أحكام التعدد في مدونة الأسرة والعمل القضائي 

مريم الحيداوي

لم يكن المشرع المغربي بمقتضى الفصل 29 [1]من مدونة الأحوال الشخصية قبل التعديل يقيد التعدد سوى بشروطه الشرعية والمتمثلة في عدم تجاوز العدد المسموح به شرعا، وكذلك ضرورة العدل بين الزوجات دون أن يرتب أي أثر جزائي على عدم احترام هذا الشرط الأخير، فترك مسألة تقديره لضمير الزوج.

وبعد التعديل اشترط الفصل 30 [2]منها ضرورة إشعار الزوجة الأولى والتي لها أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها تحت طائلة صيرورة أمرها بيدها عند مخالفة الشرط برغبة الزوج في التزوج عليها وإشعار الثانية بأنه متزوج، وخول هذا الفصل 30 للزوجة الأولى إمكانية رفع أمرها للقاضي للنظر في الضرر الحاصل لها جراء إقبال الزوج على التعدد.

كما منح هذا الفصل للقاضي إمكانية رفض الطلب عندما يستشعر الخوف من عدم العدل بين الزوجات، ومع أن هذه الإمكانية عامة ومطلقة في الخوف من عدم العدل إلا أنها لا تنصب إلا على النواحي المادية.

إذا كان التقييد مقبولا ومطلوبا على النحو المذكور من حيث المبدأ، فإن الكيف والتطبيق يطرحان تساؤلات عديدة، تظهر تجلياتها وآثارها بداية من قيود النص التنظيمي للتعدد مرورا بالمسطرة الإجرائية وانتهاء بالسلطة التقديرية في منعه أو الإذن به.

فقد جاءت مدونة الأسرة ومنعت التعدد مطلقا متى اشترطت الزوجة عدم التزوج عليها بمقتضى المادة 40 [3]منها، وخولت المحكمة رفض الطلب في الحالة التي يخاف معها عدم العدل بعد قيام التعدد واشترطت في التعدد متى وافقت الزوجة التوفر على مواد كافية لإعالة أسرتين وتأسيس رغبة على مبرر موضوعي استثنائي.

وعليه فالإشكال الذي يثار في هذا الصدد هو ما مدى توفق المشرع المغربي في تنظيم الشروط المبررة للتعدد، وهل منح للقاضي سلطة واسعة في تقدير المبرر الموضوعي الاستثنائي أم ألزمه بالنص القانوني؟

ومنه فلدراسة هذا الإشكال لابد من التطرق إلى مجموعة من النقاط القانونية الأساسية وفق التصميم التالي:

الفرع الأول: مسطرة التعدد القضائية

الفرع الثاني: مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي وشرط الموارد الكافية لإعالة أسرتين

الفرع الأول: مسطرة التعدد القضائية

في حالة غياب شرط عدم التعدد في عقد الزواج الأول يتعين على الراغب في التعدد أن يتقدم بطلب للمحكمة طبقا للمادة 42 من مدونة الأسرة، يثبت خلاله المبرر الموضوعي الاستثنائي وراء رغبته وكذا وجود الموارد الكافية لإعالة أسرتين وتحقيق المساواة بينهما في جميع أوجه الحياة طبقا للمادة 41 من مدونة الأسرة.[4]

بعدها تستدعي المحكمة الزوجة الأولى فإن أبدت موافقتها بعد محاولة إصلاح بثث في الطلب بعد التأكد من وجود مبرر موضوعي استثنائي وتوفر الزوج على موارد كافية لإعالة أسرتين إما بالقبول إن تأكدت المحكمة من توفر شروط التعدد حسب مقتضيات المدونة أو بالرفض متى استشعرت الخوف من عدم إقامة العدل بين الزوجات.[5]

