الجماعات الترابية : الآفاق والتحديات

شملال سفيان

قال تعالى: “و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط  فتقعد ملوما محسورا”.

تعتبر الميزانية الجماعية من بين أهم المجالات التي يتداول فيها مفهوم الحكامة الترابية بشكل واسع، باعتبار أن العنصر المالي يحتل، وبشكل كبير، مكانة هامة في كل السياسات العمومية الترابية.

فهو الأداة التي تنفذ بها هذه البرامج وتمول بها كل المرافق الجماعية وتنجز بها التجهيزات العمومية، وتترجم بها المجالس المنتخبة برامج عملها إلى واقع ملموس ومع السياسة الإرادية للمشرع لتقوية اللامركزية وتوسيع الجهوية، سواء من خلال الوثيقة الدستورية الجديدة لسنة 2011 أو من خلال اعتماد قوانين تنظيمية جديدة خاصة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى ، وما يرتبط به من أدوار جديدة منوطة إلى الجماعات مستقبلا، حيث ان هناك توجه يفرض نفسه نحو تجاوز المقاربات التقليدية في تدبير ميزانيات الجماعات، والتي برهنت عن محدوديتها، في أفق إرساء حكامة مالية جيدة للجماعات، عبر ترسيخ مجموعة من القواعد و المبادئ الجديدة والتي يمكن تلخيصها في:

مبدأ التدبير الحر القائم على النجاعة حيت بموجبه يخضع إعداد الميزانية إلى أهداف وبرامج مقرونة بمؤشرات تتضمن في “مشروع نجاعة الأداء ” يلتزم به رئيس المجلس. } المادة 158{

و كما جاء في الفصل 136 من الدستور “يرتكز التنظيم الجهوي الترابي على مبادئ التدبير الحر و على التعاون و التضامن” حيث يخول بمقتضاه لكل جماعة ترابية في حدود اختصاصاتها سلطة التداول بكيفية  ديمقراطية و سلطة تنفيذ مداولاتها و مقرراتها.

مبدأ الميزانية القائمة على الرؤية تخضع الميزانية في إعدادها إلى برمجة ثلاثية السنوات منبثقة عن برنامج عمل الجماعة. } المادتين 78 و 183{

مبدأ الشفافية تلتزم الجماعة بضمان الشفافية والصدقية في عملياتها المالية وتقديم الحسابات إلى العموم. }المواد 269/272/275{

مبدأ التفريع  Principe de subsidiarité يعهد ممارسة الاختصاصات إلى أنسب جهة ممكنة على المستوى الترابي. } المادة 184 { و بمعنى اخر هو إسناد الاختصاص للجماعة الترابية الأقرب للمواطن و الأنسب لممارسة هذا الاختصاص أي عدم تكليف مستوى أعلى للقيام بما يمكن إنجازه بنفس الفعالية من طرف المستوى الأدنى

مبدأ التعاون والشراكة Principe de Coopération إمكانية المساهمة في شركات للتنمية أو مجموعات للتعاون أو مجموعة جماعات أو شركات. } المواد 126/151{

مبدأ الميزانية التشاركية والمدمجة إشراك المجتمع المدني والهيئات التشاورية مع العمل على استجابتها لمقاربة النوع الاجتماعي. } المواد 78/158{

وفي المغرب، يعتبر مفهوم الحكامة من أقوى المفاهيم التي جاء بها الدستور الحالي، كتعبير عن الفلسفة العامة التي أسسها من أجل إحداث التغيير المنشود والحد من الفساد وسوء التدبير الذي تعاني منه مؤسسات الدولة والمجتمع، وهو الشيء الذي جعل المشرع الدستوري المغربي، ينتهي إلى الاقتناع بجعلها إحدى الأسس، أو المرتكزات، التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي، وذلك بالتنصيص في الفصل الأول من الدستور “… يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها و تعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.”

