العلاقة المالية بين الدولة والجهات بالمغرب في ضوء التجارب المقارنة
فوزي بوشعيب
تعتبر السياسة الجهوية بالمغرب أحد أهم الأوراش الإستراتيجية التي تبنها المغرب منذ القرن الماضي، بحيث تعود الارهاصات الأولى لهذه التجربة لظهير 16 يونيو1971 [1]، الذي بموجبه تم إنشاء ما عرف آنذاك بالجهات الاقتصادية السبع[2]، التي ظلت مهامها ذات طابع استشاري يقتصر على إجراء الدراسات، وإنجاز برامج قصد التقليص من حدت الفوارق المجالية التي خلفها الاستعمار، و تحقيق تنمية منسجمة ومتوازنة لمختلف أجزاء المملكة، وهو الهدف الذي عجزت عن تحقيقه في ظل غياب إطار مؤسساتي ومالي يكفل لها ذلك .
وكرد فعل من الدولة على النتائج المحتشمة لتجربة الجهات الاستشارية، تم منح الجهة الشخصية الاعتبارية بموجب دستور 1992[3] لتصبح جماعة محلية إلى جانب كل من العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية أنداك، كما حظيت كذلك بتأطير قانوني ومؤسساتي بموجب القانون 96/47 [4]، الذي منح للجهات مبادئ أولية لبناء وحدة ترابية إدارية فقط تتمتع باختصاصات قانونية تقريرية واستشارية، في غياب سلطة تنفيذية للمجالس التداولية للجهات، لاعتبارات أمنية وسياسية واقتصادية التي كانت تعيشها البلاد، الشيء الذي كان يتطلب حضور الفاعل المركزي على حساب المنتخب المحلي.
جاء دستور 2011 [5]، كمرحلة فاصلة في مسار اللامركزية السياسية بالمغرب، بحيث كرس لامركزية التنظيم الترابي القائم على الجهوية المتقدمة من جهة وأسس لتنظيم ترابي لامركزي من خلال التقعيد لمبادئ وآليات تدبيرية حديثة مستمدة من التجربة الفرنسية، وهي المقتضيات التي جاءت في الباب الثاني عشر (12) من الدستور والقوانين التنظيمية الثلاثة [6].
بناء على ما سبق يشكل العنصر المالي عمودا فقريا للجهات والجماعات الترابية الأخرى في تنزيل وتنفيذ مضامين دستور 2011 والقوانين التنظيمية، كما يلعب دورا محوريا في ممارسة مهامها، خصوصا مع توسيع صلاحياتها وتنامي اختصاصاتها، وهو ما يفرض تعبئة كبيرة لتعزيز الموارد المالية الكافية للجهات والجماعات الترابية الأخرى لتحقيق أهدافها التنموية[7].
وعليه سنحاول من خلال تحليلينا لموضوع العلاقة المالية بين الدولة والجهات بالمغرب في ضوء التجارب المقارنة، تشخيص الوضع المالي للجهات أولا ، ثم إبراز الارتباط المالي بين الدولة والجهات ثانيا، على أن نخصص محور ا ثالثا نتناول فيه بعض مقترحات تجويد التدبير المالي للجهات في ضوء التجارب المقارنة. وانطلاقا مما سلف ذكره نتساءل حول مدى نجاعة الوضع المالي للجهات في ظل الترسانة القانونية الحالية؟ وماهي أفاق تجويد التدبير المالي للجهات على غرار بعض التجارب المقارنة؟
رغم المجهودات المبذولة إلى حدود اليوم لإرساء الجهوية المتقدمة كأساس للتنظيم الترابي، إلا أن الجهات لازالت اليوم تعاني من إشكالية جوهرية من شأنها أن تعرقل تنزيل السياسات الجهوية، وهي الارتباط المالي بالدولة، أي أن الجهات اليوم لازالت لم تحقق الاستقلال المالي عن ميزانية الدولة، إلى جانب غياب العدالة المجالية على مستوى الموارد الجبائية الذاتية بين الجهات( المطلب الأول)، الأمر الذي يتعين معه إعادة النظر في طرق تمويل الجهات بالمغرب، عن طريق الاقتضاء ببعض التجارب المقارنة الرائدة في هذا المجال ( المطلب الثاني) .
