استقلالية المحامي Lawyer’s independence

صفوان العوني [1]

محامي دارس بالمعهد الأعلى للمحاماة بتونس

باحث في القانون الجزائي و علوم الإجرام، كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس، جامعة تونس المنار

Ouni Safouene

student -lawyer

researcher in criminal law and criminology, Faculty of  law and political sciences of Tunis, University of Tunis el Manar

 

إن المحاماة عريقة كالقضاء ، مجيدة كالفضيلة ، ضرورية كالعدالة ، هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان ، المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبداً له ، ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة ، غنياً بلا مال..رفيعاً دون حاجة إلى لقب..سيداً بغير ثروة..”
روجيسيو ، رئيس مجلس القضاة الأعلى في فرنسا في عهد لويس الخامس عشر.

 

مقدمة :

تعد الاستقلالية أهم سمة يتمتع بها المحامي،[2] فلا وجود لمحاماة دونها. و من المعلوم أن رسالة المحاماة النبيلة، مع كل ما تمثله من مبادئ و قيم، و دفاع على حقوق الناس و مصالحهم،  و هو الشخص الذي ينير بصيرة العدالة،[3]    و صمام الأمان للحفاظ على حقوق المستضعفين و تمتعهم بمحاكمة عادلة تكفل فيها جميع حقوق الدفاع و تحترم فيها جميع الإجراءات الشكلية الجوهرية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتم دون تشبع المحامي بقيم الحرية و الديمقراطية و خاصة الاستقلالية.[4]

و تاريخيا، لطالما كانت المحاماة صوت الحق، و حصن الدفاع الأخير على المستضعفين، و القوة الحية و النابضة في وجه الديكتاتوريات و جبروت الحكام، و تغول سلطة على حساب أخرى.

فهذه المهنة النبيلة لها جذور ثابتة في الشريعة الإسلامية، أين نجد الوكيل أو وكيل الخصومة.[5]

فهي رسالة إنسانية بالأساس و هي وسيلة لإرساء العدالة و الدفاع عن المستضعفين و الاستماتة في سبيل إرجاع الحقوق لأصحابها و إنارة بصيرة القضاء.[6]

و ما يميّز هذه المهنة الحرّة عن غيرها كالطبّ والصيدلة، هو مواكبتها للتحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها تونس في القرن العشرين، وذلك بفضل استنادها منذ البداية إلى ملكة الفصاحة التي تعتبر عنصرا رئيسيا في العمل السياسي و المجتمع المدني. فكانت كلمة المحاماة عالية في وجه الظلم و العدوان سواء على المستوى الوطني أو الدولي. فكانت المحاماة الحصن المنيع و جزء لا يتجزأ من حركة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، مع العلم أن الاعتراف الرسمي الفرنسي بالمهنة  كان سنة  1887.

إضافة إلى أن المحامي كان المحامون المباشرون للمهنة بتونس يجمعون بين عدّة مهام ووظائف : الضابط المكلّف بالإجراءات  والمستشار الجبائي ووكيل الأعمال والكاتب العدل والمعتمد.[7]

كما لم تخفت أصوات المحامين في وجه الرئيس الأسبق بورقيبة أمام انفراده بالسلطة و استبداده بها، و ذلك بالرغم من قلة أعداد المحامين التونسيين مقارنة بالمحامين الايطاليين و المالطيين في تلك الحقبة الزمنية.[8]

و تتالت الوقفات  المشرفة و المواقف المبدئية للمحامين في سبيل إعلاء راية الحق و التصدي لأي انحراف بالسلطة زمن الرئيس الراحل بن علي و إلى حدود ثورة 2011. و يعد مرسوم عدد 79 لسنة 2011 مؤرخ في 20 أوت 2011 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة نتاج مجهودات و مطالبات و نضالات المحامين، و الذي عوض قانون عدد  87 لسنة 1989 و المؤرخ في 7 سبتمبر 1989.

