العنف الرقمي ضد النساء: مظاهره وحدود الحماية في التشريعين المغربي والاماراتي

رسمية أحمد

المقدمة:

 

تزايدت في الآونة الأخيرة ممارسات العنف ضد النساء في المجتمع العربي، وأصبحت المرأة معرضة للعديد من المخاطر التي تقف عائقًا في سبيل آداء دورها في التنمية المجتمعية بدءًا بالتحرش الجنسي والإعتداء اللفظي أو البدني سواءً في نطاق الأسرة أو خارجها، بالإضافة إلى التمييز ضدها في مجالات العمل المختلفة.

وتشكل المراة نصف المجتمع وهي قوة فعالة ومؤثرة من حيث مساهمتها في قوة العمل وبناء الاسرة، وان ما يصيب المجتمع من تطور وتخلف انما يترك اثاره الايجابية والسلبية على المراة.

ومن المشاكل التي تعاني منها المراة في معظم المجتمعات بدرجات متفاوتة هو العنف ضد المراة والتي تكمل اكثر جذورها وعواملها الحقيقة داخل بناء المجتمع ومفاهيمه الثقافية والاجتماعية و التشريعية التي تقدم نوعا من الوعي الزائف للمراة والرجل بالذت والذات الاخر مما يجعل الرجل يحط من قدر المراة ويصادر حقوقها ويعلها تتقبل الكثير من مظاهر العنف التي تمارس ضدها على انه تصرف طبيعي وحق للرجل، وما زالت العادات والتقاليد والاعراف (التنشئة الاجتماعية) في مجتمعنا تعتم على العنف الاسري الذي يمارس ضد المراة وتعده من السرار البيوت.وسنعالج في هذا المقال موضوعا له راهنيته وأهميته يتعلق بالعنف الالكتروني الممارس على المرأة من خلال محورين نتطرق في الأول لمظاهر هذا العنف المستجد، وفي الثاني نتناول حدود الحماية المقررة للمرأة من العنف ،وذلك بالتركيز على التشريعين الاماراتي والمغربي.

المحور الأول: مظاهر العنف الرقمي ضد النساء

عندما نسمع كلمة “العنف” يتبادر لأذهان معظمنا العنف الجسدي. ولكن هناك العديد من أشكال العنف الأخرى التي يمكن أن تكون مؤلمة بنفس قدر العنف الجسدي في بعض الأحيان. واحداً من تلك الأشكال هو ما يسمى “بالعنف الرقمي” أو “المضايقات الإلكترونية” (1)،فماهو مفهوم العنف الرقمي ضد النساء؟ (أولا) وماهي أنواعه؟(ثانيا)

أولا: مفهوم العنف الرقمي ضد النساء

لم يتفق الباحثون على تسمية واحدة لهذه الظاهرة، إذ قوبلت كلمة Cyberbullying بالعنف التقني و إلالكتروني، العنف الرقمي، العنف عبر الانترنت، العنف عبر الهاتف المحمول، الاستقواء إلالكتروني، التنمر إلالكتروني، التسلط عبر الانترنت و البلطجة إلالكترونية.

و ارتبط تعريف العنف إلالكتروني باستخدام الاجهزة التكنولوجية و يقصد به كل السلوكيات المتعمدة و المتكررة التي تكون على شكل مضايقات أو إهانة شخص أو تهديده من الأجهزة الالكترونية وقد يكون المعتدي مجهول الهوية في المدرسةأو خارجها ويرتكبها فردأو جماعة،كما يتميزأن الضحايا لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بسهولة ويعرف أيضا “بأنه العنف الذي يمارس من خلال مواقع الصحف إلالكترونية، واستخدام كاميرات الموبايل و البلوتوث والتسجيلات الصوتية، بالاضافة لاختراق الخصوصيات عبر مواقع إلانترنت، بهدف إيقاع الاذى بالاخرين (2).

