الرد على خطاب رئيس الدولة في الدستور الإماراتي
مقدمة:
تلعب الهيئة التشريعية دورا بارزا في تطوير إدارة جيدة والحد من أعمال الفساد والإدارة الضعيفة في جميع قطاعات المجتمع. فالناس يتوقعون من أعضاء الهيئة التشريعية ان يتمتعوا بمستويات عالية من الخلق في حياتهم المهنية والخاصة ويتوقعون كذلك ان يقدموا خدماتهم عن قناعة والتزام تجاه الناس .
ويعتبر المجلس الوطني الاتحادي الجهة البرلمانية الممثلة لشعب دولة الإمارات أمام الحكومة الاتحادية، ويلعب دورا استشاريا، ليكون السلطة الاتحادية الرابعة من حيث الترتيب في سلم السلطات الاتحادية الخمس المنصوص عليها في الدستور الاماراتي لسنة 1971 وهي: المجلس الأعلى للاتحاد، رئيس الاتحاد ونائبه، مجلس وزراء الاتحاد، المجلس الوطني الاتحادي، القضاء الاتحادي.
يفتتح الفصل التشريعي بخطاب لرئيس الدولة أو نائبه يلقيه أمام أعضاء البرلمان المكون للمجلس الوطني الاتحادي، كما يتم تعيين لجنة الرد على خطاب الرئيس، وتختص بإعداد مشروع الرد على خطابات افتتاح صاحب السمو رئيس الدولة الفصول التشريعية المختلفة وأدوار انعقادها العادية.
فما هو مضمون الرد على خطاب رئيس الدولة في الدستور الاماراتي؟ وماهي أهميته ؟
للإجابة عن ذلك سأتناوله انطلاقا من المحورين الآتيين حيث سأناقش في الأول افتتاح البرلمان بخطاب رئيس الدولة وفي الثاني سأتحدث عن لجنة الرد على خطاب رئيس الدولة.
المحور الأول: افتتاح البرلمان بخطاب رئيس الدولة
في خطاب افتتاح الدور الأول من الفصل التشريعي الخامس عشر بتاريخ 15 نوفمبر 2011م أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” على أهمية دور المجلس بقوله “لقد خطت دولتنا خطوات مشهودة في المجالات كافة وباتت نموذجا يحتذى في الإنجاز وإدارة التحديات وذلك بفضل ولاء أبنائها وبناتها وجهودهم المخلصة وفعالية مؤسساتها ونظمها وقوانينها ورشد سياساتها الداخلية والخارجية مما رسخ من مكانتنا بين الأمم وأعلى من شأن دولتنا بين الدول وفي كل هذا كان لمجلسكم الموقر الدور المقدر ونحن على كامل الرضا بما حقق من كسب خلال الأربعة عشر فصلا الماضية عمل في تناسق تام وتعاون فعال مع الجهاز التنفيذي مساندا ومرشدا وأسهم بمسؤولية في بناء دولة القانون والمؤسسات وتوطيد نهج الشورى وتعزيز ممارسات المساءلة والشفافية وتكريس قيم الولاء والانتماء والتلاحم الوطني وننتظر منه اليوم في فصله الخامس عشر وجودا أكثر فعالية يستشعره الناس ومشاركة أعظم تأثيرا في التأسيس تدرجا لنظام تمثيلي وطني أصيل يستمد عناصره من قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ومكونات نسيجنا الاجتماعي والثقافي ويرسخ نهج الشورى وقيم المشاركة ويعزز خصوصية تجربتنا في تميزها وتفردها وتعبيرها عن مجتمعنا المتحرك بعزم وتطلع نحو مستقبل أصدق وعدا وأكبر أملا” .وإذا كان لخطاب رئيس الدولة أو نائبه أهمية فمن أين يستمد هذا الخطاب مشروعيته؟ (أولا )وماهي الإجراءات المصاحبة لافتتاح البرلمان الاتحادي ؟(ثانيا).
