تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على القانون الدولي

هند ريان

مقدمة:

القانون الدولي مجموعة قواعد قانونية تحكم الدول وغيرها من الأشخاص الدولية، وهو ما يعني أن قواعد هذا القانون لا ينحصر تطبيقها في العلاقات بين الدول فحسب، بل يتعداه إلى الأشخاص الدولية الأخرى، مثل المنظمات الدولية والشركات المتعددة الجنسيات وإلى الأفراد في حالات معينة، باعتبار أن القانون الدولي هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات المتبادلة بين الدول وغيرها من الأشخاص الدولية، فهو يتميز عن القانون الدولي الخاص الذي يضم القواعد القانونية التي تحكم القضايا ذات العنصر الأجنبي، وبالتالي فإذا كان هناك قانون دولي عام واحد لجميع الدول، فإن لكل دولة مجموعة من القوانين الداخلية والأنظمة والاجتهادات القضائية الوطنية التي تدخل في نطاق القانون الدولي الخاص، لأن هذا الأخير ينظم علاقة الفرد بدولة أجنبية لا علاقة دول فيما بينها التي تدخل ضمن نطاق القانون الدولي العام .

إن قواعد القانون الدولي تقوم على مبدأ رئيسي – من بين مبادئ أخرى – ألا وهو حظر استعمال القوة أو التهديد باستعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدول الأخرى، المبدأ الذي أقرته الدول في المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية لغرض حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويرقى هذا المبدأ إلى اعتباره قاعدة آمرة في القانون الدولي؛ فكل اتفاق بين الدول ينص على ما يخالفه يُعد اتفاقاً باطلاً بطلاناً مطلقاً، ولا يرد على هذا المبدأ إلا استثناءان يتمثلان في حق الدفاع عن النفس (بما في ذلك الدفاع المشترك)، وصلاحية مجلس الأمن في ترخيص استعمال القوة لغرض فرض السلم الدولي أو إعادته لنصابه بموجب المادة 42 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

إلا أنه ما نراه اليوم يعد انتهاك للمادة 42 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة و لقواعد القانون الدولي، حيث حلفت الحرب الروسية الأوكرانية عديد من الخسائر البشرية والمادية هذا ما دفع الدول إلى التدخل ومحاولة حل الأزمة الروسية الأوكرانية

تتمثل إشكالية موضوع: تداعيات الحرب الروسية الأكرانية على القانون الدولي في :

كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على القانون الدولي؟

للإجابة عن الإشكالية قسمت الموضوع إلى محورين:

المحور الأول: اثار الحرب الروسية الاوكرانية على القانون الدولي

المحور الثاني : الجهود المبذولة لحل أزمة الحرب الروسية الأوكرانية

 

المحور الأول: اثار الحرب الروسية الاوكرانية على القانون الدولي

إن قيام روسيا بالهجوم على اوكرانيا هو عملية غزو منظم ومعلنة و لا تأتي ضمن نطاق الدفاع المشروع عن النفس، كون روسيا الطرف الذي بدأ الهجوم و تصرفها مخالف و ناقض لقرارات القانون الدولي. إن مبدأ سيادة الدول واستقلال أراضيها وحظر استخدام القوة هي قواعد ذات طابع عرفي لا يجوز تخطيها أو انتهاكها في أي حال من الأحوال. صلاحيات مجلس الأمن والأمم المتحدة في الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا تنحصر ضمن فرض عقوبات اقتصادية أو استخدام القوة العسكرية إذا ما صدر عن مجلس الأمن قرار تحت البند السابع يفيد بأن التصرف الروسي يهدد الأمن و السلم الدوليين و هذا لا يمكن ان يحدث لأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن و ستستخدم حق الفيتو ضد أي قرار يصدر بهذا الشأن. لذلك باب العقوبات الاقتصادية و التحركات خارج إطار الامم المتحدة و مجلس الأمن هي الأدوات الوحيدة المتبقية بيد الغرب و المجتمع الدولي للرد على الغزو الروسي لأوكرانيا.[1]

