الاستثمار في رأس المال البشري

فاطمة حسن عبد الله أهلي                                    تحت إشراف الأستاذ:

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه                                    د. عبد الرحيم فراشة

مختبر: الدراسات في القانون العام

تخصص إدارة أعمال

جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء –

تقديم:

يمكن تعريف الاستثمار في رأس المال البشري بأنه (استخدام جزء من مدخرات المجتمع أو الأفراد في تطوير قدرات ومهارات ومعلومات وسلوكيات الفرد بهدف رفع طاقته الإنتاجية، وبالتالي طاقة المجتمع الكلية لإنتاج مزيد من السلع والخدمات إلى تحقق تطور وازدهار المجتمع، وكذلك لإعداده ليكون مواطناً صالحاً في مجتمعه)1.

و لقد استثمرت الحكومات طويلاً لتحقيق النمو الاقتصادي عن طريق التركيز على رأس المال المادي كالطرق والجسور والمطارات وغير ذلك من البنى التحتية، لكنها غالبا ما تستثمر بدرجة أقل في مواطنيها، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الفوائد أبطأ كثيرا في تحققها وأصعب كثيرا في قياسها. ولأجل مناقشة أهمية الاستثمار في مهارات الرأسمال البشري أرى أن أتطرق أولا للمرتكزات الاساسية للاستثمار في الرأسمال البشري وأتناول واقع الاستثمار في رأس مال البشري في الوطن العربي ثانيا .

المحور الاول: المرتكزات الاساسية للاستثمار في الرأسمال البشري.

يتيح تراكم رأس المال البشري تحقيق مكاسب في الإنتاجية مواتية للنمو والتوظيف، ولعل موضوع المرتكزات الأساسية الاستثمار في رأسمال البشري يقودنا للحديث عن محددات الاستثمار في الرأسمال البشري و أبعاد الاستثمار في الرأسمال البشري.

أولا: نظرية الاستثمار في الرأسمال البشري ومحدداته

كيف تبلورت نظرية الاستثمار في رأس المال البشري ؟ وماهي محددات الاستثمار في رأس المال البشري ؟ وماهي مميزاته؟

1-نظرية الاستثمار في رأس المال البشري:

رغم أن نظرية الاستثمار البشري لم تتبلور كنظرية إلا بأبحاث شولتز2، وأن فكرة تقييم الأفراد كأصول بشرية لم تلق الانتشار الواسع إلا بظهور هذه النظرية، إلا أن الجذور الحقيقية لهذه المفاهيم ترجع إلى القرن الثامن عشر، فقد وجدت عدة محاولات في هذه الفترة هدفت إلى جذب الانتباه إلى أهمية العنصر البشري، تحديد ماهية رأس المال البشري، وإدخال مهارات الفرد كأحد مكوناته، والتركيز على الاستثمار البشري لتحسين مهارات وإنتاجية الفرد.

ومن هذه المحاولات التي أشار إليها آدم سميث 3في مؤلفه الشهير ثروة الأمم  (Nations of Wealth The (الذي نشر سنة ١٧٧٦م، إذ بين أهمية التعليم ورأى أنه هو المجال الذي يمكن أن يمنع الفساد بين العمال، بل إنه سيكون عنصراً فعالاً في استقرار المجتمع اقتصادياً وسياسياً، ويعد الاقتصادي الكبير الفرد مارشال Marshal. A من أوائل الاقتصاديين الذين أشاروا إلى القيمة الاقتصادية للتعليم، إذ أكد على “أن أكثر أنواع الاستثمارات الرأسمالية قيمة ما يستثمر في البشر”. كما أن وليم بيتيPeety. W حاول قياس رأس المال البشري وطالب الاقتصاديين من بعده بتخصيص رؤوس أموال كبيرة للتعليم، وأكد كارل ماركسMarx.C على علاقة التعليم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أكد على أهمية التعليم والتدريب في زيادة وترقية مهارات العمل.

ومن  الانتقادات موجهة لنظرية رأس المال البشري خصوصاً من علماءالتربية4:

١ -إن النظرية تهمل العوائد الاجتماعية والأمنية التي تعود على المجتمع من

جراء زيادة تعليم أفراده.

٢ -إن هذه النظرية تربط دائماً زيادة التعليم بالزيادة في الدخل وهو الأساس الذي قامت عليه النظرية، وأن ذلك يحط من قيمة التعليم باعتبارها قيمة سامية وراقية.

