مظاهر حماية الأجير والمشغل خلال مرحلة إنهاء عقد الشغل على ضوء الاجتهاد القضائي

رشيد السروت

أستاذ التعليم الابتدائي

طالب باحث بماستر المنازعات القانونية والقضائية

بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

جامعة محمد الخامس بالرباط

 

نقديم:

إن طبيعة عقد الشغل تختلف باختلاف الالتزامات التي يولدها الأجير ، فهي و إن كانت واضحة محددة بالنسبة للمشغل ، ولا تتجاوز إطار أداء الأجر ، و مكان تنفيذ الشغل ، و عدم إرهاق الأجير ، فإنها بالنسبة لهذا الأخير-الأجير غير محددة ، نتيجة لأثر التبعية التي يتمتع المشغل في ظلها بسلطات واسعة و متعددة ، توجيهية إدارية ، و تأديبية داخل المؤسسة ، و هو ما يعطي الانطباع على أنه الحكم الوحيد فيها ، له اقتضاء الحق  بنفسه دون أي رقيب في ظل علاقة تتسم مسبقا بعدم تساوي المراكز القانونية و الواقعية للأطراف ، ومن هنا تبدأ صعوبة وخصوصية دور القضاء في محل هاته النزاعات ، خاصة و أن تدخل المشرع لوضع حدود حمائية لمصلحة الأجير لم يكن من شأنه التقليل من أهمية مبدأ تبعية المشغل و هو ما يعطي الانطباع عن فشل القانون في تنظيم هاته العلاقة بعد آن أصبح رائد ها التناقض و المواجهة وهي ما توحي به النصوص الشغلية المتسمة بانعدام التناسق الشكلي والموضوعي. فمهما بلغت الحماية والحقوق والضمانات المقررة للأجير أو للمشغل ، ومهما بلغت المكتسبات التي حققها المشرع للشغيلة على مستوى القوانين الموضوعية ، فسيبقى ذلك كله عبثا إذا  لم يكن هناك تنظيم قضائي قادر على نقل تلك الحقوق والحماية والضمانات و من حالة السكون إلى حالة الحركة ، و ذلك عن طريق الجبر عند المس بها أو خرقها. إذ تعتبر النصوص القانونية عند  وضعها من طرف المشرع نصوصا جامدة  و الذي يبت فيها الحركة هو القضاء ، وهذا الأخير هو الذي يسد كل نقص في هذه النصوص او ثغرة قانونية تظهر في صرحها و يجعلها مسايرة للتطور الاجتماعي.

أولا: أهمية موضوع البحث

تتمثل أهمية موضوع البحث في الدور الذي ينهض به القضاء في إعمال نصوص القانون وكذا حماية حقوق الأطراف الشغلية وضمان حياتهم في إطار القانون ، كما تكمن أهمية دراسة موضوع مظاهر حماية الأجير والمشغل بعد انتهاء عقد الشغل كونه يمس شريحة واسعة من المجتمع أولا وهي فئة الأجراء ، التي تسعى جاهدة في تحقيق الاستقرار بالعمل وبالتالي ضمان الاستقرار الأسري والنفسي.

ثانيا: إشكالية موضوع البحث

إذا كان المشرع قد حاول إقرار حماية الأجير والمشغل من خلال المقتضيات التشريعية لمدونة الشغل ، فإن هذه الأخيرة جاءت قاصرة عن حل كل النزاعات التي تنشب بين الأطراف الشغلية من جهة وغموض بعض النصوص التشريعية أحيانا و وجود فراغ تشريعي أحيانا أخرى جعل القضاء يتدخل لرسم الحدود الممكن اللجوء لها لحماية الأجير والمشغل في حالة انتهاء عقد الشغل.ومن هذا المنطلق نرصد دور القضاء الاجتماعي في حماية الأجير و المشغل من خلال طرح إشكالية جوهرية تتمحور حول الحدود الفاصلة  بين الحماية القضائية للأجير والمشغل من خلال تكريس المقتضيات التشريعية و طريقة تعامله معها من خلال الاجتهاد القضائي عند غموض النصوص التشريعية وتدخله حالة الفراغ التشريعي.وهذه الإشكالية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية:

ما هي بعض مظاهر الاجتهاد القضائي في حماية الأجير و المشغل عند غموض النص التشريعي خلال مرحلة إنهاء عقد الشغل؟

هل وفق القضاء في تكريس المقتضيات التشريعية لحماية الأطراف الشغلية؟

هل يتمتع القاضي الاجتماعي بسلطة تقديرية في موضوع حماية الأجير والمشغل أم أن دوره مقيد بما سطره له المشرع؟

للإجابة على الإشكالية أعلاه وكذا الأسئلة المتفرعة تقتضي منا منهجية البحث تقسيمه على الشكل التالي:

المبحث الأول: مظاهر حماية الأجير خلال مرحلة إنهاء عقد الشغل

المبحث الثاني: مظاهر حماية المشغل خلال مرحلة إنهاء عقد الشغل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: مظاهر حماية الأجير خلال مرحلة إنهاء عقد الشغل.

يحتل اجتهاد القضاء  الاجتماعي أهمية بالغة في إعطاء صورة واضحة عن النظام القانوني للدولة، فهو ليس مجرد  أحكام تصدر عن المحاكم ، و إنما يشكل أيضا مجالا لإبراز خصائص النظام القانوني ، فالقضاء يمكن أن يساهم باجتهاداته في خلق القاعدة القانونية وتفسير النصوص الغامضة من خلال بعض الاجتهادات القضائية لحماية الأجير عند الفصل في النزاع ( المطلب الأول)

المطلب الأول: بعض اجتهادات القضاء الاجتماعي الحمائي للأجير عند الفصل في النزاع

إن حماية الأجير الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية تعتبر من أهم الأهداف التي يسعى قانون الشغل إلى تكريسها ، وذلك باعتماد مجموعة من الوسائل التي نص عليها المشرع في مدونة الشغل ، هذه الأخيرة قد قرت العديد من الحقوق للأجراء معتبرة إياها من النظام العام ، بحيث لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها ، كما تضمنت مجموعة من الإجراءات والمساطر الواجب إتباعها أمام القضاء الاجتماعي عند نشوب نزاع بين الأجير ومشغله.

إلا أن ما يعاب على القضاء بصفة عامة هو البطء في الإجراءات ، في حين أن الناس لا يهمهم إلا الوصول إلى حقوقهم في أقل وقت ممكن ، وهذا البطء تكون له انعكاسات سلبية لاسيما لقضايا الشغل لأن الأجير لا يلجأ إلى المحكمة إلا في حالة الضرورة و في غالب الأحيان حالة الفصل عن العمل ، حيث يفقد مورد عيشه ويلجأ إلى المحكمة وكله أمل في الحصول على حقه بأقصى سرعة ، لذلك منها مسطرة الصلح التي تجد سندها في عدة نصوص كقانون الالتزامات والعقود و قانون المسطرة المدنية و مدونة الشغل.

وتتسم هذه  المساطر بخصوصيات تنفرد بها عن باقي القضايا المدنية الأخرى ، لالتزاماتها لجميع القضايا الاجتماعية، إذ نص الفصل 277 من ق م م على:”يحاول القاضي في بداية الجلسة بين الأطراف”، ونصت المادة 73 من مدونة الشغل:” التوصيل عن تصفية كل حساب” هو التوصيل الذي يسلمه الأجير للمشغل، عند إنهاء العقد لأي سبب كان، وذلك قصد تصفية كل الأداءات تجاهه. يعتبر باطلا كل إبراء أو صلح. طبقا للفصل 1098من قانون الالتزامات والعقود، يتنازل فيه الأجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه”، فيتضح من خلال الفصل 277 من ق م م و مايليه و المادة 73 و مبعدها، أن للصلح في القانون الاجتماعي خصوصية موضوعية.

كما أن من أثاره حسم النزاع بين الطرفين ولا يمكن الرجوع فيه بالنظر للحجية التي اكتسبها والتي تعادل تلك التي يتوفر عليها الحكم القضائي الذي حاز قوة الشيء المقضي به، و في ذلك تأكيد لمبدأ سلطان الإرادة، هكذا سنتطرق لاجتهاد القضاء الاجتماعي قبل إصدار الحكم في الفقرة الأولى، فيما سنخصص الفقرة الثانية لاجتهاد القاضي الاجتماعي بعد إصدار الحكم.

