسبة للجهاز القضائي معين لابد منه في غربلة القضايا ، التي لا حاجة إلى إضاعة وقت و جهد قضاء الحكم فيها ، وبـهذا فلا تصل إليه منها إلا تلك التي تستأهل ذلك، وعليه يمكن القول بأن لقضاء التحقيق مهمة مزدوجة، تتمثل من جهة في جمع الأدلة المثبتة للجريمة المطلوب التحقيق بشأنـها، ومن جهة ثانية في تقدير قيمة تلك الأدلة لمعرفة ما إذا كانت كافية لمتابعته.

إذا فمؤسسة قاضي التحقيق لها دور مهم في مكافحة الجرائم ، نظرا لما يتوفر لهذه الجهة القضائية من صلاحيات ،إلا أن خصوصية الجرائم الإقتصادية، تفرض على قاضي التحقيق بدل جهدا كبير والتسلح بمعارف خاصة ، تخوله القدرة على إستخدام الوسائل التقليدية المتاحة له للتصدي لهذ النوع من الجرائم.

ونظرا لكون الجرائم الإقتصادية والمالية ، جرائم ترتكب بطروق خاصة وبمهارات علمية وشخصية متطورة ، فإنني في هذا الفصل، حاولت قدر الإمكان التطرق إلى بعض التقنيات الخاصة في التحقيق الإعدادي من قبيل ، إلتـقاط المكالمات و الإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد والتسليم المراقب وإنتداب الخبراء وشهادة الشهود، دون أن ننسى الإستنطاق بنوعيه، والإختصاص القيمي والنوعي لقاضي التحقيق.، وكيفية اتصاله بالخصومة الجنائية.

وإنطلاقا مما سبق ارتأيت تناول هذا الفصل من خلال مبحثين على الشكل الآتي :

• المبحث الأول : إجراءات التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال .

• المبحث الثاني : تقنيات التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال .

المبحث الأول : إجراءات التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال

لم يـــحدد الـــمــشرع المغربي المقصود بإجراءات التحقيق الإعدادي ، وقد لحظت أنه من المفيد أن أحدد المقصود به وكذلك شكلياته وذلك ببيان طرق إتصال قاضي التحقيق بالقضية،سواء من خلال ملتمس النيــابة العــــامة بإجراء تحقيق في وقائع معينة أو من خلال الإنتصاب كطراف مدني أمام قاضي التحقيق ، وذلك من خلال الإدعاء الـــمباشر أمامه دون إغفال التطرق إلى نطاق التحقيق الإعدادي ، من حيث الــــجرائم الـــمشــمولة به ، وكذا الإختصاصين القيمي والنوعي لقضاء التحقيق على المنوال الآتي:

• المطلب الأول : طروق إتصال قاضي التحقيق بالقضية .

• المطلب الثاني : نطاق التحقيق الإعدادي.

المطلب الأول : طرق إتصال قاضي التحقيق بالقضية

تأسيسا على قاعدة وجوب الفصل بين السلطة المكلفة بالمتابعة وتلك المكلفة بالتحقيق والمحاكمة لأسباب متعددة لعل أبرزها ضمان حياد المحقق، فإنه لا يجوز لقاضي التحقيق الإنطلاق أو البدء في مباشرة إجراءات التحقيق الإعدادي تلقائيا، مالم يطلب منه ذلك ممن خوله القانون هذه الصلاحية وبالرجوع للمادة 54 من قانون المسطرة الجنائية ، يظهر بان إتصال قاضي التحقيق بالقضية المراد إجراء تحقيق فيها يتم بطرقتين رئيسيتين هما : – إلتماس النيابة العامة من قاضي التحقيق إجراء تحقيق في وقائع معينة (الفقرة الأولى) ،

– المطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : ملتمس النيابة العامة بإجراء تحقيق في وقائع معينة.

الإلتماس عبارة عن تقديم طلب يرد في صك مكتوب، تصدره النيابة العامة الوكيل العام للملك أو من يمثله أو وكيل الملك أو من يمثله ، بمقتضاه تلتمس من قاضي التحقيق الوارد اسمه في الصك بإجراء تحقيق في وقائع محددةـ تكون خاضعة للتحقيق الإعدادي، إن بصورة إلزامية ، وإن بصورة إختيارية.

وشرط كتابة صك الملتمس، بإجراء التحقيق الإعدادي مفروض دوما ولا ينبغي أن يأتي في شكل شفوي، حتى ولو تصادف أن حضر إلى مكان اقتراف الـــجريــــمة كـــل من قاضي التحقيق وممثل النيابة العامة الوكيل العام للملك أو من ينوب عنه أو وكيل الملك أو من ينوب عنه في إطار الـــجرائم الـــمتلبس بـها ، حيث لابد لممثل النيابة العامة ، إن هو قدر ضرورة إجراء تحقيق إعدادي في القضية المتلبس بـها أن يـــحرر ملتمسا لقاضي التحقيق بإجرائه، حيث تتغير حينئذ مهمته أي قاضي التحقيق من منجز لبحث تمهيدي تلبسي في إطار المادة 75 من ق.م.ج إلى منجز لتحقيق إعدادي

بالعودة لمقتضيات المادة 84 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتـها الثانية فإن الملتمس المكتوب، ينبغي أن يتضمن الجرائم أو الجريمة المراد التحقيق فيها بذكر الوقائع التي تكونـها وإيراد أسماء مقترفيها و المشاركين والمساهمين فيها إن أمكن ذلك، أما إن هي النيابة العامة لم تتمكن من تعينهم فإن القانون يسمح لها مع ذلك ، بأن تلتمس فتح التحقيق في جريمة أو جرائم ضد مجهول في هذا الإطار، جاء في قرار لمحكمة النقض:

” إذا كان يحق للوكيل العام للملك ، أن يلتمس إجراء تحقيق ضد أي شخص ولو كان مــجـــهولا طبقا للفقرة الثانية من الفصل 85 من قانون المسطرة الجنائية ، فإن قاضي التحقيق لا يحق له طبقا للفصل 196 من نفس القانون أن يصدر أمرا بالإحالة ضد شخص ظل بعد إجراء البحث مجهولا.

تـــكون غـــرفة الـــجنــايات ، قد طبقت هذه الـــمقتــضـــيات عندما قضت بعدم قبول الدعوى العمومية المقامة ضد أشخاص مـــجهولوا الهوية إعتمادا على كون مسطرة المتابعة الجنائية لا تكون إلا ضد متهم “.

هذا وعملا بالمادة 90، من ق.م.ج، فإن النيابة العامة ، (الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو نوابـهما ) هي التي تقوم بتعيين قاضي التحقيق في القضية في صك الالتماس في جميع الأحوال ، وهو ما يطرح إشكالية إستقلال قضاة التحقيق تجاه مؤسسة النيابة العامة ، خصوصا في الحالة التي يتعدد فيها قضاة التحقيق لدى المحكمة الواحدة ، حيث لا مناص من الإعتراف والحالة هذه ولو نضريا بأن النيابة العامة ، تملك ولا شك زمام المبادرة وتختار قاضي التحقيق الذي تراه مالا لتبني أطروحتها الواردة في الملتمس – ” بشكل أو بأخر” في حين كان يكون لائقا أكثر من أجل توفير حد أدنى من ضمان حياد القاضي المحقق عن سلطة الإدعاء ترك ذلك للقضاء الجالس كرؤساء المحاكم –وهو ما يسود حاليا بفرنسا، أو أقدم قضاة التحقيق في المحكمة- وهو ما كان ينظمه الفصل 91 من ظهير 90/2/1959 قبل إلغائه، وذلك درءا لكل شبهة وريبة

الفقرة الثانية : المطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق

جـــاء فـــي الـــمادة 92 من ق.م.ج على أنه ” يمكن لكل شخص إدعى أنه تضرر من جناية أو جنحة أن ينصب نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكايته أمام قاضي التحقيق المختص، مالم ينص القانون على خلاف ذلك”.

إنطلاقا من المادة أعلاه فإن الشكاية المرفوعة لقاضي التحقيق، والمشفوعة من المتضرر بطلب التعويض عندما تقبل تكون محركة للدعويين العمومية والمدنية في نفس الوقت

وعلاقة بالمادة أعلاه ، جاء في قرار لمحكمة الإستئناف بالرباط :” إن مقتضيات قانون المسطرة الجنائية لا تسمح لقاضي التحقيق، أن يصرح بعدم قبول الشكاية المستوفية للشروط القانونية ، بل عليه أن يضمنها إلى ملف التحقيق ويقوم بكل الإجراءات القانونية التي تفيد العدالة “وعملا بالمادة 93 من نفس القانون يأمر قاضي التحقيق بالتبليغ الشكاية إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك لتقديم ملتمساته، والتي تصدر ملتمساتـها ضد شخص معين أو مجهول ، كما أنه لا يمكن للنيابة العامة أن تحيل على قاضي التحقيق ملتمسات بعدم إجراء تحقيق إلا في الحالات التي تكون فيها الأفعال المتضرر منها لا تكيف تكييفا جنائيا حتى ولو افترض وجودها، أو أنـها كذلك إلا ان المتابعة عنها لا تجوز لكونـها سقطت بأحد أسباب سقوط الدعوى العمومية ، ( موت المتهم والعفو الشامل ونسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل …) أو أنـها تخرج من خانة الجرائم التي سمح القانون بالتحقيق فيها ، إن إلزاميا وإن إختياريا – المادة 93/3 من ق.م.م.ح كما أنه عملا بالمادة 96 من نفس القانون، فإنه بمجرد ما يتلقى قاضي التحقيق الشكاية المصحوبة بالمطالبة المدنية ، يحدد بأمر قضائي المبلغ المفترض أنه ضروري لمصاريف الدعوى، الذي يكون على المطالب بالحق المدني إيداعه بكتابة الضبط تحت طائلة عدم قبول شكايته مالم يكن معفى من هذا الأداء بمقتضى إستفادته من المساعدة القضائية .

كما يــجـــب عــلى كل طرف مدني لا يقم داخل دائرة نفوذ المحكمة التي يـــجـــرى فيها التحقيق، أن يـــخـــتار موطنا بدائرة تلك المحكمة تحت طائلة عدم الدفع بعدم تبليغه الإجراءات التي كان يجب أن تبلغ إليه بمقتضى القانون (المادة 96) ، وبالعودة لمقتضيات المادة 98 من قانون المسطرة الجنائية فإنه إذ صدر أمر بعدم المتابعة بعد فتح تحقيق، بناء على طلب الطرف الــمــدني وأصبح نـهائيا فيمكن للمتهم ولكل الأشخاص المشار إليهم في الشكاية، أن يطلبوا من الــمــشتـكي تعويضهم عن الــضــرر أمام المحكمة المدنية المختصة دون الإخلال بحقهم في متابعة بالوشاية الكاذبة.

إن الإشكال المطروح في هذا الصدد هو صعوبة التنصيب كطرف مدني في جرائم الأعمال فجرائم الأعمال كما أسلفت الذكر في الفصل الأول هي جرائم غير عنيفة ترتكب بلا عنف ولادم، بل بذكاء وحيال وتكتم شديد ومعرفة علمية وفنية دقيقة ، يصعب على الشخص العادي إكتشافها ، وكذلك معرفة أنه متضرر منها إن لم يكن، يتمتع بنفس القدرة المماثلة ” العلمية والتقنية والفنية”وهو ما يشكل عائقا لعدم اكتشاف العديد من الجرائم المرتكبة في هذا المجال ويحول حائلا دون وضع القضاء يده على النازلة وتطبيق القانون أحسن تطبيق كما أن الطبيعة المفترضة للخطأ في جرائم الأعمال ، يترتب عنها و جود ضرر بدوره مفترض، وهو الضرر الذي يصعب القول عنه أنه نتيجة مباشرة لجريمة الأعمال ، وألحق ضررا مباشر بضحية قد يكون بدوره مفترضا.

بعدما تطرقنا في هذا المطلب إلى طرق إتصال قاضي التحقيق بالقضية سواء عن طريق ملتمس النيابة العامة أو المطالبة بالحق المدني ، ومختلف الإشكالات التي تحيط بـهما ، يحق لنا أن نتساءل عن نطاق التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال ؟ .

المطلب الثاني : نطاق التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال

يختلف نطاق التحقيق بإختلاف الزوايا المنظور إليه منها ، كالأفعال الخاضعة للتحقيق والأشخاص الخاضعين له والهيئات المكلفة بإجرائه، فبالعودة لظهير 28/9/1974 لقانون المسطرة الجنائية المتعلق بالمقتضيات الإنتقالية كان مجال التحقيق الإعدادي واسع ، بحيث يشمل بصفة إجبارية كل الجنايات كما كان إختياريا في الجنح إلا في حالة وجود نص مخالف ، وكان بإمكان اللجوء إليه حتى في المخالفات بطلب من النيابة العامة.