٣ -إن هذه النظرية تربط دائماً زيادة الدخل بالتعليم، ولا شك أن هناك عوامل أخرى تزيد من دخل الفرد غير التعليم، كالمكانة الاجتماعية للأفراد، وخلفيتهم العلمية، وصحتهم، وبيئتهم، وغير ذلك من العوامل.

٤ -إن أساليب القياس التي بنيت هذه النظرية على أساسها مشكوك في صدقها ومدى دقتها.

٥ -تهمل النظرية العوامل الأخرى التي تزيد من الإنتاجية، مثل ظروف العمل والحوافز المقدمة فيه وبيئته وتربط دائماً زيادة الإنتاجية بزيادة التعليم ومع كثرة هذه الانتقادات، فإن النظرية لها مكانتها العلمية في مجال علم الاقتصاد.

2- محددات الاستثمار في الرأسمال البشري ومميزاته

  • محددات الاستثمار في الرأسمال البشري

بخصوص محددات الاستثمار في رأس المال البشري نشير إلى أن عملية تنمية الموارد البشرية ترتبط بجانبين متلازمين ومتكاملين، وهما اكتساب العلم والمعرفة والمهارة من جهة ومن جهة أخرى بقضايا العمل والتوظيف5.

– اكتساب العلم والمعرفة والمهارة

أول محددات الاستثمار في الرأسمال البشري تختص باكتساب العلم والمعرفة والمهارة ،فالمنظمات التي لا تستثمر في مواردها تخاطر بنجاحها بل بوجودها، 6 .

تعتبرالمعرفة والمهارات مصطلحين مقترنين معاً، ولكن مع وجود فرق واضح بينهما، فالمعرفة هي المعلومات والنظريات والحقائق  المكتسبة، وبذلك تمثل المعرفة الجانب النظري للعلوم، و المهارات تمثل الجانب التطبيقي العملي من العلوم7.

وتعد عملية تكوين المعتقدات وترسيخ المعرفة من أهم ما يسلط الضوء عليه، لأهمية هذه العملية في خلق شخصية الإنسان واتجاهاته في الحياة.8.

– قضايا العمل والتوظيف

أما فيما يتعلق بقضايا العمل والتوظيف، وهذان الجانبان هما عنصران أساسيان في تكوين محددات الاستثمار في رأس المال البشري، فقد قال الدكتور رجيف بشواريا الرئيس التنفيدي لمركز ويكليف للحوكمة والقيادة، إن القيادة الخاطئة والإدارة التقليدية تبدد ما يقارب ٦٠ مليار دولار سنوياً من الموارد المالية وهو المتوسط العالمي المخصص للتنمية الإدارية9.

و يُقصد بقضايا العمل والتوظيف مجموعة المسائل المتعلّقة بالعمل والعاملين في المجالات المختلفة، والتي يُنظّمها القانون ويشرف عليها، ومن المفترض أن تتمّ محاسبة المخالفين لبنودها، وفيما يأتي سنذكر بعض القضايا المتعلقة بالعمل عموماً وهي:

– البطالة: تُعدّ البطالة من قضايا العمل الرئيسيّة وأكثر المشكلات التي تواجهها الدول لا سيما في الدول النامية؛ حيث لا تتوفر الوظائف الكافية مع تزايد أعداد السكان، أو بسبب عدم إعطاء المؤسسات الفرصة للناشئين ممن ليس لديهم خبرة في مجال العمل10.

-الأجر المناسب :تعدّ هذه القضية من أكثر قضايا العمل جدلاً؛ فكثيراً ما يحرم أرباب العمل الموظفين من أجورهم لفترة طويلة من الزمن، أو يقدمونها لهم بشكل مُتقطع على فترات زمنيّة متفاوتة، إلى جانب عدم التزام العديد من المؤسسات بالحدّ الأدنى من الأجور، والذي تُحدده القوانين في كلّ دولة، بالإضافة إلى أنّ بعض المهن تتطلب أجراً عالياً بسبب الجهد الكبير الذي يبذله الموظف11.

-حقوق الفرد العامل: تشمل هذه الحقوق الأمور التي يجب على القوانين والمؤسسات توفيرها للفرد الموظف لديها بشكل لازم، وغير قابل للتفاوض أو المساومة ومنها، الالتزام بساعات العمل والتأمينات وكذا معرفة الموظفين لحقوقهم12.

– التمييز: إنّ بعض المؤسسات لا تعامل جميع الأفراد الموظفين لديها بطريقة متساوية، وذلك بالرجوع لبعض المعايير التي قد تكون شخصية؛ كأن تجمع علاقة قرابة الموظف والمدير، مما يجعل الأخير يتغاضى عن مستوى أداء الموظف ويعامله على أساس هذه العلاقة الاجتماعيّة13.

