الرقابة الإدارية الداخلية على المال العام
وئام الوهابي
باحثة بسلك الدكتوراه في القانون العام
جامعة عبد المالك السعدي – المغرب
تحت إشراف الأستاذة : دة/ سميرة بوقويت
يمكن القول إن الرقابة الإدارية هي رقابة يباشرها الجهاز الإداري نفسه من خلال قيادته ورؤسائه وأجهزته المختصة على مختلف أوجه نشاطاته وذلك في ضوء المعايير والمؤشرات التي يضعها لنفسه وبالتالي فهي رقابة الإدارة على الإدارة ويكمن الهدف من هذه الرقابة في الكشف عن الأخطاء التي وقعت في تصرفات وأفعال موظفيها ومستخدميها، سواء من تلقاء نفسه أو بما يكشف عنه الأفراد في شكواهم وتظلماتهم المرفوعة إليها وذلك بغرض سحب هذه التصرفات، أو تلك الأعمال، أو إلغاءها، أو تعديلها، أو استبدالها بتصرفات أخرى مشروعية.
ويعرف الأستاذ محمد حركات الرقابة الإدارية الداخلية بمجموع المساطر والوسائل واجراءات الأمان والطرق الدفاعية والمقاييس التي تضعها المنظمة لحماية موجوداتها وفحص دقة البيانات المحاسبية ودرجة الاعتماد عليها من أجل الارتقاء بالكفاءة الإنتاجية وتشجيع الالتزام بها وفق ما تقتضيه السياسة الإدارية المرسومة (1).
تعتبر المراقبة الإدارية مراقبة داخلية حيث إنها تتم داخل الإدارة نفسها من قبل الموظفين أو هيئات مراقبة مختصة تضم أطرا تلقت تكوينا تقنيا يؤهلها لإجراء هذه الوظيفة الرقابية. إن نشاط المراقبة يتم داخل الإدارة نفسها مما سيسمح لنا بوضع نشاط المراقبة في سياق النظام الإداري العام ومن جهة اخرى تضليل تقنيات وأساليب ومسطرة المراقبة وتأثيرها على تدبير الميزانية العامة، وتسعى المراقبة الإدارية لبلوغ أهداف متعددة أهمها: التدبير الجيد للمالية العامة والحفاظ على التوازن مع أجهزة المراقبة الأخرى الخارجية (2).
وبالرجوع إلى السياق التاريخي عرفت بلادنا تطورا مهما على مستوى الرقابة الإدارية. إذ كان النظام المالي الوطني يرتكز إلى غاية بداية القرن العشرين على قواعد تقليدية تشرف آنذاك على تطبيقها في حين لم يتم الاعتراف بالميزانية أو الموازنة
ولأن الرقابة الإدارية الداخلية تعتبر آلية مهمة للرقابة على المالية العمومية وهي رقابة سابقة ومواكبة للمالية العمومية، فهي تتدخل في كل المراحل التي يمر منها المال العام وبذلك سنقوم بدراسة أجهزة المراقبة الإدارية حسب زمن تدخلها وذلك بدراسة التدابير المعتمدة لتفعيل الرقابة المالية الإدارية، ثم تقوية أجهزة المراقبة الداخلية. ومن خلال ذلك سنقسم هذا الموضوع إلى:
المطلب الأول: مراقبة الخزينة العامة للملكة
المطلب الثاني: مراقبة الالتزام بالنفقات العمومية
المطلب الثالث: مراقبة المفتشيات العامة
المطلب الأول: مراقبة الخزينة العامة للمملكة
تعتبر الخزينة العامة للمملكة جهازا تابعا لوزارة المالية وذلك بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل الثالث من المرسوم 2.78.530 الذي يتولى الرقابة على تنفيذ الميزانية العامة انطلاقا من السلطة التي يمارها الخازن العام للمملكة على محصلي المالية الإقليميين والجهويين، وكذا على قباض الجماعات إذ يتمتع محاسبو الخزينة العامة باختصاص عام فيما يخص تنفيذ عمليات المداخيل والنفقات العمومية، ويعتبر القانون العام المحاسب الأسمى للمملكة والمحاسب الرئيسي للميزانية العامة للدولة ويوجد على رأس التسلسل الإداري للمحاسبين، ويعين من قبل كل وزير المالية وتتركز مهامه على جميع العمليات الناتجة عن تنفيذ قانون المالية، وكذا الحسابات المنجزة على صعيد جميع المحاسبين العموميين(3) وتوجيه تقرير سنوي بشأنها إلى المجلس الأعلى للحسابات وهذا ما سنتطرق إليه من خلال ابراز اختصاصات الخزينة العامة للمملكة وكذا مبدأ الفصل الذي بين مهمة المحاسب العمومي والآمر بالصرف والذي يعتبر من أهم مبادئ المحاسبة العمومية بالمغرب، والذي فرضته اعتبارات تقنية من جهة، ومن جهة أخرى الحرص على عدم خضوع أي طرف لسلطة الآخر بغية إضفاء شفافية مزدوجة هدفها حسن تدبير الاموال العمومية.
الفرع الأول: اختصاصات الخزينة العامة للمملكة
تتمتع الخزينة العامة للمملكة باختصاص عام فيما يخص تنفيذ عمليات الانفاق بحيث تنص المادة الأولى من مرسوم 13 فبراير 2006 (4)، بان تلحق الخزينة العامة للمملكة أقسام ومصالح المراقبة العامة للالتزام بالنفقات، كما أن المادة الثانية من نفس المرسوم تنص على أن تسند للخازن العام للمملكة الاختصاصات الموكولة للمراقب العام للالتزام بنفقات الدولة على أن يستمر مراقبو الالتزام بالنفقات في ممارسة المهام الموكولة لهم طبقا للأنظمة الجاري بها العمل هذا بالإضافة إلى المهام التي تقوم بها الخزينة العامة من خلال تحصيل الديون العمومية.
الفقرة الاولى: اسناد المراقبة العامة للالتزام بالنفقات إلى الخزينة العامة للمملكة
يتضح من خلال نص المرسوم على أن اختصاص المراقبة العامة للالتزام بالنفقات تم اسنادها للخزينة العامة للمملكة أي أن المسألة تتعلق بمزج بين المراقبة السابقة والموازية على تنفيذ النفقة العمومية. وبذلك اصبحت الخزينة العامة للمملكة منذ بداية سنة 2005 تتخذ شكل مرفق الدولة المسير بصورة مستقلة.
