أحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي في إطار مضامين وأبعاد الرسائل الملكية السامية

محمد البغدادي

المقدمة:
لقد استأثر موضوع أحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي بانشغال واهتمام كبيرين من
جانب الأوساط السياسية والدينية، وذلك في ظل تزايد الخطاب العنيف والغلو والتطرف والكراهية، وكذا
انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للقارات وللحدود، لاسيما وأن المغرب في سنة 2015 أحدث
مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، بهدف توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين في المغرب وباقي

الدول الإفريقية للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها.

ويراد بأحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي على أنها الأسس والقواعد الشرعية المتفق
عليها بين العلماء والفقهاء والمفتين على اعتبار أن الفتوى هي جوهر الاجتهاد الفقهي وثمرة العقلية
الاجتهادية وفق مقاصد الدين المبني على الاعتدال والوسطية من خلال نهج فقه الاستقراء وأصول
الاستنباط ووعي بالواقع المجتمعي .

ونظرا لأهمية ومكانة أحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي في زرع الاستقرار وضمان
الأمن والسلم والاعتدال والتسامح والتعايش، فإن الإشكالية المحورية تتمثل فيما يلي: كيف ستساهم أحكام
الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي في تقارب الأمن مع التنمية؟.
وتحت هاته الإشكالية المركزية تتفرع عنها التساؤلات التالية: ماهي مضامين وأبعاد الرسائل الملكية
السامية بشأن أحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي؟ وأين تكمن محورية المغرب في ضوابط
الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي من خلال جاذبية ومصداقية نموذجه الديني والروحي؟.
ولمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد التقسيم التالي:
المبحث الأول: مضامين وأبعاد الرسائل الملكية السامية بشأن أحكام الفتوى الشرعية في السياق
الإفريقي
المبحث الثاني: محورية المغرب في ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي من خلال جاذبية
ومصداقية نموذجه الديني والروحي
المبحث الأول: مضامين وأبعاد الرسائل الملكية السامية بشأن أحكام
الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي
لقد أصبح الحقل الديني بالمغرب يلعب أدورا طلائعية ومحورية في تحقيق التوزان بين ضمان وحماية
الثوابت الدينية للمملكة من جهة، و تلبية الحاجيات الملحة والمتزايدة للمواطنين والمواطنات في شتى
المجالات من جهة أخرى.
وعليه، سوف نعالج المضامين الملكية السامية لأحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي في
المطلب الأول والأبعاد الدينية والروحية من خلال تقارب الأمن مع التنمية بشتى مجالاتها في
المطلب الثاني.
المطلب الأول: المضامين الملكية السامية لأحكام الفتوى الشرعية
في السياق الإفريقي
وجه أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة إلى المشاركين في الندوة
المنظمة من طرف مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة حول موضوع “ضوابط الفتوى الشرعية في السياق
الإفريقي”، والتي تحتضنها مدينة مراكش من 8 إلى 10 يوليوز 2023. وفي ما يلي النص الكامل للرسالة
الملكية السامية، والتي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق :”إنه لمن دواعي اعتزازنا
أن نتوجه إليكم بهذه الرسالة، وأنتم مجتمعون لتدارس موضوع طالما كانت له مكانة خاصة في نفسنا، ألا
وهو موضوع الفتوى في أحكام الشريعة والنوازل المستجدة، وذلك من منطلق الأمانة التي طوقنا الله بها في
حماية الدين من مختلف نزوعات التطرف والانغلاق وأسباب الفتنة. ومما يزيد من اطمئناننا، أن دعوتكم
لتدارس هذا الموضوع، قد صدرت من مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. هذه المؤسسة التي ما لبثت،
منذ أسسناها قبل ثماني سنوات، تحقق الأهداف التي رسمناها لها، ومنها توحيد وتنسيق جهود العلماء
المسلمين من المغرب وباقي البلاد الإفريقية الإسلامية، للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها،
والقيام بمبادرات من شأنها تفعيل قيم الوسطية والاعتدال والاجتهاد في كل إصلاح تتوقف عليه عملية
التنمية في إفريقيا، سواء على مستوى القارة، أو على صعيد كل بلد من بلدانها. لا يخفى عليكم أن منطلقنا
في إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، هو استيعاب التراث الغني، المتمثل فيما رسخه السلف
الصالح، عبر القرون، من الروابط المتينة والمتعددة الأبعاد بين المملكة المغربية وبلدان إفريقيا جنوبي
الصحراء. هذه الروابط القائمة على الثوابت المشتركة بين المغرب وبين أشقائه الأفارقة في العقيدة وفي
المذاهب السنية المعتدلة. وقد قامت هذه الثوابت على أسانيد السلوك التى رعتها الطرق الصوفية من جهة،
وعلى أسانيد العلم الشرعي المروي عبر سلسلات المشايخ الثقات من جهة أخرى. فالسلوك والعلم الشرعي
في فكرنا الديني وجهان لعملة واحدة. وإذا كان التواصل بين إمارة المؤمنين في المغرب وبين مشيخات طرق
التصوف في البلدان الإفريقية قد امتد عبر القرون، وما يزال، فقد وفقنا الله تعالى في هذا العصر لما أصبح
ضرورة ملحة، وهو إنشاء إطار مؤسسي للتواصل بين العلماء والفقهاء والمفتين، وذلك إدراكا منا للتحديات
المستجدة، المرتبطة بتطور الحياة الاجتماعية والحضارية في شتى مناحيها، وضرورة تنزيل الأحكام الشرعية