أما حاليا وبعد صدور قانون المسطرة الجنائية ، فقد تقلص مجال التحقيق بحيث أصبح إلزاميا فقط في الـــجنــايـــات الــمعاقب عليها بالإعدام، أو السجن المؤبد او التي يصل للحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة.

ويكون التحقيق إلزاميا أيضا في الجنايات المقترفة من طرف الأحداث، أما في المخالفات فقد أسقطت امكانية اللجوء إلى التحقيق أصلا، كما أنه بمناسبة إحداث أقسام الجرائم المالية في بعض دوائر نفود محاكم الإستئناف سوف نتطرق إلى الإختصاص القيمي لقضاء التحقيق فيها .

وعليه سأتناول في هذا المطلب الإختصاص النوعي لقضاة التحقيق في(الفقرة الأولى) ثم الإختصاص القيمي لقضاء التحقيق في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الإختصاص النوعي

قبل الحديث عن طبيعة القضايا المشمولة بالتحقيق وتختلف الإشكالات التي تثيرها إرتأيت الحديث ولو بعجالة عن كيفية تعيين قضاة التحقيق، بالرجوع إلى المادة52 من ق.م.ج نجدها توضح أنه يعين القضاة المكلفين بالتحقيق في المحاكم الإبتدائية من بين قضاة الحكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار الوزير العدل بناء على إقتراح من رئيس المحكمة الإبتدائية.

أما فــي مـــحاكم الإستئناف فيعيـــن القـــضاة الـــمكلفــيـن بالتحقيق من بين مستشاريها لـــمـدة ثـــلاث سنوات قابلة للتجـــديــد بقرار لوزير العدل، بناء على إقتراح من الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف.

وقد أشارت المادة السابقة إلى أنه لا يمكن لقضاة التحقيق ، تحت طائلة البطلان أن يشاركوا في إصدار حكم في القضـــايا الزجرية التي سبق أن أحيلت إليهم بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق، كما أشارت المادة 53 من نفس القانون إلى أنه إذا لم يوجد في المحكمة سوى قاضي واحد مكلف بالتحقيق، وحال مانع مؤقت دون ممارسة لـــمهامه فيمكن لرئيسها في حالة الإستعجال بناء على طلب النيابة العامة ، وفي إنتظار زوال المانع أو صدور التعيين بقرار نضامي أن يعين أحد قضاة أو مستشاري المحكمة لممارسة هذه المهام.

إذن فالمشرع المغربي ، نظم هاته المؤسسة في المسطرة الجنائية ، وأخذ بمبدأ ثنائية التحقيق ، سواء في المحكمة الإبتدائية أو محكمة الاستئناف.

إن هذه الثنائية، تراعي من جهة قواعد الإختصاص، فالجنح يرجع الفصل فيها إلى المحاكم الإبتدائية، والإختصاص في الجنايات يعود أصلا لمحاكم الإستئناف كما أن هذه الثنائية تأخذ بعين الإعتبار، التجربة الميدانية التي تحصلت لدى قضاة التحقيق لدى محاكم الإستئناف، وطول تجربتهم القضائية كما تراعي وضعية بعض المحاكم الإبتدائية، بما فيها المحاكم النائية ، إذ لجوءها إلى التحقيق الإعدادي في جرائم جنحية إعتادت التعامل معها أهون وأضمن مقارنة بالتحقيق في الجنايات ذات خطورة وتعقيد.

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية ، نجدها تنص:

يكون التحقيق إلزاميا :

1- في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام ، أو السجن المؤبد ، أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة .

2- في الجنح بنص خاص في القانون.

3- في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث.

يكون إختياريا ، فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر .

في هذ الصدد جاء في قرارلمحكمة النقض : ” التحقيق إلزامي في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام، وبالسجن المؤبد ، وهو إجراء جوهري يؤدي عدم إنجازه على الوجه الأكمل، إلى بطلان جميع الإجراءات المتخذة بـها فيه القرار الذي أدان المتهم ”

بقراءة فاحصة لبعض مقتضيات القانون الجنائي للأعمال نستشف أن أغلبية جرائم الأعمال إن لم نقل جلها عبارة عن جنح، إذ بالعودة مثلا لمقتضيات الفصل 3-574، من القانون الجنائي، نجده ينص على عقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، والفصل 4-574 من نفس القانون ، الذي يرفع عقوبات الحبس والغرامة إلى الضعف هذا فيما يخص جريمة غسل الأموال ، نفس الشيء بالنسبة لجريمة إصدار شيك بدون مؤونة – وكذلك تسلم شيك على سبيل الضمان ، إلى غير ذلك من الجرائم الـــمــرتــبطة بـهذا الـــمــجـال ، وبـهذا يظهر بشكل جلي خصوصية السياسة التجريمية في مجال الأعمال التي تـــمــتاز بغلبة الطابع الجنحي على الجرائم المرتكبة في هذا الميدان إلا أنه عند إرتباطها بــجناية من الجنايات.

كما لا يفوتني الذكر في هدا الإطار أن المشرع المغربي إستعمل ، تقنية التجنيح القضائي في العديد من النصوص الجنائية المنظمة لمجال الأعمال ويقصد بالتجنيح القضائي خلع وصف أدنى (أخف) على جريمة يرتبها النص المجرم في مرتبة أعلى في سلم الجرائم ، ويحدث هذا على الخصوص و بخلع وصف الجنحة على أفعال يعدها القانون جناية من الجنايات هذه الآلية غالبا ما تلجأ إليها جهة المتابعة أو التحقيق، ومع ذلك وجبت الإشارة إلى أن المشرع نفسه قد يلجأ أحيان نادرة إلى تجنيح نشاط يعد جناية من الجنايات عندما يعمد إلى تعديل النص لغويا ليظفي عليه وصف الجنحة ولو (صناعة) ، وذلك من خلال ترك العقوبة الموجودة في النص المعدل كما هي ولكن يستعمل في النص الجديد مصطلحا يغاير القديم ، كالحبس في النص الجديد بدل السجن، في النص القديم.

إذا بعد تطرقنا للإختصاص النوعي والجرائم المشمولة به، وكذا خصوصية التجريم في مجال الأعمال كما أسلفت الذكر ، يحق لنا أن نتساءل عن الإختصاص القيمي لقضاء التحقيق؟ .

الفقرة الثانية : الإختصاص القيمي

لقد تعمدت الحديث في هذه الفقرة عن الإختصاص القيمي، وذلك محاولة مني للتعرف على بعض الجهات القضائية التي لها علاقة بمجال الأعمال ، فالمقصود بالإختصاص القيمي هو معرفة مدى صلاحية جهة قضائية معينة للبت في النزاع وذلك بالنظم لقيمته المالية والمشرع المغربي ، كسائر التشريعات المقارنة ومنها المشرع الفرنسي، وكذلك المصري قد حاول وإن بكيفية محتشمة خلق قضاء متخصص في جرائم الأعمال ، ومن بين هذه التجارب نذكر تجربة محكمة العدل الخاصة ، وذلك كتجربة مغربية لمحاربة الفساد المالي والإداري وقد جاء إختصاص هذه المحكمة مختصرا من حيث الجرائم ، وكذلك من حيث الأشخاص المعنية بـها فهذه المحكمة أحدثت من أجل محاربة جرائم الغدر والرشوة وإستغلال النفوذ و الإختلاس التي يرتكبها الموظفين العمومين، وقد كانت الدعوى العمومية تحرك من طرف النيابة العامة لدى هذه المحكمة بأمر كتابي من وزير العدل ، وكانت القضايا تحال على قاضي التحقيق إلا في حالة التلبس فكانت تحال على المحكمة مباشرة بأمر كتابي من وزير العدل بعد الإطلاع على نتائج البحث التمهيدي .

وقد كان قاضي التحقيق في هذه المحكمة يملك مجموعة من الإختصاصات المتعلقة بالتحقيق من أجل التحقق من الجرائم ، وفي أخر البحث يقوم بإعطاء أوامره المعروفة سواء بعدم الإختصاص أو عدم المتابعة أو أمرا بإحالة الملف على المحكمة كما أن الدعوى المعروضة على المحكمة كانت تتميز بسرعة البث ، إذ أن المدة الفاصلة بين الجلسة وتاريخ التبليغ 24 ساعة على الأقل، كما أنه من حق المتهم الإستعانة بمحامي، يتم تعينه تلقائيا كما للمتهم خمسة أيام كاملة للطعن بالنقض

ومحكمة العدل الخاصة كتجربة قضائية لمحاربة الفساد الإداري والمالي دامت لمدة ثمانية وثلاثون سنة وجهت إليها مجموعة من الانتقادات أولها أن جرائم المال العام زادت استفحالا، ولم تستطيع هذه المحكمة التخفيض من معدل إزدياد هذه الجرائم، ثانيها أن محكمة العدل الخاصة إقتصر إختصاصها على جرائم الغذر وإستغلال النفوذ والإختلاس والرشوة التي يرتكبها الـــموظـــفون العموميون إذن فهذه الأسباب وأخرى عجلت بإلغاء مــحكمة العدل الــخاصة وتوزيع القضايا التـي كــانــت معــروضة عليها على مجموعة من محاكم الإستئناف والتي جاءت محددة على سبيل الحصر، وإستمر الوضع على هذا الحال ، إلى غاية 2011 حيث ثم إحداث غرف تنــظــر في الجرائم المالية ، في أربع محاكم للإستئناف، وهي “الرباط – الدار البيضاء- فاس – مراكش” تنظر فـــي الــقـضايا التي تفوق قيمتها أو تساوي مائة ألف درهم ، في الجنح و الجنايات المنصوص عليها بمقتضى الفصول من 241 إلى 256 من مجموعة القانون الجنائي، كجرائم الإرتشاء وإستغلال النفوذ . وتبديد الأموال العمومية إلى غير ذلك من الجرائم المنصوص عليها في هذه المواد .

إلى أن الإشكال الذي يثار في هذا الإطار لماذا المشرع المغربي قد أسند الإختصاص في هذه الجرائم ، لهاته الغرف المستحدثة في حين توجد محاكم تجارية ومجلس أعلى للحسابات ؟.

كجواب على هذ الإشكال ، حبذا لو أن المشرع المغربي قد فرق ونوع الإختصاص في هذا الإطار بأن يسند الإختصاص فيما يخص جرائم الأموال العمومية للمجلس الأعلى للحسابات ، في حين يعمل على إسناد الإختصاص في جرائم الأعمال المرتكبة من طرف أشخاص عاديين إلى المحاكم التجارية سوف يثار تساؤل أخر في هذا الاطار، هو عن دور النيابة العامة داخل كل من المجلس الأعلى للحسابات وكذلك المحاكم التجارية؟ . بالعودة لمقتضيات قانون 99-62، المتعلق بمدونة المحاكم المالية نجد أن دور النيابة العامة لدى هذه المحاكم سواء المجلس الأعلى للحسابات أو المجالس الجهوية للحسابات يقتصر دورها على الإدلاء بمستنتجاتـها فقط دون تحريك الدعوى العمومية ، كما أن قضاة المحاكم المالية لا يبتون في الدعوى الجنائية حتى في حالة ثبوت أفعال جرمية- مرتبطة بالمال العام حيث يتم في هذه الحالة رفع الوكيل العام أو وكيل الملك ، من تلقاء نفسه ، أو بإيعاز من الرئيس الأول إلى وزير العدل قصد إتخاذ ما يراه مناسبا.

وبـهذا فالمحاكم المالية ، لا تبت إلا في القضايا المعروضة عليها جنائيا حتى ولو أطلعت على ملفات تشير صراحة إلى إرتكاب أفعال جرمية كما أنه بالحديث عن دور النيابة العامة بالمحاكم التجارية ، فهي إن صح التعبير موجودة هيكليا وغائبة وظيفيا فقضاتها لا يمارسون الدعوى العمومية ولا يتمتعون بحق المتابعة بخصوصها إلى أنه بالعودة لتعديلات الأخيرة المدخلة على قانون التنظيم القضائي المغربي، بمقتضى قانون 15-38 فقد ثم إسناد مهمة تعيين نواب وكيل الملك من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية وذلك كإمتداد للنيابة العامة بالمحاكم الإبتدائية ، كما ثم إحداث أقسام متخصصة في القضايا التجارية ، داخل المحاكم الإبتدائية ، كمرحلة إنتقالية في أفق إحداث محاكم متخصصة قائمة الذات.

كما لا يفوتني الذكر في هذا الإطار أن الإختصاص القيمي للمحاكم التجارية محدد في عشرون ألف درهم فما فوق ، وما قل عن ذلك يكون من إختصاص المحكمة الابتدائية.