المطلب الأول: مظاهر محدودية تمويل الجهات
تعرف الجهات المغربية اليوم محدودية على مستوى مواردها الذاتية، التي يعود جزء منها إلى الرسوم الجبائية الجهوية، وهي الرسوم التي لا تستفيد من بعضها بعض الجهات نظرا لخصوصية مجالها الجغرافي( الفقرة الأولى)، وهو الأمر الذي يجعل الجهات دائمة انتظار الموارد المحولة لها من طرف الدولة(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الفوارق الجبائية بين الجهات
تتعدد موارد الجهة بتعدد مصادر الموارد المشكلة لها، حيث تتكون إيراداتها من الموارد المرصودة لها من قبل الدولة، وموارد يتأتى جانب منها عن طريق الاقتراض ثم موارد ذاتية تعود للجهات عن طريق الموارد الجبائية الذاتية[8] .
وتستفيد الجهات من ثلاث رسوم حددتها المادة 4 من القانون47.06 [9]، المتعلق بالجبايات المحلية وهي :
- الرسم على رخصة الصيد البري
- تم تحيين تسمية هذا الرسم بموجب القانون رقم 07.20، بحيث كانت تسميته في ظل القانون 47.06، “الرسم على رخصة الصيد” بحيث تم الرجوع إلى التسمية التي كانت واردة في القانون السابق رقم 30.89.
يفرض هذا الرسم على المستفيد من رخصة الصيد بمناسبة تسلمه الرخصة المذكورة، وقد حدد سعرها في 600 درهم عن كل سنة، يتم استخلاص هذا الرسم من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم، ويتولى دفع مبلغ الرسم المستخلص في نهاية كل شهر إلى القابض المكلف بتدبير ميزانية الجهة التابعة لها العمالة أو الإقليم المعني، ويتبت أداء الرسم بوضع طابع خاص على وثيقة رخصة الصيد المسلمة للملزم[10].
- الرسم على استغلال المناجم:
يفرض هذا الرسم على كميات المواد المستخرجة من المناجم المقدرة من طرف الأشخاص أصحاب الامتياز أو مستغلي المناجم كيفما كان الشكل القانوني للاستغلال، بسعر حدد ما بين درهم واحد كحد أدنى وثلاث دراهم كحد أقصى عن كل طن مستخرج.
- الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ
يفرض الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ الواقعة داخل الحدود الترابي للجهة باستثناء الخدمات المرتبطة بالنقل الدولي والمتعلقة بالسلع العابرة غير الموجهة للسوق الوطني (دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة)، ويتم ذلك على أساس المبلغ الإجمالي للخدمات المقدمة بالموانئ بسعر 2% كحد أدنى إلى 5% كحد أقصى من رقم المعاملات (دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة).
وتستفيد الجهات كذلك من 5% من عائد الرسم على الخدمات الجماعية، ومن 10 % من عائد الرسم على استخراج مواد المقالع، والباقي من هذين الرسمين يعود للجماعات.
وتبقى الموارد الجبائية المشار إليها أعلاه العائدة للجهات جد ضعيفة في مقابل حجم الاختصاصات الذاتية المنوط بالجهات، والجدول التالي يبين مكانة الموارد الجبائية الذاتية ضمن مجموع الموارد العائدة للجهات.
جدول رقم (1): مقارنة حجم الرسوم الجبائية الذاتية ضمن مجموع موارد الجهات خلال 5 أشهر من سنة 2017 .
الشهور |
الرسوم الجبائية الذاتية للجهات (مليون درهم) | مجموع موارد الجهات (مليون الدرهم)
|
نونبر | 588 | 5328 |
أكتوبر | 548 | 4154 |
شتنبر | 477 | 3328 |
غشت | 449 | 3110 |
يونيو | 259 | 1779 |
المجموع | 2321 | 17699 |
ــــ المصدر : المعطيات والجدول من المرجع الوارد في الهامش التالي [11].
نستشف من الأرقام الواردة في الجدول أن مردودية الرسوم المفروضة على كل من رخص الصيد واستغلال المناجم والخدمات المقدمة بالموانئ، بالإضافة إلى حصة الجهات من الرسم عل الخدمات الجماعية خلال خمسة أشهر جد ضعيفة، حيث بلغت ما مجموعه 2321 مليون درهم، أي شكلت 13.11% ضمن مجموع موارد الجهات وهو مردود ضعيف لا يرقى إلى تحقيق الرهانات المنتظرة من سياسة الجهوية المتقدمة.