عليها. فالمسؤولية التي يتحملها علماء الدين على الدوام، مسؤولية عظمى، وقد ازدادت أهميتها وخطورتها
في هذا العصر، وهي أمانة جسيمة أمام الله وإزاء الناس الذين ينظرون إلى العلماء على أنهم المرجعية
الوثقى في تبليغ دين الله أولا، وفي حسن تنزيل مقاصده على أحوال الناس ثانيا.ومرجع العلماء في تحمل
هذه المسؤولية هو ما بلغنا من هدي جدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام، في الحديث الشريف : ” يحمل
هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”. إن هذه
الأصناف الثلاثة موجودة اليوم في زمرة الخائضين في شؤون الدين.ومن ثَم فالعلماء مطالبون بالتأثير
الإيجابي في الناس، وذلك بأن يبينوا لهم محاسن الوسطية والاعتدال، وأن يقوموا مقابل ذلك بنفي التأثير
السلبي للأصناف المتطرفة الجاهلة في عقول الأبرياء، لاسيما وأن هؤلاء المنحرفين يدرجون جل كلامهم
عن الدين في صنف الإفتاء والفتوى، لما لها من القدسية في أذهان الناس. وانطلاقا من هذا الواقع، ومن
ضرورة حماية دين الله، قمنا في مملكتنا الشريفة بالواجب في مأسسة الفتوى، بأن جعلناها جماعية من
ضمن اختصاصات المجلس العلمي الأعلى، الذي يستفتيه الناس في أمور الشأن العام ذات الصلة بالدين،
بينما يقوم العلماء كأشخاص، بإرشاد الناس للأحكام الدينية التي لا تدخل في الفتوى ذات الصلة بالحياة
العامة. ولربما كان هذا الشرط هو ما ينبغي الأخذ به في كل بلد من البلدان الإفريقية، وهو جعل الفتوى
في الشأن العام موكولة لمؤسسة جماعية من العلماء العدول الوسطيين، الذين يلتزمون بثوابت بلدهم ومذهبهم
الشرعي. إن لقاءكم المبارك هذا في موضوع الفتوى، حري بأن يعمق لدى المسلمين اليوم معنى الوسطية،
امتثالا لقوله تعالى : “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”. وهذا التوجيه الإلهي يجسد اليوم مدى ضرورة تجنب
التطرف والتفرقة، وهو دعوة الناس دعوة ملحة إلى الاعتدال، والحرص على طمأنة ضمائر الناس فيما
يتعلق بالخلاف في بعض الجزئيات، والعزم الأكيد على التعاون والتشاور الدوري بين العلماء على الصعيد
الإفريقي، لمتابعة المستجدات في باب الطلب والاستجابة في باب الفتوى، وحرص المفتين على الاجتهاد
لإدماج السلوكات الثقافية المحلية في دائرة المقبول الشرعي، ما لم يكن فيها ما يناقض القطعيات.وفي هذا
الشأن – أي إدماج الواقع المعيش في الدين – يعتبر علماء مملكتنا الشريفة مثالا يُحتذى، حيث ابتكروا في
الفقه، عبر القرون السالفة، مفهوم “ما جرى به العمل” ؛ أي مراعاة الممارسات الثقافية الفضلى للناس.
وتمكنوا بذلك، تفعيلا لآليات الاجتهاد في المذهب المالكي، من الإفتاء بإدماج عدد من عوائد الناس
الاجتماعية والثقافية في دائرة الأمور المنسجمة مع توجيهات الدين، ولاسيما من جهة ما يضمن المصالح
الدنيوية، ومنها الاطمئنان النفسي.كما يتعين على العلماء المفتين على الصعيد الإفريقي، تنمية المدارك
وتبادل الأنظار، لاسيما فيما يتعلق بفقه الواقع، وتدوين نتائج بحوثهم على مختلف أنواع “الحوامل”
الإلكترونية المتاحة، تعميما للنفع وتعزيزا للتأهيل.ومما يعين على التوفيق في موضوع الفتوى، الاستعانة
بالخبراء من خارج الاختصاص في العلوم الشرعية، وهو سلوك معروف في تاريخ الفقه والفتوى ببلادنا.
إن البرنامج الذي اقترحتموه لندوتكم، حري بأن يحقق منطلقا رصينا لموضوع ضوابط الفتوى الشرعية في
الفضاء الإفريقي، لأنه حرص على الاستقصاء من خلال السعي إلى تأصيل مفهوم الإفتاء وشرح ضوابطه
وأهلية المفتين، وإشكال الاختلاف في بعض المرجعيات، والآفة التي يشكلها النزوع للعصبيات وتحدي
التنزيل في سياق الأعراف والخصوصيات. كما سيتناول التنبيه إلى ما هو واقع اليوم من الجرأة على الفتوى
من غير أهلها، وما قد يؤدي إليه ذلك من نشر خطاب التطرف والتكفير والكراهية. وإن تحقيق نجاعة هذا
البرنامج يفترض القدرة على التعامل مع مجتمع التواصل، في سياق التكنولوجيا المتطورة.وفي هذا المقام،
نهيب بكم إلى استغلال حسنات التواصل لضمان الاستمرار في التداول بينكم حول موضوع الندوة. ومن
خلال هذا التواصل تجتهدون وتتبادلون التجارب، حيث تستفيد كل جماعة من العلماء، في بلد من البلدان،
من علم مجموع علماء إفريقيا الملتزمين بهذه المبادرة، مع احتفاظ علماء كل بلد بحقهم في مراعاة
خصوصيتهم. لا يفوتنا أن ننبه إلى أن كمال مبادرتكم لضبط الفتوى يتوقف بالضرورة على إشراك النساء
العالمات في كل جوانب هذه المبادرة. لأن النساء في ديننا شقائق الرجال في الأحكام. وللأمة الإسلامية
أسوة في أم المؤمنين، سيدتنا عائشة رضي الله عنها، وهي التي أخذ عنها المسلمون شطرا مهماً من أحكام
الدين. وانطلاقا من هذا الاقتناع في شأن الدين، فإننا في مملكتنا نؤطر النساء والرجال بعدد من العالمات
والمرشدات، وللهدف نفسه تضطلع النساء بدور بارز في الإرشاد عبر الإعلام. إن مؤتمركم هذا يدخل فيما
أمر الله به من التعاون على البر والتقوى. وقد رأينا في هذا العصر أن كل بلد لا يَأمَن إلا بقدر ما يكون
البلد الجار آمنا. كما نرى الفتنة تعبر الحدود كما تعبرها الزوابع والرياح. وفي الأخير نهنئكم على هذا
المجمع العلمي المبارك، المنعقد تحت رعايتنا السامية، لمناقشة موضوع في غاية الأهمية، وعلى رأسها
جعل الفتوى في شؤون الدين عملا مؤسسيا لا مجال فيه للنزوعات المتطرفة، ولا للأهواء الضالة المضلة.”
المطلب الثاني: الأبعاد الدينية والروحية من خلال تقارب الأمن مع
التنمية بشتى مجالاتها
وفي هذا الباب ،وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة إلى المشاركين في أشغال