تشن روسيا حربا على أوكرانيا وتهاجم بشكل صارخ المدنيين والبنية التحتية المدنية منذ 24 فبراير 2022م. فقد تسبب هذا الصراع الذي بدأه غزو روسي غير مبرر في إلحاق الموت والمعاناة على نطاق واسع بالمدنيين والأفراد العسكريين الأوكرانيين.[2]

وفقا للأمم المتحدة، نزح أكثر من 7.1 مليون أوكراني داخل بلادهم وغير ما يقرب من 5.3 مليون أوكراني الحدود ليصبحوا لاجئين في بلدان أوروبية أخرى، ويقدر أن حوالي 13 مليون شخص تقطعت بهم السبل في المناطق المتضررة أو غير قادرين على المغادرة بسبب المخاطر الأمنية المتزايدة، وتدمير الجسور والطرق، فضلا عن نقص الموارد أو المعلومات حول أماكن الأمان والإقامة، كما تعتقد اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أن ثلثي الأطفال الأوكرانيين قد تأثروا واضطروا إلى الفرار من منازلهم.[3]

و بين 24 شباط/ فبراير 2022، أي منذ بدء الاعتداء المسلح الروسي على أوكرانيا، و18 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سقوط 17,595 ضحية مدنية في البلاد: فتم توثيق 6,826 قتيلا و10,769 جريحا. ومن بينهم:

–  6,826 قتيلا (2,686 رجلا و1,822 امرأة و174 طفلة و216 طفلا من الذكور، فضلا عن 38 طفلا و1,890 بالغا لم يتم تحديد جنسهم بعد).

_  10,769 جريحا (2,336 رجلا و1,690 امرأة و224 طفلة و314 أطفال من الذكور، بالإضافة إلى 252 طفلا و5,953 بالغا لم يتم تحديد جنسهم بعد).

كما تم توثيق سقوط عدد من الضحايا في مناطق مختلفة من البلاد وذلك على الشكل التالي:

  • في منطقتي دونيتسك ولوهانسك: 9,620 ضحية (4,036 قتيلا و5,584 جريحا).
  • في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة: 7,519 ضحية (3,553 قتيلا و3,966 جريحا).
  • في الأراضي التي تسيطر عليها القوات المسلحة الروسية والجماعات المسلحة الموالية لها: 2,101 ضحية (483 قتيلا و1,618 جريحا).
  • في مناطق أخرى من أوكرانيا (مدينة كييف وتشيركاسي وتشيرنيهيف وإيفانو فرانكيفسك وخاركيف وخيرسون وكيروفوهراد وكييف وميكولايف وأوديسا وسومي وزابوروجي ودنيبروبتروفسك وخميلنيتسكي وبولتافا وريفني وترنوبيل وفينيتسيا وومناطق زيتومير)، كانت تحت سيطرة الحكومة عند وقوع الإصابات: 7,975 ضحية (2,790 قتيلا و5,185 جريحا).

ولا يزال استخدامُ الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة النطاق، مثل القصف بالمدفعية الثقيلة ومنظومات قاذفات الصواريخ المتعددة والصواريخ والغارات الجوية، يتسبب بمعظم هذه الخسائر في صفوف المدنيين.

وتعتبر المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير، حيث يتأخر تلقي المعلومات من بعض المواقع التي تدور فيها أعمال عدائية مكثفة، ولا يزال العديد من التقارير معلقة تنتظر التأكيد.

وقد تسببت القوات الروسية أيضا في دمار بيئي واسع النطاق حيث تؤدي الانفجارات والحرائق إلى تلويث الهواء المحيط بالغازات السامة، وأيضا يؤدي تدمير المنشآت الصناعية إلى تلويث المياه والتربة بمواد كيميائية خطرة، وتفيد التقارير بأن الأنشطة العسكرية الروسية في البحر الأسود تتسبب في تلوث واسع النطاق وتعطيل الحياة البحرية.[4]

كما ينتهك الغزو الروسي لأوكرانيا المادة 2 فقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، وهو مبدأ مركزي في الميثاق يتطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الامتناع عن “استخدام القوة ضد وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة”، وعليه نجد أن تبرير الرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولين روس آخرين بأن استخدام روسيا للقوة مبرر بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لا يدعمهم في الواقع، حيث تنص المادة 51 على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فردا أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم اذا اعتدت قوة المسلحة على أعضاء الأمم المتحدة.[5]