و قد ورد  بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان: : ” يولد جميع الناس أحرارا متساويين  في الكرامة  والحقوق , وقد وهبوا عقلا وضميرا  وعليهم أن  يعاملوا بعضهم  بعضا بروح الإخاء ”

كما نص الإعلان العالمي للحقوق الاقتصادية و السياسية لسنة 1966 على مبدأ الحرية في جل نصوصه.[9]

فالحرية و الاستقلالية هو المبدأ الإنساني الذي لطالما حاربت الإنسانية لتحصيله منذ بداية البشرية إلى يوم الناس هذا. و هو من صنف الحقوق الذي يتصل مباشرة بكرامة الذات البشرية.[10] فمن باب أولى و أحرى أن يكون المحامي، الذي هو لسان الدفاع و صوت المقهورين متشبعا أيما تشبع بهذه المبادئ، و خاصة متمتعا به.[11]

بيد انه لابد من الإشارة إلى أن مسالة استقلالية المحاماة لم تنل الاهتمام الذي تستحقه مقارنة باستقلال القضاء على المستوى الدولي. فاستقلالية القضاء هي من المبادئ الأصولية في الدولة الديمقراطية الحديثة.[12] خاصة و أن القضاء هو سلطة عهد إليها إقامة العدل و إحقاق الحق.[13] بيد أن استقلالية المحاماة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون اقل أهمية، فأمام النيابة العمومية التي تحرك الدعوى العمومية و تمارسها،[14] نجد في الجهة المقابلة المحامي حامي لواء الدفاع و راية الحرية و الاستقلالية الذي لا سلطان عليه سواء ضميره. فالجهود الدولية على تواضعها، بدأت مع إعلان أثينا الصادر عن اللجنة الدولية للحقوقيين حول سيادة القانون سنة 1955، حيث وقع التأكيد على استقلالية مهنة المحاماة و وجوب تحررها من الضغوطات الخارجية. كما نذكر الإعلان العالمي حول استقلال العدالة الذي تبنته الدورة العامة الختامية لمؤتمر مونتريال حول استقلال العدالة لسنة 1982، و الذي أكد على ضرورة استقلال كل من القضاء و المحاماة.[15]

و الجدير بالذكر أن استقلالية المحامي نص عليها مرسوم 2011 المنظم لمهنة المحاماة. كما انه في القوانين المقارنة كالتشريع الفرنسي، و تحديدا في إطار القانون المؤرخ في 31 ديسمبر 1971 و المنقح بالمرسوم المؤرخ في 27 نوفمبر 1991 المنظم لمهنة المحاماة.[16] و نفس الشيء نجده في ايطاليا و بلجيكا و اغلب الدول الأوروبية، التي أكدت على ضرورة استقلالية المحاماة منذ القرن 19.[17]

فالمحامي باعتباره شريك في إقامة العدل،[18]  دوره محوري في قلب منظومة حقوق الإنسان، هذه الحقوق التي تلعب دورا أكثر أهمية على المستوى الدولي يوما بعد يوم،[19]

فإلى أي مدى يتمتع المحامي بالاستقلالية في إطار أدائه لمهامه ؟

و للإجابة على هذه الإشكالية، سنتعرض في مبحث أول إلى مجال حرية المحامي، و في إطار مبحث ثان إلى حدود هذه الحرية.

المبحث الأول : مجال استقلالية المحامي

المطلب الأول : استقلالية المحامي كفرد

ينص الفصل 22 من المرسوم انه لا يجوز الجمع بين مهنة المحاماة ومباشرة مهنة أو نشاط آخر بأجر عدا التدريس بصفة عرضية أو تعاقدية. و يسمح بصفة استثنائية للمدرسين بمؤسسات التعليم العالي المرسمين بجدول المحاماة قبل 7 سبتمبر 1989 بمواصلة الجمع بين المهنتين.

و يجوز للمحامي القيام بمهمات وقتية ومحدودة زمنيا تستوجب منحة تحمل على ميزانية الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية.