المؤتمر البرلماني الدولي حول “حوار الأديان : لنتعاون من أجل مستقبل مشترك”، الذي انطلقت أشغاله

اليوم الثلاثاء 13 يونيو 2023 بمراكش.وفي ما يلي :”نص الرسالة الملكية السامية، التي تلاها راشيد

الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب :يطيب لنا، أن نعرب لكم في البداية عن سعادتنا وتقديرنا الكبير

لاختياركم أرض المملكة المغربية لعقد هذا المؤتمر الدولي الهام، المتفرد من حيث موضوعه، والمتميز

من حيث نوعية المشاركين فيه؛ حيث يجمع لأول مرة البرلمانيين، باعتبارهم مشرعين وممثلين لشعوبهم،

وعددا كبيرا من القيادات الدينية ومن العلماء والخبراء والباحثين المرموقين من شتى بقاع العالم، لتدارس

وتبادل الآراء حول موضوع يكتسي راهنية كبرى وأهمية خاصة، يعي الجميع أبعادها في ظل السياقات

الدولية والإقليمية التي تعرفون جميعكم سماتها.وإننا إذ نرحب بجميع المشاركين في هذا الملتقى، لنشيد

بمبادرة البرلمان المغربي والاتحاد البرلماني الدولي لعقد هذا المؤتمر، منوهين بـ”حوار الأديان” اختيارا

وجيها لموضوعه، ومحورا هاما لمداخلاته ومناقشاته ومداولاته، التي نأمل أن تسهم، عبر مخرجاتها

وخلاصاتها وتوصياتها، في تجديد مقاربات ومناهج التعاطي مع مطلب حوار الأديان، وتحديد طبيعة

العلاقات التي ينبغي أن تجمع أتباع الديانات المختلفة، وما ينبغي أن يسودها من وئام وسلام واحترام

متبادل. وما من شك في أن الاتحاد البرلماني الدولي قد راكم من الخبرة والتجربة – المستفادتين من

مختلف اللقاءات والمؤتمرات والمنتديات التي دأب على عقدها، حول مواضيع وقضايا ترتبط على نحو

جدلي بموضوع مؤتمركم هذا – ما يكفي لإغناء نقاشاتكم ومداولاتكم، وتقديم إضافات نوعية بفضل القوة

الاقتراحية للمقاربات الجديدة التي ستقدمها عروض المؤتمر حول العلاقات بين الأديان، والتي ينبغي أن

ترتكز على الحوار الجاد والهادف والبناء. تواجه البشرية تحديات جساما، وتعيش حالة تدافع بين أزمات

أمنية واقتصادية وسياسية وصحية وبيئية، وبين إرادات صادقة تسعى بكل ما أوتيت من آليات وأدوات

وطاقات من أجل التدبير والاحتواء والمعالجة. ولاشك أن مؤتمركم اليوم، يشكل أحد تجليات هذه الإرادة

الجادة والصادقة، باعتباره ينخرط في تفكير جماعي يسعى إلى بلورة خطة عمل للبرلمانيين والفاعلين

الدينيين، وطنيا ودوليا، مستحضرا خطورة الظرفية التي يمر بها عالمنا اليوم وهو يواجه دعوات التطرف

والأنانية والكراهية والانغلاق، والأعمال الإرهابية التي تستغل السياقات الخاصة لاستنبات المشاريع

التخريبية باسم الدين، والدين منها بريء. وهكذا يتم توهيم الرأي العام، هنا وهناك، بأن الأمر يتعلق

بصراع الديانات والحضارات. والحال-كما أكدنا منذ أكثر من عشرين عاما، في افتتاح الدورة السابعة بعد