بناءا على ذلك تعتبر الخزينة العامة للمملكة جهازا للمراقبة المالية تابعا لوزارة المالية فهي تقوم بمراقبة مالية سابقة على تنفيذ الميزانية الجماعية والعمومية، انطلاقا من التي يمارسها الخازن العام على محصلي المالية الجهويين والاقليميين وكذا على قباض الجماعات الترابية، وبذلك فإن الخزينة العامة للمملكة تعد من بين الأجهزة الرقابية التابعة لوزارة المالية التي تحتل مكانة متميزة داخلها نظرا لطبيعة المهام المنوط به (5). وبهذه الصفة يتولى الخازن العام للمملكة مراقبة التدبير المالي للقابض كما يقوم بتصفية حسابات المحاسبين قبل تقديمها للمجلس الأعلى للحسابات بواسطة تقرير يعده سنويا.
غير انه في إطار الاصلاحات الرقابية الرامية للارتقاء بعمل الوزارة سيتم الحاق مهام رقابية أخرى للخزينة العامة للمملكة، وذلك طبقا لمقتضيات المرسوم رقم 2.06.52 الصادر في 14 من محرم 1427 الموافق لـ 13 فبراير2006 فقد نصت المادة الأولى منه على أنه تلحق بالخزينة العامة للملكة أقسام ومصالح المراقبة العامة للالتزام بنفقات الدولة، مع تخويل اختصاصات المراقب العام للالتزام بالنفقات إلى الخازن العام للمملكة.
فقد نصت المادة الأولى منه على أنه تلحق بالخزينة العامة للملكة أقسام ومصالح المراقبة العامة للالتزام بنفقات الدولة، مع تخويل اختصاصات المراقب العام للالتزام بالنفقات إلى الخازن العام للمملكة. لذا فإدماج هذه المراقبة داخل الخزينة العامة للمملكة، وإسناد اختصاصات المراقب العام للخازن العام، من شانه أن يوحد الرؤى والأفكار ويحد من تعقد مساطر المراقبة القبلية والموازية على الانفاق العام. حيث في سابق الأمر كان الآمر بالصرف يتيه بين اختلاف وجهات النظر بين جهازين ينتميان لمؤسسة واحدة، وهي وزارة المالية، فقد تؤشر المراقبة العامة للالتزام بالنفقات على مقترح الالتزام في حين يرفضه المحاسب العمومي لسبب من الأسباب، وبهذا يتحول المحاسب العمومي من مراقب لآمر بالصرف إلى سلطة رئاسية أو رقابية للمراقب العمومي. وذلك بغض النظر عن الفكرة التي يكونها المتعامل مع الإدارة والتي من شأنه ان تفقده الثقة في التعامل معها، مما قد ينشأ عنه تأثير سلبي على جودة الخدمات التي يؤديها للمصلحة العامة، خصوصا إن رفض الأداء من طرف الأداء المحاسب في بعض الحالات قد يعد مسألة ابراء ذمة المنظمة العمومية وهذا ما تنص عليه المادة 30 من مرسوم 2008 المتعلق بنفقات الدولة والتي تنص على انه يجب على المحاسب العمومي أن يرفض الامتثال لأوامر التسخير إذا كان إيقاف الأداء معللا بأحد الاسباب التالية:
- عدم وجود اعتمادات او عدم توفرها أو عدم كفايتها.
- عدم توفر الصفة الإبرائية للتسديد.
- عدم وجود التأشيرة القبلية للالتزام حينما تكون هذه التأشيرة مطلوبة
في حالة رفض التسخير يخبر المحاسب العمومي الوزير المكلف بالمالية الذي يبث في الأمر.
هذا المبدأ الذي أصبح من اهم مبادئ المحاسبة العمومية بالمغرب، والذي تم فرضه من أجل الحرص على عدم خضوع أي طرف لسلطة الآخر من جهة، ومن جهة ثانية من اجل اضفاء شفافية مزدوجة هدفها الأساسي هو حسن تدبير الأموال العامة. (6) هكذا فإن مسؤولية المحاسب العمومي أصبحت فرض عليه قبل التأشير من اجل الاداء أن يقوم بمراقبة صحة النفقة، وذلك حسب المادة 8 من مرسوم 2008 المتعلق بمراقبة نفقات الدولة وذلك للتأكد من:
- وجود التأشيرة القبلية للالتزام حينما تكون هذه التأشيرة مطلوبة
- صحة حسابات التصفية
- الصفة برائية للتسديد
كما ان المحاسب العمومي مكلف بالتأكد من:
- إمضاء الآمر بالصرف المؤهل ومفوضه
- توفر اعتمادات الأداء
- الأدلاء بالوثائق والمستندات المثبتة للنفقة والمنصوص عليها في القوائم المعدة من طرف الوزير المكلف بالمالية بما في ذلك تلك التي تحمل إشهادا بتنفيذ الخدمة للآمر بالصرف أو الآمر بالصرف المساعد المؤهل.
بالإضافة إلى كون هذه الرقابة تسمح بحماية المال العام من التجاوزات والانحرافات، فإنها تمكن المحاسب العمومي من تحصين نفسه من المسؤولية المالية والشخصية التي قد تثار في حالة تنفيذه لأوامر دفع أو استخلاص غير مشروعة.
الفقرة الثانية: تحصيل الديون ومراقبة النفقات
تقوم الخزينة العامة للمملكة بتحصيل الديون ومراقبة النفقات من خلال عدة آليات نذكر منها ما يلي:
- تدبير المنازعات الإدارية والقضائية المتعلقة بتحصيل الإيرادات ومساعدة القابضين في هذا المجال
- التكفل بأوامر تحصيل المداخيل برسم الميزانية العامة للدولة والميزانيات الملحقة والحسابات الخاصة للخزينة
- العمل على تمركز عمليات التكفل والتحصيل برسم الغرامات والإدانات النقدية.
- تدبير حسابات القروض والسلفات الممنوحة من قبل الخزينة ورؤوس الأموال العاملة الممنوحة من لدن الهيئات لتمويل المشاريع العمومية.
- إعداد احصائيات حول وضعية تحصيل الديون العامة
تتولى الخزينة العامة مراقبة واداء النفقات العمومية، وهكذا تضطلع شبكة الحزينة العامة للمملكة بمراقبة انتظام لالتزامات في جل نفقات الدولة، حيث تقوم عبر شبكة محاسبيها بأداء هذه النفقات، فبالنظر إلى الاقتراحات المتعلقة بالالتزامات واوامر الدفع الموجهة من قبل الآمرين بالصرف المعتمدين، تتولى
مصالح الخزينة العامة تسديد الديون للدولة.
