سياسة تدبير الملك المائي بالمغرب

هدى قشاش

مقدمة :

منذ حصوله على الاستقلال ، نهج المغرب سياسة قوية ودينامية في مجال الماء بهدف التغلب على الهشاشة المترتبة عن التقلبات المناخية وذلك من خلال التحكم في المياه و تخزينها إبان السنوات المطيرة ، لمواجهة الحاجة الناجمة عن سنوات الجفاف . لقد أجمع علماء البيئة و الجغرافيا في مختلف دراساتهم على المستويين الوطني و الدولي أن قضية المياه من أخطر و أهم القضايا التي قد تواجه الوطن العربي بصفة خاصة و العالم بصفة عامة ، كما أكدوا أن الحروب والنزاعات المقبلة ستتجه من الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الذهب الأسود ( البترول) إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الذهب الأزرق ( المياه ) ـ

وقد حظي قطاع الماء بالمغرب بإهتمام خاص من السلطات العمومية وكان يحتل مركز إنشغال السياسات الاقتصادية نظرا لدوره المهم في ضمان تلبية الحاجيات من المياه ، ومواكبة التطور في توفير الأمن المائي للمملكة فما هي القوانين المؤطرة للسياسة المائية بالمغرب و ماهي المؤسسات التي تسهر على هذا القطاع الحيوي و المهم ؟

1– الاطار القانوني لتدبير الملك المائي العمومي :

لقد حظي قطاع الماء بالمغرب بإهتمام خاص من السلطات العمومية وكان يحتل مركز إنشغال السياسات الاقتصادية نظرا لدوره المهم في ضمان تلبية الحاجيات من المياه ، ومواكبة التطور في توفير الأمن المائي للمملكة ، كما جاء في المادة 12من الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة

” تعد القطاعات و الأنشطة المتعلقة بالطاقة و الماء و الغابات و الصيد البحري والفلاحة والنقل والسياحة والتعمير والبناء وتدبير النفايات والصناعة بشكل عام قطاعات و أنشطة تتوفر على إمكانية عالية للإستدامة وتكتسي طابعا أولويا من حيث متطلبات التقيد بالتنمية المستدامة “.

وقد نص القانون 15-36 في مادته 3 مفهوم الماء ، حيث عرفه بأنه مادة حيوية مكونة من أوكسجين و هيدروجين في أشكالها الثلاث السائلة و الصلبة و الغازية وهو ملك عمومي غير قابل للتملك الخاص و التصرف فيه بالبيع و الشراء كما عرف الملك العمومي المائي بمجموع الأملاك المائية و تلك ذات الصلة بالماء و التي تنقسم إلى صنفين : الأملاك العمومية الطبيعية التي تشمل المياه و الأراضي المغمورة بهذه المياه ، و الأملاك العمومية الصناعية التي تشمل المنشأت . يعتبر القانون 15/36 هو القانون المتعلق بالماء الصادر في 10 أغسطس 2016 حيث يبين ماهية الملك المائي العمومي و كذا الحقوق المعترف بها قانونا لمقتضيات المخططات التوجيهية المندمجة للموارد المائية و كذا حقوق وواجبات الملاك ، و كيفية إستعمال الملك العمومي المائي سواء من ناحية الترخيصات أو الإمتيازات و كذا قواعد التدبير المندمج واللامركزي والتشاركي للموارد المائية من أجل ضمان حق المواطنات و المواطنين في الحصول على الماء و إستعمال عقلاني مستدام للماء بهدف تثمين أفضل كما وكيفا له و لوسطه و للملك العمومي المائي بصفة عامة ، كما يحدد قواعد الوقاية من المخاطر المرتبطة بالماء بما يضمن حماية وسلامة الأشخاص و الممتلكات

و البيئة .

وكذا تهتم المؤسسة الملكية بهذا القطاع الحيوي بإعتباره مادة ضرورية ، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي كانت لجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله نظرة إستباقية لتدبير السياسة المائية بالبلاد ، ومن خلاله أعطى تعليماته ببناء مجموعة من السدود لتوفير الأمن المائي بالبلاد و الحماية من مخاطر الجفاف .

