أي دور لمفتش الشغل في القانون المتعلق بالعمال المنزليين ؟

عدنان بوشان

مقدمة:

بعد مرور حوالي أربع سنوات على دخول القانون رقم 19.12 الخاص بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين حيز التنفيذ، بات من الضروري تقييم الوضعية القانونية لهذه الفئة من العمال في ظل هذا القانون، فإذا كانت مدونة الشغل قد استثنتهم من الخضوع لمقتضياتها، و القضاء جعلهم خاضعين للمقتضيات العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، فإن القانون رقم 19.12 خصهم بقواعد فريدة تنسجم وطبيعة العلاقة التي تربط بين العامل المنزلي والمشغل الذاتي وخصوصية مكان سريان هذه العلاقة، ألا وهي بيت الأسرة.

وإذا كانت فئة العمال المنزلين تدخل ضمن فئة العمال الاجتماعيين التي تتسم وضعيتهم بنوع من الحساسية والهشاشة، نظرا لارتباطهم بتوفير الظروف الملائمة لتنمية الرأسمال البشري، على عكس ما هو عليه حال فئة الأجراء التي ترتبط بالمقاولة، مما يجعل طبيعة القواعد المنظمة للفئة الأولى أخص بكثير من الفئة الثانية، كما يجعلها أكثر خصوصية نظرا لما يتسم به وسط الشغل من سرية، تجعل ظروف عمل هذه الفئة من العمال بعيدة كل البعد عن أعين جهات المراقبة المختصة، خاصة إذا علمنا أن العمل المنزلي قطاع نسوي بامتياز.

لقد صار العمال المنزليون في ظل ما تعرفه بعض فئات المجتمع بالمغرب من إنفاق اجتماعي يتحملون جزء من أعباء هذه الفئة والتخفيف من تحملاتها العائلية وتوفير الظروف المناسبة لتربية أطفالها والعناية بالمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة، غير أن ما يسود طبيعة عمل هذه الفئة من العمال من سرية مهنية، و طبيعة علاقتهم بمشغليهم وخصوصية عنصر التبعية، تتطلب توفير نوع من الدعم الاجتماعي لهم بهدف مساعدتهم على الاستقلال الذاتي، وهو ما يفرض علينا التساؤل حول دور هيئة تفتيش الشغل في تعزيز حماية العمال المنزليين وتوفير الضمانات القانونية اللازمة لضمان استقلالهم الاقتصادي والاجتماعي؟.

المحور الأول: الدور التصالحي لمفتش الشغل

الفقرة الأولى: الصلح خلال سريان العلاقة الشغلية

يضطلع مفتش الشغل في هذه الحالة بدور تصالحي، حيث يقف على الشكايات الموجهة إليه من قبل أحد طرفي العقد حول تنفيذ مقتضيات هذا الأخير، فإذا كان للعاملة المنزلية الحق بوضع شكاية بمشغلها لدى مفتش الشغل، فكذلك الأمر بالنسبة للمشغل، إذ يقوم مفتش الشغل في كلا الحالتين باستدعاء الأطراف من أجل التأكد من مدى تطبيق أحكام القانون رقم 19.12، وتحرير محضر بمحاولة التصالح من عدمه.

حيث يتم استدعاء المشتكى به بناء على شكاية المشتكي للحضور من أجل إجراء محاولة التصالح، وهنا نكون أمام ثلاث فرضيات وفق الشكل التالي:

تسوية النزاع: حيث تكون تسوية النزاع إما بشكل نهائي أو جزئي، فبالنسبة للحالة الأولى فيتم تحرير محضر بشأنها إذا ما تم الاتفاق بين الطرفين على جميع النقط الخلافية موضوع الشكاية، أما الحالة الثانية فيحرر محضر صلح جزئي تبين فيه النقط الخلافية المتفق عليها وتلك التي مازال النزاع قائما بشأنها.

عدم تسوية النزاع:  في الحالة التي لا يصل فيها الطرفين إلى اتفاق بشأن النقط الخلافية موضوع الشكاية، يقوم مفتش الشغل بتحرير محضر عدم الصلح، يُبين فيه النقط الخلافية وتصريحات الطرفين بشأنها، وعدم تسوية النزاع نظرا لاختلاف وجهة نظر طرفي النزاع.

تعذر القيام بالصلح: غالبا ما يكون مآل محاولة الصلح في هذه الحالة الفشل، وذلك لسبب قانوني كعدم حضور الطرفين أو أحدهما، أو عدم خضوع النقط الخلافية لمقتضيات القانون رقم 19.12، وفي هذه الحالة يتم تحرير محضر تعذر الصلح.