الفرع الثاني: مراقبة المحاسبين الإداريين ومضمون مبدأ الفصل
إن الرقابة التي يجريها المحاسب العمومي تقدم مساعدة آنية وعملية للتأكد من حسن تنفيذ بنود الميزانية العامة للدولة، وتشكل من خلال وظيفتها وزمن تدخلها مرحلة قانونية لابد من عبورها لتفادي التجاوزات التي تتخلل عمليات التنفيذ، أو على الأقل اصلاح الهفوات المسجلة في الوقت المناسب حتى لا تستفحل السلبيات ويستعصي امر علاجها فهي مراقبة تعنى بالعمليات المالية اثناء التنفيذ الإداري الذي يجريه الآمر بالصرف سواء تعلق الأمر بتحصيل المداخيل او تسديد النفقات.
الفقرة الأولى: مراقبة المحاسبين الإداريين
يعتبر المحاسب العمومي مراقِبا ومراقَبا في آن واحد فهو مراقِب لكونه مسؤول عن مراجعة عمليات المداخيل والانفاق، وهو مراقَب لكونه يخضع لإجراءات رقابية مختلفة خصوصا مراقبة المفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات إضافة لرقابة السلطة الرئاسية.
كما انه لا يمكن اعتبار كل المحاسبين العموميين مراقبين فالفصل العاشر والحادي العشر من النظام العام والمحاسبة العمومية (7) لا يصنف إلا المحاسبين العموميين المكلفين بالتمديد كمسؤولية عن مراقبة صحة الاستخلاص والتحقق من الأوراق المثبتة بالنسبة للمداخيل ومراقبة صحة الدين بالنسبة للنفقات.
ويعتبر الخازن العام محاسبا عموميا مكلفا بتسديد نفقات الميزانية العامة وميزانية مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة عندما يتعلق الأمر بالاعتمادات المخصصة للآمرين بالصرف الرئيسيين.
أما بالنسبة للمداخيل (8) يعهد للمحاسبين العموميين وحدهم بالتكفل بأوامر المداخيل التي يسلمها الآمرون بالصرف والديون المثبتة بعقد او رسم ملكية أو سند يكون محفوظا لديهم والقيام باستيفائها
واستخلاص حقوقها نقدا.
وتعتبر مسؤولية المحاسب العمومي في مجال المداخيل مسؤولية مزدوجة، فمن جهة يجب على المحاسب العمومي أن يقوم باستخلاص كل مدا خيل الدولة، ومن جهة أخرى فهو مطالب باستخلاص كل ما هو منصوص عليه في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وإلا سوف يتابع من أجل الارتشاء أو الغدر بصرف النظر عن إقامة دعوى لاسترداد ما هو غير منصوص عليه في قانون المالية
وهذا ما أكدته المادة 26 من المرسوم الملكي 330.66 المتعلق بالنظام العام للمحاسبة العمومية
وإلا فتتابع من أجل الارتشاء، وذلك كل من السلطات التي تأمر باستخلاصها، والمستخدمين الذين يضعون جداولها وتعاريفها وجميع من يقوم باستخلاصها، وذلك بصرف النظر عن دعوى الاسترداد التي يمكن إقامتها خلال ثلاث سنوات على المستخلصين والقباض.
يتبين إذن ان المراقبة المحاسبية هي مجموعة من القواعد والإجراءات القانونية التي يقوم بها المحاسب العمومي المكلف بمناسبة المراجعة والتحقق من العمليات الإدارية لتنفيذ الميزانية العامة للدولة، وتنتهي هذه الإجراءات بموقف محدد اتجاه اقتراح التحصيل أو الأداء لقد اقر المشرع ترسانة من القواعد القانونية، تحدد اختصاصات كل الأطراف المتدخلة في عمليات تنفيذ ميزانية الدولة ويعتبر مبدا الفصل بين الآمر بالصرف والمحاسب العمومي إحدى القواعد الأساسية للمحاسبة العمومية التي تتوخى تدبيرا جيدا للميزانية والأموال العامة وإقرار التوازن و تأسيس مراقبة متبادلة بين الطرفين سواء بالنسبة للمداخيل او بالنسبة للنفقات (9).
الفقرة الثانية: قاعدة الفصل بين الآمر بالصرف والمحاسب العمومي
في إطار تعدد الرقابة على الميزانية العامة، يكتسي المحاسب العمومي طابعا حاسما، فعملية التحصيل والأداء تحاط بمجموعة من المقتضيات القانونية والمحاسبية لضمان مشروعيتها.
أـ علاقة التوازن بين الآمر بالصرف والمحاسب العمومي
لا يمكن الجمع بين وظيفتي الآمر بالصرف والأداء طبقا لنصوص النظام العام للمحاسبة العمومية (10) لان من شان ذلك تركيز العمليات المالية سواء تعلق الامر بالتحصيل أو الإنفاق في يد جهة واحدة فالأموال العامة تؤدى من طرف العون المكلف بهذه المهمة وهو المحاسب العمومي، وغير الجهة التي تباشر الالتزام والآمر بالصرف.
هذا الفصل بين الوظيفتين يؤدي إلى توازن تلقائي يجعل كل وظيفة في مقابل الوظيفة الأخرى، مما يحد من امكانية حدوث المخالفات القانونية عند أداء النفقات العمومية، فماهي إذن خصائص كل وظيفة.
صفة الآمر بالصرف
يعتبر الآمر بالصرف للمداخيل والنفقات كل شخص مؤهل باسم منظمة عمومية لرصد أو اثباث أو تصفية أو أمر باستخلاص دين او أدائه (11).
إن المفهوم القانوني للآمر بالصرف يستدعي التمييز بين المتصرف الإداري والآمر بالصرف. لأن هذا الاخير يعتبر متصرفا إداريا، وعلى العكس ليس كل متصرف آمرا بالصرف، ذلك ان هذه الصفة تمنح للآمر بالصرف اختصاصات مالية محددة تضاف إلى اختصاصات الإدارة العامة.