لقد كان المغرب وبفضل تطوير خبرته العالية في هذا المجال لمدة سنوات مرجعا عالميا في مجال إدارة و تدبير المياه وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات وعبر سياسة التحكم في الموارد المائية عن طريق تعبئتها من خلال إنشاء منشأت كبرى لتخزين المياه ونقلها من مناطق الوفرة إلى مناطق الإستعمال ، وسياسة التخطيط على المدى البعيد وكذا تطوير الكفاءات التقنية و البحث العلمي غير أنه رغم كل هذه المكاسب ، لازالت المنظومة المائية تواجد العديد من التحديات الكبرى المرتبطة أساسا بإستفحال الظواهر المناخية القصوى ، تحث تأثير التغيرات المناخية ، وما يترتب عنها من ندرة الموارد المائية ، وعدم تكافئها من الحاجيات المتزايدة بسبب النمو الديمغرافي ، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، لاسيما في القطاع الفلاحي ، حيث جاء بشكل صريح في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشر يوم الجمعة 14 أكتوبر 2022 أن ” مشكلة الجفاف وندرة المياه لاتقتصر على المغرب فقط وإنما أصبحت ظاهرة كونية تزداد حدة بسبب التغيرات المناخية ، كما أن الحالة الراهنة للموارد المائية تسائلنا جميعا حكومة ومؤسسات و مواطنين و تقتضي منا التحلي بالصراحة و المسؤولية في التعامل معها ، ومعالجة نقط الضعف التي تعاني منها . فقد أصبح المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي ، ولا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة ، رغم ضرورتها و أهميتها البالغة ”

2– الإطار المؤسساتي المنظم للملك المائي العمومي :

تنقسم المؤسسات التدبيرية لقطاع الماء إلى مؤسسات إستشارية و مؤسسات التخطيط الاستراتيجي ثم مؤسسات ذات علاقة مباشرة بمستعملي هاته المادة الحيوية.

أما بخصوص الهيات الإستشارية فالمجلس الأعلى للماء و المناخ ، حيث تم إحداثه بتعليمات ملكية سامية من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي أعطى توجيهاته العليا ليتم خلال الدورة الأولى التي عقدت بالرباط في 16 يونيو 1981 بالانكباب على وضع الإطار التشريعي للماء وتخصيص الدورة الثانية لتدارس إشكالية التزويد بالماء الصالح للشرب.

ويقوم المجلس الأعلى للماء والمناخ، الذي تمت مأسسته في إطار قانون الماء رقم 10-95، بوضع التوجهات العامة للسياسة الوطنية في مجال الماء وإبداء رأيه حول الاستراتيجية الوطنية لتحسين المعرفة بالمناخ والمخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية بالأحواض المائية. وقد أعطى المشرع الإمكانية لتبدي هذه الهيئة رأيها في مواضيع أخرى لها صلة بالسياسة المائية بالمغرب.

يترأس هذا المجلس السيد رئيس الحكومة ويتألف، في نصفه الأول، من ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المتدخلة في مجال الماء، وفي نصفه الآخر من ممثلين لجمعيات مستعملي المياه والجمعيات العلمية الناشطة في مجالي الماء والمناخ، ومجالس العمالات والأقاليم  ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والهندسة الوطنية. وبموجب القانون يمكن أن يتم إشراك كل شخص مختص في مجال الماء إذا اقتضت الضرورة.

يتوفر المجلس الأعلى للماء والمناخ على لجنة دائمة تترأسها الوزارة المكلفة بالماء وتقوم هذه اللجنة بإعداد اجتماعات المجلس ورصد تنفيذ توصياته وكذا النظر في أي مسألة تتعلق بسياسة الماء والمناخ. علاوة على ذلك، تقوم هذه اللجنة بإعداد المخطط الوطني للماء وتنظيم اجتماعات التشاور والتنسيق اللازمة لإعداده.