وإذا كلف المحامي من قبل الدولة أو مؤسسة عمومية أو أي جهة أخرى بمهمة غير محدودة زمنيا تحول دون تفرغه لمباشرة مهنته أو تمس من استقلالية أو شرف المحاماة فإنه يحال وجوبا على عدم المباشرة.

و يضيف الفصل 23 لا يجوز الجمع بين مهنة المحاماة والأنشطة التالية:

  • تعاطي التجارة بأنواعها.
  • المشاركة في برامج إعلامية أو تنشيطها مهما كان نوعها بصورة منتظمة أو دورية، بمقابل أو بدونه.
  • مباشرة خطة وكيل أو رئيس مدير عام أو مدير عام مساعد في الشركات التجارية بأجر أو بدونه، باستثناء رئاسة مجالس الإدارة في الشركات خفية الاسم.
  • ممارسة أي مهنة حرة أخرى بصفة مباشرة أو غير مباشرة لا تتلاءم مع مهنة المحاماة.

فالجمع بين مهنة المحاماة و أي مهنة أخرى، سواء كانت مهنة حرة أو في إطار الوظيفة العمومية قد يمس من حرية المحامي و يحد من استقلاليته نظرا للطبيعة الهرمية لهذه المهن، و ما تتسم به من تبعية بين الخادم و المخدوم، أو بين الأعلى درجة و الأدنى منها. و هو ما لا يتماشى بتاتا مع طبيعة المحاماة التي تقوم على الاستقلالية عن السلط العمومية و حتى الجهات الخاصة.

فلا يمكن للمحامي ممارسة مهنته إلا بناءا على الاستقلالية. فالمحامي لابد من أن يكون مستقلا عن منوبه بداية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفتح للحريف المجال لتجاوز حده و أن يوجهه في إطار القضية، مهما كانت وظيفته أو مكانته الاجتماعية، فهذا المجال الحصري و الاختصاص المطلق للمحامي.

كما أن المحامي مستقل عن زملائه، اللهم إن كان هنالك ملف يجمعهما فحينها لابد من التشاور و إعداد خطة دفاع مشتركة. أما في باقي الحالات، فلابد من أن يقوم المحامي بمهامه بكامل الحرفية و المعنية، بعيدا عن المحاباة أو الاتفاق السري مع محامي الخصم، و غيرها من الظواهر و الممارسات التي بدأت بالظهور…

إضافة إلى ذلك، فمن تجليات استقلالية المحامي، فهو قادر على ممارسة مهامه في محاكم كامل الجمهورية دون قيد أو حد. بل أكثر من ذلك، له إمكانية الترافع بالخارج في قضية محددة و لمدة معينة. فهو غير ملزم بالعمل في نفس المكان كالموظف العمومي، و غير مقيد بالحركة القضائية السنوية التي يحدد ملامحها مرسوم رئاسي مطلع كل سنة قضائية. و منه فهو مستقل عن السلطة الرئاسية و الوظيفة العمومية و الجماعات المحلية و كل ما يمثل الدولة.[20]

كما يمكن للمحامي الانتماء لأي فرع جهوي للمحاماة في كامل البلاد التونسية، دون اعتراف بأي حد ترابي. فمحام تابع للفرع الجهوي بتونس، له الانتقال لأي فرع آخر سواء نابل، بنزرت و غيرها مهما كان موقعه داخل البلاد.[21]

كما أن المحامي يعد مستقلا عن حريفه. فبالرغم من أن المحامي يمثل موكله و يدافع عنه، إلا أن سلطة القرار، و التوجه الذي سيختاره في إطار الدعوى، أو المسلك القانوني الأفضل يكون بقرار من المحامي وحده. فلا يمكن للحريف توجيهه أو التأثير عليه. فالكلمة الفصل تكون للمحامي.