الفقرة الأولى: اجتهادات القضاء الاجتماعي عند النظر في النزاع.

إذا كان التذبذب الناجم عن تعايش الحلول المتباينة يجد مصدره في عدم قيام المشرع بحسم عدة مشاكل قانونية، أو في تعدد معاني الألفاظ المستعملة، فإن دراسة الأحكام القضائية أبانت أن محكمة النقض و قبلها المجلس الأعلى لم تعلن عن موقفها في الكثير من الحالات، مما أصبح معه قضاة الموضوع متروكين في هذا الحقل لأنفسهم، ومن تم نجم عن هذه الحرية نوع من عدم الاستقرار في نمط الكثير من النزاعات.

فمؤسسة القضاء  كوسيلة كلاسيكية لفض النزاعات أصبحت أمام العديد من المعيقات شبه عاجزة عن تقديم حلول تتوافق، و ما يميز علاقات الشغل من حساسية، كل هذا دفع بالتشريعات إلى البحث عن وسائل بديلة بواسطتها يتم حل النزاع الذي قد ينشأ بين الأجير  والمشغل.

فقد يعمد المشغل و في إطار استراتيجيه دفاعية إلى المناورة بقصد التخلص من بعض الأجراء الذين لا يرغب في وجودهم على أرضية مؤسسته، فيعمد إلى إبرام الصلح معهم لما يوفرها هذا الأخير كتقنية، من امتيازات تحد من تقاضي الأجير المطرود لكل حقوقه، و إن كان التعاقد بهذا الخصوص يتم أحيانا عن حسن نية في حالة اجتياز المؤسسة لظروف اقتصادية عويصة، و من تم فدور القضاء ينحصر في بحث مدى حقيقة الأسباب المثارة من قبل المشغل، و التي تكون قد دفعته لاتخاذ إجراء من الإجراءات التأديبية أو التنظيمية في حق أحد الأجراء.

وقد كان المحرر الكتابي الذي يوقعه الأكبر حال مغادرته للعمل، أحد أهم الوسائل القانونية التي اعتمدها المشغل لإثبات تقاضي الأجير لكافة حقوقه، غير أن التحايل الذي كان يلحق تحرير هذا الوصل، دفع المشرع في إطار سياسته الحمائية إلى إقرار ما يسمى بالتوصيل عن صافي كل حساب كإجراء وحيد لبراءة ذمة المشغل، نظرا لما يوفرها هذا الوصل من ضمانات، إن على مستوى الشكل أو المضمون بالنسبة للأجراء الأميين بالخصوص، و الذين خولهم المشرع حق نقض دلالة التوصيل المذكور داخل أجل الستين يوما التالية لتاريخ توقيعه، و المنازعة في الأداءات الأخرى التي لهم على المشغل، و حماية للأجير اعتبر المشرع باطلا كل إبراء أو صلح يتنازل فيه الأجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه.

وقد اعتبر القضاء الفرنسي أن قضاة الموضوع رفضوا اعتبار توصيل ما توصيلا لتصفية حساب إذا لم يحمل التسمية هاته، ذلك أن إلزاميتها، الغاية منها أيضا، تمييز هذا التوصيل عن غيره من التوصيلات العادية، و قد تطلب هذا القضاء ضرورة التوقيع عليه من قبل الأجير ، و عليه فمتى اكتفى هذا الأخير بوضع علامة لا غير ، فإن حضور الشاهدين دون توقيهما يجعله غير مبرئ، ولو صرحا بصحته، و هو التوجه الذي سار عليه القضاء المغربي الذي رتب على تخلف أي من البيانات المذكورة البطلان.

و العمل القضائي تقيد في مجموعة من القرارات بشكليات تحرير ورقة تصفية كل حساب ضمانا لمبدأ الحماية القانونية للأجير المقررة لفائدته، وصونا لحقوقه الثابتة من خلال أحقيته في الرجوع عن الوصل الذي سبق و أن وقعه كإبراء لذمة مشغله خاصة و أن المشرع المغربي و تأكيدا منه على هذه الحماية اعتبر كل الأداءات التي تبين للأجير أنه محق فيها و لم يتقاضاها فله الحق، فيها رغم توقيعه على التوصيل، و هو ما ذهبت عليه محكمة النقض الفرنسية باعتبار أن التوصيل لو توافرت فيه كل الشروط الشكلية و لو لم يطعن  فيه و بعد فوات الأجل  وبين للأجير أنه محق في تعويضات أخرى، فانه يبقى محقا في التعويضات الجديدة بدون الذي كان بالتوصيل، أما إذا كان التوصيل بسيطا فإنه يبقى محقا في التعويضات الجديدة بدون الذي كان بالتوصيل، أما إذا كان التوصيل بسيطا فإنه من حقه مراجعة كل التعويضات التي لم يسبق له أن حازها، كما رفض مواجهة الأجير بوصل تصفية حساب غير موقع من طرفه إذ جاء في قرار المجلس الأعلى لمحكمة النقض حاليا أنه:”خلافا لما أثارته الطالبة أن الأجير لم يعترف بأي وثيقة للصلح مؤكدا في  مذكرته المؤرخة في 11/11/97 المدرجة بالملف أن وثيقة تصفية الحساب المدار بها من طرف المشغلة خالية من توقيعه و لم يسبق له أن توصل بالمبالغ المضمنة بها تم إن الوثيقة ليست حجة على المبالغ المضمنة بها لعدم توقيعها من طرف الأجير…”

و على هذا الأساس، فإذا كان التوصيل صحيحا متضمنا لعدة مبالغ، كالأجر و تعويضات العطل…فإن الاتجاه القضائي السائد، يقضي بعدم إسقاط كل الأداءات، و إنما الموقع عليها فقط، ولو بعد فوات أجل السقوط، ذلك أن للأجير المطالة بواجب التعويض عن الفصل  التعسفي دون بقية المطالب، أما إذا كان التوصيل بسيطا فإنه يمكن تعديل كل المبالغ التي تقاضاها من أجل مطالب معينة، وله طلب الحكم بالفرق بينها إلى جانب التعويضات الأخرى، كالتعويض عن سابق الإعلام و عن الإعفاء.

ولعل هذا الاتجاه ما يدفع الطرفين معا إلى الاحتياط أكثر عند تحرير هذا التوصيل، و ذلك بذكر كل المطالب بصفة دقيقة و المبالغ التي تمثلها، و هو احتياط يتماشى و مصلحة الأجير دون المشغل، الذي كلما وقع خلل في التوصيل، لا يكون له إلا إتباع القواعد العامة لإظهار تعيب إرادته لعيب التدليس مثلا، خاصة و أن المشرع المغربي منح حق الطعن في التوصيل للأجير لا غير ، فإذا ما تم إغفال احترام هذا المقتضى التشريعي، فإن المشغل يتحمل عبء إثبات تقاضي الأجير لكافة حقوقه طبقا لمقتضيات الفصل 400 من ق ل ع، و هو ما أكده القضاء المغربي حينما اعتبر أنه لا مجال للالتفاف للدفع المتعلق بالتقادم، مادام أن المشغل لم يدل بما يفيد براءة ذمته في هذا الصدد،خصوصا و أن الحجة في إثباتها تكون معكوسة أي على عاتق المشغل.