وعليه يعتبر الوزراء بحكم القانون آمرين بالصرف فيما يتعلق بالميزانيات التي يسيرونها وميزانيات مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية الراجعة لهذه الوزارة، ولكي يقوموا بمهامهم على أحسن وجه يمكن لهم التفويض في سلطتهم للموفين السامين كالمدراء العموميون والمدراء التابعين لهم وإصدار مراسيم لتعيينهم آمرين بالصرف. ويجوز لهؤلاء أن يفوضوا إمضاءهم بقرار يخضع لموافقة وزير المالية طبقا للقوانين الجاري بها العمل (12)
المحاسب العمومي المكلف
وظيفة المحاسب العمومي تتعارض مع صفة الآمر بالصرف لأنه يتدخل في نهاية الإجراءات لتحصيل المداخيل أو اداء النفقات العمومية. هذا التدخل يجعله يتوفر على سلطة التحكم في الأموال العامة والقيام بعمليات مصالح الصندوق، وهذا قد يدفعنا إلى الاعتقاد أن دور المحاسب ينحصر في هذه الإجراءات التنفيذية البسيطة فقط، بينما يقوم الآمر بالصرف في اتخاذ القرار، بل بالعكس فالمحاسب العمومي ليس مجرد مصرفي فهو لا ينفذ أوامر الآمر بالصرف إلا بعد التحقق من مشروعيتها مما يمنحه سلطة المراقبة الشيء الذي يترتب عنه مسؤولية كبيرة تطال شخصه وممتلكاته مما يفرض على المحاسبين العموميين الانتباه واليقظة المستمرة عند أداء مهامهم خصوصا اثناء تسديد النفقات العمومية (13)
الفقرة الثالثة: مضمون قاعدة الفصل
قاعدة الفصل بين وظيفة المحاسبة ووظيفة الآمر بالصرف تهدف إلى ضمان تدبير فعال للأموال العامة من خلال رسم الحدود بين اختصاصات كلا الطرفين أن الآمر بالصرف يمتلك سلطة القرار ويسهر يرى على استعمال الاعتمادات المالية التي تضعها الميزانية تحت تصرفه طبقا لاحتياجات المصالح التابعة له ويصدر الأوامر للمحاسب العمومي الذي يعمل على تنفيذ سندات المداخيل والولاة وأوامر الأداء.(14)
انطلاقا من هذه القاعدة يتبين أن الآمر بالصرف يختص بسلطة اتخاذ القرارات الملزمة للمالية العامة بينما يختص المحاسب العمومي بسلطة تنفيذ هذه القرارات ومنع تلك التي لا تستجيب لشروط المشروعية المالية والقانونية، ومع ذلك يجب التمييز بين قاعدة الفصل هاته بالنسبة للمداخيل العامة عنها بالنسبة للنفقات.
بالنسبة للمداخيل
تخضع أغلب تشريعات القواعد القانونية لتحصيل مداخيل الدولة بأفضل الطرق أهمها قاعدة الفصل بين الآمرين بالصرف والمحصلين الفصليين وقاعدة المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسبين العموميين
إن مبدأ الفصل لا يجيز للمحاسبين العموميين مراقبة أعمال الآمرين بالصرف في مجال المداخيل كما هو الحال بالنسبة لتنفيذ نفقات الدولة العمومية. فهذه الرقابة لا يمكن أن تشعر إلا في حدود الترخيص الذي يمنحه البرلمان سنويا للحكومة لاجل تحصيل مختلف الموارد، (15) وعليه يمكن للمحاسبين العموميين رفض أوامر التحصيل التي يصدرها الآمرون بالصرف قبل صدور هذا الترخيص. كما أنه ليس للمحاسبين العموميين أية صلاحية رقابية تتناول أعمال الآمرين بالصرف إذ يجب عليهم التقييد حرفيا بمضمون اوامر التحصيل وحتى إذا اكتشفوا أخطاء فإن تصحيحها يرجع إلى الآمرين بالصرف دون إثارة مسؤولية المحاسبين العموميين. ومع ذلك فإن المحاسب العمومي مسؤول بأمواله الشخصية عن كل عملية تحصيل أو أداء ينجزها أو يسجلها في محاسبته وسجلاته فضلا عما قد يتعرض له من عقوبات تأديبية وجزائية (16).
إلا ان هذه المسؤولية يجب أن لا تؤخذ على إطلاقها، إذ أن المحاسب لا يسأل إلا عن الأعمال اتي يباشرها، وهذا يعني أن أمين الصندوق أو المسؤول عن عمليات الصندوق الذي يرتكب المخالفة بدون تدخل المحاسب أو بدون عمله مسؤول شخصيا عنها، وتبقى فقط المسؤولية الإدارية على عاتق المحاسب العمومي.
بالنسبة للنفقات
نفس القواعد المتعلقة بقاعدة الفصل بين الآمر بالصرف و المحاسب العمومي بالنسبة لمداخيل تطبق في مجال صرف نفقات الدولة , غير ان ما يميز النفقات العمومية , هو الفصل الكامل بين المتدخلين في تنفيد الميزانية ذلك أن مبدا الفصل بين الآمر بالصرف و المحاسب العمومي يطبق بصورة مطلقة لما يجب أن يرافق عملية الانفاق العام من حيطة وحذر ومن ثم ينحصر على الآمرين بالصرف القيام بالمرحلة الحسابية , وعلى المحاسبين تنفيذ مرحلة الالتزام بالنفقات , وذلك راجع لتركيز عمليات في جهاز واحد وا يد واحدة وذلك قد يؤدي إلى سوء استعمال الأموال العمومية , في حين أن قاعدة الفصل تجعل التواطؤ بين أجهزة متعددة أو موظفين متعديين قليل الاحتمال.
