كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للقضاء بمناسبة “المؤتمر الدولي الـ 16 للنساء القاضيات” مراكش 11-12 ماي 2023

الكلمة الافتتاحية  للسيد الرئيس المنتدب بمناسبة المؤتمر الدولي السادس عشر للقاضيات حول موضوع : “النساء القاضيات : الإنجازات والتحديات”
مراكش-أيام 11-14 ماي 2023
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على الهادي المصطفى الأمين
حضرات السيدات والسادة؛

لعل هذا اليوم من أسعد أيام القضاة المغاربة الذين يشعرون جميعاً بفرحة وابتهاج كبيرين بتواجدكن حضرات السيدات قاضيات العالم على أرض المملكة المغربية، بلد السلم والسلام والتعايش الآمن. وباسم جميع القاضيات والقضاة المغاربة أرحب بكن في مراكش الجميلة، وأتمنى لكن مقاماً طيباً، وأرجو أن تتوج أشغال المؤتمر السادس عشر لجمعيتكن، الذي يلتئم جمعكن تحت لوائه لمناقشة موضوع “إنجازات وتحديات النساء القاضيات” بالنجاح والتوفيق.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إن انعقاد المؤتمر السادس عشر للجمعية الدولية للنساء القاضيات تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمملكة المغربية وضامن استقلال القضاء، لهو تعبير من جلالة الملك على دعم المملكة لقضايا المرأة وانخراطها المستمر في تحقيق المساواة الكاملة بينها وبين الرجل في السلك القضائي، كما في باقي مجالات الحياة العامة. وتمتيعها بحقوقها كاملة داخل المجتمع، واستهداف المناصفة الحقيقية بينها وبين الرجل.
ولذلك فإن اعتزازنا بهذه الرعاية الملكية للمؤتمر، هو شكر وامتنان لجلالة الملك لأجل ما قدمه ويقدمه لقضايا المرأة من دعم ومساندة، انطلاقاً من إيمان جلالته بقدرات النساء وكفاءتهن. وقد تأتى لجلالته أن يعبر عن ذلك في رسالته السامية الموجهة للمشاركين في أشغال القمة العالمية الثالثة لمبادرة نساء في إفريقيا، بتاريخ 27 شتنبر 2018 المنعقدة بمراكش. حيث قال حفظه الله : “لا يمكن لأي بلد، أو أي اقتصاد، أو أي مجتمع أن يرفع تحديات العصر، أو يمارس استثمار كل الطاقات التي يزخر بها بمعزل عن دور المرأة”.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد استطاعت المرأة المغربية أن تكتب اسمها، وتفرض حضورها إلى جانب الرجل في الانتماء إلى السلك القضائي مبكراً، سنواتٍ قليلة بعد استقلال المملكة، حيث انتمت أول النساء إلى القضاء في بداية ستينيات القرن الماضي. وهو مشهد قل نظيره في تلك الفترة في المجال الإقليمي العربي.
وإذا كانت عقدية الثمانينات قد شهدت وصول أول القاضيات إلى محكمة النقض، فإن بروز النساء القاضيات في المشهد القضائي الوطني قد انطلق منذ منتصف التسعينات، حيث تم تعيين نساء قاضيات في مناصب المسؤولية بالمحاكم، وسرعان ما اقتحمت القاضيات المغربيات مختلف مجالات القضاء ومراكز القرار فيه كرئيسات غرف بمحكمة النقض ورئيسات لمحاكم الاستئناف ورئيسات محاكم أو وكيلات للملك بالنيابة العامة. ويناهز عدد النساء القاضيات حالياً 26 % من مجموع الجسم القضائي الموحد، الذي يشمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة. كما أنه في الوقت الراهن تتولى 20 قاضية مغربية مناصب تسيير بمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والنيابات العامة لديها. فضلاً عن تولي قاضية واحدة لرئاسة غرفة بمحكمة النقض، وتولي خمس قاضيات أخريات رئاسة أقسام بنفس المحكمة.
كما أن القاضيات المغربيات استطعن بجدارة وكفاءة عالية الوفاء لالتزامات وطنية ودولية انتدبن لها كعضوات في المحكمة الدستورية أو في مجالس الحكامة والمؤسسات الدستورية الكبرى وفي مهام التسيير الإداري بالإدارة القضائية. وفي محاكم ولجن دولية في مجالات القضاء وحقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة؛