المائة لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي- أن ما يعرفه عالمنا اليوم، إنما هو صراع جهالات لا صدام

حضارات. إنه لمن المؤسف أن نظل نسمع بحوادث العنف والاضطهاد والقتل بسبب العقيدة الدينية أو

المذهبية، أو الانتماء الحضاري، وأن يصبح العداء للأديان مادة مفضلة من طرف البعض في المزايدات

الانتخابية.كما نأسف أيضا، أن تطبع فضاءات النقاش العمومي، بما في ذلك عدد من وسائل الإعلام

المرئية والمسموعة، ومنابر عمومية، مع وصم الآخر بسبب الدين أو اللون أو الأصل، مع كل المخاطر

التي يحملها ذلك على وعي وثقافة الناس، وعلى تأليب الرأي العام. وتحتفظ الذاكرة العالمية بأعمال

الإبادة الجماعية، والحروب المدمرة التي كانت بداياتها خطابات وإيديولوجيات التعصب للعقيدة الدينية، أو

للطائفة أو للعرق. وعلى النقيض من مواثيق حقوق الإنسان الدولية، التي توافقت بشأنها المجموعة

الدولية، تزدهر اليوم إديولوجيات وخطابات “اللامساواة الطبيعية” التي تصنف الناس حسب دياناتهم،

وحسب أصلهم ولون بشرتهم، ويتم التنظير لها والترويج لها على أنها نظرية عادية ومشروعة.إن الأمر

يتعلق بمؤشرات جد سلبية على مستقبل العلاقات بين الأديان والحضارات، تتطلب تعبئة جميع الطاقات

المؤمنة بالمساواة بين الديانات والحضارات وبين أبناء آدم، لقلب هذه المعادلة، واعتماد السياسات التي

من شأنها وقف هذا التراجع الخطير في الوعي البشري .ومما لا شك فيه، أن المؤسسات التي يمثلها

المشاركون في هذا المؤتمر توجد في صلب المعركة النبيلة من أجل التفاهم والت سامح والتعايش، من

خلال العمل المؤسساتي والتوعوي والتربوي. إذ أن التعصب لا يوجد في الأديان أو في الكتب الدينية،

وإنما تحكمه المصالح التي يخفيها هذا التعصب. وليس ثمة أدل من كلام على تعظيم وحدة الأديان من

قوله تعالى : ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ

وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة

الآية 136).إن الصورة القاتمة التي يعيشها العالم اليوم بخصوص صراع المعتقدات، لا يمكن أن

تحجب عنا الجوانب الإيجابية والمضيئة، والمبادرات المقدامة التي تسعى إلى تعزيز جسور التواصل،

وترسيخ قيم التسامح والتفاهم والعيش المشترك بين مكونات المجتمع الدولي وبين أتباع ومعتنقي الديانات

المختلفة. فمما يبعث على الارتياح، أن هناك في الغرب كما في الشرق، وفي الجنوب كما في الشمال،

رجالا ونساء، من أصحاب الضمائر الحية ومن صناع القرار السياسي العقلاء، ومن أصحاب الرأي الحر

والفكر المتنور، من يتحمل مسؤولية التصدي للكراهية، ويمد جسور الحوار والتفاهم بين مختلف الديانات

والحضارات والثقافات .وإننا لجد سعداء بأن تكونوا، أنتم المشاركين في هذا المنتدى جميعكم، جزءا من

هذه النخب السياسية، ومن القيادات الدينية ومن المثقفين والمفكرين، الذين يؤمنون بأن الاستخلاف في

الأرض، كما أراده الله عز وجل، هو من أجل التعارف والتعاون والعيش المشترك، في إطار الاختلاف

الديني والعقدي، الذي هو مسؤولية وأمانة تقع على عاتق البشرية جمعاء.كما أننا مقتنعون، بأنه إذا

تحالفت الإرادات لدى هذه النخب، فإن الحوار بين الأديان وتكريس التعايش الإيجابي في ما بينها،

والتفاهم والتعاون حول أهداف إنسانية، سيكون رافعة أساسية لتجنيب البشرية شرور الفتن والأوجاع

والمعاناة.ولن يتسنى لنا ذلك – وهذا من رهانات مؤتمركم – إلا إذا ربطنا القول بالفعل، وحرصنا على

تجديد مفهوم الحوار بين الأديان، وتحقيق نقلة نوعية في الوعي الجماعي بأهمية الحوار والتعايش،

وبمخاطر الاستمرار في منطق الانغلاق والتعصب والانطواء.كما نتطلع إلى أن يقدم مؤتمر مراكش ردا

عقلانيا ورزينا ومقنعا على نزوعات التعصب والكراهية والازدراء بالأديان، ومعاملة الناس حسب ديانتهم

أو مذهبهم أو عرقهم أو بشرتهم.وإننا لعلى يقين بأن تنوع مواقعكم وخلفياتكم السياسية والفكرية والدينية،

يشكل عاملا حاسما لتحقيق هذا الطموح. فإذا كان البرلمانيون منكم يملكون سلطة المصادقة على

التشريعات التي تيسر الحوار وتدرأ خطابات الانطواء والتعصب وتزجرها، فإن لمسؤولي المؤسسات

والقيادات الدينية وظيفة التوجيه والتوعية، وإعمال سلطاتهم الروحية، للتأطير والتحذير من الانزلاقات التي