إضافة إلى ذلك، فالمحامي له حرية قبول القضية من عدمه. كما انه حر في مواصلة القضية من عدمه شريطة عدم التعسف و إعلام موكله.[22]

كما تتجلى استقلالية المحامي خلال حصوله على أتعاب.[23] فهو على خلاف الموظف الذي له راتب شهري مثل القاضي،[24] أو الخبراء الذين يتحصلون على أجرة، فالمحامي لا علاقة إذعان تربطه بوزارة المالية و لا وزارة العدل، مما يترك له مجالا كبيرا من الحرية في التعامل مع هياكل الدولة، و خصوصا التعامل خارج إطارها، بحيث انه لا يكون في علاقة تبعية معها.[25]

زد على ذلك فالمحامي لابد من أن يكون مستقلا عن السلطة القضائية. فقد نص الفصل 33 من مرسوم 2011 انه : ‘لا يجوز للمحامي أن يقبل النيابة ولو بواسطة في دعوى أمام قاض تربطه به صلة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة ولو وافق خصم منوبه على ذلك.

و إذا كانت نيابته سابقة عن تاريخ التعهد فعليه أن يتخلى عنها، وإن لم يفعل فعلى النيابة العمومية وكل من له مصلحة في ذلك التجريح في نيابته طبق التشريع الجاري به العمل.

و لا يحرمه تخليه عن النيابة من المطالبة بأتعابه عن المرحلة التي وصلت إليها القضية. ‘

فبالرغم من التقاطع العضوي بين المحاماة و القضاء، إلا انه على المحامي أن يرتقي بأدب المخاطبة والمرافعة أمام القاضي ، وأن يتحاشى كل ما يخل بسير العدالة كل ذلك دون انتقاص بدوره في الدفاع عن موكله  و حقه في الانتقاد والاعتراض المؤسس على القانون. فالعلاقة بين المحامي و القاضي لابد من أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل و الندية، فكلاهما جناحا العدالة يهدفان للتأسيس لدولة القانون و المؤسسات، بعيدا عن  الحساسيات القطاعية.

المطلب الثاني : استقلالية المحاماة كهيكل

ينص الفصل 49 من مرسوم 2011 :’تضم الهيئة الوطنية للمحامين وجوبا جميع المحامين بالبلاد التونسية وتتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي ويديرها مجلس يترأسه عميد وتعقد جلساتها العامة طبق أحكام هذا المرسوم ومقرها تونس العاصمة.’

فتأكيدا لاستقلالية المحاماة عن هياكل الدولة، فالهيئة الوطنية للمحامين هي الهيكل الوحيد الذي يرجع له المحامي بالنظر ابتداء و انتهاء.

فالهيئة هي الممثل الشرعي و الوحيد لعموم المحامين.[26] و عادة ما تقع تسمية هذا الهيكل بنقابة المحامين في دول المشرق.

و يضيف الفصل 57  من نفس المرسوم :’ ينتخب العميد ورئيس الفرع وأعضاء مجلس كل من الهيئة الوطنية للمحامين والفرع الجهوي لمدة نيابية محددة بثلاثة أعوام.

ولا ينتخب العميد و رؤساء الفروع الجهوية إلا لمدة نيابية واحدة.

ويتحتم على العميد التفرغ الكلي لممارسة مهامه. و تسند له منحة شهرية يحددها مجلس الهيئة في افتتاح كل سنة قضائية.

ويكون العميد المتخلي وجوبا وبصورة آلية عضوا لمدة نيابية واحدة بمجلس الهيئة الوطنية للمحامين الموالية.’

فالعميد و رؤساء الفروع الذين يقع اختيارهم بواسطة آلية الانتخاب هو تجلي من تجليات الديمقراطية و الحوكمة الذاتية داخل جسد المحاماة.

كما تتجلى استقلالية المحاماة كهيكل من خلال صندوق الحيطة الاجتماعية الخاص بالمحامين. فقد ورد بالأمر عدد 355 لسنة 2008،[27] في فصله الأول :’ يتولّى صندوق الحيطة والتقاعد للمحامين الذي يسمّى فيما يلي “الصندوق” ضمان التّغطية الصحيّة والمنح الوقتيّة في صورة المرض والولادة والحوادث أو الوفاة وإسداء جرايات التقاعد والعجز والباقين بعد الوفاة.’

