مظاهر الحماية الجنائية للمتعاقدين في إطار قانون التجزئات العقارية على ضوء قانون 66.12
ذ. رضوان قوبيع
محام بهيئة المحامين بطنجة
باحث في العلوم القانونية
مقدمة:
لتعزيز الحماية للمتعاقدين في إطار قانون التجزئات العقارية، ولتحقيق نوع من الزجر والردع لكل المتحايلين على القانون، فإن المشرع فرض لذلك عقوبات جنائية على كل شخص يقوم بالأفعال الإجرامية التي حددتها النصوص القانونية المتمثلة في القانون 25.90 المغير والمتمم بقانون 66.12، هذه العقوبات تتراوح بين الغرامات المالية (الفقرة الأولى) إضافة إلى العقوبات السالبة للحرية كمستجد تشريعي يقضي بعقوبات سالبة للحرية في مجال التعمير والبناء (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الغرامات المالية
انطلاقا من التجربة التي مرت بها التجزئات العقارية والتي أبانت على العديد من المضاربات غير المشروعة، وعمليات النصب والتدليس، وضياع حقوق كثير من المتعاقدين فيها، يتضح أنها فرضت على المشرع أن يتدخل بتشدد غير معهود ، وهذا ما يتضح من خلال تكريسه لمنظومة عقابية لا تنحصر في الجزاءات المدنية فقط وإنما امتدت لتشمل كذلك العقوبات الجنائية ، وذلك سيرا على نهج بعض الدول كفرنسا وتونس اللواتي شددتا على معاقبة مخالفي نصوص التعمير .
وهكذا فقد حدد المشرع في قانون 25.90 كما عدل قانون 66.12 مجموعة من الغرامات المالية على كل فعل قد يشكل مخالفة لحكام القانون 25.90
وأول ملاحظة يمكن إبداءها بخصوص هذه الغرامات أن المشرع بمقتضى التعديل الأخير المتمثل في القانون 66.12 قد شدد ورفع من الغرامات المالية بشكل كبير جدا، وذلك محاولة منه لتحقيق الزجر لكل من يخالف أحكام قانون التجزئات العقارية والتعمير عموما، ولذلك نجد أن المادة 65 من القانون 25.90 كما عدلت بقانون 66.12 تنص، على أنه “يعاقب بغرامة من100.000 درهم إلى 5.000.000 درهم عن كل من قام بإحداث:
– تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية من غير إذن سابق.
– تقسيم مخالف لأحكام المادة 58 من هذا القانون”
وعليه فإن كل من قام بإحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية من غير الحصول على إذن بذلك عملا بالمادة الثانية من قانون 25.90 ، أو بإحداث تقسيم مخالف لأحكام المادة58 ـ من هذا القانون فإنه يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 100.000 درهم إلى 5.000.000 درهم.
يبدو أن المشرع بمقتضي التعديل الأخير المتمثل في القانون 66.12 الذي غير وعدل به بعض مواد القانون 25.90 قد رفع كثيرا من الغرامات المالية، وذلك مقارنة مع قانون 25.90 قبل تعديله- حيث كان ينص في مادته 63 التي أصبحت حاليا بعد التعديل بقانون 66.12 تحمل رقم 65، على أنه ” يعاقب بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم على إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو مباشرة أعمال تجهيز أو بناء من أجل ذلك من غير الحصول على الإذن المنصوص عليه في المادة 2 من هذا القانون”
كما أن المادة 67 المعدلة والمغيرة بقانون 66.12 نصت على أنه: ” يعاقب بغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم، كل من قام بإحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو تقسيم أو تشييد بناية فوق ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية، وكذا الأراضي التابعة للجماعات السلالية، من غير الحصول على الأذون المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل”.
وبالتالي يتبين من خلال هذا النص أن القيام بإحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو تقسيم أو تشييد بناية، فوق أرض تدخل إما ضمن الأملاك العامة للدولة أو الأملاك الخاصة لها، أو الأملاك الخاصة بالجماعات الترابية، أو الجماعات السلالية، فإن من قام بذلك دون الحصول على الإذن يعاقب بغرامة من 100.000إلى 200.000 درهم، والملاحظ أن هذه المخالفة لم يكن القانون 25.90 قبل التعديل ينص عليها فقط أشار إلى ذلك في المادة 71 وذكر الأملاك العامة للدولة والأملاك الخاصة لها، دون ذكر أملاك الجماعات السلالية، والجماعات الترابية، كما أنه لم يحدد أي عقوبة سوى وقف الأعمال بأمر صادر عن عامل العمالة أو الإقليم، أما بعد التعديل الذي عرفه قانون 25.90 المتمثل في قانون 66.12، فإنه أشار وبشكل صريح في المادة 67، المذكورة أعلاه على العقوبة المقررة لمن يقوم بتلك الأفعال المخالفة لمقتضيات قانون التجزئات العقارية، كما أضاف إلى ذلك إحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو تشييد بناية فوق الأملاك الخاصة بالجماعات الترابية، أو فوق الأراضي التابعة للجماعات السلالية ضمن المخالفات التي تستوجب العقاب والتي لم يكن منصوصا عليها سابقا.