و قد يحصل أن يوقع الأجير وصل صافي الحساب و يلحقه بوثيقة إنهاء رضائي، و يكون بذلك قد تنازل عن حقه في التمسك بحق المراجعة المنصوص عليه بالفصل 745 من ق ل ع، وعبر عن رغبته في سلوك مسطرة الصلح المدني، و هو ما أثاره قرار للمجلس الأعلى جاء فيه:”انهي الإضافة إلى وصل تصفية الحساب المذكور أدلت الطالبة بالإشهاد المؤرخ 24/08/95 و الذي تضمن تصريح الأجير بأنه يغادر العمل بطواعية و اختيار، وفقا للشروط التي تم الاتفاق عليها، بتعويضه عن عطلة والإعلان والفصل، و أن هذا الإشهاد موقع من طرفه ولم ينازع فيه كما يستفاد منه أن إنهاء العقد بين الطرفين كان اتفاقيا و رضائيا و أن محكمة الاستئناف المصدرة للقرار المطعون فيه عندما اعتمدت في تعليلها على وصل تصفية الحساب دون مناقشة الوثيقة الملحقة به و المؤرخة في نفس اليوم يكون قرارها غير معلل و معرضا النقض”

و أمام الدقة التي يتميز بها التوصيل عن صافي كل حساب، و التي تجعل المشغلين بعيدين عن أن يكونوا في مأمن من منازعة الأجير، التجأ هؤلاء إلى مؤسسة الصلح المدني، لما تتمتع به من مزية إجهاض كل نزاع مستقبلي، فالاتفاق الكتابي ينهي النزاع بصفة ودية بعد ركون الطرفين إلى تنازلات متبادلة، و من تم فالصلح نابع من إرادة مشتركة، مفروض فيها أنها حرة، و خلاله يلتزم الأجير بعدم الادعاء ضد المشغل بأي مطالب قضائية، في الوقت الذي يتكفل المشغل بأدائه  له مبالغ مالية مقابل هذا الالتزام، دون غش أو تدليس.

و لما كان الصلح المدني في حقيقته تصرفا قانونيا تتجسد فيه فكرة العدالة بمفهومها التبادلي، فإنه يفترض نوعا من التوازن بين المصلحتين المتعارضتين، و نوعا من المساواة في المراكز القانونية للأطراف، و هو ما يفتقد في علاقة الشغل، خاصة متى تم الاتفاق الودي إبان التعاقد، وقبيل انتهاء العلاقة الشغلية، مما قد يمس بحقوق الأجير، لدرجة تقل عن الحد الأدنى.

بالإضافة إلى أن قواعد الصلح المدني تتعارض مع قواعد قانون الشغل المتسمة بطابع النظام العام، و رغم التنصيص صراحة على بطلانه طبقا للمادة 73، و هو ما ذهبت المحكمة الابتدائية لتمارة في حكم لها جاء فيه:” و حيث دفع المدعى عليه بأن المدعي قد حصل على كل مستحقاته عن رضا نفس و اقتناع و لم يعد مدينا له بأي شيء،  مؤكدا ذلك بصورة شمسية لإسعاد و اعتراف مؤرخ في 13/10/2015.

و حيث  إنه لئن صح ما دفع به المدعى عليه فإن المادة 73 من مدونة الشغل في فقرتها الثانية تقضي بأنه يعتبر باطلا كل إبراء أو صلح، طبقا للفصل 1098 من ق ل ع يتنازل فيه الأجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه.

و حيث يستفاد من أحكام الفصل أعلاه أن المشرع المغربي رتب أثر البطلان حول كل صلح مدني في نزاعات الشغل لم ينعقد أمام مفتش الشغل الذي أوكل له المشرع حسب مقتضيات الفصلين 41 و 532 من مدونة الشغل إجراء الصلح بين أطراف العلاقة الشغلية.

و حيث  إنه و مادام أن الطرفان أبرما صلحا خلافا لمقتضيات القانون المنظمة للصلح التمهيدي طبقا للفصلين أعلاه، فإن عقد الصلح المبرم بينهما صلح باطل و ولا أثر له و هو و العدم سيان”.

فالمشرع يفضل اللجوء إلى آلية الصلح المدني لحسم النزاع و بين الأجير بصفة نهائية، و الأجير يجد نفسه بسبب وضعه الاجتماعي و الاقتصادي مضطرا لقبول هذا الصلح، و رغم أن المسلم به أن قواعد القانون الاجتماعي آمرة من النظام العام  و لا يجوز الاتفاق على مخالفتها و التنازل عنها إلا إذا كانت هذه المخالفة في مصلحة الأجير، و رغم صراحة مقتضيات المادة 73 و 2 و 72 من مدونة الشغل إلا أن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء تعتد بعقد الصلح المبرم في نطاق الفصل 1098 من ق ل ع، و لا تقضي ببطلانه و اعتبارها فقط وثيقة بالمبالغ المبينة فيها و تحكم للأجراء تبعا لذلك بالفرق ما بين هو مستحق قانونا و ما تقاضاه برسم وثيقة الصلح، حيث قضت أن:”…و حيث يكون بذلك عقد الصلح المبرم بين المدعي و المدعى عليها ملزما للمدعي و لا يجوز له التراجع عنه بأي حال من الأحوال، خاصة و أنه التزم في نفس عقد الصلح بان لا يتقدم بأي مطالب بعد إبرام الصلح سواء كانت قضائية أو غير قضائية”.

و بالرغم من الموقف الصريح للمشرع، فإن القضاء المغربي أقر في العديد من أحكامه مشروعية الصلح المدني متغاضيا بذلك عن المقتضيات الآمرة التي تعتبر التوصيل عن صافي كل حساب الوسيلة المشروعة الوحيدة للإبراء، و هذا ما جاء في قرار المجلس الأعلى:”..إن عقد الصلح الذي يبرمه الأجير مع مشغله، و الحال أن الدعوى معروضة على القضاء ينهي النزاع نهائيا عملا بالفصل 1098 من ق ل ع و لا يمكن اعتباره تنازلا محظورات على الأجير عن تعويضاته المستحقة (الفصل 754من ق ل ع) كما لا يمكن الرجوع فيه وفقا لأحكام الفصل 1106 من قانون الالتزامات و العقود”.

كما أن الصلح المدني يبقى بعيدا أن يكون المؤسسة المثلى لحماية الأجراء ، و إقراره قضائيا لدن بعض المحاكم فيه تقويض بحقوقهم، و خرق باردة المشرع الحمائية التي أحدثت تقنية التوصيل عن صافي كل حساب بتاريخ 6 يوليوز 1954 لا لشيء إلا لإحداث قطيعة مع الصلح المدني ذي النزعة الليبرالية، و التوجه نحو تعميق اتجاه تضامني تحقيقا للعدل التوزيعي للأعباء و المنافع الاجتماعية، وفي ذلك قضاء على القصور الذي يعتري الصلح المدني ذي الحجة المطلقة، و تتأكد و جاهزية اعتماد التوصيل عن صافي كل حساب لإبراء ذمة المشغل من خلال فشل مؤسسة الصلح المدني في الحد من النزاعات القضائية.

و قد أقر المجلس الأعلى الإنفاق المسبق كإجراء وقائي للصلح، و لم يعتبر من الضروري حصول تنازلات متقابلة بين الطرفين، و هذا ما أكده في قراره المؤرخ في 5/10/1987 الذي اعتبر فيه أن:”يعد صحيحا عقد العمل المتضمن لاتفاق الطرفين على ممارسة إنهاء العقد من الطرف المشغل، و لو بدون مبرر ، مقابل جزاء يتمثل في تعويض جزافي يتفق مع أحكام الفصل 754 من ق ل ع”.

و هو التوجه الذي سارت عليه مختلف محاكم الموضوع، كما هو الشأن بالنسبة لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرار لها جاء فيه:”أن الصلح الفردي الذي أبرم بين الأجير و رب العمل، الذي بمقتضاه تم الاتفاق على إنهاء العقد وفسخه و يعتبر صحيحا، و بالتالي لا يمكن التمسك بأنه طرد تعسفي”.

و يقترب هذا الاتجاه القضائي من قرار لمحكمة النقض الفرنسية التي اعتبرت بتاريخ 14 يناير1988 أنه بالرغم من عدم وجود تنازلات متقابلة بين الطرفين، فإن ذلك لا يؤثر في وصف الإنفاق المذكور بالصلح المشروع …طالما تبين من الألفاظ الواضحة و المحددة لهذا العمل القانوني، أن إنهاء علاقات العمل التعاقدية، تم باتفاق مشترك، و أن العامل أقر بتسليمه على سبيل التصالح، مبلغا جزافيا، و محددا بصفة نهائية، كما رفضت اعتبار التوصيل عن صافي كل حساب التقنية الوحيدة لتسوية ودية للآثار المالية الناجمة عن انقضاء علاقة الشغل، خالصة إلى إقرار مشروعية الصلح الودي، و بعد أن لقيت اقتراحات المشغلين بهذا الشأن قبولا لدى بقية الأجراء المسرحين و ممثليهم.