و يضيف الفصل 13 من نفس الأمر :’ تتكوّن موارد الصندوق ممّا يلي:

– جملة مداخيل طابع المحاماة،

– جملة معاليم الاشتراكات السنويّة الموظّفة على المحامين بعنوان مساهمات في رصيد التّغطية الصحيّة للمحامين،

– جملة المداخيل المتأتّية من التّوظيفات الماليّة والعقاريّة لأموال الصّندوق.’

و بالتالي فان جملة الأموال التابعة للصندوق لا تتأتى من منح من الدولة، أو دفعات من الوزارات، بل كلها مصدرها عموم المحامين القاعديين، مما يؤكد على استقلالية المحاماة عن هياكل الدولة       و انتفاء أي تبعية لها.

المبحث الثاني :حدود استقلالية المحامي 

هذه الحدود تتجلى في حدود واقعية و حدود قانونية.

المطلب الأول : الحدود الواقعية

إن حرية المحامي ليست بأي حال من الأحوال مطلقة. بل على العكس من ذلك، هذه الحرية مقيدة. ففي إطار عمله اليومي، و نظرا للتداخل العضوي بين مهنتي القضاء و المحاماة، عادة ما يصطدم المحامي ب’جريان العمل’  في المحاكم. فجريان العمل قد يختلف من محكمة لأخرى، و حتى في إطار نفس المحكمة يختلف من دائرة لأخرى. و هو ما اعتادت عليه المحاكم أو الدائرة في نوع محدد من القضايا كالاستعجالي أو المدني أو الجزائي.

و رغم انه لا أساس قانوني لجريان العمل، إلا أن المحامي يجد نفسه ملزما على إتباعه و إلا يعرض قضيته للرفض شكلا. و ذلك بالرغم من مساس هذا المبدأ بالأمان القانوني و مبدأ الاستقلال القضائي، إلا انه معمول به بكثرة في المحاكم من طرف القضاة. و لابد من القول انه ينعكس سلبا على عمل المحامين.

إضافة إلى ذلك، نجد من أوجه حدود استقلالية المحامي الاعتماد الكلي على عدول التنفيذ في توجيه الاستدعاءات و إقامة المعاينات. فلا يمكن للمحامي العمل دون عدل تنفيذ.

بيد انه في الجانب التطبيقي، قد لا يجد المحامي عدل منفذ متفرغ حينها لتبليغ الاستدعاء لأهمية حجم العمل، فيتعطل عمله و يضطر إلى التأخير مما قد ينعكس سلبا على سلاسة عمل المحامي. لذلك من المستحسن أن يتعامل المحامي مع أكثر من عدل تنفيذ، حتى لا يكون عرضة للتعطيل أو التأخير.

زد على ذلك، تعد البيروقراطية الإدارية حدا من حدود استقلالية المحامي. فكثرة الوثائق الواجب استخراجها في العمل اليومي للمحامي، و تعامله المستمر مع البنوك و الإدارات العمومية و الجماعات المحلية، تجعله في علاقة تبعية للتراتبية الإدارية.

لذلك و في سبيل تكريس هذه الاستقلالية، لابد من الاستئناس بالتجارب المقارنة كالتشريع الفرنسي الذي عمل على التقليص من المعاملات الورقية عموما و التركيز على الجانب الرقمي سواء في علاقة المحامي مع زميله المحامي، أو في علاقته مع كتابة المحاكم، و حتى في علاقته بممثلي الدولة من إدارات و المكلف العام بنزاعات الدولة و غيرها، و ذلك لضمان سهولة ممارسة المحامي لمهنته، و جعله متحررا و مستقلا عن كل جهة سواء كانت قضائية أو إدارية.

المطلب الثاني : الحدود القانونية

ينص الفصل 37 من مرسوم 2011 :’ يستحق المحامي المنتدب في نطاق الإعانة العدلية أو التسخير في القضايا الجزائية منحة يحدد مقدارها بأمر تصرف له من ميزانية الدولة بمجرد الاستظهار بقرار التسخير.’

