المرأة المغربية بين التشريعات الدولية والقوانين الدستورية : آفاق ورهانات تعديل مدونة الأسرة

سميـة بـومـروان
‎باحثة في القانون والعلوم السياسية
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – المحمدية

 

في وقتٍ يتباطأ فيه نمو الاقتصاد العالمي، فإن جميع البلدان بحاجة إلى تعبئة كامل قدراتها الإنتاجية لمواجهة الأزمات المتداخلة التي تواجهها، وحيث أن الحكومات لا تملك الحق في تهميش ما يعادل نصف سكانها، كما لا يُعد حرمان المرأة من المساواة في الحقوق في أنحاء كثيرة من العالم مجحفاً لها فحسب، بل يشكل عائقاً أمام قدرة البلدان على تعزيز التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع.”

وقد كشف تقرير جديد للبنك الدولي أن الوتيرة العالمية للإصلاحات الرامية إلى المساواة في معاملة المرأة بموجب القانون تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً، الأمر الذي يشكل عقبة محتملة أمام النمو الاقتصادي في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد العالمي.

ورغم أن الديمقراطية في الوطن العربي ما زالت في طور النمو إلا أنها بحاجة إلى المزيد من الخطوات المدروسة لتحقيق الديمقراطية كنهج وفكر وقيم، لأن الديمقراطية في الحكم، في ظل غياب القيم، لن تؤدي إلى النتائج الإيجابية. وحقيقة، هناك تشابه في قبول المرأة كشريك متكامل للرجل في الدول العربية، ولكن تعاطي المجتمعات العربية يختلف من دول عربية إلى أخرى من حيث يتم اعتماد تعامل متفاوت غالبا ما يكون رهين الأعراف والتقاليد والثقافات القديمة، ونأخذ المغرب كنموذج في منح المرأة التساوي مع الرجل على مستوى كل الأصعدة، حيث تم اجتياز مسار صعب مكن المرأة من الحصول على وضع متقدم إلى جانب الرجل وتمت دسترة رزنامة من القوانين في الدستور المغربي بفضل توجيهات القيادة الملكية الرشيدة، ولعبت في الأمر دوافع أساسية أبرزت هذا التحول.

كما لا ننسى دور المجتمع المدني والحقوقي وكل مكونات المشهد السياسي في المغرب بما فيها الأحزاب الإسلامية التي لم تجد مانعا شرعيا يمنع أو يوقف حصول المرأة على التساوي مع الرجل، وهو ما انعكس إيجابيا على مستوى الممارسة الفضلى دوليا، بحيث يعتبر المغرب من أول الدول العربية التي وقعت على مواثيق ومعاهدات تهم حقوق وأوضاع المرأة، وتتفاعل مع اللجان الدولية ذات الصلة بشكل إيجابي.

بالإضافة إلى كون المغرب متعدد الثقافات واللهجات واللغات قد استطاع التعامل مع أوضاع المرأة ومنحها حقوقها الأساسية وكانت كل البرامج السياسية الحكومية تظم نصيب مهم للمرأة حيث تعامل المشرع السياسي بالمغرب مع المرأة بنوع من التشارك تلبية لنضالها من أجل أخد موقع متقدم وسط المجتمعات تحقيقا للحقوق المشروعة للمرأة.

إن سعى المرأة للقيام بواجبها تجاه بلدها على أساس تكافؤ الفرص القائم على احترام الكفاءات بغض النظر عن جنسها، مما أصبحت المرأة بفضل مجهودها ومجهود كل القوى الحية في البلاد من الحصول على وضع متقدم واقترابها من مواقع صنع القرار هو دليل على حسن نية السياسات المتبعة في هذا الشأن بالمغرب، وقد خطت الدولة نظام الكوتا للوصول تدريجا الى الوضع المتقدم الذي تفتقده بعض الدول العربية.

حيث أكد جلالة الملك أنه لبناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية، لذا، نشدد مرة أخرى، على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات”، وبهذا فقد تم العمل على تنزيل قوانين الدستورية والمتمثلة في تحقيق الديمقراطية التشاركية ووضع المرأة علي قائمة إصلاحات.