وهو أيضا شكل من أشكال العنف التي يستخدم فيها ألاقران املواقع إلالكترونية مثل البريد إلالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي بهدف التهديد و إلاهانةوالتحرش أو تخويف النظير، بخالف عنف ألاقران فإن املعتدي في العنف إلالكتروني لديه القدرة على إلغاءهويته.

وفي ذات السياق أكد Slonje و Smith أن العنف إلالكتروني أكثرخطورة من العنف التقليدي بسبب ثلاثة عوامل متمثلة في صعوبة الابتعاد عنه، اتساع الجمهور المحتمل وعدم مرئية أولئك الذين يقومون بالعنف  وهو فعل ضار بالاخرين.

وانطلاقا ما ذكر يمكن أن نعد العنف الالكتروني من أكثر أنواع العنف صعوبة وخطورة وتهديدا للمجتمع وقيمه إذ انه يمس الحياة الاجتماعية والنفسية للافراد والأسرة انتهاء بالمجتمع

ويُعرّف العنف الرقمي أو “المضايقات الإلكترونية” ضد النساء بأنها من أشكال العنف الأخرى التي يمكن أن تكون مؤلمة بنفس قدر العنف الجسدي في بعض الأحيان أو أكثر، وهو نوع ظهر مع تطور وسائط التواصل الاجتماعي، وينضاف إلى أساليب التعنيف على أساس النوع، ويأتي على شكل إهانة أو إساءة أو تهديد أو ابتزاز مباشر، أو عبر استخدام صور أو مقاطع فيديو ضد رغبة صاحبتها(3).

كما تُعرّف الأمم المتحدة العنف ضد النساء عبر الأنترنت بأنه ” أي عمل من أعمال العنف، يُرتكب ضد المرأة وتساعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل الهواتف الذكية والأنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني في تفاقمه.

و يعد العنف ضد المرأة عبر الانترنت انتهاكًا لحقها في حرية التعبير وتعدي على حقوقها الإنسانية التي تكفلها لها المواثيق والإتفاقيات الحقوقية الدولية مثلها مثل الرجل.

وتتعرض النساء لهذا العنف – العنف الرقمي- تقريبًا بشكل يومي خلال استخدامهن لشبكة الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ويأتي هذا العنف في أشكال متعددة كاستقبال رسائل تحمل تهديدات بالقتل أو الاعتداء جنسيًا أو العنف البدني، كما قد تتعرضن لمحاولات تتبع وإنتهاك للمعلومات الشخصية عبر البرامج الضارة أو قد يتم نشر معلومات أو صور مسيئة لهُن بهدف تدمير سمعتهن والتشهير بهن.

في بعض الأحيان قد يكون الشخص الذي يقف وراء هذه الأعمال شخصًا على معرفة شخصية بالضحية في حياتها اليومية ويستغل امكانية التواجد عبر الأنترنت بهوية مجهولة ليقوم بأعماله المريضة.

ثانيا: أنواع العنف الرقمي ضد النساء

تتعدد صور العنف الإلكتروني ضد المرأة  ويمكن حصرها في الصور التالية:

  • السب والشتم

وغالبا ما يجهل البعض أن السب والشتم الذي يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” “جريمة” يعاقب عليها القانون،و يتعامل معهما كأنها تمت عبر وسائل الإعلام.

وتكون هذه العقوبة مشددة إذا كانت عبر وسائل الإعلام كالفضائيات والصحف”، وأن “مرتكب هذه الجريمة في وسائل التواصل الاجتماعي، يتعامل معه القانون كأنه ظهر في فضائية أو صحيفة أو تلفزيون”(4)

  • اختراق الخصوصية أو محاولة اختراقها:

والذي يُقصد به الوصول إلى البيانات الشخصية، والمعلومات، والمحتويات الخاصة بالمجني عليها أو لأحد أفراد أسرتها أو عائلتها بصورة غير مشروعة أو محاولة الحصول عليها.

