الأساس في نظرية العقد

أيوب حجاوي

باحث في القانون الخاص

 

تمهيد:

يقصد بالالتزام أو الحق الشخصي بأنه:

« رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن و الآخر مدين، يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن، نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ».

فالالتزام مرادف للحق الشخصي لأن الرابطة القانونية التي تربط المدين بالدائن تعتبر التزاما إذا نظرنا إليها من ناحية المدين، و هي تعتبر حقا إذا نظرنا إليها من وجهة الدائن.

أما الحق العيني فيراد به « تلك السلطة التي يمارسها الشخص على شيء معين تمكنه من الحصول على المنفعة المرجوة من هذا الشيء بصورة مباشرة و دون وساطة أحد[1] ».

و إذا ما قارنا الالتزام أو الحق الشخصي بالحق العيني و جدنا أنهما يختلفان عن بعضهما البعض سواء من حيث التكوين أو من حيث الخصائص.

فمن حيث التكوين لابد في الالتزام من توافر ثلاثة عناصر: طرف صاحب الحق و هو الدائن و طرف ملتزم و هو المدين، و عنصر ثالث هو الشيء أو العمل محل الالتزام، أما الحق العيني فلا يتطلب قيامه إلا وجود عنصرين اثنين: طرف صاحب الحق، و شيء محل الحق.

و من حيث الخصائص يتميز الالتزام بأنه نسبي بمعنى أنه لا يجوز للدائن صاحب الحق الاحتجاج بحقه إلا في مواجهة من التزم إزاءه بأداء هذا الحق، أما الحق العيني فهو حق مطلق يخول صاحبه الاحتجاج به تجاه أي كان.

و يترتب على كون الحق العيني مطلقا ميزتان تقليديتان لا أثر لهما في حقل الالتزام           أو الحق الشخصي: ميزة التتبع و ميزة الافضلية.

فميزة التتبع تخول صاحب الحق العيني تتبع الشيء محل الحق في يد أي شخص تنتقل إليه حيازة هذا الشيء، فإذا خرج مثلا الملك من يد صاحبه دون إرادته و انتقل إلى يد غيره، جاز للمالك مهما تعاقب الأيدي أن يطالب مبدئيا باسترداد ملكه من يد الحائز الأخير.

و ميزة الأفضلية تسمح لصاحب الحق العيني أن يقدم في استيفاء حقه على من سواه، كما في الرهن مثلا حيث يفضل الدائن المرتهن على الدائنين العاديين.

و بناء على ما سبق فإن الحق الشخصي يتميز عن الحق العيني بفروق عديدة أهمها:

  • إن الحق الشخصي هو رابطة قانونية بين شخصين، أما الحق العيني فهو سلطة شخص على شيء؛
  • إن الحق الشخصي هو حق نسبي لا يتسنى لصاحبه الوصول إليه إلا عن طريق المدين أما الحق العيني فهو حق مطلق يتيسر لصاحبه الحصول عليه من أي كان؛
  • إن الحقوق الشخصية لا تقع تحت الحصر، أما الحقوق العينية فيعتبر تعدادها في القانون قد ورد على سبيل الحصر، إذ لا تستطيع إرادة الإنسان إنشاء حقوق عينية غير ما أرداه المشرع.

و تبعا لذلك فإن المصادر المنشئة للالتزام تتمثل فيما يلي:

  • أولاً – العقد؛
  • ثانياً – الإرادة المنفردة؛
  • ثالثاً – الإثراء بلا سبب؛
  • رابعا – المسؤولية التقصيرية ( العمل غير المشروع )؛
  • خامسا – القانون.

و بما أن العقد يعتبر المصدر الجوهري للالتزام فإننا سوف نخصص له هذا البحث المتواضع من خلال تناوله بالدراسة و التحليل من مختلف الجوانب القانونية و ذلك عبر اتباع التقسيم التالي:

المبحث الأول: تعريف العقد و تصنيفاته؛

المبحث الثاني: العناصر اللازمة لتكوين العقد؛

المبحث الثالث: بطلان العقود و إبطالها؛

المبحث الرابع: تأويل العقود؛

المبحث الخامس: آثار العقد؛

المبحث السادس: جزاءات عدم تنفيذ العقد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: تعريف العقد و تصنيفاته

المطلب الأول: تعريف العقد

يمكن تعريف العقد أو الاتفاق بأنه : ” توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه “، و بصورة أكثر اختصارا و أدق تعبيرا هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني.

و تبعا لذلك  نستشف من التعريف الوارد أعلاه أنه لوجود العقد أو الاتفاق لابد من توافر أمرين:

أولهما – توافق إرادتين: ذلك أن كل طرف في العقد تنعقد إرادته على أمر معين، فلا بد لانعقاد العقد أن تتقابل إرادتا الطرفين، فالبيع مثلا لا يعتبر منعقدا إلا إذا التقت إرادة البائع بإرادة المشتري واقترن إيجاب أحدهما بقبول الآخر.

ثانيهما – أن تتجه إرادتا الطرفين إلى إحداث أثر قانوني: إذ ليس كل اتفاق إرادتين على شيء يعتبر عقدا، فقد يتفق شخصان على عمل عادي كالقيام بنزهة أو قبول دعوة إلى وليمة، ففي مثل هذه الأوضاع لسنا أمام عقد لأن نية الطرفين لم تتجه إلى إحداث أثر قانوني و أنه لابد حتى يتكون العقد من أن تتجه إرادة الطرفين إلى ارتباطهما برابطة قانونية.

المطلب الثاني: تصنيف العقود

الفقرة الأولى: عقود مسماة و عقود غير مسماة

يقصد بالعقد المسمى ذلك العقد الذي نظمه المشرع و ميزه عن غيره باسم خاص و أحكام خاصة، أما العقد غير المسمى فهو الذي لم يميزه المشرع عن غيره باسم خاص و لم يفرد له أحكام خاصة فهو متروك لإرادة المتعاقدين يكيفونه حسب مشيئتهم، كالعقد الذي يلتزم بموجبه شخص القيام بعمل معين في مقابل طعامه و سكناه.

و ترجع فائدة هذا التصنيف بالأساس إلى تحديد القواعد التي تحكم كل من العقدين : ففي العقد المسمى يرجع أولاً إلى أحكامه الخاصة المقررة له، فإن لم يكن هناك نص ينظم تلك المسألة فيتم الاحتكام إلى القواعد العامة لنظرية العقد الواردة في قسم الالتزامات.

أما في العقد غير المسمى فيرجع أولا إلى القواعد العامة للالتزام، فإن لم يكن هناك نص ينطبق على تلك المسألة يتم الركون إلى قواعد خاصة بأقرب العقود المسماة عن طريق القياس.

الفقرة الثانية: عقود تبادلية و عقود غير تبادلية

العقد التبادلي أو العقد الملزم لجانبين هو العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من طرفيه المتعاقدين، بحيث يصبح كل واحد منهما دائنا في ناحية و مدينا في ناحية أخرى، ففي عقد البيع نجد أن البائع يكون مدينا بنقل ملكية المبيع و تسليمه، و دائنا في نفس الوقت بالثمن، أما العقد غير التبادلي أو العقد الملزم لجانب واحد فهو ذلك العقد الذي ينشئ التزامات في ذمة أحد المتعاقدين دون الآخر، بحيث يكون أحدهما مدينا غير دائن و الآخر دائنا غير مدين، ففي الهبة بغير عوض يلتزم الواهب بنقل ملكية الشيء أو الحق الموهوب و تسليمه إلى الموهوب له في حين لا يلتزم هذا الأخير بأي شيء تجاه الواهب[2].

بقي أن نشير في هذا الإطار إلى وجوب التمييز بين العقد الملزم لجانب واحد و بين التصرف القانوني الصادر من جانب واحد أو ما يسمى بتصرف الإرادة المنفردة كالوصية أو الوعد بجائزة فالعقد الملزم لجانب واحد لا يتم إلا باتفاق إرادتين، أما التصرف الصادر من جانب واحد فيتم بإرادة واحدة.

الفقرة الثالثة: عقود رضائية و عقود شكلية و عقود عينية

       العقد الرضائي هو الذي ينعقد و ينتج آثاره بمجرد اتفاق الارادتين أي بمجرد تراضي عاقديه و دون اشتراط شكل ما لانعقاده.

أما العقد العيني فهو الذي يشترط لانعقاده علاوة على تراضي الطرفين أن يجرى فيه تسليم الشيء المعقود عليه، بحيث لا يبرم العقد إلا إذا تم ركن التسليم، و من الأمثلة على ذلك نذكر الرهن الحيازي الذي يشترط فيه وضع الشيء المرهون في سلطة الدائن أو في سلطة أحد من الغير يتفق عليه المتعاقدون، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 1188 من قانون الالتزامات و العقود و أيضا عارية الاستعمال الذي يشترط فيه تسليم الشيء المستعير وفقا لمقتضيات الفصل 833 من نفس القانون.

و أما العقد الشكلي فهو الذي يشترط لانعقاده علاوة على تراضي المتعاقدين إفراغ ذلك العقد في قالب مكتوب، فعلى سبيل المثال إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجرى البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، و لا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون ( الفصل 489 من ق.ل.ع )[3].

كما أنه قد يحصل أن يشترط المتعاقدان جعل تصرفهما، رغم كونه رضائيا خاضعا لشكل خاص، ففي هذه الحالة ينقلب التصرف من تصرف رضائي إلى تصرف شكلي و هذا ما نص عليه الفصل 402 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه : ” إذا لم يكن العقد خاضعا لشكل خاص    و اتفق عاقداه صراحة على أنهما لا يعتبر أنه تاما إلا إذا وقع في شكل معين، فإن الالتزام لا يكون موجودا إلا إذا حصل في الشكل الذي اتفق عليه العاقدان “.

و عموماً فالعقد يكون شكليا إما بمقتضى نص في القانون و إما بمقتضى اتفاق الطرفين المتعاقدين، و سواء كانت الشكلية من صنع المشرع أو من ابتداع الطرفين، فإنه يجب مراعاتها في الحالتين تحت طائلة اعتبار العقد باطلا لفقدان ركن من أركان انعقاده.

التمييز بين شكلية العقد و بين شكلية الإثبات

قد تكون الكتابة مشروطة لوجود التصرف و انعقاد العقد كما في البيع العقاري الذي يتوقف انعقاده على تحرير صك خطي لأن الكتابة فيها تشكل ركنا من أركان الانعقاد.

و قد تكون الكتابة مشروطة للإثبات فقط كما في بيع السلم بحيث نص الفصل 613 من ق.ل.ع على أن: السلم عقد بمقتضاه يعجل أحد المتعاقدين مبلغا محددا للمتعاقد الآخر الذي يلتزم من جانبه بتسليم مقدار معين من الأطعمة أو غيرها من الأشياء المنقولة في أجل متفق عليه. و لا يجوز إثبات بيع السلم إلا بالكتابة “.

أو كما في كل اتفاق تتجاوز قيمته عشرة آلاف درهم وفقا لمقتضيات الفصل 443 من ق.ل.ع    ففي مثل هاتين الحالتين لا يكون العقد شكليا بل يبقى العقد رضائيا و إن كانت تشترط في إثباته الكتابة، و يترتب على ذلك أن الكتابة إذا انتفت، فلا يترتب على ذلك بطلان العقد، و إنما يتعذر اثباته بالشهادة و القرائن، و يظل من الممكن إقامة الدليل عليه بالإقرار أو توجيه اليمين الحاسمة.

الفقرة الرابعة: عقود مساومة و عقود إذعان

عقد المساومة أو المفاوضة هو الذي تجرى المناقشة و المساومة في بنوده و شروطه بين المتعاقدين على قدم المساواة و بحرية تامة.

أما عقد الاذعان فهو الذي يخضع فيه أحد طرفي العقد للشروط التي يستأثر الطرف الآخر بوضعها، بحيث لا يقبل مناقشتها و لا المساومة بشأنها، و من الأمثلة على ذلك نجد العقود التي تبرمها الشركات التي تتولى توزيع الماء و الكهرباء و الغاز، أو العقود التي تعقدها شركات الهاتف و النقل .

الفقرة الخامسة: عقود محددة و عقود غرر

      العقد المحدد هو العقد الذي يستطيع فيه كل من الطرفين المتعاقدين أن يحدد وقت التعاقد مقدار ما يأخذ و مقدار ما يعطي.

أما عقد الغرر أو العقد الاحتمالي فهو الذي لا يستطيع فيه أي من الطرفين المتعاقدين أن يحدد وقت التعاقد مقدار ما يأخذ أو ما يعطي، و إنما يتحدد ذلك في المستقبل تبعا لأمر غير محقق الوقوع، ففي عقد التأمين ضد الحريق قد يدفع المؤمن له الأقساط السنوية و لا يحصل الحريق فيصاب المؤمن له بخسارة و تحقق شركة التأمين ربحا، و قد يدفع المؤمن له قسطا واحدا و ينشب الحريق فتضطر الشركة لدفع مبلغ التأمين و تصاب بذلك بخسارة.

الفقرة السادسة: عقود المعاوضة و عقود التبرع

       عقد المعاوضة هو العقد الذي يأخذ فيه المتعاقد مقابلا لما يعطيه، أما عقد التبرع فهو الذي لا يأخذ فيه أحد المتعاقدين مقابلا لما يعطيه.

و تظهر أهمية التمييز بين عقد المعاوضة عن عقد التبرع في أن الغلط في شخص المتبرع له يعتبر غلطا جوهريا يعيب الرضى و يجعل العقد بالتالي قابلا للإبطال، بخلاف الغلط في الشخص في عقود المعاوضة، بحيث لا يخول ذلك إبطال العقد إلا إذا كانت شخصية المتعاقد محل اعتبار

الفقرة السابعة: عقود فردية و عقود جماعية

العقد الفردي هو الذي يتطلب قبول كل واحد من الأطراف المتعاقدين بحيث يكفي تخلف متعاقد واحد حتى يكون العقد غير قائم، ففي عقد شركة الأشخاص مثلا لابد لتمام العقد من رضا كل واحد من الشركاء مهما بلغ عددهم، أما العقد الجماعي فهو الذي يكتفي فيه بقبول أغلبية أعضاء مجموعة الأشخاص، بحيث تجد فيه الأقلية نفسها مقيدة بعقد لم تبرمه و لم توافق عليه[4].

المبحث الثاني: العناصر اللازمة لتكوين العقد

لكي ينشأ العقد صحيحا فإنه يتعين فيه أن يكون مستجمعا لعناصره الجوهرية التي يقوم عليها : فهو بمثابة البناء الذي لا بد له من أركان يؤسس عليها، و قد أشار المشرع المغربي لهذه الأركان في الفصل الثاني من قانون الالتزامات و العقود الذي جاء فيه بأن:

الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي:

  • الأهلية للالتزام؛
  • تعبير صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام؛
  • شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام؛
  • سبب مشروع للالتزام.

و بناء على ما سبق فإنه بالرجوع لمقتضيات الفصل الوارد أعلاه بالنص الفرنسي نجد أنه وردت فيه عبارة ” les éléments” ” العناصر ” بدل الأركان كما جاء في الترجمة العربية فالعناصر تستغرق الأركان وشروط الصحة، أما الأركان فهي أجزاء الماهية التي تختل باختلال بعضها. والملاحظ أن الأهلية من حيث المبدأ ليست ركنا، لأنها لا تعتبر من أجزاء الماهية وإنما من شروط الصحة.

وبذلك يمكن صياغة الفقرة 1 من الفصل 2 أعلاه كالآتي: العناصر اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي: 1- الأهلية ، 2- التراضي ، 3- المحل ، 4- السبب.

و لما كانت بعض العقود تتطلب علاوة على العناصر الواردة أعلاه توفر ركن آخر هو ركن الشكلية في العقود الشكلية، و ركن التسليم في العقود العينية فإنه لابد من تناولها أيضاً بالدراسة و التحليل.

و عليه فإنه من أجل مقاربة هذا المبحث سوف أقسمه إلى ما يلي:

  • المطلب الأول: التراضي
  • المطلب الثاني: الأهلية
  • المطلب الثالث: المحل
  • المطلب الرابع: السبب
  • المطلب الخامس: الشكلية و التسليم

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: التراضي

يقصد بالتراضي توافق ارادتي المتعاقدين على إحداث الأثر القانوني المتوخى من العقد    و يتحقق هذا التوافق قانونا بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين و يكون ذلك بصدور إيجاب يتضمن عرضا يوجهه شخص لآخر و صدور قبول مطابق للإيجاب من الشخص الذي وجه إليه العرض فيقترن القبول بالإيجاب و يحصل التراضي و بالتالي يتم العقد.

و عليه سيتضمن هذا المطلب الفقرات التالية:

  • الفقرة الأولى: كيفية التعبير عن الإرادة
  • الفقرة الثانية: تطابق الإرادتين
  • الفقرة الثالثة: اقتران القبول بالإيجاب
  • الفقرة الرابعة: عيوب الرضى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الأولى: كيفية التعبير عن الإرادة

التعبير عن الإرادة قد يكون صريحا كما أنه قد يكون ضمنيا ( أولاً )، و في هذا الإطار هناك إشكالية غالباً ما تثار حول إمكانية الاعتداد بالسكوت تعبيرا ضمنيا عن الإدارة ( ثانياً ).

أولا: التعبير عن الإرادة يكون صريحا أو ضمنيا

لم يحتم المشرع مظهرا معينا للتعبير عن الإرادة، و الذي قد يكون صريحا إذا كان المظهر الذي اتخذه الطرف واضحا للكشف عن إرادته حسب المألوف بين الناس، كأن يجرى التعبير عن الإرادة باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المفهومة و المتداولة عرفا، كما أن التعبير عن الإرادة قد يكون ضمنيا إذا اتخذ الطرف أسلوبا غير مباشر للإفصاح عن إرادته، و ذلك كما لو بقي المستأجر بعد انتهاء مدة الايجار منتفعا بالمأجور بعلم المؤجر و دون اعتراض منه على ذلك، بحيث يعتبر بقاء المستأجر منتفعا بالمأجور إيجابا ضمنيا منه بالرغبة في تجديد عقد الإيجار، في حين يعد عدم اعتراض المؤجر على ذلك قبولا ضمنيا منه بتجديد العقد.

ثانياً: هل يعتبر السكوت تعبيرا عن الإرادة ؟

لا مجال للحديث إطلاقا فيما إذا كان السكوت يصلح تعبيرا ضمنيا عن الإيجاب، لأن هذا الأخير يشكل الشق الأول من عملية التعاقد لا يتصور استخلاصه من السكوت، و إنما الأمر يتعلق فيما إذا كان السكوت يصلح للتعبير عن القبول، فالمبدأ العام يقضي بأن السكوت لا يتضمن أي دلالة على القبول وفقا للقاعدة الفقهية المأثورة « لا ينسب لساكت قول »، و استثناء يمكن اعتبار السكوت قبولا عندما تحفه ظروف تجعل فيه هذه الدلالة تماشيا مع القاعدة الفقهية التي مفادها     « السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان »

و في هذا الإطار نص الفصل 25 من ق.ل.ع على أنه:

عندما يكون الرد بالقبول غير مطلوب من الموجب، أو عندما لا يقتضيه العرف التجاري فإن العقد يتم بمجرد شروع الطرف الآخر في تنفيذه. و يكون السكوت عن الرد بمثابة القبول إذا تعلق الإيجاب بمعاملات سابقة بدأت فعلا بين الطرفين[5].

كما يعتبر السكوت قبولا إذا كان الإيجاب يتضمن منفعة لمن وجه إليه، كما لو كان هذا الإيجاب يقضي بهبة منقول أو إعفاء المدين من الفوائد، و سكت من وجه إليه الإيجاب، فالسكوت هنا لا يمكن أن يحمل إلا على محمل القبول كما نصت على ذلك المادة 99 من القانون المدني السوري.

 

 

 

 

الفقرة الثانية: تطابق الإرادتين

يتحقق تطابق الإرادتين قانونا بتبادل التعبير عنها، و ذلك بصدور إيجاب يتضمن عرضا يوجهه شخص لآخر ( أولاً )، و صدور قبول مطابق للإيجاب من الشخص الذي وجه إليه العرض ( ثانياً ).

أولا: الإيجاب

يقصد بالإيجاب العرض الذي يقدمه الموجب للتعبير عن رغبته في التعاقد سواء كان موجها إلى شخص محدد أو إلى أشخاص غير محددين من الجمهور كما في عرض تاجر بضاعة في محله مكتوبا ثمنها عليها.

و تبعا لذلك فإنه من أجل مقاربة الإيجاب كخطوة أولى للتعاقد، يجب التمييز بينه و بين الدعوة إلى التعاقد ( 1 )، ثم الحديث عن مسألة إلزامية الإيجاب ( 2 )، وسقوطه ( 3 ).

1 – التمييز بين الإيجاب و الدعوة إلى التعاقد

يجب التمييز في هذا الإطار بين الإيجاب و بين العرض مجرد دعوة إلى التعاقد و الذي لا يشتمل كالإيجاب على العناصر الجوهرية للعقد المراد إبرامه، فالإعلانات التي يعلن عنها في الجرائد        و الصحف اليومية من أجل المشاركة في مزايدة علنية أو البحث عمن يفوز بامتياز أو استثمار أو الرغبة في التوظيف، إنما هي دعوة إلى التعاقد و الاستجابة لها يعتبر إيجابا يتوقف على صدور قبول الطرف الداعي إلى التعاقد كشرط لقيام العقد.

و بناء على ما سبق نجد أن المشرع المغربي قد اعتبر أن إقامة المزايدة لا تشكل إيجابا و إنما هي مجرد دعوة إلى التعاقد و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 32 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

  إقامة المزايدة تعتبر دعوة إلى التعاقد. و تعتبر المزايدة مقبولة ممن يعرض الثمن الأخير و يلتزم هذا العارض بعرضه إذا قبل البائع الثمن المعروض.

و جدير بالذكر إلى أنه قد يصعب في بعض الحالات معرفة ما إذا كان عرض ما يرقى إلى مصاف الإيجاب أم أنه يقف عند حد الدعوة إلى التعاقد، فهذه مسألة موضوعية يعود للقاضي أن يقول كلمة الفصل فيها على ضوء ظروف كل حالة على حدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

2 – هل الإيجاب قوة إلزامية ؟

الأصل في نظر القانون أن الإيجاب ليس بحد ذاته قوة إلزامية، حيث يمكن للموجب أن يرجع عن إيجابه مادام لم يقترن به قبول، أو مادام الطرف الآخر الذي وجه إليه الإيجاب لم يشرع في تنفيذ العقد و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 26 من ق.ل.ع الذي نص على أنه:

يجوز الرجوع في الإيجاب مادام العقد لم يتم بالقبول أو بالمشروع في تنفيذه من الطرف الآخر.

 على أن المشرع اعتبر الإيجاب ملزما على وجه الاستثناء في حالتين:

الحالة الأولى : إذا كان الإيجاب مقترنا بأجل للقبول حيث يلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الأجل، و هذا ما نص عليه الفصل 29 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

       من تقدم بإيجاب مع تحديد أجل للقبول بقي ملتزما تجاه الطرف الآخر إلى انصرام هذا الأجل، و يتحلل من إيجابه إذا لم يصله رد بالقبول خلال الأجل المحدد.

 

الحالة الثانية: إذا كان الإيجاب تم عن طريق المراسلة دون تحديد أجل، إذ يظل الموجب في هذه الحالة ملتزما بالبقاء على إيجابه إلى الوقت الذي يتسع لوصول قبول يكون قد صدر في وقت مناسب و في ظروف عادية، و ذلك ما لم يكن الموجب قد أوضح لمن وجه إليه الإيجاب أنه لا يرغب انتظار المدة التي تستغرقها المراسلة العادية، و هذا ما أكده الفصل 30 من ق.ل.ع الذي نص على أن:

       من تقدم بإيجاب عن طريق المراسلة من غير أن يحدد أجلا، بقي ملتزما به إلى الوقت المناسب لوصول رد المرسل إليه داخل أجل معقول، ما لم يظهر بوضوح من الإيجاب عكس ذلك.

       و إذا صدر التصريح بالقبول في الوقت المناسب و لكنه لم يصل إلى الموجب إلا بعد انصرام الأجل الذي يكفي عادة لوصوله إليه، فإن الموجب لا يكون ملتزما مع حفظ حق الطرف الآخر في طلب التعويض من المسؤول قانونا.

 

 

 

 

 

 

 

 

3 – سقوط الإيجاب

إن الإيجاب بعد أن يكون قد أنتج أثره بوصوله إلى علم من وجه إليه يمكن أن يتناوله السقوط في الأحوال الآتية:

أ – يسقط الإيجاب سواء كان ملزما أو غير ملزم برفضه من قبل من وجه إليه، و هذا الرفض قد يكون رفضا مجردا و قد يكون إيجابا جديدا يعارض الإيجاب الأول، و قد يتخذ شكل قبول مقرون بشرط أو قيد، و في هذا الإطار نص الفصل 27 من ق.ل.ع على أن:

الرد المعلق على شرط أو المتضمن لقيد يعتبر بمثابة رفض للإيجاب يتضمن إيجابا جديدا.

ب – يسقط الإيجاب بانقضاء المدة المحددة للقبول صراحة من قبل الموجب نفسه أو ضمنيا إذا كان الإيجاب تم عن طريق المراسلة، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصلين 29 و 30 من ق.ل.ع.

ج – يسقط الإيجاب إذا مات الموجب أو أصبح فاقدا للأهلية أو ناقصها شريطة أن يكون ذلك في علم من وجه إليه الإيجاب قبل أن يقبله، أما إذا وقع القبول قبل علمه بموت الموجب أو بفقد أهليته أو نقصها، فإنه يعتد بهذا القبول و يبرم العقد، و ذلك  ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 31 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

      موت الموجب أو نقص أهليته إذا طرأ بعد إرسال إيجابه، لا يحول دون إتمام العقد إن كان من وجه إليه الإيجاب قد قبله قبل علمه بموت الموجب أو بفقد أهليته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانياً: القبول

القبول هو التعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب، و الذي بصدوره متطابقا للإيجاب تتم معه عملية التعاقد بين الموجب و بين القابل، و بخلاف الإيجاب الذي يمكن أن يوجه إلى شخص معين أو إلى أي شخص كان غير معين من الجمهور، فإن القبول يتصف دوما بصفة فردية بحيث يجب أن يوجه إلى شخص الموجب بالذات.

و عليه سوف نتطرق في هذا الإطار للحديث عن طرق التعبير عن القبول ( 1 )، و شروطه ( 2 ).

1 – طرق التعبير عن القبول

يمكن التعبير عن القبول بشكل صريح أو ضمني، فالتعبير الصريح عن القبول قد يكون باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المفهومة و المتداولة عرفا، أما التعبير الضمني عنه فقد يتم خلافا للقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه لا ينسب لساكت قول، إذ يعتبر السكوت بمثابة القبول إذا تعلق الإيجاب بمعاملات سابقة بدأت فعلا بين الطرفين و ذلك وفقاً لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 25 من ق.ل.ع، أو في الحالة التي يتضمن فيها الإيجاب منفعة لمن وجه إليه.

كما أن تعبير القبول قد يتحقق ضمنيا في الحالة التي يكون الرد بالقبول غير مطلوب من الموجب، أو عندما لا يقتضيه العرف التجاري، حيث يتم العقد بمجرد شروع الطرف الآخر في تنفيذه، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 25 من ق.ل.ع.

2 – شروط القبول

يشترط في القبول حتى ينعقد به العقد توافر شرطين:

الشرط الأول: يجب أن يصدر القبول في وقت يكون فيه الإيجاب قائما، فإذا كان الإيجاب مقرونا بأجل صريح أو ضمني كما لو تم عن طريق المراسلة، وجب أن يصدر القبول قبل انقضاء الأجل الصريح أو الضمني، و إذا كان الإيجاب قد وجه لشخص حاضر في مجلس العقد و لم تحدد له مدة وجب أن يصدر القبول فوراً قبل انفضاض مجلس العقد، و يسري نفس الحكم على الإيجاب المقدم بواسطة التليفون و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 23 من ق.ل.ع الذي نص على أن:

الإيجاب الموجه لشخص حاضر، من غير تحديد ميعاد، يعتبر كأن لم يكن إذا لم يقبل على الفور من الطرف الآخر.

       و يسري هذا الحكم على الإيجاب المقدم من شخص إلى آخر بطريق التليفون.

الشرط الثاني: يجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب تمام المطابقة، فإذا تضمن شرطا أو اقترن بقيد فإن التعاقد لا يتم، لأن القبول غير المطابق للإيجاب يعتبر رفض له و يشكل في نفس الوقت إيجابا جديدا يحتاج إلى قبول، و ذلك وفقا لمقتضيات الفصل 27 من ق.ل.ع.

و جدير بالذكر إلى أن المشرع المغربي قد نص في الفصل 28 من ق.ل.ع على أنه:

يعتبر الرد مطابقا للإيجاب إذا اكتفى المجيب بقوله قبلت أو نفذ العقد بدون تحفظ.

 

الفقرة الثالثة: اقتران القبول بالإيجاب

لا يكفي لتمام العقد أن يصدر إيجاب و قبول متطابقان، بل يجب أيضاً أن يقترن القبول بالإيجاب، و عليه فإنه تختلف صور اقتران القبول بالإيجاب تبعا لاختلاف طرق التعاقد، فهذه الأخيرة قد تكون بين طرفين حاضرين يضمهما مجلس واحد هو مجلس العقد، و قد يتم بالمراسلة كما قد يحصل بواسطة رسول أو وسيط، أو قد يجرى بالهاتف، بيد أن هذه الطرق تخضع جميعها لبعض القواعد العامة، لذلك يجب علينا التطرق ( أولا ) إلى هذه القواعد، قبل دراسة طرق التعاقد ( ثانياً ).

أولاً: القواعد العامة التي تسري على جميع العقود

       تتمثل هذه القواعد فيما يلي:

القاعدة الأولى: يجب أن يشمل تراضي الطرفين العناصر الأساسية للعقد، ففي البيع مثلا لابد أن يكون الإيجاب و القبول قد تطابقا من حيث تعيين المبيع و تحديد الثمن، و كذلك من حيث سائر الشروط التي يعتبرها الطرفان أساسية لإنجاز البيع كتعيين أجل دفع الثمن إذا كان البيع بأجل أما إذا كان التراضي قد اقتصر على بعض العناصر الأساسية و أهمل عناصر أساسية أخرى لم يتناولها الإيجاب و القبول، فإن العقد يعتبر غير تام و لا ملزم، كأن يقول أحد لآخر بعتك هذه الدار و يقبل الطرف الآخر الشراء دون أن يحدد الطرفان الثمن، و هذا ما أكدته الفقرة الثانية من الفصل 19 من ق.ل.ع التي نصت على أنه:

لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام و على باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية.

القاعدة الثانية: إذا أقدم المتعاقدان فور ابرامهما لعقد ما على إجراء تعديلات على هذا العقد كأن يكون العقد الذي أبرم بين البائع و المشتري يتضمن أداء ثمن المبيع دفعة واحدة، ثم اتفق الطرفان في نفس مجلس العقد على أن يؤدى الثمن أقساطا، فإن هذا الاتفاق لا يعتبر عقدا جديداً قائما بذاته جاء معدلا لعقد سابق، و إنما يعتبر جزء لا يتجزأ من العقد القديم، و ذلك ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، و هذا ما أكدته الفقرة الثانية من الفصل 19 من ق.ل.ع التي نصت على أن:

التعديلات التي يجريها الطرفان بإرادتهما على الاتفاق فور إبرامه لا تعتبر عقدا جديداً و إنما جزء من الاتفاق الأصلي و ذلك ما لم يصرح بخلافه.

و بذلك نستشف مما سبق أنه إذا لم يعلن الطرفان صراحة أن التعديلات التي أدخلاها على العقد فور إبرام تعتبر عقدا جديداً قائما بذاته جاء معدلا للعقد الأول، فإن هذه التعديلات يجب اعتبارها جزء من العقد القديم و تشكل معه عقدا واحدا.

القاعدة الثالثة: إذا وقع تراضي الطرفين على بعض شروط العقد و احتفظ الطرفان صراحة بشروط أخرى معينة لتكون مدار اتفاق لاحق، فإن العقد لا يتم و الشروط التي تم الاتفاق عليها تبقى مجرة من أي أثر قانوني، فإذا اتفق البائع و المشتري مثلا على تعيين المبيع و تحديد الثمن و نظما عقدا خطيا بذلك و تم التنصيص فيه على أنهما يحتفظان لعقد لاحق الاتفاق على بيان زمان أداء الثمن و مكانه فإن عقد البيع لا يعتبر قد تم بينهما و لا يلزمان حتى بالشروط التي اتفقتا عليها.

و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 20 من ق.ل.ع الذي نص على أنه:

لا يكون العقد تاما إذا احفتظ المتعاقدان صراحة بشروط معينة لكي تكون موضوعا لاتفاق لاحق، و ما وقع عليه الاتفاق من شرط أو شروط و الحالة هذه لا يترتب عليه التزام و لو حررت مقدمات الاتفاق كتابة.

القاعدة الرابعة: العبرة في التراضي للإرادة الظاهرة التي اطمأن إليها كل من الموجب و الطرف الآخر الذي قبل الإيجاب، لا إلى الإرادة الباطنة الكامنة في النفس.

و تبعا لذلك فإن التحفظات و القيود التي يحتفظ بها أحد المتعاقدين في قرارة نفسه لا يعتد بها و لا تؤثر على ما تم الاتفاق عليه بمقتضى الإرادة الظاهرة، فلو أن شخصاً اشترى مؤسسة تجارية و قبل الشراء دون تحفظ أو قيد فليس له منع البائع من فتح مؤسسة شبيهة بالمؤسسة المبيعة تأسيسا على أن إرادته الباطنة كانت منصرفة إلى أن من حقه التمسك بهذا المنع.

