النسخة الـ60 لمؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا

النسخة الـ 60 لمؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا

 بين تفاقم المخاطر الأمنية الحديثة وأسباب غياب مشاركة لكل من روسيا وإيران

د. محمد البغدادي

باحث في العلوم القانونية

بكلية الحقوق بطنجة

 

مقدمة:

لقد شكلت النسخة ال 60 لمؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا المنعقدة في الفترة الممتدة ما بين 16 و18 فبراير 2024 قفزة نوعية في التعاطي مع مختلف الملفات الحارقة والمعقدة التي عمرت عبر مر العقود والأزمان والعصور، وذلك في ظل كسب تحديات التوترات المتفاقمة بين واشنطن وبكين وجولة الرئيسي الأوكراني إلى كل من ألمانيا وفرنسا من أجل الحصول على الدعم العسكري ووضع استراتيجية أوروبية لزيادة الإنفاق الدفاعي والتعاون العسكري المشترك ودمج أوكرانيا ضمن برامج الدفاع الأوروبية، وانضمام  كل من فنلندا والسويد إلى حلف النيتو من جهة، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد المخاطر الأمنية الحديثة وانعكاساتها على سيادة الدول وعلى أمن وسلامة المجتمعات والشعوب والأمم، وكذا ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتزايد نسب التضخم من جهة أخرى.[1]

وجدير بالذكر بأن وسط التنافس الجيو سياسي المتزايد والتباطؤ الاقتصادي العالمي، أصبحت الجهات الفاعلة الرئيسية في مجتمع عبر الأطلسي، وفي الأنظمة القوية، وفي ما يسمى بالجنوب العالمي، غير راضية عما تعتبره توزيعًا غير متكافئ للمنافع المطلقة للنظام الدولي. ومن وجهة نظر العديد من الدول النامية، فإن النظام الدولي لم يفي قط بوعده بتنمية المنافع لصالح الجميع. وتشعر الصين، التي ربما تكون المستفيد الأكبر من النظام الاقتصادي الليبرالي، وغيرها من المنافسين، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تقليص تطلعاتهم المشروعة وتضغط بقوة من أجل الحصول على حصة أكبر من المصالح، وهذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش خلال تقديم كلمته في مؤتمر ميونيخ للأمن لسنة 2024، حيث شدد في كلمته أمام المؤتمر على أن الحوكمة العالمية في شكلها الحالي تعزز الانقسامات وتؤجج السخط، وأضاف أن العالم يواجه تحديات وجودية إلا أن المجتمع الدولي منقسم أكثر من أي وقت مضى خلال الخمسة والسبعين عاما الماضية.[2]

ويراد بالنسخة ال 60 لمؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا على أنها المؤتمر الدولي الذي يدرس طبيعة البيئة الأمنية الجديدة وحجم المشكلات والمعضلات الجيوسياسية الجارية في نظام دولي متعدد الأقطاب، بما في ذلك مخاطر الذكاء الاصطناعي على اقتصادات الدول والغزو الروسي على أوكرانيا وحرب غزةـ وأزمة المناخ والهجرة، حيث تأسس سنة 1963 على يد إيفلد هاينريش فون كلايشت وهو ضابط سابق في الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية [3]، والذي كان يسمى سابقا بمؤتمر اجتماع العلوم العسكرية الدولي، وكذا مؤتمر للدبابات والصواريخ المضادة.[4]

واعتبارا لأهمية ومكانة موضوع مؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا في البحث عن السياسية الأمنية الدولية وضمان الأمن الدولي وتحقيق السلم العالمي، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيمايلي:كيف يكمن لمؤتمر ميونيخ للأمن أن يحقق الأهداف المسطرة ؟

وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: كيف تفاقمت المخاطر الأمنية الحديثة في صلب أجندة مؤتمر ميونيخ للأمن؟ وما هي أسباب غياب مشاركة لكل من روسيا وإيران ؟

ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد التقسيم التالي

المبحث الأول: تفاقم المخاطر الأمنية الحديثة في صلب أجندة مؤتمر ميونيخ للأمن

المبحث الثاني: أسباب غياب مشاركة لكل من روسيا وإيران في مؤتمر ميونيخ للأمن

 

المبحث الأول: تفاقم المخاطر الأمنية الحديثة في صلب أجندة مؤتمر ميونيخ للأمن

من المؤكد أن مؤتمر ميونيخ للأمن يشكل منصة للتباحث بشأن السياسات الأمنية الدولية، حيث انطلق يوم الجمعة 16 فبراير 2024، والذي يشارك فيها 250 متحدثا، 27 بالمئة منهم من جنوب الكرة الأرضية.

وعليه، سوف نتطرق إلى الغزو الروسي على أوكرانيا وحرب غزة والتسلح النووي في المطلب الأول والذكاء الاصطناعي وأزمة المناخ والهجرة غير النظامية في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الغزو الروسي على أوكرانيا وحرب غزة والتسلح النووي

معلوم أن السياسة الأمنية الدولية تضع الغزو الروسي على أوكرانيا وحرب غزة والتسلح النووي على رأس أولويات أجندة الدورة  60 لمؤتمر ميونيخ للأمن لسنة 2024، وذلك في خضم هشاشة وضعف النظام الأمني في أوروبا، حيث أن هذا المؤتمر يعالج إشكالية الأمن في أوروبا خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية توقفت عن الإمدادات العسكرية، كما أن ألمانيا تدق ناقوس الخطر من خلال تراجع تطوير الترسانة العسكرية، خاصة أن برلين تدفع فرنسا وبريطانيا للدفاع عنها نوويا.

وفي هذا السياق، فإن حرب غزة بدورها هي كانت محطة نقاش واسع من لدن زعماء وقادة العالم داخل مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث مازالت دولة إسرائيل تستمر في هجماتها العدوانية على فلسطين دون رحمة أو رأفة[5].

المطلب الثاني: الذكاء الاصطناعي وأزمة المناخ والهجرة غير النظامية

إلى جانب الغزو الروسي على أوكرانيا وحرب غزة، هناك مخاطر أمنية جديدة بدأت تظهر على السطح، بما في ذلك تأثير الذكاء الاصطناعي والمناخ والهجرة غير النظامية على اقتصادات الدول والمجتمعات والأفراد، الأمر الذي يجب وضع آليات التشاور السياسي والتنسيق الأمني والتعاون العسكري والقضائي لمواجهة هذه الظواهر التي أصبحت عابرة للقارات.

وفي هذا الباب، اتفق زعماء وقادة الدول في العالم على تخصيص ميزانيات كبيرة واستراتيجيات أمنية مبنية على منطق رابح رابح والتنمية المشتركة للحد من تطور هذه المخاطر والتهديدات والتحديات الغير المعروفة والمعلومة.[6]

 

المبحث الثاني: أسباب غياب مشاركة لكل من روسيا وإيران في مؤتمر ميونيخ للأمن

لقد أصبح الرهان الأساسي اليوم بالنسبة لمؤتمر ميونيخ للأمن هو وضع توازنات جيوسياسية جديدة في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب، وذلك تماشيا مع التحولات والتطورات الجيواستراتيجية التي عصفت بالعالم.

وتبعا لذلك، سوف نتناول الهيمنة الغربية في المطلب الأول والتحالف الروسي الإيراني في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول: الهيمنة الغربية

ليس هناك من شك أن الإجابات والردود الروسية بشأن الطرح الكتابي الأمريكي بشأن المخاوف الجيو السياسية والضمانات الأمنية بتاريخ 17 فبراير 2022، تشهد نقاشات وانشقاقات وتجاذبات بين بوتين وبايدن بشأن تطورات ومجريات الأزمة الأوكرانية من جهة، وتوترات وانقسامات أوروبية بشأن العقوبات المنصبة على روسيا من جهة أخرى، هذا فضلا عن المحاولات السياسية والمساعي الدبلوماسية الحثيثة سواء تعلق الأمر بالدولة التركية أو الدول الأوروبية الوازنة كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وكذا طرد نائب السفير الأمريكي من روسيا بارت غورمان بتاريخ 17 فبراير 2022 .