  • الإفصاح عن المعلومات الشخصية:

ويقصد به الكشف العلني عن معلومات خاصة أو تعريفية للضحية.

  • التمييز ضد المرأة:

وهي كل إساءة وتمييز وعنصرية ضد المرأة لكونها امرأة.

  • التنمر ضد المرأة:

وهو كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف للمجني عليها أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليها بقصد تخويفها أو وضعها موضع السخرية أو الحط من شأنها.

  • المُضايقات الجنسية:

إرسال الرسائل أو المحتويات المُسيئة أو الفاضحة دون رغبة المستلم.

  • التحرش الإلكتروني (5):

إرسال تعليقات أو رسائل أو محتويات مُسيئة أو فاضحة لبعض النساء أو إحداهن بغرض التعرض لها أو إهانتها أو خلق شعور بالكآبة لديها.

لقد أدخلت القواميس مفردات مستحدثة لوصف ظاهرة التحرش عبر الإنترنت، كالتحرش الإلكتروني، التحرش من بعد، التحرش الافتراضي، والتحرُّش الرقمي، التحرش السابيري… الخ. تتعدد المفردات وتختلف لتلتقي عند وصف كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة، ويتعدّى على خصوصيتها ويجرح مشاعرها، ويجعلها فاقدة للشعور بالأمان أو الاحترام، ويؤثر على حالتها النفسية والمزاجية(6).

  • التهديد الإلكتروني:

إرسال رسائل التهديد للمجني عليها على شبكة الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي ومنها التهديد بنشر بياناتها الشخصية أو أي معلومات أو بيانات متعلقة بها أو نشر أي محتوى مُسيء أو فاضح لها   .

  • الابتزاز الإلكتروني:

هو حمل الضحية على الاستجابة لمطالب الشخص المبتز إثر تهديدها بنشر بياناتها الشخصية أو أي معلومات خاصة بها أو نشر ما يُسيء إليها.

  • نشر المحتويات المُسيئة أو الفاضحة لها دون رضاها:

وهذه الجريمة تتحقق بنشر أي محتوى مسيء أو فاضح للمجني عليها دون رضاها حتى لو كان فعل الإساءة أو الفعل الفاضح كان برغبتها وعلمها ولكنها لا ترغب في نشره على نطاق أوسع مما وافقت عليه.

وعموما يتجسد العنف اللفظي ضدّ المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي في ثلاثة تمظهرات، أولها التنميط والسبُّ والشتم المَبني على لغة انفعالية قائمة على التنافر والعداء، ثانيها الدعوة إلى الكراهية من خلال خطاب صدامي يرتكز على التمييز السلبي ضدّ المرأة وثالثها يتجلى في منسوب مرتفع لحقل دلالي حيواني قدحي ينهل من التحريض المجتمعي ومن الإقصاء الجنسي.

المحور الثاني: حماية النساء من العنف الرقمي

أولا: الحماية التشريعية

  • بالنسبة للمشرع المغربي

تم إصدار قانوناً لحماية ضحايا العنف من النساء من خلال قانون 103.13، وهو قانون لا يقتصر فقط على العنف الجنسي والجسدي(7) ، بل يتضمن عنفاً رقمياً أيضا، و أن العنف الرقمي مرتبط أساساً بمواقع التواصل الاجتماعي والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وبذلك فالعنف الرقمي أقرب للعنف الجنسي.

فالتكنولوجيا أصبحت وسيلة لممارسة العنف افتراضياً، مشيرة إلى أن أغلبية حالات العنف المسجلة حالياً في صفوف النساء، لها ارتباط بالعنف الرقمي، حيث يتم إيذاء الطرف الآخر من خلال صور خليعة وكلمات وايحاءات جنسية.