فمثل هذا التحفظ الذي بقي سرا مكتوما عن الطرف الآخر ليس بملزم و لا يمكن تبعا لذلك الاحتجاج به في مواجهة الطرف الآخر، و هذا ما أوضحه الفصل 21 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

       التحفظات و القيود التي لم تنه إلى علم الطرف الآخر لا تنقص ولا تقيد آثار التعبير عن الإرادة المستفادة من ظاهر اللفظ.

ثانيا: طرق التعاقد

التعاقد قد يكون بين طرفين حاضرين يضمها مجلس واحد هو مجلس العقد ( 1 )، أو بين غائبين و ذلك عن طريق المراسلة أو بواسطة رسول أو وسيط ( 2 )، كما أنه يمكن أن يتم ابرام العقد باستعمال الهاتف ( 3 ) أو بشكل إلكتروني ( 4 ).

1 – التعاقد بين حاضرين

إذا جرى التعاقد بين حاضرين يجب أن يصدر القبول في مجلس العقد، و المقصود بمجلس العقد الفترة الزمنية التي تمتد بعد الإيجاب و الطرفان فيها مقبلان على التعاقد دون إعراض من أحدهما عنه، و يظل مجلس العقد بهذا المعنى قائما طالما بقي الطرفان منشغلين بالتعاقد، و ينفض إذا انصرف الطرفان أو أحدهما عن التعاقد أو إذا صرف أحدهما أو كليهما عن التعاقد شاغل آخر حتى لو ظل يجمعهما مكان واحد، و في هذا الإطار ينص الفصل 23 من ق.ل.ع على أن:

الإيجاب الموجه لشخص حاضر، من غير تحديد ميعاد، يعتبر كأن لم يكن إذا لم يقبل على الفور من الطرف الآخر.

       و يسري هذا الحكم على الإيجاب المقدم من شخص إلى آخر بطريق التليفون.

 

 

 

 

2 – التعاقد بين غائبين

التعاقد بين غائبين قد يتم عن طريق المراسلة ( أ )، أو بواسطة رسول أو وسيط ( ب ).

أ – التعاقد بين غائبين بالمراسلة

التعاقد بين غائبين بالمراسلة هو الذي يتم بين متعاقدين لا يضمهما مجلس واحد، كأن يرسل تاجر من فاس رسالة إلى تاجر في الرباط يعرض عليه فيها بيع بضاعة ما بشروط معينة              و يجيب التاجر في الرباط برسالة يضمنها قبوله الشراء بالشروط المعروضة. و هنا يطرح سؤالان: السؤال الأول: يتعلق بالزمان الذي تم فيه العقد، أي هل يعتبر العقد قد تم في الزمان الذي صدر فيه قبول من وجه إليه الإيجاب ( نظرية إعلان القبول )، أم في الزمان الذي وصل فيه القبول إلى الموجب ( نظرية العلم بالقبول )؟

السؤال الثاني: يتعلق بالمكان الذي يعتبر أن العقد قد انعقد فيه، أي هل يعتبر العقد قد انعقد في الرباط حيث صدر القبول أم نعتبر انه انعقد في فاس حيث اتصل القبول بعلم الموجب؟

في هذا الإطار نجد أن المشرع المغربي قد أخذ بنظرية إعلان القبول، بحيث اعتبر أن العقد يتم في الزمان و المكان اللذين يعلن فيهما من وجه إليه الإيجاب عن قبوله، و ذلك وفقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 24 من ق.ل.ع التي نصت على أنه:

       يكون العقد الحاصل بالمراسلة تاما في الوقت و المكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب بقبوله.

و جدير بالذكر إلى أن اعتبار العقد تاما في الوقت الذي يرد فيه من تلقى الإيجاب بقبوله يبقى معلقا على شرط واقف، و هو وصول الرد بالقبول إلى الموجب قبل انصرام الوقت المناسب الذي يكفي عادة لوصوله و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 30 من ق.ل.ع، أو قبل انقضاء الأجل الذي يكون الموجب قد حدده للقبول وفقاً لمقتضيات الفصل 29 من نفس القانون، فإذا تحقق الشرط و وصل الرد بالقبول في الوقت المناسب أو داخل الأجل المحدد قام العقد بصورة نهائية و أنتج آثاره منذ صدور القبول عن الموجب، أما إذا لم يصل الرد بالقبول إلا بعد فوات الوقت المناسب أو خارج الأجل المحدد فإن الموجب يتحلل من إيجابه و لا يستطيع القابل تبعا لذلك التمسك بهذا الإيجاب لسقوطه.

 

 

 

 

 

 

 

 

ب – التعاقد بين غائبين بواسطة رسول أو وسيط

       التعاقد بين غائبين بواسطة رسول أو وسيط يشبه التعاقد بين غائبين بالمراسلة شبها تاما من حيث الزمان الذي يتم فيه العقد، و من حيث المكان الذي ينعقد فيه، إذ يعتبر العقد الحاصل بواسطة رسول تاما في الوقت الذي يرد فيه من تلقى الإيجاب بقبوله، و هذا ما أكدت عليه الفقرة الثانية من الفصل 24 التي نصت على أن:

العقد الحاصل بواسطة رسول أو وسيط يتم في الوقت و المكان اللذين يقع فيهما رد من تلقى الإيجاب للوسيط بأنه يقبله.

       و عليه فإنه إذا رفضت المحكمة التصريح بصحة بيع بين غائبين مرتكزة على عدم ثبوت توصل البائع شخصيا بالرد بالقبول خلال الأجل المحدد، في حين أن البائع تقدم بإيجابه بواسطة سمسار و أن هذا الأخير توصل بوصفه وسيطا بقبول الإيجاب قبل انصرام الأجل المحدد، فإن حكمها يقع مخالفا للقانون و معرضا للنقض[6].

3 – التعاقد بالهاتف

       لقد اعتبر المشرع المغربي التعاقد بالهاتف كتعاقد بين حاضرين من حيث زمان الانعقاد إذ يعتبر العقد بالهاتف قد تم في الوقت الذي جرت فيه المخاطبة الهاتفية، و ذلك ما أكده الفصل 23 من ق.ل.ع السالف الذكر أعلاه.

أما من حيث مكان انعقاد العقد بالهاتف فإن المشرع المغربي لم يتعرض لذلك، بيد أنه مدام قد أقر بانعقاد العقد بين الغائبين بمجرد إعلان القبول، فإنه يتعين القول بأن العقد بالهاتف يعتبر منعقدا في مكان القابل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الرابعة: عيوب الرضى

لقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام عيوب الرضى في الفصول من 39 إلى 56 من ق.ل.ع، بحيث ينص الفصل 39 على أنه:

يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط أو الناتج عن تدليس أو المنتزع بإكراه.

في حين أشار الفصل 54 على أن:

أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة.

و باستقراء مقتضيات هذين الفصلين يكون علينا لزاما أن نبحث عيوب الرضى في خمس فقرات على النحو الآتي:

  • الفقرة الأولى: الغلط
  • الفقرة الثانية التدليس
  • الفقرة الثالثة الإكراه
  • الفقرة الرابعة: الغبن
  • الفقرة الخامسة: حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أولا: الغلط

الغلط هو توهم يصور لشخص الواقع على خلاف حقيقته و يدفعه إلى التعاقد، بحيث ما كان ليتعاقد لو علم هذه الحقيقة أو أنه كان سيتفاوض وفقا لشروط أخرى غير التي تفاوض بها تحت وطأة الغلط.

و قد ظفر الغلط كعيب من عيوب الرضى في التقنين المغربي بتنظيم واف إذ خصه المشرع بست فصول هي 40 و 41 و 42 و 43 و 44 و 45 من ق.ل.ع، بحيث تعرض لحالة الغلط في القانون ( 1 )، ثم لحالات الغلط في الواقع ( 2 )، ثم لحالة الغلط الذي يقع من الوسيط ( 3 )       و في جميع الأحوال جعل تقدير وجود الغلط يقوم على أساس ضوابط ذاتية ( 4 ).

1 – حالة الغلط في القانون

يقصد بالغلط في القانون[7] تلك الحالة التي يتعاقد فيها الشخص معتقدا بأن القانون يقضي فيها بحكم معين ثم يتبين له خلاف ذلك، كأن يوصي شخص بنصف ماله لأحد من الغير ثم يظهر له أن سقف الوصية يجب ألا يتجاوز مقدار ثلث المال.

و في هذا الإطار ينص الفصل 40 من ق.ل.ع على أن:

       الغلط في القانون يخول إبطال الالتزام:

  • إذا كان هو السبب الوحيد أو الأساسي؛
  • إذا أمكن العذر عنه.

و من أمثلة الغلط في القانون الذي يجعل الإرادة معيبة أن يتنازل وارث ذكر عن حصته في التركة مقابل مبلغ معين معتقدا أنه يرث ثلث التركة و أن لشقيقتيه الثلثين الاخرين، ثم يتبين له حسب القواعد الشرعية أنه يرث نصف التركة، ففي هذا المثال من الغلط في القانون يصح للوارث الذكر الادعاء بأن رضاه كان معيبا و بالتالي المطالبة بإبطال ذلك التصرف.

بيد أنه لكي يعتد بالغلط في القانون حسب مقتضيات الفصل 40 السالف الذكر أعلاه يجب توافر توافر مجموعة من الشروط المتمثلة فيما يلي:

✓ يجب أن يكون الغلط في القانون هو السبب الوحيد أو على الأقل هو السبب الأساسي الذي دفع إلى التعاقد، فالوارث الذي يتنازل عن حصته في التركة نظرا لكون أكثر المدينين معسرين لا يستطيع الطعن في التنازل الحاصل منه رغم وجود الغلط في تقدير الحصة المتنازل عنها، لأن هذا الغلط لم يكن هو السبب الوحيد أو على الأقل الأساسي الذي دفعه إلى التنازل بل ثمة أسبابا جوهرية اخرى هي التي حملته على ذلك.

و جدير بالذكر في هذا الإطار إلى أن اعتبار الغلط دافعا للتعاقد أو غير دافع إليه يعد من أمور الواقع التي يفصل فيها قاضي الموضوع على ضوء ملابسات القضية و الظروف المحيطة بشخصية المتعاقد.

✓ يجب أن يكون الغلط مما يعذر عنه كأن يكون المتنازل عن حصته الارثية في المثال الذي سقناه شخصاً أميا، أما إذا كان من رجال القانون أو على الأقل له دراية بسيطة بالقانون، و أقدم على ذلك و هو تحت تأثير الغلط في تقدير حصته الارثية، فلا يمكن الاعتداد بغلطه، لأن هذا الغلط ليس مما يمكن لمثله العذر عنه.

✓ يجب أن يكون الغلط في القانون مسوغا إبطال العقد بحيث إذا كان هناك نص قانوني يحول دون الإبطال فعندئذ يمنع الاعتداد بالغلط و الطعن في التصرف على أساسه، و من الأمثلة على ذلك نجد أنه لا يجوز لشخص قام بدفع دين له سقط بالتقادم أن يدفع بالغلط على اعتبار أنه يجهل واقعة التقادم و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 73 [8] من ق.ل.ع، كما أنه لا يطعن في الصلح بسبب الغلط في القانون أو بسبب الغبن إلا في حالة التدليس و ذلك استنادا إلى مقتضيات الفصلين 1112[9] من ق.ل.ع.

2 – حالات الغلط في الواقع

       بالرجوع إلى مقتضيات الفصلين 41 و 42 من ق.ل.ع نجد أن المشرع المغربي قد اعتبر كلا من الغلط في الشيء محل التعاقد ( أ )، و كذا الغلط في شخص المتعاقد و صفته أسبابا تبرر الإبطال لمصلحة من وقع في الغلط ( ب )، في حين نجد أن الغلط في الحساب لا يخول حق المطالبة بالإبطال و إنما يجب تصحيحه ( ج ).

أ – حالة الغلط في الشيء

      لقد تبنى المشرع المغربي النظرية الجديدة للغلط الواقع على الشيء بحيث نص في الفصل 41 من ق.ل.ع على أنه:

يخول الغلط الإبطال إذا وقع في ذات الشيء أو في نوعه أو صفة فيه كانت هي السبب الدافع إلى الرضى.

       و بذلك يتضح جليا من مقتضيات الفصل الوارد أعلاه أن استعمال المشرع المغربي لاصطلاح ذات الشيء غير مقصود على اعتبار أن الغلط في الذاتية يجعل العقد باطلا، لذلك فإن كلا من الفقه و القضاء يفسران مصطلح الذاتية بمصطلح مادة الشيء الذي يعتبر أقرب إلى قصد المشرع.

      و بناء على ما سبق نستشف أن الفصل 41 السالف الذكر لا يقتصر على الاعتداد بالغلط الواقع على مادة الشيء، كما لو اشترى أحد خاتما يظنه من ذهب خالص ثم يظهر أنه من نحاس مطلي بالذهب، أو على نوعه كما لو اشترى تاجر سلعة على أساس أنها من النوع الممتاز و إذا هي من النوع الرديء، بل يعتد أيضاً بالغلط الواقع على صفة في الشيء إذا كانت هي السبب الدافع إلى التعاقد نحو ذلك أن يشتري شخص آنية ذهبية على أساس أنها أثرية ثم يتضح له أنها ليست لها صفة الأثرية و كانت هذه الصفة هي السبب الرئيسي الدافع إلى التعاقد، أما إذا كان الغلط قد تناول صفة غير جوهرية في الشيء فيصبح عندئذ من نوع الغلط غير المنتج الذي لا يؤثر على صحة العقد.

ب – حالة الغلط في الشخص

ينص الفصل 42 من ق.ل.ع على أن:

الغلط الواقع على شخص أحد المتعاقدين أو على صفته، لا يخول الإبطال إلا إذا كان هذا الشخص أو هذه الصفة أحد الأسباب الدافعة إلى صدور الرضى من المتعاقد الآخر.

      و مثال الغلط الواقع على شخصية أحد المتعاقدين أن يهب شخص مالا لشخص آخر معتقدا أنه قريبه، ثم يتبين له غير ذلك، أما مثال الغلط الواقع على صفة أحد المتعاقدين كأن يؤجر شخص داره لامرأة يظنها شريفة ثم يتبين له أنها فاسدة السلوك.

و الغلط سواء وقع في ذات الشخص أو في صفة من صفاته فإنه في الحالتين يعيب الرضى و يكون سببا للإبطال، لكن يشترط أن تكون شخصية المتعاقد أو صفته أحد الأسباب الدافعة إلى التعاقد، أما إذا كانت ذات الشخص أو صفته غير جوهرية في نظر المتعاقد فإن الغلط إذا وقع يكون من نوع الغلط غير المنتج و بالتالي لا يؤثر على صحة العقد.

و عموما يعود للقاضي تقدير ما إذا كانت ذات الشخص أو صفته محل اعتبار لدى المتعاقد حسب ظروف و ملابسات كل قضية على حدة.

ج – حالة الغلط في الحساب

      من المتفق عليه أن الغلط في الحساب هو غلط غير منتج من حيث تقرير الإبطال فهو غلط مادي بحث لا يعيب العقد الذي تخلله، و إنما يصحح الغلط الواقع و يمضي العقد على الأساس الصحيح و هذا ما أوضحه الفصل 43 من ق.ل.ع الذي ورد فيه على أن:

مجرد غلطات الحساب لا تكون سببا للإبطال و إنما يجب تصحيحها.

 

 

 

 

 

 

 

 

3 – حالة الغلط الواقع من الوسيط

إذا تم العقد عن طريق وسيط ووقع هذا الوسيط في غلط تناول الشيء أو الشخص فإن للمتعاقد الذي استخدم الوسيط أن يعتد بهذا الغلط كما لو كان قد وقع هو نفسه فيه، و هذا ما نص عليه الفصل 45 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

إذا وقع الغلط من الوسيط الذي استخدمه أحد المتعاقدين، كان لهذا المتعاقد أن يطلب إبطال الالتزام في الأحوال المنصوص عليها في الفصلين 41 و 42 السابقين، و ذلك دون إخلال بالقواعد العامة المتعلقة بالخطأ و لا بحكم الفصل 430[10] في الحالة الخاصة بالبرقيات.

      و عليه فإنه في حالة وقوع الغلط نتيجة خطأ من الوسيط فإن هذا الأخير يلزم بتعويض الطرف المتضرر[11] عن الضرر الذي سببه له، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 77[12] من ق.ل.ع.

و قد تكون دائرة البريد و البرق هي المسؤولية عن وقوع الغلط لتحريف وقع مثلا في برقية فتلتزم هي عندئذ بأداء التعويض وفقاً لمقتضيات الفصل 79[13] من ق.ل.ع، في حين يلتزم مستخدموها شخصيا بالتعويض إذا كان الغلط قد نتج عن أخطاء جسيمة وقعت منهم أثناء أداء وظائفهم وذلك استنادا إلى مقتضيات الفصل 80 [14] من ق.ل.ع.

4 – تقدير وجود الغلط

      إن تقدير وجود الغلط أو انتفائه لا يقوم على أساس ضوابط موضوعية، إنما يرتكز على معيار ذاتي يوجب التبصر في كل حالة من حالات الغلط على حدة و مراعاة الظروف التي رافقت هذا العيب، و الاعتداد على وجه الخصوص بسن المتعاقدين و حالتهم و كونهم ذكورا أو إناثا     و هذا ما أكده الفصل 44 من ق.ل.ع و الذي ورد فيه:

على القضاة عند تقدير الغلط أو الجهل سواء تعلق بالقانون أم بالواقع أن يراعوا ظروف الحال و سن الأشخاص و حالتهم و كونهم ذكورا أو إناثا.

 

 

ثانياً: التدليس

التدليس هو استعمال خديعة توقع الشخص في غلط يدفعه إلى التعاقد كأن يقدم مالك أرض معدة للبناء مخططات و دراسات توهم الراغب في الشراء إمكانية إقامة دار للسينما على هذه الأرض في حين أنها لا تصلح لإقامة مثل هذا البناء و أن المشتري لو علم بذلك لما اشتراها.

و على هذا النحو يتضح بأن التدليس يختلف عن الغش بحيث نجد أن التدليس يصاحب تكوين العقد و هو الذي يدفع إلى التعاقد، بينما الغش هو خديعة تقع خارج نطاق التعاقد[15]، أو أثناء تنفيذ العقد[16].

و تبعا لذلك فقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام التدليس من خلال الفصلين 52 و 53 من ق.ل.ع[17].

إذ ينص الفصل 52 على أن:

التدليس يخول الإبطال إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به.

في حين ينص الفصل 53 على أن:

       التدليس الذي يقع على توابع الالتزام من غير أن يدفع إلى التحمل به لا يمنح إلا الحق في التعويض.

و باستقراء مقتضيات الفصلين الواردين أعلاه نستشف أن قيام التدليس يتوقف على توافر الشروط الثالثة التالية:

الشرط الأول: استعمال المدلس وسائل احتيالية لتضليل المدلس عليه.

الشرط الثاني: كون هذه الوسائل الاحتيالية هي التي دفعت المدلس عليه إلى التعاقد.

الشرط الثالث: صدور الوسائل الاحتيالية عن المتعاقد الاخر أو كون هذا المتعاقد على علم بها.

 

 

 

1 – استعمال المدلس وسائل احتيالية لتضليل المدلس عليه

يتطلب قيام التدليس استخدام المدلس وسائل احتيالية تخفي الحقيقة عن المتعاقد الآخر و تولد الغلط في ذهنه، و هذا العمل الذي يقدم عليه المدلس يقوم على عنصرين عنصر مادي و هو عبارة عن الوسائل و السبل التي استعملها المدلس، و عنصر معنوي يتجلى في نية التضليل لتحقيق غرض غير مشروع.

أ – العنصر المادي

يجب أن يستخدم المدلس وسائل احتيالية لإخفاء الحقيقية عن المتعاقد و تضليله، و من ثم دفعه إلى التعاقد كعرض البائع على المشتري بغية انتزاع قبوله رسائل مزورة تحمل ثمنا مبالغا فيه للبضائع المراد بيعها.

و هنا يطرح سؤال هل الكذب و الكتمان يمكن أن يشكل كل منهما عنصرا ماديا كافيا لقيام التدليس ؟

الأصل أن مجرد الكذب لا يعتبر من الوسائل الاحتيالية و لا يكفي بالتالي لتحقيق التدليس كما في الكذب الدارج بين الباعة من حيث المبالغة في أوصاف المبيع و مزاياه، لكن الكذب في واقعة معينة لها اعتبارها في نظر المتعاقد الآخر يعتبر تدليسا، و نحو ذلك جزم البائع كذبا و بهتانا بوجود صفة معينة في المبيع كان يصر عليها المشتري، و كذلك يرقى الكذب إلى درجة التدليس عندما يترتب على أحد المتعاقدين تقديم بيانات إلزامية لها تأثير على عملية التعاقد و يدلي ببيانات غير صحيحة، كما لو أعطى المؤمن له على الحياة بيانات كاذبة لشركة التأمين يخفي بها أخطارا يتعرض لها و تزيد في تبعات الشركة.

كما أن الأصل في الكتمان أنه لا يعتبر عنصرا ماديا كافيا لقيام التدليس إذ ليس على المتعاقد بيان كل ما يتعلق بعملية التعاقد و بالمعقود عليه، لكن هناك حالات يكفي فيها الكتمان لتحقق التدليس و ذلك عندما يتعلق الكتمان في ناحية يوجب القانون أو طبيعة العقد بيانها، كما لو كتم المؤمن له على حياته مرضا خطيرا هو مصاب به أو كما لو كتم بائع عقار عن المشتري أن العقار المبيع قد شرع في نزع ملكيته للمنفعة العامة، ففي هاتين الحالتين يعتبر الكتمان تدليسا وفقاً لمقتضيات الفصل 52 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن : ” التدليس يخول الإبطال إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به “.

ب – العنصر المعنوي

يجب لقيام التدليس أن يتوافر العنصر المعنوي إلى جانب العنصر المادي، و يقصد بالعنصر المعنوي أن تكون الحيل أو الكتمان الذي لجأ إليه المدلس تهدف لتضليل المدلس عليه من أجل تحقيق غرض غير مشروع، فالبائع الذي يبرز رسائل مزورة أو مخطوطات مصطنعة لحمل مشتري البضاعة أو الأرض على التعاقد أو المؤمن له على الحياة الذي يكتم بيانات كان ملزما بتقديمها للمؤمن، إنما يبتغون من وسائل التضليل التي لجأوا إليها الحصول على كسب غير مشروع على حساب المشتري أو شركة التأمين.

أما إذا كان غرض من قام بالوسائل الاحتيالية مشروعا فلا يتحقق التدليس، نحو ذلك أن يلجأ الدائن لاستعمال الخديعة من أجل الحصول على رهن من مدينه و الذي ظهرت بوادر إعساره فهذه الخديعة لا تشكل تدليسا لأن الدائن كان يهدف من ورائها ضمان استيفاء دينه و هو غرض مشروع.

2 – كون هذه الوسائل الاحتيالية هي التي دفعت المدلس عليه إلى التعاقد

لا يسوغ المطالبة بإبطال العقد للتدليس إلا إذا ثبت أن الوسائل الاحتيالية التي لجأ إليها المدلس هي التي دفعت بالمتعاقد إلى التعاقد و هذا ما نص عليه الفصل 52 صراحة بعبارة           ”  لولاها لما تعاقد الطرف الآخر “، و معرفة ما إذا كانت الوسائل الاحتيالية التي استعملها المدلس للتضليل هي التي حملت على التعاقد من الأمور الواقعية التي يعود تقديرها لقاضي الموضوع و هذا ما كرسته محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 2 فبراير 1957 و الذي جاء في حيثياته على أن ” للقضاة سلطة كاملة في تقدير وجود أو انعدام الوقائع المكونة للتدليس” .

و جدير بالذكر إلى أن تقدير وجود التدليس أو انتفائه لا يقوم على أساس ضوابط موضوعية و إنما يرتكز على معيار ذاتي يوجب التبصر في كل حالة على حدة و في ضوء شخصية المدلس عليه تبعا لجنسه و وضعه و سنه.

و بناء على ما سبق نجد أن أغلب الفقه و معه التشريع يفرق في هذا الصدد بين التدليس الدافع إلى التعاقد و بين التدليس غير الدافع أو التدليس العارض و الذي لا يدفع إلى التعاقد و إنما يحمل المتعاقد الذي هو مصمم على التعاقد على القبول بشروط أبهظ ما كان ليرتضيها أو على القبول بمنح ميزات ما كان ليمنحها لولا وقوع تحت وطأة التدليس، فهذا النوع من التدليس لا يجعل العقد قابلا للإبطال و إنما يقتصر أثر فقط على إعطاء الحق للمتعاقد المتضرر في المطالبة بالتعويض طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية و هذا ما أشار إليه الفصل 53 من ق.ل.ع و الذي نص على أن: ” التدليس الذي يقع على توابع الالتزام من غير أن يدفع إلى التحمل به لا يمنح إلا الحق في التعويض “.

بيد أنه استثناء يعتد بالتدليس العارض كسبب للإبطال إذا وصل ضرر المدلس عليه حد الغبن ( أي كل فرق يزيد على الثلث بين الثمن المذكور في العقد و القيمة الحقيقية للشيء ) و هذا ما يؤكده الفصل 55 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

الغبن لا يخول الإبطال إلا إذا نتج عن تدليس الطرف الآخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من أجله، و ذلك فيما عدا الاستثناء الوارد بعده.

3 – صدور الوسائل الاحتيالية عن المتعاقد الاخر أو كون هذا المتعاقد على علم بها

لقد أخذ قانون الالتزامات و العقود المغربي بالرأي القائل بوجوب التوفيق بين حماية المدلس عليه الذي عيبت إرادته و بين استقرار المعاملات الذي يتطلب عدم اعتبار المتعاقد حسن النية مسؤولا عن عمل الغير كسبب للإبطال، و هذا ما كرسه الفصل 52 من ق.ل.ع و الذي نص على أنه: ” التدليس يخول الإبطال إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به “.

أما إذا كان المتعاقد مع المدلس عليه غير عالم بالتدليس الذي باشره الغير، فإن المدلس عليه لا يستطيع المطالبة بإبطال هذا العقد على أساس التدليس الذي باشره الغير دون علمه، إنما يكون من حقه فقط مباشرة دعوى التعويض ضد هذا  الغير لجبر الضرر الذي أصابه.

ثالثاً: الإكراه

لقد نظم المشرع المغربي أحكام الإكراه كعيب من عيوب الرضى في الفصول 46 و 47 و 48 و 49 و 50 و 51 من ق.ل.ع.

بحيث عرف الفصل 46 من القانون السالف الذكر الإكراه بأنه:

إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عملا بدون رضاه “.

و في هذا الإطار قد يتبادر إلى الذهن أنه كان ينبغي أن يكون العقد الذي صاحبه الإكراه غير منعقد لأن المكره بحسب الظاهر عديم الإرادة، لكن الواقع خلاف ذلك إذ المتعاقد تحت تأثير الرهبة إنما يتعاقد بإرادته و لكن هذه الأخيرة لم تكن حرة من حيث أنه كان عليه إما أن يتحمل الأذى المهدد به و إما أن يتعاقد، و كلاهما شر، فيختار التعاقد كأهون الشرين لدرء الضرر عن نفسه أو عن غيره، لذلك فإن العقد المشوب بالإكراه لا يعتبر باطلا و إنما قابلا للإبطال لعيب أصاب إرادة المكره.

و لكي يتحقق الإكراه الذي يعيب الرضى و يجعل العقد قابلا للإبطال لابد من توافر الشروط الأربعة التالية:

الشرط الأول: استعمال وسيلة للضغط على شخص

الشرط الثاني: كون هذه الوسيلة بعثت رهبة في نفسه

الشرط الثالث: كون هذه الرهبة هي التي دفعته إلى التعاقد

الشرط الرابع: كون المقصود من الرهبة المتولدة في نفس المكره تحقيق غرض غير مشروع

1 – استعمال وسيلة للضغط على شخص

لقد نص الفصل 47 من ق.ل.ع على أن:

الإكراه لا يخول إبطال الالتزام إلا:

  • إذا كان هو السبب الدافع إليه
  • إذا قام على وقائع من طبيعتها أن تحدث لمن وقعت عليه إما ألما جسميا أو اضطرابا نفسيا… أو الخوف من تعريض نفسه أو شرفه أو أمواله لضرر كبير مع مراعاة السن و الذكورة و الأنوثة و حالة الأشخاص و درجة تأثرهم.

و بذلك نستشف من مقتضيات هذا الفصل أن الإكراه قد يكون جسميا و هو الذي تقع وسيلة الضغط فيه على جسم المكره كالضرب و التعذيب، و قد يكون نفسيا و هو الذي تكون الوسيلة فيه تهديدا بالضرب أو بإثارة فضيحة إلى غير ذلك من الأمثلة، و تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الخوف الناشئ عن الاحترام لا يخول الإبطال بصريح منطوق الفصل 51 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

       الخوف الناشئ عن الاحترام لا يخول الإبطال، إلا إذا انضمت إليه تهديدات جسمية           أو أفعال مادية.

و في جميع الأحوال فإنه يعتد بالإكراه سواء صدر من أحد المتعاقدين أو صدر عن الغير و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 49 من ق.ل.ع الذي نص على أن:

الإكراه يخول إبطال الالتزام و إن لم يباشره المتعاقد الذي وقع الاتفاق لمنفعته.

و بذلك يختلف عيب الإكراه من هذه الناحية عن عيب التدليس، بحيث لا يعتد بهذا الأخير كسبب للإبطال إلا إذا كان هذا الغير متواطئا مع المتعاقد الذي استفاد من التدليس أو على الأقل أن يكون على علم به، في حين أن الإكراه الصادر عن الغير يعتد به دون ما النظر إلى حسن نية أو سوء نية الطرف المتعاقد مع المكره.

كما أنه يجب الاعتداد بالإكراه حتى لو تهيأت ظروفه و استغل شخص هذه الظروف كوسيلة للضغط على إرادة الطرف الآخر و حمله على التعاقد، و نحو ذلك أن يقع شخص في الأسر فيعرض عليه شخص إطلاق سراحه مقابل تنازل الأسير عن كل ثروته.

2 – كون هذه الوسيلة بعثت رهبة في نفسه

ليست العبرة في الإكراه للوسيلة التي اتبعت للضغط على المكره، و إنما العبرة لما تبعثه هذه الوسيلة من رهبة في النفس تجعل المكره يتصور أن خطرا جسيما يهدده و ضررا عظيما ينتظره.

و تقدير جسامة الخطر و عظم الضرر و بالتالي ما بعث ذلك من رهبة في النفس هو من المسائل الواقعية التي يعود تقديرها لقاضي الموضوع، و معيار التقدير هنا، كما هو الحال في عيبي الغلط و التدليس معيار ذاتي يتبع حالة الشخص و الظروف التي تحيط به، و هذا ما أكده المشرع في الفصل 46 من ق.ل.ع و الذي أشار إلى أنه يجب عند التقدير مراعاة السن و الذكورة و الأنوثة و حالة الأشخاص و درجة تأثرهم.

و تبعا لذلك فإنه يعتد بالإكراه سواء وقع على المتعاقد بالذات أو وقع على الغير إذ لا يشترط في الخطر الذي يولد الرهبة في النفس أن يكون واقعا على المتعاقد نفسه بل يمكن أن يكون الخطر محدقا بشخص آخر يحرص هذا المتعاقد على حماتيه، و هذا ما نص عليه الفصل 50 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

       الإكراه يخول الإبطال ولو وقع على شخص يرتبط عن قرب مع المتعاقد بعلاقة الدم.

باستقراء مقتضيات الفصل الوارد أعلاه لا بد التساؤل عن أثر الخطر إذا هدد شخص بعيد القرابة عن المتعاقد أو شخص لا يمت إليه بأي صلة من صلات القرابة، هل نعتبر ما قضى به الفصل 50 من ق.ل.ع قد حصر الاعتداد بالإكراه عندما يكون الخطر محدقا بمن يرتبط بالمتعاقد عن قرب بعلاقة الدم، أم نتوسع في تفسير ما جاء به هذا الفصل.

إني أعتبر في هذا المقام أن العبرة يجب أن تكون قبل كل شيء للرهبة التي تولدت في نفس المتعاقد و لما يتركه الخطر المحدق بالغير من أثر في نفسه، لذلك أرجع عدم إضفاء طابع حصري على مقتضيات الفصل 50 من ق.ل.ع و بالتالي الاعتداد بما يتركه الخطر المحدق بالغير من أثر في نفس المتعاقد أيا كان هذا الغير على أن يترك للقاضي تقدير كل حالة في ضوء ظروفها الخاصة.

3 – كون  الرهبة المتولدة في نفس المكره هي التي دفعته إلى التعاقد

لا يعتد بالإكراه و لا يجوز بالتالي للمتعاقد المكره الطعن في العقد الذي أبرمه إلا إذا كان قد تعاقد تحت تأثير الرهبة التي تولدت في نفسه، فوسيلة الضغط لا يعتد بها لذاتها و إنما الذي يعتد به هو الأثر الذي تخلفه هذه الوسيلة لدى المتعاقد و الرهبة التي تولدها في نفسه فيضطر إلى التعاقد اضطرارا، و هذا ما نص عليه الفصل 48 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

     الإكراه لا يخول إبطال الالتزام إلا:

  • إذا كان هو السبب الدافع إليه
  • إذا قام على وقائع من طبيعتها أن تحدث لمن وقعت عليه إما ألما جسميا أو اضطرابا نفسيا… أو الخوف من تعريض نفسه أو شرفه أو أمواله لضرر كبير مع مراعاة السن و الذكورة و الأنوثة و حالة الأشخاص و درجة تأثرهم.

