كلمة رئيس النيابة العامة بمناسبة الندوة الدولية في موضوع القانون والمحامي دعامة للاستثمارات

كلمة السيد مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بمناسبة الندوة الدولية التي ينظمها الاتحاد الدولي للمحامين بشراكة مع هيئة المحامين بمراكش حول موضوع “القانون والمحامي دعامة للاستثمارات”.

ألقاها بالنيابة عنه السيد هشام بلاوي الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة

مراكش-05 ماي 2023

حضرات السيدات والسادة؛

بكثير من الفخر والاعتزاز أتشرف بالمشاركة معكم في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية الهامة التي ينظمها الاتحاد الدولي للمحامين بشراكة مع هيئة المحامين بمراكش حول موضوع “القانون والمحامي دعامة للاستثمارات” في رحاب هذه المدينة العريقة الشاهدة على احتضان حدث اقتصادي دولي هام يوم 15 أبريل 1994 والذي يؤرخ لتوقيع اتفاقية مراكش التي أعلنت عن ميلاد منظمة التجارة العالمية.
وبهذه المناسبة يطيب لي أن أشكر السيد الرئيس الشرفي للاتحاد الدولي للمحامين على دعوته الكريمة لحضور هذا اللقاء الهام، والشكر موصول أيضا للسيد نقيب هيئة المحامين بمراكش على هذه المبادرة الطيبة ولكل كل من ساهم في تيسير سبل انعقاد هذا الجمع المبارك.
كما أود أن اهنئ الجهة المنظمة على حسن اختيارها للموضوع بالنظر للراهنية التي يحظى بها وبالنظر أيضا لتنوع وغنى المحاور التي ستنكب عليها أشغال هذه الندوة والتي تعكس مدى وعي أسرة الدفاع بأهمية وراهنية موضوع الاستثمار باعتباره محركاً أساسياً للتنمية بكل أبعادها.
حضرات السيدات والسادة،
إن انعقاد هذه الندوة العلمية الهامة يأتي في سياق تشهد فيه بلادنا عدة إصلاحات جوهرية وهيكلية مهمة في عدة مجالات، لاسيما في ما يتصل بتحسين مناخ الأعمال وتحقيق التنمية و الرفع من مستوى جاذبية بلادنا للاستثمارات وتنزيل توصيات تقرير النموذج التنموي الجديد وتفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للاستثمار، وما واكبه ذلك من مراجعة للترسنة القانونية المرتبطة بمجال تحسين مناخ الاستثمار .
وفي هذا السياق ما فتئ جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده يحث في توجيهاته السامية على ضرورة خلق وسائل كفيلة بتشجيع الاستثمار وتوفير الأمن القانوني للفاعلين الاقتصاديين، حيث أكد جلالته في رسالة الموجهة للمشاركين في الدورة الثانية لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة، حول موضوع: (العدالة والاستثمار: الرهانات والتحديات)، المنعقد من 21 إلى22 أكتوبر 2019 على أن: (… توفير المناخ المناسب للاستثمار، لا يقتضي فقط تحديث التشريعات المحفزة، بل يقتضي أيضا توفير الضمانات القانونية والاقتصادية، الكفيلة بتحقيق الثقة في النظام القضائي، وتوفير الأمن الكامل للمستثمرين. ومن هنا تبرز أهمية توحيد آليات ومساطر تسوية منازعات الاستثمار، على الصعيد الوطني والجهوي والدولي، وتجاوز إشكاليات الاختصاص القضائي الوطني في هذا المجال، عبر إقامة نظام قانوني ملائم، يتوخى تفادي المشاكل والحد من المنازعات، وكذلك إنشاء هيئات متخصصة في فض هذا النوع من النزاعات، داخل الآجال المعقولة……) انتهى النطق الملكي السامي.

حضرات السيدات والسادة؛
لا يخفى عليكم أن مجال الاستثمار يشكل أحد أبرز مواضيع النقاش العمومي، باعتباره يرتبط بتحقيق التنمية المستدامة بمختلف أبعادها مع ما يتطلبه ذلك من وضع سياسات تصبو إلى تحسين جاذبية مناخ الأعمال ووضع استراتيجيات تعتمد على تبسيط ورقمنة المساطر وتسهيل الولوج إلى الوعاء العقاري وتحقيق الأمن القانوني والقضائي وتطوير المنظومة القانونية الداعمة للاستثمار.