ويلاخظ أن قانون 103.13 لم يشر للعنف الرقمي كأحد أشكال العنف، بل تناول العنف الجنسي، و العنف الاقتصادي، و العنف الجسدي، و العنف القانوني دون أن يحدد العنف الرقمي، لكنه يوجد ضمن فصول قانونية مستنبطة من القانون الجنائي، و هي نصوص تُعاقب على العنف الرقمي بعقوبات حبسية و غرامات مالية و فصول أخرى تشدّد العقوبة في حالة إذا كان المعنف عن طريق التكنولوجيا أو الفضاء الأزرق من الزوج أو الطليق أو الصديق، أو أي شخص له عَلاقة عمل أو قرابة مع الضحية(8) .

  • أما بخصوص التشريع الاماراتي

فالعنف يعد جريمة معاقب عليها حسب التشريع الاماراتي ففي المادة التاسعة بند 1 من المرسوم بقانون اتحادي لسنة 2019 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبالغرامة التي لا تزيد على خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أياً من أفعال العنف الأسري المنصوص عليها بالمادة الخامسة(9)؛ وذلك دون الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون آخر(10)..

ويعاقب على الابتزاز والتهديد الالكتروني المادة 42 كالاتي

1″- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250.000 مائتين وخمسين ألف درهم ولا تزيد على 500.000 خمسمائة ألف درهم, أو بإحدى هاتين العقوبتين, كل من ابتز أو هدد شخص آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.

2- وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 عشر سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جريمة أو بإسناد أمور خادشه للشرف أو الاعتبار وكان ذلك مصحوبا بطلب صريح أو ضمني للقيام بعمل أو الامتناع عنه”.

كما عاقب على السب والقذف في المادة 43 كما يلي:

“يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250.000 مائتين وخمسون ألف درهم ولا تزيد على (500.000) خمسمائة ألف درهم. أو بإحدى هاتين العقوبتين, كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلا للعقاب أو للازدراء من قبل الآخرين. وذلك باستخدام شبكة معلوماتية, أو إحدى وسائل تقنية المعلومات أو نظام معلوماتي.

فإذا وقعت إحدى الأفعال الواردة بالفقرة الأولى من هذه المادة في حق موظف عام أو مكلف بخدمة عامة بمناسبة أو بسبب تأدية عمله عد ذلك ظرفا مشددا للجريمة.”

و من ظواهر العنف ضد المرأة إكراهها على الزواج من إنسان غير راغبة فيه، مع أن الإسلام قرر ضرورة اخذ رأي وموافقة المرأة، وشرع رؤية كل منهما للآخر قبل الزواج، ومن ظواهر العنف ضد المرأة الظواهر الخارجة عن تعاليم الإسلام وآدابه مثل التحرش الجنسي والاغتصاب، وهي ظواهر سيئة لا يقرها شرع ولا إنسانية ولا آداب.

ومثل هذه الظواهر تعتبر عدواناً على كرامة المرأة وحقها في الحياة الآمنة المستقرة، كما أن ظاهرة النشوز كما تكون عند المرأة قد تكون عند الرجل، عندما يعرض عن زوجته ويبغضها ويسيء معاملتها.

ثانيا: الحماية القضائية

إن القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، لم يمنح العنف الرقمي حيزاً كبيراً، ولم يفصل في طرق الإثبات وغيرها، على الرغم من تفشي الظاهرة بشكل مستمر خاصة مع التطور التكنولوجي.

  • الفيسبوك كوسيلة للإثبات

تنص المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية المغربية على أنه يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، وبذلك فقد يكون الفيسبوك إحدى هذه الوسائل ويبقى للقاضي الجنائي أن يقرر ما إذا كان الفيسبوك شكلا مقبولا من الأدلة أو لا يمكن الاعتماد عليه.

  • الفيسبوك كمعيار للمتابعة

لقد شهد الرأي العام مجموعة من المتابعات الجنائية والتأديبية والتي باتت مشهورة (11)وهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية متابعة شخص معين من خلال ما يعرضه على الفيسبوك باعتبارها أفعال جرمية، خاصة ما يتعلق بالقذف والسب وغيرها من الأفعال المجرمة الماسة بالشرف أو بالحياة الخاصة للأفراد.

