امتياز بائع الأصل التجاري وفق مستجدات القانون رقم 18-21

دة. حسناء بنسكسال

مقدمة:

ازدادت أهمية ضمانات بائع الأصل التجاري في الآونة الأخيرة أكثر منها في السنوات السابقة، حيث ارتفعت قيمة الأصول التجارية إلى أضعاف ما كانت عليه في الماضي بسبب ارتفاع قيمتها العالية، مما أدى إلى عدم قدرة المشتري على دفع الثمن عند التعاقد. بحيث قد يتفق المتعاقدان على تقسيط المبلغ ليقوم المشتري بسدادها في الميعاد المتفق عليه، بالتالي يتعين على هذا الأخير تقديم ضمانات كافية يطمئن إليها بائع الأصل في استفاء الثمن كله أو الجزء المتبقي منه، أو بالأحرى استرداد الأصل من المشتري إذا لم يقم بدفع ما عليه من الثمن حتى في حالة التسوية أو التصفية القضائية.

الامر الذي دفع بالمشرع المغربي شأنه شأن باقي التشريعات المقارنة إلى إصداره للقانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة( )،الذي شكل ثورة نوعية فيما يخص المنظومة القانونية بالمغرب، حيث تضمن مقتضيات قانونية جديدة أو مغيرة أو متممة أو ناسخة لمقتضيات قانون الالتزامات والعقود ومدونة التجارة، إلى جانب مقتضيات خاصة تتعلق بإحداث السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة ووكيل الضمانات، وذلك بغاية وضع حد لكل اعتداء أثناء تفويت الأصل التجاري على حقوق البائع، حيث يضطر البائع خوفا من المشتري من عدم قدرته على الوفاء في الميعاد المحدد، بإجبار المشتري على أن يقدم له ضمانات عينية حتى يطمئن البائع من استيفاء باقي الثمن، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى إرهاق المشتري بسبب تقديم هذه الضمانات وعدم توفر الائتمان لديه، مما يؤدي إلى الإضرار به وعجزه عن مزاولة التجارة بسبب تقديمه لهذه الضمانات.
ونظرا لأهمية الموضوع فإنه يثير إشكالية تتمثل في ما مدى تعزيز قيد الامتياز في السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة على توفير الحماية الكافية لبائع الأصل التجاري؟

للإجابة عن الاشكال نقترح التصميم الاتي:

الفقرة الاولى: مقومات الحق في الامتياز
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن الحق في الامتياز

الفقرة الأولى: مقومات الحق في الامتياز

يستفيد من حق الامتياز بائع الأصل التجاري المؤجل الثمن إذا احترم الشروط التي أوجبتها المادة 91 من مدونة التجارة) أولا)، كونه يتميز بخصائص فريدة (ثانيا) تميزه عن البائع الخاضع للقواعد العامة، وهذا ما سنوضحه في ما يلي:

أولا: الشروط المنظمة لامتياز البائع

نصت مدونة التجارة على مجموعة من الشروط لنشوء حق الامتياز كضمانة مخولة لفائدة بائع الأصل التجاري والمتمثلة في ما يلي:

1- تقييد الامتياز في السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة

من بين المستجدات التي جاء بها القانون رقم18-21 المتعلق بالضمانات المنقولة، أن يقدم البائع على تسجيل امتيازه في السجل الوطني الإلكتروني للضمانات المنقولة( ) بدل تقييده بالسجل الممسوك لدى كتابة الضبط المحكمة سابقا، وذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ عقد البيع تحت طائلة البطلان طبقا للمادة 92 من مدونة التجارة( ).

كما يتوجب على البائع خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إخطاره أو الثلاثين يوما التالية لعلمه بالنقل، أن يقوم بإجراء قيد تعديلي في السجل المذكور يحدد فيه المقر الجديد للأصل التجاري، حين يعلم من طرف المدين بنقل الأصل التجاري من مكانه إلى مكان( ). فإذا أغفل البائع إجراء ذلك أمكن أن تقضي المحكمة بإسقاط امتيازه، إذا تبين أنه تسبب بتقصيره ذلك في إلحاق ضرر بالغير الذي يفاجأ بامتياز أو رهن سابق غير مشهر، الأمر الذي أدى إلى تغليطه بشأن الوضعية القانونية للأصل التجاري( ).