و نعتقد أنه يجب عدم الأخذ بهذا الرأي على إطلاقه، إذ يطرح التساؤل عن أي حرية يقصد؟ و الحال أننا أمام اختلاف في المراكز القانونية للأطراف، طرف ضعيف و آخر قوي، و إذا كان هذا يصدق إلى حد بعيد على الدول المغربية التي تعتمد أنظمة اجتماعية للتعويض عن البطالة و توجد بها نقابات قوية مما يخلق نوعا من التوازن بين القوى الموجودة على الساحة، و بالتالي الحفاظ على حقوق الإجراء، فإن ذلك بعيد المنال في ما يسمى “بالدول السائرة في طريق النمو”، التي غالبا ما يتم التنازل و الصلح على حساب حقوق الأجراء، سواء قبل نشوء الحق لكونهم يكونون تحت رحمة المشغل، او بعد انتهاء العقد حيث يصبح الأجراء مهددين بالالتحاق بطابور الأجراء العاطلين ،و الحال أنهم في أمس الحاجة للمال لمواجهة الظروف المستقبلية كما أن التنصيص على بطلان الصلح المدني في مجال انتهاء عقود الشغل يجعل هذا الأخير لا يسعف كإطار قانوني الاتفاقات المغادرة الطوعية للعمل بإمكانية المطالبة ببطلانه من قبل الأجير استنادا إلى مقتضيات المادة 73 من مدونة الشغل و بالتالي فالبديل هو اتفاق الصلح التمهيدي النهائي في إطار المادة 41 من مدونة الشغل.

فمفتشية الشغل و في إطار معايشتها اليومية لمشاكل الإجراء و شكاويهم، تلعب دورا أساسيا في المصالحة بشأن نزاعات الشغل الفردية و الجماعية، و هو ما جعل الأجراء يطمئنون لهذه المصالحة ضمانا لحقوقهم لتسوية نزاعات بينهم و بين المشغل تحقيقا لسلم اجتماعي، الأمر الذي يستدعي الإلمام بهذه الآلية.

و أمام واقعية هذا التدخل و إيجابياته، قامت الدعوى لإسناد الصلح كإجراء أولي على يد مفتشي الشغل قبل إحالته على المحكمة بقصد المصادقة عليه، و هو ما يتضح من خلال مقتضيات المادة 41 من م ش .إلا أنه -الصلح التمهيدي- ليس إلزاميا بل أعطى المشرع للأجير الخيار بين مباشرته أمام مفتش الشغل قبل اللجوء إلى القضاء، أو التخلي عنه و رفع الدعوى مباشرة للمطالبة بالحقوق المقررة قانونا، كما يؤخذ عليه كذلك عدم فعاليته إذ في الغالب الأعم ما تكون نتيجته سلبية.

هذا، و بالرغم من الضمانات التي يوفرها الصلح القضائي أو ما اصطلح عليه بالتصالح، و المتمثلة في إجرائه أمام المحكمة التي تعاين تفاوض الطرفين، فإنه مع ذلك نجده نادر الوقوع عمليا بالرغم من أهميته، التي وصلت إلى درجة أن إغفال التنصيص على عرض محاولة الصلح يجعل الحكم وفق ما ذهب إليه المجلس الأعلى باطلا، و إذا ما تأكد نجاح هذا الصلح فإن القاضي يثبته بمقتضى أمر غير قابل لأي طعن، و يتعين تنفيذه بقوة القانون،و إن كان المشرع خول للأجير الحق في أن يثير بطلان التصالح إما للخطأ أو التدليس أو الإكراه.

و يختلف الصلح القضائي بذلك عن التوصيل عن صافي كل حساب الشيء الذي يترك المجال للأجير للطعن فيه داخل ستين يوما، ونظرا لقلة القضايا التي يم فيها التصالح، فإن ترتيب البطلان في حالة إغفاله نهائيا فيه نوع من التشدد، و يجمل بالمشروع المغربي الخد من ذلك، كما انصب الإشكال بالنسبة للقضاء الاجتماعي المغربي أيضا حول التأويل والتكييف الذي يجب إعطاؤه للمقتضيات الحماية التي تضمنتها لائحة الأخطاء المبررة لفصل الأجير، كما سيتضح بعد حين.

الفقرة الثانية: اجتهادات القضاء الإجتماعي بعد إصدار الحكم القضائي.

لا شك أن مركز المشغل في عقد الشغل يجعله دائما الجانب القوي، لما توفر له من وسائل تجعله مطمئن على مصالحه، والتي لا يؤثر عليها فيه عقد الشغل مع الأجير، وعلى العكس فإن الأجير يحاول دائما الحفاظ على علاقته مع رب العمل لاستمراره في العمل لأنه يشعر أنه جانب ضعيف في العقد وغير مطمئن على مستقبله.

فكلما عمد المشغل إلى إنهاء عقد الشغل بإرادته المنفردة، كان الأكبر الحق في إمكانية المطالبة إما بالرجوع إلى عمله أو بالحصول على تعويضات، إما عن طريق صلح تمهيدي أو قضاء أمام المحكمة المختصة.

و رغم كون منطوق الحكم الشغلية يعد النتيجة الطبيعية التي تبرر المسار الذي عرفه التسبيب القضائي، إلا أننا تصطدم في إطار نزاعات الشغل بالرغم من وحدة الموضوع و الأطراف والسبب، باختلاف النتيجة، وذلك بسبب الرخصة التي منحها المشرع للقاضي في إهمال حقه فذ الخيار بين الحكم للأجير حالة ثبوت تعسفية الفصل: إما بالرجوع للعمل او بالتعويض، و هو ما يطرح مسألة أحقية المحكمة في تجاوز طلبات الأطراف(أولا)

و إذا كان المشرع قد أفراد بابا خاصا بالمسطرة في القضايا الاجتماعية وتناولها بدءا من تحديد الجهة المختصة بالبت فيها و خصها لأحكام روعيت فيها عدة اعتبارات اقتضتها طبيعة هذه القضايا و ما تحتاج إليه إليه من عناية خاصة لتبسيط المسطرة و تقريبها من الأجير، فإن المشرع لم يخصص لتنفيذ الأحكام الصادرة في القضايا الاجتماعية أية مقتضيات خاصة تميزها عن باقي الأحكام، إذ لا نجد أية إشارة إلى تنفيذ هذه الأحكام باستثناء الإشارة إلى القوة التنفيذية للحكم وشموله بالنقاش المعجل بقوة القانون، و ما هو طرح إشكالية نطاق الأداءات التي يمكن أن تكون مشمولة بالنفاذ المعجل (ثانيا)

أولا: الخيار القضائي بين رجوع الأجير للشغل أو التعويض.

يعد الحكم بأحد الشقين أهم مميزات الطابع التدخلي للقاضي الاجتماعي في نزاعات الشغل، و الذي يجد أساسه من منطلق تشريعي، ذلك أن المشرع أجاز للقاضي في حالة ثبوت الفصل التعسفي إما النطق بإرجاع الأجير لعمله أو الحكم له بتعويض مناسب تراعى فيه جملة من العناصر. إلا أن هذه الحرية المتروكة للقاضي لا ينبغي تفسيرها أنها مجرد سلطة تقديرية بسيطة منحها له المشرع، بل هي مسؤولية جسيمة تتطلب منه الحنكة و التريث و تلزمه بأن يقدر كل نازلة حسب ظروفها، و يستحسن ألا يتسرع في إصدار الحكم إلا بعد التأكد من مآله ومصير تنفيذه.