أولا: السند الدستوري للخطاب
نصت المادة “80” من الدستور على ما يلي:” يفتتح رئيس الاتحاد الدور العادي السنوي للمجلس، ويلقي فيه خطابا يتضمن بيان أحوال البلاد، وأهم الأحداث والشؤون الهامة التي جرت خلال العام، وما تعتزم حكومة الاتحاد إجراءه من مشروعات وإصلاحات خلال الدورة الجديدة. ولرئيس الاتحاد أن ينيب عنه في الافتتاح أو في إلقاء الخطاب، نائبه أو رئيس مجلس وزراء الاتحاد. وعلى المجلس الوطني الاتحادي أن يختار لجنة من بين أعضائه لإعداد مشروع الرد على خطاب الافتتاح، متضمنا ملاحظات المجلس وأمانيه، ويرفع الرد بعد إقراره من المجلس إلى رئيس الاتحاد، لعرضه على المجلس الأعلى”.
وتجيز دساتير كل من المغرب ومصر والجزائر لرئيس الدولة إلقاء خطاب أمام البرلمان، ويوسع الدستور المغربي هذا الحق لرئيس الحكومة أيضا، ويمنحه الدستور المصري إلى عضو من أعضاء الحكومة.
وفي المغرب، يلقي الملك خطابا أمام البرلمان ، ولا يحق لأعضاء البرلمان مناقشة محتوى
الخطاب كما يحق كذلك لرئيس الحكومة إلقاء تصريحات وبيانات أمام البرلمان،تتعلق بقضايا تكتسي طابعا وطنيا هاما
وفي مصر، لرئيس الجمهورية أن يلقى بيانا حول السياسة العامة للدولة أمام مجلس النواب عند افتتاح دور انعقاده العادي السنوي. ويجوز له إلقاء بيانات، أو توجيه رسائل أخرى إلى المجلس ) . كما يمكن ألي عضو من أعضاء الحكومة إلقاء بيان أمام مجلس النواب، أو إحدى لجانه، عن موضوع يدخل في اختصاصه. ويناقش المجلس، أو اللجنة هذا البيان، ويبدى ما يرى بشأنه.
ثانيا: الإجراءات المصاحبة لافتتاح البرلمان الاتحادي
وأصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، المرسوم رقم ” 184 ” لسنة 2020م، بدعوة المجلس الوطني الاتحادي للانعقاد في دوره الثاني للفصل التشريعي السابع عشر ، ونص في مادته الثانية على الجهات المعنية تنفيذ هذا المرسوم، وينشر في الجريدة الرسمية “.
وتبدأ مراسم افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني للمجلس بتشريف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” قاعة زايد (عن بعد)، ثم السلام الوطني، وتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ويتفضل بعد ذلك صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بافتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي السابع عشر بالنطق السامي.
بعدها يتم تـلاوة المرسـوم الاتحادي الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” بدعـوة المجلس للانعقاد، ويلقي معالي صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي كلمة ترحيباً بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بعدها ترفع الجلسة لتوديع صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
بعد ذلك يعقد المجلس الوطني الاتحادي جلسته الأولى من دور انعقاده العادي الثاني من الفصل التشريعي السابع عشر، برئاسة معالي صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي
وتبدأ الجلسة بانتخاب المراقبين وفقا للمادة ” 84″ من الدستور التي تنص على ما يلي : ” يكون للمجلس هيئة مكتب تشكل من رئيس ونائب أول ونائب ثان، ومن مراقبين اثنين يختارهم المجلس جميعا من بين أعضائه ، وتنتهي مدة كل من الرئيس ونائبيه بانتهاء مدة المجلس أو بحله وفقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة” 88″، وتنتهي مدة المراقبين باختيار مراقبين جديدين في مستهل الدورة السنوية العادية التالية، وإذا خلا أحد المناصب في هيئة المكتب اختار المجلس من يشغله للمدة المتبقية ” .
بعد ذلك يشكل المجلس لجانه وهي : ” لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية والطعون، ولجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية، ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية والصناعية، ولجنة شؤون التقنية والطاقة والثروة المعدنية، ولجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام، ولجنة الشؤون الصحية والبيئية، ولجنة الشؤون الاجتماعية والعمل والسكان والموارد البشرية، ولجنة الشؤون الإسلامية والأوقاف والمرافق العامة، ولجنة الشكاوى، في حين أن لجنة رؤساء اللجان تتشكل بعد أن تنتخب اللجان رؤسائها”.