فإضافة اّلأراضي الخاصة بالجماعات الترابية، وأراضي الجماعات السلالية والتنصيص على غرامات مالية مهمة لكل من يقوم بمخالفة أحكام المادة 67، يشكل نقطة مهمة في إطار محاربة التجزئات العشوائية والغير قانونية، وبالتالي حماية حقوق الأفراد والمتعاملين في إطار بقع التجزئات العقارية.
كما أن مشرع قانون التجزئات العقارية، أضاف مخالفة أخرى بمقتضى القانون الجديد 66.12، تتمثل في إمساك دفتر الورش، حيث نصت المادة 70 من قانون 25.90 على أنه ” يعاقب بغرامة من 5.000 إلى 10.000 درهم، كل إخلال بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 2-17 أعلاه، المتعلقة بمسك دفتر الورش”
وعليه فإن التنصيص على دفتر الورش كمستجد يتعين على منسق المشروع، أن يمسك داخل الورش وطيلة مدة إنجاز الأشغال دفتر الورش.
وفي حالة المخالفة يعاقب بغرامة حتى 5.000 إلى 10.000 درهم، أضف إلى ذلك أن القانون 25.90 المعدل بقانون 66.12 أبقى على العقوبات ذات الطابع العيني، فخصص لها المشرع المادة 1.71 التي تنص على أنه ” دون الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها أعلاه تأمر المحكمة في حالة الإدانة على نفقة المخالف، بهدم الأبنية، والتجهيزات المنجزة من أجل إحداث تجزئة عقارية، أو مجموعة سكنية، موضوع المخالفة و إعادة الحالة إلى ما كانت عليه”
هذه المادة تبرز لنا الدور الأساسي الذي أنيط بالقضاء لأجل تصحيح الوضعية المادية والقانونية لكل التصرفات التي قد تكون مخالفة للمقتضيات القانونية، وذلك من خلال الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه حتى تتوافق وما يقتضيه قانون التجزئات العقارية .
وعليه نتساءل عن موقف القضاء حول تطبيق هذه العقوبات المنصوص عليها في قانون التجزئات العقارية؟
يمكن القول مبدئيا أن القضاء يتعامل بليونة مع تطبيق العقوبات المالية على المخالفين لأحكام قانون التجزئات العقارية، هذا ما يستنتج من مجموعة من الأحكام القضائية، حيث ذهبت المحكمة الابتدائية بوجدة بإقرارها لغرامة تصل إلى 100.000 درهم زائد التعويض للمتضررين، من جراء إحداث تجزئة عقارية دون الحصول على الترخيص من الجهة المختصة وبالتالي لا يمكن القيام بأي عمل على البقع الأرضية المراد تجزئتها إلا إذا حصل المجزئ على ترخيص أو إذن بإحداث التجزئة العقارية وفي نفس السياق ذهبت المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة بمؤاخذة المتهم من أجل جنحة تجزئ العقار إلى بقع أرضية وبيعها بدون ترخيص والحكم عليه بغرامة نافذة قدرها 100000 ألف درهم، ويلاحظ أن المحكمة هنا سمت الفعل المتابعة من أجله بالجنحة، عوض المخالفة، كما أشار إلى ذلك المشرع، وفي نفس التوجه أشارت محكمة الاستئناف ببني ملال بمؤاخذة المتهم من أجل ارتكاب جنحة تجزئ عقار وبيعه بدون ترخيص حيث حكمت عليه بغرامة تقدر ب 120 ألف درهم.
والملاحظ في هذا الصدد أن القضاء المغربي حين إصداره لأحكام يأخذ بظروف التخفيف ولا يحكم بالمبالغ المنصوص عليها في قانون التجزئات العقارية إلا نادرا، ويفضل الحكم بغرامات هزيلة جدا مراعاة للظروف الاجتماعية للمخالفين في أغلب الحالات ، غير أن هذا التوجه أدى بشكل كبير إلى انتشار المخالفات المتعلقة بالتجزئات العقارية لأن المخالف يعرف مسبقا بأنه سيتعرض لأقل العقوبات نتيجة تمتيعه بظروف التخفيف، هذا التوجه كان قبل التعديل الذي عرفه قانون 25.90 لكن بعد التعديل رفع المشرع بشكل كبير الغرامات المالية، لكن التطبيق القضائي لم يبين بعد توجهه بحيث لم نعثر على أي حكم قضائي يأخذ بقانون 66.12، مما نأمل معه أن يتم الرفع من الغرامات المالية المنصوص عليها في القانون السالف الذكر على أمل تحقيق الزجر في مجال التجزئات العقارية وبالتالي توفير حماية المتعاقدين في إطارها.
الفقرة الثانية: العقوبات السالبة للحرية
نظرا لخطورة المخالفات المرتكبة في مجال التعمير والبناء على المشهد العمراني بالمغرب، فإن المشرع المغربي لم يكتف فقط بإقرار غرامات مالية، وعقوبات عينية لكل من يقوم بإتيان الأفعال التي تعد مخالفة لأحكام قانون 25.90 والتي تم ذكرها في المادة 63 من قانون التجزئات العقارية.