2- تجزئة الامتياز إلى ثلاثة أقسام في العقد والقيد

الأصل أن الامتياز لا يتجزأ فيقع على المبيع بأكمله بدون تفرقة، إلا أن المشرع خرج عن القاعدة فيما يخص امتياز بائع الأصل التجاري، بحيث أوجب ضرورة وضع أثمان مميزة لعناصر الأصل التجاري المعنوية وللبضائع والمعدات( ).بحيث يكون كل واحد من المبالغ الثلاثة التي يتركب منها الثمن، مضمونا بالامتياز على العنصر الذي يقابله، إذ يتعين أن يخصم ما يدفع من الثمن أولا من ثمن البضائع إلى أن يتم الوفاء بكامل ثمنها، وعندئذ ينقضي الامتياز المنصب عليها، ثم يخصم ما يدفع بعد ذلك من ثمن المعدات إلى أن يتم سداده بالكامل. فإذا استوفى البائع ثمن المعدات فإن امتيازه المقرر عليها ينقضي أيضا، ولا يبقى بعد ذلك للبائع سوى امتيازه المقرر على العناصر المعنوية للأصل( ).

إلا أن الإشكال يطرح نفسه في حالة ما اذا ذكر ثمن الأصل التجاري بصفة إجمالية، وبدون تجزئة إلى ثلاثة أثمان متميزة: ثمن البضائع، ثمن المعدات، وثمن العناصر المعنوية في وثيقة البيع وفي القيد، فهل في هذه الحالة ينشأ للبائع الحق في الامتياز؟

أجاب المشرع المغربي عن هذا الإشكال من خلال الفقرة الثالثة من المادة 91 من مدونة التجارة، حيث أورد أنه في حالة ما لم تعين أثمان عناصر الأصل التجاري بدقة في البيع وفي التقييد، ففي هذه الحالة يسري الامتياز على العناصر المعنوية للأصل التجاري بما فيها الاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والزبناء والسمعة التجارية( ).

وقد ذهب فقه إلى أنه في حالة ذكر الثمن إجماليا وبدون تجزئة في وثيقة البيع وفي القيد، فالراجح أن الامتياز لا ينشأ ولا يكون هناك محل للقيد ولا يكون للمحكمة أية سلطة للحديث عن امتياز البائع، لأنه في حكم العدم والعدم لا حكم له( ).

في حين ذهب رأي آخر إلى أنه في حالة غياب التحديد في وثيقة البيع وفي القيد، فإن الامتياز ينصب على العناصر المعنوية للأصل التجاري،وللمحكمة السلطة التقديرية في تحديد جزء الثمن الخاص بهذه العناصر مستعينة في ذلك بخبير، ويكون المبلغ الخاص بهذه العناصر المعنوية ممتازا، بحيث ينصب الامتياز عليها وحدها دون غيرها من سائر العناصر المادية( ).

ومن خلال اطلاعنا على هذه الآراء، نعتقد أن الاتجاه الأول كان موقف متطرفا، حيث أقر بعدم نشوء الامتياز في حالة ذكر الثمن إجماليا وبدون تجزئة في وثيقة البيع والقيد. خصوصا وأن التشريع المدني الفرنسي نظم قواعد التفسير من الفصل 1156 إلى 1164، مما يفسح المجال للقاضي لتأويل العقد لمصلحة البائع.

وذلك على عكس الاتجاه الثاني الذي كان مرنا، حيث أعطى أولوية الامتياز على العناصر المعنوية، مع منح السلطة التقديرية لقضاء الموضوع لتحديد المبلغ الخاص بهذه العناصر.

3- تجديد الامتياز كل خمس سنوات

يضمن امتياز البائع المقرر على الأصل التجاري حق صاحبه في الثمن كله أو بعضه، ويضمن كذلك فوائد الثمن، ذلك أن التقييد يضمن بنفس المرتبة التي للدين الأصلي، فوائد سنة واحدة فقط والسنة الجارية، شريطة أن ينتج الحق في الفوائد من العقد وأن يكون مقيدا وأن يشار إلى سعره في سند التقييد( ).