و الجدير بالذكر أن الإعانة العدلية عادة ما تكون في المادة المدنية، في حين أن التسخير يكون في المادة الجزائية. و على كل، فان كلاهما يعد وجها من وجوه عدم استقلالية المحامي، ففي هذه الحالة يكون المحامي ملزما بالقبول بهذه القضايا دون مجال للقبول أو الرفض.

كما يعد تداخل السلط و ازدهار النزعة الديكتاتورية أهم سبب من أسباب عرقلة استقلالية المحامي و أدائه لمهامه في كنف الحرية و المهنية ففي هذه الأنظمة، يقع التعدي على قرينة البراءة، و يتم استعمال طرق التعذيب من اجل الحصول على اعترافات من ذوي الشبهة، في غياب تام لدور المحامي، و هي مشاهد طالما رأيناها في الدول ذات الأنظمة الكليانية ككوريا الشمالية، الصين الشعبية…

فوجود المحامي منذ عملية الاستنطاق و البحث إلى حد المحاكمة و صدور الحكم هو ضمانة أساسية من ضمانات المحاكمة العادلة. على اعتبار أن وجود المحامي يؤدي لتفادي أي انحراف بالسلطة سواء من باحث البداية أو السلطة القضائية، فإظهار الحقيقة هو من صميم عمله.[28]

و في نفس الإطار، يعد تدخل السلطة التنفيذية في نقابة المحامين اكبر عرقلة لاستقلالية هذه المهنة، و هو ما شاهدناه في العديد من الدول العربية و حتى الغربية. فمهما كانت الأسباب سواء سياسية، أو تحقيق منافع شخصية، خوف من المواجهة… فان التماهي مع السلطة القائمة و محاولة التقرب إليها يؤدي بالضرورة إلى غياب أي دور فعلي و فعال ، أو موقف حيادي للمحاماة في المسائل الوطنية و كذلك الدولية، ومنه فقدانها لاستقلاليتها.

 

قائمة المراجع

المراجع باللغة العربية :

المؤلفات :

– احمد الجندوبي و حسين بن سليمة، أصول المرافعات المدنية و التجارية، تونس، 2011.

– عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي، شرح المبادئ الجزائية دراسة تحليلية،  دار الكتاب، تونس، 2018.

– فريد بن جحا، كونية حقوق الإنسان، منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص، تونس، 2013.

القوانين :

– المرسوم عدد 79 لسنة 2011 مؤرخ في 20 أوت 2011 يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.

-النظام الداخلي للهيئة الوطنية للمحامين.

-الأمر عدد 355 لسنة 2008 مؤرخ في 11 فيفري 2008 يتعلق بتنظيم وتسيير صندوق الحيطة والتّقاعد للمحامين.

المذكرات :

سناء العمروني تحت إشراف الأستاذ إبراهيم بودربالة، أتعاب المحامي، مذكرة ختم تمرين من المعهد الأعلى للمحاماة، 2009-2010..

– جواهر السعدوني تحت إشراف الأستاذ نور الدين الغزواني، مسؤولية القاضي، مذكرة ختم تمرين من المعهد الأعلى للمحاماة، تونس، 2018-2019.

المقالات :

– عبد المومن صويت، آفاق  سياسات التجريم و العقاب بالمغرب، مجلة الفقه و القانون، العدد 131 سبتمبر2023.

محمد نبيل نقاش، مصادر قواعد أخلاقيات القضاء، مجلة القضاء و التشريع، جوان 2013..

الندوات و الملتقيات :

– ساسي بن حليمة، العدالة الجنائية و الإصلاحات السجنية : تقرير تمهيدي، أعمال الندوة العربية الإفريقية حول العدالة الجنائية و الإصلاحات السجنية المنظمة من المعهد العربي لحقوق الإنسان و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي،  تونس، 1996.

المراجع الالكترونية :

– أمل المرشدي،  نظرة شاملة على مبدأ الحرية في القانون الدولي.

