المرأة المغربية والتحولات المجتمعية بين التغيير والتأقلم

مصدق أسماء


مقدمة:

نخلد اليوم ذكرى 8 مارس اليوم العالمي للمرأة، مناسبة لاستحضار المنجزات الكبيرة والخطوات الجبارة والتحديات الكبرى التي تم رفعها كاستئصال الفقر ومحاربة الأمية والتهميش وانتهاك الحقوق، والاهتمام وتحسين صحة الأمهات والأطفال، ومحاربة كل الأفكار الدونية السوداء الفارغة والصور النمطية التي تعود بالمرأة إلى الوراء لتحسين وضعيتها التي عرفت تطورا كبيرا خلال الآونة الأخيرة.

اليوم العالمي للمرأة.. مناسبة للوقوف على إنجازات وطموحات النساء المغربيات والوقوف على ما تحقق من إنجازات في مجال النهوض بحقوق المرأة، فضلا عن أوراش الإصلاح الكبرى التي انطلقت تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل إيلاء المرأة المغربية مكانتها المتميزة التي تستحقها داخل المجتمع.

وقد حظيت المرأة المغربية منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، بعناية خاصة من خلال مختلف المبادرات الاجتماعية التي أطلقها جلالته، ولا سيما إصلاح مدونة الأسرة، وهي مبادرة رائدة حظيت بإشادة دولية باعتبارها إصلاحا يهتذى به على المستويين الإقليمي والعربي.

فالمرأة المغربية وقفت متساوية مع الرجل في جميع المجالات، باعتبارها نصف المجتمع وشريكة فيه، إذ عرف هذا المجتمع تحولات عديدة شملت مختلف المجالات، لما خلف آثار ومخلفات حقيقية وملموسة لا أحدا منا ينكرها أو يغفلها، لأسباب متنوعة.

إذ تعتبر المرأة حجر الزاوية في مشروع التغيير. والتغيرات الكبرى مرهونة إلى حد بعيد بالمرأة وديناميتها وفعاليتها وقدرتها على اجتراح تجربتها الجديدة…

           فملف المرأة إذا تحرك في مجتمعاتنا، تحركت عجلة التغيير والإصلاح.

وفي كل مرحلة من مراحل هذا التحول المجتمعي يؤثر إما سلبا أو إيجابا على أوضاع المرأة المغربية، نظرا لاختلاف العقليات والثقافات، وخصوصا أننا بلد مغربي بتاريخه وهويته، وبالتالي يمكننا أن نتساءل: 

هل مكن القول أن المرأة المغربية تتأقلم وتأقلمت مع كل هاته التحولات المجتمعية ؟

     أيمكن الجزم أن هاته المرأة المغربية تتمتع بكافة الحقوق المنوطة بها؟

     إلى أي درجة يمكن القول أن المجتمع واعي ومدرك حقا بهاته الحقوق؟ 

     أليس هذا اليوم هو وقفة تقييمية – تأملية للإنجازات والإحاطات التي حققتها المرأة؟

 

المرأة المغربية من التمكين إلى الريادة

لمعالجة محور التحولات العالمية وأثرها على وضع المرأة المغربية يجعلنا مجبرين على الانطلاق بمجموعة من الدراسات والأبحاث ثم إحصائيات وطرح تساؤلات حول وضعية المرأة، كيف كانت، وأين أصبحت؟.

وفي خضم هذه التحولات راكمت دولة مسارا حقوقيا وتشريعيا ساعد في تحسين وضعية المرأة، من قبيل تضمين الدساتير مبدأ المساواة بين الجنسين، والتصديق على الاتفاقيات الدولية الخاصة برفع كل أشكال التمييز ضد المرأة، وإصلاح مدونة الأسرة، وتعديل قوانين الجنسية…

كل هاته الإصلاحات والقوانين والسياسات العمومية والبرامج التنموية المؤطرة لوضعية المرأة، ساهمت في تطوير مكانتها المجتمعية ورقيها وحضورها في كل الفعاليات والتظاهرات، وهو ما جعلها متواجدة في مختلف المراكز، شريكة للرجل في إبداء الرأي والمناقشات بجلسات عمومية  واتخاذ القرارات، لتصل إلى التأثير في القرار السياسي، والمشاركة في القوانين كذلك….