وتنص المادة “45” من اللائحة الداخلية للمجلس على ما يلي : ” يؤلف المجلس خلال الأسبوع الأول من جلسته السنوية اللجان اللازمة لأعماله، وبجوز لهذه اللجان أن تباشر صلاحياتها فيما بين أدوار الانعقاد، تمهيدا لعرضها عليه عند اجتماعه، وللمجلس- في أول كل دور- أن يقرر بناء على اقتراح هيئة المكتب بقاء اللجان على حالها أو إجراء ما يراه من تعديلات ” .
وحسب المادة “47” من اللائحة الداخلية للمجلس ” تتولى اللجان الدراسة وإبداء الرأي وإعداد التقارير فيما يحيله إليها المجلس أو رئيسه” .
ووفق جدول أعمال الجلسة الأولى وفي بند المراسيم بقوانين التي صدرت، يطلع المجلس على مرسوم بقانون اتحادي رقم (16) لسنة 2020 بشأن تعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 1972 في شأن اختصاصات بعض الوزارات وصلاحيات الوزراء، كما يطلع على بيان صادر عن المجلس بشأن معاهدة السلام الإماراتية – الإسرائيلية .
ويطلع المجلس على موضوعين عامين تبنتهما لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل والسكان والموارد البشرية، الأول بعنوان “تنظيم العمل التطوعي”، والثاني بعنوان “سياسة وزارة تنمية المجتمع في شأن تطوير نظام الضمان الاجتماعي”، للموافقة عليهما وعلى محاورهما لرفعهما للحكومة للموافقة على مناقشتهما في المجلس بحضور الوزراء المعنيين.
وعادة مايستقبل رئيس الدولة رئيس المجلس الوطني الاتحادي وكذا أعضاء لجنة الرد على خطاب سمو رئيس الدولة والنهج الذي سار عليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” عندما استقبل معالي محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي وأعضاء لجنة الرد على خطاب صاحب السمو رئيس الدولة في 17 يناير 2012م حرصه على تعزيز الدور المهم للمجلس الوطني الاتحادي ودعم المشاركة الفاعلة في تطوير العمل الوطني وبناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ نهج الشورى بما يتماشى ويراعي خصوصية عادات وتقاليد شعب الإمارات وتراثه ومكونات نسيجه الاجتماعي والثقافي.
المحور الثاني: لجنة الرد على خطاب رئيس الدولة
شهدت الأمانة العامة للمجلس الوطني الاتحادي في دبي صباح أمس اجتماع لجنتي الرد على خطاب الافتتاح الذي ألقاه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ”حفظه الله”، واللجنة التنفيذية للشعب البرلمانية بالمجلس· ناقشت لجنة الرد على خطاب الافتتاح خلال اجتماعها الذي استمر لمدة خمس ساعات أهم النقاط التي وردت في خطاب صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ”حفظه الله” في افتتاح المجلس الوطني الاتحادي في دورته الجديدة، وحددت الأربعاء المقبل موعداً للانتهاء من إعداد مسودة الرد النهائي ورفعه إلى المجلس الوطني في جلسته المقبلة.
أولا: تشكيل لجنة الرد
ويتضمن مشروع الرد على خطاب الافتتاح وفقا لما حدده الدستور في المادة ” 80″، ملاحظات المجلس وأمانيه، حيث يرفع الرد الذي تقوم بإعداده لجنة يشكلها المجلس من بين أعضائه بعد إقراره من المجلس إلى رئيس الاتحاد، لعرضه على المجلس الأعلى، الأمر الذي يؤكد الثقة بما تضمنه خطاب الافتتاح من توجيهات نحو الاستمرار في تطوير وتعزيز المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتعليمية والثقافية والصحية والإسكان والموارد البشرية والبنية التحتية والعمرانية ومواجهة التحديات الأخرى بما يتناسب ومتطلبات عملية التنمية المستدامة، ومواكبة المستجدات والمتطلبات المتزايدة لاحتياجات المجتمع تحقيقاً لأهداف الخطة الإستراتيجية للحكومة الاتحادية
ثانيا: مسطرة اشتغال لجنة الرد
عقدت لجنة الرد على خطاب افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي السابع عشر للمجلس الوطني الاتحادي، اجتماعًا في مقر الأمانة العامة للمجلس، لمناقشة مشروع الرد على كلمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، بمناسبة انعقاد الدور الثاني للمجلس الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” .