ب- مميزات الاستثمار في الرأسمال البشري

تتميز مجالات الاستثمار و تختلف حسب أهدافها ومن أهم مجالات الاستثمار14 مايلي:

-في العقارات والأراضي : يمكن اختيار أماكن جيدة لشراء الأراضي فيها والمتاجرة بها ، ويُعتبر الاستثمار في القطاع العقاري من أفضل مجالات الاستثمارات ، التي تعود على المستثمر بالكثير من الأرباح.

-في المشاريع الخاصة : ويحتاج الاستثمار في مشروع خاص إلى الكثير من الجهد والعمل والصبر حتى يتم الحصول على أرباح مرضية، مثل المشاريع التجارية والمشاريع الخدمية.

-المالية في شركات التأمين : وهذا النوع يكون مضمون النجاح، ويعتبر افضل اختيار لمن لا يريدون العمل بأنفسهم أو تحمل احتمالية الخسارة او المكسب بمفردهم.

-في الذهب والمعادن : يمكن شراء الذهب والمعادن ذات الأسعار المرتفعة التي يزداد سعرها مع الوقت والمتاجرة بها15.

-عن طريق شراء الأسهم والسندات : وهذا النوع من الاستثمار يكون التعامل فيه مع البنك والشركات المصرفية وغالبا يكون مضمون الربح.

 -مشاركة الآخرين : يمكن عن طريق المشاركة مع الآخرين في الشركات أو المصانع أو القطاع الخدمي والتجاري.

-في الشركات الخاصة بـ البترول والنفط : وتعتبر أرباح هذا الاستثمار طويلة الأجل16.

إن  رأس المال مفهوم شامل، وعلى العموم توجد ثلاث فئاتٍ أساسية لرأس المال وهي : النقدية والبشرية والطبيعية :

  • رأس المال البشري

نقصد بها الذكاء والخبرات والمواهب، وهي المتمثلة في الأشخاص ذووا الكفاءات، القادرين على إدارة الرأس المال النقدي وكذلك المشاريع لتوليد إيرادات جديدة للشركة17.

يُصنف طبقا لنوع الاستثمار18إلى:

  • الاقتصادي : وهو عبارة عن القيام بانتاج خدمات أو سلع خاصة أو الاستهلاك مثل:المشروعات الزراعية – المشروعات الصناعية.
  • الإداري : هو النوع الذي يهتم بتطوير الاماكن الادارية التي تعمل على المحافظة على المجتمعات ، مثل المباني الحكومية والعسكرية.
  • الاجتماعي : وهو الخاص برفع الرفاهية الاجتماعية للأفراد، مثل : المشروعات الخاصة بالثقافة والرياضة19.

و الاستثمار في الموارد البشرية يهدف إلى التنمية البشرية لأفراد المجتمع عن طريق البرامج التدريبية والتعليمية التي يقدمها بعض الأفراد، ويعد  الاستثمارهنا ذا أهمية كبيرة للدول 20حيث يؤدي إلي:

  • خفض نسبة البطالة ،و توفير فرص عمل للشباب في مختلف التخصصات.
  • الطاقات الرأسمالية في مختلف المجالات.
  • زيادة الدخل القومي ،و المساهمة في رفع مستوى معيشة المواطن.
  • الإنتاج ،و توفير السلع ،و الخدمات التي تشبع رغبات و احتياجات المواطنين.
  • توفير مجال كبير من الخدمات لمختلف المناطق في الدولة.
  • رأس المال النقدي

هو الراس المال الأكثر شعبية وشيوعا، وهو يشمل القروض بما تتضمنه من نسبة الفائدة والالتزامات المالية وأيضا حقوق الملكية أي الأسهم، وكل العائدات المالية التي يتم بها تمويل المشاريع التي تولد عائدات مالية للشركة21.

  • رأس المال الطبيعي

يقصد بها الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة الشمسية والأشجار والحيوانات والنباتات والمحاصيل وغيرها التي تكون في ملكية الشركة ويمكن توظيفها أيضا لتوليد موارد مالية جديدة والرفع من القيمة المالية للشركة22.

ثانيا: أبعاد الاستثمار في الرأسمال البشري ومؤشراته.

إن  أهمية الاستثمار في الرأسمال البشري تتأتى من خلال أبعاده والتي ترتبط بشكل أو باخر بمؤشراته.