17/10/2023، 22:.11

https://www.mohamah.net/law/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A3-

– استقلالية مهنة المحاماة، وكالة الأنباء و المعلومات الفلسطينية

19/10/2023، 20 :06

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3840

– المحامون في تونس من الاستعمار إلى الثورة 2011-1883 مقاربة اجتماعية – تاريخية  لمهنة  سياسية،  صدر في مجلة “الفكر الجديد”، تونس، عدد 2، أفريل 2015، ص 94-100.

https://irmc.hypotheses.org/1865

المراجع باللغة الفرنسية :

Les articles :

Bertrand FAVREAU, L’INDEPENDANCE DE L’AVOCAT  La Recommandation du Comité des Ministres du Conseil de l’Europe sur la liberté d’exercice de la profession d’avocat”  dénommée Rec. (2000 21) adoptée le 25 octobre 2000.

chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://www.favreaucivilise.com/pdf/indep280202.pdf

« L’indépendance de l’avocat vis-à-vis de ses clients », 16:47, 25/10/2023

https://www.actu-justice.fr/lindependance-de-lavocat-vis-a-vis-de-ses-clients/

 

les thèses :

-Ataouia KRALFA, la profession d’avocat en Algérie coloniale , Thèse présentée pour l’obtention de grade de docteur de l’Université de Bordeaux, soutenue le vendredi 16 Octobre 2016.

https://theses.hal.science/tel-01542897

– Éléa CERDAN, la parole libre de l’avocat (1789 – 1830), thèse présentée pour obtenir le grade de docteur de l’Université de Bordeaux, Soutenue le 25 novembre 2016.

https://www.theses.fr/2016BORD0260

-MARIE Lamarque, L’avocat et l’argent, thèses présentée pour l’obtention du grade du docteur de l’Université de Bordeaux.

https://theses.hal.science/tel-01542962

-SAID Naoui, obligations et responsabilité de l’avocat, Thèse pour obtenir le grade de docteur en droit privé, Université de Grenoble, 7 Aout 2006.

https://theses.hal.science/tel-01228509

 

 

[1] Email : ounisafouene18@gmail.com

[2] بالفرنسية avocat و باللاتينية advocatus .

[3] Ataouia KRALFA, la profession d’avocat en Algérie coloniale , Thèse présentée pour l’obtention de grade de docteur de l’Université de Bordeaux, soutenue le vendredi 16 Octobre 2016, Page 15.

https://theses.hal.science/tel-01542897

[4] الفصل الأول من مرسوم 2011 المنظم لمهنة المحاماة: المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل وتدافع عن الحريات والحقوق الإنسانية. ,

[5] SAID Naoui, obligations et responsabilité de l’avocat, Thèse pour obtenir le grade de docteur en droit privé, Université de Grenoble, 7 Aout 2006, P8.

https://theses.hal.science/tel-01228509

[6] MARIE Lamarque, L’avocat et l’argent, thèses présentée pour l’obtention du grade du docteur de l’Université de Bordeaux, Page27.

https://theses.hal.science/tel-01542962

 [7] المحامون في تونس من الاستعمار إلى الثورة 2011-1883 مقاربة اجتماعية – تاريخية  لمهنة  سياسية،  صدر في مجلة “الفكر الجديد”، تونس، عدد 2، أفريل 2015، ص 94-100.

https://irmc.hypotheses.org/1865

[8] مع العلم أن بورقيبة كان بدوره محام.

[9] أمل المرشدي،  نظرة شاملة على مبدأ الحرية في القانون الدولي.

17/10/2023، 22:.11

https://www.mohamah.net/law/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7/

[10] فريد بن جحا، كونية حقوق الإنسان، منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص، تونس، 2013، ص107.

[11] الفصل 3 من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للمحامين :’ تسهر هياكل المحاماة على ضمان استقلال المحامي و صيانة كرامته.’

[12] عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي، شرح المبادئ الجزائية دراسة تحليلية،  دار الكتاب، تونس، 2018، ص282.

[13] محمد نبيل نقاش، مصادر قواعد أخلاقيات القضاء، مجلة القضاء و التشريع، جوان 2013، ص9.