إن كل ما وصلنا إليه اليوم من رقي وتقدم، حتما ساهمت بنجاحه وبشكل كبير المرأة المغربية، وبه تمكنت على مختلف المستويات لتصل إلى الريادة، وأصبح يضرب لها ألف حساب وأصبحت تصنع القرار، بعد ما كانت مهمشة ومنتهكة للحقوق…

بالرجوع إلى التوجهات الملكية والقوانين الوطنية ومصادقة الدولة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية حماية للمرأة ولحقوقها مع ضمان حريتها في جميع المجالات، وهذا ما جعلها حاضرة وبقوة في مختلف المستويات…

إذ سجلت المندوبية السامية تقريرا لسنة 2022 يتضمن مجموعة من الأرقام المهمة لمكانة المرأة في المجتمع المغربي، وبه نستنتج أن: 

ففي المجال السياسي

في الهيئات الدبلوماسية

على المستوى القضائي

على المستوى الديني

على المستوى الاقتصادي

هي نسب مهمة تبرز بشكل واضح مكانة المرأة المجتمعية والدور الهام الذي عرفته في مختلف المجالات، إذ أنها عرفت تميزا ملحوظا سنة بعد سنة، يثبت مكانتها وما هو عليه الآن والذي ستصل إليه.

فأي موقع للمرأة المغربية في العمل الجمعوي؟

المرأة المغربية والعمل الجمعوي

 

إن وعي المرأة بأهمية ﺍﻟﻌمل الجمعوي يعتبر ضرورة ملحة، من أجل بلورة ممارسة نسائية تتجاوز التهميش الذي تعرفه قضايا المرأة، والالتحام بواقع النساء ومشاكلهن، من أجل إشراكهن في نقاش ذلك الواقع واقتراح أساليب تجاوزه وتغييره.

إن الحركة الجمعوية المغربية شهدت تطورا ملموسا في العقدين الأخيرين، تتبنى رؤية تتجاوز التنشيط الثقافي والرياضي وتؤكد على أهمية التشارك في التفاعل للنهوض بالمجتمع من خلال تطوير تجارب الاشتغال وتنويع الخدمات بتكتلات جمعوية متباينة شكلا ومضمونا.

ومع مرور الزمن العديد من الجمعيات ذات الطابع الحقوقي والتنموي والاجتماعي التي ترأسها نساء جمعويات مناضلات قدمن كل ما لديهن من جهد لخدمة الفئات التي تستهدفها برامج جمعياتهن.

لعل أهم ما ميز عمل المرأة المغربية في ساحة المجتمع المدني هو تفانيها من أجل تكريس ثقافة جادة تهتم بقضايا المرأة وشؤونها وتساهم في توعيتها، وتحسيسها بواقعها ومشاكلها، والمشاركة في مناقشة قضاياها واقتراح أساليب لتغيير وتجاوز واقع مزر تعيشه المرأة المغربية في العديد من المناطق النائية.

– أصبحت المرأة تعبر عن إرادتها وعن اقتراحاتها في القوانين ومشاريع القوانين،

– أصبحت المرأة تقدم ترافعات وملتمسات حول مجموعة من القضايا بكل حرية،

– أصبحت المرأة مسؤولة في مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية،

– أصبحت المرأة تساهم في تبني قيم المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات،

– أصبحت المرأة مناضلة ومكافحة في مختلف القضايا المجتمعية،

أصبح للجمعيات دور تنموي … فإن سعي المرأة إلى الاستفادة من الممارسة التنموية والانخراط في الجمعيات المهتمة بمجال التنمية ساهم بشكل كبير في إنجاح كثير من مخططات العمل التنموي. ونأى بالعمل الجمعوي عن كافة أشكال الممارسة الانتهازية المجهضة للمبادرات التنموية، والتي قد يقوم بها أشخاص ينسبون إلى أنفسهم قيادة العمل التنموي من خلال جمعيات تدعي أنها تمارس التنمية، وهي في الواقع لا تمارس إلا عمليات النهب للميزانيات المرصودة لهذا الغرض.

لهذا فإننا نجد أن انخراط المرأة بكثافة في الجمعيات المهتمة بمجال التنمية يعتبر شرطا لفرض احترام مبادئ العمل الجمعوي، ولتحقيق نزاهة التنمية، خاصة إذا تعلق الأمر بالجمعيات العاملة في صفوف النساء.

فسيدات العمل الجمعوي بذلك يكن قد لعبن دورا كبيرا ورائدا في تطوير الجمعيات باعتبارها مجالا لتصريف القناعات المختلفة، وإطارا لفرض الممارسة الديمقراطية ومصادرة الاستبداد المعشش في نسيج المجتمع، ومحاربة كل أشكال الانحطاط الأخلاقي الحاصل في المجتمع، وفق مقاربة تمكنهن من توسيع وتعزيز مشاركتهن باعتبارهن فاعلات رئيسيات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

فأي دور للمرأة المغربية في مجال التنمية؟ وكيف ساهمت في تحقيق الغايات المرجوة من المشاريع والأوراش التنموية ببلادنا؟؟

المرأة المغربية والتنمية

تعد المرأة إحدى أهم الأطراف مساهمة في تحقيق التنمية المستدامة والسعي من أجل بيئة نظيفة خالية من الكربون، ولا يقل دورها عن دور الرجل في إيجاد حلول.