في نفس المنحى نجد المشرع المصري يتوفر على محاكم إقتصادية ، وهي محاكم متخصصة نوعيا ومكانيا بمسائل محددة، أحدتث هذه المحاكم وأنشئت بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 ، هذا القانون الذي يحدد إختصاصها وتشكيلها كما ينظم المسائل المتعلقة بـها حيث ينشأ بدائرة إختصاص كل محكمة إستئناف ، محكمة تسمى المحكمة الإقتصادية ، يندب لرئاستها رئيس بمحاكم الإستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد ، يكون قضاتها من بين قضاة المحاكم الإبتدائية ومحاكم الإستئناف، كما تشكل المحكمة الاقتصادية من دوائر إبتدائية ودوائر إستئنافية فكل دائرة إبتدائية يجب أن تتكون من ثلاثة من الرؤساء بالمحاكم الإبتدائية وتتشكل كل دائرة من الدوائر الإستئنافية، من ثلاثة من قضاة محاكم الإستئناف على أن يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بــمحكمة الإستئناف أما فيما يخص إختصاصها القيمي، فالمحاكم الإبـتـدائيـة الإقــتصــاديـة، تـختص في المنازعات والدعاوي التي لا تتجاوز قيمتها خمسة ملاين جنيه أما المحاكم الإستئنافية الإقتصادية تختص بالنظر في المنازعات والدعاوى، إذا تجاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه.

كما أن المشرع الفرنسي خاض مجموعة من التجارب القضائية من أجل إيجاد قضاء متخصص في جرائم الأعمال ، حيث كانت أول المحاولات القانونية التي سارت في هذا الإتجاه سنة 1945، حيث كان المشرع الفرنسي يسند الإختصاص في الجرائم الإقتصادية التي تكيف على أنـها جنايات للمحاكم العادية في حين يسند الإختصاص بالنسبة للجنح إلى دوائر إدارية متخصصة تم بعد ذلك جاء قانون 1949، ليساوي بين جرائم الأعمال التي تشكل جنحا وتلك التي تشكل جنايات إذ تم إسناد جميع هذه الجرائم إلى القضاء العادي، إلا أنه من أجل الحديث عن قضاء متخصص فعليا في الجرائم الإقتصادية في فرنسا، وجب إنتظار قانون 6 غشت 1975 والمعدل بمقتضى القانون عدد 89-94، الصادر بتاريخ 1 فبراير 1994، ليكون هذا القانون الأخير بالإضافة لمجموعة من المواد في قانون المسطرة الجنائية الفرنسي اللبنة الأولى لإنطلاق تجربة القضاء المتخصص في فرنسا.

هكذا نجد المادة 704 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية نصت على أنه تحدت في دائرة كل محكمة إستئناف محكمة جنح أو أكثر تكون مهمتها التحقيق والحكم في جرائم الأعمال ، كما عددت هذه المادة بعض الجنح التي تدخل في إختصاصها ” كالجنح المنصوص عليها في مدونة النقد والمالية والجنح الجمركية ، والجنح المنصوص عليها في قانون حماية المستهلك، وكذلك الجنح المرتكبة ضد الملكية الفكرية، والجنح التي لها علاقة بالمقامرة أو العاب الحظ التي نص عليها القانون رقم 628-83 بتاريخ 1983-7-12. بالإضافة إلى الجنح المنصوص عليها في قانون 1 غشت 1986 المتعلق بقانون الصحافة.

مع الإشارة إلى أن القانون الفرنسي ، من خلال مقتضيات المادة 704،ق،م،ج ،قد نص و أكد على إيـــجاد قضاء للحكم وللتحقيق وللنيابة العامة ، متخصصين في جرائم الأعمال التي حددتـها المادة المذكورة أعلاه.

وبـهذا فتــجربة القضاء الــمتــخصص فــي فرنسا ، تعتبر خطوة إيــجابيـة فــي مـجال قضاء الأعمال وإن إقتصرت على إنشائه فقط على الجنح دون الجنايات، كما لابد من الإشارة أن القانون الفرنسي يحاول إيجاد قضاء متخصص جنائيا في المجال الصحي والذي يعتبر جزء لا يتجزأ من مجال الجرائم الإقتصادية.

هكذا جاء في المادة 02 -706 ، كما تم تعديلها بموجب قانون رقم 1547-2016 لسنة 18 نونبر2016، على أنه يـــجوز تـــمديد الولاية الإقليمية لمحكمة عليا إلى محكمة أو أكثر من محاكم الإستئناف للتحقيق و الملاحقة والحكم على الجرائم المحددة أدناه في الحالات المتعلقة بمنتج صحي، كما هو مـــحدد فـــي المادة 5311-1 L من قانون الصحة العامة أو منتج مخصص للإستـهلاك البشري أو الحيواني كذلك المنتجات الطبية المستعملة في التجميل بسبب أثارها و خطورتـها، والتي تبدو ذات تعقيد كبير.

إذا ومما لاشك فيه أن النهج الذي يتنباه المشرع الفرنسي، والمتمثل في خلق قضاء متخصص في جرائم الأعمال والتي من بينها المجال الصحي، يبقى توجه محمود على المشرع المغربي التفكير في نـهجه خاصة مع إهتمام وإقتناع مشرعنا المغربي بقمة القضاء المتخصص ، وذلك من خلال إحداثه الـــمحاكم التجارية والإدارية بل إن فكرة إنشاء محاكم متخصصة يؤكدها كذلك الدستور المغربي لسنة 2011.

إذا كــخـــلاصة لـــما سبـــق ذكـــره فـي هذا الـــمبحـــث والـــمعــنــون بـــإجـــراءات التحقيق الإعدادي فـــي جـــرائم الأعمال والذي بيـــنـــت مـــن خلاله طـــرق إتصال قاضي التحقيق بالــقضــية سواء من خلال ملتمس النيـــابة العامة، و كذلك الـــمطالبة بالحق المدني أمام قاضي التــحــقــيق،كـــما تطرقت من خلال هذا المبحث إلى نطاق التحقيق الإعدادي من خلال الــــحديث عن الإختصاص النوعي، أي الـــجرائم الــــمشمـــولة بـــالتحقــيق الإعدادي والطبيعة الـــجنــحيــة لــــجرائـــم الأعمال، وكذا إعتماد المشرع الـــجنائي الــــمغــربي لتــقنية التجنيح القضائي، كما ثم التفصيل في الاختصاص القيمي، وذلك بالحديث عن بعض ملامح إحداث القضاء المتخصص، إبتداء من محكمة العدل الخاصة وصولا إلى إنشاء أقسام للجرائم المالية، في بعض محاكم الإستئناف الــمحددة على سبيل الحصر، كما فصلت الحديث عن إشكالية تواجد النيابة العامة بالمحاكم التجارية ، وعن طبيعة الإختصاص المخول للمحاكم المالية ، وكذا إشكالية غياب الدور الزجري لدى النيابة العامة لديهما .

كما تناولت بالحديث بعض التجارب القضائية المقارنة ، من حيث إحداثها لمحاكم متخصصة في جرائم المال والأعمال ، كالتجربة المصرية والفرنسية.

وبـهذا فإذا كان هذا ما يهم إجراءات التحقيق الإعدادي يحق لنا أن نتساءل عن تقنيات التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال ؟ .

المبحث الثاني : تقنيات التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال

بعد أن رأينا في المبحث الأول من الفصل الثاني ، إجراءات التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال وبالخصوص طريقة إتصال قاضي التحقيق بالخصومة الجنائية وإلى نطاق التحقيق إعدادي في جرائم الأعمال لا بد أن نتناول بالتفصيل الطرق والتقنيات القانونية التي يلجأ إليها قاضي التحقيق من أجل الوصول إلى الــحقـــيقة فــكما يعلم جميع المهتمين بالمادة الجنائية أن قـــاضــي التحقيق باعتباره ضابط ساميا للشرطة القضائية ، كما نصت على ذلك مقتضيات المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية، خوله القانون مجموعة من الصلاحيات تـهدف أولا وأخيرا إلى إثبات إرتكاب الفعل الجرمي وإتباث الجريمة على الظنين إن هذه المهمة الملقاة على عاتق قاضي التحقيق ليست بالسهلة ، إذ أن الخصوصية الإجرامية لجرائم ذوي الياقات البيضاء تفترض في قاضي التحقيق أن يكون له مهارات خاصة في التحقيق والتي يكون إكتسبها من خلال إحتكاكه الطويل بـهؤلاء الأظناء وإلى إطلاعه الدائم والمستمر، على مختلف المستجدات القانونية المنصبة على هذا الميدان، أي ميدان جرائم الأعمال دون أن ننسى خبرة وحنكة وتجربة قاضي التحقيق في معرفة الحيل والدسائس التي يستعملها هؤلاء المجرمين للإيقاع بضحاياهم ومسهم الخطير بسمعة الإقتصاد الوطني.

فــي هـــذا الإطار خول المشرع الجنائي المغربي لقاضي التحقيق مـــجـموعة من الصلاحيات القانونية يعتمد عليها أثناء التحقيق ويـهتدي على ضوئها إلى إتخاذ مجموعة من الأوامر القانونية، “الأمر بالإعتقال الإحتياطي، الإيداع في السجن إلقاء القبض….” إلى غير ذلك من الأوامر الماسة بالحرية الفردية، وذلك في إطار الإحترام الدائم للقانون وضمانات المحاكمة العادلة.

ومن بين الطرق التي يستعملها قاضي التحقيق، نجد الإستنطاق سواء الابتدائي أو التفصيلي ، بالإضافة إلى مقتضيات خاصة في التحقيق الإعدادي كإلتقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد وتسليم المراقب والشهادة إلى غير ذلك من الوسائل القانونية التي يلجأ إليها قاضي التحقيق في سبيل الوصول إلى الحقيقة.

في هذا الصدد سنفصل الحديث عن المراحل التي يمر منها التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال ، وبعض الجهات المكلفة ، استثناءات بإجراء تحقيق، كما سأتناول بالحديث، الوسائل الخاصة المستعملة من قبل قاضي التحقيق و مختلف الإشكالات المثارة عنها ، وذلك عبر مطلبين على الشكل الآتي :

المطلب الأول : المراحل التي يمر منها التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال

المطلب الثاني : أساليب التحقيق الخاصة في جرائم الأعمال .

المطلب الأول : مراحل التحقيق في جرائم الأعمال

يقصد بالمراحل التي يمر منها التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال، الإستنطاق الذي يجريه قاضي التحقيق مع الظنين، إذ أن الإستنطاق لا يقتصر على مرحلة واحدة بل يمر بمراحل أساسية تبتدأ بالإستنطاق الأولي أو الإبتدائي و الإستنطاق التفصيلي ويقصد بالإستنطاق إستفسار الخاضع له عن وقائع و حيثيات الجريمة والظروف الملابسة لها ، من خلال طرح أسئلة وتلقي الأجوبة عنها ، والتي قد ينتج عنها إما رجحان إسناد التهمة إليه فيحال على المحكمة المختصة، أو براءته منها ليصدر الأمر بعد متابعة من قبل قاضي التحقيق.

ويجب الإشارة في هذا الإطار أن قيام قاضي التحقيق بمهمته ليس مطلقا بل قد توجد صعوبات سواء واقعية أو قانونية قد تعترض قيامه بمهامه ، وتسند الإختصاص لجهات غيره القيام ببعض إجراءات التحقيق أو كله.

من خلال هذا المطلب، سأفصل الحديث عن الاستنطاق بنوعيه الأولي (الفقرة الأولى) التفصيلي –(الفقرة الثانية)،ثم سأخصص الحديث في الفقرة الثالثة عن الجهات المكلفة إستثناءا بإجراء التحقيق على المنوال الآتي :

الفقرة الأولى : الإستنطاق الأولى :

الإستنطاق الأولي ويسمى أيضا بالإبتدائي لأن الخاضع له يمثل فيه الأول مرة أمام قاضي التحقيق، لكونه متابعة في جريمة من الجرائم حيث يقوم قاضي التحقيق في هذا المرحلة الأولى للتحقيق الإعدادي بتأكد بكيفية دقيقة من هوية المتهم ” الاسم العائلي والشخصي ونسبه وحالته العائلية ومهنة وهل لديه سوابق عدلية …” معتمدا من أجل ذلك إذ إقتضت الضرورة بمصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي، كما تنص على ذلك مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 134 من ق.م.م.ج ،بعد التأكد من هوية المتهم الماثل أمام قاضي التحقيق يجب على قاضي التحقيق أن يشعره بأن له الحق في إختيار محام لمتابعة إجراءات الإستنطاق الأولي، ويجب أن ينص في المحضر على حصول هذا الإشعار كما تنص عل ذلك مقتضيات الفقرة 2 من المادة 134 من نفس القانون.