حضرات السيدات والسادة،
إن ربط موضوع ندوتكم بين القانون والاستثمار يعكس أهمية العلاقة المتلازمة بين هذين الجانبين فوضع القوانين وتجويدها ليس غاية في حد ذاته، وإنما يعد وسيلة لبلوغ الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها ومن هنا تكمن أهمية الدور الموكول للقضاء لحماية النظام العام الاقتصادي وتحقيق الأمن القضائي، وفقا لما ينص على ذلك الفصل 117 من دستور المملكة.
ولقد كان القضاء في بلادنا دائما مواكبا للإصلاحات الاقتصادية باجتهاداته التي كانت تقدم أجوبة للعديد من النزاعات ذات الطابع الاقتصادي في ظل غياب النص القانوني أحيانا، والتي تؤكد على انخراط القضاء في تطوير المنظومة القانونية بما يتلاءم وأهداف تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار.
والنيابة العامة باعتبارها جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية تستحضر بدورها الأدوار التي تنتظرها من أجل الإسهام في تحقيق التنمية وتحفيز الاستثمار، حيث أصدرت رئاسة النيابة العامة في إطار تنفيذها للسياسة الجنائية مجموعة من الدوريات الهادفة إلى حماية المنافسة الشريفة وتعزيز قيم النزاهة والشفافية في هذا الصدد والتي تحث من خلالها قضاة النيابة العامة على الحرص على حماية النظام العام الاقتصادي وتقديم الملتمسات في القضايا التجارية الكفيلة بإيجاد الحلول المناسبة لفض المنازعات التجارية ذات الأبعاد الاقتصادية والحرص على المساهمة الفعالة في اختيار الحلول الكفيلة بالحفاظ على نشاط المقاولة وعلى مناصب الشغل وحماية حقوق الدائنين وتوفير المناخ الملائم للأعمال وتشجيع الاستثمار والحرص على تقليص الزمن القضائي اعتبارا لخصوصية المنازعات التجارية من خلال احترام الآجال المنصوص عليها قانونا بالإضافة إلى تفعيل النصوص القانونية الزجرية ذات الصلة بمجال الأعمال.

كما أن النيابة العامة لا تتوانى عن القيام بأدوارها القانونية من أجل توفير الحماية الجنائية للمعاملات التجارية، وحماية أموال الشركاء والشركات، وحماية الاقتصاد الرقمي، عبر ردع الجرائم المعلوماتية وكل الممارسات التي من شأنها زعزعة الثقة في المعاملات الالكترونية. والحرص على ضمان حرية المنافسة وتكافؤ الفرص، لا سيما فيما يتعلق بالصفقات العمومية. فضلا عن المساهمة في تخليق مناخ الأعمال عبر تحريك المتابعات بشأن كل صور الرشوة واستغلال النفوذ والغدر والاختلاس وتبديد المال العام.
حضرات السيدات والسادة،
إن ترصيد المكتسبات الكبيرة التي حققتها بلادنا في مجال الاستثمار تتطلب المزيد من التعبئة والحس الجماعي المشترك من أجل الإسهام في تحقيق التنمية التي تسعى بلادنا إلى تحقيقها.
ختاما، لا يسعني إلا أن أجدد شكري وامتناني للسيد الرئيس الشرفي للاتحاد الدولي للمحامين على مبادراته الطيبة وانخراطه الدائم في كل ما يعزز إشراك كل الفاعلين في مجال العدالة سواء وطنيا أو دوليا، والشكر موصول أيضا للسيد نقيب هيئة المحامين بمراكش ولكل الحاضرين والمشاركين في هذه الندوة الدولية المتميزة ولكل من ساهم في الإعداد لتنظيمها، آملاً أن تتمخض عن أشغالها توصيات كفيلة بتحفيز الاستثمار وتحقيق التنمية المنشودة في ظل التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك دام له عزه ونصره.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

قد يعجبك ايضا