تعصف بالتعايش والحوار المثمر بين الأديان. وينبغي كذلك أن ندرك بأن الشعور بالخوف من ديانة

ما، أو بالأحرى التخويف منها، يتحول إلى حالة كراهية لمظاهر هذه الديانة والحضارة المرتبطة بها، ثم

إلى التحريض ضد ها، ثم إلى تمييز وأعمال عنف. ومع كامل الأسف فإن العديد من المؤسسات

الإعلامية التي تحظى بالمتابعة، لا تكرس في خطابها التحريري سوى إنتاج دوامة التعصب والتعصب

المضاد.إننا نتطلع إلى أن يتوج مؤتمركم بخطط عمل تضطلع المكونات الثلاث التي تمثلونها بأدوار

حاسمة في إعمالها، على صعيد كل بلد وعلى الصعيد الدولي. وفي هذا الصدد، نؤكد أهمية إحداث آلية

مختلطة، ينسق أعمال ها الاتحاد البرلماني الدولي، وتسعى إلى جعل الحوار بين الأديان هدفا ساميا

مشتركا بين مكونات المجموعة الدولية، ينبغي الدفاع عنه في المحافل الدولية، واعتباره أحد معايير

الحكامة الديموقراطية في الممارسة البرلمانية، ومن مؤشرات احترام التعددية والتنوع الثقافي.وإذا كان

منطلق العيش المشترك هو أن يكون الدين حصنا ضد التطرف وليس مطية له، فإن ترسيخ هذا المبدأ،

إلى جانب احترام الأديان الأخرى، يحتاج إلى جهد بيداغوجي تربوي تضطلع به المدرسة والجامعة

ووسائل الإعلام،والمؤسسات الدينية وفضاءات النقاش العمومي المسؤول. لذلك فإننا نأمل أن تتضمن

الوثيقة التي ستتوج أعمالكم اقتراحات عملية لتحقيق هذا الهدف.ولعلكم، حضرات السيدات والسادة، في

مواقع تجعلكم تقدرون التداعيات المدمرة لعدم احترام الأديان وازدرائها، وحجم الكوارث الداخلية والعابرة

للحدود التي يمكن أن تتسبب فيها، وكلفتها البشرية والمادية على الاستقرار الدولي الذي يعد شرطا أساسيا

للبناء المؤسساتي والديموقراطي وللتنمية والازدهار.تحرص المملكة المغربية على أن تظل نموذجا للدولة

التي يتعايش على أرضها، في أخوة وأمان، معتنقو الديانات السماوية، وذلك وفاء منها لتاريخها العريق

في التنوع والتعددية الدينية والثقافية التي ميزت الكيان المغربي منذ قرون. فعلى هذه الأرض تعايش

ويتعايش المسلمون واليهود والمسيحيون منذ قرون. وأرض المغرب هي التي استقبلت آلاف الأشخاص من

المسلمين واليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني من شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال القرنين الخامس عشر

والسادس عشر، ووفرت لهم الحماية الكريمة.ويذكر التاريخ المعاصر لجدنا جلالة المغفور له الملك محمد

الخامس طيب الله ثراه، الرعاية والحماية التي أحاط بها آلاف الأشخاص من معتنقي الديانة اليهودية،

الفارين من اضطهاد حكومة فيشي المتحالفة مع النازية. وقد واصل والدنا المنعم، جلالة المغفور له

الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، طيلة فترة توليه عرش أسلافه المنعمين، نفس النهج بالعناية

بالمواطنين المغاربة معتنقي الديانة اليهودية، وظل حريصا على ترسيخ قيم التعايش والإخاء بين كافة

المغاربة من مسلمين ويهود.ويسجل التاريخ لجلالته أيضا أنه بادر –رحمة الله عليه– باستقبال قداسة البابا

يوحنا بولس الثاني عام 1985، في أول زيارة يقوم بها قداسته لبلد إسلامي. وبعد أربعة وثلاثين عاما

على هذه الزيارة التاريخية، استقبلنا، في مارس 2019، قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتكان، الذي دعوناه

إلى زيارة رسمية للمغرب، إيمانا منا بنبل الحوار بين الأديان، وبأهمية توجيه جهود السلطات الدينية

لخدمة السلم والتعاون والأخوة البشرية.ومن جهة أخرى، حرصنا منذ تولينا العرش، على تعزيز روح الأخوة

والتعايش والتعاون والتلاحم بين المغاربة، يهودا ومسلمين، باعتبار ذلك من الركائز الأساسية للحضارة

المغربية. ويزخر النسيج العمراني للمدن المغربية بصور ذات دلالات عظيمة، حيث تنتصب المساجد

والبيع والكنائس غير بعيدة عن بعضها البعض. ولا يتعلق الأمر فقط بضرورات التعمير التي فرضت هذا

الجوار، وإنما يتعلق بأبعاد روحية وإنسانية وحضارية متأصلة في المجتمع المغربي، وبقيمة التسامح التي

تميز مجتمعنا. إذا كان الإسلام دين الدولة، فإن دستور المملكة يؤكد على أن “الدولة تضمن لكل واحد

حرية ممارسة شؤونه الدينية”. وكما نؤكد دائما، وبصفتنا ملكا للمغرب وأميرا للمؤمنين، فإننا مؤتمنون على

ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية، ومؤتمنون على حماية اليهود والمسيحيين المغاربة القادمين من

الدول الأخرى الذين يعيشون على أرض المغرب. وبالارتكاز على التميز المغربي في التعايش الديني