ومن بين المشاريع الديمقراطية الحقيقة التي ساهمت فيما تم تحقيقه لصالح حقوق المرأة في المغرب نجد هيئة الإنصاف والمصالحة كأساس للقطع مع الماضي، قانون الجنسية الذي يمكن الأم المغربية اليوم من منح جنسيتها لزوجها غير المغربي، وأهم هذه الإصلاحات هو تعديل مدونة الأسرة، حيث تعد مدونة الأسرة عنصرا مهما في سياق التنمية لأنها تعالج قضايا تؤثر على المساواة القانونية (الحق في الزواج والطلاق، صفة رب الأسرة، إدارة الممتلكات الزوجية وحضانة الأطفال)، والحصول على الأصول الاقتصادية (الإرث والمهر والنفقة الزوجية والنفقة على الأطفال)، وحماية الأطفال (الحضانة).

من جهة أخرى سد إصلاح المدونة في عام 2004 العديد من الفجوات المتعلقة بالمساواة القانونية في الحياة الأسرية والشخصية، رغم أن بعضها ما يزال قائما، وحيث غالبا ما يستعصي تنفيذ التشريعات عندما تتعارض أحكامها مع القوانين الاجتماعية، كما هو الحال في المغرب فيما يتعلق بالمساواة القانونية، والحصول على فرص الشغل ودور النساء في الأسرة.

وبهذا فقد أطلق جلالة الملك سنة 2023 ورش إصلاح مدونة الأسرة، وأسند الإشراف العملي لإعداد هذا الإصلاح الهام إلى عدة مؤسسات قضائية وحقوقية ودينية وحكومية، من أجل تعزيز التوازن داخل الأسرة في انسجام مع دستور المملكة والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

ومما لا شك فيه، يعرض المغرب اليوم أحد أكثر الأطر القانونية تقدما وتحررا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث المساواة بين الجنسين. فالدستور المغربي لعام 2011 ينص على مساواة المواطنين المغاربة ويلزم الهيئات العامة بالنهوض بالحرية والمساواة بين المواطنين والمواطنات وتعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تضمن العديد من القوانين المساواة بين الجنسين، بما في ذلك قانون الشغل (المعدل) لعام 2003 وقانون الجنسية لعام 2008،كما أن تطبيق نظام الحصص في الانتخابات المحلية رفع تمثيل النساء في عام 2009. في عام 2011، سحب المغرب رسميا تحفظاته المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي تغطي جوانب تتعلق بنقل الجنسية والمساواة في الحقوق الزوجية.

وهذه إشارات عملية على أن هذه المكتسبات تاريخية، وفي غاية من الأهمية وهي أيضا نتيجة لجهود حقوقية وإرادة سياسية قوية وثابتة إلى جانب العديد من الإصلاحات.

وعلى الرغم من محاولات تقليل الفجوات بين الجنسين، إلا أن النساء في المغرب ما زلن يواجهن عقبات كبيرة فيما يتعلق بالمشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذ تظل فرص النساء في الوصول إلى الموارد الأساسية – بدءا من التعليم ووصولا إلى الممتلكات الاقتصادية الرئيسية محدودة للغاية.

وبهذا يمكن القول على أنه وبالرغم من الإنجازات العظيمة التي تحققت على مدار العقود الخمسة الماضية، إلا أن الأمر يتطلب إنجاز المزيد في جميع أنحاء العالم لكي نضمن أن تكون النوايا الحسنة مصحوبة بنتائج ملموسة، ونعني بذلك حصول المرأة على تكافؤ الفرص بموجب القانون. ولا يستطيع كلاً من النساء والاقتصاد العالمي الانتظار أكثر من ذلك للوصول إلى المساواة بين الجنسين.

وفي النهاية، يجب أن تكون المساواة في الحقوق القانونية بين الجنسين أولوية عالمية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

 

المصادر:
-دستور المملكة المغربية 2011
-مقتطف من خطاب العرش لسنة 2022
– الخطاب الملكي، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
-مدونة الأسرة
-تقرير البنك الدولي بتاريخ 03/02/2023
https://www.albankaldawli.org

-كلمة السيدة: عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بنيويورك في مداخلة باسم الوفد المغربي المشارك في الدورة الـ68 للجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة.
-البوابة الوطنية للمملكة المغربية: تسليط الضوء في نيويورك على جهود المغرب لتعزيز حقوق المرأة.
https://www.maroc.ma الثلاثاء 12 مارس 2024
– المعهد المغربي لتحليل السياسات: إصلاح مدونة الأسرة: الإنجازات والتحديات والتوجهات المستقبلية نحو المساواة بين الجنسين
حوار السياسيات المغربية 2023
https://mipa.institute نونبر2023، الرباط، المغرب

قد يعجبك ايضا