1- أبعاد الاستثمار في الرأسمال البشري

جاءت أهمية العناية بتنمية الموارد البشرية من منظور متعدد الأبعاد يمكن حصرها في الأبعاد الاستراتيجية والأبعاد غير الاستراتيجية:

أ-الأبعاد الإستراتيجية

إن الدور الإستراتيجي في تنمية رأس المال البشري هو من أهم أدوار المنظمة إذا لم يكن أهمها للإسهام في نجاح المنظمة في مختلف القطاعات والأصعدة الحكومية والخاصة ويعتبر شريكاً إستراتيجياً23، و البعد الاستراتيجي  يشتمل على رؤية واضحة، ورسالة محددة، وأهداف واقعية قابلة للتطبيق العملي، وسياسات وبرامج وإجراءات، بعيداً عن الفلسفات النظرية24 .

وعلى معاهد الإدارة العامة أن تقوم بإعداد استراتيجيات تتواكب مع الاتجاهات الحديثة والمتطورة التي تتناسب مع التطور العالمي، وذلك في جميع المجالات25.

ب-الابعاد غير الاستراتيجية

  • البعد الحكومي والأنظمة:
  • البعد الاقتصادي
  • والخدمات26.
  • البعد العلمي والتدريبي27.
  • البعد الأمني:
  • البعد الشخصي:من خلال فهم الأفراد وإدراك حاجتهم التدريبية والتعليمية بحيث ينبغي إقامة الملتقيات الثقافية28

2- مؤشرات الاستثمار في رأس المال البشري:

یمكن الحكم على كفاءة الاستثمار في راس المال البشرى من خلال 29 :

  • نسبه ما تخصصه الدولة للأنفاق على التعلیم من حجم موازنتها.
  • معدلات الالتحاق بالتعلیم حیث يؤدى ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعلیم في الحصــــــــول

على قوة عاملة مؤهلة تتمتع بدرجة عالیة من المعارف.

  • جودة التعلیم: حیث تسهم جودة التعلیم في الحصول على مخرجات جیدة یمكنها المشاركة بفاعلیة في تقدیم الخدمات وحل المشكلات والأزمات المختلفة.
  • التدریب الفعال: یسهم التدریب الفعال في أكتساب المهارات والخبرات وهو ما یؤدى إلى

تطویر القدرات وتحسین الأداء وتغییر السلوكیات نحو الأفضل.

ویستخدم مؤشر رأس المال البشرى    Human Capital Index الصادر عن المنتدى الأقتصادى العالمى كأحد المؤشرات التى یمكن الأعتماد علیها للحكم على كفاءة رأس المال البشرى في دولة ما30.

المحورالثاني: واقع الاستثمار في رأس مال البشري في الوطن العربي

نتناول  أن نتناول واقع الاستثمار في رأس مال البشري في الوطن العربي من خلال ابراز قيوده و تكاليفه .

أولا: قيود الاستثمار في رأس المال البشري

ويعاني رأس المال البشري إجمالا من قيود بسبب الفجوات بين الجنسين31، ومن هذه القيود التي يجب أن تأخذها المنظمة بنظر الاعتبار عند تطبيقها المفاهيم الاقتصادية للاستثمار في رأس المال البشري32،نجد:

1- اختلاف خصائص رأس المال البشري عن خصائص رأس المال المادي .فالاستثمار في الموارد البشرية وتوطينها، مطلب مهم و ملح و لكنه صعب التحقيق. و الإشكالية هي خاصة في إيجاد و تقييم متطلبات ذلك33.

2- النقص في البيانات و الأساليب المنهجية اللازمة لتطبيق نظرية رأس المال البشري34.

3- صعوبة تحديد نسبة التكلفة المخصصة لكل من الاستهلاك و الاستثمار.

4- صعوبة تقييم وقياس المنفعة المتحققة من الاستثمار البشري 35.

و بالرغم من وجود بعض الصعوبات المتعلقة بتطبيق مفاهيم الاستثمار البشري، إلا أنها تمد الباحثين بوسائل لتقييم برامج الموارد البشرية المختلفة، و الوصول إلى قرارات وسياسات وإستراتيجيات أكثر فعالية لإدارة و تنمية الموارد البشرية36.