والاعتدال، فإنه من الطبيعي أن تكون المملكة المغربية من بين البلدان المبادرة إلى تأسيس آليات دولية

للحوار الحضاري، وأخرى للتصدي للإرهاب والتشدد والتطرف، كما هو الشأن بالنسبة للمنتدى العالمي

لتحالف الحضارات الذي عقد دورته التاسعة في نونبر 2022 بمدينة فاس، بكل ما تجسده هذه المدينة

التاريخية من عراقة حضارية وتعايش ديني.وقد كان حرصنا كبيرا على أن تكون للمملكة المغربية

المساهمة المتميزة في تأسيس وهيكلة هذا المنتدى، وضمان انتظام أشغاله، إيمانا منا بأنه إطار يؤسس

للمستقبل وللوفاق الحضاري، ويتوخى إقامة السلام وتيسير العيش المشترك.وبنفس العزم والتصميم، ساهم

المغرب في تأسيس آليات أخرى، ويساهم في تعزيز مكانتها وأدوارها، ويحتضن ملتقياتها، كما هو الشأن

بالنسبة للمؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان، ومؤتمر “حقوق الأقليات الدينية من الديار

الإسلامية”. ومن جهة أخرى، لا تخفى عليكم المساهمة الحاسمة والفعالة للمغرب في تأسيس وهيكلة

المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي تولت المملكة المغربية رئاسته المشتركة لثلاث فترات، من

2015 إلى 2022. ويتعلق الأمر بسياسات إرادية تمليها علينا مسؤولياتنا والتزاماتنا إزاء المجتمع الدولي

بكل مكوناته.بقدر ما نحن مقتنعون بأهمية التعايش والحوار، ومتشبثون بقيم الاعتدال والتسامح ونبذ كل

أشكال التعصب والكراهية والتطرف، فإننا مقتنعون أيضا بضرورة إعمال سياسات تيسر بلوغ هذه

الأهداف. وفي هذا الصدد، نعتز في المغرب بما حققناه في مجال تدبير الحقل الديني، وبأداء

المؤسسات التي سهرنا على إحداثها لهذا الغرض، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في الدستور، وعلى

الخصوص منها المجلس العلمي الأعلى؛ الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوي، درئا لأي زيغ أو

انحراف عن مقاصدها.كما يحق لنا أن نعتز أيضا بما تنجزه مؤسسات التأطير الديني التي أحدثناها من

أجل نشر قيم الاعتدال والتسامح والعيش المشترك. ويتعلق الأمر، خاصة بالرابطة المحمدية للعلماء، أحد

الشركاء الرئيسيين في تنظيم مؤتمركم هذا، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات،

ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي تتولى توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين الأفارقة

للتعريف بهذه القيم، وذلك التزاما منا بواجب التضامن والتعاون الروحي مع أشقائنا في باقي البلدان

الإفريقية .وعلينا أن ندرك أننا بنجاحنا في ترسيخ حوار منتج بين الأديان والحضارات، سنقدم أجوبة على

العديد من المعضلات والتحديات التي تهدد مستقبل كوكبنا ومصير العيش المشترك. إننا جميعا في سفينة

واحدة تواجه مصيرا مشتركا. وعلينا، أمام هذه التحديات، تمثل العالم الذي سنورثه للأجيال المقبلة. وتلك

مسؤولية البرلمانات والمؤسسات الدينية والنخب المثقفة، كما هي مسؤولية الحكومات والمجتمع المدني

والإعلام.وختاما، فإننا نجدد الترحيب بكم، ضيوفا كراما ببلدكم الثاني المغرب، بلد التسامح والتعايش

والتنوع والإخاء، وأرض اللقاءات المثمرة بشأن أمهات القضايا، الهادفة لخدمة الإنسانية ومستقبلها، متمنين

لأشغالكم كامل التوفيق والنجاح.”

المبحث الثاني: محورية المغرب في ضوابط الفتوى الشرعية في السياق
الإفريقي من خلال جاذبية ومصداقية نموذجه الديني
والروحي
من الواضح جدا أن المملكة المغربية تعيش استقرارا وتعايشا دينيا مختلف عن باقي دول العالم من خلال
شهادة واعتراف المنتظم الدولي، حيث يضمن العاهل المغربي الملك محمد السادس ضمان حرية ممارسة
الشعائر الدينية باعتباره أمير المؤمنين ورئيس المجلس الأعلى العلمي، فهو الذي يختص بالشأن الديني
في المغرب.
وتبعا لذلك، سوف نتطرق إلى استلهام تجربة وخصوصية النموذج الديني والروحي المغربي في المطلب
الأول وأدوار مؤسسة إمارة المؤمنين في إرساء الاعتدال والوسطية في المطلب الثاني.
المطلب الأول: استلهام تجربة وخصوصية النموذج الديني والروحي
المغربي
ينبغي التأكيد بداية على أن الاستراتيجية الدينية الجديدة الموجهة نحو إفريقيا هي ليست وليدة اليوم، بل لها

بوادر وامتدادات في السياسة الدينية السابقة، وتحديدا تلك التي تمت بلورتها منذ منتصف الثمانينات، كنوع

من الديبلوماسية البديلة أو الموازية، لكسر عزلة المغرب على المستوى القاري وإنعاش القنوات السياسية

والديبلوماسية المنسدة بعد انسحاب المملكة من منظمة الاتحاد الإفريقي سنة 1984. وفي هذا الصدد،