و إذا كان القاضي في غالب الأحيان يحاول أن يحقق إرادة المشرع بخصوص إقرار مبدأ استقرار الشغل من خلال الحكم بعودة الأجير المطرود للمؤسسة التي اشتغل فيها، فإنه لا تغرب عنه معطيات الواقع و ظروفه، و التي غالبا ما تعاكس هذا الطموح، و حتى لا تنقلب الحماية التي ينشدها تطبيق هذا المبدأ في اتجاه يعاكس مصلحة الأجير، متى تبين من خلال الجلسات الأولى أو بعد إرادة تنفيذ الحكم الصادر، أن المشغل يتهرب من الانصياع للحكم القضائي القاضي عليه بالإرجاع، و الذي يشكل في حقيقته عرقلة جديدة أمام الأجير تقاضي حقوقه، خاصة و أن الأبعاد الواقعية لتطبيق مسطرة الشغل أبانت عن بطء في سيرها.

و إذا كان الواقع أن الحكم بالرجوع إلى العمل إن كان سهلا من الناحية النظرية، فإنه سيكون صعبا من حيث التنفيذ ومستحيلا في بعض الأحيان، حينما يكون الأجير بجانب المشغل، رغم هذا الأخير، إذ لا يعقل أن تبقى للمشغل أية ثقة في الأجير لا سيما إذا كان يحتل منصبا عاليا يخوله حق اتخاذ القرارات و واجب السهر على مصالح المؤسسة، وستتعرض لا محالة سلطة المشغل إلى الضعف و الاحتقار أمام الأجراء الذي ارجعوا إلى العمل رغم أنه.

ولعل المرونة التي اتسمت بها الفقرة الأخيرة من المادة 41 حينما أجازت للمحكمة إعمال حقها في الخيار بين أحد الأمرين،  هي التي أعطتها صلاحيات واسعة، إلا أن ذلك لم يخل من ظهور عدة إشكالات كان من أهم نتائجها تعارض التأويل في الحالة التي يقتصر فيها الأجير على المطالبة مثلا بالرجوع دون التعويض أو العكس، فهل المحكمة تكون مقيدة بحدود طلبات الأطراف طبقا لمقتضيات الفصل 3 من ق م م، أم أنها تكون حرة في تطبيق النص الشغلي وفق ما ترتئيه؟

فقد كان الموقف القضائي في أعلى هيئة له، متبعا للتناقضات، كان لها أثرها في ظهور بعض المبادئ الجديدة في نزاعات الشغل،.كمفهوم التعدي أو البطلان، و مفهوم الإرجاع كجزاء مدني.

و قد كان القضاء يعمد أحيانا  إلى تجاوز الحكم بالرجوع و الاقتصار على التعويض فقط حينما كان يظهر له خلال مرحلة التصالح أن لا أمل في عودة الحال إلى ما كانت عليه بين الطرفين المتعاقدين، خاصة من جانب رب العمل الذي يرى في مثوله أمام المحكمة، هذا إن حضر إهدار لكرامته، و مسا بسلطته و مكانته بين بقية الأجراء، هذا فضلا على أن الحل القضائي قد يكون الأنسب نتيجة تردد الأجير و تخوفه من الردود الانتقامية لمشغله حالة رجوعه.

و كثيرة هي الحالات التي تم فيها معاينة مأمور التنفيذ لقبول المشغلين تنفيذ قرار الإرجاع، و لكن بمجرد ما يتوارى المنفذ عن الأنظار ، إلا و يتم طرد الأجير من جديد، و هي حالة تشبه كثيرا، وضعية المرأة الناشز، التي كلما نفذ عليها الحكم لبيت الزوجية، إلا و تظاهرت بذلك، لكن بمجرد ما يحرر محضر عدم الامتناع فإنه تعاود الكرة من جديد، و تغادر البيت، ذلك أنه ليس هناك مودة بسيف، و لا حب بإكراه.

و لعل هذه الأسباب هي التي أملت على القاضي المغربي التغاضي عن طلب الرجوع و الحكم بالتعويض، مع أنه لم تتم المطالبة به متجاوزا في ذلك النصوص المسطرية التي تلزمه بالتقيد عند بثه في قضية ما، بحدود طلبات المتقاضين، إلا أنه لا يجوز إثارته -طلب الإرجاع للعمل- لأول مرة أمام محكمة النقض، الاختلاط الواقع فيه بالقانون.

كما نجد أن التناقض قائم أساسا بين النص المسطرة الذي لا يسمح بهذا التجاوز، بين المقتضيات الموضوعية المسطرة في مدونة الشغل التي تعطي للمحكمة كامل السلطة لتقرير ما شاء لها في ذلك، فينجم عن مخالفته اعتبار القاضي قد شط في استعمال سلطته بتجاهله لحدود الدعوى، ذلك أن مستنتجات الأطراف ليست إلا تعبيرا عن، إرادتهم الخاصة، و عليه فخرق القاضي لحدود الدعوى يعد تجاوزا منه لسلطته، وخرقا لقاعدة من النظام العام، و عليه فلا يمكن للقاضي أن يضيف جديدا أو ينقص منه و إلا عرض حكمه النقض لتجاوزه الحلول التي عرضها الطرفان المتخاصمان إلى حل ثالث.

و في هذا الإطار ذهب احد الفقه إلى أن الدور الإيجابي الذي أصبح يضطلع به القاضي الاجتماعي يؤهله لطلب الإطلاع على الوثائق و المستندات، و هذه المعطيات تسهل على القاضي المطالبة بإصلاح المقتل، وذلك من أجل الإشارة إلى التعويض بجانب طلب الرجوع إلى العمل حتى يتمكن من الحكم بعد ذلك عند ثبوت الفصل الغير المبرر بالحكم بأحد الطلبين، و هو ما يتضح من حيثيات قرار للمحكمة النقض الذي جاء فيه:”…و الثابت من وثائق الملف إن المدعي “المطلوب” توصل بقرار الفصل بتاريخ 11/05/2010 و تقدم بمثال افتتاحي بتاريخ 22/07/2010، يلتمس فيه بإلغاء قرار الفصل الصادر عن المدعى عليها و الحكم و الحكم تبعا لذلك برجوعه لعلمه مع ما يترتب عن ذلك قانونا و بتاريخ 23/05/2011 تقدم بمقتل إضافي يلتمس فيه الحكم له بالتعويضات المطلوبة..”.

و مع ذلك ذهب المجلس الأعلى في اتجاه مخالف في عدة قرارات مبدئية، استند فيها إلى مقتضيات مدونة الشغل و قبلها الفصل السادس من القانون الملغي، و في نطاق سلطتها التقديرية صلاحية تقرير الإرجاع، أو من الأجير التعويض المستحق متى ثبتت لها انه تم فصله تعسفيا، وذلك دونما حاجة لتعليل اختيارها، ما دام القانون منحها ذلك، و من تم فهي ليست ملزمة بإتباع الطرفين، و هو ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية ببني ملال:”و حيث إن إقدام المشغل على إنهاء عقد شغل الأجير بإرادته المنفردة دون مبرر مشروع و دون إخطار الأجير مما يكون معه الطرد متسما بالتعسف، و حيث إن طلب إرجاع الأجير اعمله يبقى مستبعد لعدم رغبة المشغل في ذلك مما يتعين معه الحكم للمدعي بالتعويضات الثلاثية عن الفصل التعسفي..”، و في حكم آخر:” و حيث إن طلب إرجاع العارض إلى عمله يبقى مستبعدا لعدم إعراب الطرف المدعى عليه عن استعداده لذلك. الأمر الذي تقرر معه منحه تعويضات عن الضرر و عن الفصل وعن مهلة الإخطار”.

إلا أن قيمة الأحكام لا تظهر إلا تنفيذها، و المحكمة يجب عليها ألا تمنح للأطراف فرصة تحقير مقرراتها، و قبل الحكم بإرجاع الأكبر إلى عمله أو الحكم للأجير بالتعويضات، يجب التفكير مسبقا في مصير هذا الحكم، فإن السرعة في تنفيذ الحكم الشغلي، وبعث الحركية فيه حماية للأجير الذي يكون في أمس الحاجة، و في وقت وجيز؛ أهلا على المشروع شموله بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وهو ما أثار إشكالية تحديد الأداءات التي تخضع لهذا المبدأ، و هو ما عرف بدوره نوعا من الانقسام القضائي، كما سنوضح ذل في (ثانيا)

ثانيا: نطاق تطبيق النفاذ المعجل للحكم القضائي.