وإذا لم توافق الزوجة على التعدد وأصر الزوج على طلبه حاولت المحكمة  إجراء محاولة الصلح بينهما فإن لم توفق في إجراءه وأصر الطرفان على موقفهما، فإن طلبت الزوجة التطليق حكم لها بمستحقات يتعين على الزوج إيداعها بصندوق المحكمة داخل أجل 7 أيام من تاريخ الأمر وإلا عد متراجعا عن طلب الإذن بالتعدد، وإذا لم تطلب الزوجة التطليق طبقت المحكمة مسطرة الشقاق تلقائيا طبقا للمادة 45 من مدونة الأسرة، ومتى توفرت الشروط المطلوبة وارتأت المحكمة الاستجابة للطلب أدنت المحكمة بالتعدد بمقرر معلل غير قابل للطعن يمكن تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالها طبقا للمادة 44 من مدونة الأسرة.[6]

ولا يأذن المأذون له بالتعدد على الزوجة الثانية إلا بعد اشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك، ويتوجب تضمين هذا الإشعار والرضا الصادر من الزوجة الثانية في محضر رسمي طبقا للمادة 46 من مدونة الأسرة.[7]

الفرع الثاني: مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي وشرط الموارد الكافية لإعالة أسرتين

لم يحدد المشرع المغربي بكيفية واضحة المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي تاركا أمر تقديره للمحكمة وهي تنظر كل حالة على حدة.

المبرر الموضوعي حسب الأستاذ الكشبور مالا تستقر بغيره جوانب مادية أو معنوية من حياة الانسان ومن ذلك أن تكون المرأة عاقرا أو تنفر كثيرا من الاتصال الجنسي أو ألا تكون لها الرغبة فيه مطلقا أو أن تكون مصلبة بمرض عضال يقعدها عن الفراش، ويرى أن التكييف الراجع أمره بهذا الشأن للمحكمة يتعين التضييق فيه لأن الأمر يتعلق برخصة تحمل طابع الاستثناء.

وهكذا يتحقق المبرر الموضوعي الاستثنائي أن يكون الطلب الرامي للتعدد مستندا على سبب مشروع ويكون كذلك إذا توفرت فيه صفتي الموضوعية والاستثنائية المتلازمتان بحيث لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى لورودهما في النص متتاليتين غير معطوفتين، مما يفيد أن تتحقق الموضوعية دون صفة الاستثنائية يجعل الطلب غير مبرر والعكس صحيح كذلك.

غير أنه بالرجوع إلى أحكام وقرارات محاكم الموضوع بدرجتيها، يتضح مدى التناقض الواضح في تحديد مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي المذكور من محكمة إلى أخرى ومن هيئة إلى أخرى داخل نفس المحكمة، بل بين حالة وأخرى من هيئة حكم واحدة.

فابتدائية الفقيه بن صالح تأذن بالتعدد لعدم قدرة الزوجة الأولى على الجماع[8]وتأذن به لمرض الزوجة الأولى وعدم قدرتها على القيام بشؤونها دون مساعدة الغير[9] وتأذن به لعلة هجر الزوجة الأولى فراش الزوجة لمدة طويلة[10] وأيضا لعدم قدرة الزوجة على الانجاب[11] باعتبار ما ذكر مبررات موضوعية استثنائية.

نجد في المقابل ابتدائية تزنيت ترفض الإذن بالتعدد لامتناع الزوجة عن المعاشرة الجنسية رغم موافقتها على التعدد، معتبرة امتناع الزوجة على المعاشرة الجنسية لا يعد مبررا موضوعيا استثنائيا، بل اعتبرت موقف الزوجة في الامتناع عن المعاشرة موقفا سليما ودعت الزوج إلى احترام موقفها الذي لا تلائم عليه من وجهة نظر المحكمة.

وإلى جانب المبرر الموضوعي والاستثنائي، فقد اشترط المشرع المغربي أن يكون طالب التعدد قادر على إعالة أسرتين ومدى كونه كفيلا بضمان جميع الحقوق المترتبة من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، وهذه المسألة واقع يثبتها الطالب وتقدرها المحكمة.[12]