فهناك مسلكان أولهما :إذا تعرضت أي امرأة إلى العنف الرقمي عليها أولا أن تقوم بمعاينة بواسطة مفوض قضائي لجميع الرسائل والصور التي تتوصل بها الضحية من طرف المُعنِّف، وأثناء معاينة المفوض القضائي سينجز محضرا وهذا الأخير له قوة قانونية لا يمكن الطعن فيه.

أما المسلك الثاني، فهي القيام بلقطة شاشة الهاتف (السكرين شوت) قبل اندثارها والتي تعتبر أدلة قانونية لفعل العنف الرقمي الممارس على المرأة وتقديمها للمصالح الأمنية المختصة بذلك.

وبعد جمع هاته الأدلة يمكن للضحية أن تتقدم بشكايتها إلى النيابة العامة حتى وإن كانت ضد مجهول، للحد من العنف الممارس على النساء تم إحداث داخل المحاكم المغربية “خلية العنف ضد النساء والطفل” التي تتكلف بدراسة مثل هاته الشكايات.

بخصوص الامارات العربية ، فيمكن لضحايا الجرائم السيبرانية التي ترتكب عبر الفضاء الإلكتروني والحواسيب والشبكات الإبلاغ عنها في الدولة عبر:

  • منصة (eCrime ) لشرطة دبي
  • خدمة أمان- شرطة أبوظبي
  • التطبيق الذكي “مجتمعي آمن” الذي أطلقته النيابة العامة الاتحادية في يونيو 2018.
  • يمكن أيضاً الإبلاغ دائماً عن الجرائم الإلكترونية لدى أقرب مركز شرطة في المنطقة، والاتصال برقم 999 لطلب المساعدة .
  • الإبلاغ عن محتوى محظور إلى مقدمي خدمة الإنترنت في دولة الإمارات- هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية (12)

خلاصة

عرف العنف الرقمي ضد النساء ارتفاعا متناميا، خاصة التحرش ضد النساء أو الإكراه على العلاقات الجنسية، أو الابتزاز أو الاحتيال للحصول على المال، أو التهرب من المستحقات القانونية في قضايا الأسرة.

ويمكن توصيف العنف الرقمي الممارس ضد المرأة في العالم الافتراضي بكونه تكريس للعنف الموجه ضدها في العالم الواقعي، حيث يتم إسقاط المقولات المتداولة في العالم الواقعي على تفاعُلات العالَم الافتراضي؛ وفي المُحصّلة فإنَّ مكوّنات خطاب العُنف اللفظي ضدّ المرأة في العالم الرقمي مُكتَسبة من الوسَط الاجتماعي.

و الإنترنت ليس مكانًا خارج سلطة القانون، حتى لو كان يبدو غير ذلك في بعض الأحيان. قواعد وقوانين الحياة الواقعية تسري كذلك على هذا العالم الافتراضي على الفيسبوك وإنستجرام ومنتديات الدردشة وبلوج

و يعتبر قانون 103.13 قاصر في مواجهة الظاهرة، و لا يتم تفعيله في المراحل الأولى من التشكّي أو خلال إصدار الحكم، و أن الأحكام الصادرة تبخس من معاناة النساء، و يفقدن بذلك الثقة في الجهاز القضائي و القوانين.

أما في دولة الامارات فتنظيم العنف ضد المرأة يستمد مرجعيته من الشريعة وتأطيره داخل الجريمة الالكترونية ساعد في الحد دون انتشار هذه الظاهرة بشكل ملفت،كما أنها أحسنت صنعا عندما عددت من وسائل التبليغ ووسعت من نطاق وسائل الاثبات.

و ومن جهة أخرى فالتبليغ عن جريمة العنف الرقمي يكون قليلاً جداً بالنظر إلى غياب الإدراك بالمساطر القانونية المتبعة في ذلك.