علاوة على أن الرسوم الممنوحة للجهات تتوفر أوعيتها في بعض الجهات وتغيب في أخرى، حيث لا تتوفر كل الجهات على منفذ بحري، وهناك ثلاثة جهات لا تستفيد من هذا الرسم، وهي جهة فاس _ مكناس وجهة بني ملال _ خنيفرة وجهة درعة_ تافيلالت، وحتى الجهات ذات المنفذ البحري لا تتوفر على موانئ ذات نشاط ومردود عالي وبالتالي يكون عائد الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ ضعيف، كما أن الرسم على استغلال المناجم يفرض على كمية المواد المستخرجة من المناجم، وذلك بين درهم واحد وثلاثة دراهم عن كل طن، حسب إقرارات مستغلي المناجم، وهو سعر ضعيف بالمقارنة مع ثمن الطن، إضافة إلى استشراء ظاهرة التهرب والغش الضريبيين حيث أن أصحاب المناجم لا يصرحون بالكميات الحقيقية المستخرجة.
كما أن رسوم استغلال المناجم والخدمات المقدمة بالموانئ موجهة أساسا للمقاولة وليس للأفراد، وهذا يطرح إشكالا يتمثل في ضعف مساهمة الأفراد في الموارد الجبائية الجهوية من جهة، في مقابل استفادة الجهات الكبرى اقتصاديا نظرا لتواجد وتمركز جل المقاولات بها[12].
بالإضافة إلى ما سلف، فتدبير رسوم الجهات يعرف عدة إكراهات، من قبيل عدم استخلاص رسومها، وعدم إحصاء الملزمين بها، ونقص على مستوى الرقابة الجبائية، وعدم إصدار القرارات الجبائية المرتبطة بتحديد سعر الرسم على استغلال المناجم، خصوص أن استغلال المناجم يرتبط برخص مما يسهل استخلاص هذه الرسوم[13].
هذا الوضع الذي تعرفه الجهات أي ضعف مردودية الجبايات الذاتية الجهوية، يفرض على الجهات الارتكاز على موارد الدولة المرصودة للجهات.
الفقرة الثانية: الارتباط المالي بين الدولة والجهات
نصت المادة 188 من القانون التنظيمي للجهات على أنه ” تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 141 من الدستور، ترصد الدولة للجهات، بموجب قوانين المالية، بصفة تدريجية، نسبا محددة في 5% من حصيلة الضريبة على الشركات، و5% من حصيلة الضريبة على الدخل، و20 % من حصيلة الرسم على عقود التأمين، تضاف إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 10 ملايير درهم سنة 2021 “.
وظاهرة الموازنة المالية العمودية بين الدولة والجهات ليست وليدة اليوم، فقد تم تطبيق هذا المقتضى لأول مرة مع القانون المالي لسنة[14] 1999ـــ2000 والذي حدد النسب التي سترصد للجهات، حيث حددت (المادة 21) من هذا القانون 1% من حصيلة الضريبة العامة على الدخل وحددت (المادة 22) 1% من حصيلة الضريبة على الشركات،
وقد أحدث صندوق خاص لحصيلة حصص الضرائب المرصدة للجهات في هذا القانون المالي وذلك عن طريق حساب خصوصي في الميزانية العامة للدولة، ويعتبر وزير الداخلية آمرا بصرف نفقاته وقبض موارده.
أما عن معايير توزيع هذه الموارد فقد حددت أنداك في نسبة 50% توزع بشكل متساوي بين الجهات، و50% المتبقية تم ترك أمر توزيعها لنص تنظيمي [15].
وهي نفسها المعايير التي يتم توزيع نسب الضريبة على الدخل ومحصول الضريبة على الشركات المخصص للجهات، بحيث أن المرسوم لم يأت بأي مستجد، ماعدا تجميع هذه المعايير والنسب في نص واحد[16] .
وقد سبق للجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة في تقريرها أن خلصت إلى أن ” الموارد المحولة لا تسمح بتقليص التفاوتات الترابية فيما يخص الموارد المالية، بل على العكس من ذلك، يبدو أن هذه الفوارق تتزايد بعد التحويلات”. وذلك مرده إلى أن خمس جهات تستحوذ على ما يزيد عن 54% من إمدادات الدولة، كما أن التحويلات تكون أكثر في اتجاه الجهات الأكثر غنى وذلك يرجع للأسباب الآتية:
- تمركز نسبة 70% من السكان في خمس جهات مما يجعل هذا المعيار غير منصف. نظرا للاختلالات الديمغرافية بين الجهات على اعتبار أن تمركز الأشخاص والأنشطة وإنتاج الثروة في بعض الجهات يجعلها تستفيد أكثر من النسبة الموزعة، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تنقل الأفراد من هذه الجهات الضعيفة إلى تلك الغنية أو أكثر حظا.