وكمحاولة للتغلب على بعض قيود تطبيق المفاهيم الاقتصادية على الموارد البشرية، يقترح مستويان للحلول. يتعلق أولهما بالجانب الإتجاهي و المفاهيمي للمنظمات ناحية مواردها البشرية. أما ثانيهما فيتعلق بالجوانب المنهجية و التطبيقية؛ بالنسبة للجانب الإتجاهي و المفاهيمي فهو يتضمن: ضرورة تغيير نظرة المنظمات و اتجاهاتها ناحية مواردها البشرية.

ويتم هذا من خلال إدراك المنظمات للموارد البشرية كأصول يمكن تقييمها و الاستثمار فيها لزيادة تنافسيتها واكتسابها ميزة تنافسية من خلال هذه الموارد البشرية37. وأيضا يجب أن تدرك المنظمات الاختلافات الفردية لمواردها البشرية، ومن ثم تسعى إلى تنمية أساليب وسياسات إستراتيجية مختلفة تتناسب مع هذه الاختلافات.

أما المستوى الثاني للحلول المقترحة فتتعلق بالنواحي التطبيقية و المنهجية. فإدراك المنظمة لأهمية الموارد البشرية كأصول مثلها مثل الأصول الأخرى في المنظمة، و للاختلافات الفردية لهذه الموارد سيؤدي بها إلى السعي للتكيف مع هذه المفاهيم و الاتجاهات الحديثة.  وفي هذا المجال أيضا فإنه يمكن للمنظمة تقليل درجة الخطر في الاستثمارات البشرية و الناتجة من ترك الأفراد للعمل بعد تحمل تكلفة الاستثمار فيهم، من خلال عقود عمل طويلة الأجل نسبيا38.

أما بالنسبة للقصور في النواحي المنهجية للبحوث فيمكن أن يتم معالجته من خلال بعض الاقتراحات مثل:

أ- الاهتمام باستخدام وتطبيق التصميمات التجريبية المحكمة مثل: التصميم العاملي و الذي يمكن من خلاله معالجة الصعوبة في تتبع الأثر الصافي للتدريب على مهارات وإيرادات الفرد. ومثل هذا التصميم يمكن من عزل أثر المتغيرات الأخرى التي قد تؤثر على إيرادات ومهارات الفرد مثل الخبرة، و العمر، و التعليم39؛

ب- الاهتمام بقياس التكلفة و المنفعة غير المباشرة للتدريب.

ج- الاهتمام بإدخال بعض المعايير الاجتماعية وغير المادية عند حساب معدل العائد على الاستثمار البشري.

د- الاتجاه بالدراسات و الأبحاث في مجال الاستثمار البشري إلى الأبحاث التي تغطي سلسلة زمنية أطول نسبيا، نظرا لطول الوقت الذي يتطلبه تتبع الآثار المترتبة  على الاستثمار البشري40.

ويمكن اقتراح بعض الضوابط المنهجية لاستخدامها في دراسات تحليل التكلفة و العائد المتعلقة بمجال تأثير الاستثمار في التدريب، ومن هذه الضوابط:

– ضرورة تنوع عينة البحث لزيادة القدرة على القياس و التعميم؛ حيث تختلف العلاقة بين تكلفة ومنفعة التدريب باختلاف المجموعات الضابطة، وباختلاف المتدربين، و المهن، و سوق العمل؛

– استخدام الطرق الإحصائية غير الخطية مثل الانحدار المتعدد باعتباره من أفضل الوسائل لتقدير آثار التدريب41.

ثانيا: تكاليف الاستثمار في رأس مال البشري

كان يعتقد سابقاً أن الاستثمار الحقيقي يرجع إلى الاستثمار في رأس المال الطبيعي (الآلات والمعدات) ولكي يتمكن المجتمع من زيادة دخله لا بد له أن يوجه جزءاً من دخله للاستثمار في رأس المال الطبيعي، وكان يعتقد أيضاً أن زيادة الناتج المحلي ( النمو الاقتصادي) يرجع إلى الزيادة التي تحصل في رأس المال الطبيعي + الزيادة في عدد العمال الخام، وكان ينظر إلى التعليم على أنه نوع من أنواع الاستهلاك الذي ينقص ثروة المجتمع، ولكن مع تعمق الاقتصاديين في موضوع التعليم 42أشار كثير منهم إلى أهمية التعليم في زيادة ثروة المجتمع، ومن أمثال هؤلاء الاقتصاديين: آدم سميث، وريكاردو، ومالتوس، والفرد مارشال،