لا يخفى على أحد أهمية التنفيذ و ما يعلقه عليه المتقاضون من آمال على اعتبار أنه هو التجسيد المادي بفعالية الجهاز القضائي، و لأنه هو وسيلة إبراز محتويات الحق المتنازع عليه و لأنه غاية كل من يطرق باب القضاء.

إلا أنه برجوعنا إلى مدونة الشغل و قانون المسطرة المدنية في بابه الخاص بالمسطرة الاجتماعية لا نجد أية إشارة إلى تنفيذ هذه الأحكام باستثناء الإشارة إلى القوة التنفيذية للحكم وشموله بالنفاذ المعجل بقوة القانون.

لقد عرف تطبيق الفصل 285 من ق م م المتعلق بشمول قضايا عقود الشغل و التدريب المهني بالنفاذ المعجل بقوة القانون اختلافا في التأويل، ذلك من حيث مدى إمكانية تعميمه على كل المستحقات التي للأجير بما فيها التعويض عن الفصل التعسفي.

و يظهر من خلال دراسة بعض القرارات أن قضاة المجلس الأعلى لم يستقروا على موقف ثابت و موحد، إذ تأرجح العمل القضائي بين شمول الأداءات المستحقة للأجير و من بينها الأجر و مختلف التعويضات بالنفاذ المعجل، و بين قصر تطبيق هاته القاعدة على الأجر و توابعه دون بقية المطالب، غير أنه في الآونة الأخيرة أعطى المجلس المذكور لنفسه الحق في  إيقاف هاته الأحكام لمقتضيات الفصل381 من ق م م، و الحال أن ذلك يتعارض مع الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق م م التي تمنع إيقاف القضايا المشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون.

ويتضح من خلال استقراء أحكام محاكم الدرجة الأولى، أن هاته  الأخيرة سارت في غالبيتها في اتجاه يعتبر هاته القضايا مشمولة بالنفاذ المعجل، وقد درجت على تذييلها بالصيغة التنفيذية و هو الأمر الذي أصبح من باب المسلمات بل إن المصالح كتابة الضبط كانت تعتمد تلقائيا إلى الشروع في هذا التنفيذ بالرغم من افتقار الحكم للصيغة المذكورة فجهاز كتابة الضبط لم يكن يتعرض على التنفيذ بمجرد ما يتأكد أن الحكم صدر في المادة الاجتماعية، بل إن هذا الجهاز لم يكن في حاجة الانتظار مرور لأجل الخاص بمواقيت الطعن، أو الإدلاء بشهادة عدم التعرض و الاستئناف للبدء في عملية التنفيذ لإدخاله هاته القضايا في عداد القضايا الاجتماعية، و التي نص المشرع أنها تكتسي قوة التنفيذ بقوة القانون، رعاية لمصلحة معينة، و فئة من المتقاضين ارتأى المشرع جدارتها بذلك، خاصة فئة الأجراء لما قد تعرض له من ضرر من جراء التأخير في التنفيذ لمدة طويلة و من تم فإن الإجراء لما قد تتعرض من ضرر جراء التأخير لمدة طويلة، و من تم سرعة التنفيذ تخدم مبدأ استقرار الشغل، كذا الأجير القار، و عليه فقاعدة النفاذ المعجل القانوني توازي في قيمتها المكتسبات الأخرى التي غنمها الأجراس في الميدان الإجرائي كالمساعدة القضائية بقوة القانون، و القاعدة قلب عبء الإثبات، أو كالتزام الخلف الخاص بالالتزامات السلف حالة تغيير المركز القانوني للمشغل.

و مع كل هذا نجد أن القضاء المغربي أعطى لنفسه حق الإيقاف الأداءات المشمولة بنفاذ معجل في جانبها المتعلق بالتعويض عن الفصل التعسفي بالرغم من صراحة النص فأقر المجلي الأعلى أن الحقوق المستمدة بمقتضى نصوص تشريعية التي تستفيد من الامتياز القانوني، أما التعويض عن الفصل التعسفي و الخاضع لتقدير المحكمة فهو لا يشمل بالنفاذ المعجل بقوة القانون،و فرض قضاة الموضوع أن يبينوا في حكمهم الظروف التي استندوا إليها في الأمر بالنفاذ المعجل لهاته التعويضات و ذلك تطبيقا للفصل 147 من م ق م م .

و يشكل هذا المنحى القضائي محاولة لتأصيل القرارات الصادرة في هذا الشأن، خاصة و أن النزعة الشرعوية للقضاة دفعت البعض الآخر إلى محاولة استلهام التفسير من روح الفصل 20 من ق م م المتعلق باختصاص المحاكم و القضايا الاجتماعية.

فحدد نطاق تطبيق الفصل 285 من ق م م بالنسبة لقضايا عقود الشغل السارية أثناء النزاع، والتي حصرها في أجرة أيام العمل و أجرة الشهر الثالث عشر والعمولات و المشاركة في الأرباح، و الساعات الإضافية، و مكافأة الإنتاج و العطلة السنوية، والتعويضات العائلية، و المنح السنوية، و منح شهادة العمل، في حين أدخل الطلبات التي تقدم بعد انتهاء عقد الشغل لأي سبب كان في نطاق نزاعات الشغل أو خلافاته، إذ لم يعد بالإمكان أن يطلق عليها قضايا عقود الشغل، مادام أن عقد الشغل قد فسخ.

هذا بالنسبة للأجير، فما هي مظاهر حماية المشغل عند مرحة إنهاء عقد الشغل؟

المبحث الثاني: مظاهر حماية المشغل خلال مرحة إنهاء عقد الشغل.

إذا كان المشرع المغربي قد نظم حالات توقف عقد الشغل من خلال المادة 32 من مدونة الشغل و التي جاء من أجل مصلحة الأجير

فإن هناك نوعا آخر من حالات توقف عقد الشغل تؤكد حماية المشغل والمقاولات بصفة خاصة، إذ اشتدت الأزمة الاقتصادية والمالية إليها إلى الحد الذي يهددها بالتوقف عن الدفع و يخلق هذا النوع من التوقيف الاقتصادي الذي لا يعدو أن يكون في مظهره سوى التقليص الكلي لمدة الشغل لأجل محدد رهبن بالاتفاق أو بزوال الأزمة الاقتصادية العابرة.

إن المشرع لم ينظف هذا الاستثناء من التوقف إلا باستثناء الإشارة الطفيفة الواردة في الفقرة السابعة من المادة32  من مدونة الشغل ” الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة”.

فعلاقات الشغل سواء كانت فردية أو جماعية تتسم بطابع اقتصادي أو اجتماعي و تنطلق عادة من تعاقد بين مشغل و أجير سوف بعقد الشغل، هذا العقد يعتبر من عقود المدة ليس بالعيد الأبدي.

فهو له بداية و نهاية، وهذه المسألة بديهية أكدتها مقتضيات الفصل 728 من ق ل ع.

إن إنهاء عقد الشغل يختلف باختلاف عقود الشغل، و هكذا نجد المشرع من خلال المادة 33 من مدونة الشغل ينص على إنهاء عقد الشغل المحدد المدة بحلول الأجل المحدد له أو بانتهاء الشغل الذي كان محلا له.

أما العقد الغير محدد المدة فقد أكد المشرع في المادة 43 من مدونة الشغل على أنه ينتهي بإرادة منفردة شريطة احترام أجل الإخطار ما لم يصدر خطأ جسيم من الطرف الآخر.

مهما اختلفت أنواع عقود الشغل و أسباب انتهائها فإن النتيجة تبقى موحدة وهي إنهاء العلاقة الشغلية بين الأجير والمشغل مع ما ينتج عن ذلك من أثار، فما هي الضمانات التي جاء بها مدونة الأسرة والاجتهاد القضائي لحماية المشغل سواء على مستوى مساطر الإنهاء؟(المطلب الأول)أوعلي مستوى التعويضات المهزلة للمشغل؟ (المطلب الثاني).

المطلب الأول: على مستوى مساطر الإنهاء.