فإذ نصب الظنين أحد المحامين لمؤازرته لزمه إعلام قاضي التحقيق بـهذا التنصيب حتى يتم إستدعاؤه لحضور بقية إجراءات الإستنطاق الإبتدائي، أما في حالة لم يتيسر له ذلك فمن حقه أن يطلب من قاضي التحقيق تعينه له في إطار المساعدة القضائية ، كل ذلك ما لم يتنازل الظنين عن حقه في تنصيب محام خلال هذه المرحلة كما تنص على ذلك مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 139 من ق.م.ج في هذا الإطار جاء في قرار للمجلس الأعلى: ” إذا نتج عن محضر الإستنطاق الإبتدائي أن المتهم بعد أن أعلمه قاضي التحقيق إلا أنه له الحق في إختيار محام ،صرح بأنه يقبل الكلام دون حضور محام فإن هذا التصريح يكون من قبل المتهم تنازلا صريحا عن حقه في مساعدة محام إلى الوقت الذي يستعمل فيه الحق الذي يعطيه له المشرع في كل طور من أطوار التحقيق”.

كما على قاضي التحقيق، إحاطة الظنين علما وبكيفية واضحة ومفهومة لا إلتباس فيها ، بالأفعال المنسوبة إليه ، كما يجب على قاضي التحقيق أن يشعر الظنين بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح في هذه المرحلة من الإستنطاق.

في هذا الصدد جاء في قرار للمجلس الأعلى ” يحيط السيد قاضي التحقيق المتهم بالأفعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح وينص على ذلك في المحضر كما يشعره بأن له الحق في إختيار محام وإلا فيعين له محاميا إن طلب ذلك ويترتب بطلان الإجراء والإجراءات التي تليه على عدم إحترام ذلك وإن المحكمة لما لم تجب على الدفع المبني على عدم إحترام المقتضيات المذكورة تكون قد أخلت بحقوق الدفاع، وعرضت قراراها للنقض”.

من وجهة نضري، ونحن نتحدث عن الإستنطاق الأولي في جرائم الأعمال ، وبالأخص نقطة تعيين المحامي في إطار المساعدة القضائية ، إذا لم يتأتى للظنين تعيينه لضعف موارده المالية، يستحيل ويصعب تصورها في جرائم الأعمال، لأنه يستحيل تصور مجرم ينتمي لهذا الطائفة من المجرمين لا يتوفر على الموارد الكافية لتعيين المحامي فهؤلاء من محترفي الإجرام الغير العنيف يستنجدون بطلب المحامي لمجرد إستـفسار ضابط أو عون الشرطة وطلبه لرخصة السياقة أو ما شابه ذلك، فكيف لا يعنه وهو قد يكون متابع بجنح وجنايات سوف يضطر بموجبها إلى الخلود للراحة لفترة حبسية ليست باليسيرة داخل المؤسسة السجنية.

ومع ما سبق ذكره ، يمكن القول بأن الضمانة المتمثلة في عدم إلزام القانون للماثل أمام قاضي التحقيق بالإدلاء تعتبر ضمانة جدية و معقولة عند تقديمة للأول مرة أمام قاضي التحقيق، تجد إستثناءات تسمح بضرورة التعجيل بالإستنطاق في الحالات الآتية :

1- رغبة المتهم التي تأتي طوعا بدون أي إكراه عليه في الإدلاء بتصريحاته المتعلقة بالجريمة المنسوبة إليه ، فورا ومباشرة حيث من حقه ذلك ولا يقع على عائق قاضي التحقيق سوى تلقيها ليدونـها كاتب ضبط في المحضر كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 134 م.ق.م.ج بمفهوم المخالفة.

2- حالات الإستعجال التي تستدعي إجراء الإستنطاق فورا كما في حالة وجود شاهد يـهدده خطر الموت أو وجود علامات على وشك الإندثار والمشرع المغربي نص على ضرورة التنصيص على حالات الإستعجال في المحضر، المادة 135 من ق.م.ج.

3- الحالة التي تلتمس فيها النيابة العامة بمقتضى المادة 75 ق.م.ج من قاضي التحقيق إجراء تحقيق إعدادي، حيث يكون ضروري لمصلحة إستنطاق الظنين تفصيلا وبدون أي تأخر أو تأجيل المادة 135 من ق.م.ج.

كما تجدر الإشارة ، أنه ينبغي عدم التباطؤ في إنجاز الإستنباط الإبتدائي بعد مثول الظنين بين يدي قاضي التحقيق وخصوصا إذا كان هذا المثول أتى نتيجة إصدار قاضي التحقيق ، لبعض الأوامر الماسة بالحرية كالأمر بإلقاء القبض، حيث ينبغي إستنطاقه في هذه الحالة على وجه السرعة، ما لم يتعذر ذلك فينقل إلى المؤسسة السجنية التي لا يجوز إعتقاله فيها لأكثر من 24 ساعة، بحيث يجب على رئيسها تقديمه بعد إنتهاء المدة السابقة دون أن يتم غستنطاقه إلى قاضي النيابة العامة المختصة الذي يلتمس من قاضي التحقيق وعند تغيبه من أي قاضي من قضاء الحكم إستنطاق المتهم فورا وإلا فيطلق له سراحه، كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 147 في فقرتـها 1-2-3 من ق.م.ج.

وقد يدعي الظنين الماثل أمام قاضي التحقيق، أنه تعرض لتعنيف أو أنه مريض مرض خطير ففي هاتين الحالتين ، يجب على قاضي التحقيق إعطائه أمر بإجراء فحص طبي بحرية طبيب مختص ، كما أنه في حالة تبوث تعسف رجال الشرطة القضائية في إيقاع تدبير الحراسة النظرية، أو إنتزاع إعترافات المشبوه فيه بالقوة فيسألون جنائيا ومدنيا عن أفعالهم وفي حالة الإستنطاق الأولي وإذا ارتأى قاضي التحقيق عدم وضع الظنين رهن الإعتقال الإحتياطي فإنه يقع على عاتق هذا الأخير ضرورة إخبار قاضي التحقيق بكل تغير لعنوانه ، حتى يسهل إستدعاؤه ما لم ير الخاضع للتحقيق تعيين محل المخابرة معه يقع في دائرة نفوذ المحكمة الموجود في دائرتـها مكتب قاضي التحقيق.بناءا على ما جاء في مقتضيات المادة 134 في فقرتـها السادسة .

إذا كان هذا كل ما يهم الإستنطاق الإبتدائي أوالأولي ومختلف الإشكالات التي يثيرها فماذا عن الإستنطاق التفصيلي؟ .

الفقرة الثانية : الإستنطاق التـفصيلي :

تتميز مرحلة الإستنطاق التفصيلي بإستجواب المتهم تفصيليا من قبل قاضي التحقيق ومناقشته له في التهم المنسوبة إليه وملابستها وظروف إرتكابـها في شكل أسئلة فيجيب الظنين عنها ، ولا يمكنه أن يلتزم الصمت فهذه الضمانة ليست له إلا في مرحلة الإستنطاق الإبتدائي وبـهذا فالإستنطاق التفصيلي واجب إنجازه باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق الإعدادي، لا يمكن الإسـتــغـــنـاء عنه إلا فـــي حالة تــقــدير قـــاضي التحقيق عدم المتابعة وإخلاء سبيل الظنين مند المقابلة الأولى.

ولخطورة هذه المرحلة فقد أحاطها قانون المسطرة الجنائية بضمانات غير تلك التي اشرنا إليها في الفقرة السابقة تـهدف كلها إلى تعزيز حقوق الدفاع الواجب كفالتها وإحترامها، حيث نصت المادة 139 من ق.م.ج،

“…. إلى أنه لا يجوز الإستماع إلى المتهم أو الطراف المدني ولا مواجهتهما ببعض، إلا بحضور محامي كل منهما أو بعد إستدعائه بصفة قانونية، مالم يتنازل أحد الأطراف صراحة عن مؤازرة الدفاع ويتعين على قاضي التحقيق إستدعاء المحامي قبل كل إستنطاق بيومين على الأقل ما لم يكن قد تم اشعارها في جلسة سابقة للتحقيق، كما يجب وضع الملف رهن إشارة المحامي للاطلاع عليه يوما واحد على الأقل قبل كل إستنطاق…” .

في هذا الإطار ، جاء في قرار للمجلس الأعلى ، محكمة النقض حاليا ما يلي : ” يكون باطلا إستنطاق المتهم الذي قام به قاضي التحقيق وكذا الإجراءات التي أتت بعده ومنها قرارا غرفة الإتـهام المطعون فيه، وذلك لكون

الإستنطاق المذكور أنجز بحضور محامي المتهم دون إستدعائه برسالة مضمونة الوصول قبل الإستنطاق بيومين كاملين على الأقل ودون جعل ملف القضية رهن إشارة قبل الإستنطاق بيوم واحد على الأقل.

إلا أن الإشكال الذي يثار في هذا الإطار هو ما الجدوى من حضور المحامي أثناء الإستنطاق؟ وهل يحق له الترافع ؟ إن أهمية هذا الحضور تكمن في الدعم المعنوي والنفسي للظنين أثناء مثوله للأول مرة؟ أمام جهة التحقيق حيث لا ريب أن حضور الظنين رفقة محامية ، يجعله يثق في الجهة التي يمثل أمامها ولا شك هذا هو مضمون المادة 140 من ق.م.ج التي نصت على أنه لا يمكن لمحامي المتهم أو محامي الطرف المدني أن يتناول الكلمة إلا لتوجيه أسئلة أثناء إستنطاق المتهم أو مواجهته مع الغير أوالإستماع إلى الطرف المدني بعد أن يأذن لهما قاضي التحقيق، فإن رفض الإذن لهما بالكلمة تعين تسجيل الأسئلة في المحضر أو إرفاق نصها به .

كما أن هناك إشكال آخر في حالة إستوفى قاضي التحقيق المسطرة المذكورة أعلاه إلا أن المحامي لم يحضر لجلسة الإستنطاق، فهل يمتنع على قاضي التحقيق إجراء الإستنطاق؟ .

بالعودة لنصوص قانون المسطرة الجنائية المنظمة للتحقيق الإعدادي، لا نجد جوابا على هذا الإشكال، وبـهذا فإن الصواب هو أنه يكون لقاضي التحقيق إمكانية استنطاق المتهم وتصرفه على هذا الشكل يكون صحيحا ومنتجا لكل الأثار القانونية لأن القول بغير ذلك سوف يجعل إجراء الإستنطاق التفصيل معلق على مزاجية ومواعيد المحامي.

ومن بين الضمانات كذلك التي خولها المشرع المغربي، في هذه المرحلة من الإستنطاق هي إستنطاق المتهم بدون إكراه وقد تخلص الإستنطاق في العصر الحديث من فكرة التعذيب، بعد أن سادت حقوق الإنسان فصدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 الذي حضر تعذيب المتهم وقد أصدرت الجمعية العامة لأمم المتحدة في 9 من ديسمبر 1975، إعلان بشأن حماية جميع الاشخاص ضد التعذيب وغيره من العقوبات أو المعاملات القاسية أو الغير إنسانية أو المهينة وفي نفس المنحى نص المشرع المغربي ، في الفقرة 3 من الفصل 22 من دستور المملكة ، ” ممارسة التعذيب بكافة أشكاله ومن قبل أي حد جريمة يعاقب عليها القانون”.

إذن يتبين أن المشرع المغربي متمسك باحترامه لحقوق الدفاع والحفاظ وحماية حقوق المشبوه فيهم والأظناء والمتهمين على حد سواء إلى أن تعذيب الظنين يخضع لطرق متعددة كالإكراه المادي والإكراه الأدبي وحبل الوريد بينهما هو الألم والمعاناة البدنية والنفسية أو العقلية التي تصيب الظنين جراء إستخدام أحد وسائل التعذيب.