ومع تطور أساليب القياس الاقتصادي اكتشف بعض العلماء أمثال: شولتز، ودينيسون، وغيرهما، إن الزيادة التي تحصل في الناتج المحلي لا ترجع فقط إلى الزيادة في رأس المال الطبيعي أو الزيادة في عدد العمال الخام، ولكن هناك عوامل أخرى تفسر كثيراً من تلك الزيادة (نظرية الباقي)43 ومن هذه العوامل التعليم، وعند إدخال متغير التعليم لمعرفة علاقته بالزيادة في الناتج المحلي وجد أن التعليم يسهم بنسبة كبيرة في تلك الزيادة، وبذلك أثبت أن التعليم استثمار وليس استهلاكاً، وبذلك ظهر مفهوم الاستثمار في رأس المال البشري والذي أكد بعض العلماء أنه لا يقل أهمية عن الاستثمار في رأس المال الطبيعي بل أكد البعض على أنه يفوقه، خاصة مع التقدم في التكنولوجيا والتقنية والتي تحتاج مهارات ومتطلبات خاصة للتعامل معها، مما يجعل التعليم والتدريب هما عنصرا السبق في التنافس القادم على الريادة العالمية44.

خلاصة

إن الموارد البشرية تعد الحلقة الأقوى والمحرك الأساسي لإنجاح العمل المؤسساتي، الذي يوثر بدوره في منظومة العمل الحكومي بأكملها، ما يتطلب التركيز في إعداد كوادر مؤهلة تستطيع استثمار التعلم وتحويل الابتكار إلى إبداع، وهو ما يستدعي إعادة هندسة إجراءاتها وتصميم رحلة المتعامل معها بحيث بشكل يخفض الكلفة ويرفع مستوى الكفاءة.

و بهذا الخصوص  تبنت دولة الامارات العربية المتحدة منهجاً في التعامل مع هذه القضية يقوم على أسس عدة، أولها بناء إنسان عصري قادر على تحمل أعباء التنمية والتفاعل الإيجابي مع متغيرات العصر، وهذا ما يبدو من اهتمامها الكبير بالتعليم والصحة والإسكان والثقافة والبيئة، وغيرها من المجالات التي تصب في تحقيق هذا الهدف. ثانيها فتح المجال واسعاً أمام مشاركة المواطنين في قيادة مسيرة التقدم والتنمية على المستويات كافة، وإتاحة الفرصة أمامهم لإثبات ذاتهم، ومنحهم الثقة من قِبل القيادة السياسية لتولي أرفع المناصب في المجالات المختلفة. ثالثها استثمار كل الطاقات البشرية، والعمل على عدم تعطيل أي منها لأي سبب.

جدول يوضح الانفاق على التعليم في الدول العربية لسنوات مختارة

 

الدولة

تنمية بشرية مرتفعة

 

الكويت

متوسط النسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة

2000-2005

4.8

متوسط النسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة

2008-2011

5.1

متوسط النسبة من الانفاق الحكومي الإجمالي في الفترة

2000-2005

3.4

متوسط النسبة من الانفاق الحكومي الإجمالي في الفترة

2008-2011

12.7

قطر 3.5 4.1 12.0 14.0
الامارات العربية المتحدة 2.0 5.3 15.0 27.4
البحرين 3.9 4.6 12.8 15.0
ليبيا 2.5 2.7 10.0 11.0
عمان 3.0 3.6 15.8 24.2
السعودية 5.8 6.8 17.8 27.6
تنمية بشرية متوسطة

الأردن

 

5.0

 

3.0

 

13.0

 

11.0

لبنان 000 2.6 000 11.0
تونس 6.0 7.3 14.3 20.8
الجزائر 5.1 5.1 22.0 21.0
فلسطين 9.5 11 22.0 25.0
سوريا 3.9 3.5 14.2 13.0
مصر 3.9 4.1 10.0 12.0
المغرب 5.0 6.7 26.3 27.2
جزر القمر 000 3.9 000 24.1
موريتانيا 4.6 2.3 13.9 8.3
السودان 1.6 1.8 2.8 3.2
جيبوتي 3.5 7.9 11.1 27.3
اليمن 000 5.7 000 22.8

المصادر: برنامج الأمم المتحدة النمائي ،تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام2009 وبيانات منشورة من وزارات المالية، وتقارير مختلفة للمنظمة العربية للعلوم والثقافة واحصاءات اليونسكو