وتجدر الإشارة إلى أن الطرح الروسي يتمثل أساسا في اقتراح تطوير معادلة جديدة للأمن، وعدم انسحاب قواتها العسكرية من داخل أراضيها، وتعارض سياسة الأبواب المفتوحة للناتو مع مبدأ عدم تعزيز أمن أي طرف على حساب أمن الآخرين، ووجوب سحب القوات والأسلحة الأمريكية من وسط أوروبا وشرقها ومن دول البلطيق، وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو[7].

المطلب الثاني: التحالف الروسي الإيراني

من الواضح جدا أن غياب روسيا وإيران في النسخة ال60 لمؤتمر ميونيخ للأمن يتمثل في معارضة الهيمنة الغربية بقيادة الهيمنة الغربية من خلال إعطاء المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي الخامني إشارات لتحول حاسم في دفة العلاقات الإيرانية نحو الصين وروسيا، وذلك حين أعلن في 19 فبراير 2018  أنه “في السياسة الخارجية أولوياتنا اليوم تفضيل الشرق عن الغرب ، وكان ذلك مستغريا لكون أبرز الشعارات خلال ثورة الإسلامية عام 1979 لا شرق ولا غرب، وهو ما يدل إن إيران نفذ صبرها من الغرب ، خصوصا في ظل الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية التي تعاني منها.[8]

 

الخاتمة:

وبناء على ذلك، يتضح أن الدورة 60 لمؤتمر ميونيخ للأمن جاء في إطار مجموعة من المتغيرات العالمية والتطورات الإقليمية الجارية في نظام دولي متعدد الأطراف، وذلك في خضم تضارب وتعارض مصالح بين الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتكتل الروسي الصيني.

وينبغي الإشارة إلى أن توصيات أجندة مؤتمر ميونيخ للأمن تندمج في إطار الحلول الدبلوماسية والسياسية والتنموية بعيدا عن اعتماد سياسة الكيل بالمكيالين وازدواجية المعايير.

 

لائحة المراجع:

المقالات:

  • تسعديت كلاليش، التحالف الروسي الإيراني في الشرق الأوسط بعد سنة 2011، مجلة دراسات وأبحاث، العدد 4 ، جويليه 2021، ص:560.

البرامج التلفزيونية:

  • مداخلة أولريش بروكنر، قمة ميونيخ للأمن تأتي وسط استقطاب عالمي حاد، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 17 فبراير 2023.
  • مداخلة جاسم محمد، أمن دولي ـ مؤتمر ميونخ للأمن ـ 60 ـ ماذا وراء عدم دعوة روسيا وإيران؟، مشاركة في برنامج قناة الميادين، يوم 17 فبراير 2024.
  • مداخلة جاسم محمد، مؤتمر ميونخ للأمن : النتائج والمقررات ، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 20 فبراير 2022.
  • مداخلة جول روبين، قمة ميونيخ للأمن تأتي وسط استقطاب عالمي حاد، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 17 فبراير 2023.
  • مداخلة يوسف القليوبي، هل يتمكن مؤتمر ميونيخ من إخماد نار الحروب؟، مشاركة في برنامج قناة عربية DW، يوم 16 فبراير 2024.
  • مداخلة ناصر زهير ، مؤتمر ميونخ للأمن .. زيلينسكي يطلب مزيدا من الدعم وشولتس يحذّر من حرب مباشرة من روسيا، مشاركة في برنامج قناة أخبار العربي، يوم 17 فبراير 2023.
  • مداخلة نزار بوش، قمة ميونيخ للأمن تأتي وسط استقطاب عالمي حاد، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 17 فبراير 2023.
  • مداخلة عبد العزيز بن صقر، مؤتمر ميونخ للأمن.. هل يؤسس لمقاربات أمنية غربية جديدة؟، مشاركة في برنامج قناة عربية DW، يوم 16 فبراير 2024.
  • مداخلة عماد الدين حسين، هل يتمكن مؤتمر ميونيخ من إخماد نار الحروب؟، مشاركة في برنامج قناة عربية DW، يوم 16 فبراير 2024.
  • مداخلة عصام لعروسي، التحديات الأمنية في العالم، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 فبراير 2024.
  • مداخلة فيانشيسلاف ماتزوف، مؤتمر ميونخ للأمن .. زيلينسكي يطلب مزيدا من الدعم وشولتس يحذّر من حرب مباشرة من روسيا، مشاركة في برنامج قناة أخبار العربي، يوم 17 فبراير 2023.
  • جاسم محمد ،-تقرير أمن دولي ميونيخ للأمن- ،خسارة الأمن الدولي، منشور في موقع الموقع المركز الأوروبي لدراسات  مكافحة الإرهاب والاستخبارات بتاريخ 18 فبراير 2024.