وتتكون اللجنة الدائمة من ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المتدخلة في مجال الأعلى للماء والمناخ.

أما بخصوص مؤسسات التخطيط الإستراتيجي لتدبير قطاء الماء فهناك وزارتين  وصيتين على هذا القطاع، وزارة التجهيز و الماء و كذا وزارة الفلاحة و الصيد البحري

و التنمية القروية و المياه و الغابات بتعاون مع وزارة الداخلية ، من أجل إعطاء دفعة قوية للسياسة المائية ببلادنا ولتعزيز المكتسبات ورفع التحديات المرتبطة بقطاع الماء تم إعداد المخطط الوطني للماء من قبل الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء { وزارة التجهيز و الماء } بتشاور تام مع مختلف الفاعلين في قطاع الماء وذلك في إطار اللجنة الدائمة للمجلس الأعلى للماء والمناخ.

ويشكل هذا المخطط امتدادا للأهداف والتوجهات والإجراءات المتخذة في إطار الإستراتيجية الوطنية للماء. وقد تمت صياغته على ضوء نتائج وخلاصات المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية لمختلف الأحواض المائية بالمملكة.

وتتلخص برامج العمل المقترحة في المخطط الوطني للماء في ثلاثة محاور رئيسية وهي:

  • تدبير الطلب على الماء وتثمينه
  • تدبير و تطوير العرض
  • الحفاظ على الموارد المائية و على الوسط الطبيعي .

أما بخصوص أصحاب العلاقة المباشرة مع مستعملي الماء فيتمثلون في المنتجين

{ المكتب الوطني للماء الصالح للشرب } و الموزعين من شركات و مكاتب خاصة .

 

خاتمة :

كشفت العديد من الدراسات العلمية والتقارير الرسمية عن تعرض البيئة بعناصرها المختلفة لتلوث حاد وتدهور مستمر، أصبح يهدد كافة الكائنات الحية بمخاطر وأضرار جسيمة ومتعاظمة، وهو الأمر الذي إستدعى إنتباهنا، شأننا شأن غيرنا من المتخصصين كانوا أو غير متخصصين والذين ينتابهم القلق على مستقبل بيئتهم

وحسب كل ما تطرقنا له سابقا نجد أنفسنا في تساؤل حول : هل تدبير السياسة المائية بالمغرب كان كفيلا فعلا بتحقيق الامن المائي ، هل كان المشكل قانوني حيث نجد أن القانون 15-36 كان قانونا مؤطرا أكثر ماهو زجريا ، فأغلب العقوبات التي جاء بها للتصدي لجرائم تمس بالامن المائي  كانت عبارة عن غرامات ذات طابع إداري وليس جنائي ، أم أن المشكل كان تدبيريا عبر مخططات أنهكت الفرشة المائية بالبلاد أكثر ما ساهمت في تحقيق التنمية ، أم ان المشكل مناخي بالدرجة الأولى .

لائحة المراجع :

  • قانون الماء 15/36 .
  • القانون الاطار رقم 99/12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة و التنمية المستدامة.
  • مرسوم رقم 2.18.233 يتعلق بالمجلس الأعلى للماء و المناخ
  • تقرير التنمية البشرية لسنة 2006.
  • إبراهيم كومغار : التشريع البيئي المغربي واقع و أفاق ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، عدد ماي 2003
  • سيدي محمد علوي الطاهري : حقوق المياه في التشريع المغربي ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ، كلية الحقوق أكدال جامعة محمد الخامس ، 2010/2011 .
  • عبد الرحمان بهلول :الحماية القانونية للماء ، رسالة لنيل دبلوم الماستر ، كلية الحقوق وجدة 2013/2014 .
  • equipement.gov.ma

معلومات حول الكاتب:

هدى قشاش

خريجة ماستر العلوم الإدارية و المالية

إطار بوزارة الداخلية

قد يعجبك ايضا