- أما نسبة 12،5% الموزعة على أساس المساحة، فإن الجهات الأقل كثافة هي الأكبر مساحة، وهذا في حد ذاته خلل، باعتبار أن 70% من الساكنة تقطن في نسبة 19% من المساحة، في حين أن 30% من السكان يقطنون في نسبة 81% من المساحة[17].
إن المعايير المعتمدة في توزيع حصص الجهات من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، لا يقلص من التفاوتات المالية بين هذه الجهات بقدر ما يكرس الاختلالات الموجودة، وبالتالي يتعين إعادة النظر في طرق ومعايير التوزيع وكذلك النسب المرتبطة بها.
ورغم أن نسبة توزيع التحويلات على الجهات عرفت في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا[18]،إلا أن ذلك يبقى مرتبط بوضعية الميزانية العامة للدولة، على اعتبار أن هذه الموارد تتأثر باستمرار بتقلبات أسعار البترول والديون الخارجية، وآثار الجفاف وتقلبات الصرف. فهذه العوامل تؤثر سلبا على الميزانية العامة وبشكل تلقائي على مالية الجهات أيضا. كما يؤثر الارتباط المالي بين الدولة والجهات، على صعوبة معرفة حجم المساعدات التي سوف تمنحها لها الدولة وبالتالي لن تتمكن من وضع برامج ومخططات عمل دقيقة لأن ذلك يتطلب معرفة مسبقة لحجم الموارد التي سترصد لتمويل البرامج المخطط لها.
المطلب الثاني: آفاق تعزيز الاستقلال المالي للجهات في ضوء التجارب المقارنة
إن تمويل الجهات يختلف من دولة إلى أخرى، وذلك لعدة اعتبارات، يبقى أهمها طبيعة أو شكل الدولة هل هي مركبة أم بسيطة ؟، بمعنى أن كل دولة تأخذ بنمط من الجهوية يتماشى مع خصوصياتها التاريخية والسياسية والاجتماعية (الفقرة الأولى)، وبذلك فإن تمويل الجهوية يختلف من دولة إلى أخرى، لكن هذا لا يمنع من تأثير بعض التجارب الناجحة على التجارب الصاعدة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تمويل الجهات في التجارب المقارنة
سنحاول فهذه الفقرة أن نرى المعالم الكبرى لتمويل الجهوية بكل من فرنسا (أولا)كدولة موحدة تأخذ بالجهوية الإدارية، وألمانية كدولة فيدرالية تأخذ بالجهوية السياسية (ثانيا).
أولا : التجربة الفرنسية
إذا تتبعنا مسار نشأة الجهوية بفرنسا فسنجدها بمثابة نموذج للجهوية المغربية، حيث ظهرت فكرة الجهوية في فرنسا عندما عجزت الأقاليم الموجودة عن تحقيق متطلبات الأفراد، فشرع في بلورة فكرة الجهوية سنة 1917، التي ستمر بثلاث مراحل، تميزت أولاها بإنشاء الجهات الاقتصادية في 14 يونيو 1930، فيما اتسمت المرحلة الثانية بإحداث دوائر التدخل الجهوي بتاريخ 7 يناير 1959، في حين عرفت المرحلة الثالثة منح الجهة صفة جماعة ترابية ذات اختصاصات واسعة، من خلال قانون 2 مارس 1982[19].
أما مصادر تمويل الجهوية بفرنسا فتتكون من الضرائب ونظام التحويلات، ثم الاقتراض وهي نفس تركيبة تمويل الجهوية بالمغرب لكن الفرق يتجلى في أهمية الضرائب ومردوديتها.
فعلى المستوى الضريبي يشكل كل من رسم السكن، والرسم المهني، والرسم على العقارات المبنية، وكذا الرسم على العقارات غير المبنية، المورد المالي الأساسي لمجموع الجماعات الترابية حيث يشكل حوالي 90% على مستوى الجماعات، و60% على مستوى الجهة والإقليم [20].