و بعد ما يقارب 8 سنوات من صدور القوانين التنظيمية المؤطرة لعمل الجماعات الترابية  حيث أن الممارسة هي التي تكشف العراقيل و الصعوبات فإلى أي حد نجحت هاته الأخيرة في تكريس مفهوم الحكامة في تسيير شؤونها و ما هي العراقيل و الإكراهات التي تواجه منتخبيها في تحقيق وعودهم و أمال منتخبيهم  ؟

أولى الإشكاليات التي سأطرحها و هي تداخل الاختصاصات بين الدولة و الجماعات الترابية رغم تنصيص المشرع على مبدأ التدبير الحر إلا أن التفعيل السليم لهذا المبدأ لم تترتب عنه أي أثار سليمة  توضح التقسيم و التوزيع العقلاني للعمل حيث أن الاختصاصات الذاتية ليست في الحقيقة اختصاصات حصرية ولكنها غالبا ما تمارس بشراكة مع جماعة ترابية أخرى و كمثال لتداخل الاختصاص نجد المسالك الطرقية في العالم القروي في كل من الجهة في إطار السياحة و أيضا مجالس الأقاليم و العمالات و كذلك الجماعات و الإشكال يكون بارزا في حالة كانت هناك صراعات سياسية بين هاته المجالس الشيء الذي سيوقف عجلة التنمية

تضل ممارسة الاختصاصات المشتركة مشروطة بمبادرة الدولة

تضل الاختصاصات القابلة لنقل غير واضحة في غياب إطار قانوني لألية التفريع و التي يضل معناها غير معمم في وسائط المسؤولين المنتخبين

من المرجح أن يؤدي ضهور التعاون بين الجماعات l’intercommunalité  إلى القضاء تدريجيا على الجماعات و الأقاليم

نذكر أيضا الاعتمادات الغير كافية للمجالس الإقليمية  و التي تقتصر على 30% من الضريبة على القيمة المضافة ف بهكذا ميزانية لا يمكن للمنتخب في المجلس الإقليمي أن يحلم بالتنمية على عكس الجهة التي تتنوع مداخيلها القارية نسبيا بين 5% من الضريبة على الدخل و نفس النسبة من الضريبة على الشركات و %30 من الضريبة على القيمة المضافة المستخلصة جهويا و %20 من التأمينات إلى غير ذلك

محدودية الإلتقائية و التكامل بين برامج عمل الجماعات كمخططات تنموية و ما بين البرمجة المالية المتعددة السنوات و تفعيلها و تنزيلها في هندسة الميزانية

ضعف و محدودية التكوين العلمي و المعرفي للمنتخب السياسي و كذلك غياب المعرفة بأليات التدبير الحديث لاسيما في المجالس القروية حيث كثيرا ما نجد غيابا تاما لمستوى التشخيص و ترتيب الأولويات أو رسم الأهداف و لوحة القيادة

بروز إشكال الصراعات السياسية بين النخب في الدفاع عن المصالح العامة للمواطنين حيث نجد جل البرامج و المشاريع تنكب في دوائر رؤساء المجالس و نوابهم بل حتى في دوائرهم تلاحظ ميولات نحو المقربين

صعوبة في التوفيق بين الديمقراطية التمثيلية  و الديمقراطية التشاركية و التداولية في الدفاع عن الحقوق المعبر عنها من طرف الساكنة المحلية…

تجميع المناصب في يد نفس المنتخب لاسيما على صعيد الجماعة و الجهة حيث تصبح تمثيلية المنتخب في الجهة كمكسب لكسب ما يمكن اكتسابه لصالح جماعته و هو خطأ حيث أن لكل مؤسسة اختصاصاتها و تمثيليتها ولا يجب الخلط بين الاثنين فالجهة لها اختصاص استراتيجي و العمالة أو الإقليم تختص في ما هو اجتماعي و الجماعات لها اختصاص خدمات القرب

كل هاته المشاكل و مشاكل أخرى تساهم في عرقلة السير السليم للمجالس المنتخبة وأختم بمقولة لصاحبها “يتغير التاريخ بتغير النخب” فطالما نجد نفس الوجوه و المناصب السياسية و إن تغيرت تتغير بالوراثة فلن تكون هناك أي تقدم و أي تطور في جميع المستويات فحتى لو تغيرت النصوص و التشريعات فالعقول ستبقى نفسها.

 

معلومات حول الكاتب:

شملال سفيان

إطار مالي بوزارة التربية الوطنية

قد يعجبك ايضا