سعيا وراء تحقيق الغرض المرجو من المقاولة وهو تحقيق الربح، يلزم تحقيق مجموعة من العناصر أهمها قيام الإجراء بمهامهم على أحسن وجه وتنفيذ التعليمات الموجهة لهم من طرف المشغل الذي أعطاه المشرع السلطة التأديبية تمكنه من توقيع الجزاء على كل أجير أخل بالتزاماته المهنية أو خالف قواعد  القانون الداخلي أو التعليمات الموجهة إليه في إطار العلاقة التبعية، و حتى تكون هذه السلطة التأديبية أكثر مشروعية ألزم المشرع المشغل باتباع مجموعة من المساطر والإجراءات لتنفيذ التأديب على الأجير الذي أخل بالتزاماته و الذي قد يصل إلى إنهاء عقد الشغل.

فالمشغل يستأثر بتنفيذ سلطته سواء كان الفصل فرديا في حالة الخطأ الجسيم أو جماعيا في حالة تعرض المقاولة لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية.

الفقرة الأولى: الفصل الفردي للأجير

إذا كان المشغل يتمتع بسلطة واسعة في تشغيل الإجراء سواء بواسطة التشغيل المباشر أو عن طريق وكالات التشغيل الخصوصية، فإن المشرع خول له إمكانية لا تقل أهمية عن سابقتها و متمثلة أساسا في فصل كل أجير يستدعيه السير العادي للمقاولة.

لكن هذه العملية تتطلب مسطرة تختلف باختلاف دوافع و أسباب الفصل و كذا بتنوع العقود المبرمة بين الطرفين.

فإذا كانت مسطرة فصل الأجير في العقود غير المحددة المدة تتضمن نوعا من الليونة و المرونة لصالح المشغل، كحقه في فصل الأجير لارتكابه أخطاء غير جسيمة متعاقبة وفتح لائحة الأخطاء الجسيمة و تركها على سبيل المثال لا الحصر.

أولا: حق المشغل في لفصل الأجير المرتكب لأخطاء غير جسيمة متعاقبة.

أكد المشرع المغربي من خلال المادة 35من مدونة الشغل أن فصل الأجير يكون مقبولا إذا كان مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه، و بالتالي يكون هذا مصدر للسلطة التأديبية للمشغل باعتباره الرئيس الفعلي والطبيعي للمقاولة.

و قد اختلف فقهاء القانون الاجتماعي اختلافا حول أساس السلطة التأديبية التي يتمتع بها المشغل داخل المؤسسة، لقد ذهب بعضهم إلى إسنادها إلى حق الملكية و ذهب بعضهم إلى إسنادها إلى الأعراف المهنية و ذهب البعض الآخر إلى أنها تفويض الدولة لحقها في العقاب في بعض التجمعات أو التنظيمات التي تنشأ في سندها في نظرية المؤسسة، و لعل أهم التيارات الفقهية بالنسبة لهذا الموضوع هو ذلك الذي يبني تلك السلطة على نظرية التبعية القانونية التي تنتج مباشرة عند إبرام العقد.

و حتى لا يجد الأجير نفسه تحت رحمة السلطة التأديبية للمشغل خاصة يتعين عليه أن يطيع هذا الأخير و ينفذ تعليماته طبقا لما ينص عليه الفصل 738 من ق ل ع.

لكن لابد لممارسة المشغل لسلطته التأديبية من سبب يبرر ذلك فهو الخطأ التأديبي الذي يرتكبه الأجير و يجب أن ينظر إليه إليه في علاقته بالمقاولة بمعنى أنه يجب أن تكون الخطأ صلة بالنشاط المهني، و يمكن أن يؤثر على مصلحة المقاولة.

والخطأ أصناف إما أن يكون جسيمة و قد يكون غير جسيم لكن إذا كان الخطأ الجسيم يستوجب الفصل النهائي المباشر فإن الخطأ الغير جسيم يستوجب عقوبات متدرجة و متعاقبة و التي قد تعطي للمشغل الحق في الفصل في حالة تعقبها خلال مدة من الزمن.

وهكذا نجد المشرع في المادة 37 من مدونة الشغل ينص على مجموعة من العقوبات التأديبية جاءت متدرجة إلا أنها غير ملزمة بالنسبة للمشغل لكون أن المشرع استهل النص بعبارة “يمكن” و ذلك يعني أن المشغل غير ملزم بتطبيق هذه العقوبات و إمكانية الاستعانة عنها بعقوبات أخرى واردة في النظام الداخلي للمقاولة أو اتفاقية الشغل الجماعية.

وهنا تبرز المرونة المخولة للمشغل حتى في تطبيق العقوبة، فرغم أن المشرع حدد العقوبات على سبيل الحصر فقد ترك للمشغل مجالا لإعمال سلطته التقديرية و التأديبية، و إذا كان المشرع قد ألزم المشغل بتطبيق مقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل بشأن العقوبتين الواردتين في الفقرة 3 و4  من جهة أخرى خول حق فصل الأجير بعد استنفاذ العقوبات الواردة في المادة 37 داخل سنة وذلك حسب مقتضيات المادة 38 من مدونة الشغل و يكون الفصل آنذاك مبررا.

ثانيا: تعدد الأخطاء الجسيمة.

إذا كان المشرع المغربي لم يعرف الخطأ الجسيم سواء في تشريع الشغل السابق أو مدونة الشغل، فإنه قام بتوحيد مصطلح “الخطأ الجسيم” في المدونة و تخلى عن باقي المصطلحات الأخرى التي عرفها قانون الشغل السابق كالخطأ الشنيع و الخطأ الفادح و العفو القوية.

وذلك عكس محكمة النقض الفرنسية التي قامت بتعريف الخطأ الجسيم بكونه الخطأ الذي يجعل علاقة العمل مستحيلة الاستمرارية بين المشغل و الأجير المخطئ و استقر على هذا المفهوم في العديد من قراراتها، بل قررت أحيانا أنه الخطأ الذي يجعل علاقة المشغل مستحيلة.

رغم كون المشرع المغربي لم يعرف الخطأ الجسيم إلا أنه حدد حالات اعتبرها نماذج عن الأخطاء الجسيمة، فقد وضع لنا المشرع من خلال المادة 34 من مدونة الشغل لائحة السلوكيات التي اعتبرها بمثابة أخطاء جسيمة تؤدي إلى الفصل بدون تعويض، وذلك حماية للمقاولة من كل ما من شأنه أن يعرقل سيرها العدية.

و هذه الأخطاء جاءت على سبيل المثال لا الحصر وبالتالي يمكن للمشغل حسب سلطته التأديبية أن يتخذ قرار باعتبار أحد الأفعال التي ارتكبها الأجير خطأ جسيما، و كل ما في الأمر أن هذا القرار يبقى خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي لسد كل الثغرات التشريعية أو النصوص القانونية الغامضة.

  • المحافظة على السر المهني
  • عدم المنافسة

الفقرة الثانية: الفصل الجماعي للأجراء أو الجزئي.

قام المشرع المغربي بتنظيم شروط الشغل و ظروفه و مدته و أيضا بتنظيم إنهاء عقود الشغل سواء بطريقة فردية أو جماعية، و ذلك من خلال مجموعة من النصوص القانونية، نظرا لما قد تتعرض له المقاولة من الصعوبات الداخلية أو الخارجية توقعها في التوقف عن الدفع، مما يضطر معه المشغل لإنقاذ المقاولة بأخف الأضرار، فليلجأ لإجراء جزئي أو كلي مؤقت، وهكذا خصص المشرع الفرع السادس من الباب الخامس من الكتاب الأول من مدونة الشغل المسطرة فصل الأجراء، و المشرع كعادته لم يبخل على المشغل في هذا المجال بإدخال مقتضيات جديدة تهم المقاولة بالدرجة الأولى، كتوسيع نطاق المقاولات المستفيدة من فصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية المادة 66 من مدونة الشغل، كما ألقى على الأجير عدة  التزامات بعد فصله من الشغل لأسباب سالفة الذكر، نذكر منها:

المطلب الثاني: على مستوى التعويضات المخولة للمشغل.

 

جاء الفصل 728 من ق ل ع “انه يبطل كل اتفاق يلتزم بمقتضاه الشخص بتقديم خدماته طوال حياته”.