لا تنمية اجتماعية دون مساواة كاملة بين الجنسين والقضاء على كافة أشكال التمييز، ولا استدامة متقدمة دون دور فاعل للنساء كرائدات أساسيات للتغيير.

وفي ظل الاهتمام بالتنمية أصبح للمرأة دور هام وكبير في تضافر الجهود والتشارك من أجل تحقيق التنمية والمسؤولية المجتمعية، وباتت مشاركتها في اتخاذ كافة القرارات التي تتعلق بالمجتمع. وأصبحت رسالتها التنموية هي في المقام الأول رسالة صدق وخدمة مجتمعية تهدف إلى تحسين حياة المجتمع من من خلال المساهمة في تنمية وتطوير المجتمع في المجالات المختلفة.

إن تقدم المجتمعات يقاس بدرجة تقدم النساء ونجد أن الإسلام أعطى صورة متكاملة منذ بداياته للدور الكبير للمرأة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وبقيامها بهذا الدور تكون قوة مؤثرة فعليا على كافة أوجه الحياة، ويتحقق بذلك مفهوم  التنمية الشاملة، الذي يسهم في ترقية المجتمع.

إن مشاركة المرأة الفعلية في كل المجالات وعلى مختلف المستويات، في اتخاذ القرارات السياسية من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، أبانت على فعاليتها وتركت بصمات ملموسة وملحوظة في التقدم والرقي، مما أدى إلى تعميم المسؤولية بأننا كلنا معنيون بمجتمع متقدم مزهر، وهذا ما ساهمت في تحقيقه هاته المرأة المسؤولة والغيورة والرائدة والمكافحة والصبارة والمناضلة…..

خاتمة:

       صفوة القول، يمكننا أن نقول على أن المرأة المغربية، في ظل كل هاته التحولات والتغييرات المجتمعية، ومع ما هو ملموسة وبين للعيان أنها أبانت بشكل كبير، أنها قادرة على التأقلم مع كافة هاته الأوضاع، ولها القدرة أيضا للمساهمة في المزيد من النضالات الحقوقية وإبداء رأيها بكل جرأة وحياد ومساواة ومناصفة للسعي والتنمية نحو واقع أفضل وأجمل بإذن الله تعالى.

       صحيح أن هناك مجموعة من الإحصائيات دالة على مكانة المرأة المجتمعية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه،

        – هل المرأة تخلصت من جميع أشكال التمييز؟

        – هل المرأة حقا تتمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها وطنيا ودوليا؟

         – ماذا تستفيد المرأة من هذا اليوم؟ وأي مكسب تحقق؟

         – هل في تخليد هذا اليوم إجحاف أم إنصاف للمرأة؟

    حقا لا زالت مجموعة من الممارسات العنيفة تمارس على المرأة في مختلف الأوساط المجمعية، وهذه إحصائيات تبين ذلك:

ناهيك على نسب الطلاق والتطليق خلال السنوات الأخيرة، ونسب تزويج القاصرات، والذي له مشاكل عديدة على مختلف المستويات، وأمام هذه الوضعية المقلقة، والارتفاع المهول للأرقام، والكل مشغول بتغيير مدونة الأسرة استجابة للتوجيهات الملكية، والنقاش الجدي، والسؤال المطروح، هل هذا التغيير جدري أو تغيير كلي لمدونة الأسرة؟

ولتحسين وضعية المرأة المغربية، والحد من هاته المشاكل لا بد من تكريس منظومة تشريعية شاملة للأسرة، لا بد من تغيير العقليات والمقتضيات القانونية الوطنية منها والدولية، لضمان حماية حقيقية وفعالة لهاته المرأة تنسجم وتستجيب لحاجياتها ومتطلباتها.

لهذا نقول أننا لا زلنا بحاجة ماسة لمجموعة من القواعد القانونية تنظيمية تأطيرية لوضعية الأسرة بشكل عام، أولها حمائية ثم وقائية فعلاجية.

 

 

معلومات حول الكاتب(ة):

*مصدق أسماء

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه

رئيسة مركز الزهور للوساطة والاستشارة الاجتماعية

متخصصة في التقنيات البديلة لحل النزاعات

متخصصة في مجال التنمية البشرية

 

قد يعجبك ايضا