و بناء على التقارير الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة والمنظمات الحقوقية الدولية، فقد تعرض القانون الدولي الإنساني لانتهاكات في اتفاقيتي لاهاي وجنيف من قبل روسيا حيث قامت القوات الروسية بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في ماريوبول في انتهاك للمواد 38 و 39 و 55 و 71 من اتفاقية جنيف الرابعة)، وعرقلة عمليات إجلاء المدنيين بهجمات على الممرات الإنسانية (في انتهاك للمادة 17 من اتفاقية جنيف الرابعة وربما المادة 49 إذا كان النقل القسري يصل إلى حد الترحيل)، واستهداف المدنيين والأعيان المدنية انتهاك المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول…

إجمالا أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى العديد من الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان والقانون الدولي من قبل القوات الروسية، ومع ذلك أشارت تقارير إلى أن الجيش الأوكراني انتهك أيضا القانون الدولي الإنساني ولكن بدرجة أقل في معاملته لأسرى الحرب من الجيش الروسي.

المحور الثاني : الجهود المبذولة لحل أزمة الحرب الروسية الأوكرانية

تعتبر “الأزمة الأوكرانية” من القضايا الهامة المثارة على الساحة الدولية، وذلك بسبب التدخل الخارجي من قبل قوتين “روسيا والقوى الغربية.

فكما هو معهود في العلاقات الدولية فإن الأزمات بين الدول تأتي نتيجة لصراع أو نزاع أو تناقض في المصالح الاستراتيجية لدى الطرفين المعنيين، أو عندما يمس أمنها القومي خطر محدق.

حاولت مجموعة من الدول في حل أزمة الروسية الأوكرانية، حيث دعت اللجنة الدولية جميع الدول إلى تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة الثقيلة في المناطق الحضرية، وتحديدا أنها يجب ألا تستخدم ما لم تتخذ تدابير كافية لتقليل المخاطر المترتبة عليها المتمثلة في إلحاق الضرر بالمدنيين.

وعلى أرض الواقع اليوم في أوكرانيا، تتمثل بالأساس الخطوات المباشرة التي يجب على الطرفين اتخاذها لدعم مبادئ التمييز والتناسب والاحتياط في ما يأتي: أولا، الامتناع عن استخدام أسلحة غير مناسبة للمناطق المأهولة بالسكان تنجم عنها مثل هذه المعاناة الشديدة. ثانيا، السماح للمدنيين بمغادرة المناطق المحاصرة أو المطوقة، إذا لزم الأمر من خلال اتفاقات وقف إطلاق النار أو الممر الإنساني الآمن أو أشكال أخرى من الاتفاقات، مع إيلاء اهتمام خاص للمجموعات التي تواجه مخاطر محددة مثل الجرحى والمرضى وذوي الإعاقة وكبار السن، والأطفال أو حالات الولادة. وثالثا، تجنب وضع أهداف عسكرية والقتال من مواقع داخل مناطق مكتظة بالسكان أو بالقرب منها قدر الإمكان.

وأخيرا، تشكل القيود المفروضة على اختيار الأسلحة جزءا مهمّا من قانون سير العمليات العدائية. وبوجه عام، يحظر القانون الدولي الإنساني استخدام أي أسلحة «من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرِّر لها» وأي سلاح له آثار عشوائية.

كما يحظر القانون الإنساني ومعاهدات أسلحة معينة استخدام أنواع معينة من الأسلحة أو إنتاجها أو تخزينها أو بيعها. فقد جرم القانون الدولي الإنساني أنواعا معينة من الأسلحة من خلال سلسلة من المعاهدات الدولية، لا سيما الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية وأسلحة الليزر المسبب للعمى والألغام الأرضية المضادة للأفراد.[6]

كما دعت المنظمة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التمسك بميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر استخدام القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، والدفاع عنه. وأشارت إلى أن الاستثناءات الوحيدة لهذه الأحكام هي الدفاع عن النفس واستخدام القوة بموجب تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – ولا ينطبق أي منهما على الأزمة الجارية.