يمكن أن نستحضر “ندوة الطرق الصوفية” التي نظمتها وزارة الأوقاف بفاس وإنشاء “رابطة علماء المغرب

والسينغال” سنة 1986. حيث إن التحول الجوهري الذي حصل هو الانتقال تدريجيا من “ديبلوماسية روحية”

ترتكز أساسا على الطرق الصوفية كقناة لإنعاش الإشعاع الروحي للمغرب بإفريقيا، إلى اعتماد سياسة دينية

مهيكلة عابرة-للحدود الوطنية، تقوم على رؤية جديدة تعكس حصول تطور جوهري من حيث كثافة العمل

الديني وتنويع أدوات اشتغاله والفاعلين المتدخلين فيه وإعادة رسم مجالات تدخله وطريقة توظيفه .

المطلب الثاني: أدوار مؤسسة إمارة المؤمنين في إرساء الاعتدال
والوسطية
يراهن المغرب من وراء إستراتيجيته الدينية الجديدة نحو إفريقيا تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية. الهدف الأول
هو تجسيد المقاربتين “الوقائية”و”الإستباقية” لحماية الأمن القومي للمملكة. ففي إطار رؤية متسعة تربط
الأمن الداخلي للمملكة بمحيطه الإقليمي، سواء على مستوى التهديدات الإرهابية أو على مستوى إستراتيجيات
مواجهتها، يسعى المسؤولون المغاربة إلى استثمار المكاسب والنجاحات التي حققتها سياسة “الأمن الروحي”
بقيادة مؤسسة إمارة المؤمنين في الداخل والعمل على الاستفادة منها خارجيا، في إطار التعاطي “عن بعد”
مع تحديات يمكن أن تشكل تهديدا حقيقيا للمملكة في المستقبل. تركز عناصر هذه السياسة الاستباقية على
نهج مقاربة لا متمركزة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات النسيج العقدي والمذهبي المحلي في إفريقيا، وذلك
بالعمل على إعادة إحياء شبكة الإسلام المحلي التقليدي، المبني في جزء كبير منه على التدين الصوفي
والمذهب المالكي، وتحصين بنياته في مواجهة الفكر الديني المتطرف.كما يقدم المغرب هذه المقاربة الروحية
العابرة للحدود كعنصر مكمل للمقاربة الصلبة (العسكرية) التي تنهجها منذ عقود دول المنطقة والقوى
العظمى في إحلال الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، بما فيها مبادرة تدريب جيوش دول الساحل
والصحراء الإفريقية لمكافحة الإرهاب والعملية العسكرية (سيرفال) التي قادتها فرنسا بمالي عام 2013،
واللتان أبانتا عن محدوديتهما وضعف نجاعتهما في محاصرة والقضاء على تمدد نشاط الجماعات الجهادية
بالمنطقة. حيث برزت هذه المقاربة الناعمة للقضاء على التطرف والإرهاب في منطقة الساحل في خطاب
الملك محمد السادس بمناسبة تنصيب الرئيس المالي إبراهيم بوباكار كيتا في شتنبر 2013، حين أفصح
الملك المغربي صراحة عن ملامح المقاربة الاحتوائية التي يقترحها المغرب لتحصين مالي ومنطقة الساحل
عموما من مخاطر انعدام الاستقرار مستقبلا: “إن أي مبادرة دولية يتم التنسيق بشأنها دون إيلاء البعد
الثقافي والعقائدي الأهمية التي يستحقها، سيكون مصيرها الفشل. أما الهدف الثاني من وراء إطلاق هذه
السياسة هو سعي المملكة تجاوز مأزق التعاون المغاربي الذي لا زال يعاني من الشلل ويبدو أنه يخضع
لحسابات من غير المحتمل أنها ستتغير على الأقل على المديين القريب والمتوسط. فمستوى التعاون الأمني
الجهوي بين دول المغرب الكبير ما زالت محدودة، رغم الجهود المبذولة مثلا على مستوى المؤتمر الإقليمي
لأمن الحدود في دول منطقة شمال افريقيا وفضاء الساحل والصحراء، أو الدينامية الجديدة التي يشهدها
تجمع دول الساحل والصحراء، المعروف اختصارا بتجمع “سين – صاد”الذي يسعى إلى إيجاد صيغ تعاون
أمني بين دول المغرب الكبير ومنطقة الساحل.