4 – كون المقصود من الرهبة المتولدة في نفس المكره تحقيق غرض غير مشروع

لابد كي يتحقق الإكراه أن يكون المقصود من الرهبة المتولدة في نفس المتعاقد المكره الوصول إلى غرض غير مشروع، لا فرق في ذلك بين أن تكون وسيلة الإكراه التي اتبعت مشروعة أو غير مشروعة، أما إذا كان الضغط يهدف إلى تحقيق غرض مشروع فلا يتحقق الإكراه حتى ولو كانت وسيلة الضغط غير مشروعة، لكن يشترط أن لا ترتقي الوسيلة غير المشروعة إلى درجة الجريمة التي يعاقب عليها كالضرب أو التعذيب أو التهديد بالقتل ففي مثل هذه الحالات يتحقق الإكراه و يمكن إبطال العقد. و هذا ما أشار إليه المشرع المغربي في معرض تعريفه للإكراه في الفصل 46 من ق.ل.ع، حيث تحدث عن ” ضغط يباشر من غير أن يسمح به القانون “.

و نتيجة لما سبق فإن الدائن الذي يهدد مدينه برفع دعوى ضده عند حلول أجل الدين          أو المطالبة بالحجز على أمواله بعد صدور الحكم عليه لا يعتبر مكرها لمدينه باعتبار أنه لجأ إلى استعمال وسيلة مشروعة لتحقيق غرض مشروع، و هذا ما نص عليه الفصل 48 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

الخوف الناتج عن التهديد بالمطالبة القضائية أو عن الإجراءات القانونية الأخرى لا يخول الإبطال، إلا إذا استغلت حالة المتعاقد المهدد بحيث تنتزع منه فوائد مفرطة أو غير مستحقة    و ذلك ما لم يكن التهديد مصحوبا بوقائع تكون الإكراه بالمعنى الذي يقتضيه الفصل السابق.

 

 

 

 

رابعاً: الغبن

يقصد بالغبن انتفاء التوازن بين ما يعطيه العاقد و ما يأخذه في عقود المعاوضة، بحيث يعتبر غبنا حسب مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 56 من ق.ل.ع كل فرق يزيد عن الثلث بين الثمن المذكور في العقد و القيمة الحقيقية للشيء.

و بالرجوع إلى مقتضيات الفصلين 55 و 56 من قانون الالتزامات و العقود الذين خصهما المشرع للغبن يتبين أن القاعدة في التقنين المغربي أن الغبن المجرد عن التدليس لا يكفي لإبطال العقد، باستثناء الحالة التي يلحق فيها الغبن بالقاصر أو بناقص الأهلية حيث يكون الغبن وحده سببا للإبطال.

و عليه سأبحث بادئ ذي بدء في القاعدة العامة التي تقضي بعدم الاعتداد بالغبن المجرد كسبب للإبطال ( 1 )، ثم أعرج لدراسة حالة الغبن الذي يرافقه التدليس حيث يجوز الإبطال (2)  ثم أتعرض للحالة الاستثنائية التي يكون فيها الغبن المجرد كافيا للإبطال ( 3 )، ثم أعرف بالنظرية الحديثة للغبن القائمة على فكرة الاستغلال ( 4 ).

1 – القاعدة العامة أن الغبن المجرد لا يخول الإبطال

الأصل في التقنين المغربي أن الغبن المجرد لا يعيب العقد و بالتالي لا يخول الإبطال     لأن القانون ليس من شأنه أن يحرص على إقامة توازن اقتصادي بين المتعاقدين، و إنما مهمته تتجلى في الحرص على إقامة تكافؤ قانوني بين المتعاقدين بأن يكون كل منهما كامل الأهلية حر الإرادة.

2 – الغبن المقرون بالتدليس يخول الإبطال

إذا اقترن الغبن بالتدليس فإنه يعتد به و يصلح أساسا للطعن بالعقد و إبطاله، و نحو ذلك أن يشتري شخص أرضا معدة للبناء بثمن باهظ نتيجة استعمال وسائل احتيالية من طرف البائع       ففي هذه الحالة يجوز للمشتري أن يطالب بإبطال هذا العقد للغبن الذي لحقه به نتيجة تدليس البائع و ذلك استنادا لمقتضيات الفصل 55 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

الغبن لا يخول الإبطال إلا إذا نتج عن تدليس الطرف الآخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من أجله، و ذلك فيما عدا الاستثناء الوارد بعد.

و رب سائل يتساءل حول فائدة اقرار المشرع جواز إبطال العقد للغبن المقرون بالتدليس مادام يمكن الطعن في هذا العقد بالتدليس فقط.

الجواب هو أن التدليس قد لا يكون دافعا إلى التعاقد بحيث يقتصر على إغراء المتعاقد الذي كان مصمما على التعاقد بالقبول بشروط أشد أو بمنح امتيازات للمتعاقد الآخر، ففي هذه الحالة يقف التدليس عند حد كونه عملا غير مشروع إذ لا يمنح إلا الحق بالمطالبة بالتعويض وفقاً لمقتضيات الفصل 53 من ق.ل.ع، أما إذا اقترن هذا التدليس العارض بالغبن فإن العقد يعتبر معيبا و تجوز المطالبة بإبطاله عملا بأحكام الفصل 55 من ق.ل.ع.

 

 

3 – استثناء الغبن المجرد يعيب العقد و يخول الإبطال

ينص الفصل 56 من ق.ل.ع على أن:

       الغبن يخول الإبطال إذا كان الطرف المغبون قاصرا أو ناقص الأهلية، و لو تعاقد بمعونة وصيه أو مساعده القضائي وفقاً للأوضاع التي يحددها القانون، و لو لم يكن ثمة تدليس من الطرف الآخر. و يعتبر غبنا كل فرق يزيد على الثلث بين الثمن المذكور في العقد و القيمة الحقيقية للشيء.

فلو عقد قاصر شراء بإذن من نائبه الشرعي و كان الثمن الذي أداه القاصر يزيد عن ثلث القيمة الحقيقية للشيء المبيع جاز له أن يطالب بإبطال ذلك العقد.

4 – النظرية الحديثة للغبن ” الغبن الاستغلالي “

النظرية التقليدية للغبن تقتصر على الاعتداد بالغبن كعيب للعقد في بعض التصرفات بعوض على وجه الاستثناء، كما أنها تقوم على معيار مادي يتبلور بمقياس الغبن برقم معين مثلا بما يزيد عن الثلث في قانون الالتزامات و العقود المغربي.

أما النظرية الحديثة فهي تعتد بالغبن في جميع التصرفات، شأن الغبن في ذلك شأن سائر عيوب الرضى الأخرى، ثم هي إلى جانب ذلك نظرية ذاتية تقوم على فكرة الغبن الاستغلالي      و التي يراد بها أن يستغل أحد المتعاقدين ضعف أو حاجة أو طيش المتعاقد الآخر و يستدرجه إلى عقد يغبنه فيه بحيث لا تتوازن في هذا العقد التزامات المغبون و حقوقه.

خامسا: حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة ” الغبن الاستغلالي “

إن المشرع المغربي لم يكتف بإقرار عيوب الرضى التقليدية و هي الغلط و  التدليس و الإكراه و الغبن، بل منح للقاضي في إطار الفصل 54 من ق.ل.ع حق إبطال العقود التي تبرم في حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة إذ ينص على أن:

       أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة متروك لتقدير القضاة.

1 – الإبطال بسبب حالة المرض

يمكن القول بأن المرض المقصود في إطار الفصل 54 من ق.ل.ع يشمل كل التوترات النفسية و العقلية و العصبية التي تتسبب في انهيار إرادة المتعاقد سواء كان المرض مزمنا أو متقطعا.

و بناء على ما سبق فإن حالة المرض الأخير أو مرض الموت يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كان مشمولا بصيغة الفصل 54 من ق.ل.ع أم لا؟

إذا كان المشرع قد حدد مصير بعض التصرفات التي يجريها الشخص في مرض موته كالبيع لأحد الورثة بقصد المحاباة و كذا إبراء بعضهم من الدين حيث قرر بطلان هذه التصرفات دفعا لعنصر المحاباة، إلا أن ذلك لا يعني استبعاد مرض الموت من مضمون الفصل 54 من ق.ل.ع بحيث يحق للورثة ممارسة دعوى الإبطال المنصوص عليها في هذا الفصل إذا تبين أن التصرف الذي أجراه موروثهم مع الغير كان مقرونا بالغبن الاستغلالي.

2 – الإبطال بسبب حالات أخرى مشابهة لحالة المرض

لقد توسع الفقه في تعداد النماذج المشابهة لحالة المرض كالطيش البين و الهوى الجامح     و الحاجة الملحة و الجهل و عدم الخبرة و حالة السكر، و على أي حال فإن تقدير هذه الحالات متروك للقضاة الذين يتعين عليهم فحصها على ضوء الظروف و الملابسات الخاصة بكل حالة على حدة.

و عليه فإنه إذا تعاقد شخص و هو في حالة مشابهة لحالة المرض و تبين أن الالتزامات المترتبة عليه بموجب العقد لا تتعادل مع ما حصل عليه من فائدة و استحال إبطال العقد للتدليس أو الإكراه أو الغبن لعدم توافر شروطها جاز للقاضي بما أولاه المشرع من سلطة تقديرية في الفصل 54 من ق.ل.ع، أن يعمد إلى إبطال العقد بطلب من الطرف المغبون.

3 – قانون الالتزامات و العقود يأخذ بنظرية الغبن الاستغلالي

إن النظرية الحديثة للغبن ترتكز على فكرة استغلال أحد المتعاقدين مرض أو ضعف       أو حاجة أو طيش المتعاقد الآخر و استدراجه إلى التعاقد على أساس يظهر أن التزامات المترتبة على الطرف المغبون لا تتعادل مع حقوقه.

       و من صور النظرية الحديثة للغبن في التقنين المغربي نذكر الفصل 54 من ق.ل.ع السالف الذكر الذي جعل أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة. و أيضا ما نص عليه الفصل 878 من نفس القانون و الذي جاء فيه على أن:

       من يستغل حاجة شخص آخر أو ضعف إدراكه أو عدم تجربته فيجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض أو لتجديد قرض عند حلول أجله فوائد أو منافع أخرى تتجاوز إلى حد كبير السعر العادي للفوائد و قيمة الخدمة المؤداة، وفقاً لمقتضيات المكان و ظروف التعامل، يمكن أن يكون محلا للمتابعة الجنائية. و يسوغ إبطال الشروط و الاتفاقات المعقودة بمخالفة حكم هذا الفصل بناء على طلب الخصم، بل حتى من تلقاء نفس المحكمة، و يجوز إنقاص السعر المشترط و يحق للمدين استرداد ما دفعه زيادة على السعر الذي تحدده المحكمة على أساس أنه دفع ما ليس مستحقا عليه، و إذا تعدد الدائنون كانوا مسؤولين على سبيل التضامن.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: الأهلية

حسب مقتضيات المادة 206 من مدونة الأسرة فإن الأهلية نوعان: أهلية وجوب و أهلية أداء.

 فأهلية الوجوب يراد بها وفقاً لمقتضيات المادة 207 من المدونة ” صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق و تحمل الواجبات التي يحددها القانون، و هي ملازمة له طول حياته و لا يمكن حرمانه منها “.

أما أهلية الأداء فيقصد بها وفقاً لمقتضيات المادة 208 من المدونة ” صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية و المالية و نفاذ تصرفاته، و يحدد القانون شروط اكتسابها و أسباب نقصانها أو انعدامها “.

و عليه فإن أهلية الأداء هي التي تعنينا في هذا المقام لأنها تتعلق بأهلية التعاقد أو بصورة أعم بأهلية الالتزام. و قد خص قانون الالتزامات و العقود لأهلية الالتزام الفصول من 3 إلى 13 منه، مشيرا في مطلع الفصل الثالث إلى أن:

       الأهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية و كل شخص أهل للإلزام و الالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك.

و المقصود بقانون الأحوال الشخصية في المغرب الذي أحال عليه قانون الالتزامات           و العقود ” مدونة الأسرة ” و على الوجه الأخص الكتاب الرابع من المدونة المذكورة و المتعلق بالأهلية و النيابة الشرعية ( المواد من 206 إلى 276 ).

الفقرة الأولى: الأصل في الشخص كمال الأهلية

نصت الفقرة الثانية من الفصل الثالث من ق.ل.ع على أن: كل شخص أهل للإلزام و الالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك. فالأصل حسب منطوق هذه الفقرة كمال الأهلية في الإنسان بحيث لا يعتبر أحد فاقد الأهلية أو ناقصها إلا بمقتضى نص في القانون، و في هذا الإطار نصت المادة 210 من المدونة على أن:

كل شخص بلغ سن الرشد و لم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه و تحمل التزاماته.

و قد حددت المادة 209 من المدونة سن الرشد القانوني في 18 شمسية كاملة.

نتيجة لما سبق فإن أحكام الأهلية تتعلق بالنظام العام و تجب مراعاتها وفق ما قرره المشرع بحيث لا يجوز عن طريق الاتفاق منح شخص أهلية لا يتمتع بها بحكم القانون أو حرمانه من أهلية يخولها له القانون.

 

 

 

 

 

الفقرة الثانية: فقدان الأهلية و أثره على التصرفات

تنص المادة 217 من المدونة على أنه:

       يعتبر عديم أهلية الأداء:

  • الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز؛
  • المجنون وفاقد العقل؛

يعتبر الشخص المصاب بحالة فقدان العقل بكيفية متقطعة كامل الأهلية خلال الفترات التي يؤوب إليه عقله فيها.

الفقدان الإرادي للعقل لا يعفي من المسؤولية.

و بما أن القاصر الذي لم يبلغ سن التمييز المحدد في 12 سنة شمسية كاملة و المجنون و فاقد العقل يعتبرون في نظر القانون عديمي أهلية الأداء، فإن جميع تصرفاتهم تكون باطلة بطلانا مطلقا و هذا ما نصت عليه المادة 224 من المدونة و التي جاء فيها على أن:

تصرفات عديم الأهلية باطلة و لا تنتج أي أثر.

و بذلك نستشف من مقتضيات المادة أعلاه أن التصرفات التي يجريها عديم الأهلية بنفسه سواء كانت نافعة أو ضارة له تكون باطلة بطلانا مطلقا، و في مقابل ذلك فإنه يحق لنائبه الشرعي في إطار مؤسسة الولاية أو الوصاية أو التقديم أن يتولى إجراء هذه التصرفات بالنيابة عن عديم الأهلية ضمن الحدود التي يسمح بها القانون.

الفقرة الثالثة: نقصان الأهلية و أثره على التصرفات

تنص المادة 213 من المدونة على أنه:

يعتبر ناقص أهلية الأداء:

  • الصغير الذي بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد؛
  • السفيه؛
  • المعتوه.

فالصغير المميز حسب مقتضيات المادة 214 من المدونة هو ” الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة “.

أما السفيه فيراد به في مدلول المادة 215 من المدونة ” المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه و فيما يعده العقلاء عبثا، بشكل يضر به أو بأسرته “.

بينما المعتوه يقصد به وفقاً لمقتضيات المادة 216 من المدونة ” الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره و تصرفاته “.

 

 

و بناء على ما سبق فإنه يختلف أثر نقصان الأهلية على التصرفات تبعا لاختلاف نوع التصرف، بحيث نصت المادة 225 من المدونة على أنه:

       تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية:

  • تكون نافذة إذا كانت نافعة له نفعا محضا[18]؛
  • تكون باطلة إذا كانت مضرة به؛
  • يتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع و الضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور، و في الحدود المخولة لاختصاصات كل نائب شرعي[19].

أما حكم تصرفات السفيه و المعتوه في إطار مدونة الأسرة فإن المشرع أخضعها لحكم تصرفات الصغير المميز إذ نصت المادة 228 من المدونة على أنه:

تخضع تصرفات السفيه و المعتوه لأحكام المادة 225 أعلاه.

الفقرة الرابعة: أهلية إدارة الأموال و الترشيد

تنص المادة 226 من المدونة على أنه:

يمكن للصغير المميز أن يتسلم جزءاً من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار، يصدر الإذن من الولي أو بقرار من القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناء على طلب من الوصي أو المقدم    أو الصغير المعني بالأمر.

       يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بالتسليم بطلب من الوصي      أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها.

       يعتبر المحجور كامل الأهلية فيما أذن له و في التقاضي فيه.

بينما تنص المادة 227 من المدونة على أنه:

للولي أن يسحب الإذن الذي سبق أن أعطاه للصغير المميز إذا وجدت مبررات لذلك. 

 

 

في حين تنص المادة 218 من المدونة على أنه:

… إذا بلغ القاصر السادسة عشرة من عمره جاز له أن يطلب من المحكمة ترشيده، يمكن للنائب الشرعي أن يطلب من المحكمة ترشيد القاصر الذي بلغ السن المذكور أعلاه إذا أنس منه الرشد، يترتب عن الترشيد تسلم المرشد لأمواله و اكتسابه الأهلية الكاملة في إدارتها        و التصرف فيها، و تبقى ممارسة الحقوق غير المالية خاضعة للنصوص القانونية المنظمة لها. و في جميع الأحوال لا يمكن ترشيد من ذكر، إلا إذا ثبت للمحكمة رشده بعد اتخاذ الإجراءات الشرعية اللازمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الرابع: المحل

يجب التمييز في هذا الإطار بين محل العقد و محل الالتزام:

فمحل الالتزام هو الأداء الملقى على عاتق الملتزم الذي هو إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به، و يترتب على تعريف محل الالتزام على هذا النحو أن العقود الملزمة لجانب واحد يكون لها محل واحد، أما العقود الملزمة لجانبين فيكون لها محليين اثنين ففي عقد البيع يكون الشيء المبيع محلا لالتزام البائع بينما يكون الثمن محلا لالتزام المشتري.

أما محل العقد فيراد به العملية القانونية التي يهدف الأطراف إلى تحقيقها، و هي تتباين من حالة لأخرى إذ قد تكون بيعا أو مقاولة أو كراء.

و بناء على ما سبق نجد أن قانون الالتزامات و العقود قد اعتبر المحل ركنا في الالتزام   و ليس العقد و هذا ما نستشفه باستقراء مقتضيات الفصل الثاني منه و الفصول من 57 إلى 61 من نفس القانون حيث تناول ضمن هذه الفصول محل الالتزامات التعاقدية.

       و تبعا لذلك فإنه من أجل مقاربة هذا المطلب لابد من الحديث عن مبدأ ضرورة وجود  الالتزام التعاقدي ( الفقرة الأولى)، ثم دراسة الشروط الواجب توافرها في هذا المحل ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: ضرورة وجود محل الالتزام

من المتعارف عليه أن محل الالتزام إما أن يكون إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به، و المبدأ الواجب تقريره هو أنه لابد لقيام التزام تعاقدي صحيح من وجود محل له.

و قد يبدو لأول وهلة أن فرضية انتفاء وجود المحل في الالتزام التعاقدي فرضية خيالية    و لكن الواقع خلاف ذلك إذ قد يحصل أن يتم تعاقد ينشأ عن التزام لا محل له كأن يكون الشيء أو الحق المتعاقد عليه هلك أو انقضى قبل التعاقد، كما في إيجار بناء تهدم قبل الايجار بفعل الحريق أو في بيع سفينة غرقت قبل البيع، ففي مثل هذه الحالات التي ينتفي فيها وجود محل الالتزام يقع الالتزام التعاقدي باطلا و بطلان الالتزام يقضي بالضرورة إلى بطلان العقد.

يجب التمييز في هذا المقام بين الحالة التي ينتفي فيها وجود محل الالتزام التعاقدي انتفاء كليا، و بين الحالة التي يقع فيها الالتزام التعاقدي على محل غير موجود في الحال و لكنه سيوجد في المستقبل كأن يتم بيع عقار في طور الانجاز أو بيع بضاعة قيد الصنع، ففي حالة الأولى يقع الالتزام باطلا كما سبق بيانه، أما في الحالة الثانية فالالتزام يكون صحيحا و هذا ما أوضح الفصل 61 من ق.ل.ع الذي نص على أنه:

يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون.

       و مع ذلك لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة، و لا إجراء أي تعامل فيها أو في شيء مما تشتمل عليه و لو حصل برضاه، و كل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا.

 

 

الفقرة الثانية: شروط المحل

بما أن محل الالتزام يؤثر على قيام العملية التعاقدية من حيث أن العقد لا ينعقد إلا إذا كان للالتزام الذي ينشأ عنه محل تتوافر فيه الشروط القانونية التالية:

  • أن يكون المحل ممكنا؛
  • أن يكون المحل معينا أو على الأقل قابل للتعين؛
  • أن يكون المحل مشروعا.

أولا: أن يكون محل الالتزام ممكنا

نص على هذا الشرط الفصل 59 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا، إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون.

و الاستحالة المقصودة هنا هي الاستحالة المطلقة أي الاستحالة التي لا تقوم بالنظر إلى شخص المدين فحسب بل تقوم بالنسبة للكافة، أما الاستحالة النسبية التي تقوم بالنسبة إلى العاقد الملتزم فقط كالتزام شخص ليست لديه مؤهلات المهندس المعماري لإعداد مخطط البناء، فهي لا تمنع نشوء الالتزام لأنها عجز شخصي لا استحالة، بحيث يكون للدائن في حالة امتناع الملتزم عن تنفيذ التزامه أن يطلب تنفيذ الالتزام عينا على نفقة المدين أو أن يطلب التنفيذ بطريقة التعويض كما يمكن له في العقود التبادلية أن يطلب الفسخ مع التعويض عند الاقتضاء.

و الاستحالة المطلقة التي تحول دون قيام الالتزام إما أن تكون استحالة طبيعية أو استحالة بحكم القانون، فالاستحالة الطبيعية هي التي ترجع إلى طبيعة المحل كما في التزام شخص بعدم القيام بعمل سبق أن قام به فعلا أو كما في التزام شخص بأن يبعث الروح في ميت، أما الاستحالة القانونية فهي التي ترجع إلى حكم القانون كما في التزام محام باستئناف حكم انتهائي.

و يجب التنبيه في هذا الإطار إلى أن الملتزم الذي كان يعلم أو كان ينبغي عليه أن يعلم عند ابرام العقد استحالة محل التزامه يكون ملزما بالتعويض تجاه الطرف الآخر، بيد أنه لا يخول التعويض إذا كان الطرف الآخر يعلم أو كان عليه أن يعلم أن محل الالتزام مستحيل و ذلك ما أشار إليه الفصل 60 من ق.ل.ع الذي نص على أنه:

المتعاقد الذي كان يعلم، أو كان عليه أن يعلم عند ابرام العقد استحالة محل الالتزام يكون ملزما بالتعويض تجاه الطرف الآخر، و لا يخول التعويض إذا كان الطرف الآخر يعلم أو كان عليه أن يعلم أن محل الالتزام مستحيل، و يطبق نفس الحكم:

  • إذا كان المعقود عليه مستحيلا في بعض دون البعض الباقي و صح العقد في ذلك الباقي؛
  • إذا كانت الالتزامات تخييرية و كان أحد الأشياء الموعود بها مستحيلا.

و في جميع الأحوال فإن الاستحالة التي تبطل الالتزام و تمنع انعقاد العقد هي التي تكون موجودة وقت نشؤء العقد كما في بيع سيارة أو إيجار دار في وقت تكون فيه السيارة هالكة          أو الدار محروقة، أما الاستحالة التي تطرأ بعد إبرام العقد فلا تبطله بل تكون سببا لانحلاله مع ما يترتب على ذلك من انقضاء التزام المدين و براءة ذمته إذا كانت الاستحالة لا يد له فيها أو الزامه بالتعويض إذا كانت الاستحالة بسببه.

 

ثانياً: أن يكون محل الالتزام معينا أو على الأقل قابلا للتعيين

نص على هذا الشرط الفصل 58 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه، و يسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد.

       و التعين بالنسبة للأشياء إما أن يكون تعيينا بالذات و إما أن يكون تعيينا بالنوع، فقد يكون تعيين الشيء تحديدا لذاته و عينه في الوجود الخارجي كتعيين الشيء بالإشارة إليه سواء كان قيميا كبيع سيارة أو مثليا كبيع علب من السمن النباتي.

و قد يكون تعيين الشيء بالنسبة لنوعه فقط دون ذاته و عينه، بحيث يميز النوع عن غيره من الأنواع و لا يميز الفرد عن غيره من الأفراد، ففي هذه الحالة يكون كل فرد من أفراد النوع صالحا لأن يوفي به الالتزام وفاء موافقا للتحديد الواقع و ذلك كبيع ألف قارورة زيت من زيوت لوسيور. و من البديهي أن في الحالة التي يكون فيها تعيين الشيء محل الالتزام تعيينا بالنوع فقط لابد لصحة الالتزام أن يكون المحل معين المقدار أيضا كما في المثال الذي سقته أعلاه، أو أن يتضمن العقد ما يستطاع به تعيين المقدار كما في التزام متعهد بتقديم أغذية من نوع معين لمستشفى أو سجن بحيث يتحدد المقدار وفقاً لحاجة المستشفى أو السجن.

أما إذا كان محل الالتزام القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به، فيجب أن يكون هذا العمل أو الامتناع معيننا بدقة، كما في التزام ممثل بالقيام بدور البطل في فيلم سينمائي، أو على الأقل قابلا للتعيين كأن يشمل العقد الذي يلتزم بموجبه مقاول ببناء مستشفى على العناصر التي تجعل البناء الملزم بإشادته قابلا للتعيين، كأن يتضمن عدد الغرف الواجب توافرها في ذلك المستشفى.

ثالثاً: أن يكون محل الالتزام مشروعا

لكي يكون محل الالتزام مشروعا يجب أن يكون مما يجوز التعامل فيه ( 1 )، و ألا يكون مخالفا للنظام العام و الآداب العامة ( 2 ).

1 – يجب أن يكون المحل مما يجوز التعامل فيه

لقد نص الفصل 57 من ق.ل.ع على أن:

الأشياء و الأفعال و الحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، و يدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها.

و بذلك نستشف من مقتضيات هذا الفصل أن الأشياء و الأفعال و الحقوق المعنوية الخارجة عن دائرة التعامل لا تصلح أن تكون محلا للالتزام، فالأشياء الخارجة عن دائرة التعامل إما أن تكون بطبيعتها أو بحكم القانون، فالأولى هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها كأشعة الشمس و الهواء و ماء البحر، أما الثانية فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية كالأملاك العامة و المواد المخدرة.

كما أن الأفعال و الحقوق المعنوية الخارجة عن دائرة التعامل لا تصلح كذلك أن تكون محلا للالتزام فالقتل و التهديد و حق ممارسة الحريات العامة و حق التمتع بالأهلية كلها أفعال وحقوق لا تدخل في دائرة التعامل.

2 – يجب ألا يكون المحل مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة

من تطبيقات بطلان الالتزامات لكون محلها مخالفا للنظام العام و الآداب العامة الالتزامات الناجمة عن اتفاق يتعلق ببيوت الدعارة أو دور القمار، فبيع بيت للدعارة أو للمقامرة أو إيجاره تعتبر تصرفات باطلة بطلانا مطلقا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الخامس: السبب

تعتبر نظرية السبب من المواضيع الشيقة و الشاقة في نفس الوقت، فهي قد اغرت الكثير من الفقهاء بالخوض فيها، بحيث نجد أن أنصار النظرية التقليدية قد توصلوا إلى تعريف السبب بأنه ” الغرض الغائي أو الهدف المباشر الذي يريد الملتزم في الالتزام التعاقدي الحصول عليه قبل أي غرض آخر “، فقبض الثمن مثلا هو سبب التزام كل بائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري و تملك المبيع هو كذلك سبب التزام كل مشتري بدفع الثمن.

و بذلك يتضح بأن السبب حسب النظرية التقليدية يتسم بطابع موضوعي لا شخصي و هو ثابت لا يتغير في زمرة العقود التي هي من نوع واحد و لا يختلف باختلاف العاقدين و نواياهم .

في حين عرفت النظرية الحديثة السبب بأنه: ” الدافع الباعث على التعاقد، أي الغرض الشخصي البعيد غير المباشر الذي حمل المتعاقد على التعاقد “، فقد يكون الباعث الذي دفع البائع على البيع هو الحصول على الثمن لإنفاقه في أغراض معيشة أو من أجل أداء دين عليه، فالسبب حسب هذه النظرية هو سبب العقد يتسم بطابع شخصي بحيث يتغير من عقد لآخر في النوع الواحد من العقود تبعا لمقاصد المتعاقدين و نواياهم.

و تبعا لذلك فقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام السبب في الفصول من 62 إلى 65 من ق.ل.ع، و باستقراء مقتضيات الفصل 62 من نفس القانونية و الذي ينص على أن:

       الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن، يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون.

يتضح جليا أن المشرع المغربي قد أخذ بالنظرية التقليدية للسبب في الفصل السالف الذكر أعلاه بقوله بأن الالتزام الذي لا سبب له يعد كأن لم يكن، و أخذ أيضاً بالنظرية الحديثة للسبب بإشارته في نفس الفصل إلى أن الالتزام الذي يكون سببه غير مشروع يعد كأن لم يكن.

و مهما يكن من أمر فإنه يشترط في السبب حتى يصلح أساسا للالتزام التعاقدي أن تتوافر فيه ثلاثة شروط:

  • الشرط الأول: أن يكون السبب موجودا؛
  • الشرط الثاني: أن يكون السبب حقيقيا؛
  • أن يكون السبب مشروعا.

 

 

 

 

 

 

 

الفقرة الأولى: أن يكون السبب موجودا

لابد لقيام الالتزام من حمله على سبب و إلا كان الالتزام مجردا من أي أثر و هذا ما أشارت إليه الفقرة الأولى من الفصل 62 من ق.ل.ع و التي جاء فيها على أن:

الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن.

فعلى المستوى العملي قلما تتحقق حالة انتفاء السبب، و مع ذلك يمكن أن تقع هذه الفرضية في بعض الحالات كما في تعهد وارث إزاء الموصى له بتنفيذ الوصية تم تبين أن الموصي قد رجع عن وصيته، أو كما لو اتفق مدين مع دائنه على تجديد دين ثم ظهر أن الدين القديم كان قد انقضى قبل التجديد، ففي مثل هذه الحالات يكون مجردا من أي سبب و بالتالي يجب اعتباره كأن لم يكن.

و بناء على ما سبق فإن يجب التمييز في هذا الإطار بين حالة فقدان السبب و بين الحالة التي لا يذكر فيها سبب الالتزام، ففي الحالة الأولى نكون أمام التزام ذكر له سبب و لكنه سبب غير موجود، و في الحالة الثانية نحن أمام التزام مجرد لم يذكر له سبب على الاطلاق كتعهد شخص بدفع مبلغ لآخر دون أن يذكر في سند التعهد سبب التزامه.

فالالتزام الذي ذكر له سبب غير موجود يجب اعتباره كأن لم يكن و هذا ما أكدته محكمة النقض في القرار الصادر عنها بتاريخ 26 نونبر 1960 و الذي جاء فيه على أن ” السبب هو شرط أساسي في صحة الالتزام “.

بينما الالتزام الذي لم يذكر له سبب فهو التزام صحيح بصريح مقتضيات الفصل 63 من ق.ب.ع الذي نص على أنه:

يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا و مشروعا و لو لم يذكر.

الفقرة الثانية: أن يكون السبب حقيقيا

يقصد بكون السبب حقيقيا أن لا يكون كاذبا و قد أشار المشرع المغربي إلى هذا الشرط في الفصول 63 و 64 و 65 من ق.ل.ع و التي جاء فيها:

ينص الفصل 63 من ق.ل.ع على أنه: ” يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا و مشروعا   و لو لم يذكر .”

بينما ينص الفصل 64 من نفس القانون على أنه: ” يفترض أن السبب المذكور هو السبب الحقيقي حتى يثبت العكس “.

في حين ينص الفصل 65 من نفس القانون على أنه: ” إذا ثبت أن السبب المذكور غير حقيقي أو غير مشروع، كان على من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يقيم الدليل عليه “.

       و يتحقق الكذب في السبب عندما يعمد المتعاقدين عن سبق تصميم إلى الصورية عن طريق إخفاء سبب الالتزام الحقيقي، و هو عادة غير مشروع، وراء سبب ظاهر مشروع لا يمت إلى الحقيقة بصلة، كأن يوقع المدين سندا يقر فيه أن الدين المترتب بذمته ناشئ عن قرض في حين أن سبب الدين الحقيقي هو المقامرة.

الفقرة الثالثة: أن يكون السبب مشروعا

لقد ربط قانون الالتزامات و العقود المغربي كباقي التشريعات المقارنة بين ركن السبب    و عنصر المشروعية و هذا ما تؤكده الفصول 62 و 63 و 65 من ق.ل.ع، و قد بين في الفصل 62 المقصود بالسبب غير المشروع بأنه: المخالف للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون.

و من الأمثلة على عدم مشروعية السبب لمخالفته للقانون أن يتعهد شخص بدفع دين ينشأ عن مقامرة أو رهان ، أما لمخالفته للأخلاق الحميدة أو النظام العام كأن يكون سبب التزام شخص بدفع مبلغ من المال علاقة جنسية غير شرعية أو من أجل ارتكاب جريمة معينة.

و عليه فإن أغلب الفقه المعاصر يجمع على أن المقصود بالسبب المشروع هو سبب العقد أي الدافع الباعث على التعاقد، و ذلك لكون الأسباب المشروعة و غير المشروعة تتصل بالنوايا الداخلية للمتعاقد و لا تظهر بصورة واضحة إلا عند إبرام العقد.