 

الإحالات والمراجع:

[1] مداخلة عصام لعروسي، التحديات الأمنية في العالم، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 فبراير 2024.

[2] جاسم محمد ،-تقرير أمن دولي ميونيخ للأمن -،خسارة الأمن الدولي، منشور في موقع الموقع المركز الأوروبي لدراسات  مكافحة الإرهاب والاستخبارات بتاريخ 18 فبراير 2024، ص:1.

[3] وينبغي التذكير إلى أن الهدف من تأسيس مؤتمر ميونيخ للأمن من طرف إيفلد هاينريش فون كلايشت هو مواجهة خطر الصراعات العسكرية.

[4] مداخلة ناصر زهير ، مؤتمر ميونخ للأمن .. زيلينسكي يطلب مزيدا من الدعم وشولتس يحذّر من حرب مباشرة من روسيا، مشاركة في برنامج قناة أخبار العربي، يوم 17 فبراير 2023. وللمزيد من التوضيح راجع مداخلة أولريش بروكنر، قمة ميونيخ للأمن تأتي وسط استقطاب عالمي حاد، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 17 فبراير 2023. ومداخلة جول روبين، قمة ميونيخ للأمن تأتي وسط استقطاب عالمي حاد، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 17 فبراير 2023. ومداخلة نزار بوش، قمة ميونيخ للأمن تأتي وسط استقطاب عالمي حاد، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 17 فبراير 2023. ومداخلة فيانشيسلاف ماتزوف، مؤتمر ميونخ للأمن .. زيلينسكي يطلب مزيدا من الدعم وشولتس يحذّر من حرب مباشرة من روسيا، مشاركة في برنامج قناة أخبار العربي، يوم 17 فبراير 2023.

[5] مداخلة عماد الدين حسين، هل يتمكن مؤتمر ميونيخ من إخماد نار الحروب؟، مشاركة في برنامج قناة عربية DW، يوم 16 فبراير 2024.

[6]مداخلة يوسف القليوبي، هل يتمكن مؤتمر ميونيخ من إخماد نار الحروب؟، مشاركة في برنامج قناة عربية DW، يوم 16 فبراير 2024.

[7] مداخلة عبد العزيز بن صقر، مؤتمر ميونخ للأمن.. هل يؤسس لمقاربات أمنية غربية جديدة؟، مشاركة في برنامج قناة عربية DW، يوم 16 فبراير 2024. وللمزيد من التوضيح راجع مداخلة جاسم محمد، مؤتمر ميونخ للأمن : النتائج والمقررات ، مشاركة في برنامج قناة سكاي نيوز عربية، يوم 20 فبراير 2022.

[8]تسعديت كلاليش، التحالف الروسي الإيراني في الشرق الأوسط بعد سنة 2011، مجلة دراسات وأبحاث، العدد 4 ، جويليه 2021، ص:560. وللمزيد من التوضيح راجع مداخلة جاسم محمد، أمن دولي ـ مؤتمر ميونخ للأمن ـ 60 ـ ماذا وراء عدم دعوة روسيا وإيران؟ مشاركة في برنامج قناة الميادين، يوم  17 فبراير 2024.

قد يعجبك ايضا