الهوامش

  1. الاستثمار في راس المال البشري والعائد من التعليم احمد الكدري موسوعة الاسلام والتنمية منشور على الموقع الالكتروني Com/hr6872 html
  2. Houghton, E. (2017). Human capital theory: assessing the evidence for the value and importance of people to organizational success.Technical report, CIPD, USA
  3. – ثروة الأمم أو باسمه الكامل بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم ‏ هو أهم مؤلفات الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث، تم نشره عام 1776 في بداية فترة الثورة الصناعية ويعتبر أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي. نادى بالرأسمالية فرفض تدخل الحكومة في الاقتصاد، ونادى بوجوب تركه لقوى العرض والطلب
  4. قام العديد من الاقتصاديين بنقد نظرية رأس المال البشري، وكما نشر باحثون رسائل ماجستير عن رأس المال البشري، نشر آخرون رسائل في نقد نظرية رأس المال البشري. ولعل أشهر من قاموا بنقد نظرية رأس المال البشري هو مايكل سبينس، الذي قدم نظرية التأشير كبديلٍ لنظرية رأس المال البشري. كما قام الاقتصادي الشهير بيير بورديو بنقد نظرية رأس المال البشري، إذ رأى أنها ليست واضحة، ولم تفسر بشكل كافٍ. فاقترح بدلاً منها عدة مفاهيم مثل: رأس المال الثقافي، ورأس المال الاجتماعي، ورأس المال الاقتصادي.
  5. للاطلاع اكثر انظر محمد اسماعيل “الادارة المالية في منظمات الاعمال “دار النهضة العربية ،القاهرة مصر،ص 10 وكذلك Hamdani benali;”techniques de choix des investissement” séries ouvrages n 8 .faculté de droit Marrakech 1999  p14
  6. – Bassi&McMurrer, ” Employers’ Perspectives onHuman Capital Development and Management Submitted to OECD v1.1 -2007,p116
  7. -Marketing 91.com ‘what is the importance of learning 4-9-2022 –
  8. خالد بن حمود بن محمد العصيمي “فاعلية نموذج التعلم ثنائي dslm في تدريس العلوم على تنمية المفاهيم العلمية ومهارات ما وراء المعرفة والمعتقدات المعرفية لدى طلاب الصف الثاني المتوسط،”كلية التربية –جامعة عين الشمس_العدد   45 ،الجزء الثاني ،الصفحة 79 ومايليها
  9. وكالة الانباء الكويتية (كونا )مؤتمر دبي 2011 ،خبراء موارد بشرية ضرورة زيادة الاستثمار في العنصر البشري لمواكبة النمو الاقتصادي في الخليج.
  10. علاء درويش “مشكلة البطالة واثارها الاجتماعية في المجتمعات المأزومة – المجتمع الفلسطيني نموذج  دراسة تحليلية”. linkedin.com
  11. فاطمة مشعلة” قضايا العمل “موضوع mowdou3 اطلع عليه
  12. قدور خليلي وعبد الكريم وانزة “عقد العمل في التشريع الجزائري” كلية الحقوق والعلوم السياسية ، الجزائر جامعة ادرار، شهادة الماستر 2017-2018 ص25
  13. دليل منظمة العمل الدولية  ط١بيروت “تفتيش العمل والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز في الدول العربية”.
  14. دة ابراهيمي بن حراث حياة  “سياسة واستراتيجية الاستثمار (دروس وتمارين) “،مطبوعة علمية بيداغوجية مقدمة لطلبة السنة الثالثة ليسانس تخصص مالية المؤسسة، جامعة عبدالحميد ين باديس .مستغانم الجزائر كلية العلوم الاقتصادية ،التجارية وعلوم التسيير2019/2020ص10
  15. عبد القادر بابا “سياسة الاستثمارات في الجزائر وتحديات التنمية في ظل التطورات العالمية الراهنة” اطروحة دكتوراه جامعة الجزائر كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير2004- 2003 ص16.
  16. عبد القادر بابا م.س ص46
  17. عبد القادر بابا م.س.ص 47
  18. – Houghton, E. (2017). Human capital theory: assessing the evidence for the value and importance of people to organizational success.Technical report, CIPD, USA, p 11
  19. محمد بلقاسم حسن بهلول الجزاىر بين الازمة الاقتصادية والازمة السياسية مطبعة دحلب الجزائر1993ص 36
  20. عبدالقادر بابا م.س.ص 47 ومايليها
  21. د . رضوان وليد العمار “أساسيات الادارة الماتلية “دار الميسرة الاردن ط 1997 ص ص117- 119