إننا مقتنعون أن ما حققته القاضية المغربية في مجال تولي المناصب القضائية العليا مازال دون ما تستحقه بكفاءتها وجديتها. ولذلك فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية قد خَصَّص أحد بنود استراتيجيته الحالية، لتشجيع القاضيات على التباري على مناصب المسؤولية القضائية، والترشح لمناصب القرار. وذلك إيمانا من المجلس بقدرة القاضية المغربية على ذلك من جهة، وامتثالاً للدستور المغربي الذي ينص على المساواة بين المرأة والرجل والسعي نحو المناصفة ومنع التمييز بسبب الجنس، من جهة أخرى. وهي الغاية التي قرر الفصل 115 من دستور المملكة، التمييزَ الإيجابي بشأنها، حيث نص على ضمان تمثيلية المرأة القاضية داخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بما يتناسب مع حضور النساء داخل السلك القضائي. وهو ما أتاح حضور ثلاث قاضيات نساء من بين القضاة العشرة المنتخبين لعضوية المجلس. وفي هذا الصدد نص الإجراء 37 للمخطط الاستراتيجي للمجلس على السعي نحو المناصفة في إسناد المسؤوليات القضائية مع مراعاة الكفاءة وتكافؤ الفرص. وبطبيعة الحال، فإن طموح المجلس لهذه الغاية يأتي في سياق فكر جلالة الملك نصره الله حيث جاء في خطاب العرش لسنة 2022 بصَدد السعي إلى المناصفة “إن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية، وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها”.
وبطبيعة الحال فإن الفترة مناسبة لتحقيق هذا الهدف، لأن الدستور الحالي قد وفر للقضاء إطاراً دستورياً عالياً، برفعه إلى مستوى سلطة ثالثة في الدولة، مستقلة عن البرلمان والحكومة. يضمن جلالة الملك بنفسه استقلالَها، ويحمي المجلس الأعلى للسلطة القضائية هذا الاستقلال بكيفية فعلية. كما أن القضاة يتوفرون على نظام أساسي خاص بهم، يوفر لهم كل الضمانات لممارسة مهام الفصل في المنازعات باستقلال وحياد وتجرد، وبمنأى عن الضغوط والتأثيرات من كل نوع. كما أن القضاة المغاربة مسلحون بمدونة للأخلاقيات القضائية تعزز استقلالهم وحيادهم، وتحفظ شرف ووقار القضاء، يعمل المجلس والمحاكم والتنظيمات المهنية للقضاة على نشرها والتحسيس بها.
وإذا كان المجلس وفقاً للمادة 103 من قانونه يسهر على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها، وإشاعة ثقافة النزاهة والتخليق بما يعزز استقلال القضاء، فإن المادة 104 من قانونه توجب على كل قاض اعتبر أن استقلاله مهدداً، أن يحيل الأمر إلى المجلس بواسطة تقرير. ويأتي هذا الإجراء لحماية استقلال القضاة، الذي يضمنه جلالة الملك بمقتضى الفصل 107 من الدستور ويسهر المجلس على تطبيقه وفقاً لمقتضيات الفصل 113 من الدستور. ونعتقد أن هذا الإطار الدستوري من شأنه أن يوفر للقاضيات النساء كامل الضمانات لاقتحام مختلف المناصب القضائية وممارسة جميع الاختصاصات على غرار زملائهن الرجال. ونؤكد لهن أن المجلس يأخذ مقاربة النوع بكثير من الحزم والعزم.
حضرات السيدات قاضيات العالم؛
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يعقد على اجتماعكن في هذا المؤتمر الكثير من الآمال، ويعتبرُه فرصة سانحة لمختلف القاضيات لتبادل الخبرات والتجارب المفيدة، والتعرف على الممارسات القضائية الناجحة. ونرى كذلك أنه يحقق التقارب ويخدم التواصل بين القاضيات من مختلف القارات، من أجل إعطاء المرأة القاضية مزيداً من الثقة في نفسها، ولاسيما في الأنظمة القضائية التي ما تزال المرأة فيها محتاجة لدعم، من أجل إبراز كفاءتها وإظهار قدراتها.
كما أنني لواثق أن سحرَ مراكش وثراءَها الثقافي وألوانها الباهرة وهواءَها المنعش وتسامح أهلها، سيساعدكن في أشغال المؤتمر وتعميق النقاش في محاوره الغنية بالمواضيع والحافلة بالإشكاليات التطبيقية.
أرجو لكن التوفيق. والسلام عليكن ورحمة الله تعالى .

قد يعجبك ايضا