إلى هنا نخرج بالخلاصات الاتية :

–         أن النساء تعرضن لجميع أشکال العنف المختلفة سواء الجسدي أو المعنوي أو الفظي

–       أسباب العنف التي حازت على نسبة عالية هي تلك المرتبطة  بالعصبية والشک والغيرة والتمسک بالأفکار الجاهلة.

–         الآثار السلبية التي نتجت عن تعرض المرأة للعنف هي القلق والإحباط والإکتاب وفقدان الثقة بالنفس.

–        أکثر من مارس العنف على المرأة هم الوالدين (الاب والام)

وبالتالي فإذا كانت أسباب  وأثار العنف ضد المرأة في شقه الالكتروني أو العادي واضحة ،فإن الأمر يتطلب إعادة النظر في التنظيم القانوني للعنف ضد المرأة  حتى يأخذ بعين الاعتبار جميع تمظهرات هذا العنف مع تشديد وتفعيل الجزاءات المقررة،ناهيك عن ضرورة توضيح وتبسيط مسطرة التبليغ عن الجريمة والتوسيع من وسائل الاثبات.

الهوامش:

1 شكل آخر من أشكال العنف الرقمي هو عندما يستخدم الناس الصور أو مقاطع الفيديو الحميمة لأشخاص آخرين لابتزازهم وتكون الصيغة التهديد على سبيل المثال: “إذا انفصلت ِعني سوف أرسل لكل المدرسة صوركِ العارية التي التقتها لكِ مؤخراً”.

2  من أمثلة ذلك ،أن السيدة المغربية لبنى نجيب (في الأربعينيات من عمرها) اقتحمت عالما ظل لوقت قريب حكرا على الرجال، وكانت المغربية الوحيدة التي تترأس جمعية للحرس الخاص، وتناضل في ظل نقابة مهنية، وتطرق الأبواب للدفاع عن فريقها، إلا أن نجاح لبنى سيضايق بعض منافسيها لينخرطوا في حملة تشهير بها، تهدف للمس بسمعتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، واستعملوا فيها السب والشتم ونشر الصور الخاصة.

وبعد معاناة طويلة -تعبت خلالها نفسيتها وأوقفت نشاطها لفترة، حيث تضرر عملها وتدهورت صحتها بحسب شهادتها للجزيرة نت- طرقت لبنى باب جمعية متخصصة في الدفاع عن حقوق النساء والترافع المدني لصالحهن.

تلقت لبنى، دعما نفسيا ومساعدة على فهم القانون الذي يجرّم العنف الذي مورس عليها، لتستجمع قواها وتتقدم بشكاية لدى القضاء، وتؤكد -في حديث للجزيرة نت- أن ما تعرضت وتتعرض له هو عنف أكثر ضررا من أشكال العنف الأخرى، وتطالب بضرورة تفعيل قوانين تجريم العنف الرقمي وردع المعتدين، معتبرة أن استباحة خصوصية النساء في الفضاءات الرقمية مرفوضة.

3  يعرف المشرع المغربي العنف الممارس على النساء بأنه : “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة” انظر المادة الأولى من القانون 103.13.

4 فبخصوص القانون المتعلق بالصحافة والنشر، نجده قد عاقب على القذف والسب الذي يتم نشره أو إداعته أو نقله بأي وسيلة من الوسائل(الفيسبوك مثلا)، ولاسيما المكتوبات أو الملصقات المعروضة على أنظار العموم (الفيسبوك) والتي تكون عبارة عن أخبار زائفة أو وقائع غير صحيحة في مواجهة شخص معين، أو هيئة أو في حق المجالس أو الهيئات القضائية أو المحاكم أو الجيوش البرية أو البحرية، وقد كان القضاء الفرنسي ممثلا في محكمة الجنح بريست، قد قضى بثلاث أشهر في حق شاب قام بإهانة الدرك الملكي على صفحة الفيسبوك، حيث اعتبرت المحكمة أن الإهانة على الفيسبوك بمثابة القذف العلني

5 تعرف روي (Rowe) التحرش الجنسي بأنه “فعل أو لفظ يحمل إيحاءات جنسية ضد رغبة الضحية”. كما يعرف بأنه “أي صيغة من الكلمات غير مرغوب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإساءة، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد”.