المطلب السادس: ركن الشكلية و ركن التسليم

القاعدة السائدة اليوم هي رضائية العقود، بمعنى أن المتعاقدين بمجرد أن يقع رضاهما السليم على محل و يحمله على سبب مشروع يصلان إلى إبرام العقد دون أن يكون عليهما اتباع شكل معين ليكون تعاقدهما صحيحا، بيد أن لمبدأ رضائية العقود بعض الاستثناءات و هذه الاستثناءات تتجلى بالعقود الشكلية و بالعقود العينية.

الفقرة الأولى: ركن الشكلية

نجد بأن العقود الشكلية هي التي يشترط لانعقادها علاوة على تراضي المتعاقدين إفراغ ذلك العقد في قالب مكتوب، فعلى سبيل المثال إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجرى البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، و لا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون و ذلك وفقاً لمقتضيات              الفصل  489 من ق.ل.ع[20].

كما أنه قد يحصل أن يشترط المتعاقدان جعل تصرفهما، رغم كونه رضائيا خاضعا لشكل خاص، ففي هذه الحالة ينقلب التصرف من تصرف رضائي إلى تصرف شكلي و هذا ما نص عليه الفصل 402 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه :

إذا لم يكن العقد خاضعا لشكل خاص و اتفق عاقداه صراحة على أنهما لا يعتبر أنه تاما إلا إذا وقع في شكل معين، فإن الالتزام لا يكون موجودا إلا إذا حصل في الشكل الذي اتفق عليه العاقدان .

و عموماً فالعقد يكون شكليا إما بمقتضى نص في القانون و إما بمقتضى اتفاق الطرفين المتعاقدين، و سواء كانت الشكلية من صنع المشرع أو من ابتداع الطرفين، فإنه يجب مراعاتها في الحالتين تحت طائلة اعتبار العقد باطلا لفقدان ركن من أركان انعقاده.

 

الفقرة الثانية: ركن التسليم

          العقد العيني فهو الذي يشترط لانعقاده علاوة على تراضي الطرفين أن يجرى فيه تسليم الشيء المعقود عليه، بحيث لا يبرم العقد إلا إذا تم ركن التسليم، و من الأمثلة على ذلك نذكر الرهن الحيازي الذي يشترط فيه وضع الشيء المرهون في سلطة الدائن أو في سلطة أحد من الغير يتفق عليه المتعاقدون، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 1188 من ق.ل.ع الذي نص على أنه:

يتم الرهن الحيازي:

أولا: بتراضي طرفيه على إنشاء الرهن؛

ثانياً: و زيادة على ذلك بتسليم الشيء المرهون فعليا إلى الدائن أو إلى أحد من الغير يتفق عليه المتعاقدون.

    إذا كان الشيء موجودا بالفعل وقت الرهن في يد الدائن كان رضى الطرفين وحده متطلبا و إذا وجد الشيء في يد أحد الغير و كان يحوزه لحساب المدين كفى أن يقوم هذا الأخير بإخطار حائز الشيء بإنشاء الرهن، و ابتداء من هذا الإخطار يعتبر الأجنبي الحائز أنه أصبح حائزا للشيء لحساب الدائن و لو لم يكن قد التزم مباشرة تجاهه.

و أيضا عقد عارية الاستعمال الذي يشترط فيه تسليم الشيء المستعير وفقا لمقتضيات الفصل 833 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

تتم عارية الاستعمال بتراضي الطرفين و بتسليم الشيء إلى المستعير.

       كما أن عقد عاري الاستهلاك أو القرض تطلب فيه المشرع المغربي حتى ينعقد صحيحا أن يتم فيه ركن التسليم بحيث ينص الفصل 856 من ق.ل.ع على أن:

عارية الاستهلاك أو القرض عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى لاستعمالها بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه أشياء أخرى مثلها في المقدار و النوع و الصفة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث: بطلان العقود و إبطالها

بادئ ذي بدء يجب التمييز بين البطلان و الإبطال من جهة، و من جهة ثانية بين البطلان و الإبطال من ناحية و الفسخ من ناحية أخرى.

فالبطلان هو الجزاء الذي يقرره المشرع إما على عدم توفر ركن من أركان العقد، و إما بموجب نص قانوني يقضي في حالة خاصة و لاعتبارات تتعلق بالنظام العام ببطلان تصرف ما رغم توفر سائر أركان انعقاده.

أما الإبطال فهو الجزاء الذي يرتبه المشرع إما على الإخلال بشرط من شروط صحة العقد و إما بموجب نص قانوني يمنح حق الإبطال لأحد المتعاقدين في بعض الحالات.

و بذلك يتميز البطلان و الإبطال عن الفسخ في أن تقرير البطلان أو الإبطال يرجع إلى خلل في تكوين العقد، بينما الفسخ يفترض فيه أن العقد نشأ سليما مستوفيا أركان انعقاده و شروط صحته، ثم حصل أن أخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه فيلجأ أحد المتعاقدين إلى طلب فسخ العقد ليتحلل هو أيضاً من الالتزام المترتب عليه، لذلك لا يتصور الفسخ إلا في العقود التبادلية في حين أن البطلان أو الإبطال يمكن أن يصيب العقود التبادلية و العقود غير التبادلية على حد سواء.

و تبعا لذلك نجد أن المشرع المغربي قد خصص القسم الخامس من الكتاب الأول من قانون الالتزامات و العقود لبحث « بطلان الالتزامات و إبطالها »، و أفراد له الفصول من 306 إلى 318 منه.

المطلب الأول: البطلان

لقد خص المشرع المغربي للبطلان الفصول من 306 إلى 310 من ق.ل.ع، بحيث تعرض لمختلف حالات البطلان ( الفقرة الأولى)، ثم أوضح خصائصه ( الفقرة الثانية )، ثم بين آثاره     ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: حالات البطلان

ينص الفصل 306 من ق.ع.ل على أن:

الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له. و يكون الالتزام باطلا بقوة القانون:

  • إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه؛
  • إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه.

أولا: البطلان لتخلف ركن من أركان العقد

يقع العقد باطلا إذا كان ينقصه ركن من الأركان اللازمة لانعقاده و التي هي الأهلية             ( في حالة صدور تصرف ما من طرف صغير غير مميز أو مجنون أو فاقد العقل ) و التراضي و المحل و السبب و ركن الشكلية في العقود الشكلية و ركن التسليم في العقود العينية.

 

 

ثانياً: البطلان بمقتضى نص في القانون

يقع العقد باطلا إذ قرر القانون في حالة خاصة بطلانه، فقد يكون العقد مستجمعا سائر أركانه، و لكن المشرع يرى لاعتبارات تتعلق بالنظام العام أن يقرر مع ذلك بطلانه، و من الأمثلة على ذلك نذكر بطلان التصرف في تركة إنسان على قيد الحياه وفقاً لمقتضيات الفصل 61 من ق.ل.ع[21]، و بطلان عقد القرض الذي يتضمن اشتراط الفائدة بين المسلمين وفقاً لمقتضيات الفصل 870 من ق.ل.ع[22]، و بطلان عقد الشركة الذي يتضمن شرط يقضي بمنح أحد الشركاء نصيبا من الربح أو الخسارة أكبر من النصيب الذي يتناسب مع حصته في رأس المال و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 1034 من ق.ل.ع[23].

الفقرة الثانية: خصائص البطلان

يقصد بخصائص البطلان الأحكام العامة و القواعد التي يقتضها منطقيا عدم انعقاد العقد الباطل، و قد ورد النص على بعض هذه الخصائص في بحث البطلان نفسه، و البعض الآخر وارد في نصوص غيرها أو مستوحى من مقتضيات المبادئ العامة الواجبة التطبيق بدون نص.

أولا: بطلان الالتزام الأصلي يقتضي بطلان الالتزامات التابعة

لقد تم التنصيص على هذه القاعدة في الفصل 307 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

بطلان الالتزام الأصلي يترتب عليه بطلان الالتزامات التابعة ما لم يظهر العكس من القانون أو من طبيعة الالتزام التابع.

       بطلان الالتزام التابع لا يترتب عليه بطلان الالتزام الأصلي.

و بناء على ما سبق فإن يقصد بالالتزام الأصلي ذلك الالتزام الذي يقوم بذاته دون الحاجة إلى غيره كالتزام كل من البائع و المشتري في عقد البيع، أما الالتزام التابع فهو القائم بغيره        و الذي لا يتصور وجوده بدون الالتزام الأصلي كما في التزام الكفيل أو التزام الراهن، حيث لا يقوم مثل هذا الالتزام ما لم يكن يوجد التزام أصلي يحرص على ضمان وفائه عن طريق الكفالة أو الرهن.

و لما كان من القواعد الكلية أن التابع تابع فإن بطلان الالتزام الأصلي يؤول إلى بطلان الالتزام التابع، و في هذا الإطار نص الفصل 1150 من ق.ل على أن: ” كل الأسباب التي يترتب عليها بطلان الالتزام الأصلي يترتب عليها إنهاء الكفالة “. و أيضاً ينص الفصل 1233 من ق.ل.ع على أن: ” بطلان الالتزام الأصلي يقتضي بطلان الرهن “.

أما بطلان الالتزام التابع فلا يؤثر على صحة الالتزام الأصلي الذي يبقى قائما و منتجا لأثاره، فإذا ما كانت الكفالة مثلا باطلة لتضمنها شرطا يمنح الكفيل أجرا عن كفالته[24]، أو إذا كان الرهن باطلا لسبب يقتضي بطلانه، فإن بطلان الكفالة أو الرهن لا يؤدي إلى بطلان الالتزام الأصلي المضمون بهذه الكفالة أو بهذا الرهن.

ثانياً: بطلان جزء من العقد يبطل العقد بمجموعه ما لم يكن العقد قابلا للبقاء دون الجزء الذي لحقه البطلان

لقد تم التنصيص على هذه القاعدة في الفصل 308 من ق.ل.ع الذي نص على أن:

بطلان جزء من الالتزام يبطل الالتزام في مجموعه، إلا إذا أمكن لهذا الالتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان، و في هذه الحالة الأخيرة يبقى الالتزام قائما باعتباره عقدا متميزا عن العقد الأصلي.

و عليه فإنه إذا وقع تصرف ما و كان هذا التصرف باطلا في شق منه و تبين أن هذا التصرف يشكل في نظر المتعاقدين أو القانون وحدة لا تتجزأ، فإن بطلان جزء من العقد يبطله في مجموعه و من الأمثلة على ذلك ما تم التنصيص عليه في الفصلين 870 و 1034 من ق.ل.ع  أما إذا تبين أن لا تلازم و لا ارتباط بين الشق الباطل و بين بقية الأجزاء فإن البطلان ينحصر في هذا الشق وحده، نحو ذلك بطلان الشرط المضمن في عقد الشركة و القاضي بإعفاء أحد الشركاء من تحمل الخسائر و بقاء عقد الشركة صحيحا وفقاً لمقتضيات الفصل 1035 من ق.ل.ع[25].

ثالثاً: العقد الباطل لا يقبل الإجازة و لا التصديق

نص على هذه القاعدة الفصل 310 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

إجازة الالتزام الباطل بقوة القانون أو التصديق عليه لا يكون لهما أدنى أثر.

       و يقصد بالإجازة أن يوافق المتعاقد على تثبيت عقد سابق قد عقده، أما التصديق ( الاقرار) فهو تصرف صادر من شخص أجنبي عن العقد و بمقتضاه يضيف هذا الأجنبي أثر العقد لنفسه كإقرار الموكل لتصرف تجاوز الوكيل فيه حدود الوكالة.

و عليه فإن العقد الباطل لا يقبل الإجازة و لا التصديق لأن الباطل معدوم و العدم لا ينقلب وجودا بالإجازة أو التصديق.

 

 

 

رابعاً: البطلان لا يصححه التقادم و لكن دعوى البطلان تتقادم

يقتضي المنطق القانوني السليم بأن لا يتأثر البطلان بالتقادم لأن الباطل معدوم و المعدوم لا يصبح موجودا بمضي الزمان، فلو تم تنفيذ عقد بيع باطل و مضت على العقد مدة التقادم العادية ثم رفع البائع دعوى بطلب استرداد المبيع استنادا إلى بطلان البيع، فإنه ينبغي نظريا أن تسمع دعواه و أن يقضي له بالاسترداد إذا أقام البينة على صحة ادعائه و أثبت البطلان.

غير أنه يلاحظ في هذا الشأن أن قبول الادعاء بالبطلان رغم مضي مدة التقادم المقررة يتنافى مع مبدأ استقرار المعاملات لنقضه أوضاعا تم تنفيذها و استقرت مدة طويلة.

لهذا السبب ورغم عدم وجود نص قانوني يقضي صراحة بتقادم دعوى البطلان، فإنه يمكن التوصل إلى إقرار هذا التقادم عن طريق التوسع في تفسير مقتضيات الفصل 387 من ق.ل.ع الذي ينص على أن:

كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد، و الاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة.

     و عليه فإنه لو تم تنفيذ عقد بيع باطل ثم ادعى المشتري بالبطلان، و طالب باسترداد الثمن فإن مثل هذه الدعوى لا تسمع إذا ما رفعت بعد خمس عشرة سنة من تاريخ البيع.

في مقابل ذلك نجد أن الدفع بالبطلان لا يتقادم في جميع الأحوال و ذلك قياسا على عدم تقادم الدفع بالإبطال المنصوص عليه في الفصل 310 من ق.ل.ع، فلو أن المشتري أقيمت عليه دعوى و وجد من مصلحته التمسك ببطلان البيع الذي كان عقد لمصلحته و دفع بالبطلان فإنه يعتد به حتى ولو مضى على البيع أكثر من خمس عشرة سنة، و المستند الفقهي لعدم تقادم الدفع بالبطلان هو أن التقادم لا يبدأ إلا من وقت تمكن صاحب الحق من مباشرة حقه، و الدفع لا يمكن مباشرته إلا بعد رفع الدعوى.

خامسا: لكل ذي مصلحة في البطلان أن يتمسك به و للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها و لو لم يطلبه أحد المتقاضين

       إن لكل ذي مصلحة في البطلان أن يتمسك به و على هذا الأساس يستطيع أن يتمسك بالبطلان كل من المتعاقدين و الخلف العام و الخلف الخاص كمشتري ثان لعين مبيعة حيث يكون من مصلحته التمسك ببطلان البيع الأول حتى تخلص له العين المبيعة، و الدائن الذي يكون من مصلحته أيضا الادعاء ببطلان البيع لإبقاء المبيع في ذمة مدينه المالية و التنفيذ عليه لاستفاء دينه.

كما أنه يمكن للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها، حتى ولو كان كل من الطرفين المتقاضيين يتمسك بالعقد و يطلب تنفيذه، و ذلك حماية للمصلحة العامة.

 

 

 

 

 

الفقرة الثالثة: آثار البطلان

القاعدة الأصلية هي أن العقد الباطل ليس له وجود قانوني بحيث لا يترتب عنه أي أثر سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير ( أولاً)، لكن لهذه القاعدة بعض الاستثناءات التي رتب فيها المشرع على العقد الباطل بعض آثار العقد الصحيح ( ثانياً ).

أولا: انعدام الأثر للعقد الباطل

لقد نص المشرع المغربي على هذه القاعدة في الفقرة الأولى من الفصل 306 من ق.ل.ع و التي جاء فيه على أن : ” الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له “.

و عليه فإنه إذا كان العقد الباطل لم ينفذ بعد فليس هناك سبيل لإلزام أحد المتعاقدين للآخر على تنفيذ التزامه، و إذا كان العقد قد تم تنفيذه كله أو جزء منه فإنه يجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، و إذا تعذر ذلك جاز للمحكمة أن تحكم للمتضرر من هذه الاستحالة بتعويض يعادل الضرر الذي أصابه وذلك وفقاً للمبادئ العامة.

و جدير بالذكر إلى أن أثر البطلان بالنسبة للغير هو نفسه بالنسبة للمتعاقدين، فالغير الذي تلقى حقا على شيء ورد عليه العقد الباطل يزول حقه تبعا للبطلان، و ذلك وفقاً للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن الشخص لا يستطيع أن ينقل إلى غيره أكثر مما يملك، فلو أن شخصاً اشترى عينا بعقد باطل ثم باعها، و تقرر بعد ذلك بطلان البيع الأول فإن البائع في العقد الباطل يجب أن يكون له مبدئيا حق استرداد العين من المشتري الثاني، و إذا كان هذا الأخير قد رتب على العين حقوقا فإن البائع يجب أن يكون له مبدئيا حق استرداد العين خالية من هذه الحقوق.

ثانياً: حالات استثنائية يترتب فيها على العقد الباطل آثار إيجابية

قد يحصل أن يرتب القانون على العقد الباطل بعض الآثار التي تترتب على العقد الصحيح  و ذلك لأسباب تقتضيها المصلحة العامة، إما رعاية لاعتبارات تتعلق بالأسرة في عقد الزواج     ( 1 )، و إما رعاية لقواعد العدل و الانصاف ( 2 )، و إما توفيرا لحماية الغير حسن النية ( 3 )

1 – حالة عقد الزواج الباطل

لقد رتب المشرع المغربي على عقد الزواج الباطل[26] بعض آثار عقد الزواج الصحيح بحيث نصت المادة 58 من مدونة الأسرة على أنه: ” تصرح المحكمة ببطلان الزواج تطبيقا لأحكام المادة 57 أعلاه بمجرد اطلاعها عليه أو بطلب ممن يعنيه الأمر، يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق و الاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب و حرمة المصاهرة “.

       كما أنه يترتب عن عقد الزواج الفاسد[27] بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه، و ذلك ما أشارت إليه المادة 64 من المدونة التي جاء فيها على أن: ” الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60 و 61 أعلاه، لا ينتج أي أثر قبل البناء، و تترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه “.

2 – حالة تحول التصرف

لقد نص الفصل 309 من ق.ل.ع على أن: ”

إذا بطل الالتزام باعتبار ذاته و كان به من الشروط ما يصح به التزام آخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا الالتزام الأخير .

و من الأمثلة على ذلك تضمين عقد الشركة منح أحد الشركاء كل الربح فإن عقد الشركة يعتبر باطلا، و اعتبر هذا العقد تبرعا ممن تنازل عن نصيبه في الربح وذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 1035 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على  أنه: ” إذا تضمن العقد منح أحد الشركاء كل الربح كانت الشركة باطلة، و اعتبر العقد متضمنا تبرعا ممن تنازل عن نصيبه في الربح، و يبطل الشرط الذي من شأنه إعفاء أحد الشركاء من كل مساهمة في تحمل الخسائر و لكن لا يترتب عليه بطلان العقد “.

كما أن العقد الرسمي إذا كان باطلا لعدم توفر الورقة الرسمية على الشروط الشكلية، فإنه قد يتحول إلى عقد عرفي و هذا ما أشار إليه الفصل 423 من ق.ل.ع الذي نص على أن: ” الورقة التي لا تصلح لتكون رسمية بسبب عدم اختصاص أو عدم أهلية الموظف أو بسبب عيب في الشكل تصلح لاعتبارها محررا عرفيا إذا كان موقعا عليها من الأطراف “.

3 – حالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على المنقول أو العقار المحفظ الذي هو محل العقد الباطل

من القواعد التي أخذ بها المشرع المغربي أن حيازة المنقول سند الملكية، و بذلك فإن الحائز للمنقول بحسن نية له الحق في أن يتمسك بملكيته حتى و لو تلقاه ممن ليس له الحق في التصرف فيه و هذه القرينة منصوص عليها في الفصل 456 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

يفترض في الحائز بحسن نية شيئا منقولا أو مجموعة من المنقولات أنه قد كسب هذا الشيء بطريق قانوني و على وجه صحيح، و على من يدعي العكس أن يقيم الدليل عليه.

       و لا يفترض حسن النية فيمن كان يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم عند تلقيه الشي أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فيه.

في حين نص الفصل 456 مكرر من نفس القانون على أن:

من ضاع له أو سرق منه شيء كان له الحق في استرداده خلال ثلاث سنوات من يوم الضياع أو السرقة ممن يكون هذا الشيء موجودا بين يديه، و لهذا الأخير أن يرجع على من تلقى الشيء منه.

       و عليه فإنه إذا حاز زيد منقولا بعقد بيع باطل و رتب حقوقا على هذا المنقول كرهنه لدى عمر و كان هذا الأخير حسن النية، فإن بطلان البيع الذي انتقلت به الملكية إلى زيد لا يؤثر على حقوق عمر المتمثلة في الرهن، الذي يبقى الوضع بالنسبة إليه كما لو كان العقد صحيحا و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 1187 من ق.ل.ع الذي نص على أن:

الدائن الذي يتسلم بحسن نية على سبيل الرهن الحيازي شيئا منقولا ممن لا يملكه يكسب حق الرهن، ما لم يكن الأمر متعلقا بشيء ضائع أو مسروق قابل للاسترداد ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 456 مكرر.

كما أنه من القواعد الكلية في التشريع العقاري المغربي أن من يكتسب عن حسن نية حقا عينيا على عقار بالاستناد إلى قيود السجل العقاري، فإن بطلان هذه لا يمكن أن يكون له أثر تجاهه، و هذا ما أقره الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري الذي نص على أن:

كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتسجيله و ابتداء من يوم التسجيل في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.

       و لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التسجيل في مواجهة الغير ذي النية الحسنة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: الإبطال

لقد خص المشرع المغربي للبطلان الفصول من 311 إلى 318 من ق.ل.ع، بحيث تعرض لمختلف حالات الإبطال ( الفقرة الأولى)، ثم أوضح خصائصه ( الفقرة الثانية )، ثم بين آثاره     ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: حالات الإبطال

ينص الفصل 311 من ق.ل.ع على أنه:

يكون لدعوى الإبطال محل في الحالات المنصوص عليها في الفصول 4 و 39 و 55 و 56 من هذا الظهير، و في الحالات الأخرى التي يحددها القانون، و تتقادم هذه الدعوى بسنة في كل الحالات التي يحدد فيها القانون أجلا مخالفا. و لا يكون لهذا التقادم محل إلا بين من كانوا أطرافا في العقد.

نستشف من مقتضيات هذا الفصل أن الإبطال يكون في إحدى الحالات التالية:

1 – الإبطال لقصر أو نقصان أهلية أحد المتعاقدين: بحيث ينص الفصل 4 من ق.ل.ع في هذا الإطار على أنه: ” إذا تعاقد القاصر و ناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها، و لهما أن يطلبا إبطالها وفقاً للشروط المقررة بمقتضى هذا الظهير، غير أنه يجوز تصحيح الالتزامات الناشئة عن تعهدات القاصر أو ناقص الأهلية إذا وافق الأب أو الوصي أو المقدم على تصرف القاصر أو ناقص الأهلية، و يجب أن تصدر الموافقة على الشكل الذي يقتضيه القانون.

2 – الإبطال لتعيب إرادة أحد المتعاقدين: لقد أحال الفصل 311 من ق.ل.ع في هذا المقام إلى الفصول 39 و 55 و 56 من نفس القانون و التي جاء فيها:

ينص الفصل 39 على أنه: ” يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط أو الناتج عن تدليس أو المنتزع بإكراه “.

ينص الفصل 55 على أنه: ” الغبن لا يخول الإبطال إلا إذا نتج عن تدليس الطرف الآخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من أجله، و ذلك فيما عدا الاستثناء الوارد بعد “.

ينص الفصل 56 على أن: ” الغبن يخول الإبطال إذا كان الطرف المغبون قاصرا أو ناقص الأهلية، و لو تعاقد بمعونة وصيه أو مساعده القضائي وفقاً للأوضاع التي يحددها القانون       و لو لم يكن ثمة تدليس من الطرف الآخر، و يعتبر غبنا كل فرق يزيد على الثلث بين الثمن المذكور في العقد و القيمة الحقيقية للشيء “.

3 – الإبطال بمقتضى نص خاص في القانون: من قبيل الإبطال بمقتضى نص خاص في القانون ما قرره الفصل 54 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن: ” أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض و الحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة “. و أيضاً حالة بيع ملك الغير إذ ينص الفصل 485 من ق.ل.ع على أن: ” بيع ملك الغير يقع صحيحا:

  • إذا أقره المالك؛
  • إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء.

و إذا رفض المالك الاقرار، كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ( الإبطال )، و زيادة على ذلك يلتزم البائع بالتعويض إذا كان المشتري يجهل عند البيع أن الشيء مملوك للغير.

و لا يجوز إطلاقا للبائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء مملوك للغير.

الفقرة الثانية: خصائص البطلان

يعتبر العقد القابل للإبطال منتجا لجميع آثاره و لكنه عرضة للإبطال، و تبعا لذلك فإنه يشترك مع البطلان في بعض خصائص البطلان ( أولاً )، في حين يستقل ببعض الخصائص    ( ثانياً ).

أولا: الخصائص التي يشترك فيها الإبطال و البطلان

1 – إبطال جزء من العقد يبطل العقد في مجموعه ما لم يكن العقد قابلا للبقاء دون الجزء الذي تقرر إبطاله

إذا كانت عوامل قابلية الابطال محصورة في بعض في بعض نواحي العقد دون البعض الآخر و كان العقد يشكل وحدة غير قابلة للتجزئة في نظر المتعاقدين، فإن إبطال جزء منه يؤول إلى إبطال الكل، أما إذا كان الجزء القابل للإبطال يمكن أن ينفصل عن الكل فلا يبطل إلا ذلك الجزء، فلو أراد شخص شراء عقار فأقنعه البائع بشراء عقار آخر مجاور له عن طريق التدليس فاشتراهما صفقة واحدة و بثمن واحد، فإن الصفقة تبطل بمجموعها إذا ما طعن فيها بالتدليس  أما إذا كان شراء الشيئين و لو بصفقة واحدة جرى على أساس تحديد ثمن كل من العقارين على حدة و بدون أي ترابط، فإن الإبطال يبقى محصورا في بيع العقار الذي تعرض فيه المشتري إلى التدليس.

2 – إبطال الالتزام الأصلي يقتضي إبطال الالتزام التابع و لا عكس

إذا وقع إبطال الالتزام الأصلي كعقد القرض مثلا لنقص في الأهلية أو لعيب من عيوب الرضى، فإن ما يتبعه من التزامات ناشئة عن الكفالة أو الرهن مثلا يشملها الإبطال أيضاً، أما إذا تقرر إبطال الالتزامات التابعة، كأن يكون عقد الكفالة أو عقد الرهن صدر عن إرادة معيبة فإن الالتزام الأصلي الذي جاء عقد الكفالة أو الرهن ليضمن تنفيذه يبقى صحيحا.

ثانياً: الخصائص التي ينفرد بها الإبطال

1 – العقد الباطل يقبل الإجازة أو التصديق

       إن العقد الباطل يمكن تصحيحه و تطهيره من العيب الذي يشوبه عن طريق الإجازة أو التصديق ( أي الاقرار).

و الإجازة هي الرضى ببقاء العقد و استقراره نهائيا ممن له حق إبطاله أو بعبارة أخرى هي التنازل عن حق الإبطال من صاحب هذا الحق.

أما تصديق العقد فهو رضى شخص ثالث بأن تسري عليه أحكام عقد أبرمه طرفان آخران كما في حالة بيع ملك الغير إذا أعقب ذلك رضى المالك بهذا البيع.

و تبعا لذلك فإن الإجازة و التصديق قد يردان صراحة و قد يحصلان ضمنيا، اذ قد يتم ذلك صراحة وفقاً للشروط المنصوص عليها في الفصل 317 من ق.ل.ع و الذي نص على أن:

الالتزام الذي يخول القانون دعوى إبطاله لا تصح إجازته و لا التصديق عليه إلا إذا تضمن بيان جوهر الالتزام و الإشارة إلى سبب قابليته للإبطال و التصريح بالرغبة في إصلاح العيب الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى الإبطال.

كما أنه يمكن أن ترد الإجازة و التصديق بصورة ضمنية وفقاً لمقتضيات الفصل 318 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

إذا لم تحصل الإجازة أو التصديق صراحة، يكفي أن ينفذ طوعا كليا أو جزئيا الالتزام القابل للإبطال ممن كان على بينة من عيبوبه، بعد الوقت الذي كان يمكن له فيه إجازته أو التصديق عليه بوجه صحيح.

        الإجازة أو الاعتراف أو التنفيذ الاختياري إذا وقعت في الشكل و الوقت اللذين يحددهما القانون يترتب عليها التنازل عن الوسائل و الدفوع التي كان من الممكن التمسك بها ضد الالتزام القابل للإبطال، أما بالنسبة إلى الحقوق المكتسبة على وجه صحيح للغير حسني النية قبل التصديق أو التنفيذ فتطبق القاعدة المقررة في آخر الفصل 316.

2 – قابلية الإبطال يصححها التقادم فتسقط به دعوى الإبطال

إن قابلية الإبطال يصححها التقادم و ذلك عكس البطلان  فالعقد الباطل معدوم و المعدوم لا يصبح موجودا بمضي الزمان. و عليه فقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام تقادم دعوى الإبطال في الفصول التالية:

الفصل 311

يكون لدعوى الإبطال محل في الحالات المنصوص عليها في الفصول 4 و39 و55 و56 من هذا الظهير، وفي الحالات الأخرى التي يحددها القانون، وتتقادم هذه الدعوى بسنة في كل الحالات التي لا يحدد فيها القانون أجلا مخالفا. ولا يكون لهذا التقادم محل إلا بين من كانوا أطرافا في العقد.

الفصل 312

لا يبدأ سريان مدة التقادم المذكورة في حالة الإكراه إلا من يوم زواله ولا في حالة الغلط والتدليس إلا من يوم اكتشافهما. أما بالنسبة إلى التصرفات المبرمة من القاصرين فمن يوم بلوغهم سن الرشد، وبالنسبة إلى التصرفات المبرمة من المحجر عليهم وناقصي الأهلية فمن يوم رفع الحَجْر عنهم، أو من يوم وفاتهم فيما يتعلق بورثتهم إذا مات ناقصو الأهلية وهم على هذه الحالة. وفي حالة الغَبْن المتعلق بالراشدين فمن يوم وضع اليد على الشيء محل العقد.

الفصل 313

تنتقل دعوى الإبطال إلى الورثة فيما بقي لموروثهم من مدتها. مع مراعاة الأحكام المتعلقة بانقطاع التقادم أو بوقفه.

الفصل 314

تنقضي دعوى الإبطال بالتقادم في جميع الحالات بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ العقد.

الفصل 315

يسوغ التمسك بالدفع بالبطلان[28] لمن ترفع عليه الدعوى بتنفيذ الاتفاق في جميع الحالات التي يمكنه فيها هو نفسه أن يباشر دعوى الإبطال.

ولا يخضع هذا الدفع للتقادم المقرر في الفصول 311 إلى 314 السابقة.

3 – ليس لغير المتعاقد الذي قرر الإبطال لمصلحته أن يتمسك بالإبطال و لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالإبطال من تلقاء نفسها

       من المعلوم أن المشرع لم يقرر قابلية الإبطال في العقود التي تقضي الإبطال إلا لمصلحة أحد المتعاقدين، لذلك كان لهذا العاقد الذي شرع الإبطال لمصلحته أن يتمسك وحده بإبطال العقد فإذا كان سبب الإبطال يرجع لعيب في الإرادة فلمن عيبت إرادته وحده أن يطلب الإبطال.

       و لما كان الحق في طلب الإبطال ينتقل إلى الورثة، فإن من حق الخلف العام التمسك بالإبطال وفقا لمقتضيات الفصل 313 من ق.ل.ع الوارد أعلاه.

       أما المتعاقد الآخر أو الدائنون أو الخلف الخاص للمتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته فليس لمهم ممارسة دعوى الإبطال، كما أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.

الفقرة الثانية: آثار الإبطال

       لقد نص الفصل 316 من ق.ل.ع على أنه:

       يترتب على إبطال الالتزام وجوب إعادة المتعاقدين إلى نفس و مثل الحالة التي كانا عليها وقت نشأته، و التزام كل منهما بأن يرد للآخر كل ما أخذه منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي تقرر إبطاله، و تطلق بشأن الحقوق المكتسبة على وجه صحيح للغير حسني النية الأحكام المقررة لمختلف العقود المسماة.

       و تبعا لذلك نستشف من مقتضيات هذا الفصل أن الحكم بالإبطال و إن كان منشأ فإنه ينسحب بأثر رجعي على العقد منذ ابرامه، فيزول و يصبح كأن لم يكن سواء بالنسبة للمتعاقدين اللذين يجب أن يعادا مبدئيا إلى حالهما قبل التعاقد[29]، أم بالنسبة للغير الذي قد يتعرض الحق الذي اكتسبه على الشيء الوارد عليه العقد المقرر إبطاله للزوال.

       و جدير بالذكر إلى أن الإبطال لا يمنع إمكانية ثبوت آثار العقد الذي تم إبطاله استثناء كما في حالة تحول التصرف القابل للإبطال، أو في حالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على المنقول أو العقار المحفظ الذي ورد عليه العقد القابل للإبطال.

       و في كل ذلك تطبق القواعد و الأحكام التي أشرنا إليها في معرض بحثنا لآثار البطلان.

 

 

 

المبحث الرابع: تأويل العقود

       لقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام تأويل الاتفاقات في الفصول من 461 إلى الفصل 473 من قانون الالتزامات و العقود، و يقصد بتفسير العقد أو تأويله تلك العملية الذهنية التي يقوم بها القاضي من أجل التعرف على الإدارة الحقيقية للمتعاقدين، و ذلك من خلال العبارة التي استعملوها في التعبير عن الإرادة، فعبارة العقد لا تخلو من أحد الاحتمالين: فهي إما أن تكون واضحة جلية و إما أن تكون غامضة.