والاقتراض مصدر أخر للتمويل الجهوي بفرنسا، حيث لم تعد هناك وصاية بهذا الشأن، بعد خوصصة المؤسسة التي كانت متخصصة في منح القروض للجماعات الترابية، وبالتالي إقرار حرية اللجوء إلى الخدمات البنكية، حيث يساهم الاقتراض في تمويل 70 % من استثمارات فرنسا.
ثانيا: التجربة الألمانية
إن ما يميز الجهوية بألمانيا عن نظيرتها المغربية والفرنسية، أنها جهوية موسعة بمعنى أن اللاندر تتمتع بنسبة من الاستقلال لممارسة السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية، لكن هذا الاستقلال ليس تام وإنما هناك مبادئ دستورية تؤطر توزيع الاختصاصات بين الدولة الفيدرالية واللاندر وتحدد مجالات التي يحق للاندر أن تشرع فيها.
وتتو فر اللاندر الألماني على ثلاث مصادر من الموارد وهي موارد جبائية خاصة باللاندر وموارد مشتركة مع الاتحاد ثم القروض.
- الموارد الجبائية الخاصة: لقد نظم المشرع الألماني مجالات الضرائب بكل طرف من خلال الفصل 106 من الدستور الألماني، حيث حدد الإيرادات التي تعود للاتحاد في الفقرة الأولى[21]، وحدد في الفقرة الثانية الإيرادات التي تعود للاندر حصرا وهي:
- الضريبة على الثروة المالية؛
- الضريبة على السيارات؛
- الضريبة على الخمور؛
- الضريبة على القمار والميسر.
من ايجابيات العلاقة المالية بين الاتحاد واللاندر أن لكل طرف الحق في التوفر على استقلالية مالية، حيث إن الاتحاد حسب المادة 105 من الدستور يتوفر على صلاحية التشريع الحصري في ميادين الجمارك والشؤون المالية. بينما يهم تشريع برلمانات اللاندر الضرائب الاستهلاكية المحلية طالما لم تقنن على مستوى الاتحاد[22] .
- الموارد الجبائية المشتركة بين اللاندر والاتحاد: تشترك اللاندر مع الاتحاد في حصيلة مجموعة من الضرائب ويتم اقتسامها أحيانا بالتساوي وأحيانا أخرى بنسب مختلفة، حيث أن الإيرادات الضريبية المشتركة تشكل قرابة 70% من مجموع إيرادات كل الضرائب، وقد نصت المادة 6 من الدستور الألماني على أنه ” تعود عائدات الضرائب المتأتية من ضريبة الدخل، ومن الضرائب المرفوعة على المؤسسات وضريبة المبيعات العامة للاتحاد والولايات مع (الضرائب المشتركة)[23].
- أما عن معايير توزيع هذه الموارد فعائدات الضريبة على الدخل والشركات توزع مناصفة بحكم الدستور، بنسبة 42،5% لكل من الاتحاد واللاندر، وتحصل المراكز والدوائر والجماعات على %15 المتبقية، في حين ينظم قانون اتحادي وبموافقة المجلس الاتحادي عليه توزيع إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بين اللاندر والاتحاد في إطار تفاوضي قابل لإعادة النظر في عملية تحديد حصص كل من المستويين.
- وبالرجوع إلى الضريبة على الدخل نجد أن الولايات الألمانية تحصل على نسبة أكبر من الفيدرالية من حصيلة هذه الضريبة، على أساس أن الجماعات التحت جهوية هي جزء من الولايات هكذا نجد من الناحية المنطقية التوزيع التالي (42،50 % للفيدرالية، 57،50 %للولايات وجماعاتها أي نسبة 42،50 % للولاية و15 % للجماعات).
- أما الضريبة على القيمة المضافة، فإنه يتم تقسيم حصتها بين كل من الاتحاد والولايات بواسطة قانون فيدرالي، وليس على أساس ما تنتجه كل ولاية من مدخول هذه الضريبة، لكن حسب عدد سكان الولايات.
- القروض: تعتبر القروض مصدرا من مصادر الإيرادات الاستثنائية التي تلجأ إليها الولايات بألمانيا الاتحادية قصد تمويل بعض التجهيزات والمشروعات المرتبطة بالتنمية المحلية وتحفيز الاستثمار.
إن محاولة الوقوف على التجارب اللامركزية المقارنة في الشق المتعلق بالعلاقة المالية بين الدولة والجهات، يبتغى من ورائها، تقييم التجربة المغربية في هذا الصدد، بحيث يتعين على المغرب اليوم أن ينفتح على تجارب جديدة مثل التجربة الألمانية التي تعتبر رائدة في هذا الشأن، لعقلنة وترشيد النظام المال للجهات، مع الاحتفاظ بالخصوصية المغربية بطبيعة الحال.