تمر عملية تنفيذ النفقات بثلاث مراحل هي الالتزام بالتصفية، الآمر بالصرف و الأداء، وتشكل هاتين المرحلتين الاخيرتين مقرر مبدأ الفصل، فالأمر بالصرف هو أمر كتابي يصدر عن الآمر بالصرف ويوجه إلى المحاسب العمومي لأداء النفقة بعد أن يتأكد من صحة ووجه الدين (17)(18). ام مرحلة الأداء فبموجبها تحرر السلطة العمومية من التزاماتها، والأداء عملية مادية تتضمن تسليم النقود من قبل المحاسب بعد ان يتأكد من العناصر الواردة الآمر بالصرف (19)
حدود مراقبة المحاسبين على الإداريين المرتبطة بمبدأ الفصل
- إذا كان من اهم الميزات المستخلصة من مبدأ الفصل بين مهام الآمر بالصرف والمحاسب العمومي هو جعل المهام الإدارية من اختصاص الأول والمهام المالية والمحاسبية من اختصاص الثاني اي من اختصاص المحاسب العمومي فإن بعض الغموض مازال يكتنف جوانب العلاقة بين الطرفين مما يشوش أحيان على حسن انجاز المراقبة في تدبير الأموال العمومية نذكر منها:
- المكانة المركزية التي يحتلها الخازن العام للمملكة، والتي تعطيه اختصاصا رقابيا مزدوجا، اختصاص ذو طبيعة إدارية من خلال الخضوع التسلسلي للمحاسبين العموميين لسلطته، واختصاص قضائي يتعلق بإصدار أحكام وقرارات بشأن تبرئة ذمة المحاسبين أو إقرار العجز في حساباتهم، مما يسحب جزءا من الصلاحيات المخولة للمجلس الأعلى للحسابات ويجعل من الخازن العام خصما وحكما في ذات الوقت بفعل السلطات القانونية المخولة له بهذا الصدد
- الاعتبار السياسي للآمر بالصرف :(مثل الوزراء، و العمال، ورؤساء المجالس…) هذا الاعتبار يطرح عدة اشكالات على مستوى الانتماء السياسي للآمر الصرف , إذ يرفض مبدأ المساءلة إلا من طرف ناخبيه أو من الجهة التي عينته مما يجعل مسؤوليته مسؤولية نظرية أكثر منها فعلية , رغم خضوع تعاملاته المالية لسلطة المجلس الأعلى للحسابات ولعدد من المسؤوليات الأخرى
- إمكانية تجاوز الآمر بالصرف لرفض التأشير من قبل المحاسب: ويسمى هذا الإجراء الاستثنائي بحق التسخير ورغم استعمالات هذا الحق تبقى على العموم محدودة، إلا أنها تطرح مشكلة الاختلاف في تأويل بعض النصوص المنصوص عليها القانونية و التنظيمية المالية، ترى فيها مصالح الخزينة تجاوزا للإجراءات، بينما يصر الآمر بالصرف على تنفذها تحت مسؤوليته مما يؤثر في السير العادي للمصالح الإدارية المرتبطة بهما
- التأخير الذي يعرفه الإدلاء بالوثائق و الحسابات للمجلس الأعلى للحسابات ومحاولة التملص من تقديم البيانات اللازمة أو عرقلة إجراء المراقبة عليها ورغم الجزاءات التي يرتبها المجلس الأعلى للحسابات على مخالفة هذه الإجراءات (كالغرامات التهديدية) فإن التجربة في هذا المجال تؤكد غياب اهتمام جدي بفرضها أو لهذا التطبيق الفعلي لهذا الجانب الرقابي، مما يتأكد معه مرة أخرى الإشكال القانوني المزمن و المتمثل في التناقض بين النص القانوني و الممارسة العملية (20).
المطلب الثاني: مراقبة الالتزام بالنفقات العمومية
يشكل هذا الجهاز التابع لوزارة المالية أحد أقدم أجهزة الرقابة المالية بالمغرب فقد أحدثت رقابة الالتزام بنفقات الدولة في عهد الحماية بموجب ظهير 20 دجنبر1921 وأعيد تنظيمه عبر متوالية قبل أن يصبح مرسوم 30 دجنبر 1975 وهي قاعدة الاختصاص الرئيسية التي يعمل بها إلى يومنا هذا , وتعتبر مراقبة الالتزام بنفقات الدولة أهم أشكال المراقبة الإدارية السابقة التي تجرى على تنفيذ الميزانية ,خاصة في مجال النفقات العمومية , وتهدف بالدرجة الأولى إلى مراقبة المشروعية المالية للنفقة ومدى مطابقتها مع القواعد والنصوص القانونية , تفاديا إلى التجاوزات التي تمس المالية العامة .ويسهر على تنظيمها وتسييرها المراقب العام , بالإضافة إلى وجود مركزيات لدى الوزارات الأخرى ,(18 مراقبة مركزية) ومراقبة في الأقاليم والعمالات (46 مراقبة) فضلا عن المراقبات الجهوية فهؤلاء المراقبون , يعينون بمقتضى مراسيم تنفذ باقتراح من وزير المالية , ويحدد اختصاصهم المراقب العام.
يمكن اعتبار هذا النوع من الرقابة من اهم انواع الرقابة الإدارية التي تهدف إلى الحفاظ على المال العام وتستمد اهميتها من اعتبارين اساسين : الاعتبار الأول هو الذي تشترك فيه كافة انواع الرقابة ويتجسد من خلال هدفين أساسين : الهدف الأول سياسي , وهو التدقيق في احترام إرادة البرلمان في أمور الميزانية التي تحول دون قيام السلطة التنفيذية بتجاوز الاعتمادات الموضوعة رهن تصرفها والهدف الثاني مالي , يتجلى في منع الإسراف و التبذير و سوء استعمال الأموال العمومية (21) ,أما الاعتبار الثاني فيتجلى في خصوصية هذا النوع من الرقابة حيث أن مراقبة الالتزام بالنفقات مراقبة سابقة إذ تمارس أثناء تنفيذ النفقات وليس بعد صرفها , حيث يراقب الالتزام أو العقد قبل أن يصبح مبرما , أي قبل أن يترتب أي دين على الدولة , فهي بذلك رقابة قبلية ـ وقائية تمنع الخطأ قبل حدوثه , فبالنظر إلى هذه الأهمية لم يفت المشرع المغربي تنظيم جهاز إداري تناط به مهمة تنفيذ مراقبة الالتزام بالنفقات وذلك بمقتضى مرسوم رقم 2.75.839 بتاريخ 30 دجنبر 1975
والسؤال الذي نجد أنفسنا مضطرين لطرحه وإعادة طرحه بسبب هذه الرقابة يتبلور حول مدى فعالية مصداقية رقابة تمارسها الإدارة على الإدارة بهدف الحفاظ على المال العام وضمان حسن تدبيره. إلى أي حد يمكننا ان نتحدث عن حيادية واستقلالية هذا الجهاز مع ربطه القانوني مباشرة بوزارة المالية؟ وماهي ضمانات الفعالية في الأداء الرقابي لهذا الجهاز؟ وعليه سنحاول الإجابة على هذه الإشكالية وفق ثلاث عوائق رئيسية:
الفقرة الأولى: عائق الاستقلالية
الفقرة الثانية: المعوقات الوظيفية
الفقرة الثالثة: المعوقات البشرية
الفقرة الأولى: عائق الاستقلالية
بالعودة إلى الفصل الثاني من المرسوم (22) نجد أن مراقبة الالتزام بالنفقات تتم في نطاق برامج توضع بناءا على تعليمات وزير المالية والوزير المعني بالأمر, كما أن وزير المالية هو الذي يقترح تعيين المراقب العام للالتزام بالنفقات وكذلك يقترح تعيين المراقبين المركزيين والمراقبين بالعمالات والأقاليم من بين الموظفين المنتمين للأسلاك المرتبة في سلم الأجور رقم 10 و11 والمتوفرين على الإجازة في الحقوق أو على دبلوم المدرس الوطنية للإدارة أو دبلوم معادل كما توكل إلى وزير المالية مهمة تحديد التنظيم الداخلي لمصالح مراقبة الالتزام بالنفقات. ويقدم إليها كل الوسائل الازمة لتسييرها.