ولتجديد تقييد الامتياز بالسجل الوطني الالكتروني، لابد من انقضاء الآجل المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 16 من القانون رقم 21.18، والمحدد في آجل اقصاه خمس سنوات ابتداء من تاريخ سريان مفعوله الى حين تاريخ انقضائه.

وفي جميع الحالات، يتعين لزوما إشعار تجديد الامتياز في السجل قبل تاريخ انقضاء آجل القيد المذكور، أي قبل انقضاء اجل خمس سنوات، ويحتج بتقييد اشعار تجديد الامتياز الى غاية التاريخ الجديد لانقضائه، أي أنه يبقى ساري المفعول في مواجهة الغير إلى أن ينقضي أجل الاشعار.

والجدير بالذكر أنه ليس من شروط تجديد الامتياز تحديد العناصر التي سينصب عليها هذا الحق في المستقبل، لأن المشرع قد جعل الامتياز في مثل هذه الحالة منصبا على الاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والزبناء والسمعة التجارية( ). مما يتضح معه استبعاد المشرع المغربي من محل امتياز البائع العناصر المادية للأصل التجاري، وهي البضائع والمعدات باعتبارها قابلة للتداول.

ثانيا: الخصائص المميزة لحق امتياز بائع الأصل التجاري

ينفرد امتياز بائع الأصل التجاري بالخاصيات التالية:

1-امتياز البائع لا يتجز

من المتعارف عليه أن حق امتياز البائع لا يتجزأ، بمعنى أن كل جزء من المبيع ضامن للثمن كله، وكل جزء من الثمن مضمون بالمبيع كله. غير أن المشرع المغربي قضى بتقسيمه إلى ثلاث أقسام؛ يقع الجزء الأول على السلع والبضائع، والثاني على المعدات، والثالث على العناصرالمعنوية .

2-وجوب اتباع الترتيب التشريعي لاستخلاص الأداءات غير الناجزة

جاء في الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 91 من مدونة التجارة ما يلي:” بالرغم من كل اتفاق مخالف فإن الأداءات غير الناجزة نقدا، تخصم أولا من ثمن البضائع ثم من ثمن المعدات”، والحكمة التي دعت المشرع إلى اعتماد مثل هذا الترتيب تعود إلى رغبته في تطهير البضائع من امتياز البائع بأسرع ما يمكن، لأنها مصدر ائتمان المشتري وأهم ما يعتمد عليه دائنوه.

3- استمرار امتياز البائع رغم وقوع التسوية او التصفية القضائية

بخلاف القواعد العامة التي تقضي بحرمان بائع المنقول – في حالة وقوع المشتري تحت نظامي التسوية أو التصفية القضائية- من طلب الفسخ والاسترداد، فإن بائع الأصل التجاري يضل يحتفظ بحقه في الامتياز ولو كان المشتري تحت نظام التسوية والتصفية القضائية( ).

الفقرة الثانية: الآثار المترتبةعن الحق في الامتياز

يترتب على الاحتفاظ بالامتياز من خلال تقييده خلال خمسة عشر يوما من تاريخ عقد البيع، أن يكون للبائع الحق في استيفاء ثمن المبيع بالأفضلية (أولا)، على الدائنين العاديين والدائنين الممتازين المتأخرين عليه في المرتبة، كما يكون له الحق بتتبع (ثانيا) الأصل التجاري.

أولا: حق الأولوية والأفضلية

يحق لبائع الأصل التجاري استيفاء حقه متقدما على دائني المشتري في الحصول على الدين المضمون بالامتياز من ثمن عناصر الأصل التجاري، كما خول له المشرع المغربي حق استيفاء دينه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين والدائنين الممتازين عليه في المرتبة.

وأفضلية بائع الاصل التجاري رهينة في تحققها على توفر شكلية الكتابة والقيد في السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة المحدث بمقتضى القانون 21.18، وإلا لا يكون نافذا بين المتعاقدين ولا ملزما للغير. كما يجب أن يكون الدين المضمون بالامتياز حال الأداء، فلا يجوز للدائن المرتهن أن يطالب بدين لم يحل أجله بعد، كما لا يكون لحق الأفضلية معنى إلا إذا كان للمدين دائنان أو أكثر يتنازعان توزيع المبلغ الناتج عن بيع الشيء المرهون( ).