فإذا كانت عبارة العقد واضحة الدلالة وجب على القاضي الأخذ بها و عدم حملها على خلاف معناها الظاهر بحجة تفسيرها، لأن في ذلك مساس بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، و هذا ما أكده الفصل 461 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

إذا كانت ألفاظ العقد صريحة امتنع البحث عن قصد صاحبها.

و هذا ما أقرت به أيضاً محكمة النقض في العديد من المناسبات من ذلك القرار الصادر عنها بتاريخ 13 فبراير 1962 و الذي ورد فيه بأنه: ” يجب على القضاة تطبيق الاتفاقات المبرمة بين الأطراف و ليس لهم تغيير شروطها متى كانت واضحة بينة “.

أما إذا كانت عبارة العقد غامضة وجب عندئذ على القاضي تفسيرها للوصل إلى نية المتعاقدين و غرضهم.

المطلب الأول: الحالات التي يجب فيها تفسير العقد

       لقد أوضح المشرع المغربي الحالات التي يمكن فيها اعتبار العقد غامضا و بالتالي يجب معها تفسيره، و في هذا الإطار ينص الفصل 462 من ق.ل.ع على أنه:

يكون التأويل في الحالات الآتية:

  • إذا كانت الألفاظ المستعملة لا يتأتى التوفيق بينها و بين الغرض الواضح الذي قصد عند تحرير العقد[30]؛
  • إذا كانت الألفاظ المستعملة غير واضحة بنفسها، أو كانت لا تعبر تعبيرا كاملا عن قصد صاحبها[31]؛
  • إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد المختلفة بحيث تثير المقارنة الشك حول مدلول تلك البنود[32].

و عندما يكون للتأويل موجب يلزم البحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ و لا عند تركيب الجمل[33].

المطلب الثاني: قواعد التفسير

  • ينص الفصل 465 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا أمكن حمل عبارة و بند على معنيين كان حمله على المعنى الذي يعطيه بعض الأثر أولى من حمله على المعنى الذي يجرده عن كل أثر “. و بعبارة أخرى و كما يردد فقهاء الشريعة الإسلامية إعمال الكلام خير من إهماله.
  • ينص الفصل 466 من ق.ل.ع على أنه: ” يلزم فهم الألفاظ المستعملة حسب معناها الحقيقي و مدلولها المعتاد في مكان إبرام العقد إلا إذا ثبت أنه قصد استعمالها في معنى خاص، و إذا كان للفظ معنى اصطلاحي افترض أنه استعمل فيه “.
  • ينص الفصل 467 من ق.ل.ع على أن: ” التنازل عن الحق يجب أن يكون له مفهوم ضيق و لا يكون له إلا المدى الذي يظهر بوضوح من الألفاظ المستعملة ممن أجراه و لا يسوغ التوسع فيه عن طريق التأويل. و العقود التي يثور الشك حول مدلولها لا تصلح أساسا لاستنتاج التنازل منها “.
  • ينص الفصل 470 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا ذكر في الالتزام المبلغ أو الوزن أو مقدار على وجه التقريب بعبارتي” ما يقارب و تقريباً ” و غيرهما من العبارات المماثلة وجب الأخذ بالتسامح الذي تقضي به عادات التجارة أو عرف المكان “.
  • ينص الفصل 471 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا كتب المبلغ أو المقدار بالحروف و بالأرقام، وجب عند الاختلاف الاعتداد بالمبلغ المكتوب بالحروف ما لم يثبت بوضوح الجانب الذي اعتراه الغلط “.
  • ينص الفصل 472 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا كتب المبلغ أو المقدار بالحروف عدة مرات وجب الاعتداد عند الاختلاف بالمبلغ أو المقدار الأقل، ما لم يثبت بوضوح الجانب الذي اعتراه الغلط “.

و إذا كانت عبارة العقد غامضة محتملة أوجها عديدة في التفسير و لم يستطع القاضي ترجيح أحد الاحتمالات رغم استنجاده بقواعد التفسير الواردة أعلاه، فهذه حالة الشك الذي لا تمكن ازالته، وقد أوجب فيها المشرع تفسير الشك في مصلحة المدين، لأن الأصل براءة الذمة و الالتزام هو شاغل طارئ عليها و هذا ما أكده الفصل 473 من ق.ل.ع و الذي ورد فيه على أنه: ” عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم.

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الخامس: آثار العقد

عمد قانون الالتزامات و العقود المغربي إلى بحث آثار العقد في معرض البحث في آثار الالتزامات عامة في القسم الرابع من الكتاب الأول منه، و ذلك على الرغم من أن الموضوعين يتميزان عن بعضهما، فالعقد يهدف بصورة رئيسية إلى إنشاء الالتزامات، أما الالتزام فهو يرمي إلى إجبار المدين على تنفيذ ما تعهد به.

و تبعا لذلك فإنه عندما يستجمع العقد كافة العناصر اللازمة لنشوئه وفقاً لما قرره القانون فإننا نكون أمام عقد صحيح ملزم لأطرافه في حدود ما تم الاتفاق عليه في صلب العقد، و من القواعد الكلية أن العقد ينتج آثاره بين المتعاقدين، و كذلك من القواعد الكلية أن العقد لا ينصرف أثره إلى الغير إلا على وجه الاستثناء. فعلينا إذن أن نبحث في آثار العقد بين المتعاقدين          ( المطلب الأول ) ثم في آثار العقد بالنسبة للغير ( المطلب الثاني )، و لما كان كثيراً ما يحصل أن يبرم المتعاقدان عقدا ظاهرا، و يعمدا إلى تعطيل آثار هذا العقد الظاهر كلها أو بعضها بعقد خفي يطلق عليه بورقة الضد فإن يجب علينا أيضا أن ندرس هذه الوضعية القانونية التي يطلق عليها في الاصطلاح الفقهي بالصورية ( المطلب الثالث).

المطلب الأول: آثار العقد بين المتعاقدين

يقصد بالمتعاقدين الأشخاص الذين كانوا طرفا في العقد بأشخاصهم أو بمن يمثلونهم فالوكيل أو النائب الشرعي إذا ما أبرم عقدا نيابة عن الموكل أو القاصر أو ناقص الأهلية، إنما يمثلون الموكل و القاصر و ناقص الأهلية، بحيث هؤلاء هم الذين يعتبرون طرف في العقد و هم الذين ينتج العقد آثاره إزاءهم.

و هذه الآثار يمكن جملها بالقواعد التالية:

  • القاعدة الأولى: العقد شريعة المتعاقدين.
  • القاعدة الثانية: يجب على المتعاقدين تنفيذ العقد بحسن نية.
  • القاعدة الثالثة: يلزم المتعاقدان لا بما صرح به في العقد بل أيضاً بكل ملحقات الالتزام التعاقدي.

الفقرة الأولى: العقد شريعة المتعاقدين

نص على هذه القاعدة الفصل 230 من ق.ل.ع الذي ورد فيه بأن:

الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها و لا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليه في القانون.

فهذه القاعدة تقوم على أسس ثلاثة: أولها مبدأ سلطان الإرادة إذ الفرد لا يلتزم إلا بما يشاء و إذا شاء أن يلتزم فلا يحول دون ذلك حائل، و ثانيها أساس أخلاقي يقوم على وجوب احترام العهود والمواثيق، و ثالثها أساس اجتماعي مستمد من ضرورة استقرار المعاملات.

فالقاعدة القائلة بأن العقد شريعة المتعاقدين تعني أن المتعاقدين ملزمان باحترام العقد الذي أبرماه و أن القاضي ملزم بتطبيقه و لا يستطيع الانحراف عنه، و ذلك كما لو كان الأمر يتعلق بقاعدة نص عليها القانون. و يترتب على ذلك أن العقد لا يمكن نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون.

بيد أن القانون يجيز في بعض العقود لأي من الطرفين أن يستقل بنقض العقد كما في الوكالة حيث يجوز للموكل إنهاء الوكالة متى شاء وفقاً لمقتضيات الفصل 931 من ق.ل.ع[34] كما أنه يجوز للوكيل التنازل عن وكالته بعد إخطار الموكل بذلك وفقا لمقتضيات الفصل 935 من ق.ع[35]، و كما في الوديعة حيث يحق للمودع استرداد الشيء المودع متى أراد و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 794 من ق.ل.ع[36]، و يحق للوديع إذ لم يحدد لرد الوديعة أجل أن يردها في أي وقت يشاء وفقاً لمقتضيات الفصل 797 من ق.ل.ع[37].

و في جميع الأحوال فإنه من أجل نقض العقد بإرادة منفردة لابد من وجود نص قانوني يسمح بذلك، أما في حالة عدم وجوده فيجب الرجوع إلى القاعدة العامة القائلة بعدم جواز إقالة العقد أو تعديله إلا برضاء المتعاقدين معا.

الفقرة الثانية: يجب على المتعاقدين تنفيذ العقد بحسن نية

       لقد تم التنصيص على هذه القاعدة في الفصل 231 من ق.ل.ع و الذي جاء فيه على أن:

كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية، و هو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضاً بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقاً لما تقتضيه طبيعته.

       و سوء النية في تنفيذ العقد يسمى في الاصطلاح القانوني غشا، و هو يقابل التدليس الذي يرافق تكوين العقد، فكما يجب خلو العقد من التدليس عند إنشائه، كذلك يجب خلوه من الغش عند تنفيذه.

و يقتضي حسن النية من المتعاقد أن يختار في تنفيذ العقد الطريقة التي تفرضها الإستقامة و النزاهة فإذا باع شخص شيئا لم يعين إلا بنوعه فلا يكون البائع ملزما بأن يعطي ذلك الشيء من أحسن نوعه و لكنه لا يستطيع أن يعطيه من أردئه وفقاً لمقتضيات الفصل 244 من ق.ل.ع[38]. و في بعض العقود يقتضي حسن النية أن يقوم تعاون بين المتعاقدين في تنفيذ العقد ففي عقد الإيجار مثلا يتعين على المستأجر أن يبادر إلى إخطار المؤجر بكل واقعة تستجوب التدخل كالإصلاحات المستعجلة.

و عموماً فإن التزام المتعاقد بمراعاة حسن النية في تنفيذ العقد التزام يفرضه العقد نفسه فإذا أخل بهذا الالتزام وقع تحت طائلة المسؤولية العقدية.

الفقرة الثالثة: يلزم المتعاقدان لا بما صرح به العقد بل أيضاً بكل ملحقات الالتزام التعاقدي

لقد تم التنصيص على هذه القاعدة أيضاً في الفصل 231 من ق.ل.ع و الذي جاء فيه على أن:

 كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية، و هو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضاً بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقاً لما تقتضيه طبيعته.

فهكذا مثلا إذا كان محل عقد البيع أرضا، فالبيع لا يكون مقتصرا على الأرض فحسب   بل يشمل أيضاً ما يوجد فيها من مباني و أشجار كما يشمل الزرع الذي لم ينبت و الثمار التي لما تعقد و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 517 من ق.ل.ع[39]، و إذا ما بيع بناء فالبيع يشمل الأرض التي أقيم عليها و ملحقاته المتصلة به اتصال قرار كالأبواب و النوافذ و المفاتيح…     و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 518 من ق.ل.ع[40].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني: آثار العقد بالنسبة للغير

يقصد بالغير في هذا الإطار كل من لم يكن طرفا في العقد بشخصه أو بمن يمثله، و الغير بهذا المعنى الواسع على أنواع: فهو يشمل الخلف العام و الخلف الخاص و الدائنين، و الغير بالمعنى الصحيح الضيق أي من لا تربطه بالمتعاقدين أي رابطة إلزامية، فهو كل من سوى الخلف العام و الخلف الخاص و الدائنين.

لذلك يجب علينا أن نبحث في هذا المطلب آثار العقد بالنسبة لكل فئة من هؤلاء الغير.

الفقرة الأولى: أثر العقد بالنسبة للخلف العام

يقصد بالخلف العام من يخلف سلفه في كامل ذمة ذلك السلف أو في جزء شائع منها، و قد تعرض المشرع المغربي لآثار العقد بالنسبة للخلف العام في الفصل 229 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه:

       تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب، و لكن أيضاً بين ورثهما و خلفائهما ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أو عن القانون، و مع ذلك فالوارث لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة و بنسبة مناب كل واحد منهم.

       و إذا رفض الورثة التركة[41]، لم يجبروا على قبولها و لا على تحمل ديونها و في هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم.

فبمقتضى هذا النص نستشف أن المبدأ العام هو أن أثر العقد ينصرف إلى الخلف العام مع عدم الاخلال بقواعد الميراث، لكن لهذا المبدأ بعض الاستثناءات لا يسري فيها أثر العقد على الخلف العام.

أولا: انصراف أثر العقد إلى الخلف العام مع عدم الاخلال بقواعد الميراث

نجد أن أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث تقضي بأن لا ميراث إلا بعد سداد الدين أي أن الوريث ينتقل إليه صافي التركة بعد وفاء الديون و تنفيذ الوصية منها. و الإرث بعد ذلك جبري ليس للوارث رفضه، فحسب أحكام الشريعة الإسلامية تكون التركة وحدها هي المثقلة بالتزامات المورث، فلا يجبر الوارث على وفاء شيء من هذه الالتزامات من ماله الخاص      و هذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 4 يونيو 1969 و الذي جاء في حيثياته  أن ديون الهالك تخرج من تركته و أن وارثيه ليسوا بمسؤولين عن ديونه ما دام لم يثبت أن الهالك خلف متروكا و أن الورثة حازوه قبل قضاء الديون المتخلفة في ذمة الهالك.

و تبعا لذلك نجد أن قانون الالتزامات و العقود المغربي قد تأثر بالقانون المدني الفرنسي من حيث أنه أجاز للورثة رفض التركة، و حصر حق الدائنين في مواجهة التركة ليس إلا، دون أن يتحمل الورثة بأي التزام من التزاماتها، و لكن المشرع بقي متماشيا مع أحكام الشريعة الإسلامية من حيث جعل الورثة حتى في حالة قبولهم التركة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة و بنسبة مناب كل واحد منهم.

ففي إطار هذه القواعد المتعلقة بالميراث ينصرف أثر العقد إلى الخلف العام كما لو كان هو العاقد مع عدم إمكانية ترتيب الالتزامات عليه إلا بقدر ما يصيبه من الحقوق: فهذا مثلا لو كان عقد السلف صوريا سرى في حق الخلف العام العقد الحقيقي لا العقد الظاهر و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 22 من ق.ل.ع[42]، كما ينتقل خيار الفسخ الذي كان يتمتع به المتعاقد إلى وريثه من بعده وفقاً لمقتضيات الفصل 115 من ق.ل.ع[43].

ثانياً: حالات استثنائية لا يسري فيها أثر العقد على الخلف العام

باستقراء مقتضيات الفصل 229 من ق.ل.ع يتضح جليا أن أثر العقد ينحصر بالمتعاقدين و حدهما و لا يسري على الخلف العام إما احتراما لإرادة المتعاقدين أنفسهما، و إما عملا بطبيعة العقد، و إما تنفيذا لنص قانوني.

1 – إرادة المتعاقدين أنفسهما : قد يعمد المتعاقدان وقت إبرام العقد أن يتم التنصيص في العقد على عدم انصراف أثر العقد إلى الخلف العام كما لو تضمن عقد الإيجار بندا يقضي بأن هذا العقد يعتبر مفسوخا بموت المستأجر.

2 – طبيعة العقد : قد تأبى طبيعة العقد أن ينصرف أثره إلى الخلف العام نحو ذلك عقد ايراد مرتب مدى الحياة أو الايراد العمري، فمن طبيعة هذا العقد أن ينقضي الحق الناشئ عنه بموت الدائن الذي رتب له الايراد و أن لا ينتقل بالتالي إلى الخلف العام لهذا الدائن.

كذلك إذا كانت شخصية المدين محل اعتبار خاص في العقد، كما في التعاقد مع رسام    أو مهندس أو طبيب أو محام، فلا ينصرف أثره عقده إلى ورثته و ينقضي التزامه بموته.

3 – نص القانون : قد ينص القانون نفسه على عدم سريان أثر العقد على الخلف العام كما في العقد الذي يتضمن إنشاء حق انتفاع حيث ينقضي الانتفاع بموت المنتفع، أو كما في عقد الوكالة حيث تنتهي بموت الموكل أو الوكيل وفقاً لمقتضيات الفصل 929 من ق.ل.ع[44]، أو كما في عقد الشركة الذي ينتهي بموت أحد الشركاء وفقاً لمقتضيات الفصل 1051 من ق.ل.ع[45].

الفقرة الثانية: أثر العقد بالنسبة للخلف الخاص

يقصد بالخلف الخاص من تلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمة هذا السلف، سواء كان هذا الحق عينيا كما في الحق الذي ينتقل إلى المشتري أو الموهوب له أو الموصى له بعين معينة، أم كان حقا شخصيا كما في الحق الذي ينتقل من المحيل إلى المحال إليه.

فصفة الخلفية في الخلف الخاص مقصورة على الحق المعين العيني أو الشخصي الذي انتقل إليه من السلف.

و التقنين المغربي كالتقنين الفرنسي لم يتطرق لموضوع أثر العقد بالنسبة للخلف الخاص و لكننا نستطيع في المغرب تحديد أثر العقد بالنسبة للخلف الخاص على ضوء المبادئ العامة.

       فمن المبادئ العامة، أن الشخص لا يستطيع أن ينقل لغيره أكثر مما يملك، و ينتج عن ذلك أن الخلف الخاص يتلقى الشيء أو الحق بالحالة التي كان عليها في ذمة سلفه المالية، فقد يكون بائع العقار مثلا أنشأ عليه قبل بيعه ارتفاقا أو رهنا رسمياً أو قد يكون أجره للغير، فالمشتري الذي يتلقى العقار المبيع إنما يتلقاه بالتكاليف المقررة عليه سابقا، و يتأثر بالتالي بالعقود التي أنشأت هذه التكاليف رغم أنه لم يكن أحد الاطراف فيها.

ثم إنه من المبادئ العامة أيضاً أن المال شيئا كان أم حقا إذا انتقل من سلف إلى خلف فهو ينتقل بسائر ما يتمتع به من ميزات و ضمانات، فإذا اكتسب مثلا مالك عقار ارتفاقا لمصلحة عقاره على عقار مجاور ثم باعه، فإن المشتري يتلقى العقار المبيع مع الارتفاق الذي كان تقرر لمصلحته و يستفيد أيضاً من العقد الذي كان أبرمه البائع مع صاحب العقار المرتفق به المجاور رغم عدم كون المشتري طرفا في هذا العقار، و إذا ما كان دين الدائن مضمونا برهن أو كفالة و أحال الدائن دينه خلف، فإن الدين ينتقل بهذه الضمانات و يستفيد المحال له من الرهن أو الكفالة التي أبرمها الدائن المحيل و التي لم يكن المحال له طرفا فيها[46].

على أنه يجب الانتباه إلى أن سريان عقود السلف على الخلف الخاص يشترط فيه تحقق الشروط الآتية:

أولا: يجب أن يكون عقد السلف سابقا لخلفية الخلف الخاص، كأن يؤجر مثلا بائع عقار هذا العقار بعد أن انتقلت ملكيته للمشتري، فلا يكون للإيجار أدنى أثر بالنسبة للخلف الخاص.

ثانياً: يجب أن يكون عقد السلف وثيق الصلة بالشيء أو الحق الذي انتقل إلى الخلف الخاص فلو أن صاحب سيارة قد أمن عليها ضد حوادث السير ثم باعها، فإن الحقوق الناشئة عن عقد التأمين تنتقل إلى المشتري لأنها وثيقة الصلة بالبيع، أما إذا كانت الحقوق أو الالتزامات الناشئة عن عقد ورد على شيء أو حق، انتقل فيما بعد إلى خلف، ليست من مستلزمات هذا الشيء أو الحق فإن الحقوق و الالتزامات المذكورة لا تنتقل إلى الخلف الخاص، فهكذا مثلا لو أن صاحب سيارة استأجر مرأبا لإيوائها أو اتفق مع ميكانيكي على إصلاح عطب فيها، ثم باع هذه السيارة فإن الحقوق و الالتزامات القائمة بين بائع السيارة من جهة و بين كل من مؤجر المرآب          و الميكانيكي من جهة ثانية لا تنتقل إلى مشتري السيارة.

ثالثاً: يجب أن يكون الخلف الخاص على علم بالحقوق و الالتزامات الناشئة من العقد الذي عقده سلفه، ذلك أن هذه الالتزامات تعتبر بمثابة قيود على حق الخلف الخاص، فلا بد أن يكون الخلف عالما فعلا بهذه القيود ليكون ملزما باحترامها، فلو أن مالك عقار التزم بعدم تحويله إلى مقهى بمقتضى عقد ثم باع هذا العقار و كان المشتري الجديد على علم بالأمر فإنه يلتزم بنفس التزام سلفه، أما إذا كان المشتري غير عالم بالعقد الذي التزم فيه البائع بعدم تحويل العقار إلى مقهى، فإن العقد المذكور لا يسري بحقه و لا يلتزم بما كان سلفه ملتزما به.

المطلب الثالثة: أثر العقد بالنسبة للدائنين

تعتبر أموال المدين ضمانا عاما لدائنيه وفقا لمقتضيات الفصل 1241 من ق.ل.ع الذي ينص على أن:

أموال المدين ضمان عام لدائنيه، و يوزع ثمنها بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية.

       و ما دامت أموال المدين تعتبر الضمان العام الدائنين، كان من الطبيعي أن يتأثر الدائن بالعقود التي يبرمها مدينه، و ذلك بطريقة غير مباشرة من حيث أن هذه العقود قد تزيد أو قد تنقص في ضمانه العام، فالقاعدة العامة تقضي أن للمدين أن يتصرف في ماله كما يريد و أن الدائن ليس له أن يناقش أو يعارض ذلك التصرف حتى و لو انقص من ضمانه العام.

غير أنه حماية لمصلحة الدائن نجد أن المشرع قد خوله مجموعة من الوسائل التي من شأنها الحفاظ على حقوقه، منها حق الدائن في أن يطعن في العقد الصوري الذي يبرمه مدينه قصد الاضرار به، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 22 من ق.ل.ع[47]. و أيضاً حق الدائن في توقيع الحجز التحفظي على أموال مدينه ليمنعه من التصرف في أمواله حتى يفي بما في ذمته       و من هذه الوسائل كذلك حق الدائن في حبس ما في حوزته من أموال للمدين حتى استيفاء ما هو مستحق له من قبل هذا المدين و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 291 من ق.ل.ع[48].

 

 

الفقرة الرابعة: أثر العقد بالنسبة للغير بالمعنى الصحيح الضيق

       المقصود بالغير في هذا الإطار كل من سوى الخلف العام و الخلف الخاص و الدائنين  أي كل شخص أجنبي عن حلقة المتعاقدين و لا تربطه بهما أي رابطة الزامية.

و هذا الشخص الأجنبي عن عملية التعاقد هو من قصده المشرع عندما أعلن في الفصل 33 من ق.ل.ع على أنه: ” لا يحق لأحد أن يلزم غيره و لا أن يشترط لصالحه إلا إذا كانت له سلطة النيابة عنه بمقتضى وكالة أو بمقتضى القانون “.

و هو من قصده كذلك عندما صرح في الفصل 228 من ق.ل.ع بأن: ” الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، فهي لا تضر الغير و لا تنفهم إلا في الحالات المذكورة في القانون “.

فالقاعدة العامة إذن هي أن الغير لا يصبح دائنا و لا مدينا بعقد يبرمه متعاقدان آخران    لكن ثمة حالات أشار إليها القانون يمكن فيها على وجه الاستثناء جعل الغير يكسب حقوقا       أو ترتيب عليه التزامات بعقد لم يكن قد اشترك فيه، و هذه الحالات الاستثنائية هي:

  • الالتزام عن الغير على شرط إقراره إياه.
  • الاشتراط لمصلحة الغير.

أولا: الالتزام عن الغير على شرط إقراره إياه

       يقصد بالالتزام عن الغير شرط إقراره إياه أن يبرم شخص التزاما باسم غيره بشرط أن يقر هذا الغير الالتزام الذي أبرم باسمه[49].

و المبدأ القانوني في الالتزام عن الغير شرط إقراره إياه، أن ذلك الغير الذي أبرم الالتزام باسمه له الحرية المطلقة في أن يرفض ذلك الالتزام أو أن يقبل به، ففي حالة رفض الغير ذلك الالتزام فإن الملتزم عنه لا يتحمل أية مسؤولية إزاء الطرف الآخر.

غير أنه في حالة إقرار الغير للالتزام الذي أبرم باسمه يجب أن يقع هذا الاقرار خلال فترة معقولة، و في سبيل ذلك أعطى المشرع المغربي للطرف الآخر الحق في أن يطلب من الغير إعلان موقفه من الالتزام الذي أبرم باسمه و في هذا الإطار ينص الفصل 36 من ق.ل.ع على أنه:

يجوز الالتزام عن الغير على شرط إقراره إياه، و في هذه الحالة يكون للطرف الآخر أن يطلب قيام هذا الغير بالتصريح بما إذا كان ينوي إقرار الاتفاق، و لا يقبى هذا الطرف ملتزما إذا لم يصدر الإقرار داخل أجل معقول، على أن لا يتجاوز هذا الأجل خمسة عشر يوما بعد الإعلام بالعقد.

 

 

 

 

      و لا يشترط في إقرار الالتزام أن يصدر صراحة بل يمكن أن يحصل بصورة ضمنية كما لو قام هذا الغير بتنفيذ العقد الذي أبرم باسمه و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 37 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه:

يعتبر الإقرار بمثابة الوكالة، و يصح أن يجيء ضمنيا و أن ينتج من قيام الغير بتنفيذ العقد الذي أبرم باسمه.

       و ينتج الإقرار أثره في حق المقر فيما يرتبه له و عليه من وقت إبرام العقد الذي حصل إقراره ما لم يصرح بغير ذلك، و لا يكون له أثر تجاه الغير إلا من يوم حصوله.

       كما أنه يمكن استخلاص الإقرار من السكوت إذا كان الشخص الذي يجرى التصرف في حقوقه حاضرا أو أخبر على وجه صحيح بحصول هذا التصرف و لم يعترض عليه و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 38 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

يسوغ استنتاج الرضى أو الإقرار من السكوت، إذا كان الشخص الذي يحصل التصرف في حقوقه حاضرا أو أعلم بحصوله على وجه سليم، و لم يتعرض عليه من غير أن يكون هناك سبب مشروع يبرر سكوته.

و بناء على ما سبق فإن الإقرار يعد بمثابة وكالة، ينتج أثره في حق المقر فيما يرتبه له   أو عليه من وقت إبرام التصرف الذي حصل إقراره، ما لم يصرح المقر بأنه يريد اعتبار نفسه مرتبطا منذ تاريخ إقرار العقد، على أن أثر الإقرار الرجعي يبقى محصورا فيما بين المقر و المتعاقد الآخر، أما في مواجهة الغير فلا يكون للإقرار أثر إلا من تاريخ حصوله، فإذا ما اكتسب شخص حقا على الشيء الذي ورد عليه الالتزام عن الغير شرط إقراره إياه و ذلك في الفترة ما بين وقوع هذا الالتزام و صدور الاقرار، فإن مكتسب الحق يصان حقه، بمعنى أن المتعاقد مع الملتزم يتلقى الشيء من المقر مكلفا بالحق الذي رتبه عليه قبل الإقرار و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 37 السلف الذكر أعلاه.

ثانياً: الاشتراط لمصلحة الغير

الاشتراط لمصلحة الغير تعاقد يتم بين شخصين أحدهما يسمى المشترط و الآخر الواعد أو المتعهد يشترط فيه الأول على الثاني أن يلتزم هذا الأخير إزاء شخص ثالث أجنبي عن التعاقد و يسمى المنتفع، فينشأ بذلك للمنتفع حق مباشر يستطيع أن يطالب به المتعهد.

و من الأمثلة على ذلك نجد عقد الهبة بعوض و الذي يهب فيه شخص مالا لآخر مشترطا على الموهوب له أن يدفع مرتبا معينا لأحد الغير. و أيضاً العقد الذي يؤمن فيه شخص على حياة زوجه و أولاده أو على حياة غيره ممن لا علاقة له به، فيكون هذا الشخص بمثابة مشترط و شركة التأمين كمتعهد بدفع المبالغ المستحقة للزوجة و الأولاد أو الغير باعتبارهم مستفيدين من هذا الاشتراط.

و قد خص قانون الالتزامات و العقود للاشتراط لمصلحة الغير الفصلين 34 و 35 منه حيث أقر جواز الاشتراط لمصلحة الغير، ثم أوضح الآثار التي تترتب على الاشتراط لمصلحة الغير سواء بالنسبة للمشترط، أم بالنسبة للمنتفع، أم بالنسبة للغير.

1 – شروط الاشتراط لمصلحة الغير

من المتفق عليه أنه لابد حتى يتحقق الاشتراط لمصلحة الغير من توافر ثلاثة شروط:

الشرط الأول: تعاقد المشترط باسمه

       يجب لقيام الاشتراط لمصلحة الغير أن يتعاقد المشترط مع المتعهد باسمه لا باسم المنتفع و هذا ما يميز الاشتراط لمصلحة الغير عن مختلف صور النيابة كالوكالة و الفضالة.

فالوكيل يتعاقد باسم الموكل الذي يعتبر هو الطرف في العقد لا الوكيل، و الفضولي كذلك نائب قانوني عن رب العمل، و هو لا يقوم بعمله إلا إذا كانت هناك ضرورة عاجلة تتطلب القيام بذلك العمل.

أما المشترط فهو يتعاقد باسمه و لا ينوب عن المنتفع، و يترتب على ذلك أن لكل شخص أن يشترط لمصلحة غيره، مادامت له مصلحة شخصية من وراء هذا الاشتراط.

الشرط الثاني: اتجاه إرادة المتعاقدين إلى إنشاء حق مباشر للمنتفع

       يجب لقيام الاشتراط لمصلحة الغير أن تنصرف إرادة المتعاقدين إلى ترتيب حق للمنتفع ينشأ مباشرة من العقد في ذمة المتعهد، بحيث لا يمر هذا الحق قبل وصوله إليه في ذمة المشترط ويعود للقضاء في ضوء ظروف العقد تقرير ما إذا كانت نية الطرفين قد انصرفت إلى إنشاء حق مباشر للغير.

الشرط الثاني: وجود مصلحة شخصية للمشترط في الاشتراط

يتعاقد المشترط باسمه و يعمل لحسابه، و لهذا كان بديهيا أن تكون له مصلحة شخصية في ذلك، و إلا كان عمله ضربا من العبث، و مصلحة المشترط في هذا المقام لا يشترط فيها أن تكون مادية، كما لو اشترط شخص على المتعهد أن يدفع مبلغا من النقود إلى المنتفع سدادا لدين مترتب لمصلحة هذا الأخير في ذمة المشترط، بل يجوز أن تكون أديبة كما في هبة يشترط فيها الواهب له التزاما لمصلحة مستشفى أو كما في عقد تأمين على الحياة يعقده الأب لمصلحة أولاده أو زوجته.

مسألة عدم اشتراط تعيين المنتفع وقت العقد

       لقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 34 من ق.ل.ع على أنه: ” و مع ذلك يجوز الاشتراط لمصلحة الغير و لو لم يعين إذا كان ذلك سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه أو سببا لتبرع لمنفعة الواعد “.

فالاشتراط يصح إذن لمصلحة شخص غير معين حين عقد الاشتراط، و لا يقصد بالشخص غير المعين، الشخص الذي لن يستطاع تعيينه أبدا، بل إنما يقصد به الشخص الذي و إن كان لم يعين وقت الاشتراط، إلا ان تعيينه يبقى مستطاعا وقت أن ينتج العقد أثره، فهكذا مثلا لو وقع الاشتراط لمصلحة عامل أو لمصلحة فقير دون تعيين، فإنه يعتبر اشتراطا باطلا لأنه اشترط لشخص غير معين وقت الاشتراط و غير ممكن التعيين أبدا، أما في تأمين المشغل لمصلحة أجراءه في المعمل عما قد يصيبه من حوادث الشغل، فإن الشخص المنتفع و إن كان غير معين وقت العقد، إلا أنه سيتعين حين وقوع الحادث.

أما فيما يتعلق بالاشتراط لمصلحة الغير إذا كان المنتفع شخصاً مستقبلا أو جهة مستقبلية كأن يوهب عقار لشخص على أن يؤدي مرتبا شهريا لأول ولد لشقيقته المتزوجة، فإن التقنين المغربي قد سكت عن مصير هذا الاشتراط.

2 – آثار الاشتراط لمصلحة الغير

تتعلق آثار الاشتراط لمصلحة الغير بثلاثة أشخاص هم: المشترط و المتعهد و المنتفع.

أ – علاقة المشترط بالمتعهد

       إن علاقة المشترط بالمتعهد تخضع لمقتضيات العقد الذي يربط بينهما، و بالتالي فإن أحكام هذا العقد تتغير من حالة لأخرى بحسب ما إذا كان الاشتراط بالمعاوضة أو على سبيل التبرع، فلو عقد الأب تأمينا على حياته لمصلحة زوجه و أولاده يلزم هو بدفع أقساط التأمين في مواعيدها، كما تلتزم شركة التأمين بأن تدفع لزوجه و أولاده المبلغ المتفق عليه إذا ما توفي قبل الأجل المعين في العقد.