6 وهو الذي في الفقرة الثانية من الفصل 1-1-503 والتي تنص على أنه: “يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية”.

7 القانون المغربي لم يتحدث عن العنف الرقمي بصريح العبارة أو أدخله ضمن الأشكال الأربعة للعنف (الاقتصادي، النفسي، الجنسي والجسدي)، وإنما أشار إليه بمجموعة من النصوص القانونية المتفرقة في قانون رقم 103.13 وهي قليلة جدا بالنظر إلى أهمية هذا الموضوع”.

8 أشارالمشرع المغربي  إلى العنف الرقمي بشكل مباشر في الفصل 1-447 من قانون رقم 103.13 والذي يقول: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته” مبرزا أنه عند وقوع مثل هاته الممارسات فإنها تدخل في خانة العنف الرقمي”.

وتابع، أن الفصل 2 – 447 يشير إلى أنه:”يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم”

9 المرسوم بقانون اتحادي رقم 10 لسنة 2019 في شأن الحماية من العنف الأسري

10  مرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الالكترونية نُشر هذا المرسوم بقانون في الجريدة الرسمية وعُمل به اعتباراً من 2 يناير 2022

11 مثال حالات وقعت بالمغرب (مصور قائد الدروة سابقا، مصور الزفت، تدوينات بعض القضاة، سكيزوفرين)،

12  كشفت شرطة دبي أن 34.4٪ من الجرائم التي ترتكب ضد مواطنين في الدولة، لا يبلغون أجهزة الشرطة عنها، مؤكدة أن النساء أكثر ميلاً لعدم الابلاغ عن الجرائم المرتكبة ضدهن، موضحة أن 94.4٪ من جرائم السمعة لا يتم الإبلاغ عنها، بينما لا يتم الإبلاغ عن 90٪ من جرائم العرض و66٪ من جرائم الخدم

المراجع

  • عبد المحمود؛ عباس أبو شامة. البشري؛ محمد الأمين. (2005). العنف الأسري في ظل العولمة.(الطبعة الأولى). الرياض-السعودية: مرکز الدراسات والبحوث؛ جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
  • هلال؛ ناجي محمد. (2007). العنف الأسري في مجتمع الإمارات: دراسة ميدانية. (الطبعة الأولى). الشارقة- دولة الإمارات العربية المتحدة: مرکز بحوث الشرطة؛ شرطة الشارقة
  • إيهاب الحضري: الفضاء البديل، الممارسات السياسية والاجتماعية للشباب العربي على شبكة الإنترنت، مركز الحضارة العربية، الجيزة، 2010.
  • هناء الرملي، أبطال الإنترنت.. كيف تحمي نفسك من البلطجة الإلكترونية والتحرش الجنسي عبر الإنترنت، دار أزمنة لنشر والتوزيع، عمان‏، الطبعة الأولى، 2015.
  • نورا مصطفى جبران؛ هل ينافس التحرش الجنسي الالكتروني التحرش الجنسي المباشر بين المتحرش والضحية؟، جريدة الشرق الأوسط، مقال نُشر يوم الاثنين، 22 سبتمبر/أيلول 2014.
  • عبد العاطي، عمرو: التحرّش الجنسيّ من الشارع إلى شبكات التّواصل الاجتماعيّ، المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والإنسانية، أكتوبر، 2016؛
  • . Barak, Azy Sexual Harassment on the Internet, Social Science Computer Review, Vol. (23), No (1), Spring 2005

 

معلومات حول الكاتب:

رسمية أحمد

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه تخصص القانون العام

جامعة الحسن الثاني – الدارالبيضاء –

قد يعجبك ايضا