وقال صاحب السمو رئيس الدولة “حفظه الله” في كلمة وجهها بمناسبة افتتاح الدور الثاني للمجلس الوطني الاتحادي “إخواني وأخواتي أعضاء المجلس، تستأنفون اليوم أعمال مجلسكم في مرحلة حافلة بالتحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ومنذ شهر فبراير الماضي، نواجه مع العالم بأسره جائحة كورونا والآثار المترتبة عليها، لقد غيرت الجائحة كل شيء في حياة البشر وأوضاع الدول وبدلت أولويات الحكومات، وتسببت بجمود الاقتصاد العالمي، وكان أداء دولتنا في مواجهة الجائحة نموذجياً وفي مستوى تقدمها، ومكانتها، وقدرتها على الإنجاز، وتعزز هذا المستوى بمواصلة نهجنا في العطاء، حيث قدمنا مساعدات طبية وإغاثية لأكثر من مائة دولة في العالم، كما تعزز بمضينا قدماً في برنامج الطاقة النووية السلمية، والبدء بتشغيل مفاعلات محطة براكة، ومضينا في برنامجنا الفضائي بإطلاق مسبار الأمل نحو المريخ”.
وأضاف سموه “تعلمون أن الأهمية الاستراتيجية لمنطقتنا جعلت أمنها واستقرارها جزءاً من الأمن والاستقرار الدوليين، وكان علينا أن نكيف دائمًا سياستنا مع ما يدعم مرتكزات أمن واستقرار دولتنا ومنطقتنا، على قاعدة الالتزام بمبادئ القانون الدولي، والتعايش السلمي وحل الخلافات بالحوار، وفي هذا السياق جاء “الاتفاق الإبراهيمي” رافدًا من روافد السلام يدعم طموحات شعوب المنطقة لتحقيق الرخاء والتقدم”.
وتم خلال الاجتماع الذي ترأسته سعادة ناعمة عبداالله الشرهان النائب الثاني لرئيس المجلس رئيسة اللجنة، مناقشة مشروع الرد على خطاب الافتتاح والموافقة على تقرير اللجنة واعتماده.
وحضر اجتماع اللجنة سعادة كل من: ناعمة عبدالرحمن المنصوري مقررة اللجنة، وأسامة أحمد الشعفار، وأحمد حمد بوشهاب، وسمية عبدالله السويدي، وعبيد خلفان السلامي، ومريم ماجد بن ثنيه، وناصر محمد اليماحي، وهند حميد العليلي.
خلاصة:
بالرغم من أن المجلس لا يملك كل صور الرقابة البرلمانية المعروفة إلا أن الدستور الاتحادي قد أعطي مجالاً للمجلس – عند ممارسته لوظيفته الرقابية – للتأثير المباشر في أعمال السلطة التنفيذية من خلال أدوات محددة هي: طرح موضوعات عامة للمناقشة، وتوجيه الأسئلة، وإبداء التوصيات حول موضوعات معينة، والفصل في الشكاوى المقدمة، وذلك وفقاً لنصوص الدستور الاتحادي واللائحة الداخلية للمجلس الوطني الاتحادي..
ويعد الرد على خطاب رئيس من الاختصاصات المهمة التي يقوم بها المجلس الوطني الاتحادي وهو ضرب أخر من ضروب الممارسة الديموقراطية في دولة الامارات العربية المتحدة.
المراجع:
1-الدستور الاماراتي لسنة الصادر عام 1971 والتعديلات عليه وصولا إلى عام 2009
2- شمس علي الوجيز في القانون الدستوري وأسس النظام الدستوري في الإمارات العربية المتحدة.
3-السيد محمد إبراهيم ’أسس التنظيم السياسي والدستوري لدولة الإمارات العربية المتحدة1975.
4- محسن خليل ،النظام الدستوري لدولة الإمارات العربية المتحدة،إصدار جامعة الإمارات،العين طبعة عام 1989.
معلومات حول الكاتب:
زايد محمد صياح المزروعي
طالب باحث بسلك الدكتوراه
تخصص القانون العام والعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس – الرباط