و هكذا أيضا لكل من طرفي العقد التمسك ببطلانه أو إبطاله إذا وجد ما يبرر ذلك، كما له التذرع بانقضاء الالتزامات التعاقدية إذا ما انقضت لسبب من الأسباب، و إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته، جاز للآخر تطبيقا للقواعد العامة أن يطالب بالتنفيذ العيني إذا كان ممكنا، أو بفسخ العقد مع التعويض إذا كان له محل.

و بما أن للمشترط مصلحة شخصية فإنه يستطيع مطالبة المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المنتفع و مراقبة هذا التنفيذ، فإن أخل المتعهد بالتزامه جاز للمشترط أن يرفع باسمه دعوى مباشرة بذلك، و هذا ما نص عليه الفصل 35 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

يسوغ لمن اشترط لمصلحة الغير أن يطلب مع هذا الغير تنفيذ الالتزام ما لم يظهر منه أن طلب تنفيذه مقصور على الغير الذي أجري لصالحه.

       كما يجوز له وقف تنفيذ ما أخذه على نفسه من التزامات عملا بأحكام الدفع بعدم التنفيذ.

ب – علاقة المشترط بالمنتفع

لقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 34 من ق.ل.ع على أنه: ” و مع ذلك يجوز الاشتراط لمصلحة الغير و لو لم يعين إذا كان ذلك سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه  أو سببا لتبرع لمنفعة الواعد “.

و بذلك نستشف من مقتضيات هذه الفقرة أن علاقة المشترط بالمنتفع تكون إما من قبيل التبرع و إما من قبيل المعاوضة و ذلك تبعا لقصد المشترط من العقد، و سواء كانت طبيعة العلاقة بين المشترط و المنتفع علاقة تبرع أم كانت علاقة معاوضة، فإن حق المنتفع في الاستفادة من الاشتراط متوقف على عدم رفضه الاشتراط و ذلك وفقاً لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 34 من ق.ل.ع و التي جاء فيها: ” و يعتبر الاشتراط كأن لم يكن إذا رفض الغير الذي عقد لصالحه قبول مبلغا الواعد هذا الرفض “.

 

 

ج – علاقة المنتفع بالمتعهد

       يكسب المنتفع من العقد المتضمن الاشتراط لمصلحته رغم عدم كونه طرفا في هذا العقد حقا ذاتيا مباشرا إزاء المتعهد لا يتلقاه من المشترط، و إنما مصدره عقد الاشتراط.

أولاً: حق المنتفع إزاء المتعهد هو حق ذاتي

إن حق المنتفع إزاء المتعهد هو حق ذاتي يخول له أن يقاضي المتعهد مباشرة لمطالبته بالوفاء بما التزم به، و هذا ما لم يحضر هذا الحق بالمشترط نفسه حيث يمتنع على المنتفع مقاضاة المتعهد، أو ما لم تعلق مقاضاة المنتفع للمتعهد على شروط معينة يجب توافرها و ذلك وفقاً لمقتضيات 34 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه:

ومع ذلك، يجوز الاشتراط لمصلحة الغير ولو لم يعين إذا كان ذلك سببا لاتفاق أبرمه معاوضة المشترط نفسه أو سببا لتبرع لمنفعة الواعد.

وفي هذه الحالة ينتج الاشتراط أثره مباشرة لمصلحة الغير، ويكون لهذا الغير الحق في أن يطلب باسمه من الواعد تنفيذه وذلك ما لم يمنعه العقد من مباشرة هذه الدعوى أو علقت مباشرتها على شروط معينة.

ويعتبر الاشتراط كأن لم يكن إذا رفض الغير الذي عقد لصالحه قبوله مبلغا الواعد هذا الرفض.

و يجب لفت الانتباه إلى أن المنتفع إذا كان له أن يلاحق المتعهد بالتنفيذ، فليس له في حالة عدم قيام المتعهد بهذا التنفيذ، أن يطالب بفسخ العقد المتضمن الاشتراط لمصلحته، لأن هذا العقد أبرم بين المشترط و المتعهد، فهما وحدهما يستطيعان الادعاء بفسخه لعدم التنفيذ.

ثانياً: المنتفع لا يتلقى حقه من المشترط

تترتب على كون المنتفع لا يتلقى حقه من المشترط النتائج التالية:

  • لا يجوز لدائني المشترط استيفاء ديونهم من حق المنتفع لأن هذا الحق لم يمر في ذمة المشترط المالية، و بالتالي لا يعتبر عنصرا من عناصر الضمان العام الذي يتمتعون به.
  • إذا مات المشترط، لا يدخل حق المنتفع في تركته، فهكذا مثلا لو مات الأب الذي أمن على حياته لمصلحة أولاده، فحق أولاده المنتفعين تجاه شركة التأمين حق مباشر يتلقونه منها بصفة أنهم منتفعون لا بصفة أنهم ورثة.
  • أن المنتفع يصبح بمجرد الاشتراط لمصلحته دائنا للمتعهد، فيشترك مع سائر دائني المتعهد في الضمان العام المقرر على أمواله.

ثالثاً: حق المنتفع مصدره عقد الاشتراط

إن حق المنتفع مصدره العقد الذي أبرم فيما بين المشترط و المتعهد و الذي تضمن الاشتراط لمصلحة المنتفع، و يترتب على ذلك ما يلي:

  • ينشأ حق المنتفع من وقت عقد الاشتراط و بمجرد التعاقد، لا من وقت إعلان المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط، و عليه فإنه إذا فقد المتعهد أهليته بعد العقد و قبل إظهار المنتفع رغبته، فإن هذا لا يمنع المنتفع من إظهار هذه الرغبة و التمتع بحقه.
  • يحق للمتعهد أن يتمسك إزاء المنتفع بجميع الدفوع الناشئة عن عقد الاشتراط نفسه، فإذا كان هذا العقد باطلا أو قابلا للإبطال جاز للمتعهد الادعاء بذلك، و الامتناع بالتالي عن تنفيذ التزاماته إزاء المنتفع إذا ما تقرر البطلان أو الإبطال.

المطلب الثالث: الصورية

       يقصد بالصورية توافق إرادتين على إخفاء ما اتفقا عليه سرا تحت ستار عقد ظاهر لا يرضيان بحكمه، فالقعد الصوري إذن هو عقد ينظمه الطرفان ذرا للرماد في أعين الغير   فيتفقان في الخفاء على تعطيل كل أو بعض آثاره بمقتضى عقد مستتر يسمى ورقة الضد يضمنانه حقيقة ما أراداه و رضيا به، نحو ذلك أن يذكر البائع و المشتري ثمنا ضئيلا في صك البيع المنظم في العلانية، و يحددان الثمن الحقيقي في صك مستتر.

و قد تعرض المشرع المغربي للصورية في الفصل 22 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

       الاتفاقات السرية المعارضة التي أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المتعاقدين و من يرثهما، فلا يحتج بها على الغير إذا لم يكن له علم بها. و يعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل.

و عليه فإنه سوف يتم التطرق في هذا المقام إلى أنواع الصورية ( الفقرة الأولى )          و آثارها ( الفقرة الثانية )،و كيفية إثباتها ( الفقرة الثالثة )، و تقادم الدعوى الناشئة عنها ( الفقرة الرابعة).

الفقرة الأولى: أنواع الصورية

       الصورية على نوعين: صورية مطلقة، و صورية نسبية.

فالصورية المطلقة تتحقق عندما تنصب الصورية على أصل العقد أي عندما يكون العقد المنظم في السر قد عطل كل أثر العقد المنظم في العلانية.

أما الصورية النسبية فهي تكون عندما تقتصر الصورية على إخفاء ماهية العقد، أو شرط من شروطه، أو أحد شخص المتعاقدين.

فقد تقتصر الصورية على ماهية العقد الحقيقي و إظهاره في شكل عقد من نوع آخر كما في بيع حصة شائعة في عقار يتخذ في الظاهر شكل الهبة لمنع الشفيع من أخذ الحصة المتصرف فيها بالشفعة.

و قد تقتصر على إخفاء شرط من شروط العقد، كما لو توافق البائع و المشتري في العقد الظاهر على ثمن أقل من الثمن المتعاقد عليه حقيقة في السر من أجل التخفيض من قيمة الضريبة.

و قد تكون الصورية النسبية مقتصرة على إخفاء شخص أحد المتعاقدين، كما في التعاقد بطريق الاسم المستعار، كأن يكلف زيد عمر بشراء شيء باسمه حتى إذا تم الشراء عمد عمر إلى نقل ملكية الشيء إلى صاحبه الحقيقي زيد.

و عموما تعتبر صورية جائزة بمقتضى القانون و لا تمنع إلا في حالات استثنائية.

 

الفقرة الثانية: آثار الصورية

الصورية بحذ ذاتها عمل مشروع ينتج آثارا قانونية، و لكن هذه الآثار تختلف بالنسبة للمتعاقدين عما هي عليه بالنسبة للغير.

أولا: آثار الصورية بين المتعاقدين

العبرة بين المتعاقدين للعقد المستتر وحده كما نص على ذلك الفصل 22 من ق.ل.ع، ذلك أن العقد الظاهر كان في نية المتعاقدين شكليا لا قيمة قانونية له في الحقيقة، فمن الواجب إذن إهماله، أما العقد المستتر فقد كان هو ما يقصده المتعاقدان لذلك يجب إعمال مقتضياته و أحكامه.

و لا يختلف حكم الخلف العام عن حكم المتعاقد نفسه، فالخلف العام تتمثل فيه شخصية المتعاقد المتوفى، و العقد الذي يسري بحقه هو العقد الحقيقي المستتر لا العقد الظاهر.

ثانياً: آثار الصورية بالنسبة للغير

ينص الفصل 22 من ق.ل.ع على أن الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يحتج بها على الغير إذا لم يكن له علم بها، و كقاعدة عامة فإن الاتفاقات لا أثر لها سوى في جانب من كان طرفا فيها، و هي لا تضر الغير و لا تنفعه وفقاً لمقتضيات الفصل 228 من ق.ل.ع[50].

و تبعا لذلك فإن يتضح من مقتضيات الفصل 22 السالف الذكر أنه لم يحدد مدلول الغير الوارد فيه، غير أن هذه الغيرية لا تشمل فحسب الأشخاص الذين لا تجمعهم علاقة قانونية مع المتعاقدين، بل كذلك أصحاب الحقوق كالخلف الخاص و الدائنون العاديون و كذلك الورثة بالرفض الذي لا يقرون بوصية موصى له.

و مع ذلك بعضا ممن يعتبون من مشمولات الغير قد يكون من فائدتهم المطالبة بتطبيق العقد المستتر، كأن يكون من مصلحة الوارث بالفرض أن يفصح عن وجود الهبة التي أعطى لها شكل بيع ليتأتى له أن ينال محصولات هذا الشيء الموهوب، و بما أنه روعيت في عدم حجية الاتفاقات السرية المعارضة المنصوص عليها في الفصل 22 من ق.ل.ع مصلحة الغير حسن النية، و أنها لا تقيده عندما لا يكون فيها نفع له، فإنه يحق للغير و الحالة هذه و كلما رأى فائدة أن يرفع طلبا للقضاء يرمي لترجيح العقد المستتر على العقد الظاهر، في حين أن الغير سيء النية  تسري عليه فقط أحكام العقد المستتر دون أن يكون له الحق بالاعتداد بالعقد الظاهر.

و حينما يعرض على القضاء طلبان، أحدهما يرمي إلى إعطاء الفعالية للعقد المستتر      و ثانيهما يهدف إلى الاعتداد بالعقد الظاهر، فإنه يتعين على القاضي بناء على مقتضيات الفصل 22 السالف الذكر أن يرجح الطلب الثاني على الأولى، و يعطي الأفضلية للعقد الظاهر.

 

 

 

الفقرة الثالثة: إثبات الصورية

يترتب على من يدعي وجود الصورية إثبات صحة ادعائه، و لكن طرق الاثبات تختلف بالنسبة للمتعاقدين و خلفهم العام عما هي عليه بالنسبة للغير.

ففي ما يتعلق بالمتعاقدين و خلفهم العام، لا بد لإثبات الصورية من مراعاة القواعد المنصوص عليها في الفصول 443[51] و444 [52] و 447[53] من ق.ل.ع، بمعنى أن من يثير صورية في هذه الحالة يجب عليه أن يدلي بسند كتابي أو على الأقل أن يأتي ببداية حجة تكون مكتوبة و من شأنها أن تكون على احتمال وقوع الصورية.

على أنه يجوز للمتعاقدين و خلفهم العام على سبيل الاستثناء إثبات الصورية بالشهادة أو القرائن عندما تستهدف الصورية الاحتيال على القانون، أو عندما يكون رضاء أحد المتعاقدين صوريا قد انتزع بالإكراه أو التدليس و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 448[54] من ق.ل.ع.

أما فيما يتعلق بالغير، فإنه يحق له إثبات الصورية بجميع طرق الاثبات و بصورة خاصة بالشهادة و القرائن، ذلك أن الصورية بالنسبة للغير لا تشكل عقدا حقيقيا و إنما مجرد واقعة يصح إثباتها بجميع الوسائل.

 

 

 

 

 

الفقرة الرابعة: تقادم دعوى الصورية

       إن دعوى الصورية التي يقصد منها إحلال العقد المستتر محل العقد الظاهر و بالتالي تقرير الحقيقة، لا يعقل أن تسقط بالتقادم لأن الزمن مهما طال أمده ليس من شأنه أن يؤثر على التصرفات الصورية و يقلبها إلى تصرفات حقيقية، و لكن الحقوق و الالتزامات التي هي موضوع دعوى الصورية تخضع للتقادم، لأن هذا الأخير طريق لاكتساب الحقوق و إسقاطها   و أن كون الحق منبعثا عن عقد مستتر لا يمكن أن يؤثر على طبيعة هذا الحق و يجعله غير قابل للتقادم.

فلو أراد الموهوب له مثلا أن يدعي بصورية الهبة و يثبت أن التصرف الذي اتخذ في الظاهر شكل الهبة إنما يخفي بيعا في الحقيقة، كان ادعاؤه غير خاضع للتقادم، و لكن لو أراد الادعاء بضمان العيب بعد انقضاء 360 يوما على تسلمه العقار و 30 يوما على تسلمه المنقول أو الحيوان كان ادعاؤه غير مسموع لأن حق المطالبة بضمان العيب يتقادم بعد انقضاء هذه المدد عملا بمقتضيات الفصل 573[55] من ق.ل.ع، و أن إخفاء البيع بعقد هبة ليس من شأنه    أن يعطل مبدأ تقادم الحقوق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث السادس: جزاءات عدم تنفيذ العقد

لقد رتب المشرع المغربي عدة جزاءات قانونية تطال العقد الصحيح بسب عدم تنفيذ مقتضياته و أحكامه أو التأخير في تنفيذها، فالبعض منها يهدف إلى وقف تنفيذ العقد كوسيلة للضغط على المدين بالالتزام و هذا هو حال الدفع بعدم التنفيذ، أما البعض الآخر فإن الغاية منه هي انحلال العلاقة العقدية و هذا ما يتحقق بواسطة المطالبة بفسخ العقد، و في كل الأحوال فإن الدائن له الحق في إثارة طلبات التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء عدم تنفيذ العقد و هذا هو ميدان المسؤولية العقدية.

و تبعا لذلك فإن من أجل مقاربة هذا المبحث مقاربة رصينة و ذات أهمية علمية سوف يتم تقسيمه على النحو الآتي:

  • المطلب الأول: الدفع بعدم تنفيذ العقد
  • المطلب الثاني: فسخ العقد
  • المطلب الثالث: المسؤولية العقدية

المطلب الأول: الدفع بعدم تنفيذ العقد

       يتمثل الدفع بعدم التنفيذ في أن المتعاقد له الحق في الامتناع عن تنفيذ التزاماته تجاه الطرف الآخر حتى يقوم هذا الأخير بتنفيذ ما التزم به إزاء الطرف الأول و ذلك في العقود الملزمة لجانبين، ففي عقد البيع يمكن للبائع عدم تنفيذ التزامه المتمثل في تسليم المبيع و ذلك في حالة امتناع المشتري عن أداء الثمن للبائع، و هذا ما أقره المشرع المغربي في الفصل 235 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

في العقود الملزمة للطرفين يجوز لكل متعاقد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه إلى أن يؤدي المتعاقد الآخر التزامه المقابل، و ذلك ما لم يكن أحدهما ملتزما حسب الاتفاق أو العرف بأن ينفذ نصيبه من الالتزام أولا.

      عندما يكون التنفيذ واجبا لصالح عدة أشخاص يجوز للمدين أن يمتنع من أداء ما يجب لأي واحد منهم إلى أن يقع الأداء الكامل لما يستحقه من التزام مقابل.

       و عليه يتعين علينا التطرق إلى خصائص الدفع بعدم التنفيذ ( الفقرة الأولى)، و شروط التمسك به ( الفقرة الثانية )، و آثاره ( الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: خصائص الدفع بعدم التنفيذ

       يتميز نظام الدفع بعدم التنفيذ بمجموعة من الخصائص نذكر منها ما يلي:

أولا: إن ممارسة الدفع بعدم التنفيذ تتم بطريقة تلقائية دون الحاجة للتقيد بالإجراءات القضائية كرفع الدعوى و تقديم وسائل الإثبات؛

ثانياً: إن الدفع بعدم التنفيذ باعتباره موقفا سلبيا يتمثل في الامتناع عن تنفيذ العقد لئن كان يدخل ضمن حالات العدالة الخاصة التي يتم فيها اقتناص الحق خارج نطاق القضاء إلا أن ذلك لا يتعارض مطلقا مع المبدأ القائل بأن الفرد لا يحق له أن يحصل على حقه بنفسه، لكون هذا الدفع مقرر بمقتضى نص في القانون؛

ثالثاً: إن الغاية التي يهدف إليها الدفع بعدم التنفيذ هي حث المتعاقد الآخر على إتمام العقد        و بالتالي فإن فلسفة هذا الدفع تكمن في وقف تنفيذ العقد و ليس إنهاء العلاقة التعاقدية كما هو الحال بالنسبة للفسخ.

رابعاً: إن التمسك بالدفع بعدم التنفيذ تتم إثارته من غير حاجة للتقيد بالإجراءات التمهيدية التي تسبق دعاوى الفسخ و المسؤولية العقدية كالإنذار و الإخطار اللازمين لقبول دعاوى الفسخ     و دعوى الضمان العقدي.

خامسا: إن الدفع بعدم التنفيذ يعد في الواقع تطبيقا من تطبيقات نظرية الحبس المنصوص عليها في الفصول من 291 إلى 305 من ق.ل.ع، و التي جعل المشرع وسيلة لضمان تنفيذ الالتزام إلا أنه من خلال المقارنة بين العناصر المميزة لكل من النظامين السابقين يتضح أن هناك فوارق دقيقة تفصل بين حق الحبس و نظام الدفع بعدم التنفيذ[56]

الفقرة الثانية: شروط التمسك بنظام الدفع بعدم التنفيذ

       لكي يكون التمسك بالدفع بعدم التنفيذ مقبولا من الناحية القانونية فإنه يتعين توفر ثلاثة شروط هي كالتالي:

أولا: أن يكون العقد من صنف العقود الملزمة لجانبين

       لقد حصل الإجماع في ميدان الفقه و القضاء بخصوص ضرورة توفر هذا الشرط، فقاعدة التمسك بالدفع بعدم التنفيذ ترتبط ارتباطا وثيقا بهذا النوع من العقود التي تكون مبنية في الأصل على تقابل الالتزامات المتبادلة بين طرفي العقد.

ثانياً: أن تكون الالتزامات المتولدة عن العقد ثابتة و مستحقة الأداء

        مقتضى هذا الشرط أن الدفع بعدم التنفيذ يستلزم أن يكون العقد ثابتا و مستحق الأداء     و هذا يعني بمفهوم المخالفة أن العقد إذا كان مشكوكا في صحته أو كانت الالتزامات الناشئة عنه مرتبطة بأجل أو موقوفة على شرط فإنه لا مجال لإعمال هذا الدفع، و ما قيل عن الالتزام غير مستحق الأداء يقال أيضاً عن الالتزامات التي سقطت بالتقادم و تحولت بذلك إلى التزامات طبيعية، بيد أن هذا النوع من الالتزامات لا تسري عليها معظم الأحكام التي تسري عن الالتزامات المدينة بما في ذلك الدفع بعدم التنفيذ.

ثالثاً: أن لا يكون المتعاقد الذي يرغب في التمسك بالدفع ملزما وفق الاتفاق       أو العرف بتنفيذ التزامه أولاً

       القاعدة العامة أنه يجب على المتعاقدين أن يقوما بتنفيذ الالتزامات المترتبة على كل منهما في وقت واحد، و لكن إذا اتفق الطرفان على أن يبدأ أحدهما بتنفيذ التزامه أو قضى بذلك العرف فلا يجوز للطرف الملزم بتنفيذ التزامه أولاً أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ، بحيث يجب عليه أن يبادر هو بأداء ما في ذمته ثم يطالب بعد ذلك باستيفاء ماله.

و في هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 2254 بتاريخ 27 يونيو 2007 ما يلي:

      إذا بين العقد الطرف الذي عليه أن يبدأ بتنفيذ التزامه أولاً، فلا محل لتطبيق مقتضيات الفصل 234 من ق.ل.ع، و المحكمة لم تكن على صواب لما صرحت بأنه لا يحق للمطالبة عملا بالفصل 234 من القانون المذكور أن تباشر الدعوى الناتجة عن عقد البيع المذكور إلا إذا أثبت أنها أدت للبائعة بقية الثمن أو عرضته عليها عرضا حقيقيا أو أودعته بصندوق المحكمة عملا بالفصل 291 من نفس القانون اعتمادا على أن عقد البيع المبرم بين الطرفين لم يحدد الجهة التي عليها أن تبدأ بتنفيذ نصيبها من الالتزام الأول و الحال أن العقد نص على أن البائعة هي الملزمة بتنفيذ التزامها أولا بإفراغ الفيلا المبيعة و تسليم مفاتيحها …

الفقرة الثالثة: آثار التمسك بالدفع بعدم التنفيذ

المنطق القانوني يفرض أن يكون لهذا الدفع تأثير على العلاقة القائمة بين المتعاقدين و كذا بالنسبة للغير الذي ترتبط مصالحه بالعقد الذي حصل الدفع بشأنه.

أولا: آثار الدفع بعدم التنفيذ بالنسبة المتعاقدين

       إن الغاية المباشرة التي يهدف إليها الدافع بعدم التنفيذ هي وقف مفعول العقد كإجراء وقتي مستعجل، فالدفع بعدم التنفيذ إذن لا يؤدي إلى هدم و انحلال العلاقة العقدية كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسة الفسخ، و إنما هي وسيلة للضغط على المدين الممتنع عن تنفيذ التزاماته.

و بناء على ما سبق فإن الدفع بعدم التنفيذ في إطار العلاقة بين أطراف العقد تترتب عليه من الناحية العملية مجموعة من الآثار الفرعية نجملها فيما يلي:

  • أنه بمجرد إثارة هذا الدفع من قبل المتمسك به فإن تنفيذ العقد يتوقف بطريقة تلقائية و بالتالي فإنه تتوقف معه كافة الحقوق التي كان يحق للطرف الآخر الاستفادة منها كجني ثمار الأشجار و الحصول على مدخول المحلات التجارية التي كانت موضوعا للتعاقد.
  • إن الدفع بعدم التنفيذ باعتباره إجراء وقتيا فإنه لا يمكن أن يبقى ساري المفعول إلى ما لا نهاية فهو إما أن يتحول إلى انفساخ تلقائي أو فسخ قضائي.

ثانيا: آثار الدفع بعدم التنفيذ بالنسبة للغير

       عندما يتم التمسك بالدفع بعدم التنفيذ فإن آثار هذا الأخير لا تقتصر على المتعاقدين فحسب و إنما تمتد إلى الغير الذي يرتبط بأطراف العقد بمقتضى علاقات قانونية سابقة كالخلف العام   و الخلف الخاص و باقي الدائنين الآخرين، و تطبيقا لذلك فإن البائع الذي يدفع بعدم التزام المشتري بأداء ثمن المبيع يكون له الحق في استعمال هذا الدفع إزاء كل شخص من الغير يدعي بأن ملكية المبيع قد انتقلت إليه في الفترة الموالية لإثارة هذا الدفع، و بالرغم من أن المشرع المغربي لم ينص على استعمال هذا الحق تجاه الغير عند تنظيمه للدفع بعدم التنفيذ، إلا أن المبادئ القانونية العامة كفيلة بسد هذا النقص، من ذلك مثلا ما ورد النص عليه في الفصل 305 من ق.ع.ل الذي جاء فيه على أنه: ” يسوغ التمسك بحق الحبس ضد دائني المدين و خلفائه في نفس الحالات التي يمكن فيها التمسك به ضد المدين نفسه “.

و لسريان آثار الدفع تجاه الغير فإنه يتعين أن يكون حق هذا الغير ناشئا في الفترة اللاحقة لإثارة الدفع بعدم التنفيذ، أما إذا كان حق الغير سابقا على واقعة التمسك بالدفع فإن مفعول هذا الأخير لا يمسه في شيء إعمالا لمبدأ احترام الحقوق المكتسبة للغير حسن النية.

المطلب الثاني: فسخ العقد

يقصد بالفسخ ذلك الجزاء المدني الذي يهدف إلى وضع حد للعلاقة العقدية الملزمة لجانبين عندما يحصل الإخلال بمقتضيات الاتفاق الرابط بين المتعاقدين.

و تبعا لذلك فإن من أجل دراسة مؤسسة الفسخ سوف يتم تقسيم هذا المطلب إلى ما يلي:

  • الفقرة الأولى: أنواع الفسخ
  • الفقرة الثانية: آثار الفسخ

الفقرة الأولى: أنواع الفسخ

     يتخذ فسخ العقد من الناحية العملية أحد المظاهر التالية: فهو قد يكون فسخا قضائيا ( أولا ) أو فسخا اتفاقيا ( ثانياً )، و قد يتقرر بقوة القانون و هذا ما يسمى بالانفساخ ( ثالثاً ).

أولا: الفسخ القضائي

       يعتبر الفسخ القضائي من أبرز صور أنظمة الفسخ المتعارف عليها، فهو بمثابة القاعدة العامة في ميدان انحلال العقود و زوالها، إذ أن معظم حالات إقرار الفسخ تتم عن طريق القضاء، و قد أشار المشرع المغربي إلى هذا النوع من الفسخ في الفصل 259 من ق.ل.ع      و الذي ورد فيه بأنه:

إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا، فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، و له الحق في التعويض في الحالتين.

       إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه، جاز للدائن أن يطلب إما تنفيذ العقد بالنسبة إلى الجزء الذي مازال ممكنا، و إما فسخه و ذلك مع التعويض في الحالتين.

      و علاوة على ذلك تطبق القواعد المقررة في الأبواب المتعلقة بالعقود الخاصة.

       لا يقع فسخ العقد بقوة القانون، و إنما يجب أن تحكم به المحكمة.

و عليه سوف نتطرف في هذا الإطار إلى شروط الفسخ القضائي ( 1 ) و إجراءاته ( 2 )      و كذا سلطة القاضي إزاء طلب الفسخ ( 3 ).

1 – شروط الفسخ القضائي

      يتطلب الفسخ تحقق ثلاث شروط جوهرية، تتمثل في كون العقد ملزما للجانبين ( أ )      و أن يحصل الإخلال أو التماطل من طرف أحد المتعاقدين ( ب )، و أن يكون الطرف الآخر قد نفذ التزاماته العقدية أو على الأقل أبدى استعداده لتنفيذها و باستطاعته إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ( ج ).

أ – أن يكون العقد ملزما للجانبين

       لا مجال لإعمال الفسخ إلا في العقود الملزمة للجانبين كالبيع و الكراء و الصلح، و هذا يعني أن العقود الملزمة لجانب واحد و كذا تصرفات الإرادة المنفردة لا تكون قابلة للفسخ، نظرا لكون الطرف الدائن في هذا النوع من التصرفات القانونية لا يتحمل بأي التزام مقابل و بالتالي فهو ليست له المصلحة الضرورية للمطالبة بالفسخ.

ب – أن يخل أحد المتعاقدين بالتزاماته

      يشكل إخلال أحد المتعاقدين بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليه الشرط الجوهري و الأساسي لإعمال نظام الفسخ، و قد يتخذ هذا الإخلال بالتنفيذ أكثر من مظهر قانوني، فقد يكون إيجابيا   أو سلبيا، و قد يكون كليا أو جزئيا، كما يعتبر مجرد التأخر في تنفيذ الالتزام سببا كافيا للحكم بالفسخ [57].

غير أنه يتعين لفت الانتباه إلى أن عدم تنفيذ الالتزام أو التأخر في تنفيذه لا يستوجب الفسخ القضائي إلا إذا أقبل عليه أحد المتعاقدين بمحض اختياره أو نتيجة خطأ وقع فيه، أما إذا وقع التماطل بفعل سبب أجنبي لا دخل للمدين فيه فإن العقد يكون قابلا للانفساخ بقوة القانون    و بالتالي فإنه لا داعي لرفع دعوى الفسخ أمام القضاء.

ج – أن يكون الطرف الآخر قد نفذ التزاماته العقدية أو على الأقل أبدى استعداده لتنفيذها      و باستطاعته إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه

      يستفاد هذا الشرط من الفصل 234 من ق.ل.ع و الذي نص على أنه:

      لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناتجة عن الالتزام، إلا إذا أثبت أنه أدى أو عرض أن يؤدي كل ما كان ملتزما به من جانبه حسب الاتفاق أو القانون أو العرف.

و في هذا الإطار جاء في القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 22 أكتوبر 2008 على أنه:

يكون قرار المحكمة القاضي بفسخ البيع لعدم أداء المشتري للثمن داخل الأجل المتفق عليه ناقص التعليل، إذ أنها لم تتأكد من كون البائع قد وفى بنصيبه من الالتزام، و أنجز الإجراءات القانونية التي يتم بها التسليم القانوني للمبيع و إشعار المشتري بها.

       و بناء على ما سبق نستشف أنه لا يكفي للحكم بالفسخ أن يكون واردا على عقد ملزم للجانبين و ألا يكون إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته راجعا لسبب أجنبي لا يد له فيه، و إنما يشترط أيضا أن يكون طالب التنفيذ قد أدى ما في ذمته أو على الأقل عرض أن يؤدي كل ما كان ملتزما به، أما إذا لم يقم بذلك فلا يحق له مباشرة دعوى الفسخ.

كما يتعين أن يكون باستطاعة طالب الفسخ إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد إذا حصل وفاء جزئي للالتزام، أما إذا تعذر عليه ذلك فلا يسوغ له طلب الفسخ، نحو ذلك لو تسلم طالب الفسخ جزءا من المبيع ثم باعه لآخر، حيث لا يحق له و الحالة هذه أن يطلب الفسخ، لأنه تبعا لالتزامه بالضمان إزاء المشتري لا يمكن له أن يسترجع الشيء منه لإعادته إلى الطرف الآخر، ففي هذه الفرضية حسبه أن يطلب تنفيذ ما بقي من الالتزام أو التعويض.

2- إجراءات الفسخ القضائي

يستلزم الفسخ القضائي اتباع إجراءات شكلية، تتجلى في إنذار المدين ( أ )، و رفع دعوى الفسخ ( ب )، و صدور حكم قضائي يقضي بالفسخ ( ج ).

أ – إنذار المدين

      لكي تكون دعوى المطالبة بالفسخ مقبولة فإنه يتعين أن تكون مسبوقة بالإخطار اللازم لجعل المدين في حالة مطل، و أهمية هذا الإنذار لا تظهر في الواقع إلا في الأحوال التي يكون الالتزام فيها غير محدد المدة، أما إذا كان الالتزام مربوطا بأجل معين للوفاء به فإن مطل المدين يتحقق بمجرد حلول هذا الأجل.

و تبعا لذلك فقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام الإنذار في الفصول 255 و 256     و 257 و 258 من قانون الالتزامات و العقود و التي جاء فيها ما يلي:

ينص الفصل 255 من ق.ل.ع على أنه:

       يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام، فإن لم يعين للالتزام أجل، لم يعتبر المدين في حالة مطل، إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء الدين، و يجب أن يتضمن هذا الإنذار:

  • طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول؛
  • تصريحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه مناسبا إزاء المدين.

      و يجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة، و يسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية و لو رفعت إلى قاض غير مختص.

في حين ينص الفصل 256 من نفس القانون على أنه:

لا يكون الإنذار من الدائن واجبا:

  • إذا رفض المدين صراحة تنفيذ التزامه؛
  • إذا أصبح التنفيذ مستحيلا.

أما الفصل 257 من نفس القانون فقد جاء فيه على أنه:

إذا حل الالتزام بعد موت المدين، لم يعتبر ورثته في حالة مطل إلا إذا وجه إليهم الدائن أو ممثلوه إنذارا صريحا بتنفيذ التزام موروثهم، و إذا كان بين الورثة قاصر أو ناقص أهلية وجب توجيه الإنذار لمن يمثله قانونا.

بينما ورد في الفصل 258 من نفس القانون على أنه:

لا أثر للإنذار الحاصل من الدائن إذا وقع في وقت أو في مكان لا يكون التنفيذ فيهما واجبا.

و بناء على ما سبق فإن في إنذار الدائن للمدين قبل المطالبة بالفسخ أهمية عملية تتمثل في اعتباره دلالة قاطعة على إخلال المدين بالتزامه، و هو ما يخول الدائن الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن مطل المدين من تاريخ الإنذار، كما يجعل القاضي أكثر استجابة لطلب الفسخ.