وشددت منظمة العفو الدولية كذلك على أنه بموجب القانون الدولي، يتعين على جميع الدول تسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية وبطريقة لا تعرض السلام والأمن والعدالة الدولية للخطر.

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “الغزو الروسي لأوكرانيا خطير وشديد ويتصف بطابع رئيسي أوحد: ألا هو العدوان. فروسيا تغزو قلب أوكرانيا، وتسعى إلى خلع حكومتها المنتخبة بشكل قانوني، مع تأثير حقيقي ومحتمل في حياة المدنيين وسلامتهم ورفاههم، ولا يمكن تبرير أفعالها مطلقا بالاستناد إلى أي من الأسس التي قدمتها روسيا. بينما ترتكب كل هذه التجاوزات على يد دولة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.”

إن روسيا تنتهك بشكل واضح التزاماتها الدولية. وتتعارض أعمالها بشكل صارخ مع القواعد والمبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة. وينبغي لجميع أعضاء الأمم المتحدة إدانة هذا السلوك إدانة لا لبس فيها.[7]

و تشهد الساحة العالمية في الفترة الأخيرة حالة من القلق والاضطراب بعد التصعيد العسكري من جانب روسيا تجاه أوكرانيا، ومع تسارع وتيرة الأحداث بين أوكرانيا وروسيا فهي تعد واحدة من أهم الازمات على الساحة الدولية في الوقت الحالي  اذا لا يمكن التعامل معها كأزمة انفصالية ولا يمكن التهاون بقوتها سواء من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أو الأتحاد الأوربي.

في ظل  إستمرار هذه الأزمة فرضت واشنطن مجموعة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على روسيا المتهمة “بزعزعة الاستقرار الدولي” بأعتبار أن هذه العقوبات ستحمل الاقتصاد الروسي ضغوطآ اضافية بالاضافة الي انها ستصبح غير مرحب بها عالميآ مما قد يسبب تراجع في خطوات بوتين للغزو خشية من هذه العقوبات.

تبادل كلا البلدين الاتهامات ، في الوقت الذي قامت فيه موسكو باتهام واشنطن بتهديد الامن والسلم الدوليين لذلك تقوم الولايات المتحدة بإستخدام المنصة الدولية كقوة ضغط على روسيا بالاضافة الي تلويحها بجانب بريطانيا بفرض عقوبات جديدة على روسيا.

على الرغم من زيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا خلال هذا العام والوقوف بجانبها للتصدي لأي عدوان وهو ما تمثله روسيا بالتحديد  الي انه قامت وزارة الدفاع الأمريكية بسحب اعضاء الحرس الوطني التابع لها من اوكرانيا واعادة تمركزهم في مناطق اخرى في أوربا ، ذلك لا يعني تخليها عن حليفها الاوكراني ولكن هو بمثابة اعطائها بعض المرونة للتصدي للعدوان ، في الوقت الذي قامت فيه الادارة الامريكية بحث رعاياها على ضرورة مغادرة أوكرانيا خشية من وقوع الحرب في اي وقت لأنها على علم بأن هذه الحرب بمثابة حرب عالمية ثالثة لأن الجيش الروسي هو من أكبر الجيوش عالميا ولا يمكن الاستهانة به.[8]

إن دخول تركيا على خط الأزمة الأوكرانية يجعلها على المحك، لأنها دولة مشاطئة للبحر الأسود، فضلا عن كونها، عضو في الناتو، ولها علاقات طيبة مع  طرفي الأزمة، لذلك حرص الرئيس أردوغان، على القيام بوساطة بين البلدين لنزع فتيل الأزمة.

لكن الرئيس بوتين، غير راض من تضامن أنقرة مع كييف، ودعم استراتيجية الناتو لتوسيع نفوذه في البحرالأسود، باعتبارها عضوا فى الناتو، وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة بالنسبة إلى روسيا بشأن التزام تركيا بمعاهدة مونترو 1936 التي تنظّم حركة النقل البحري عبر مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يربطان بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.