وبالرجوع إلى الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن، يتضح مدى التضييق   والتعسف في العديد من الحالات في تقدير المحكمة لمدى ملائمة دخل الزوج مريد التعدد في قضاء حاجيات الأسرتين، فالمحكمة الابتدائية بطنجة اعتبرت دخلا يتراوح ما بين 6.000 و8.000 درهم كافيا لإعالة أسرتين، في ذات المدينة[13] نجد ابتدائية تزنيت تعتبر دخلا بمبلغ 6.000 درهم لا يكفي لإعالة أسرتين في الوسط القروي، حيث جاء في حكم لها (…وحيث إن الزوج ينشط في تجارة الماشية، وأن هذا النشاط يدر عليه دخلا قدره ستة آلاف درهم شهريا حسب تصريحه.. إن هذا المدخول قد لا يكفي لتغطية حاجياته وحاجيات زوجته وأولاده الخمسة القاصرين…).[14]

قائمة المراجع:

  • أنظر المادة 29 من مدونة الأحوال الشخصية
  • أنظر المادة 30 من مدونة الأحوال الشخصية
  • أنظر المادة 40 من مدونة الأسرة.
  • أنظر المادتين 41 و42 من مدونة الأسرة.
  • في حالة ما إذا توصلت الزوجة باستدعاء حضور الجلسة شخصيا ولم تحضر أنذرت من طرف كتابة الضبط بضرورة الحضور للجلسة المقبلة تحت طائلة البث في طلب الزوج في غيابها، كما أنه في حالة لم تتوصل الزوجة بالاستدعاء وأفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعائها فيه بثت المحكمة في طلب التعدد في غيبتها، أنظر المادة 43 من مدونة الأسرة.
  • أنظر المادتين 44 و45 من مدونة الأسرة.
  • أنظر المادة 46 من مدونة الأسرة.
  • حكم صادر بتاريخ 2007/11/19، وزارة العدل المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، ج1 ص 50.
  • حكم صادر بتاريخ2007/04/30، ج 1 ص 50.
  • حكم صادر بتاريخ 2007/03/12، ج1 ص 52.
  • حكم صادر بتاريخ 2007/04/23، ج1 ص 53
  • أحمد الكشبور: شرح مدونة الأسرة، الجزء 1 ص52.
  • حكم صادر بتاريخ 2005/10/06، أورده عبد الله أبو عوض أثر الاجتهاد الفقهي والقضائي في تعديل مدونة الأسرة، ص 232.
  • حكم صادر بتاريخ 2011/11/03 غير منشور.

لائحة الإحالات:

[1] أنظر المادة 29 من مدونة الأحوال الشخصية

[2] أنظر المادة 30 من مدونة الأحوال الشخصية

[3] أنظر المادة 40 من مدونة الأسرة.

[4] أنظر المادتين 41 و42 من مدونة الأسرة.

[5] في حالة ما إذا توصلت الزوجة باستدعاء حضور الجلسة شخصيا ولم تحضر أنذرت من طرف كتابة الضبط بضرورة الحضور للجلسة المقبلة تحت طائلة البث في طلب الزوج في غيابها، كما أنه في حالة لم تتوصل الزوجة بالاستدعاء وأفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعائها فيه بثت المحكمة في طلب التعدد في غيبتها، أنظر المادة 43 من مدونة الأسرة.

[6] أنظر المادتين 44 و45 من مدونة الأسرة.

[7] أنظر المادة 46 من مدونة الأسرة.

[8] حكم صادر بتاريخ 2007/11/19، وزارة العدل المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، ج1 ص 50.

[9] حكم صادر بتاريخ2007/04/30، ج 1 ص 50.

[10] حكم صادر بتاريخ 2007/03/12، ج1 ص 52.

[11] حكم صادر بتاريخ 2007/04/23، ج1 ص 53

[12]محمد الكشبور: شرح مدونة الأسرة، الجزء 1 ص52.

[13] حكم صادر بتاريخ 2005/10/06، أورده عبد الله أبو عوض أثر الاجتهاد الفقهي والقضائي في تعديل مدونة الأسرة، ص 232.

[14] حكم صادر بتاريخ 2011/11/03 غير منشور.

معلومات حول الكاتب/ة:

مريم الحيداوي

طالبة باحثة في صف الدكتوراه بجامعة القاضي عياض مراكش

قد يعجبك ايضا