 

 

الفقرة الثانية:  الصلح إبان انتهاء العلاقة الشغلية

أثارت مسألة السلطة التأديبية للمشغل ومسألة إنهاء عقد العمل الخاص بالعاملات والعمال المنزليين مجموعة من التساؤلات، خاصة ما يتعلق بكيفية سلوك المسطرة التأديبية وما هي العقوبات الممكن للمشغل تطبيقها على العامل المنزلي الذي ارتكب خطأ غير جسيم، وكذلك الشأن بالنسبة لمسطرة الفصل في حالة ارتكاب العامل المنزلي لخطأ جسيم، وهل يمكن في هذه الحالة ومع وجود فراغ تشريعي الرجوع إلى مقتضيات مدونة الشغل باعتبارها شريعة عامة، وهل فعلا يمكن اعتبار مدونة الشغل شريعة عامة ؟.

بخصوص مسألة اعتبار مدونة الشغل شريعة عامة فمن الصعب التسليم بذلك، على اعتبار أن نطاق تطبيق مدونة الشغل يأخذ بمفهوم المقاولة، إلى جانب اعتبار العلاقة الشغل في إطار العمل المنزلي علاقة ذات طبيعة خاصة لها أحكامها، كما أن مشرع القانون رقم  19.12 لم يحل بشأن تطبيق مقتضيات مدونة الشغل على ما لم يرد به نص بهذا القانون كما فعل بشأن بعض النصوص القانونية الخاصة، بالإضافة إلى ذلك نجد أنه قبل صدور مدونة الشغل كان ق ل ع يتضمن مقتضيات تتعلق بتشريع الشغل، وبعد صدور المدونة الأحرى أن تخضع علاقات الشغل في إطار العمل المنزلي لمقتضيات المدونة إلا أنها بقيت خاضعة ل ق ل ع، إلى غاية صدور القانون رقم 19.12، وعليه يبقى النص العام هو قانون الالتزامات والعقود وليس مدونة الشغل.

أما بشأن المسطرة التأديبية ومسطرة الفصل فتبقى أحكام المادة 22 من القانون رقم 19.12 المتعلقة بنظام الشكايات هي الواجبة التطبيق، ففي حالة ارتكاب العامل المنزلي لخطأ جسيم أو غير جسيم، فما على المشغل سوى وضع شكاية لدى مصالح مفتشية الشغل من أجل تسوية النزاع وفي حالة عدمه اللجوء إلى المحكمة المختصة.

 

 

 

 

المحور الثاني: الدور الرقابي لمفتش الشغل

الفقرة الأولى: الرقابة القبلية على إبرام عقد العمل

  • شرط توفر مفهوم الأسرة:

عرفت الاتفاقية الدولية رقم 189 العمل المنزلي بالعمل المؤدى في أسرة أو من أجل أسرة أو أسر، وهو نفس توجه القانون رقم 19.12 الذي نص على أن العمل المنزلي هو العمل المنجز لدى أسرة أو عدة أسر، وعليه فإن العمل المنزلي ينبغي أن يكون مرتبطا بمفهوم الأسرة، حتى لا يفتح المجال لبعض الممارسات غير القانونية كالفساد أو ما يسمى بالمساكنة الاتفاقية، والشدود الجنسي أو المثلية، وهي مسألة لا تؤخذ بعين الاعتبار في غالب الأحيان إذ نجد أن هناك أفراد يبرمون هذه العقود في غياب تام لمفهوم الأسرة، وهنا يكمن الدور الرقابي القبلي لمفتش الشغل.

  • شرط استجابة العقد لأحكام القانون رقم 19.12:

أكدت المادة 3 من القانون رقم 19.12 في فقرتها الأخيرة على ضرورة مراقبة مدى استجابة عقد العمل المودع لدى مفتشية الشغل لأحكام هذا القانون، والملاحظ أن الأمر يتعلق بمراقبة قبلية تجد مصدرها في المهمة التي يضطلع بها مفتش الشغل حسب مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة الشغل والمتمثلة في تقديم النصح والإرشاد القانوني والتقني لطرفي العلاقة الشغلية، وتبرز هذه المهمة في القانون رقم 19.12 من خلال إطلاع مفتش الشغل على مقتضيات عقد العاملة المنزلية ومراقبة مدى استجابته للمقتضيات القانونية، وفي حالة العكس خوله المشرع إمكانية إثارة انتباه الطرفين إلى المقتضيات المخالفة من أجل تعديلها وإعادة صياغة عقد جديد يتوافق ومقتضيات القانون رقم 19.12.

ذلك أن إبرام عقد الشغل بالشكل المطلوب يقتضي حسب المادة الثالثة من القانون رقم 19.12 قيام الطرفين بالسهر على إفراغ التراضي الذي يجب أن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، حيث يتم إفراغ هذا التراضي في عقد شغل محدد المدة أو غير محدد المدة وفق النموذج المحدد له بنص تنظيمي، وهو ما يفيد أن العقد لا يمكن أن يكون إلا كتابيا ومصادق الإمضاء من طرف السلطة المختصة، حيت يعمل المشغل على تسليم نظير من العقد للعاملة المنزلية مع احتفاظه بنظير منه، فيما يقوم بإيداع النظير الثالث لدى مفتش الشغل، ولهذا الأخير كنوع من الرقابة القبلية أن يثير انتباه الطرفين في حالة وجود مقتضيات مخالفة لأحكام هذا القانون قصد العمل على مراجعتها وتعديل العقد، وقد أغفل القانون إمكانية تسليم نسخة أخرى لولي أمر العاملة المنزلية التي لم تبلغ بعد سن 18 سنة، على الرغم من أنه نص على ضرورة توفرها على إذن مكتوب من ولي أمرها لإبرام عقد الشغل.