وحاول الرئيس أردوغان، أن يحافظ على حياده خلال الأزمة، فدعا الرئيسين بوتين و زيلنسكي، إلى اللقاء في تركيا، لكن بوتين لم يستجب لهذه المبادرة، لأن بوتين اعتبرأردوغان غيرمحايد، لأن إردوغان يرى أن الصراع  فى دونباس يجب أن يُحلّ على أساس وحدة الأراضي الأوكرانية، وهو ما تعارضه موسكو، كما يرفض استعادة موسكو شبه جزيرة القرم، لذلك رفض بوتين وساطة أردوغان، وقال: عليه أن يؤثرعلى صديقه زيلنسكي، وينصحه بعدم خوض هذه المغامرة العسكرية في دونباس، وتنفيذ اتفاقات مينسك 2015، وإنه ليس لموسكو مشكلة مع أوكرانيا، مشكلتها مع الولايات المتحدة الأميركية.

أما الموقف الألماني فكان غير واضح، فمن جهة رفضت برلين تسليح أوكرانيا، ومن جهة أخرى، دعت إلى ضرورة الحوار مع موسكو، فيما يبدو التوجس الألماني واضحا من حرب في أوكرانيا وما قد يحققه بوتين على حساب أوروبا.

وفي تصريحات صارمة ، تعهدت برلين بأن أي غزو لأوكرانيا  سيكون له”عواقب خطيرة”على روسيا، وأن عقوبات قد تستهدف خط أنابيب “نورد ستريم ” المخصص لإيصال الغاز الروسي إلى أوروبا.

كما قال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية، إن الاتحاد يبذل كل جهوده لمنع نشوب حرب وحل الأزمة الأوكرانية دبلوماسيا.

وأضاف بوريل في تصريح صحفي، قبل انعقاد اجتماعات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي “نحشد جهودنا لحل الأزمة الأوكرانية دبلوماسيا”.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي أكمل العمل على حزمة العقوبات ضد روسيا، وفي حال تطورت الأوضاع سيتم عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول الاتحاد للإعلان عنها.[9]

كما أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز دعم المملكة العربية السعودية للجهود الدولية كافة الرامية لإيجاد حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة الروسية – الأوكرانية، ووقف العمليات العسكرية، بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات، ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وشدد الملك سلمان على أن ما يشهده العالم من حروب وصراعات يحتّم العودة لصوت العقل والحكمة وتفعيل قنوات الحوار والتفاوض والحلول السلمية بما يوقف القتال ويحمي المدنيين ويوفر فرص السلام والأمن والنماء للجميع. وقال خادم الحرمين الشريفين، خلال افتتاحه أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، بحضور الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إن السعودية تعمل جنباً إلى جنب مع شركائها الدوليين لتخفيف وطأة الآثار السلبية للنزاعات المسلحة وانعكاساتها المؤلمة على الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن إجمالي المساعدات السعودية في مجال الأمن الغذائي والزراعي يتجاوز 2.8 مليار دولار، وأن السعودية تعد إحدى أكبر 3 دول مانحة على المستوى الدولي.

 

خاتمة:

يتضح مما تقدم أن القانون الدولي قابل للاستدعاء في الأزمات والمواقف الدولية في حالات مختلفة، لكنه موجود على الورق فقط، في غياب سلطة عليا قادرة على تطبيقه وفرض حمايته. وهذا وضع يغري كل من يملك القوة على استخدامها في كل مرة يتصور فيها أنه يستطيع أن ينجو بفعلته، رغم تحريم اللجوء إليها أو حتى مجرد التهديد بها تحريما قاطعا. وحين كانت الولايات المتحدة تهيمن منفردة على العالم، لم يكن بمقدور أحد غيرها استخدام القوة. أما الآن، وبعد أن وصلت الهيمنة الأميركية المنفردة إلى نهايتها، أصبح بمقدور غيرها استخدام القوة أيضا، ما يوحي بأن النظام الدولي على وشك الدخول في مرحلة فوضى وعدم استقرار إلى أن يتم العثور على نقطة توازن جديدة.