من خلال هذا يتضح بجلاء مدى هيمنة وزير المالية على جهاز مراقبة الالتزام بالنفقات، حيث يمنحه القانون دورا مباشرا في الإشراف والتعيين والتنظيم وقد تبرر هذه الهيمنة بضرورة تنظيمه، وبهذه التنسيق بين أجهزة الرقابة المالية لوزارة المالية غير أن هذه الربط القانوني والفعلي المباشر بين جهاز رقابي يفترض مبدئيا حياده ونزاهته واستقلاليته اتجاه باقي الأجهزة موضوع المراقبة وبين جهاز أو مؤسسة ذات طبيعة إدارية ـ سياسية مزدوجة يجعل من المحتمل جدا إن لم نقل من المؤكد أن يتأثر بالتدخلات الخارجية.
الفقرة الثانية: المعوقات الوظيفية
بالعودة إلى الباب الثاني من نفس المرسوم والخاص بالمسطرة والتحكيم، نجد ان جهاز مراقبة الالتزام بالنفقات في شخص مراقبيه يتمتع باختصاصات محدودة في مجال المراقبة. فبالنظر إلى الفصل 11 فإن المراقب العام والمراقبون يتأكدون فقط مما إذا كانت النفقة قد دفعت من اعتماد متوفر ومما إذا كان نوعها مطابقا لباب الميزانية المقترح اقتطاعها منه ومما إذا كانت مقدرة بكيفية صحيحة وكانت مشروعة بالنسبة للقوانين والأنظمة ويتحققون كذلك مما إذا كان الالتزام المقترح يتعلق حقيقة بمجموع النفقة التي تلتزم الإدارة باقتطاعها طيلة السنة وأخيرا ينظرون إلى التأثير الذي قد يكون للالتزام على مجموع استعمال اعتماد السنة المالية الجارية والسنوات المقبلة إلا أن هذه الاختصاصات والصلاحيات التي منحها الفصل 11 لمراقبي الالتزامات لا تصل إلى حد منحهم مراقبة ملائمة لهذه الالتزامات، فمن الممكن ان تكون النفقة مدفوعة فعلا من اعتماد متوفر ونوعا مطابقا لباب الميزانية المقترح اقتطاعها منه ومقدرة بكيفية صحيحة ومشروعة لكنها ليست ملائمة (23).
فقد يقع أن تتواطأ الإدارة مثلا مع أحد الموردين في شأن تزويدها ببضاعة معينة المسؤولون عن هذه الصفقة يتفقون مع المورد على أن يضع في فاتورة الحسابات مبلغا أكبر من الذي باع به على أن يزودهم بدوره ببضاعة أردأ أقل قيمة بالطبع من الثمن الذي باع به ، وهكذا تكون الأرقام مضبوطة والنفقات مشروعة لكنها لا تتناسب مع والمردودية المتوخاة منها، والأمثلة على التواطؤات تكاد لا تنحصر، وعموما فرقابة الالتزام بالنفقات تنصب على مشروعية العمليات من الناحية القانونية واغفاله من الناحية التقنية فهي رقابة على صحة الالتزامات ولا تعتمد الالتزامات ولا تعتمد إلى ملاءمتها كما ان مسالة رفض التأشيرة من طرف المراقب(24)، وهي مناط بمهمته يمكن تجاوزها قانونا حيث أنه وفي إطار الفصل 14 من نفس المرسوم يمكن العدول عن التأشيرة بمقرر للوزير الأول المرفوعة إليه القضية بواسطة الوزير المعني بالأمر وفي إطار الفصل 15 من نفس المرسوم لا يترتب على إخبار المراقبين لوزير المالية بشأن نفقة يخامرهم فيها شك بعدم فائدتها واهميتها توقيف وضع التأشيرة.
ومن الناحية القانونية تبقى الاختصاصات الممنوحة لمراقبي الالتزامات بالنفقة اختصاصات محدودة يمكن تجاوزها وتحديها بيسر وذلك بقوة القانون، حيث تبقى الكلمة الأخيرة في هذا الصدد لوزير المالية لذي يهيمن كذلك بالإضافة إلى التعيين والتنظيم والإشراف على الجانب الوظيفي كما هو منصوص عليه في الفصل 14 و15 من نفس المرسوم.
الفقرة الثالثة: المعوقات البشرية
مسألة أخرى تتعلق بالإكراهات الوظيفية تتمثل في الحجم الهائل للملفات التي تدخل في نطاق مراقبة الالتزام بالنفقات بالنظر إلى حجم الموارد البشرية، ونعني حجم المراقبين الذي لا يكفي للقيام بالمهام المنوطة به على أحسن وجه الشكل الذي يجعل من هذه المراقبة مراقبة شكلية (25) فالفصل 17 يخص المراقبين المركزيين والمراقبين بالعملات والأقاليم بمحاسبة الالتزام بنفقات الوزارات أو المصالح الخارجية التي يمارسون مهام المراقبة لديها إضافة إلى مسكهم محاسبة إضافية تتضمن الأوامر بالتفويض والنفقات المتعلقة بعدة سنوات والنفقات المنجزة حسب البرنامج، والنفقات المستمرة والاعتمادات الموقفة برسم مكاتب التنسيق والالتزامات المنقولة من السنة السابقة بخصوص العمليات الأصلية الفصل 19 وبالتالي وكما سلف الذكر فحجم الاختصاصات النفقات والالتزامات في مجال الرقابة: فمن بين 560 موظف يوجد 130 إطار من بينهم 21 مفتش ومراقب لا يتوفرون على أي شهادات جامعية إذن وكما رأينا من خلال محاولة ابراز بعض المعوقات التي تعوق عمل مراقبي الالتزامات بالنفقات فيمكن ان نستخلص لا فعالية الجهاز في القيام بمهمته الأساسية في مراقبة تنفيذ المال المناطة بمراقبي الالتزام كبيرة جدا بالمقارنة مع الإطار البشري لجهاز مراقبي الالتزامات بالنفقات.