[14] عبد المومن صويت، آفاق  سياسات التجريم و العقاب بالمغرب، مجلة الفقه و القانون، العدد 131 سبتمبر2023، ص109.

[15] استقلالية مهنة المحاماة، وكالة الأنباء و المعلومات الفلسطينية

19/10/2023، 20 :06

https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3840

[16] « L’indépendance de l’avocat vis-à-vis de ses clients », 16:47, 25/10/2023

[17] Bertrand FAVREAU, L’INDEPENDANCE DE L’AVOCAT  La Recommandation du Comité des Ministres du Conseil de l’Europe sur la liberté d’exercice de la profession d’avocat”  dénommée Rec. (2000 21) adoptée le 25 octobre 2000.

chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://www.favreaucivilise.com/pdf/indep280202.pdf

[18] احمد الجندوبي و حسين بن سليمة، أصول المرافعات المدنية و التجارية، تونس، 2011، ص86.

[19] ساسي بن حليمة، العدالة الجنائية و الإصلاحات السجنية : تقرير تمهيدي، أعمال الندوة العربية الإفريقية حول العدالة الجنائية و الإصلاحات السجنية المنظمة من المعهد العربي لحقوق الإنسان و الرابطة التو-نسية للدفاع عن حقوق الإنسان و المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي،  تونس، 1996، ص17.

[20] مع العلم انه يمكن للمحامي العمل كمستشار قانوني لوزارة أو بلدية بصفة استثنائية، مما قد يمثل حدا للاستقلالية.

[21] شريطة أن يتحصل على شهادة في حسن السيرة من الفرع السابق.

[22] و هو شرط نصت عليه اغلب التشريعات كالتونسي و الأردني و المغربي.

[23] سناء العمروني تحت إشراف الأستاذ إبراهيم بودربالة، أتعاب المحامي، مذكرة ختم تمرين من المعهد الأعلى للمحاماة، 2009-2010،ص6.

[24] جواهر السعدوني تحت إشراف الأستاذ نور الدين الغزواني، مسؤولية القاضي، مذكرة ختم تمرين من المعهد الأعلى للمحاماة، تونس، 2018-2019، ص5.

[25] الفصل 38 من مرسوم 2011  المنظم لمهنة المحاماة : “على انه تحدد أتعاب المحامي بموجب اتفاق مسبق بينه    و بين حريفه وتقدر أساسا بالاعتماد على طبيعة الخدمة التي يسديها ومدتها وأهميتها وعلى خبرة المحامي و أقدميته والجهد الذي بذله والنتيجة التي أمكن له تحقيقها. ”

[26] الفصل 62 من مرسوم2011 :’ يختص مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بما يلي :

  • اتخاذ قرارات الترسيم بجدول المحامين،
  • ضبط جدول المحامين،
  • ممارسة السلطة التأديبية والعفو،
  • إدارة صندوق الحيطة والتقاعد للمحامين وتنظيم الرعاية الصحية والاجتماعية لأسرهم،
  • الإحالة على التقاعد،
  • تقدير الجرايات الراجعة للأرامل والأبناء القصر بالنسبة لمن توفي من المحامين،
  • إسناد الصفة الشرفية للمحامين المتقاعدين،
  • النظر في الانخراط في الاتحادات الدولية والإقليمية للمحامين أو الانسحاب منها، والاشتراك باسم المحامين في مؤتمراتها وإبرام الاتفاقيات معها،
  • تنظيم محاضرات التمرين والتكوين واستكمال الخبرة،
  • إدارة مكاسب الهيئة والترخيص في إبرام العقود مهما كان نوعها.’

[27] أمر عدد 355 لسنة 2008 مؤرخ في 11 فيفري 2008 يتعلق بتنظيم وتسيير صندوق الحيطة والتّقاعد للمحامين.

[28] Éléa CERDAN, la parole libre de l’avocat (1789 – 1830), thèse présentée pour obtenir le grade de docteur de l’Université de Bordeaux, Soutenue le 25 novembre 2016, Page20.

https://www.theses.fr/2016BORD0260

قد يعجبك ايضا