الفقرة الثانية: آفاق تحقيق الاستقلال المالي للجهات
إن مطلب تحقيق الاستقلال المالي للجهات في ظل الجهوية المتقدمة وداخل دولة موحدة هو أمر صعب المنال، لذا فإن الاستقلال المالي الذي نتحدث عنه هو نسبي إلى حد ما، يضمن للجهات موارد مالية ذاتية كافية تغنيها عن انتظار تحويلات الدولة لتنزيل مخططاتها التنموية وتصديد نفقاتها الإجبارية على أقل تقدير، ويمكن تلخيص بعض الاجراءات التي من شأنها أن تحسن من الوضع المالي للجهات في النقاط التالية:
- إعداد إطار قانوني يأسس لمنظومة جبائية ترابية حقيقية ويعتبر بمثابة مدونة للجبايات الترابية؛
- خلق أوعية جبائية جديدة انطلاقا من عدد الضرائب والرسوم الجهوية، مع مراعاة عدم الازدواج الضريبي مع الدولة وباقي مستويات اللامركزية الأخرى، إذ هناك مجالات وأنشطة يمكن تضريبها لصالح الجهات فإذا استثنينا الضرائب والرسوم ذات الطابع العقاري، التي تستفيد منها غالبا الجماعات، نجد عدة مصادر للدخل يمكن أن تستفيد منها الجهات نجملها فيما يلي[24]:
- الأنشطة الاقتصادية: فرض الضرائب لصالح الجهات على مؤسسات التعليم الخاص والمستشفيات الخاصة والمقاهي والوكالات البنكية …
- المساكن الثانوية والفارغة: تضريب المساكن الثانوية والشقق المفروشة غالبا ما يتم استغلالها من طرف أصحابها في الكراء، وتجني ملايين الدراهم سنويا في الخفاء، مما يخلق منافسة غير شريفة للفنادق ودور الضيافة. أما الشقق الفارغة، فهي تتسبب في ارتفاع أثمنة الكراء وتعمق أزمة السكن، وبذلك ففرض الضريبة عليها لصالح الجهات سيدر مداخيل مهمة عليها، ويخفف من مشكل السكن، حيث سيحفز مالكي الشقق على كرائها لتجنب الخضوع للضريبة.
- محالات ممارسة المهن الحرة: كالمحامون والموثقون والأطباء والصيادلة الذين يستخلصون دخولا كبيرة ولا يصرحون بالحجم الحقيقي لمداخيلهم، مما يقتضي فرض رسوم لصالح الجهات مرتبطة بتلك المهن.
- الموارد الطبيعية: الموارد المائية والغابوية والآثار والتراث، والثقافة، والمناجم، والمقالع.
- المناطق السياحية: الجبال والواحات والمناطق المحمية.
- إن إقرار موارد جبائية مختلفة حسب طبيعة كل جهة، يمكن من تنويع مصادر الضرائب والرسوم، ويساهم في تحقيق فعالية ومردودية أكثر، لذا وجب تكريس جبايات خصوصية لكل جهة على حدى، وتجاوز الجبايات الموحدة، مما سيمكن من استغلال الخصوصيات الجهوية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وجغرافيا، وهذا يشترط أن يكون القانون المؤطر للجبايات الترابية، على قدر كبير من الدقة والتفصيل لكل جزئيات النظام الجبائي الترابي.
- إحداث إدارة جهوية مستقلة ذات موارد بشرية ولوجيستيكية مهمة، توكل إليها مهمة استخلاص الجبايات الترابية، لتجاوز ظاهرة الباقي استخلاصه [25].
والإجراءات أعلاه ستمكن بدون شك من تمويل الاختصاصات الذاتية، وتساهم في تخفيف الاعتماد على مخصصات الدولة المرصودة للجهات كما هي منصوص عليها في الفصل 187 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات.
خاتمة:
ختاما يمكن اعتبار أن المغرب أخد بمبدأ التدرج في إصلاح التنظيم اللامركزي بشكل عام، لكن ما يعاب على المشرع وصانع القرار السياسي هو الإصلاح المتجزئ للمنظومة الترابية التي تغيب عنها الجرأة والحكامة السياسية.