كما أن ضمانات الحق في الدفاع تزداد في هذه للمرحلة ، حيث خول المشرع للظنين حرية الإتصال بمحامية ولو أن المشرع خول لقاضي التحقيق حق إصدار أمر يمنع المتهم من الإتصال بالغير لمدة عشرة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة كما أنه لم يسمح في أي حال من الأحوال منع المحامي من الإتصال بالمتهم كما تقضي بذلك مقتضيات المادة 136 من ق.م.ج

وبمجرد الإنتهاء من الإستنطاق، يتعين على قاضي التحقيق أن يدعو المتهم لقراءة تصريحاته و أن يوقع على كل صفحة من المحضر فإن كان لا يحسن القراءة تلا عليه كاتب الضبط نص تصريحاته ووضع المتهم بصمته على كل صفحة ، فإن رفض ذلك أشير إلى الرفض في المحضر ويوقع على كل صفحة منه قاضي التحقيق وكاتب الضبط

يتبين بدون شك أن هذه المرحلة من مراحل الإستنطاق تتعزز فيها حقوق الدفاع بشكل كبيركما تبين ويظهر كذلك وبدون شك الدور الجوهري الذي يقوم به قاضي التحقيق لتفعيل هده المقتضيات القانونية، إلا أن هذا الأخير قد لا ينجز التحقيق الإعدادي بكيفية مفصلة وشافيه ، كما أنه قد تعترضه صعوبات أثناء إنجازه لمهامه وقد توجد نصوص قانونية تسند الإختصاص في التحقيق الإعدادي لجهات قضائية أخرى إدا ماهي هده الجهات المكلفة إستثناءا بإجراء التحقيق؟ هذا ما سيكون موضوعا للفقرة الثالثة.

الفقرة الثالثة : جهات إضافية مكلفة بالتحقيق الإعدادي

يجري التحقيق بصفة إستثنائية من طرف جهات غير قاضي التحقيق وذلك في الأحوال التي يوجد فيها نص خاص ، أو حالة الإنابة القضائية أو في حالة إجراء تحقيق تكميلي :

-1 حالة وجود نص خاص : أسندت نصوص خاصة في ق.م.ج مهمة التحقيق في جرائم الأعمال جنحا كانت أو جنايات إلى جهات غير قاضي التحقيق وذلك خروجا عن قواعد الإختصاص العادية في حالة إرتكاب إحدى جرائم الأعمال من طرف فئات معينة لها صفة موظف عمومي وهذه المسطرة تسمى مسطرة الإمتياز القضائي.

ونظرا لكون هؤلاء الموظفين العموميين بإختلاف درجاتهم قد تسهل لهم وضعيتهم المالية إرتكاب جريمة من جرائم الأعمال ، مستغلين في ذلك أسمائهم وسلطتهم ونفوذهم لكل هدا قام المشرع المغربي بتنظيم قواعد إختصاص إستثنائية تطبق عليهم وذلك بمقتضى المواد 264 إلى 268 ق.م.ج، في حالة إرتكاب إحدى جرائم الأعمال جناية كانت أو جنحة من طرف مستشار لجلالة الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة أو قاض بمحكمة النقض أو المجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المحكمة الدستورية أو إلى والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة إستئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها ، فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر عند الإقتضاء بناء عل ملتمسات الوكيل العام للملك بنفس المحكمة بأن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتها.

ويجري التحقيق حسب الكيفية المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي.

وبعد إنتهاء التحقيق يقرر المستشار المكلف بالتحقيق أومستشارين حسب الأحوال أمرا قضائيا بعدم المتابعة أو بالإحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنه لاتقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض ويبقى للمتضرر في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء المدني المختص وفق ما أشارت إليه مقتضيات المادة 265 من ق.م.ج ، وجاء في المادة 266 من نفس القانون إذا كان الفعل منسوبا إلى مستشار بمحكمة الإستئناف أو رئيس محكمة إبتدائية عادية أو متخصصة أو وكيل الملك بـها أو قاضي بمجلس جهوي للحسابات فإن للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن يحيل القضية بملتمس إلى الغرفة الجنائية للمحكمة المذكورة التي تقرر ما إذا كان الأمر يقتضي إجراء تحقيق وفي حالة الإيجاب تعين محكمة إستئناف غير المحكمة التي يباشر في دائرتـها المعني بالأمر مهامه.

وفـــي هــذه الـــحالة ينـــتدب الرئيس الأول لـــمحكمة الإستئناف لهذا الغرض قاضيا للتحقيق أو مستشارا لإجراء البحث في الوقائع موضوع المتابعة في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى التعديل الذي أحدث أقسام للجرائم المالية في بعض محاكم الإستئناف وبالتالي فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض يجب عليها تعيين محكمة استئناف موجودة فيها هذه الأقسام مع مراعاة الدائرة القضائية للمعني بالأمر.

إذا تعلق الأمر بجناية يصدر قاضي التحقيق أو المستشار المكلف بالتحقيق أمرا بإحالة القضية إلى غرفة الجنايات بمحكمة الإستئناف إذا تعلق الأمر بجنحة ويصدر أمر بإحالة القضية على غرفة الجنح الإستئنافية.

تكون أوامر قاضي التحقيق أو الـمـسـتشار الــمكلف بالتحقيق قابلة للطعن طبق الشروط المنصوص عليها فــي القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي ويمكن للطرف المدني أن يتدخل لدى هيئة الحكم حسب الأحوال المنصوص عليها في المواد 350 و351 من ق.ج.

كما جاء في المادة 267 من ق.م.ج، إذا كان الفعل منسوبا إلى قاضي بمحكمة إبتدائية عادية أو متخصصة فإن للوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف أن يحيل القضية بملتمس إلى الرئيس الأول، الذي يقرر ما إذا كان الأمر يقتضي إجراء بحث وفي حالة الإيجاب يعهد إلى قاضي للتحقيق أو إلى مستشار بمحكمته يكلفه بالتحقيق.

وتطــبق مقــتــضــيات المادة السابقة بالنسبة للبحث والمتابعة والإحالة و كذلك المطالبة بالحق المدني .

والفئة الأخيرة هي التي نصت عليها المادة 268 من ق.م.ج، فإن كان الفعل منسوبا إلى باشا أو خليفة أو عامل أو رئيس دائرة أو قائد او لضابط شرطة قضائية أثناء مزاولتهم لمهامهم تحال القضية على الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف ، الذي يعرضها على الرئيس الأول عند الضرورة إجراء البحث وفي حالة الإيجاب يعين مستشارا مكلفا بالتحقيق بمحكمته.

وإذا كان ضابط الشرطة القضائية ، مؤهلا لمباشرة وظيفته في مجموع تراب المملكة، فالإختصاص يعود إلى محكمة النقض، وفقا لما هو منصوصو عليه في المادة 265 من ق.م.ج.

في هـــذا الصدد جاء في قرار لـــمحكمة الإستئناف بالرباط ما يلي : قيام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالإستماع في محاضر الضابطة القضائية إلى أشخاص يتمتعون بصفة ضباط شرطة دون إحترام قواعد الإختصاص الإستئنافية ، يجعل هذه المحاضر كان لم تكن ويتعين التصريح ببطلانـها نعم.

وتكملة لما سبق ، فإذا تعلق الأمر بجناية ، فإن المستشار المكلف بالتحقيق يصدر أمر بالإحالة إلى غرفة الجنايات أما إذا تعلق الأمر بجنحة فإنه يحيل القضية إلى محكمة إبتدائية غير التي يزاول المتهم مهامه بدائرتـها ويمكن للطرف المدني التدخل لدى هيئة الحكم ضمن الشروط المحددة في المادتين 350 و 351 من ق.م.ج.

2- الإنابة القضائية : قد يستحيل أو يتعذر على قاضي التحقيق، القيام ببعض إجراءات التحقيق الإعدادي، لأسباب قد ترجع مثلا إلى كثرة القضايا التي ينظر فيها أو ضرورة الخروج عن نطاق حدوده الترابية .

وبـهذا يكون لقاضي التحقيق أن ينيب جهة معينة قد يكون قاضيا للتحقيق أو ضابط من ضباط الشرطة القضائية أو قاضيا للحكم، حسب الكيفيات المنصوص عليها في المواد 189 إلى 193 من ق..م.ج .

تنص المادة 189 من نفس القانون ، يمكن لقاضي التحقيق أن يطلب بواسطة إنابة قضائية من أي قاض آخر للتحقيق أو أي قاض، أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية القيام بإجراء ما يراه لازما من أعمال التحقيق في الأماكن الخاضعة لنفوذ كل واحد منهم ويجب على هؤلاء إخبار النيابة العامة التي تنفذ الإنابة في دائرة نفوذها.

يشار في الإنابة القضائية إلى نوع الجريمة موضوع المتابعة ويؤرخها القاضي الصادرة عنه ، ثم يوقعها ويضع طابعه عليها كما يحدد قاضي التحقيق الأجل الذي يجب أن يوجه إليه خلاله ضابط الشرطة القضائية المحاضر التي يحررها فإن لم يحدد ذلك الأجل توجه إليه المحاضر في ظرف الثمانية أيام الموالية ليوم نـهاية العمليات المنجزة بموجب الإنابة القضائية.

ومن المفيد الإشارة أن هناك نوع أخر من الإنابة القضائية على غرار الإنابة الداخلية ، وهي الإنابة القضائية الدولية التي توجه بالطروق الدبلوماسية من قضاة التحقيق المغاربة إلى السلطات القضائية الأجنبية كما تقضي بذلك مقتضيات المادة 714 من ق.م.ج.

وجاء في مقتضيات المادة 190 من نفس القانون على أن المنتدبون لتنفيذ الإنابة القضائية يـــمارســـون ضمن حدود هذه الإنابة جـــميع السلطات الـــمخـــولة لقاضي التحقيق غير أنه لا يـــمكن لضباط الشرطة القــضــائــية إستجواب المتهم أو مواجهة مع غيره كما لا يمكنهم الإستماع إلى الطرف المدني إلا بطلب منه كما لا يخول لهم حق إصدار الأوامر القضائية الخاصة بقاضي التـــحقيق.

3-التحقيق التكميلي : لقد خولت المقتضيات الإنتقالية للمحكمة الإبتدائية ولغرف الجنايات في بعض الحالات متى دعت الضرورة إلى ذلك أن تقوم ببحث تكميلي لكي تحصل على مزيد من المعلومات حول النازلة المعروضة عليها لذلك يمكن القول بأن قاضي الحكم أصبح جهة من الجهات التي يمكنها أن تستعمل مسطرة التحقيق الإعدادي في بعض الحالات.

وبما أن المحكمة الإبتدائية مكونة من قاض منفرد فإنه هو الذي يتكلف بإنجاز البحث المذكور أما بالنسبة لمحكمة الجنايات فإنـها تنتدب أحد أعضائها لنفس الغرض عند الإقتضاء، سواء بالنسبة للمحاكم الجنحية أو بالنسبة لمحكمة الجنايات إلا أن الفرق بينهما وبين النصوص الحالية هو أنـها كانت تترك للمحكمة إختيار الطريقة التي تنجز بـها البحث أما حاليا فإن على قاضي الحكم الذي يجري البحث التكميلي أن يلتزم في كل الإجراءات والأوامر الصادرة عنه بمقتضيات القسم الثالث من الكتاب الأول من الظهير المشار إليه في الفصل الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي.

وقد إنتـقد الفقه المغربي هذه المؤسسة القانونية ، مؤكدا ضرورة التراجع عنها شريطة تقوية مؤسسة التحقيق الإعدادي بدل إثقال كاهل قضاء الحكم بهذه المهمة التي لا تعود إليه وتخرج عن إختصاصه ويبرر الفقه ذلك في كثرة المشاكل التصريحية والعملية التي طرحتها وما تزال هذه المؤسسة التي عرفت النور في ظهير 10 فبراير 1959 ، وتعززت بنصين في ظهير الإجراءات الإنتقالية السنة 1974، والتي يؤكد الفقه أنـها لم تطلع في تكريس القناعة بمؤسسة مخضرمة تخول لقضاء الحكم إستكمال الحقيقة بشكليات غريبة عن تلك التي تحكم قضاء الحكم.

من وجهة نضري، لا أوافق ما ذهب إليه الأستاذ والفقيه عبد الواحد العلمي فقاضي التحقيق وقاضي الحكم يخضعان لتكوين قانوني واحد عند نجاحهم في مباراة الملحقين القضائيين وولوجهم إلى المعهد العالي للقضاء زد على ذلك فقاضي التحقيق كان إلى وقت قريب قاضيا للحكم قبل أن يعين في منصبه الجديد كمحقق، أضف إلى ذلك فالقاضي المجتهد عليه أن يعلم ويتقن جميع تخصصات الجسم القضائي لكي يكون ورقة رابحة أين ما حل و إرتحل.

فبعد أن رأينا المراحل التي يمر منها التحقيق الإعدادي في جرائم الأعمال سواء مرحلة الإستنطاق الإبتدائي أو التفصيلي، وكذا مختلف الضمانات القانونية التي تحكمهما و بعض الجهات الخاصة التي يعد إليها بالقيام بجميع إجراءات التحقيق الإعدادي أو بعضه في إطار مسطرة الإمتياز القضائي أو إنابة قضائية أو عن طريق إجراء تحقيق تكميلي.