  22. ائتلاف رأس المال الطبيعي. 2016“ .بروتوكول رأس المال الطبيعي“. متاح عبر الإنترنت على: protocol/org.naturalcapitalcoalition.www
  23. صحراوي، علي مظاهر الجباية في الدول النامية و أثرها على الاستثمار الخاص من خلال إجراءات التحريض الجبائي (التجربة الجزائرية)  رسالة ماجستيرجامعة الجزائر،كلية معهد العلوم الاقتصادية الجزائر -1991-1992   ص124
  24. محمد بومدين” البعد الاستراتيجي للموارد البشرية في ادارة التغيير” مجلة دفاتر اقتصادية Volume 3, Numéro 1, Pages 214-233 بتاريخ 01-03-2012
  25. ياسين بوزقزة”البعد الإ ستراتيجي للثقافة التنظيمية في تحقيق فاعلية المؤسسة” دفاتر البحوث العلمية Volume 5, Numéro 1, Pages 111  -134بتاريخ 2017-06-26
  1. – الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ” الاستثمار بالموارد البشرية” محاضرة علمية رابعة أقـامها مركـز الجلـد والحساسيـة, بتاريخ 6 نوفمبر 2008م, وذلك ضمن سلسلة من المحاضرات والندوات التي يقيمها المركز.
  2. فرعون امحمد ومحمد اليفي “الاستثمار في رأس المال البشري كمدخل حديث لإدارة الموارد البشرية بالمعرفة http: //iefpedia/com
  3. الدكتور حاتم فارس الطحان “الاستثمار اهدافه ودوافعه” سنة 2006 كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد
  4. -.http://reports.weforum.org/human-capital-report-2016/users-guide
  5. – http://reports.weforum.org/human-capital-report-2016/rankings
  6. حياة بن حراث ‘سياسات التمويل الموجهة لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة  في الجزائر .رسالة دكتوراة علوم منشورة جامعة تلمسان ص ص 23 -28
  7. راوية حسن، مدخل استراتيجي لتخطيط و تنمية الموارد البشرية، الإسكندرية، الدار الجامعية، 2002، ص ص82-87.
  8. Wang, H. C., He, J., & Mahoney, J. T. (2009). Firm-specific knowledge resources and competitive advantage: the roles of economic- and relationship-based employee governance mechanisms. Strategic Management Journal, 30(12), 1265‑1285.
  9. عبد الرحمان عبد الفتاح “تقييم اليات قياس العائد على الاستثمار المادي في التدريب في الفنادق الخمس نجوم “المجلد 2 العدد1 يناير 2022 ص36-61
  10. عبد الرحمان عبد الفتاح .م س ص36-61عبد الرحمان عبد الفتاح .م س ص36-61
  11. -بن ساحة يعقوب “انعكاس مبدأ حرية الاستثمار على المرفق العام الاقتصادي “مجلة دراسات اقتصادية ،جامعة غرداية ،العدد 38 غشت 2019
  12. -رواية حسن “مدخل استراتيجي لتخطيط وتنمية الموارد البشرية “الدار الجامعية 2002 ص 82-87
  13. Wang, H. C., He, J., & Mahoney, J. T. (2009). Firm-specific knowledge resources and competitive advantage: the roles of economic- and relationship-based employee governance mechanisms. Strategic Management Journal, 30(12), 1265‑1285.
  14. – شوام بوشامة .مدخل في الاقتصاد ‘الجزء الاول ‘دار العرب للنشر والتوزيع 2000ص22
  15. شوام بوشامة .م س ص22 ومايليها
  16. مروان عبد العزيز دبدوب “طرق مقترحة في انحدار الحرف” المجلة العراقية للعلوم الإحصائية 10-2006 ص ص 85-106
  17. أسماء حدانة “الاستثمار الحقيقي خارج إطار المحروقات في الجزائر والتنمية المستدامة “أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم الاقتصادية ،كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة محمد حيضر-بسكرة الجزائر 2018-2017 ص 144 ومايليها.
  18. نظرية الباقي الصينية هي نظرية نظرية الأعداد ، التي تنص على أنه إذا عرف المرء ما تبقى من التقسيم الإقليدي للأعداد الصحيحة n بعدة أعداد صحيحة ، فيمكن للمرء أن يحدد بشكل فريد الباقي لتقسيم n بواسطة ناتج هذه الأعداد الصحيحة ، تحت شرط أن المقسومات هي coprime الزوجية
  19. -“التعليم والتدريب من أجل العمل في مجتمع المعارف “التقرير الرابع 1 مؤتمر العمل الدولي الدورة 91 -2003 البند الرابع من جدول الأعمال مكتب العمل الدولي ،جنيف.
قد يعجبك ايضا