والمستجدات الدستورية والقانونية والتنظيمية التي عرفتها الجهات والجماعات الترابية الأخرى، هي رهينة اليوم بتوضيح العلاقة المالية بين الدولة والجهات من جهة عبر إصلاح مالي حقيقي يتجه نحو ضمان استقلال مالي فعلي للجهات، لأجل تمكينها من تنزيل السياسات العامة للدولة باعتبارها شريك استراتيجي لها من جهة، وتنفيذ وتوطين سياساتها العمومية الترابية التي تأخد خصوصية كل جهة على حدى تماشيا مع روح الديمقراطية المحلية.
لائحة الإحالات:
[1] ـ ظهير شريف رقم 71.77 بتاريخ 16 يونيو 1971 المتعلق بالتنظيم الجهوي، جريدة رسمية عدد 3060 بتاريخ 23 يونيو 1971
[2] ـ الجهات السبع المنصوص عليها في ظهير 1971 هي :
ـ جهة الجنوب، وتضم أقاليم أكادير ورزازات وطرفاية وكل الأقاليم الجنوبية؛
ـ جهة تانسيفت، وتضم مراكش أسفي والصويرة؛
ـ جهة الوسط، وتضم الدارالبيضاء وسطات وخريبكة والجديدة وبني ملال وبنسليمان وأزيلال؛
ـ جهة الوسط الغربي، وتضم القنيطرة والرباط وطنجة وتطوان؛
ـ جهة الوسط الشمالي، وتضم فاس وتازة والحسيمة وبولمان وتاونات؛
ـ جهة الشرق، وتضم وجدة والناظور والأقاليم الشرقية؛
ـ جهة الوسط الجنوبي، وتضم مكناس والراشدية؛
ـ3ظهير شريف رقم 1.92.155 صادر في 11 من ربيع الآخر 1413 ( 9 أكتوبر 1992) بتنفيذ نص مراجعة الدستور، الجريدة الرسمية عدد 4172 ، بتاريخ 16 ربيع الآخر 1413 (14 أكتوبر 1992)، ص 1247.
[4] ـظهير شريف رقم 1.97.84 صادر في 23 من ذي القعدة 1417 ( 2 أبريل 1997) بتنفيذ القانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات الجريدة الرسمية عدد 4470 بتاريخ 3/4/1997 ص : 556
[5] ـ ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 ( 30 يوليو 2011)، ص ص. 3600 ـ 3627.
[6]ـ ظهير شريف رقم 1.15.83 صادر في 20 رمضان 1436 (ّ07 يوليو 2015 ) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14 ا المتعلق بالجهات، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436، (23 يوليو 2015)، ص ص . 6625 ـ 6585.
ـ ظهير شريف رقم 1.15.84 صادر في 20 رمضان 1436 ( 07 يوليو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، الصاد بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.84 المؤرخ في 20 رمضان 1436 (7 يوليوز 2015)، الجريدة الرسمية، عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015)، ص: 6625.
ـ ظهير شريف رقم 1.15.85صادر في 20 من رمضان 1436(07 يوليو2015 ) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الصاد بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85 المؤرخ في 20 رمضان 1436 (7 يوليوز 2015)، الجريدة الرسمية، عدد 6380، بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليوز 2015)، ص: 6660.
[7] ـ صلاح الدين الاحمدي، مساهمة المبادئ الدستورية للتدبير الترابي في بناء النموذج التنموي، مركز تفاعل للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، سلسلة الدراسات السياسية والدستورية ـ العدد 4، ص 385.
8 ـ حددت المادة 189 من القانون التنظيمي للجهات البنية العامة لإيرادات الجهات وحددتها في (12) موردا:
ـ حصيلة الضرائب وحصص ضرائب الدولة المخصصة للجهة، بمقتضى قوانين المالية؛
ـ المخصصات المالية من الميزانية العامة للدولة؛
ـ حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة في تحصيلها، طبقا للتشريع الجاري به العمل؛
ـ حصيلة الأتاوى المحدثة طبقا للتشريع الجاري به العمل؛
ـ حصيلة الأجور عن الخدمات المقدمة؛
ـ حصيلة الغرامات طبقا للتشريع الجاري به العمل؛
ـ حصيلة الاستغلالات والأتاوى وحصص الأرباح، وكذلك الموارد وحصيلة المساهمات المالية المتأتية من المؤسسات والمقاولات التابعة للجهة؛
ـ الإمدادات الممنوحة من قبل الدولة أو الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام؛
=
ـ حصيلة الاقتراضات المرخص بها ؛
ـ دخول الأملاك والمساهمات ؛
ـ حصيلة بيع المنقولات والعقارات ؛
ـ أموال المساعدات والهبات والوصايا؛
ـ مداخيل مختلفة والموارد الأخرى المقررة في القوانين والأنظمة .