يحق لنا أن نتساءل عن الوسائل والطرق القانونية التي يلجأ إليها قاضي التحقيق للوصول إلى ثبوت الإدانة على الظنين أو نفيها عنه؟ .

المطلب الثاني : التنقيب عن الأدلة بين متطلبات التحقيق وضمانات الأضناء :

يلجأ قاضي التحقيق من أجل إثبات الجريمة والوصول إلى الحقيقة إلى العديد من الطرق والتقنيات القانونية منها ما هو مرتبط بالتقنيات الحديثة في إرتكاب الجريمة، ومنها ما هو مرتبط بالشخص المجرم ذاته أي تلك السمات الشخصية التي يمتاز بـها المجرم وتساعده في إرتكاب أفعاله الإجرامية وبـهذا سوف أعمل على تفصيل الحديث عن التقنيات المستجدة في البحث عن الجريمة وإقامة الدليل عليها من خلال الحديث عن التقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد وكذلك التسليم المراقب في (فقرة أولى) على أن نتناول بالحديث دور الشهادة والخبرة كطروق جرى بها العمل في إثبات الجرائم في (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: إلتقاط المكالمات والتسليم المراقب .

1- إلتقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد : لقد ظهر حديثا ما يسمى المجرم المثقف، ذلك النمط من المجرمين الذي يعتمد على احدث التقنيات العلمية والفنية من أجل تضليل أجهزة العدالة الجنائية في كشف الجريمة التي يرتكبها هذا وقد أفرز التطور التقني للحديث نمط معقد من الجرائم ينفذه مجرمون بارعون في وسائل تنفيذ الجرائم تقنيا وفنيا، ومثلما سعى المجرم لإستخدام التقنية لتمرير جرائمه على العدالة سعت أجهزة العدالة أيضا إلى تطوير ترسانتها التشريعية من أجل مواكبة هذا النوع من الإجرام. وبـهذا أقر المشرع المغربي لأول مرة كمستجد في قانون المسطرة الجنائية، نظام مراقبة الإتصالات الهاتفية وتلك المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد قصد مساعدته للوصول إلى الحقيقة ورغم أن مبدأ السرية التامة هو المتأصل في ميدان المراسلات والإتصالات فإن المشرع المغربي وضع إستثناء على هذا الــمبــدأ وخول لقاضي التحقيق هذه الإمكانية قصد الوصول إلى غاية نبيلة وهي مــحاربة الــجريـــمة والوصول إلى الـــحقيقة، وقد نظم المشرع هاته الآلية القانونية بـمقتضى المواد 108 إلى 116 من ق.م.ح.

وبالعودة لمقتضيات المادة 108 في فقرتـها الأولى نجدها نصت إلتقاط المكالمات والإتصالات الــمنــجـــزة بـــوســائل عن بعــد وأخذ نسخ منها أو حجزها، إلا أنه يــمكن إستثناءا من جهة قاضي التحقيق- وكلما إقتضت ذلك ضرورة البحث أن يأمر كتابة بالتنصت وهذا دون أي قيد أو شرط حيث يــخول له وبقوة القانون أن يصدر أمر بالتنصت في كافة الجرائم التي إلتمس منه طــلـــب التحــقــيـق فيـــها كــمــا تــم فــي نــفـس الإطار تمكين الوكيل العام للملك، بكيفية غير مباشرة من إعمال هذا الـــمقــتــضى حيث يــجب عليه أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول إصدار أمر يسمح له بذلك.

إذن يلاحظ من خلال مقتضيات المادة المومأ إليها أعلاه أن المشرع خول لقاضي التحقيق سواء في المحكمة الإبتدائية أو بمحكمة الإستئناف للجوء إلى إلتقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد مع حرمان وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية ونوابه من حق إعمال هذه المسطرة، وهذا يبدو طبيعي ما دام أن أغلب الجرائم المنصوص عليها في هذه المسطرة، جنايات خطيرة جدا فلا يمكن أن نتصور إنعقاد الإختصاص في جريمة غسيل الأموال مرتبطة بتمويل الإرهاب للمحكمة الإبتدائية.

ويتعين أن يكون إجراء إلتـقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد في شكل مكتوب، وهو ما يستشف من تعبير المشرع عنه بالمقرر أو القرار ويجب أن يتضمن الأسباب وضرورات إصدار هذا الأمر لأن المشرع لم يسمح باتخاذه في جميع الأحوال لذا يجب على قاضي التحقيق تبيان الأسباب الدافعة إليه وكذا تحديد المكالمات أو المراسلات المراد إلتـقاطها وتسجيلها وحجزها، كما يتوجب عليه أن يحدد مدة هذا الإجراء التي لا يمكن أن نتجاوز في جميع الأحوال أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة فقط كما تنص على ذلك مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 109 من ق.م.ج

ومن أجل تفعيل هذا الأمر يوجه قاضي التحقيق إلى أية مؤسسة أو مصلحة تابعة للوزارة المكلفة بالإتصال والمراسلات، أو أي شخص خاص مكلف بشبكة أو مرخص له بخدمات الإتصال كي يضع جهاز الإلتقاط ثم تحرر الجهة المكلفة بالبحث والتحقيق، سواء قاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية مـحضرا عن العملية متضمنا جميع العناصر المعرفة بـها وتاريخ بداية العملية ونـهايتها ثم توضع التسجيلات والمراسلات في وعاء أو غلاف مختوم كما تقضي بذلك مقتضيات المادة 111 من ق.م.ج كما لا يفوتني الذكر في هذا الإطار إلى أن الإتصالات والمراسلات التي تمت بلغة أجنبية يتم ترجمتها إلى اللغة العربية وجوبا بواسطة مترجم الذي يؤدي اليمين القانونية على أن يترجم بأمانة وألا يفشي أسرار المراسلات والبحث إن لم يكن مسجلا بجدول التراجمة المقبولين لدى المحاكم كما جاء في الفقرة الأخيرة من نص الفصل 112 من ق.م.ج نفس الشيء بالنسبة للرموز والألغاز حيث يتم الإستعانة بذوي الإختصاص – الفقرة الأولى من نفس المادة .

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أنه لم يفت المشرع تخصيص مادتين للمقتضيات الزجرية الضامنة لإنجاز هذا الإجراء في أحسن الظروف، حيث نجده جرم وضع وسائل التقاط المكالمات وتبديلها أو إستعمال ونشر المراسلات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد إذ لم تتم وفقا للقانون حيث يعاقب الفاعل بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 10.000 درهم إلى 1000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط . كما تشدد العقوبة لتصل إلى السجن من خمس إلى عشر سنوات إذا أرتكبت الأفعال المشار إليها في هذه المادة لغرض إرهابي، المادة 115 من ق.م.ج كما يعاقب بنفس الــعــقـــوبات كل عون مـــن أعوان السلطة العمومية أو أجير لدى شبكة عمومية للإتصالات أو لدى مزود بـــخــــدمات الإتصالات قام بـــمناسبة ممارسة مهامه بالكشف عن وجود إلتقاط أوامر او إرتكب أو سهل إلتـقاط أو تبديد مراسلات مرسلة بواسطة وسائل الإتصال عن بعد. المادة 116 من ق.م.ج .

فإذا كان ما سلف ذكره يتعلق بالمقتضيات القانونية المتعلقة بالتقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد، فماذا يمكن القول عن التسليم المراقب؟ .

2- التسليم المراقب: عرف مفهوم التسليم المراقب مع إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 والتي نصت في البند (ز) من المادة الأولى على أنه يقصد بأسلوب التسليم المراقب على انه، “السماح للشحنات غير المشروعة من المخدرات والمؤثرات العقلية أو المواد التي أحلت محلها بمواصلة طريقها خارج إقليم بلد أو أكثر أو عبره أو إلى داخله بعلم سلطاته المختصة وتحت مراقبتها بغية كشف هوية الأشخاص المتورطين في إرتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة 3 من الإتفاقية” .

وبخصوص الإحالة التي تضمنتها العبارة الأخيرة من هذه المادة فإنـها تحيل على الجرائم المرتبطة حصريا بالمخدرات وهي جرائم إنتاج المخدرات أو المؤثرات العقلية أو صنعها أو إستخراجها أو تحضيرها أو عرضها للبيع، أو توزيعها أو بيعها أو تسليمها بأي وجه كان أو السمسرة فيها أو إرسالها بطريق العبور أو نقلها أو إستيرادها أو تصديرها خلافا لأحكام اتفاقية 1961 بصيغتها المعدلة أو إتفاقية سنة 1971 (الفقرة الأولى من المادة الثالثة من الإتفاقية) .

كما أفردت إتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1988 كذلك المادة الحادية عشرة منها لدعوة الدول إلى العمل بأسلوب التسليم المراقب، حيث نصت على ما يلي : ” تتخذ الأطراف إذا سمحت المبادئ الأساسية لنظمها القانونية الداخلية ما يلزم من تدابير في حدود إمكانياتـها لإتاحة إستخدام أسلوب التسليم المراقب، إستخداما مناسبا على الصعيد الدولي إستنادا إلى ما تتوصل إليه الأطراف من إتفاقات أو ترتيبات بغية كشف هوية الأشخاص المتورطين في الجرائم المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة 3 وإتخاذ إجراء قانوني ضدهم… يجوز بالاتفاق بين الأطراف المعنية أن يعترض سبيل الشحنات الغير المشروعة الـمتـفق على إخضاعها للتسليم المراقب ، تم يمسح لها بمواصلة السير دون المساس بما تحويه من المخدرات أو المؤثرات العقلية أو أن تزال أو تستبدل كليا أو جزئيا وقد شكل هذا التقعيد القانوني لمفهوم التسليم المراقب ثورة في مجال التشريع الدولي على إعتبار أن جميع الإتفاقيات السابقة في مجال المخدرات لم تتناول أو تفرد أية آلية من هذا القبيل خصوصا، إتفاقية جنيف الأولى لسنة 1952 وإتفاقية لاهاي لسنة 1912 ، وبروتوكول باريس لسنة 1948، وبروتوكول نيويورك لسنة 1953، وإتفاقية جنيف الثانية لعام 1937 والثالثة لسنة 1936، والإتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 وإتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 وإتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1972.

وبالعودة لبعض التشريعات العربية نجد أن أسلوب التسليم المراقب أصبح عنصرا جوهريا ضمن آليات التحري الخاصة إذ نصت عليه الإتفاقية العربية لمكافحة الإتجار غير المشرع للمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1994 في البند التاسع من المادة الأولى المخصصة للتعريفات كما تضمنته الإتفاقية المغربية الفرنسية الموقعة في 18 أبريل 2006 ، والتي نصت على ما يلي : ” يتعهد كل طرف بأن يرخص بناء على طلب الطرف الآخر إجراء تسليم مراقب فوق إقليمه في إطار بحث جنائي متعلق بجرائم يمكن أن يترتب عنها التسليم “.

وكــذا الإتـــفــاقــية الـــمغربية الإسبانية المؤرخة في 24 يونيو2009، والتي تضمنت بدورها نفس المقتضى، لكن قد يتساءل متسائل ، وهو بصدد قراءة مقتضيات التسليم المراقب هل التسليم المراقب يرتبط فقط بجرائم المخدرات ؟.

الجواب بالنفي، لأنه بعد صدور إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الموقعة في باليرمو في سنة 2000، نصت في المادة20 على إلتزام كل دولة طرف بأن تقوم ضمن حدود إمكانيتها ووفق الشروط المنصوص عليها في قانونـها الداخلي، إذ كانت المبادئ الأساسية لنظامها القانوني تسمح بذلك باتخاذ ما يلزم من تدابير لإتاحة الإستخدام المناسب للتسليم المراقب وكذلك ما تراه مناسبا من إستخدام أساليب تحري خاصة أخرى مثل المراقبة الإلكترونية أو غيرها من أشكال المراقبة والعمليات المستتيرة من جانب سلطاتـها المختصة داخل إقليمها لغرض مكافحة الجريمة المنظمة مكافحة فعالة”.

إنطلاقا من هذه المادة يتبين أن التسليم المراقب يمكن اللجوء إليه في أية جريمة تـهدد النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي وخصوصا جرائم الأعمال لما لها من إرتباط وثيق بالجريمة المنظمة عبرالوطنية ومختلف أشكال الإجرام المنظم.

وبالعودة للتشريع المغربي نجده نظم هذه الوسيلة تحت مسمى تقنيات البحث الخاصة ” بمقتضى فرع فريد وقد ثم ذلك بموجب قانون 13-10 لسنة 2011 المتعلق بمكافحة غسل الأموال بمقتضى المادة 82 مكررة ثلاث مرات من ق.م.ج

حيث يتم تفعيل هذه التـقنية تحت سلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف الذي يعود له الإختصاص في حدوده الترابية ، حيث يقوم بتسخير عناصر الضابطة القضائية لتنفيذ الإذن ، وبعد إنتهاءهم من عملية التسليم المراقب ، يحررون محضر أو محاضر بالإجراءات المنجزة توجه إلى النيابة العامة التي منحت الإذن كما ما يلزم ضابط وأعوان الشرطة القضائية بالحفاظ على سرية الإجراءات المنصوص عليها في هذا الفرع.