وإنما نص على عقوبات جديدة في القانون 66.12، وهو ما يعتبر مستجد تشريعي جديد في المغرب حيث قرر عقوبات سالبة للحرية في مجال البناء والتعمير، متوخيا من ذلك تحقيق أكبر قدر ممكن من الردع في مجال التجزئات العقارية، ولذلك فقد نص في المادة 66 من قانون 25.90 على أنه: “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم على إحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية في منطقة غير قابلة لاستقبالها بموجب النظم المقررة”
ولذلك فقد قرر المشرع في هذه المادة عقوبات سالبة للحرية تصل إلى خمس سنوات، وغرامة مالية تتراوح مابين 100.000 إلى 200.000 درهم، لكل من قام بإحداث تجزئة عقارية، أو قام بإحداث مجموعة سكنية في منطقة غير قابلة لإستقبالها بموجب النظم المقررة.
كمن يقوم بإحداث تجزئة عقارية في منطقة غير قابلة للبناء كالمناطق الخضراء، والمساحات الغير قابلة للبناء بموجب وثيقة من وثائق التعمير.
كما أنه بمقتضى المادة 68 من قانون 25.90 والتي تنص على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم، كل من قام ببيع أو إيجار أو قسمة أو عرض للبيع أو الإيجار بقعا من تجزئة أو مساكن من مجموعة سكنية، أو توسط في ذلك، إذا كانت التجزئة أو المجموعة السكنية لم يؤذن في إحداثها أو لم تكن محل التسليم المؤقت للأشغال مع مراعاة أحكام القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز”.
هذه المادة تتلاقى مع المادة 66 أعلاه من القانون المذكور في مقدار العقوبة ولكنها تختلف معها في نوع الفعل المجرم فمن يقوم بإحداث تجزئة عقارية، دون الحصول على إذن بذلك وفقا للمادة الثانية من قانون 25.90 أو قام بتقسيم العقارات دون الحصول على إذن بذلك وفقا للمادة 58 من القانون المذكور، أو توسط في ذلك فإنه يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم، كما يعاقب بنفس العقوبة من يقوم ببيع أو إيجار أو قسمة عقار لم يكن محلا للتسليم المؤقت طبقا للمادة 33 من قانون 25.90 ، هذا مع مراعاة أحكام قانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز.
بهذه المواد المشرع المغربي قد أحدث لأول مرة عقوبات سالبة للحرية في مجال البناء والتعمير و أمام هذا الوضع يحق لنا أن نتساءل، عن تبني المشرع المغربي للعقوبات سالبة للحرية في مجال البناء والتعمير هل سيؤدي ذلك إلى ردع المخالفين وتنظيم المجال العمراني بشكل سليم؟
وهل القضاء سيحكم بالعقوبات السالبة للحرية على مخالفي قانون التجزئات العقارية؟
نعتقد أن إقرار عقوبات سالبة للحرية في مجال البناء والتعمير يشكل قفزة نوعية في المجال التشريعي المغربي، لما لذلك من أهمية في تقرير الجانب الزجري وبالتالي انضباط الأفراد للنصوص المؤطرة لمجال التجزئات العقارية والتعمير، وعدم خرقها ونتيجة لذلك سيكون المجال العمراني بالمغرب منظم ومتناسق بشكل يعبر معه على أن السياسة العمرانية بالمغرب فعالة، فالاكتفاء فقط بغرامات مالية سوف يدفع الأفراد إلى إحداث تجزئات عقارية أو أبنية دون الحصول على إذن بذلك مع علمهم بمقدار الغرامة.
لكن هل هذه العقوبات في مجال حساس كالتجزئات العقارية والبناء تتصادم مع التوجهات الكبرى للمغرب الهادفة إلى جلب الاستثمار وتشجيع المستثمرين على مختلف الأصعدة؟
الرأي فيما نعتقد أن وضع عقوبات سالبة للحرية أمر جد إيجابي في هذا المجال المهم والحيوي، خاصة وأن تنظيم المجال العمراني أصبح ضرورة ملحة أمام ما نشهده من تجاوزات تمس بنية المدن المغربية، وسياسة الدولة المتبعة من أجل تنظيم هذا المجال والرقي به وتصحيحه ليتوافق والمعايير المعتمدة في الدول المتقدمة، وأن إدخال عقوبات سالبة للحرية ضمن العقوبات المقررة في مجال التجزئات العقارية تدخل في هذا المجال.
وأن ما يطرح بخصوص تشجيع الاستثمار في المجال العقاري، فإنه يجب أن يكون في إطار القانون وأن لا يتم التغاضي على المستثمرين المخالفين للقانون بهدف تشجيع الاستثمار على حساب القانون، وبالتالي توفير حماية المتعاقدين والمستفيدين في مجال التجزئات العقارية، لأنه حتما من يتعامل في بقع التجزئة العقارية أمام هذه النصوص سيأخذ الحيطة والحذر في التعامل مع هذا المجال الحيوي.