ب – رفع دعوى الفسخ

لقد وردت في الفصل 259 من ق.ل.ع العبارة التالية: … جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد ويقصد بذلك المطالبة القضائية، الشيء الذي يؤكد ضرورة رفع دعوى فسخ العقد.

و الحكمة من ذلك أنه قد يعقب الإنذار الذي يوجهه الدائن إلى المدين تسامح بينهما، كما أنه من حق الدائن أن يبقى متمسكا بالتنفيذ رغم مطل المدين، و بذلك فإن الإنذار وحده غير كاف للفسخ و إنما يجب رفع دعوى قضائية بذلك.

و إذا كانت دعوى الفسخ على هذه الأهمية فإن ذلك لا يعني أنها تظل قائمة مهما طال الزمن، بل تتقادم طبقا للقاعدة العامة في التقادم[58]، أي بمرور خمس عشرة سنة على ثبوت الحق في المطالبة بالفسخ.

و جدير بلفت الانتباه إلى أن قضاء النقض قد ضيق من دائرة الأشخاص الذين من حقهم المطالبة بالفسخ إذ جاء في قرار صادر عنه بتاريخ 25 نونبر 1998 على أن :

 فسخ العقد لا يباشر إلا ممن كان طرفا فيه، و على من يدعي حقا على موضوع العقد غير طرفيه أن يباشر الطرق المخولة له قانونا دون طلب الفسخ للوصول إلى مبتغاه “.

ج – صدور حكم الفسخ

لا يكفي الدائن مجرد رفع دعوى الفسخ حتى يتحلل من التزاماته التعاقدية إزاء مدينه المتماطل، بل لا بد من صدور حكم يقضي بالفسخ، فقد يحدث بعد رفع الدعوى أن يعمد المدين إلى تنفيذ التزامه فلا يكون هناك محل للفسخ، و قد يعدل الدائن عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ العيني أو إلى طلب التعويض عن عدم التنفيذ، ثم إن القاضي قد لا يستجيب إلى طلب الفسخ في إطار سلطته التقديرية.

و عليه فإن الفسخ القضائي لا يتقرر إلا بحكم قضائي، و يكون هذا الحكم منشئا للفسخ لا كاشفا عنه، و ذلك بخلاف الفسخ الاتفاقي أو الفسخ القانوني، فالأول يتم باتفاق بين المتعاقدين أما الثاني فيقع بقوة القانون، و إذا أثير أي نزاع بشأنهما أمام القضاء، فإن حكم القاضي يكون كاشفا للفسخ و ليس منشئا له كما هو الشأن في الفسخ القضائي.

3- سلطة القاضي إزاء الفسخ القضائي

إن مجرد تحقق حالة المطل بتوفر شروطه و إجراءاته القانونية غير كاف لفسخ العقد بصورة تلقائية، و إنما يتعين أن يتقرر الفسخ بمقتضى حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة و تبعا لذلك فإنه إذا كان تنفيذ الالتزام المترتب بذمة المدين غير ممكن جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد و له الحق في التعويض، أما إذا كان تنفيذ الالتزام غير ممكن إلا في جزء منه ففي هذه الحالة يمكن للدائن أن يطلب إما تنفيذ العقد بالنسبة إلى الجزء الذي مازال ممكنا، و إما فسخه       و ذلك مع التعويض في الحالتين.

و بناء على ما سبق فإن للقاضي في هذا الميدان سلطة تقديرية واسعة في الحكم بالفسخ  أو الإبقاء على العقد، كما يمكنه أن يمنح المدين نظرة المسير و في هذا الإطار ينص الفصل 243 من ق.ل.ع على أنه:

إذا لم يكن هناك إلا مدين واحد، لم يجبر الدائن على أن يستوفي الالتزام على أجزاء ولو كان هذا الالتزام قابلا للتجزئة، و ذلك ما لم يتفق على خلافه إلا إذا تعلق الأمر بالكمبيالات.

      و مع ذلك يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين، و مع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، و أن يوقفوا إجراءات المطالبة مع إبقاء الأشياء على حالها.

و تبعا لذلك نستشف من مقتضيات الفصل الوارد أعلاه أن المشرع قد خول للقاضي سلطة منح المدين مهلة للوفاء بالتزامه، غير أنه يتعين عليه أن يستعمل هذه السلطة في نطاق ضيق لذلك فإن أي مبالغة أو تجاوز في تفسير مقتضيات الفصل 243 من ق.ل.ع يعرض حكم القاضي للطعن نحو ذلك أن يمنح القاضي للمدين أجلا بعيدا كل البعد عن الاعتدال المطلوب[59].

فلما كان الهدف من إعطاء مهلة الميسرة للمدين هو التخفيف عليه فإنه يجب أن يتم تمتيع المدين بها لمرة واحدة لا غير و ألا يصيب الدائن بسبب إمهال المدين ضرر جسيم، ثم إن القاضي يتعين عليه أن يبرر قراراه بإمهال المدين كثبوت حالة العسر أو الضائقة المالية        أو وجود المدين في وضعية تحول بينه و بين تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها تجاه الدائن.

و في جميع الأحوال فإنه لكي يمنح القاضي أجلا للمدين لأداء ما في ذمته يجب ألا يكون هناك نص قانوني يمنع ذلك[60].

و ينبغي الإشارة إلى المشرع المغربي قد خول لرئيس المحكمة بصفته مشرفا على تنفيذ الأحكام و الأوامر القضائية صلاحية منح المنفذ عليه أجلا استعطافيا للتنفيذ و ذلك استنادا إلى مقتضيات الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل المدين يستفيد من أجل للتنفيذ على مرحلتين: مرحلة الحكم و مرحلة تنفيذه.

 

 

 

 

ثانياً: الفسخ الاتفاقي

يقصد بالفسخ الاتفاقي ذلك الفسخ الذي لا يتقرر إلا بناء على اتفاق الأطراف على إدراج شرط فاسخ صريح في العقد و قد أشار قانون الالتزامات و العقود المغربي إلى جواز مثل هذا الاتفاق في الفصل 260 منه و الذي جاء فيه على أنه:

إذا اتفق المتعاقدان على أن يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء.

      و من تطبيقات هذه القاعدة في ميدان عقد البيع نجد حالة الفصل 581 من ق.ل.ع الذي نص على أنه: ” إذا اشترط بمقتضى العقد أو العرف المحلي أن البيع يفسخ إذا لم يؤد الثمن فإن العقد ينفسخ بقوة القانون بمجرد عدم أداء الثمن في الأجل المتفق عليه “.

و عليه يتضح لنا مما سبق ذكره أنه يمكن للمتعاقدين في إطار مبدأ سلطان الإرادة الاتفاق على إدراج الشرط الفاسخ في صلب العقد، و بمقتضى هذا الشرط يكون العقد قابلا للفسخ بقوة القانون بمجرد الإخلال بالتنفيذ، إلا أن الفسخ الاتفاقي لئن كان يتقرر بقوة إرادة المتعاقدين إلا أنه لا يغني عن رفع دعوى الفسخ ولا عن توجيه الإنذار للمدين، و هذه الخاصية هي التي تميز بين الفسخ الاتفاقي عن الفسخ القانوني الذي يثبت بشكل تلقائي دون الحاجة إلى رفع دعوى الفسخ أمام القضاء.

فالفسخ الاتفاقي على هذا النحو لا يتقرر بمجرد حصول الإخلال بالالتزام و إنما يتعين رفع دعوى الفسخ بشأنه إلى القاضي الذي لا يملك سلطة الحكم بغير مقتضى الشرط الفاسخ و الذي يجب أن يكون أي الشرط الفاسخ صريحا و واضحا و غير مثير للشك و الغموض، و حتى إذا كان هذا الشرط مبهما أو يحمل على أكثر من معنى فإن المحكمة يتوجب عليها تفسير الشرط تفسيرا ضيقا، نظرا لكون الشرط الفاسخ في مجمله يشكل استثناء و خروجا عن القاعدة العامة ألا و هي الفسخ القضائي.

و الحكم الصادر عن المحكمة بخصوص الفسخ الاتفاقي لا يكون إلا تقريريا و ليس منشئا إذ أن تدخل القاضي في هذا الإطار لا يخلق هذا الفسخ بقدر ما يقر واقعة الاخلال بالالتزام، لذلك فإن أثر هذا الفسخ يسري منذ حصول الامتناع عن تنفيذ التزام و ليس منذ تاريخ صدور الحكم المقر للفسخ.

و جدير بلفت الانتباه إلى أنه ليس هناك ما يمنع الاطراف على جعل العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى استصدار حكم أو توجيه إنذار للمدين.

 

 

 

 

 

 

ثالثا: الفسخ بقوة القانون أو الانفساخ

خلافا للفسخ القضائي الذي لا يتقرر إلا بتدخل من المحكمة فإن الفسخ القانوني أو ما يسمى بالانفساخ يتقرر بقوة القانون عند ثبوت الأسباب الموجبة له، و أهم هذه الأسباب جميعاً هو استحالة تنفيذ الالتزام بفعل سبب أجنبي لا يد للمدين فيه كالقوة القاهرة أو خطأ صدار عن الدائن أو الغير، و من الأمثلة على النصوص التشريعية التي تنص على الانفساخ نذكر مقتضيات الفصل 659 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

 إذا هلكت العين المكتراة أو تعيبت أو تغيرت كليا أو جزئيا بحيث أصبحت غير صالحة للاستعمال في الغرض الذي اكتريت من أجله، وذلك دون خطأ أي واحد من المتعاقدين       فإن عقد الكراء ينفسخ، من غير أن يكون لأحدهما على الآخر أي حق في التعويض، ولا يلزم المكتري من الكراء إلا بقدر انتفاعه.

وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر.

و تبعا لذلك فإنه يتضح أن الانفساخ جزاء قانوني يقرره القانون بسبب تعذر الوفاء بالالتزامات المتقابلة في العقد الملزم لجانبين، و هو يتميز عن الفسخ القضائي في أنه لا يستلزم مراجعة القضاء للحكم به، فضلا على أنه لا يتوجب على المستفيد منه أن يسلك مسطرة الإنذار اللازمة لتحقق حالة المطل، و على كل حال فإن انفساخ العقد بقوة القانون يتطلب توافر الشروط الآتية:

1 – أن يتعلق الأمر بعقد ملزم لجانبين، و يدخل في ذلك العقد المتعدد الأطراف كعقد الشركة؛

2 – أن تصبح التزامات أحد الأطراف مستحيلة استحالة مطلقة كهلاك موضوع الالتزام أو تعيبه نتيجة لفعل طارئ جعله غير صالح لما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد؛

3 – أن تكون الاستحالة ناشئة بعد إبرام العقد أو الأقل أثناء تنفيذه، و يترتب على ذلك أن الهلاك أو العيب إذا كان موجودا قبل إبرام العقد فإن هذا الأخير يكون باطلا لعدم قيام ركن المحل     وذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 59 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه: ” يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا، إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون “، و إما أن يكون قابلا للفسخ متى تعلق الأمر بوجود عيب خفي في الشيء محل التعاقد[61].

4 – يتعين في الاستحالة أن تكون راجعة لسبب أجنبي لا يد للمدين فيه[62]، و يتحقق ذلك في حالة القوة القاهرة و الاستحالة التي يتسبب فيها الدائن أو الغير، أما الاستحالة التي يتسبب فيها المدين فإنها لا تؤدي إلى الانفساخ التلقائي، و إنما يتعين استصدار حكم بالفسخ القضائي.

الفقرة الثانية: آثار الفسخ

عندما يتقرر فسخ العقد بمقتضى حكم قضائي أو بقوة القانون فهذا يعني أن الرابطة العقدية تكون قد انحلت، و بالتالي فإنه يتعين إرجاع الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد إن أمكن ذلك و نظرا لكون الآثار المتعلقة بفسخ العقود و انفساخها منها ما يتعلق بمصلحة المتعاقدين ( أولاً )   و منها ما يهم الغير ( ثانياً ).

أولا: آثار فسخ العقد بالنسبة للمتعاقدين

إن الأثر التلقائي المباشر لفسخ العقود هو ضرورة إعادة المتعاقدين إلى وضعية ما قبل التعاقد متى أمكن ذلك، إلا أنه إذا كان هذا الأمر متيسرا في العادة في العقود الفورية، فهو يستعصي في العقود الزمنية التي تقوم على أساس استهلاك المنافع و الخدمات بطريقة مستمرة الأمر الذي يتعذر معه إرجاع الأطراف لوضعية ما قبل العقد.

1 – آثار الفسخ بالنسبة للمتعاقدين في العقود الفورية

     إذا كان العقد الذي تقرر فسخه أو انفساخه من صنف العقود الفورية فإن أثر الفسخ بالنسبة للمتعاقدين لا يسري على المستقبل فحسب و إنما يمتد إلى الماضي كذلك، و هذا ما يعرف في لغة القانون بمبدأ رجعية آثار الفسخ و الانفساخ على أساس أن زوال العقد و انحلاله يستجوب إعادة الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد، إلا أن هذا الإجراء قد لا يكون ممكنا في بعض الحالات الأمر الذي يفرض على القاضي الحكم بالتعويض المناسب لقيمة الشيء الذي تعذر استرداده، و التعويض في هذه الحالة يحكم به على أساس المسؤولية التقصيرية، و ليس على أساس المسؤولية العقدية، لأن العقد بعد فسخه لم يعد يصلح أساسا للحكم بالتعويض.

و بالإضافة لقاعدة سريان أحكام الفسخ في حق المتعاقدين بأثر رجعي، فإن هناك الكثير من القواعد الأخرى التي تجد مجالا للتطبيق عند زوال العقد و انحلاله من ذلك مثلا:

أ – قاعدة تبعية الفرع للأصل لا العكس: هذه القاعدة تجد ميدانا للتطبيق في ميدان الفسخ أيضاً على غرار البطلان و الإبطال، بحيث إذا تم فسخ التزام أصلي لسبب من الأسباب فإن ذلك يستجوب بالتبعية فسخ الالتزامات الفرعية التي كانت ملحقة به، ففي عقد الكراء مثلا نجد أن الفصل 699 من ق.ل.ع ينص على أنه: ” ينتج عن فسخ الكراء الأصلي فسخ الكراء الفرعي المعقود من المكتري مع استثناء الحالتين المذكورتين في البندين أولاً وثانيا من الفصل 670[63].

و يترتب على ما سبق أن مجرد فسخ الكراء الفرعي لا ينتج عنه فسخ الكراء الأصلي.

 

 

ب – قاعدة احترام تطبيق الشروط الجزائية: عندما يتضمن العقد شرطا جزائيا يتحمل المدين بمقتضاه أداء تعويض اتفاقي للدائن في حالة الإخلال بالالتزام أو التأخر في تنفيذه، إلا أن إدراج هذا الشرط في العقد لا يعني أن الدائن المستفيد منه يكون قد تنازل عن دعوى الفسخ القضائي إذ له الحق في إثارة هذه الدعوى حتى ولو كان مضمون الشرط الجزائي لم يتحقق بعد أو كان قد تنازل عن المطالبة بالتعويضات الناجمة عن تحقق مضمون هذا الشرط، و في مقابل ذلك فإن للدائن الحق في الجمع بين المطالبة بفسخ العقد و التعويضات المترتبة عن الشرط الجزائي و في هذا الإطار ينص الفصل 264 من ق.ل.ع على أنه: ”

 يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا و التأخير في تنفيذه.

      يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي .

يقع باطلا كل شرط يخالف ذلك

2 – آثار الفسخ بالنسبة للمتعاقدين في العقود الزمنية

       خلافا للعقود الفورية التي تسري عليها آثار الفسخ بصورة رجعية، فإن آثار فسخ العقود الزمنية تنسحب على المستقبل دون الماضي، و ذلك لتعذر إرجاع المتعاقدين إلى وضعية ما قبل التعاقد، و هذا ما ينطبق على عقود المدة كالكراء و التوريد و التأمين مثلا حيث أن فسخ هذه العقود الزمنية لا يطال ما أنتجته من آثار في الفترة السابقة لإقرار الفسخ.

فما أنتجه العقد الزمني من آثار قبل إقرار الفسخ يعد حقا مكتسبا لصاحبه، و مقابل المنفعة أو الخدمة التي ترتبت في ذمة المدين يعد أجرة لا تعويضا عن الانتفاع[64]، و بالتالي فإن المحكمة لا تملك أي سلطة تقديرية في الزيادة فيها أو الإنقاص منها.

ثانياً: آثار الفسخ بالنسبة للغير

      إن سريان آثار فسخ العقود لا تقتصر على المتعاقدين فحسب و إنما يتعين أن تشمل الغير أيضاً، و إعمالا لمبدأ رجعية آثار الفسخ فإن الأشياء التي انتقلت إلى الغير يتعين استردادها متى كان ذلك ممكنا، فلو أن شخصاً اشترى عينا ثم باعها و عقب ذلك فسخ عقد البيع الأول، فإن البائع في هذا العقد يسترجع العين من المشتري الثاني.

لكن مبدأ رجعية آثار الفسخ بالنسبة للغير ترد عليه بعض الاستثناءات تفرضها المحافظة على الحقوق المكتسبة للغير حسن النية نحو ذلك:

  • عندما يكتسب الغير عن حسن النية حقا عينيا على عقار بالاستناد إلى قيود السجل العقاري، و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري؛
  • عندما يكتسب الغير حسن النية حقا عينيا على منقول، وذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 456 من ق.ل.ع.

المطلب الثالث: المسؤولية العقدية

تعتبر المسؤولية العقدية جزءا لا يتجزأ من المسؤولية المدينة، بحيث تهدف إلى تعويض الطرف المتضرر عن الأضرار و الخسائر التي لحقت به نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه            أو التأخر في تنفيذه.

و بذلك يقصد بالمسؤولية العقدية ذلك الجزاء المترتب عن الإخلال بالالتزامات التعاقدية.

و بناء على ما سبق نجد أن التعويض في إطار قواعد المسؤولية العقدية غالبا ما يرتبط بالفسخ إلا أنه ليس هناك ما يمنع المحكمة من الحكم بالتعويض مع الإبقاء على العقد متى كان التنفيذ العيني للعقد ممكنا و لو في جزء منه و ذلك استنادا إلى مقتضيات الفصل 259 من ق.ل.ع.

و عليه فإن من أجل مقاربة هذا المطلب سوف يتم التطرق إلى العناصر اللازمة لتحقق المسؤولية العقدية ( الفقرة الأولى )، ثم إلى الاتفاقات المعدلة لهذه المسؤولية ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: العناصر اللازمة لتحقق المسؤولية العقدية

لقيام المسؤولية العقدية لابد من توافر الشروط التالية:

  • أولا: الخطأ العقدي؛
  • ثانياً: الضرر العقدي؛
  • ثالثا: العلاقة السبية بين الخطأ و الضرر؛

أولا: الخطأ العقدي

يمكن أن يكون المدين مسؤولا ليس فقط عن خطإه الشخصي ( أ ) بل أيضاً عن خطأ الغير( ب).

أ – المسؤولية العقدية عن الخطأ الشخصي

       ينص الفصل 263 من ق.ل.ع على أنه:

يستحق التعويض، إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، و إما بسبب التأخير في الوفاء به و ذلك و لو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين.

      و عليه نستشف أن المشرع المغربي قد اقتصر في الفصل الوارد أعلاه على ذكر مظهرين للإخلال بالتزام متى كام محله نقل حق عيني و المتمثلين في عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء، إلا أن ذلك لا يعني أن تحديده كان على سبيل الحصر، بحيث أن هناك الكثير من المظاهر التي يتحقق فيها الخطأ العقدي نحو ذلك حالة تسليم البائع شيئا معيبا للمشتري و هو يعلم مسبقا بوجود هذا العيب.

 

 

 

 

 

أما إذا كان محل الالتزام القيام بعمل فإن الفصل 261 من ق.ل.ع ينص على أن:

الالتزام بعمل يتحول عند عدم الوفاء إلى تعويض. إلا أنه إذا كان محل الالتزام عملا لا يتطلب تنفيذه فعلا شخصيا من المدين، ساغ أن يرخص للدائن في أن يحصل بنفسه على تنفيذه على نفقة المدين.

       ولا يسوغ أن تتجاوز المصروفات التي يرجع بها الدائن على المدين القدر الضروري للحصول على تنفيذ الالتزام. وإذا تجاوزت هذه المصروفات مبلغ مائة وعشرين (120) درهما وجب على الدائن أن يستأذن القاضي المختص.

أما إذا كان محل الالتزام الامتناع عن القيام بعمل فإن الفصل 262 من ق.ل.ع ينص على أنه:

إذا كان محل الالتزام امتناعا عن عمل، أصبح المدين ملتزما بالتعويض بمجرد حصول الإخلال. وزيادة على ذلك يسوغ للدائن الحصول على الإذن في أن يزيل على نفقة المدين ما يكون قد وقع مخالفا للالتزام.

ب – المسؤولية العقدية عن خطأ الغير

يقصد بالمسؤولية العقدية عن فعل الغير تلك المسؤولية التي يتحملها المدين نتيجة الإخلال بالعقد من طرف الأشخاص الذين يرتبطون به بمقتضى علاقات قانونية تستجوب حلوله محلهم في تحمل تبعات أخطائهم متى كانت متصلة بتنفيذ العقد، ففي هذه الحالة يلتزم المدين بتحمل تبعات خطأ غيره، فعلى سبيل المثال نجد أن المكتري الأساسي يتحمل نفس المسؤولية تجاه المكري عن الأخطاء الصادرة عن المكترين الفرعيين، و هذا ما ورد النص عليه في الفصل 670 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن: ” المكتري ضامن لمن تنازل له عن كراء الشيء أو أكره له تحت يده و يبقي هو نفسه متحملا في مواجهة المكري بكل الالتزامات الناشئة من العقد و لا يبقى ملتزما:

أولا – إذا قبض المكري مباشرة الكراء من يد المكتري الفرعي أو المتنازل له عن الكراء من غير أن يجري أي تحفظ ضد المكتري الأصلي؛

ثانياً – إذا قبل المكري صراحة عقد الكراء تحت اليد أو التنازل عن الكراء من غير أن يجري أي تحفظ ضد المكتري الأصلي “.

كما ينص أيضاً الفصل 901 من ق.ل.ع على أن:

الوكيل مسؤول عمن يوكل تحت يده. غير أنه إذا رخص له في أن يوكل تحت يده شخصا آخر دون أن يعين هذا الشخص، فإنه لا يكون مسؤولا إلا إذا اختار لذلك شخصا لا تتوفر فيه الصفات المطلوبة لإنجاز الوَكالة أو إذا كان قد أحسن الاختيار ولكنه أعطى لمن وكله تحت يده تعليمات كانت هي السبب في حدوث الضرر، أو إذا كان لم يراقبه مع أن مراقبته كانت ضرورية وفقا لمقتضيات ظروف الحال.

 

 

 

 

ثانيا: الضرر العقدي

لقد عرف المشرع المغربي الضرر العقدي في الفقرة الأولى من الفصل 264 من ق.ل.ع و التي ورد فيها بأن:

الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية و ما فاته من كسب متى كانا ناتجان مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام، و تقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه.

       و تبعا لذلك فإنه لكي يكون الضرر العقدي موجبا للتعويض لابد أن تتوافر فيه الشروط التالية:

1 – أن يكون الضرر العقدي شخصيا

       ينحصر التعويض عن الضرر العقدي في شخص الدائن باعتباره المتضرر المباشر بفعل الإخلال الذي ارتكبه المدين، و قد أشار المشرع إلى هذا الشرط في الفصل 264 من ق.ل.ع بقوله « الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية و ما فاته من كسب …»

و إذا كانت القاعدة هي اقتصار التعويض عن المضرور المباشر في العقد، إلا أن ذلك لا يتعارض مع إمكانية انتقال هذا الحق للورثة عن طريق الحلول محل الهالك.

2 – أن يكون الضرر العقدي مباشرا

       يتعين في الضرر أن يكون مباشرا و هذا ما يتحقق بالنسبة للأضرار التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالخطأ العقدي، أما فيما يخص الأضرار غير المباشرة فإن الإجماع قد حصل في ميدان الفقه و القضاء على عدم جواز استحقاق التعويض عنها لا فرق في ذلك بين المسؤولية العقدية    و التقصيرية، و عليه نجد أن الفصل 264 من ق.ل.ع قد أشار إلى عنصر المباشرة في الضرر و ذلك من خلال الصيغة التالية « …..متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام »

3 – أن يكون الضرر العقدي محققا

       الضرر المحقق هو الذي وقع فعلا أو وقعت أسبابه و لكن آثاره تراخت إلى المستقبل و سبب تعويض الضرر المستقبل هو وجود أدلة تؤكد وقوعه في المستقبل لا محالة، أما الضرر المحتمل الوقوع فإنه لا يستجوب التعويض لعدم وجود ما يقطع بحصوله في المستقبل، أما بخصوص ما يسمى بضياع الفرصة فهي تندرج ضمن ما يسمى بفوات الكسب المنصوص عليه في الفصل 264 من ق.ل.ع.

إلا أن تقدير مدى أهمية الفرصة و جديتها يعد من الأمور الموكلة دائما لفطنة القاضي.

4 – أن يكون الضرر العقدي متوقعا

       يقصد بالضرر المتوقع ذلك الضرر الذي كان منتظر الحدوث عند إبرام العقد، فخلافا للمسؤولية التقصيرية التي يعوض فيها حتى ولو كان الضرر مباشرا غير متوقع، فإن التعويض في نطاق المسؤولية العقدية يقتصر على الضرر المباشر المتوقع عند إبرام العقد، مثال ذلك        « حالة المقاول الذي غادر ورش البناء الأمر الذي سبب لرب العمل تأخرا في إنجاز المشروع و نتيجة لهذا التأخر فسدت مواد البناء التي كانت معدة الاستعمال »

ففي هذه الفرضية يعتبر مغادرة المقاول للورش باعتباره إخلالا بالعقد يعد بمثابة الضرر المباشر الذي لحق رب العمل، أما عن فساد مواد البناء نتيجة لهذا التأخر فيعد بمثابة الضرر المباشر غير المتوقع لذلك فهو لا يستحق التعويض لأن رب العمل كان بإمكانه التصرف فيها بالبيع أو حفظها في أماكن أمينة.

و عليه فإنه إذا كانت القاعدة العامة في الضرر العقدي غير المتوقع هي عدم قابليته للتعويض إلا أن هذا الضرر إذا نشأ بناء على ممارسة المدين للتدليس أو وقوعه في خطأ جسيم فإنه يكون موجبا للتعويض و ذلك معاملة للمدين بنقيض قصده، و هذا ما يستفاد من من خلال مقتضيات الفصل 264 من ق.ل.ع و الذي ورد فيه على أن: تقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول لفطنة المحكمة التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثالثاً: العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر

لا يكفي لتحقق المسؤولية العقدية أن يكون هناك ضرر و خطأ، و إنما يلزم أن يكون هذا الخطأ هو الذي تسبب في وقوع هذا الضرر، و إذا كانت العبرة بالسبب المباشر الذي تولد عنه الضرر، إلا أن باقي الأسباب الأخرى قد يكون لها بعض الدور في حصول الضرر العقدي، الأمر الذي يحتم على القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار و لو في حدود النسبة التي ساهمت بها في وقوع الضرر.

و تبعا لذلك فإن مسألة استخلاص العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر تعد من أمور الواقع التي تكون متروكة للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع، بحيث لا يخضعون فيها لرقابة قضاء النقض.

1 – إثبات العلاقة السببية

في الأحوال العادية للمسؤولية العقدية فإن عبء إثبات العلاقة السببية يقع على عاتق الدائن الذي يطالب المدين بالتعويض عن الأضرار المترتبة عن الإخلال بالعقد (موقف قضاء النقض) بيد أنه في حالات استثنائية لا يلزم الدائن إلا بإثبات الضرر العقدي الذي أصابه و يتحقق هذا الأمر عندما يفترض الخطأ في جانب المدين، و من الأمثلة على ذلك نذكر المسؤولية الملقاة على عاتق المعماريين في إطار ما يسمى بالضمان العشري[65]، و كذا مسؤولية الناقل البري[66]

2 – نفي العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر

إذا أراد المدين أن يتحلل من المسؤولية التعاقدية فعليه أن يثبت أن الضرر الذي أصاب الدائن كان نتيجة سبب أجنبي لا يد له فيه كالقوة القاهرة و الحادث الفجائي أو خطأ الدائن       أو الغير، و في هذا الإطار ينص الفصل 268 من ق.ل.ع على أنه:

لا محل لأي تعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه كالقوة القاهرة و الحادث الفجائي أو مطل الدائن.

أ – القوة القاهرة و الحادث الفجائي لم يميز المشرع المغربي بين القوة القاهرة و الحادث الفجائي لا من حيث شروطها أو آثارهما، و تبعا لذلك فإنه يقصد بالقوة القاهرة حسب مقتضيات الفصل 269 من ق.ل.ع « كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية            ( الفيضانات و الجفاف و العواصف و الحرائق و الجراد) و غارات العدو و فعل السلطة          و يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، و لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه   و كذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين »

و تبعا لذلك فإنه إذا كانت القوة القاهرة و الحادث الفجائي سببا مانع لترتيب المسؤولية التعاقدية على المدين فإن هذا الأخير لكي يستفد منها يجب ألا يكون عند حدوثها في حالة مطل و هذا ما أشار إليه الفصل 266 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن:

المدين الموجود في حالة مطل يكون مسؤولا عن الحادث الفجائي و القوة القاهرة.

ب – مطل الدائن: لقد تناول المشرع المغربي تنظيم أحكام مطل الدائن في الفصول من 270 إلى 274 من ق.ل.ع و التي جاء فيها ما يلي:

ينص الفصل 270 على أنه:

       يكون الدائن في حالة مَطْـل إذا رفض دون سبب معتبر قانونا استيفاء الأداء المعروض عليه من المدين أو من شخص آخر يعمل باسمه، على الكيفية المحددة في السند المنشئ للالتزام أو التي تقتضيها طبيعته.

سكوت الدائن أو غيابه عندما تكون مشاركته ضرورية لتنفيذ الالتزام يعتبر رفضا منه.

ينص الفصل 271 على أنه:

       لا يكون الدائن في حالة مَطْـل إذا كان المدين، في الوقت الذي يعرض فيه أداء الالتزام غير قادر في الواقع على أدائه.

ينص الفصل 272 على أنه:

لا يكون الدائن في حالة مَطْـل برفضه مؤقتا قبض الشيء:

1 – إذا كان حلول أجل الالتزام غير محدد؛

2 – أو إذا كان للمدين الحق في أن يبرئ ذمته قبل الأجل المقرر.

غير أنه إذا كان المدين قد أخطر الدائن، في أجل معقول بنيته في تنفيذ الالتزام، فإن الدائن يكون في حالة مَطْـل، ولو رفض مؤقتا قبض الشيء المعروض عليه.

ينص الفصل 273 على أنه:

       ابتداء من الوقت الذي يصبح فيه الدائن في حالة مَطْـل، تقع عليه مسؤولية هلاك الشيء أو تعيبه، ولا يكون المدين مسؤولا إلا عن تدليسه وخطإه الجسيم.

ينص الفصل 274 على أنه:

       ليس على المدين أن يرد إلا الثمار التي جناها فعلا أثناء مَطْـل الدائن. وله من ناحية أخرى الحق في استرداد المصروفات الضرورية التي اضطر إلى إنفاقها لحفظ الشيء وصيانته، وكذلك مصروفات العروض المقدمة منه.

 

 

 

 

 

الفقرة الثانية: الاتفاقات المعدلة للمسؤولية العقدية

خلافا لقواعد المسؤولية التقصيرية التي تعد من النظام العام، و بالتالي فلا مجال للاتفاق على عكس ما قرره المشرع بشأنها من أحكام، فإن الوضع ليس كذلك بالنسبة لقواعد المسؤولية العقدية، حيث أن الأصل في هذا الميدان هو حرية الأطراف المتعاقدة في تعديل أحكام المسؤولية العقدية سواء تعلق الأمر بتشديد هذه المسؤولية أو التخفيف منها، و قد يصل ذلك إلى حد إعفاء المدين منها مطلقا، إلا أن هذا الأصل ترد عليه مجموعة من الاستثناءات التي حد فيها المشرع من سلطان الإرادة بخصوص مسألة تعديل قواعد المسؤولية العقدية.

أولاً: مبدأ جواز الاتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية

      القاعدة العامة في ميدان المسؤولية العقدية هي جواز الاتفاق على تعديل أحكام هذه المسؤولية، و يتخذ هذا الاتفاق أكثر من مظهر قانوني، فهو يهدف إما إلى تشديد المسؤولية      ( أ )، و إما إلى الاعفاء منها كليا أو جزئيا ( ب )، أو على الأقل تحديدها في إطار الشرط الجزائي ( ج ).

أ – الاتفاق على تشديد المسؤولية و الضمان العقدي

يمكن للأطراف المتعاقدة اللجوء إلى التشديد في أحكام المسؤولية العقدية، و ذلك بإدراج شرط في العقد المبرم أو بإنشاء اتفاق مستقل عن العقد، يقضي بمسؤولية المدين في حالة تكون فيها مسؤوليته غير واردة بموجب القواعد العامة، ففي عقد البيع مثلا يمكن للمشتري أن يدرج في العقد شرطا يحمل البائع تبعة ضمان العيوب البسيطة أو الظاهرة، كما يمكن للدائن في العقد أن يشترط مسؤولية المدين عن عدم تنفيذ التزاماته حتى في حالة القوة القاهرة و الحادث الفجائي

ب – الاتفاق على الإعفاء أو التخفيف من المسؤولية التعاقدية

      يمكن أن يحصل الاتفاق بين الأطراف المتعاقدة على إعفاء المدين من أية مسؤولية[67]       أو على الأقل التخفيف من منها كتقليص حجم التعويض أو جعله منحصرا في نوع معين من الأضرار دون غيرها.