وتطرح مسألة اخرى تتعلق بافتقار جهاز مراقبة الالتزام بالنفقات لأطر مختصة في مجال الرقابة: فمن بين 560 موظف يوجد 130 إطار من بينهم 21 مفتش ومراقب لا يتوفرون على أي شهادات جامعية (26) إذن وكما رأينا من خلال محاولة ابراز بعض المعوقات التي تعوق عمل مراقبي الالتزامات بالنفقات فيمكن ان نستخلص فعالية الجهاز في القيام بمهمته الأساسية في مراقبة تنفيذ المال وكنتيجة لهذا العجز يكون الجهاز بحالته هاته وبوسائله الخالية تتلف المال العام وتبقى مهمة الجهاز الأساسية في المساهمة الكبيرة في ظاهرة التعقيد الإداري و البيروقراطية، مما سياهم بدوره في البحث عن الحلول الاستثنائية موازية كالرشوة مثلا التي اعتبرها الأستاذ محمد حركات أنها (27) ظاهرة للأسف لم تعد استثناءا بل أضحت أسلوبا لدوران الآلة الإدارية في التعامل داخل الإدارة بصفة العامة.
المطلب الثالث: مراقبة المفتشيات العامة
تعتبر المفتشيات العامة أهم جهاز إداري للتجهيز المالي بالمغرب وتتبع مباشرة من وزير المالية وقد أنشئت هذه الهيئة في البدايات الأولى للاستقلال بموجب ظهير 1960 وهي المختصة بالتدخل الواسع على مستوى المصالح العمومية لكل وزارات الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام والجماعات المحلية وكل هيئة تستفيد من دعم مالي تساهم به الدولة في رأسمالها. وتتحدد مهامها سلفا بنصوص تنظيمية والتي كانت تسمى سابقا بالمفتشية التقنية التي أسستها.
وتتلخص هذه المهام في تتبع التسيير المالي للوزارات المعنية بها، ولا تتعداه لوزارات أخرى. وحدها المفتشية العامة للإدارات العمومية التي أسست سنة 1970 تتوفر على مهام تشمل جميع الوزارات بحيث أنها مرتبطة مباشرة بالأمانة العامة للحكومة وتتمثل هذه المهام في:
رقابة إدارية لاحقة موضوعها الحسابات والمحاسبات للآمرين بالصرف و المحاسب كل أعوان الدولة والمؤسسات العمومية، ولا يقتصر دورها على المشروعية، بل يمتد كذلك إلى تنظيم وتسيير المرافق العمومية، وتمارس عملياتها التفتيشية بصفة دورية مفاجئة، والغاية من هذه الرقابة هو التأكد من صحة الحسابات الجارية خلال السنة المالية في إطار المبدأ الأسمى المتوخى من أية رقابة ألا وهو الحفاظ على المال العام. وعموما تعتبر مهام المفتشيات العامة مهاما ذات طبيعة عامة ذات طبيعة تسلسلية هرمية يمارسها سؤول الإدارة المركزي على المصالح المركزية واللامركزية الموضوعة تحت سلطته. وفيما يتعلق بالمراقبة المالية يمكن للمفتشيات العامة مراقبة صناديق الاعتمادات المالية والتأكد من صحة النفقات.
ولتعميق النظر هذه المفتشيات واختصاصاتها سنتطرق إلى المفتشيات التالية:
- (IGA)المفتشية العامة للفلاحة
- (IGAT)المفتشية العامة للإدارة الترابية
- (IGfl)المفتشية العامة للمالية المحلية
الفرع الأول: المفتشية العامة للفلاحة
تستمد المفتشية العامة للفلاحة مشروعيتها من المرسوم المتعلق بمهام وزارة الفلاحة الذي ينص في فصله السابع على أن المفتشية العامة للفلاحة تكمن في الإخبار المنتظم للوزارة على عمل المصالح، والقيام بالتحريات المسنودة إليها وكذا القيام بأي دراسات وابحاث أو تفتيشيات التي تهم الوزارة.وقد حددت دورية وزارة الفلاحة ل 30 ديسمبر 1977 مهام المفتشية العامة للفلاحة، وكذا الأهداف الموكولة إليها، والوسائل التي تتمتع بها وإجراءات تدخلها، وتشمل هذه:
المراقبة التنظيمية: وهذا يعني التحقق من احترام الإجراءات التشريعية والقانونية المعمول بها وكذا تطبيق التوجيهات والتعليمات التي تنظم عمل المصالح.
المراقبة الفعلية: وتشمل هذه المراقبة التقييم الدوري لعمل المصالح والنتائج المحصل عليها، وكذا لتحقيق الأهداف المسطرة.
مراقبة التمكن: وتشمل هذه المراقبة تقييم الجودة واقتراح الوسائل التي ستمكن وتطوير النجاعة والمردودية.
الفرع الثاني: المفتشية العامة للإدارة الترابية (28)
إن هذه دور هذه المفتشية يشمل المراقبة لمختلف أوجه التسيير الإداري والتقني والمحاسبي كما أن مجال عملها يشمل المصالح التابعة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية وهيأتها وبهذا فإن نصيب الجماعات المحلية من الدور المسند لهذه المفتشية يبقى مجالا محدودا ضمن مجالات متعددة.
وعلى الرغم من طبيعة الدور المسند لهذه المفتشية فالملاحظ أن القانون لم يفصل في طريقة عملها والهدف من اقرارها كما أنه لم يتناول في ذات الوقت أمورا على جانب كبير من الأهمية تتعلق بالجزاءات التي يمكن اتخادها في حالة اكتشاف المخالفات المالية سواء اتجاه الآمرين بالصرف أو اتجاه الموظفين و العاملين بالجماعات المحلية، هذا التناول المحدود لأوجه عمل جهاز المفتشية العامة للإدارة الترابية سيكون له تأثير على الدور المنوط به (29).