كـمــا تــنــص مقتــضــيـات الــمادة 1-749، من نفس القانون ، على أنه يمكن لدولة أجنبية أن تطلب من السلطات المغربية المختصة تنفيذ عملية تسليم مراقب داخل إقليم المملكة على أن تنفذ هذا الطلبات وفق التشريع المغربي بإذن من الوكيل العام للملك بعد موافقة وزير العدل ، ودون أن يكون التنــفيذ من شـأنه الــــمساس بسيادة الـــممــلكة المغربية أو أمنها أو نضامها العام أو مصالحها الأساسية.

كما أن هناك سؤال قد يتباذر إلى ذهن البعض هل المغرب لم يشرع في العمل بـهذا المقتضى إلا في سنة2011؟

الجواب بالنفي، فالمغرب كان يعمل بأسلوب التسليم المراقب منذ عدة سنوات وقام بتنفيذ عدة عمليات مع بلدان أوروبية وكان جهاز القضاء والشرطة يستندان على مقتضيات المادة11 من الإتفاقية المتعلقة بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية مع إستحضار منطوق المادة 713 من ق.م.ج هذه المادة التي تعطي الأولوية للإتفاقية الدولية على القوانين الوطنية في مجال التعاون القضائي الدولي مع الدول الأجنبية.

أما بخصوص حصيلة التسليم المراقب ، فتوضح المؤشرات الرقمية التي تمسكها مصالح المديرية العامة الأمن الوطني بأن هذا الأسلوب يتميز بالنجاعة والفعالية في مجال مكافحة الاتجار غير المشرع في المخدرات ، إذ عرفت سنة 2015 تنفيذ 9 عمليات مشتركة مع دول أجنبية ثمانية الشرطة الإسبانية وواحد مع الشرطة الفرنسة وأسفرت عن حجز أكثر من 11 طنا و 719 كيلوغراما من مخدرات الحشيش فظلا عن توقيف 19 مشتبه فيه من جنسيات مختلفة ، أما سنة 2014 فقد شهدت تنفيذ عملية 1 وأسفرت عن ضبط 722 كيلوغراما من مخدر الحشيش وتوقيف شخص واحد.

أما في سنة 2013 فقد نفدت الشرطة المغربية 11 عملية مشتركة مع فرنسا مما مكن من حجز 2 طن و977 كيلوغراما من مخدر الحشيش، وتوقيف 16 شخصا أيضا تميزت سنة 2012 ، تنفيذ 15 عملية تسليم مراقب أسفرت عن توقيف 30 شخص فضلا عن حجز 9 اطنان و345 كيلوغراما من المخدرات .

إذن تبين من كل ما سبق نجاعة هذا الأسلوب الفريد في التحقيق الجنائي في الجرائم التي تطلب قدرا زائدا من الفطنة والحنكة والتكوين القانوني والمعرفي المتين والمشرع المغربي كان حيكما وكذلك مسايرا للإتفاقيات الدولية وذلك وعيا منه بخطورة الجريمة المنظمة وإرتباطها الوثيق بجرائم المال والأعمال.

بـهذا وبعد تطرقنا إلى دور إلتقاط المكالمات والإتصالات عن بعد وكذا التسليم المراقب بقي لنا أن نتساءل عن دور الشهادة والخبرة في إثبات جريمة الأعمال؟.

الفقرة الثانية : الشهادة والخبرة .

1- الشهادة: شهادة الشهود من الوسائل التي يمكن الإعتماد عليها من أجل إثبات جرائم الأعمال حتى وإن كانت النصوص الجنائية المنظمة لمجال الأعمال قد تناولت أكثر الوسائل العلمية والتـقـــنــية إلا أن هذا لا يـــمنع من الإعتماد على شهادة الشهود في إثبات وتوضيح العديد من جرائم الأعمال.

والمرجع في ذلك كون الشهادة تجد أساسها القانوني في قانون المسطرة الجنائية التي تبقى شريعة عامة فيما يخص الإجراءات المسطرية الجنائية .

والمقصود بالشهادة إثبات واقعة معينة من خلال ما يقول أحد الأشخاص مما شاهده أو سمعه أو أدركه بحاسة من حواسه عن هذه الواقعة بطريقة مباشرة، والمشرع نظم في قانون المسطرة الجنائية كيفية الإستماع إلى الشهود من طرف قاضي التحقيق وكذلك هيئة الحكم وشروط ذلك بمقتضى المواد من 117 إلى 133 ق.م.ج.

حيث يوجه قاضي التحقيق بواسطة أعوان القوة العمومية إستدعاء أي شخص يرى فائدة في الإستماع إليه قصد الحضور أمامه كما يمكن إستدعائهم بواسطة الأعوان القضائيين أو برسالة مضمونة أو بالطريقة الإدارية كما يمكن لهم الحضور بمحض إرادتـهم ويتعين على كل شخص إستدعى لسماعه بصفته شاهدا أن يحضر ويؤدي اليمين القانونية عند الإقتضاء والإدلاء بالشهادة حسب ما تنص على ذلك مقتضيات المادة 117 من ق.م.ج.

إن الإثبات بشهادة الشهود في جرائم الأعمال يصطدم بمجموعة من العوائق أهمها وجود علاقة تبعية وكذا يجب على الشاهد أن يكون على قدرمن الكفاءة العلمية والتقنية، كما أن الشهادة تعتمد على الذاكرة .

ففيما يخص علاقة التبعية نورد مثال لدلك فصاحب المقاولة له مجموعة من الأنشطة التجارية وأعماله كلها تتم بواسطة أشخاص يستخدمهم ويؤدي لهم أجرهم لذلك فإن أقرب الأشخاص إليه الذي يمكنهم الشهادة ضده، لا يستطعون ذلك خشية فقدانـهم مورد رزقهم الوحيد ، بل وحتى وإن قاموا بالشهادة فستكون مجرد محاباة ومجاملة ، مخافة الحكم عليهم بالغرامة في حالة الإمتناع عن أداء الشهادة

كما أن الشهادة في مجال الأعمال تعتمد على قدرة الإدراك و الكفاءة العلمية وبالتالي فالشاهد الذي يقوم بمعاينة جريمة معينة يجب أن تكون له بدوره كفاءة علمية وتقنية عالية ، حتى يستطيع تميز الفعل الجرمي والإبلاغ عنه ، فجريمة غسيل الأموال مثلا يصعب ويستحيل على أي شاهد إكتشافها ما دام أنه لا يتوفر على التكوين القانوني والمعرفي الازم حول عناصرها من تمويه لمصدرها و كيفية إدماجها وصولا إلى إزالة الوصف القذر عنها .

ولا يخفي كذلك على أن للذاكرة الشخصية للشاهد قيمتها أثناء الإثبات الجنائي في مجال الأعمال حيث تعتمد هذه الأخيرة على التخزين للمعلومات والوقائع التي تصل إلى علم الشاهد، إلا أنه في أحيان كثيرة يصعب على الشاهد تذكر كل الوقائع والحيثيات المتعلقة بجريمة ما ، خاصة إذا مرت على إرتكابـها مدة ليست بالقصيرة، كما أن الإدلاء بـها شفويا قد يؤثر على كيفية أدائها أما فيما يــــخـــص الإستـــعانة بالـــمكتوبات لا يكون إلا بصفة إستثنائية لذلك يــــمكن القول على أن الإعتـــماد على شهادة الشهود لإثبات جرائم الأعمال وإن كان يساعد على الإثبات في بعضها فإنه في البعض الآخر قد لا يساعد على ذلك لكون الذاكرة الإنسانية معرضة للنسيان .

خلاصة ما سبق هي أن شهادة الشهود في جرائم الأعمال تبقى جد قاصرة وذلك نظرا لطبيعة الأفعال الجرمية التي ترتكب في مجال الأعمال والتي يستعمل فيها المجرم قدرة فنية وتقنية وعلمية ومهارات شخصية متفوقة ، يصــعب على الشاهد التوصل إليها بل وحتى وإن حاول معرفتها سيرهق فكريا نظرا لطبيعتها الـــمعــــقدة ما لم تكن له كفاءة مـــماثلة ، بل وحتى وإن وجدت هذه الأخيرة أي الكفاءة فإن علاقة الشغل التي تجمعه بمجرم الأعمال ستكون حائلا ومانعا ، خشية حرمانه من أجره ومورد رزقه.

بعد أن بين في هذه الأسطر ، أوجه قصور الشهادة في مجال الأعمال أتساءل عن دور الخبرة في إثبات جريمة الأعمال ؟.

2- الخبرة : نظمت الفصول من 194 إلى 209 من قانون المسطرة الجنائية إجراءات الخبرة أمام قضاء التحقيق ، فنصت على إمكانية إجراء خبرة عن طريق أمر لا يقبل الطعن بالإستئناف كما جاء في مقتضيات الفقرة 3 من الفصل 196 من نفس القانون، واللجوء إلى الخبرة في مجال جرائم الأعمال يبقى من أهم وسائل الإثبات حيث نجد مجموعة من المقتضيات القانونية المنظمة لمجال الأعمال كثيرا ما تلجأ إلى إعمال الخبرة من أجل التأكد من حدوث جريمة ما ويمكن تعريف، “الخبرة على أنـها تقنية ووسيلة علمية محضة يلجأ إليها قاضي التحقيق مستعينا بذلك بشخص أو أشخاص لديهم كفاءة معرفية وعلمية في مجال من المجالات المالية و الإقتصادية”.

هذا مع العلم أن الــخــبـــرة غيــر ملــزمــة للقـــاضــي وإنـما يستأنس بـها وفي حالة رفض اللجــــوء إليها بالنسبة لــمــن طلبـــها يكون ملزما بالتعليل قرار الرفض لعدم إجرائها، وقد لوحظ أن النصوص الجنائية المنظمة لمجال الأعمال على تنوعها تجعل من إختيار اللجوء إلى الـــخبرة أمر حتمي.

مثلا نجد الفصل 33 من قانون جزر الغش في البضائع ، ينص على أنه : ” توجه العينات فورا إلى المختبرات المبينة في القائمة المنصوص عليها في الفصل 39 قصد تحليلها “.

كما أضافة الــفـــقرة الأخيـــرة من نفس الفصل على أنه إذا ” …أستنتج من تقرير المختبر وجود قرينة على الغش وجه إلى وكيل الملك كل من التقرير والمحضر والعينات المحتفظ بـها على الصعيد المحلي”.

يستشف إذن أن الأعوان المكلفين بزجر الغش في البضائع إذ تبين لهم أن منتوج ما فاسد أو إنتهت مدة صلاحيته ، جاز لهم أخذ عينة منه وتوجهيها إلى المختبرات لإجراء الخبرة عليها وإن ثم التأكد من أن المنتج فاسد أو سام يتم إحالة الخبرة على النيابة العامة من أجل تحريك الدعوى العمومية وإيقاع الجزاء المناسب.

عطفا على ما سبق هناك مقتضيات أخرى في مجال القانون الجنائي الأعمال تنضم الخبرة ، حيث بإلقاء نضرة على مقتضيات المادة 222 من قانون حماية الملكية الصناعية 17-97 ، المغير والمتمم بمقتضى القانون رقم 31-05 والقانون رقم 13-23 حيث نصت على إجراء مسطرة الوصف المفصل بمساعدة خبير مؤهل الذي يتم تعينه من قبل رئيس المحكمة لإجراء وصف مفصل كما سبق الذكر على العينات المدعى أنـها مزيفة.

الخلاصة التي يمكن الخروج بـها ، هو أن الخبرة على عكس الشهادة وسيلة فعالة في إثبات جرائم الأعمال، والسبب في ذلك هو أن جريمة الأعمال لا يمكن في الكثير من الأحيان إكتشافها وفهمها إلا إذا تمت الإستعانة بأهل الإختصاص والدراية الفنية والتقنية كما أنه في أحيان كثيرة يتطلب الأمر إجراء خبرة بواسطة أكثر من خبير ضمانا للمصداقية .

 

الهوامش:

1. هذه القاعدة ، ثم تنصيص عليها صراحة بمقتضى المادتين 52و417 من قانون المسطرة الجنائية.