9ـ الظهير الشريف رقم 1.07.195 الصادر في 19 من ذي القعدة 1428 الموافق 30 نونبر 2007، بتنفيذ القانون رقم 47.06 المتعلق بالجبايات المحلية، المغير والمتمم بموجب القانون رقم 07.20 الصادر بتنفيده الظهير الشريف رقم 1.20.19 الصادر في 16 جمادى الأولى 1442 (31 ديسمبر 2020) .
10ـ سعيد جفري، هشام مليح، التشريع الجديد للجبايات المحلية، المطبعة طوب بريس _ الرباط، الطبعة الأولى، 2011، ص: 64
11ـ مكاوي نصير، مدخلات الاستقلال الجبائي للجهات، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 143، نونبر ـ دجنبر 2018، ص: 79 .
[13] ـ نفس المرجع، ص:80
14 ـ ظهير شريف رقم 1.99.184 صادر في 16 من ربيع الأول 1420 (30 يونيو 1999) بتنفيذ القانون المالي رقم 26.99 للسنة المالية 2000.1999 الجريدة الرسمية عدد 4704 بتاريخ 1999/07/01، ص: 1685.
15 ـ محمد الغالي، الحسن الرشدي، الموازنة الجبائية وتقليص الفوارق المالية بين الجماعات الترابية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 137، نونبر ـ أكتوبرـ 2017، ص: 153.
16 معايير ونسب توزيع الموارد المحولة من الدولة إلى الجهات:
ـ 50% بالتساوي على الجهات؛
ـ %37،5 بناء على عدد سكان الجهة؛
ـ 12،5 % بناء على مساحة الجهة.
[17] ـ نفس المرجع، ص: 157 .
18ـ تم تسجيل تطور ملحوظ حيث أن قانون مالية سنة 2015 تم تخصيص 1 % من محصول الضريبة على الدخل و 1 % من محصول الضريبة على الشركات وفي سنة 2016 تم تخصيص 2% من محصول الضريبة على الدخل و 2% من محصول الضريبة على الشركات وفي سنة 2017 خصص 3% من محصول الضريبة على الدخل 3% من محصول الضريبة على الشركات، وفي مشروع قانون مالية 2018 تم تخصيص 4% من محصول هذه الضرائب للجهات. ومن هذا المنطلق تتضح المقاربة التدريجية في تطوير الموازنة العمودية بالنسبة للجهات، وفي نفس السياق تم الرفع من حصيلة الرسم على عقود التأمين من 13% إلى 20% بشكل كامل مع قانون مالية 2016.
ـ نفس المرجع، ص: 154.
19 ـ هشام مليح، تجربة الجهوية الموسعة بفرنسا، الجهوية الموسعة بالمغرب (أي نموذج مغربي على ضوء التجارب المقارنة؟)، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، العدد 6، ص: 85 .
20 ـ سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا، السنة الجامعية، 2016 / 2017، ص: 218
ـ رسوم الجمارك؛
ـ الضرائب على النقل البري للبضائع؛
ـ الضرائب على الاستهلاك غير المدرجة ضمن لائحة الضرائب التي يعود منتوجها للولايات.
22ـ عبد الإله منظم، تجربة الجهوية الموسعة بألمانيا الفيدرالية، الجهوية الموسعة بالمغرب(أي نموذج مغربي في ضوء التجارب المقارنة)، سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية، العدد 6، ص: 142 .
[23] ـ نفس المرجع، ص: 143 .
[24] ـ مكاوي نصير، مدخلات الاستقلال الجبائي للجهات، مرجع سابق، ص: 83 .
ـ[25] محجوب الدربالي، المرتكزات الأساسية للإصلاح الجبائي المحلي بالمغرب، المجلة المغربية للدارسات القانونية والاقتصاديةـ العدد 7 /2020 ص 179.
——-
معلومات حول الكاتب:
فوزي بوشعيب
خريج ماستر التدبير الإداري والمالي للجماعات الترابية الفوج الأول
ملحق الاقتصاد والإدارة