 

 

 

 

 

ج – الاتفاق على تحديد نطاق الضمان التعاقدي ( الشرط الجزائي)

      عندما يتضمن العقد شرطا جزائيا يتحمل المدين بمقتضاه أداء تعويض اتفاقي للدائن في حالة الإخلال بالالتزام أو التأخر في تنفيذه، و هذا ما نص عليه الفصل 264 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أنه:

 يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا و التأخير في تنفيذه.

      يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي.

ثانياً: الاستثناءات الواردة على المبدأ السابق

بالرغم من أن المبدأ العام يقضي بجواز الاتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية في إطار مبدأ سلطان الإرادة، إلا أن حرية الأطراف المتعاقدة ليست مطلقة في هذا الميدان و إنما هي مقيدة بمجموعة من الضوابط القانونية التي تشكل في مجملها ما يسمى بالنظام العام الذي يعتبر بمثابة قيد يحد من حرية المتعاقدين في مجال الشروط المعفية و المخففة من المسؤولية       و من خلال الاطلاع على نوعية هذه الشروط، يمكن القول على أن حظرها يرجع إلى أحد الأسباب الثلاثة الآتية:

1 – حالة ارتباط الشرط بإعفاء المدين من التدليس و الخطأ الجسيم

ينص الفصل 232 من ق.ل.ع على أنه:

لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطإه الجسيم أو تدليسه.

و تبعا لذلك فإن المسؤولية الناتجة عن الخطأ العمدي ( عدم التنفيذ الإرادي ) أو الخطأ الجسم لا يمكن الإعفاء منها نتيجة لشرط عدم الضمان، حيث يحتفظ الدائن بحق مطالبة المدين بأداء التعويضات رغم كل شرط مخالف، و يرجع السبب في ذلك إلى أن إعفاء المدين من تدليسه      و خطإه يعتبر بمثابة سوء نية يفرض معاملته بنقيض قصده.

2 – حالة مساس الشرط بسلامة و أمن الأفراد

       تعتبر الشروط التي تقضي بالإعفاء من الضمان و المسؤولية العقدية عندما يكون لها مساس بسلامة و أمن الأشخاص باطلة، و من الأمثلة على ذلك ما أشارت إليه المادة 485 من مدونة التجارة و التي ورد فيها على أنه: ” يسأل الناقل عن الأضرار اللاحقة بشخص المسافر خلال النقل، و لا يمكن اعفاؤه من هذه المسؤولية إلا بإثبات حالة القوة القاهرة أو خطأ المتضرر “.

و تبعا لذلك فإن كل شرط يتم بموجبه إعفاء الناقل عن الأضرار التي قد تلحق بشخص المسافر يعتبر باطلا و عديم الأثر.

 

 

3 – حالة مساس الشرط بواجب المحافظة على الامانات و الودائع

إن واجب المحافظة على الامانات و الودائع سواء كان مؤدى عنها أم لا يقتضي من المودع أن يسهر على حفظ الوديعة بنفس العناية التي يبذلها في حراسة أشياءه الخاصة، و أي تقصير في بذل هذه العناية إلا و يحمله نتائج المسؤولية المترتبة على ذلك، و نظرا لأن احتمال حصول هذا التقصير سيزداد بمجرد إدراج شرط عدم الضمان في صلب العقد، فإن المشرع المغربي قد بادر إلى إقرار بطلان هذه الشروط المعفية من الضمان و المسؤولية من ذلك مثلا حالة المودع عنده [68] و كذا حالة صاحب الفنادق و المقاهي[69] و أيضاً حالة الناقل للأشياء[70].

و جدير بالذكر إلى أن بطلان الشرط المعفي من المسؤولية أو المخفف منها لا يستجوب بطلان العقد الذي كان يتضمن هذا الشرط، فالعقد سيبقى صحيحا منتجا لآثاره القانونية ما لم يثبت أن الشرط الباطل كان هو السبب الدافع إلى التعاقد.

 

 

 

 

[1] – فحق الملكية على دار مثلا يسمح للمالك استعمال هذه الدار و استغلالها و التصرف فيها، و كل ذلك دون توقف على أحد أو تدخل من أي كان.

[2] – و في الوديعة بغير أجر يلتزم الوديع بالمحافظة على الوديعة وردها و لا يلتزم المودع بشيء، غير أنه في حالة ما إذا اضطر الوديع لانفاق بعض المصروفات في سبيل المحافظة على الوديعة و صيانتها من الهلاك أو التلف، يصبح من حقه الزام المودع بهذه المصروفات ففي هذه الحالة يصبح الوديع مدينا بالوديعة و دائنا بالنفقات، و يصبح المودع دائنا بالوديعة و مدينا بالنفقات، و مع ذلك تبقى الوديعة بغير أجر عقدا غير تبادلي لأن التزام المودع بالنفقات لم ينشأ مباشرة عن العقد و إنما تولد عن ظروف طرأت فيما بعد و أن العقد حتى يتصف بالطابع التبادلي يجب أن يكون هو المصدر المباشر للالتزامات المترتبة على الطرفين المتعاقدين.

[3] – و أيضا إذا كان محل عقد الشركة عقارات أو غيرها من الأموال مما يمكن رهنه رهنا رسمياً و أبرمت لتستمر أكثر من ثلاث سنوات وجب أن يحرر العقد كتابة و أن يسجل على الشكل الذي يحدده القانون ( الفصل 987 من ق.ل.ع ).

[4] – من الأمثلة على ذلك نجد عقد العمل الجماعي الذي تبرمه النقابة بالنيابة عن العمال.

[5] – مثال ذلك اعتياد تاجر على طلب توريد بضاعة معينة من شركة، و أن تكون هذه الأخيرة قد اعتادت على الاستجابة لطلب التاجر دون أن يسبق ذلك إشعار بالقبول، فإنه في حالة ما إذا طلب التاجر بضاعة مما يدخل في نطاق المعاملات السابقة و سكتت الشركة كعادتها عن الرد، حق للتاجر أن يعتبر سكوت الشركة بمثابة القبول.

[6] – قرار صادر عن قضاء النقض في ملف مدني عدد 316، الصادر بتاريخ 25 يونيو 1969.

[7] – ينبغي التمييز في هذا المقام بين قاعدتين، قاعدة إبطال الالتزام لغلط في القانون و قاعدة عدم جواز الاعتداد بجهل القانون فهذه الأخيرة يقصد منها أن أحد لا يستطيع التهرب من تطبيق القانون عليه بحجة جهله وجود هذا القانون أو بحجة جهله لأحكامه، أما الإبطال لغلط في القانون فليس فيه أي معنى لاستبعاد تطبيق القانون و التهرب من أحكامه، و إنما يهدف إلى التحلل من عقد أبرم في ظروف جعلت أحد المتعاقدين يعتقد الواقع القانوني خلاف ما هو عليه فيتعاقد على أساس هذا الواقع الخاطئ و تعاب إرادته.

[8] – ينص الفصل 73 من ق.ل.ع على أن: ” الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو لالتزام معنوي لا يخول الاسترداد إذا كان الدافع متمتعا بأهلية التصرف على سبيل التبرع، و لو كان يعتقد عن غلط أنه ملزم بالدفع، أو كان يجهل واقعة التقادم”.

[9] – ينص الفصل 1112 من ق.ل.ع على أنه: ” لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون، و لا يجوز الطعن فيه بسبب الغبن إلا في حالة التدليس “.

[10] – ينص الفصل 430 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا وقع خطأ أو تحريف أو تأخير في نسخ البرقية، طبقت القواعد العامة المتعلقة بالخطأ، و يفترض عدم وقوع الخطأ من مرسل البرقية، إذا كان قد طلب مقابلتها مع الأصل أو أرسلها مضمونة وفقاً الضوابط التلغرافية “.

[11] – قد يكون الطرف المتضرر هو الشخص الذي تعاقد مع الوسيط و الذي تضرر من إبطال العقد للغلط الناتج عن خطأ الوسيط و قد يكون الطرف المتضرر هو المتعاقد الذي استخدم الوسيط.

[12] – ينص الفصل 77 من ق.ل.ع على أن: ” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.

وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر “.

[13] – ينص الفصل 78 من ق.ل.ع على أن: ” الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها “.

[14] – ينص الفصل 80 من ق.ل.ع على أن: ” مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.

ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها “.

 

[15] – كأن يخلط شخص الحليب بالماء و يعرضه للبيع على أنه حليب خالص.

[16] – كأن يستعمل تاجر وسائل احتيالية يوهم فيها من اشترى منه البضاعة أنه سوف يسلمه إياها من حيث الصنف و الجودة المتفق عليها في العقد، في حين يسلمه بضاعة من درجة أردأ.

[17] – يطلق على التدليس في المادة الجنائية بجريمة النصب و الاحتيال و المنصوص عليها و على عقوبتها في الفصل 540 من القانون الجنائي و الذي جاء فيه على أنه: ” يعد مرتكبا لجريمة النصب و يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره و يدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر، و ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف و الحظ الأقصى للغرامة إلى مائة ألف درهم إذا كان مرتكب الجريمة أحد الأشخاص الذين استعانوا بالجمهور في إصدار أسهم أو سندات أو اذونات أو حصص أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة بشركة أو بمؤسسة تجارية أو صناعية “.

[18] – ينص الفصل 5 من ق.ل.ع على أنه: ” يجوز للقاصر و لناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا و لو بغير مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم، بمعنى أنه يجوز لهما أن يقبلا الهبة أو أي تبرع آخر من شأنه أن يثريهما أو يبرئهما من التزام دون أن يحملهما أي تكليف “.

[19] – ينص الفصل 4 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا تعاقد القاصر و ناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها، و لهما أن يطلبا إبطالها وفقاً للشروط المقررة بمقتضى هذا الظهير، غير أنه يجوز تصحيح الالتزامات الناشئة عن تعهدات القاصر أو ناقص الأهلية إذا وافق الأب أو الوصي أو المقدم على تصرف القاصر أو ناقص الأهلية، و يجب أن تصدر الموافقة على الشكل الذي يقتضيه القانون “.

ينص الفصل 6 من ق.ل.ع على أنه: ” يجوز الطعن في الالتزام من الوصي أو من القاصر بعد بلوغه رشده، و لو كان هذا الأخير قد استعمل طرقا احتيالية من شأنها أن تحمل المتعاقد الآخر على الاعتقاد برشده أو بموافقة وصيه أو بكونه تاجرا و يبقى القاصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من الالتزام، و ذلك بمقتضى الشروط المقررة في هذا الظهير “.

ينص الفصل 10 من ق.ل.ع على أنه: ” لا يجوز للمتعاقد الذي كان أهلا للالتزام أن يحتج بنقص أهلية الطرف الذي تعاقد معه “.

[20] – و أيضا إذا كان محل عقد الشركة عقارات أو غيرها من الأموال مما يمكن رهنه رهنا رسمياً و أبرمت لتستمر أكثر من ثلاث سنوات وجب أن يحرر العقد كتابة و أن يسجل على الشكل الذي يحدده القانون ( الفصل 987 من ق.ل.ع )

[21] – تنص الفقرة الثانية من الفصل 61 من ق.ل.ع على أنه: ”  مع ذلك لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة، و لا إجراء أي تعامل فيها أو في شيء مما تشتمل عليه و لو حصل برضاه، و كل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا “.

[22] – ينص الفصل 870 من ق.ل.ع على أن: ” اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل و مبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذه وسيطا له “.

[23] – ينص الفصل 1034 من ق.ل.ع على أن: ” كل شرط من شأنه أن يمنح أحد الشركاء نصيبا في الأرباح أو الخسائر أكبر من النصيب الذي يتناسب مع حصته في رأس المال يكون باطلا و مبطلا لعقد الشركة نفسه، و للشريك الذي يتضرر من وجود شرط من هذا النوع أن يرجع على الشركة في حدود ما لم يقبضه من نصيبه في الربح، أو ما دفعه زائدا على نصيبه في الخسارة مقدرا في كلتا الحالتين بنسبة حصته في رأس المال “.

[24] – ينص الفصل 1131 من ق.ل.ع على أنه: ” من أسس الكفالة أن تعقد بغير أجر، و كل شرط يقضي بإعطاء الكفيل أجرا عن كفالته يقع باطلا و يترتب عليه بطلان الكفالة نفسها، و يستثنى من هذه القاعدة الكفالة التي تعقد بين التجار و لأغراض التجارة إذا سمح العرف بإعطاء أجر عنها “.

[25] – ينص الفصل 1035 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا تضمن العقد منح أحد الشركاء كل الربح كانت الشركة باطلة، و اعتبر العقد متضمنا تبرعا ممن تنازل عن نصيبه في الربح، و يبطل الشرط الذي من شأنه إعفاء أحد الشركاء من كل مساهمة في تحمل الخسائر و لكن لا يترتب عليه بطلان العقد “.

[26] – تنص المادة 57 من مدونة الأسرة على أنه: ” يكون الزواج باطلا:

1- إذا اختل فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10 أعلاه ؛

2- إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39 أعلاه؛

3- إذا انعدم التطابق بين الإيجاب و القبول.

[27] – تنص المادة 59 من المدونة على أنه: ” يكون الزواج فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60    و 61 بعده، و منه ما يفسخ قبل البناء و يصحح بعده، و منه ما يفسخ قبل البناء و بعده “.

– تنص المادة 60 من المدونة على أنه: ” يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء و لا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية و  يصحح بعد البناء بصداق المثل، و تراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين “.

– تنص المادة 61 من  المدونة على  أنه: ” يفسخ الزواج الفاسد لعقده قبل البناء و بعده، و ذلك في الحالات الآتية:

– إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين، إلا أن يشفى المريض بعد الزواج؛

– إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبتوتة لمن طلقها ثلاثا؛

– إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه.

يعتد بالطلاق أو التطليق الواقع في الحالات المذكورة أعلاه، قبل صدور الحكم بالفسخ “.

[28] – المقصود بالبطلان في هذا الفصل، البطلان النسبي أي الإبطال.

[29] – هذا مع ملاحظة الاستثناء المتعلق بالإبطال المقرر لمصلحة القاصر و ناقص الأهلية حيث لا يلزم هذا الأخير إلا برد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد، و هذا ما قرره الفصل 9 من ق.ل.ع الذي جاء فيه على أن: ” القاصر و ناقص الأهلية يلتزمان دائما بسبب تنفيذ الطرف الآخر التزامه و ذلك في حدود النفع الذي يستخلصانه من هذا التنفيذ، و يكون هناك نفع إذا أنفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات الضرورية أو النافعة، أو إذا كان هذا الشيء لا يزال موجودا في ماله “.

[30] – قد يتخذ متعاقدان صفة المودع و الوديع و يطلقان على نفسهما هذه الصفة في العقد، في حين أن نية الطرفين كانت منصرفة إلى إبرام عقد قرض فيما بينهما.

[31] – كأن ينص في العقد على أن أحد المتعاقدين تخلى عن مال له و سلمه للمتعاقد الآخر، دون بيان ما إذا كان المقصود من ذلك إعارة أو هبة.

[32] – كأن يذكر مثلا في أحد بنود العقد أن مالك العقار قد وهبه لآخر، و أن يذكر في بند لاحق أن هذا الطرف الآخر قد التزم لقاء ثمن العقار المذكور أن يدفع مبلغا من المال إلى مالك العقار، بحيث يثور الشك حول معرفة ما إذا كنا إزاء هبة بعوض أم بصدد بيع عادي.

[33] – وفقاً للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن العبر في العقود بالمقاصد و المعاني لا بالألفاظ و المباني.

[34] – ينص الفصل 931 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه: ” للموكل أن يلغي الوكالة متى شاء، و كل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر بالنسبة إلى المتعاقدين و إلى الغير على حد سواء، و لا يمنع اشتراط الأجر من مباشرة الحق إلا أنه:

أولا – إذا كانت الوكالة قد أعطيت في مصلحة الوكيل أو في مصلحة الغير لم يسع للموكل أن يلغيها إلا بموافقة من أعطيت في مصلحته؛

ثانياً – لا يسوغ عزل وكيل الخصومة متى أصبحت الدعوى جاهزة للحكم

[35] – ينص الفصل 935 من ق.ل.ع على أنه: ” لا يحق للوكيل التنازل عن الوكالة إلا إذا أخطر به الموكل، و هو مسؤول عن الضرر الذي يرتبه هذا التنازل للموكل، إذا لم يتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على مصالحه محافظة تامة إلى أن يتمكن من رعايتها بنفسه “.

[36] – ينص الفصل 794 من ق.ل.ع على أنه: ” لا يجوز للمودع عنده أن يجبر المودع على استرداد الوديعة قبل الأجل المتفق عليه ما لم تدعه إلى ذلك مبررات خطيرة، و لكن يجب عليه أن يرد الوديعة للمودع بمجرد أن يطلب هذا منه ردها و لو كان الاتفاق قد حدد أجلا معينا لرد الوديعة “.

[37] – ينص الفصل 797 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا لم يحدد لرد الوديعة أجل، كان للمستودع أن يردها في أي وقت شاءه بشرط ألا يحصل منه ذلك الرد في وقت غير لائق، و بشرط أن يمنح المودع أجلا كافيا لاسترداد وديعته أو لاتخاذ ما تقتضيه الظروف من إجراءات “.

[38] – ينص الفصل 244 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا لم يعين الشيء إلا بنوعه لم يكن المدين ملزما بأن يعطي ذلك الشيء من أحسن نوع كما لا يمكنه أن يعطيه من أردئه “.

[39] –  ينص الفصل 517 من ق.ل.ع على أن: ” بيع الأرض يشمل ما يوجد فيها من مباني وأشجار، كما يشمل المزروعات التي لما تنبت، والثمار التي لما تعقد.

ولا يشمل البيع الثمار المعقودة، ولا المحصولات المعلقة بالأغصان أو الجذور ولا النباتات المغروسة في الأوعية ولا تلك المعدة لقلعها وإعادة غرسها، ولا الأشجار اليابسة التي لا ينتفع بها إلا خشبا، ولا الأشياء المدفونة بفعل الإنسان والتي لا يرجع عهدها إلى قديم الزمان “.

[40]  ينص الفصل 518 من ق.ل.ع على أن: ” بيع البناء يشمل الأرض التي أقيم عليها، كما يشمل ملحقاته المتصلة به اتصال قرار كالأبواب والنوافذ والمفاتيح التي تعتبر جزءا متمما للأقفال. ويشمل كذلك الأرحية والأدراج والخزائن المثبتة فيه، وأنابيب المياه والمواقد المثبتة بجدرانه.

ولا يشمل بيع البناء الأشياء غير الثابتة التي يمكن إزالتها بلا ضرر، ولا مواد البناء المجمعة لإجراء الإصلاحات ولا تلك التي فصلت عنه بقصد استبدال غيرها بها “.

 

[41] – تنص المادة 329 من مدونة الأسرة على أن: ” أسباب الإرث كالزوجية و القرابة أسباب شرعية لا تكتسب بالتزام و لا بوصية، فليس لكل من الوارث أو الموروث إسقاط صفة الوارث أو الموروث و لا التنازل عنه للغير”.

[42] – ينص الفصل 22 من ق.ل.ع على أن:” الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة  لا يكون لها أثر إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما، فلا يحتج بها على الغير، إذا لم يكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل “.

[43] – ينص الفصل 115 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا مات المتعاقد الذي احتفظ لنفسه بخيار الفسخ قبل فوات الأجل المحدد لمباشرته، من غير أن يعبر عن إرادته، كان لورثته الخيار بين الإبقاء على العقد وبين فسخه، خلال الوقت الذي كان باقيا لموروثهم.

وإذا اختلف الورثة، فلا يسوغ للراغبين منهم في الإبقاء على العقد أن يجبروا الآخرين على قبوله، وإنما يجوز لهم أن يأخذوا العقد كله لحسابهم الشخصي “.

[44] – ينص الفصل 929 من ق.ل.ع على أنه: ” تنتهي الوَكالة:

أولا – بتنفيذ العملية التي أعطيت من أجلها؛

ثانيا – بوقوع الشرط الفاسخ الذي علقت عليه، أو بفوات الأجل الذي منحت لغايته؛

ثالثا – بعزل الوكيل؛

رابعا – بتنازل الوكيل عن الوَكالة؛

خامسا – بموت الموكل أو الوكيل؛

سادسا – بحدوث تغيير في حالة الموكل أو الوكيل من شأنه أن يفقده أهلية مباشرة حقوقه، كما هي الحال في الحَجْر والإفلاس . وذلك ما لم ترد الوَكالة على أمور يمكن للوكيل تنفيذها، برغم حدوث هذا التغيير في الحالة؛

سابعا – باستحالة تنفيذ الوَكالة لسبب خارج عن إرادة المتعاقدين “.

[45] – ينص الفصل 1051 من ق.ل.ع على أنه: ” تنتهي الشركة:

أولا – بانقضاء المدة المحددة لها أو حصول ما يقتضي فسخها من شرط أو غيره؛

ثانيا – بتحقق الأمر الذي أنشئت من أجله أو باستحالة تحققه؛

ثالثا – بهلاك المال المشترك هلاكا كليا، أو بهلاكه هلاكا جزئيا يبلغ من الجسامة حدا بحيث يحول دون الاستغلال المفيد؛

رابعا – بموت أحد الشركاء أو بإعلان فقده قضاء أو بالحَجْر عليه ما لم يكن قد وقع الاتفاق على استمرار الشركة مع ورثته أو نائبيه أو على استمرارها بين الباقين من الشركاء على قيد الحياة؛

خامسا – بإشهار إفلاس  أحد الشركاء أو تصفيته قضائيا؛

سادسا – باتفاق الشركاء جميعا؛

سابعا – بانسحاب واحد أو أكثر من الشركاء في حالة ما إذا كانت مدة الشركة غير محددة، إما بمقتضى العقد، وإما بحسب طبيعة العمل الذي قامت الشركة لأجله؛

ثامنا – بحكم القضاء في الأحوال المنصوص عليها في القانون “.

[46] – يلاحظ أن المشرع المغربي اشترط لتكون حوالة الحق شاملة الرهون و الكفالات أن يتضمن عقد الحوالة نصا صريحا يقضي بذلك و ذلك وفقاً لمقتضيات الفصل 200 من ق.ل.ع الذي ينص على أن: ” حوالة الحق تشمل توابعه المتممة له، كالامتيازات مع استثناء ما كان منها متعلقا بشخص المحيل، و هي لا تشمل الرهون الحيازية على المنقولات و الرهون الرسمية و الكفالات إلا بشرط صريح، و تشمل الحوالة دعاوى البطلان أو الإبطال التي كانت للمحيل و يفترض فيها أنها تشمل كذلك الفوائد التي حلت و لم تدفع ما لم يشترط غير ذلك أو تقضي العادة بخلافه، و لا يطبق هذا الحكم الأخير على المسلمين.

و الكفالة المقدمة ضمانا للالتزام لا تمكن حوالتها إذا لم يحول هذا الأخير “.

[47] – ينص الفصل 22 من ق.ل.ع على أن:” الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة  لا يكون لها أثر إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما، فلا يحتج بها على الغير، إذا لم يكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل “.

[48] – ينص الفصل 291 من ق.ل.ع على أن: ” حق الحبس هو حق حيازة الشيء المملوك للمدين، و عدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن، و لا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون “.

[49] – أما التعهد عن الغير فيراد به إبرام شخص عقدا باسمه يتعهد فيه بحمل الغير على قبول الالتزام بأمر معين تحت طائلة تحمل المسؤولية تجاه المتعاقد الآخر في حالة رفض هذا الغير أن يلتزم.

[50] – ينص الفصل 228 من ق.ل.ع على أن: ” الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، فهي لا تضر الغير و لا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون “.

[51] – ينص الفصل 443 من ق.ل.ع على أن : ” الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ         أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية “.

[52] – ينص الفصل 444 من ق.ل.ع على أنه: ” (ظهير 6 يوليوز 1954) لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين، شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج، ولو كان المبلغ والقيمة  يقل عن القدر المنصوص عليه في الفصل 443.

وتستثنى من هذه القاعدة الحالة التي يراد فيها إثبات وقائع من شأنها أن تبين مدلول شروط العقد الغامضة أو المبهمة          أو تحدد مداها، أو تقيم الدليل على تنفيذها “.

[53] – ينص الفصل 447 من ق.ل.ع على أنه: ” لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق عندما توجد بداية حجة بالكتابة.

وتسمى بداية حجة بالكتابة كل كتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المدعاة قريبة الاحتمال إذا كانت صادرة ممن يحتج بها عليه أو ممن انجر إليه الحق عنه أو ممن ينوب عنه.

وتعتبر صادرة من الخصم كل حجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة في محرر أو في حكم قضائي صحيحين شكلا “.

[54] – ينص الفصل 448 من ق.ل.ع على أنه: ” استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:

1 – في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له أو للتحلل من التزام عليه، نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة أو سرقة. وتخضع الأوراق النقدية والسندات لحاملها لأحكام خاصة؛

2 – إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها الالتزامات ناشئة عن أشباه العقود وعن الجرائم أوأشباه الجرائم والحالة التي يراد فيها إثبات وقوع غلط مادي في كتابة الحجة أو حالة الوقائع المكونة للإكراه أو الصورية أو الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني وكذلك الأمر بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.

تقدير الحالات التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على الدليل الكتابي موكول لحكمة القاضي “.

 

[55] – ينص الفصل 573 من ق.ل.ع على أن: ” كل دعوى ناشئة عن العيوب الموجبة للضمان أو عن خلو المبيع من الصفات الموعود بها يجب أن ترفع في الآجال الآتية، وإلا سقطت:

بالنسبة إلى العقارات، خلال 365 يوما بعد التسليم؛

بالنسبة إلى الأشياء المنقولة والحيوانات خلال 30 يوما بعد التسليم بشرط أن يكون قد أرسل للبائع الإخطار المشار إليه في الفصل 553.

ويسوغ تمديد هذه الآجال أو تقصيرها باتفاق المتعاقدين، وتسري أحكام الفصول 371 إلى 377 على سقوط دعوى ضمان العيب “.

 

[56] – الدفع بعدم التنفيذ يرتبط ارتباطا وثيقا بالعقود الملزمة لجانبين، في حين أن حق الحبس قد يكون مقبولاً في هذا النوع من العقود كما أنه خلافا للدفع بعدم التنفيذ فإن الحق في الحبس يستلزم أن يكون المال في حيازة الدائن و أن يكون الدين ناشئا من معاملات قائمة بين الطرفين أو مرتبطا بالشيء المحبوس، بينما الدفع بعدم التنفيذ قد يتحقق حتى ولو كان المال في حيازة المدين أو أي شخص من الغير.

[57] – ينص الفصل 254 من ق.ل.ع على أنه: ” يكون المدين في حالة مطل إذا تأخر عن تنفيذ التزامه كليا أو جزئيا من غير سبب مقبول “.

[58] – ينص الفصل 387 من ق.ل.ع على أن: ” كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمسة عشر سنة فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة “.

[59] – جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 09 نونبر 1927 على أنه: ” بالرغم من أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية للاستجابة إلى طلب الأجل الاستعطافي أو رفضه، فإنه يبقى مع ذلك خاضعا لرقابة الاستئناف فيما يرجع لاحترام الشروط القانونية التي تطلبها المشرع.

[60] – ينص الفصل 117 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا علق التزام على شرط حصول أمر في وقت محدد، اعتبر هذا الشرط متخلفا إذا انقضى دون أن يقع الأمر، و في هذه الحالة لا يجوز للمحكمة أن تمدد الأجل.

و إذا لم يحدد أي أجل أمكن أن يتحقق الشرط في أي وقت، و لا يعتبر متخلفا إلا إذا أصبح مؤكدا أن الأمر لن يقع “.

-تنص الفقرة الأولى من الفصل 139 من ق.ل.ع على أنه: ” يفقد المدين مزية الأجل إذا أشهر إفلاسه، أو أضعف بفعله الضمانات الخاصة التي سبق له أن أعطاها بمقتضى العقد، أو لم يعطي الضمانات التي وعد بها، و يطبق نفس الحكم على الحالة التي يكون المدين فيها قد أخفى عن غش التكاليف و الامتيازات السابقة التي تضعف الضمانات المقدمة منه “.

[61] – ينص الفصل 556 من ق.ل.ع على أنه: ” إذا ثبت الضمان، بسبب العيب أو بسبب خلو المبيع من صفات معينة كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن، وإذا فضل المشتري الاحتفاظ بالمبيع، لم يكن له الحق في أن ينقص من الثمن.

وللمشتري الحق في التعويض:

أ – إذا كان البائع يعلم عيوب المبيع أو يعلم خلوه من الصفات التي وعد بها ولم يصرح بأنه يبيع بغير ضمان. ويفترض هذا العلم موجودا دائما إذا كان البائع تاجرا أو صانعا، وباع منتجات الحرفة التي يباشرها؛

ب – إذا صرح البائع بعدم وجود العيوب، ما لم تكن العيوب قد ظهرت بعد البيع أو كان يمكن للبائع أن يجهلها بحسن نية؛

ج – إذا كانت الصفات التي ثبت خلو المبيع منها قد اشترط وجودها صراحة أو كان عرف  التجارة يقتضيها “.

[62] – ينص الفصل 335 من ق.ل.ع على أنه: ” ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا، استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطإه و قبل أن يصير في حالة مطل ” .

[63] – ينص الفصل 670 من ق.ل.ع على أن: ” المكتري ضامن لمن تنازل له عن كراء الشيء أو أكره له تحت يده و يبقي هو نفسه متحملا في مواجهة المكري بكل الالتزامات الناشئة من العقد و لا يبقى ملتزما:

أولا – إذا قبض المكري مباشرة الكراء من يد المكتري الفرعي أو المتنازل له عن الكراء من غير أن يجري أي تحفظ ضد المكتري الأصلي؛

ثانياً – إذا قبل المكري صراحة عقد الكراء تحت اليد أو التنازل عن الكراء من غير أن يجري أي تحفظ ضد المكتري الأصلي “.

[64] – في هذا يختلف أثر الفسخ عن أثر الإبطال، إذ يترتب على إبطال العقد الزمني كعقد الإيجار مثلا اعتبار ما دفع من الأجرة بمثابة تعويض عن الانتفاع السابق و ليس أجرة في عقد الإيجار.

[65] – ينص الفصل 769 من ق.ل.ع على أن: ” (ظهير 8 ديسمبر 1959) المهندس المعماري أو المهندس والمقاول المكلفان مباشرة من رب العمل يتحملان المسؤولية إذا حدث خلال العشر سنوات التالية لإتمام البناء أو غيره من الأعمال التي نفذاها أو أشرفا على تنفيذها إن انهار البناء كليا أو جزئيا، أو هدده خطر واضح بالانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في الأرض.

المهندس المعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على تنفيذ عملياته، لا يضمن إلا عيوب تصميمه.

تبدأ مدة العشر سنوات من يوم تسلم المصنوع. ويلزم رفع الدعوى خلال الثلاثين يوما التالية ليوم ظهور الواقعة الموجبة للضمان، وإلا كانت غير مقبولة “.

[66] – تنص المادة 485 من مدونة التجارة على أنه: ” يسأل الناقل عن الأضرار اللاحقة بشخص المسافر خلال النقل، و لا يمكن اعفاؤه من هذه المسؤولية إلا بإثبات حالة القوة القاهرة أو خطأ المتضرر “.

[67] – ينص الفصل 544 من ق.ل.ع على أنه: ” يسوغ أن يتفق المتعاقدان على أن البائع لا يتحمل بأي ضمان أصلا.

إلا أنه لا يكون لهذا الشرط من أثر إلا إعفاء البائع من التعويضات، فلا يمكنه أن يحلل البائع من التزامه برد الثمن الذي قبضه، كله أو بعضه في حالة الاستحقاق.

ولا يكون لشرط عدم الضمان أي أثر:

1- إذا بني الاستحقاق على فعل شخصي للبائع نفسه؛

2- إذا وقع تدليس من البائع، كما إذا باع ملك الغير على علم منه وكما إذا كان يعرف سبب الاستحقاق، ولم يصرح به.

وفي هاتين الحالتين الأخيرتين، يلتزم البائع أيضا بالتعويض “.

[68] – ينص الفصل 806 من ق.ل.ع على أنه: ” يضمن المودع عنده هلاك الشيء أو تعيبه الحاصل بفعله أو بإهماله، و هو يسأل أيضا عن عدم اتخاذ الاحتياطات التي يشترطها العقد، و كل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر”.

[69] – ينص الفصل 743 من ق.ل.ع على أن: ” أصحاب النُّزُل والفنادق، ومن يكرون الدور أو الغرف المفروشة وملاك الحمامات والمقاهي والمطاعم والملاهي العامة يسألون عن هلاك وتعيب وسرقة الأشياء والأمتعة التي يأتي بها النزلاء والرواد في محلاتهم سواء أكان ذلك ناشئا بفعل خدامهم ومأموريهم، أو بفعل الرواد الآخرين لمحلاتهم.

ويبطل كل شرط من شأنه أن يبعد أو يقيد مسؤولية الأشخاص السابقين على نحو ما هو مقرر في القانون “.

[70] – تنص المادة 458 من مدونة التجارة على أنه: ” يسأل الناقل عن ضياع الأشياء و عوارها منذ تسلمه إياها إلى حين تسليمها للمرسل إليه، و لا أثر لكل شرط يرمي إلى إعفائه من هذه المسؤولية “.

قد يعجبك ايضا