2. – إن قاضي التحقيق قد يبادر تلقائيا ، إلى إنجاز البحث التمهيدي، لكونه ضابط سامي للشرطة القضائية، (المادة 75 ق.م.ج)، لكن لا ينبغي القيام بالتحقيق الإعدادي تلقائيا في هذه الحالة بدون إلتماس من الجهة المخولة لها ذلك وهي النيابة العامة وقد وجد المشرع مناسبا ان ينبه إلى ذلك ، في الفقرة الأول من المادة 84 من ق.م.ج التي نصت بأن “يجري التحقيق بناء على ملتمس من النيابة العامة ولوكان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة إليه في حالة التلبس”.

3. – ملتمسات النيابة العامة ، مفروض فيها أن تكون مكتوبة ، نزولا على ما تقضي به المادة 38 من ق.م.ج.

4. ولو كان التحقيق الإعدادي إلزاميا في الجريمة، فإنه ينبغي إصدار ملتمس من النيابة العامة لقاضي التحقيق، لينطلق التحقيق بصدد الوقائع المشكلة لها .

5. – عبد الواحد العلمي- ” شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية “، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدار البيضاء-2015-ص34.

6. – قرار صادر عن المجلس الأعلى ، بتاريخ 28-10-99، تحت عدد2660/7 في الملف الجنحي عدد10989/99، غير منشور.

– عبد الواحد العلمي ،م،س،ص :35.

7. – Mohammed MARZOUGUI- code de procédure pénale, imprimerie Omnia rabat Première édition 2008 –p :72.

– قرار صادر عن محكمة الإستناف بالرباط بتاريخ 7/4/1995، في الملف المنجي عدد8/94، غير منشور .

8. – جاء في الفصل 264 من مجموعة القانون الجنائي: يعتبر إهانة ويعاقب بهذه الصفة قيام أحد الأشخاص بتبليغ السلطات العامة عن وقوع جريمة يعلم بعدم حدوتها أو بتقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية أو التصريح لدى السلطة القضائية بارتكابه جريمة لم يرتكبها ولم يساهم في إرتكابها.

9. المطالبة بالحق المدني في القانون المغربي لها شروطها والتي من أهمها أداء القسط الجزافي والمحدد في مبلغ 100 درهم بالنسبة للجنح و 500 درهم بالنسبة للجنايات.

10. لطيفة الداودي : ” دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق أخر التعديلات الطبعة الخامسة ، المطبعة والوراقة الوطنية -2012- ص :235 .

– لطيفة الداودي ،م س ص : 240.

11. – ندوة من تنظيم الشباب القانوني بطنجة ، “أي دور لقاضي التحقيق في قانون المسطرة الجنائية المغربية “منشورة على الموقع الإليكترونيwww.marocdroit.com تاريخ الإطلاع 31/03/2018 على الساعة :0014

12. قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26/01/78، تحت عدد357 ، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى ” في المادة الجنائية 66-86ص :162 .

13. عبد الواحد العلمي ،م س :ص 279.

14. هشام الزربوخ،م س ص ،322.

15. الظهير الشريف رقم :471.04.2 الصادر في 29 من رجب 1425، /15 ستنمبر2004، بتنفيذ القانون رقم 79.03، وحذف محكمة العدل الخاصة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5248، بتاريخ 16 دسمبر 2004.

16. – الفصل 6، من التنظيم القضائي للمملكة والذي نص على انه : تشمل محاكم الاستئناف المحددة والمعينة دوائر نفوذها بمرسوم على اقسام للجرائم المالية ” وقد صدر مرسوم في هذا الاطار تحت عدد445-11-2 ، بتاريخ 4 نوفمبر2011، حدد في الجدول الملحق به هذه المحاكم في محاكم الاستئناف بكل من الرباط – الدار البيضاء- فاس- مراكش مع الإشارة هذا إلى أن المادة 38 من قانون 43.05 المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال ، نصت على إستثناء في جرائم غسيل الأموال، إذ أسند الإختصاص فيها إلى محكمة الرباط- خلافا للنصوص القانونية المحددة لقواعد الاختصاص في قانون المسطرة الجنائية.

17. المجلس الأعلى للحسايات ، مؤسسة دستورية- ثم تنظيمها بمقتضى الباب العاشر من دستور المملكة بمقتضى الفصول – (147-150).

18. الظهير الشريف رقم 124-02-1 ، صادر في فاتح ربيع الأول 1423 بتنفيذ القانون 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية .

19. المواد، 111-114-162-163 من قانون 99-62.

20. -سمير أيت أرجدال”قراءة في مشروع قانون التنظيم القضائي في ضوء الجهوية المتقدمة” ، موضع ندوة من تنظيم مختبر الدراسات القانونية المدنية والعقارية ، وهيئات المحامين بمراكش والمركز المغربي للمعالجة التشريعة والحكامة القضائية وودادية موضفي العدل ، منشور على الموقع الاكتروني/ ?= 101 www.Afsj.ma تاريخ الاطلاع 16-04-2018 ، على الساعة 18:30

– أحمد عوض : ” المــحاكـــم الاقــتصادية في مصر” مقال منشور على الموقع الالكتروني http://ar.juripedia.org/index.php/-(eg) تاريخ الاطلاع -17-4-2018 على الساعة 15:05

21. هشام الزربوخ-م س ص : 313.

22. – تم الإطلاع على نصوص قانون المسطرة الجنائية الفرنسية، المنشور على الموقع الإلكتروني

23. www.Legifrance.oceuv.pm./a ffich code Anticle.do ? cid texte LEGITEXT0000060711548id Article= LEGIARTI000065774969date Texte = 8cagorie lien= ci بتاريخ 18-4-2018 على الساعة 14:30.

24. ينص الفصل 127 من دستور المملكة : تحدث المحاكم العادية والمتخصصة بمقتضى القانون ، لا يمكن إحداث محام استثنائية

25. مرسوم رقم 445-11-2- صادر في 7 ذي الحجة 1432/4 نوفمبر 2011)، بتحديد عدد محاكم الإستئناف المحدثة بها أقسام للجرائم المالية وتعيين دوائر نفوذها :

26. المادة 175 من ق.م.ج: يمكن إصدار أمر الإعتقال الإحتياطي في أي مرحلة من مراحل التحقيق، ولو ضد متهم – خاضع للوضع تحت المراقبة القضائية ، يبلغ هذا الأمر، فوار وشفهيا للمتهم وللنيابة العامة وفقا لها هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 160…. وتجدر الإشارة ان مدة الإعتقال الإحتياطي تختلف مددها بين القضايا الجنيحة والجنائية، فالأولى شهر واحد تمدد مرتين والثانية شهرين تمدد خمسة مرات ، أنظر المواد176 -177 من قانون المسطرة الجنائية.

27. -المادة 152 من ق.م.م.ج : الأمر بالإيداع في السجن هو أمر يصدره قاضي التحقيق إلى رئيس المؤسسة السجنية كي يتسلم المتهم ويعتقله إعتقالا إحتياطيا…

28. – المادة 142 ق.م.ج الأمر بإلقاء القبض هو الأمر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة السجنية المبنية في الأمر، حيث يتم تسلمه وإعتقاله فيها.

29. – تنص الفقرة الرابعة من الفصل 23 من دستور المملكة المغربية على ما يلي : ” قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان.. “من المفيد الذكر في هذا الإطار أن مراحل المحاكمة العادلة في المغرب تمر بثلاث مرحل هي : 1- البحث التمهيدي 2- التحقيق الإعدادي 3- المحاكمة

30. الإستنطاق من أهم وأخطر مراحل التحقيق في القضية بهذا نجد المشرع قد نظم شكلياته ، بكيفية مدققة من خلال المواد134-141 ق.م.ج.

31. – التشخيص القضائي، مصلحة تابعة للمديرية العامة لأمن الوطني، مهمتها الأساسية فحص وتدقيقـ وتشخيص كل ما يتعلق بمسرح الجريمة وكذلك رفع البصمات وكل ما يتعلق بالبطائق الوطنية للتعريف .

32. – مرسوم ملكي رقم 56-514- بتاريخ 17 رجب 1386 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية (الجريدة الرسمية ، بتاريخ 3 شعبان 1386-16 نونبر1966).

– قرار رقم 796 في 12/01/1962، أورده عبد الواحد العلمي ، م.س الجزء 2،ص 42، هامش 61.

33. – قرار رقم 4435، في الملف عدد76-706، صادر بتاريخ 16/05/85 أورده محمد بفقير في كتابه ، قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي المغربي الطبعة الثالثة 2013ص :118.

34. إبراهيم بونجرة ” مؤسسة قضاء التحقيق ، ومستجدات قانون المسطرة الجنائية دراسة علمية، “رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء سنة 2009-2007-ص36.

– غرفة الإتهام ، حلت محلها الغرفة الجنحية ، بموجب ظهير الإجراءات الإنتقالية لسنة 1974، انظر عبد الواحد العلمي، م.س.ص-128.

35. — قرار – رقم 31817 في الملف الجنحي عدد 076630-بتاريخ 11/07/07 أو رده – محمد بفقير –م.س.ص : 119.

– لطيفة الداودي .م.س.ص265 : .

36. – إبراهيم بونجرة ، م.س.ص :40 .

– ينص الفصل 94 من دستور المملكة المغربية : “أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم ، يحدد القانون المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية” .

37. مثل أعضاء الفرفة الوطنية للشرطة القضائية، بالمديرية العامة للأمن الوطني وذلك الأمر بالنسبة للضباط المنتمين، لإدارة مراقبة التراب الوطني فيما ينص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من ق.م.ج

38. – قرار رقم 674 في الملف عدد2/05 بتاريخ 6/6/05 اورده محمد بفقير – م .س.ص :179 .

39. لطيفة الداودي ، م.س.ص :252 .

40. – عبد الواحد العلمي ، م.س.ص235 : .

41. سالم بن حامد بن علي البلوي ” التقنيات الحديثة في التحقيق الجنائي ودورها في ضبط الجريمة” رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الشرطية، جامعة نايف للعلوم الأمنية- السنة الجامعية 2014-2013 ص : 18.

42. – تنص الفقرة الثالثة من الفصل 24 من دستور المملكة: لا تنتهك سرية الإتصالات الشخصية. كيفما كان شكلها ولا يمكن الترخيص بالإطلاع على مضمونها أو نشرها كلا أو بعضا أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون .

43. – Mohammed MARZOUGUI, OP.cit , P : 79

44. عماد جميل الشواورة ، ” التسليم المراقب” رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الشرطة ” جماعة نايف العربية للعلوم الأمنية – السنة الجامعية 2016-2015-ص :60.

45. – بوبكر سبيك ” التسليم المراقب عين الأمن على مسار المخدرات ” مقال المنشور بمجلة الشرطة – العدد 14-لنسة 2016 ص :21 .

46. -ظهير شريف رقم 1.02.132، صادر في 9 شوال 1424/ (4 ديسمبر2003) بنشر إتفاقية الأمم المتحدة المكافحة الجريمة المنظمة الموقعة ببالرمو في 12 ديبسر2000.

47. – HASSAN DRIBLA « les Techniques Spéciales de l’enquéte judiciaires » Revue de Police N° : 13-2016, p :26.

48. -تنص المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية أنه “تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث و التحقيق سرية ، كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي”.

49. محمد بفقير، م.س.ص :515 .

50. – بوكر سبيك، .م.س. ص :23.

– سعد مكو،” التسليم المراقب وتحديات الجريمة المنظمة العبر وطنية مقال منشور على الموقع الالكتروني :

51. www.alkanounia.com/4186.htmlh.wxparikisw تاريخ الاطلاع 09 يونيو 2018 على الساعة 14:15.

52. لطيفة الداودي، م.س.ص :358 .

53. – تنص المادة 123 من ق.م.ج ” يؤدي كل شاهد اليمين القانونية التالية : ” أقسم بالله العظيم على أن أشهد بدون حقد ولا خوف وأن أقول الحق كل الحق وأن لا أشهد إلا بالحق “.

54. تنص المادة 130 من ق.م.ج “يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة من 1200 إلى 1000 درهم ، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، فقط كل شخص صرح علانية بأنه يعرف مرتكب جناية أوجنحة ورفض الجواب على الأسئلة الموجهة إليه من قاضي التحقيق”.

55. – تنص المادة 337 من ق.م.ج :”يؤدي الشاهد شهادته شفهيا ، ويمكنه بصفة إستثنائية ، أن يستعين بمذكرات بإذن من رئيس الهيئة “.

56. – هشام الزربوخ م.س.ص : 354 .

57. هشام الزربوخ م.س.ص :371

58. -أحمد الدماني ” حماية الملكية الصناعية على ضوء تطبيقات المادة 222″ مقال منشورفي مجلة الشرطة – العدد 13- 2016 ص : 50.

قد يعجبك ايضا