كلمة ممثل النيابة العامة في ندوة دولية حول موضوع: حماية النظام الاقتصادي ونظام المنافسة
كلمة السيد مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة خلال ندوة دولية حول موضوع: “حماية النظام الاقتصادي ونظام المنافسة” بشراكة مع المؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي- الرباط 09 ماي 2023
ألقاها بالنيابة عنه السيد عبد الرحيم حنين رئيس قطب تتبع القضايا الجنائية والحريات العامة
– الحضور الكريم كل باسمه وصفته والاحترام الواجب لشخصه.
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نفتتح بمعيتكم أشغال الجلسة الافتتاحية لهذه الأيام الدراسية المنظمة بشراكة بين رئاسة النيابة العامة والمؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي والتي التأم لجمعها، ثلة من الفاعلين والخبراء في مجال القانون الاقتصادي وطنيا ودوليا، ومن القضاة الممارسين الذين يبتغون مناقشة الإشكاليات المتصلة بتطبيق الجانب الزجري والمدني لقانون المنافسة.
حضرات السيدات والسادة،
كما لا يخفى عليكم فالمملكة المغربية قد دشنت عهدا جديدا في مسار بناء صرحها الديمقراطي وتعزيز أسس دولة الحق والقانون من خلال دستور 2011 الذي تضمن عدة مستجدات أهما الباب 12 المتعلق بالحكامة الجيدة وإحداث مجلس المنافسة أحد مؤسسات الحكامة الجيدة والتقنين.
ومما لا شك فيه أن دستور2011 قد أوكل لمجلس المنافسة سلطة استشارية وتقريرية في مجال مراقبة الأسواق الاقتصادية وزجر الممارسة المنافية لقواعد المنافسة سواء كانت الممارسات ذات طابع فردي كالتعسف في استغلال الوضع المهيمن أو التعسف في استغلال التبعية الاقتصادية، أم كانت هذه الممارسات ذات صبغة جماعية كالاتفاقات الصريحة أو السرية من أجل الحد من المنافسة الشريفة، ومكن هذه المؤسسة الدستورية من الآليات التي تضمن الاستقلالية والحياد، لكن واعتبارا للطابع الزجري للعقوبات الصادرة عن مجلس المنافسة فإن المشرع المغربي واحتراما لضمانات المحاكمة العادلة وحق الأطراف في ممارسة حق الطعن في قرارات المجلس أمام الهيئة القضائية جعل القرارات الصادرة عن هذا المجلس قابلة للطعن أمام القضاء.
وعليه، فإن إخضاع القرارات الزجرية الصادرة عن مجلس المنافسة للطعن أمام القضاء هو تحصين لحقوق الدفاع وترسيخ لقرينة البراءة، وتقويم لسلامة الإجراءات الإدارية والقضائية التي قد تتبناها سلطة المنافسة، بقدر ما يرفع التحدي أمام القضاء سواء قضاء الأحكام أو قضاة النيابة العامة قصد الخوض في قوانين ذات طابع اقتصادي ولها تأثير على الحياة الاقتصادية للمقاولات وعلى مستقبل التوازنات الاقتصادية والتي تعد المنافسة الحرة الخالية من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة شرطا أساسيا لإرسائها.
حضرات السيدات والسادة،
يجب أن نستحضر بوعي ومسؤولية دائمين التوجيهات الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والذي ما فتئ يؤكد على أهمية استغلال المقومات الجغرافية والاقتصادية التي تزخر بها المملكة المغربية، من أجل حماية الاستثمار وتحفيز المنتوج الوطني بالرفع من تنافسيته على الصعيدين الإقليمي والدولي، وقد تضمن خطاب جلالته بمناسبة عيد العرش الأخير بتاريخ السبت 30 يوليوز 2022 تأكيدا للعناية المولوية بموضوع تحفيز الاستثمار حيث قال جلالته:
“ولا بد أن نعمل على الاستفادة من الفرص والآفاق، التي تفتحها هذه التحولات، لاسيما في مجال جلب الاستثمارات، وتحفيز الصادرات، والنهوض بالمنتوج الوطني.
وهنا، ندعو الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل أمامها. لأن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة. وهو ما يجب محاربته”، انتهى النطق الملكي السامي.
وفي هذا الصدد، فإن تنزيل مبدأ المنافسة الحرة الذي اعتمده دستور المملكة المغربية، يتطلب تأهيل مكونات السلطة القضائية مجال القوانين الاقتصادية حتى يتسنى لها الحد من انتشار الجرائم الماسة بروح المنافسة الحرة التي تعتبر السبيل الأمثل لحماية المستثمر من أشكال تعسف بعض الفاعلين الاقتصاديين في الأسواق وكدا المستهلك الذي اعتبرته قوانين المنافسة أحد أهم الفئات التي يجب حمايتها من افتعال بعض المقاولات لممارسات بغرض التأثير على الأسعار بعيدا عن قاعدة العرض والطلب.
حضرات السيدات والسادة،
لا يخفى عليكم أن رئاسة النيابة العامة ومنذ تأسيسها تولي اهتماما بالغا لحماية النظام العام الاقتصادي، بل وتجعله من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، وهي فرصة للتذكير بمضامين الدورية رقم 4/ر.ن.ع الصادرة بتاريخ 24 يناير 2020 والتي تضمنت تعليمات للنيابات العامة بالمملكة تروم تفعيل المقتضيات الزجرية المرتبطة بمناخ الأعمال، ومن بينها القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.
وفي نفس السياق كذلك تندرج اتفاقية الشراكة المبرمة بين رئاسة النيابة العامة ومجلس المنافسة بتاريخ 27 دجنبر 2021 والتي تروم تعزيز التنسيق من أجل محاصرة كل أشكال الممارسات المنافية والمخلة بشروط المنافسة من خلال التطبيق الفعال لأحكام القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، من أجل التطبيق السليم للقانون وتوفير منافسة حرة ومشروعة قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص.
وعليه، فإننا نعتبر هذه الدورة التكوينية مناسبة لإبراز دور القضاء في حماية الاستثمار والأسواق الاقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى تحسيس السادة القضاة بأهمية الإلمام بالمقتضيات الموضوعية والإجرائية المؤطرة للمساطر القضائية المرتبطة بتطبيق قانون المنافسة، من أجل المساهمة في توفير الأمن القضائي والقانوني للمستثمر وللفاعل الاقتصادي.
وفي الختام. لا يسعني إلى أن أثمن المحاور المخصصة لهذين اليومين الدراسيين، كما وأدعوكم إلى الإقبال على النقاش والحوار الجاد والبناء، من أجل الوقوف على تشخيص دقيق للإشكاليات المتصلة بتطبيق قانون المنافسة واقتراح الحلول والممارسات القضائية التي ترون أن من شأنها تعزيز الحماية الجنائية والمدنية للنظام العام الاقتصادي.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير بلادنا، وجعلنا عند حسن ظن رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية جلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن وشد آزره بصنوه السعيد صاحب السمو الملكي مولاي رشيد وبكافة الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.
والله ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.