كما جاء في المادة 33 من مدونة الشغل على أنه”ينتهي عقد الشغل المحدد المدة بحلول أجله المحدد العقد أو بانتهاء الشغل الذي كان محلا له”.

أما المادة34 من مدونة الشغل أعطت الإمكانية لكل من الأجير لإنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة بإرادة منفردة شريطة مراعاة اجل الإخطار.

من خلال هذه النصوص يتضح أن عقد الشغل يعتبر من العقود الإلزامية و بالتالي مهما طال أمده فلا بد من نهاية التي تختلف باختلاف أنواع العقود و ظروف و وضعية كل مقاولة و المشغل أو الأجير.

و قد يكون الإمضاء اتفاقيا أو رضائيا بين الطرفين سواء كان العقد محدد المدة أو غير محدد المدة و قد يكون انفراديا كتقديم الأجير للاستقالة قبل إنهاء مدة العقد أو تأديبا من طرف المشغل كالفصل لأسباب اقتصادية أو هيكلية أو تكنولوجية و هذه الحالات و الحالات الأخرى تبقى خاضعة لمراقبة القضاء و بالتالي الحكم بالتعويض المستحق الطرف المتضرر من هذا الإنهاء.

و إن كان جل الفقه يذهب إلى اعتبار الأجير الطرف الضعيف في المعادلة فإن حمايته من طرف القوي ألا و هو المشغل فإن مدونة الشغل و على الأقل في هذا الباب سوت بين الأجير والمشغل حيث جاء في الفقرة 2 من المادة 33 من مدونة الشغل”يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الشغل محدد المدة، قبل حلول أجله تعويضا للطرف الآخر ما لم يكن الإنهاء مبررا بصدور خطأ جسيم عن   الآخر أو ناشئ عن قوة قاهرة”.

فكما يمكن أن يستفيد الأجير من التعويض في حالة إنهاء عقد الشغل محدد المدة من الطرف المشغل قبل حلول أجله فإن المشغل يستفيد هو الآخر من نفس الامتياز.

كما جاء في المادة 41 من مدونة الشغل “يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الآخر العقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر.

أضف إلى ذلك ما ورد في المادة 43 من مدونة الشغل “إذا كان إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة كان يكون مبنيا على احترام آجل الإخطار ما لم يصدر خطأ جسيم عن الطرف الآخر

وحسنا فعل المشرع بوضعه لهذه المقتضيات التي تسوي بين الأجير و المشغل في الحصول على تعويضات، فكما يمكن أن يتضرر الأجير من الإنهاء التعسفي بعد الشغل فنفس الشيء قد يحصل للمشغل الذي قد يسبب له هذا الإنهاء التعسفي بتوقف نشاط المقاولة أو عرقلتها أو تأخر في الإنتاج مع ما قد يترتب عن ذلك من خسائر في حالة إيران المشغل عقود التوريد مع بعض المقاولات الأخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

على امتداد الصفحات السابقة حاولنا قدر الإمكان معالجة موضوع مظاهر حماية الأجير و المشغل على ضوء الاجتهاد القضائي ومقاضيات مدونة الشغل خلال مرحلة إنهاء عقد الشغل، باعتباره من المواضيع الهامة التي حضت باهتمام التشريع والقضاء وكذا الفقه،من خلال تطويعها وجعلها مسايرة للتحولات الاقتصادية و الاجتماعية التي تمر منها المقاولة، أو من خلال ابتداع مبادئ خاصة، فتوقنا عند ضرورة الربط، ربط الأجير بالمؤسسة أكثر منها بالمشغل، في حالة تغيير المركز القانوني لهذا الأخير ، و أمام الهشاشة هاته الرابطة أبرزنا موقف القضاء وكيف عمل على خلق حالات غير واردة في المادة 19 من مدونة الشغل ضمانا لاستقرار العلاقة الشغلية، لما فيه من حماية للأجير و كذا المشغل، وتحقيقا للطمأنينة لهما، تدخل القضاء لإضفاء الوصف الحقيقي على العقد المبرم لكشف تحايل المشغلين في إبرام عقود الشغل، كما أمتد القضاء لبسط حمايته للأجير إلى ظروف الشغل وتكريس المقتضيات التشريعية الحمائية للأجير باعتباره الطرف الضعيف.

كما توقفنا بنوع من التفصيل عند الرقابة القضائية على تأديب الأجير، و أبرزنا كيف أن القضاء عمل على بلورة مفهوم جديد لصلاحيات المشغل و سلطاته في إدارة مشروعه، مفاده أن المشغل ليس هو الحكم الوحيد في المؤسسة و إنما يمارس سلطاته تحت رقابة القضاء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع

 

  • يوسف حنان:” المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية: دراسة مقارنة
  • الوالي حميد:” قواعد المسطرة في مادة نزاعات الشغل الفردية و الإشكاليات التي يطرحها قانونا و عملا.
  • رشيد تاشفين:“آثار الصلح و قوته الثبوتية”، مقتل منشور بمجلة البحوث ع 10، 2011 ص14.
  • محمد المكي:”الصلح في نزاعات الشغل بين التشريع والقضاء”، في رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس السويسي-الرباط، السنة الجامعية 2008/2009.
  • عز سعيد:“العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية”
  • عليا لصقلي:”أداء الأجر و ضماناته القانونية، م س ص161
  • قرار محكمة النقض، عدد 508، بتاريخ 19 فبراير 2015 في الملف الاجتماعي 452/5/1/201،
  • فيصل لعموم و بدر الإدريسي:“تنازل الأجير عن حقوقه من خلال عقد الشغل على ضوء العمل القضائي و التشريع المغربي” مداخلة بالندوة التاسعة ، م س ص 306.
  • قرار المجلس الأعلى، عدد 5، بتاريخ 13 يناير 2001، ملف اجتماعي عدد 528/1/5/2000، المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات ع 4، يناير 2004، ص48.

أمينة رضوان:“جزاء مخالفة النظام العام في قانون الشغل”، ص18

  • قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 211، 18/1/1981، في الملف الاجتماعي عدد 1984/1987، غير منشور أورده: محمد معزوز:“خصوصية الصلح والمصالحة في نزاعات الشغل”، م س،ص69.
  • عبد العالي بناني اسميرس:”دور مفتشية الشغل و أثره على القضاء الاجتماعي”,مداخلة بالندوة الثانية للقضاء الاجتماعي.ص225.
  • المصطفى سهم:” دعوى الخيار بين الرجوع إلى العمل و التعويض عن الطرد التعسفي” مداخلة بالندوة الثانية للقضاء الاجتماعي ص 201-202
  • محمد الشرقاوي:“علاقات الشغل بين أحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل”.
  • سعيد الكوبي:“تنفيذ الأحكام الاجتماعية في التشريع المغربي”، الطبعة الأولى، مطبعة دار القلم -الرباط؛دجنبر 2002، ص16.
  • محمد سعيد بناني:“علاقات الشغل الفردية”ص228.
  • قرار محكمة النقض، عدد 2338، بتاريخ 19 نونبر2005، في الملف الاجتماعي 900/5/1/3/2013.
  • حكم ابتدائية بني ملال، عدد 147، بتاريخ 27/09/2010، ملف منازعات الشغل ، رقم 19/1501/2010, غير منشور.
  • موسى عبود:“دروس في القانون الاجتماعي”ص212
  • محمد عطاف:“أحكام التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية من خلال النصوص القانونية و العمل القضائي”مداخلة بالندوةالثانية للقضاء الاجتماعي ص 299.
  • عبد العزيز العتيقي: القانون الاجتماعي المغربي طبعة 2011-2012.
  • الحاج الكوري: مدونة الشغل الجديدة، القانون رقم 99-65 أحكام عقد الشغل السنة 2004.
  • نادية النحلي: محاضرات في قانون الشغل، مسلك الشريعة و القانون، جامعة القرويين كلية الشريعة فاس الطبعة 2011-2012.
  • محمد الكشبور: إنهاء عقد الشغل، مع تحليل مفصل لأحكام الفصل التعسفي للأجير ، دراسة تشريعية قضائية مقارنة، مطبعة دار النجاح، الجديدة-طبعة 2008. الدار البيضاء.
قد يعجبك ايضا