القانون هو مظلة الضعفاء، أما القوة فهي أداة الأقوياء، لذا، لن يكون بمقدور المجتمع الدولي أن ينعم بالأمن والاستقرار ما لم يقرر الأقوياء في المجتمع الدولي إقامة نظام عالمي يضمن الأمن والاستقرار للجميع، الأقوياء منهم والضعفاء، أو بعبارة أخرى، إقامة نظام للأمن الجماعي يكون قابلا للتطبيق، وهو ما لا يمكن أن يتم من دون إصلاح جذري للأمم المتحدة. وتلك هي “الفريضة” الغائبة الآن في المرحلة الراهنة من مراحل تطور النظام الدولي.

إن تصرفات روسيا في أوكرانيا تشكل انتهاكا جسيما وخطيرا للقانون الدولي. ففي عام 1994، وافقت أوكرانيا على التخلي عن الأسلحة النووية التي ورثتها من الاتحاد السوفييتي، في مقابل تعهد رسمي من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا بحماية سلامة أوكرانيا الإقليمية وسيادتها. والآن انتهكت روسيا هذا التعهد، ولا يضر هذا بأوكرانيا فحسب بل يضر أيضا الإطار القانوني الدولي لمنع الانتشار النووي.

وما لم تغير روسيا مسارها_ وهو ما يبدو غير مرجح في أي وقت قريب _فإن العواقب العالمية قد تكون وخيمة. فسوف تفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على روسيا، وهو ما من شأنه أن يضعف اقتصاد روسيا والاقتصاد العالمي _ ويؤجج المزيد من التوتر والنزعات القومية. وقد تؤدي الأخطاء إلى كارثة عنيفة. وما علينا إلا أن نتذكر دوامة الغطرسة والحسابات الخاطئة التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى قبل قرن من الزمان.

لائحة الإحالات والمراجع:

[1] –  محمد يوسف « الاجتياح الروسي لأوكرانيا و تداعياته من منظور القانون الدولي” ، مقال منشور على الموقع الالكتروني التالي:

الاجتياح الروسي لأوكرانيا و تداعياته من منظور القانون الدولي

تم نشره في 12 ابريل 2022 .

تم الاطلاع عليه في 25/12/2022 على الساعة 13:45

[2] – علي راشد سالم بن نابع الطنيجي ” أزمة تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني في الحرب الروسية الأوكرانية” ، مجلة للبحوث والدراسات ، عدد التاسع 2022، ص: 140

[3] – المشردون داخليا ،تاريخ الاطلاع على الموقع الالكتروني 25/12/2022 على الساعة 10: 15 الرابط:

[4] – إحاطة عن الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب الروسية

العدوان على أوكرانيا (23-29 يونيو 2022) ، وزارة الطاقة وحماية البيئة في أوكرانيا، تاريخ الاطلاع على الموقع الالكتروني 28/12/2022 على الساعة 18:30  الرابط التالي:

https://mepr.gov.ua/en/news/39368.html

[5] – للمزيد انظر ميثاق الأمم المتحدة، موقع الأمم المتحدة على الرابط التالي:

https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/full-text

تاريخ الاطلاع 28/12/2022 على الساعة 20:00

[6]– كورديولا درويغ،  اللجنة الدولية للصليب الاحمر، ” النزاع المسلح في أوكرانيا: ملخص القواعد الأساسية للقانون الدولي الانساني”

الرابط :

النزاع المسلح في أوكرانيا: ملخص القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني

تم الاطلاع عليه في 28/12/2022 على الساعة 12:30

[7] – أنياس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، تتحدث عن موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية

[8] – حبيبة هاني الدسوقي باشا ” الوساطة الدولية لحل الأزمة الأوكرانية والسيناريوهات المحتملة”، المركز الديمقراطي العربي ، 15 فبراير 2022، منشور على الموقع الالكتروني التالي:

الوساطة الدولية لحل الأزمة الأوكرانية والسيناريوهات المحتملة

تاريخ الاطلاع: 28/12/2022 على الساعة: 14:20

[9] – جوزيب بوريل مفوض الاتحاد الاوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية

معلومات حول الكاتبة:

الباحثة القانونية هند ريان

خريجة ماستر العلوم الجنائية والدراسات الأمنية بطنجة

قد يعجبك ايضا