الفرع الثالث: المفتشية العامة للمالية المحلية
على عكس المفتشية العامة للإدارة الترابية ذات الاختصاص العام فإن المفتشية العامة للمالية المحلية هذه الاخيرة ويقتصر عملها الرقابي على مجال محدد هو مالية الجماعات المحلية وهيأتها ورغم أن النصوص القانونية المنظمة لهذا الجهاز الرقابي لم تتوفر بعد فإن الوثائق الإدارية والوزارية هي التي ستعمل على تحديد مهامه. ورغم غياب الإطار القانوني فإن اعمال هذه المفتشية كانت مناسبة لإصدار بلاغات رسمية بخصوص صرط مخالفات مالية بعدد هام من الجماعات وإصدار بعض الإجراءات الإدارية في حق اصحابها كما أن جانبا من المخالفين أحيل على الجهات القضائية المختصة (30).
إن الرقابة الإدارية للسلطة الوصية ما زالت تحتاج إلى تنظيم محكم لآلياتها من جهة والعمل على ضمها في جهاز واحد كما يتعين عدم تركيز هذه الأجهزة بغية الرفع من فعاليتها على المستوى المحلي إن الدور الرقابي لوزير المالية على المستويين العمومي والمحلي لا يتناقض في الحقيقة مع الدور المسند إليه في تتبع كيفية واستعمال وصرف الأموال العمومية الأمر الذي يدعو على إيلاء العناية اللازمة في إطار توحيد الاجهزة الرقابية وتنسيق عملها إلى التفكير في التوحيد على مستوى الوزارات ذات الاختصاص المالي الأصلي وهي وزارة المالية وتخضع الجماعات المحلية من جهة لرقابة المفتشية العامة للمالية التي تتمتع باختصاص عام ومن جهة أخرى لرقابة الخزينة العامة للمملكة التي تمارس رقابة تكتسي طابعا خاصا من حيث الدور والمهام.
من خلال هذه الامثلة يتضح أن المفتشيات العامة تضطلع بدور هام في مراقبة وضبط مصالح الوزارات. لكن ومن الناحية التطبيقية يلاحظ نقص في فعالية هذه المفتشيات وذلك لأسباب عدة:
أولا: إن مهام هذه المفتشيات غير موضحة على في نصوص قانونية فأغلبها تباشر عملها بناءا على مراسيم وزارية تنص فقط على وجودها
ثانيا: تفتقر أغلب هذه المفتشيات على الوسائل البشرية والمادية لمزاولة مهامها بالإضافة إلى أنها ليست لديها القدرة على إعداد برنامجها السنوي للعمل به وتعتمد في عملها على المهمات غير المنتظرة بناءا على تكلف من رئيسها.
ثالثا: تعتبر مصالح المفتشيات مكانا للتخلص من الموظفين سواء القريبين من الإحالة على التقاعد أو غير المرغوب فيهم إلى غير ذلك ورغم هذه الصعوبات تسعى الدولة إلى الرقي بهذه المفتشيات كي تضطلع بالدور الذي أنشئت لأجله.
وفي كل الأحوال تعتبر مراقبة المفتشيات الإدارية مكملة لمهام مفتشية الإدارة المالية. (31)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1): محمد رمضان الرقابة الإدارية على الجهاز الإداري دار النهضة العربية القاهرة 1996 ص 15
(2): سعيد جفري: تدبير المالية العمومية بالمغرب الطبعة الأولى 2009 ص 13
(3): النظام العام للمحاسبة العمومية مرسوم ملكي رقم 330.66 بتاريخ 21 ابريل 1967
(4): مرسوم رقم 2.06.52 الصادر في محرم 1427 الموافق ل 13 فبراير 2006
(5): الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب سلسة اللامركزية و الجماعات ص 179 سنة 1994 بنمير المهدي
(6): عبد النبي اضريف: المالية العامة أسس و قواعد الميزانية العامة ومراقبتها الطبعة الثانية 2012 ص 139
(7): مرسوم ملكي للنظام العام للمحاسبة
(8): الفقر ة الأولى من الفصل 9 من المرسوم الملكي 330.66 بشأن النظام العام للمحاسبة
(9): عيسى عيسى المراقبة الإدارية على تنفيذ الميزانية العامة بالمغرب (3)أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2004\2005 ص 43
(10): الفصل 4 من المرسوم الملكي المتعلق بالنظام العام للمحاسبة العمومية
(11): الفصل 3 من المرسوم رقم 330.66 المتعلق بنظام المحاسبة العمومية
(12): فصل 2 من الظهير الشريف رقم 1.57.068 الصادر في 10 ابريل 1957 بالتفويض في إمضاء وزير الدولة ونواب كتاب الدولة
(13): نجيب جبري الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية متطلبات التنمية (دراسة تحليلية و نقدية) 2012 ص 41 و 42
(14) عيسى عيسى; المراقبة الإدارية; م.س ص45
(15) قانون المالية السنوي الجزء الاول المادة 1
(16) المادة الأولى من قانون 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية الىمرين بالصرف و المراقبين و المحاسبين العموميين
(17) الفصل 35 من المرسوم الملكي المتعلق بالنظام العام للمحاسبة
(18) الفصل 35 من المرسوم بالنظام العام للمحاسبة العمومية
(19) مولد عويس :; منظومة المراقبة المالية بالمغرب , أي لدور حماية المال العام; رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الإدارية جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية و الاجتماعية عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2000\2001
(20) المالية العامة بالمغرب المجلة المغربية للتدقيق والتنمية عدد 13 ص 86
(21):عبد الرحمن جمجتمة , الإدارة الإقليمية لوزارة المالية جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الاجتماعية 1991رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ص42
(22): هذا المرسوم دمج اختصاصات مراقبي الالتزام بالنفقة مع مديرية الخزينة العامة
(23):الأستاذ محمد أمين المزوري , محاضرات في مادة المالية العامة كلية العلوم القانونية و الاجتماعية جامعة محمد الخامس الرباط 1994_ 1995
(24):د.عدنان عمرو. المالية العامة ـ الطبعة الأولى ص 72
(25) :mohamed harakat le droit du contrôle supérieur des finances publiques au Maroc 1ére édition 1992 page 249
(26): le droit du controle sup des finances publiques ,op ,cité p 249
(27): mohamed harakat ;audit dans le secteur public au maroc 1ere édition babel 1994 p 76
(28):سعيد جفري:مرجع سابق ص 147
(29):سعيد جفري : مرجع سابق ص 148
(30):سعيد جفري : مرجع سابق ص 151
(31):hassane elarafi gestion des finances de l’etat 1ér trimestre 2009 page 517