وقد حددت الدليل العملي حول إعمال مقتضيات القانون رقم 19.12 المنجز من طرف رئاسة النيابة العامة ووزارة الشغل والإدماج المهني نموذج هذا الإشعار المعنون ب “نموذج إثارة انتباه المشغل والعاملة أو العامل المنزلي بوجود مخالفات في عقد العمل”، حيث يقوم مفتش الشغل بتوجيه إثارة الانتباه للطرفين كتابة يحدد من خلاله المقتضيات المخالفة مع تحديد الإجراء المقترح لتعديلها وحث الطرفين على تصحيح هذه المخالفات من أجل إرجاع عقد العمل مصححا ومصادقا على صحة إمضائه وذلك تحت طائلة اعتبار هذا العقد غير قائم.

لكن يبقى السؤال مطروحا حول مسؤولية المفتش في حالة ما إذا تضمن العقد لمقتضى مخالف لم ينتبه له، وهل يمكن اعتبار تدخل مفتش الشغل تدخلا في تعديل العقد؟.

الفقرة الثانية: المراقبة الزجرية

قد يعتقد البعض أن القانون رقم 19.12 يخلط بين المهام التصالحية لمفتش الشغل والمهام الرقابية ذات الصبغة الزجرية، إلا أن الأمر خلاف ذلك، فإذا كانت المراقبة الزجرية بما يستتبع ذلك من تحرير محاضر بالمخالفات المنصوص عليها في القانون رقم 19.12، تقتضي الوقوف على عين المكان من أجل معاينة هذه المخالفات، فإن المشرع ونظرا لخصوصية مكان الشغل على اعتبار أن أداء الشغل يكون بمقر السكنى، اعتمد على المعاينة المعنوية بدل المعاينة المادية للمخالفات، من خلال معاينة مفتش الشغل للوثائق التي من شأنها مساعدته على معاينة مخالفة أحكام هذا القانون وتحرير محاضر بشأنها.

وفي حالة ما إذا تعلق الأمر بإدعاءات ذات طابع زجري كإدعاء العاملة المنزلية بالتحرش الجنسي أو التمييز أو العنف أو غيرها من الإدعاءات، وكذلك الحال بالنسبة للمشغلة التي قد تدعي السرقة أو العنف ضد أحد أفراد أسرتها، ففي هذه الحالات ومثيلتها يرجع الاختصاص فيها للشرطة القضائية.

و قد عمل  القانون رقم 19.12 على حصر العقوبات الزجرية التي تطال كل مخالف لأحكام هذا القانون في ثلاث مواد، وقد جعل من الغرامة عقوبة أصلية والتي يمكن أن تتضاعف أو تتحول إلى الحبس في حالة العود بالنسبة للمخالفات المشار إليها في المادة 23.

وإذا كان مشرع مدونة الشغل قد جعل للغرامة حدا أدنى وأقصى يتمثل في 300 و 30.000 درهم فإن هذا القانون قد رفع من الحد الأدنى ليصل به إلى 500 درهم، هذا وقد جرم القانون مجموعة من الأفعال التي قد تقترف من طرف المشغل أو أي شخص آخر كتشغيل العمال المنزليين دون سن 16 سنة أو التوسط في تشغيلهم بصفة اعتيادية بمقابل، كما تم تجريم الأفعال التي تستهدف شروط الشغل كعدم تقيد المشغل بإلزامية إتاحة الراحة الأسبوعية أو امتنع عن تمتيع العاملة المنزلية بحقها في العطلة السنوية أو الامتناع عن أداء الأجر أو التماطل في أدائه.

غير أن الإشكال المثار هنا هو كيف يمكن لمفتش الشغل معاينة و التثبت من هذه المخالفات، من أجل تحرير محاضر بشأنها، وعلى سبيل المثال كيف يمكن لمفتش الشغل تحرير محضر مخالفة باستخدام عاملة منزلية جبرا، أو عدم تقيد المشغل بمدة العمل المحددة، أو عدم تمتيع العاملة المنزلية من الراحة الأسبوعية، ذلك أن مفتش الشغل من الصعب عليه أن يقوم بتحرير محضر مخالفة استنادا على إدعاءات العاملة المنزلية، خوفا من أن يقع تحت طائلة الزور، وبذلك سيبقى عبء الإثبات ملقى دائما على عاتق العاملة المنزلية، وهو ما سيجعل من هذه المخالفات وعقوباتها حبرا على ورق.

 

معلومات حول الكاتب:

د. عدنان بوشان

باحث في القانون الاجتماعي والعلاقات المهنية

قد يعجبك ايضا