الخاتمة
يسعى المغرب من وراء اقتسام خبرته في مجال أحكام الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي إلى إعطاء
دفعة قوية لسياسته الإفريقية الجديدة والعمل من خلالها على تعزيز موقعه وتوسيع نفوذه داخل القارة
الإفريقية. فمع تنامي بؤر التوتر واتساع مظاهر التطرف في بعض دول الساحل وغرب إفريقيا، لاسيما
بعد سقوط نظام القذافي، نجح المغرب في إبراز تجربته في تدبير الشأن الديني كقصة نجاح فريدة
ونموذج جذّاب بالإمكان استلهامه في جهود استعادة الأمن والاستقرار بالمنطقة. يشكل تزايد عدد الدول
الإفريقية التي انخرطت فعليا في برامج التعاون الديني مع المملكة مؤشرا كمّيا يعكس إلى حد ما هذا
النجاح، بيد إن هذا الانخراط المتزايد، على أهميته، لا يؤشر بالضرورة على نجاعة برامج التعاون
المشار إليها، كما أنهلا يضمن حتما تحقق المخرجات والأهداف المرسومة لها من طرف النظام
المغربي.
لائحة المراجع
الرسائل الملكية
 الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الندوة المنظمة من طرف مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة حول موضوع “ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي”، والتي تحتضنها مدينة مراكش من 8 إلى 10 يوليوز 2023.
 الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال المؤتمر البرلماني الدولي حول “حوار الأديان : لنتعاون من أجل مستقبل مشترك”، الذي انطلقت أشغاله اليوم الثلاثاء 13 يونيو 2023 بمراكش.
البرامج التلفزيونية
 مداخلة آدم بللو، دور ضبط الفتوى في محاربة التطرف والإرهاب بإفريقيا، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 15 يوليوز 2023.
 مداخلة إدريس الكنبوري، المؤتمر البرلماني الدولي لحوار الأديان: قيم التسامح والعيش المشترك.. المغرب نموذج عالمي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 21 يونيو 2023.
 مداخلة إدريس الكنبوري، ما الجدوى من “حوار الأديان”؟، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 14 يونيو 2023.
 مداخلة أحمد البوكيلي، إشكالات الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 10 يوليوز 2023.
 مداخلة أحمد البوكيلي، مقومات التجربة المغربية في التعايش الديني تنهل من تاريخ حضاري عريق، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 يونيو 2023.
 مداخلة أحمد البوكيلي، مقومات التجربة المغربية في التعايش الديني تنهل من تاريخ حضاري عريق، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 يونيو 2023.
 مداخلة أحمد البوكيلي، المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان بمراكش، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 13 يونيو 2023.
 مداخلة أحمد العبادي، دلالات تنظيم مؤتمر حوار الأديان بمراكش، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 13 يونيو 2023.
 مداخلة أحمد التويزي، المؤتمر البرلماني الدولي للحوار بين الأديان: التسامح والتعايش الإنساني المشترك السبيل لتحقيق التنمية والديمقراطية، مشاركة في برنامج قناة الأخبار الظهيرة الأولى، يوم 15 يونيو 2023.
 مداخلة أحمد سانوغو، جهود المغرب كبيرة في نشر العلم والثقافة بإفريقيا، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 15 يوليوز 2023.
 مداخلة الأب إلياس، مخرجات مؤتمر حوار الأديان بمراكش، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 15 يونيو 2023.
 مداخلة الحسين كنون، مخرجات المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان بمراكش، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 16 يونيو 2023.
 مداخلة بدر الزاهر الأزرق، ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 11 يوليوز 2023.
 مداخلة بدر الزاهر الأزرق، المؤتمر البرلماني الدولي لحوار الأديان: قيم التسامح والعيش المشترك.. المغرب نموذج عالمي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 21 يونيو 2023.
 مداخلة بوشعيب الحمراوي، المؤتمر البرلماني الدولي لحوار الأديان: قيم التسامح والعيش المشترك.. المغرب نموذج عالمي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 21 يونيو 2023.
 مداخلة لحسين أقرطيط، ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 11 يوليوز 2023.
 مداخلة نبيل بورايسي، المؤتمر البرلماني الدولي لحوار الأديان: قيم التسامح والعيش المشترك.. المغرب نموذج عالمي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 21 يونيو 2023.
 مداخلة سعيد بركنان، مؤتمر حوار الأديان بمراكش… نفحة أمل في عالم موسوم بالأزمات، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 16 يونيو 2023.
 مداخلة عبد الهادي مزاري، المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان بمراكش، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 15 يونيو 2023.
 مداخلة عبد الحميد الجماهري، اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية، مشاركة في برنامج قناة دوزيم، يوم 18 يونيو 2023.
 مداخلة عبد الفتاح البلعمشي، ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 11 يوليوز 2023.
 مداخلة عبد الفتاح البلعمشي، الدبلوماسية الحضارية وموقع المملكة المغربية على ضوء الندوة التي نظمتها الاسيسكو في مراكش، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 9 يونيو 2023.
 مداخلة عبد الفتاح الفاتحي، ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي، مشاركة في برنامج قناة وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 11 يوليوز 2023.
 مداخلة قيس الهمامي، الدبلوماسية الحضارية وموقع المملكة المغربية على ضوء الندوة التي نظمتها الاسيسكو في مراكش، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 9 يونيو 2023.
 مداخلة خالد فتح عبد الرحمن،الدبلوماسية الحضارية وموقع المملكة المغربية على ضوء الندوة التي نظمتها الاسيسكو في مراكش، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 9 يونيو 2023.
 مداخلة خدوج السلالي، إعلان مراكش يتبنى مقترح صاحب جلالة الملك بإحداث آلية لحوار بين الأديان لمواكبة مخرجات المؤتمر البرلماني الدولي ومتابعة تفعيل توصياته في أفق ضمان مجتمع الإدماج والتعايش السلمي والتسامح، مشاركة في برنامج قناة دوزيم، يوم 15 يونيو 2023.
 مداخلة خدوج السلالي، مؤتمر حوار الأديان .. تفاعل المؤتمرين مع مضامين الرسالة الملكية، مشاركة في برنامج قناة ميدي1 تيفي، يوم 13 يونيو 2023.

 

معلومات حول الكاتب:

الدكتور محمد البغدادي
باحث في العلوم القانونية
بكلية الحقوق بطنجة

قد يعجبك ايضا