بيد أن الملاحظ أن البائع له أفضلية في استيفاء دينه على غيره من الدائنين الممتازين حتى ولو كان امتيازه تاليا له في القيد، وذلك طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 92 م.ت التي جاء فيها ما يلي:”… تعطى لهذا التقييد الأولوية على كل تقييد اتخذ في الأجل نفسه يكون سببه راجع إلى المشتري…”. وهذا خلافا للأصل في القواعد العامة التي تراعى فيها تواريخ القيد في ترتيب الأسبقية بين الدائنين أرباب الديون المقيدة، بحيث تكون الأولوية لمن كان تاريخ قيده قبل غيره.

بالتالي إذا ما قام بائع الأصل التجاري بقيد امتيازه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ البيع، يبقى محتفظا برتبته وصحته بدون إجراءات جديدة إلى أن يسقط بصورة قانونية ويشطب قيده من السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة، كما يستمر امتياز البائع طول مدة القيد في السجل الوطني، وذلك خلال أجل أقصاه خمس سنوات، قابلة للتجديد، شريطة ألا يتجاوز هذا الأخير الأجل المذكور لمدة مماثلة عند الاقتضاء،

ولعل الغاية من تقرير هذا الامتياز لبائع الأصل التجاري، هي الحيلولة بين المشتري وبين محاولة الإضرار بالبائع الذي لم يستوفي كامل الثمن، عن طريق ترتيب رهن على الأصل عقب إبرام البيع مباشرة، وقبل أن يتمكن البائع من قيد امتيازه في الموعد المقرر له حسب القانون( ).

كما تجدر الاشارة، إلى أن حق الأفضلية ينتج آثاره سواء كان المنقول موضوع الرهن في يد المدين الراهن أو في يد الغير، فهو يحمي الدائن المرتهن من خروج المنقول من ذمة المدين الراهن ويجنبه مزاحمة باقي الدائنين.

ثانيا: حق التتبع

يقصد بحق التتبع تمكين البائع من تتبع الأصل التجاري في أي يد وجد، إذ يمكنه استنادا إلى هذا الحق أن يثير تتبع بيع الأصل ولو كان محلا لبيع ثان، والحصول على الثمن من المشتري من الباطن للأصل التجاري( ).
وبداهة فإن الحديث عن هذا الحق لا يكون إلا إذا خرج هذا المال من تحت يد مالكه إلى يد حائز جديد، أما إذا بقي المال تحت يد المشتري فلا تظهر حاجة البائع إلى تتبعه، إذ يكون له التنفيذ على الأصل التجاري وبيعه تحت يد المشتري واقتضاء حقه من ثمنه( ).

وتجدر الاشارة إلى أن الحق في التتبع لا يمكن ممارسته إلا ضد الغير الحائز للمنقول المرهون، كما قد تمتنع ممارسة حق التتبع، بينما لا يمكن منع ممارسة حق الأفضلية، بمعنى أن حق الأفضلية يمكن بقاؤه دون حق التتبع، بحيث قد يقضي القانون سلب الدائن المرتهن ميزة التتبع، كما هو الشأن بالنسبة لنزع المكية من أجل المنفعة العامة أو في بيع العقار أو المنقول في المزاد العلني.

خاتمة:

نستخلص من كل ما سبق، بأن امتياز البائع يجعله يسبق كل دائن للمشتري ولو تعلق الأمر بأصحاب الرهن الرسمي على الأصل التجاري، وما يعزز هذه الحماية ما جاء به القانون رقم 18-21 من ضمانات خصوصا على مستوى السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة، غايته تمكين الدائنين بالقروض من معرفة تفاصيل الوضعية المالية للمقاولة التي قاموا بتمويلها، مما يجسد إرادة المشرع المغربي في خلق مصادر تمويلية للمقاولات الصغرى والمتوسطة وفي جلب الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال.

معلومات حول الكاتبة:

حسناء بنسكسال
دكتوراه في الحقوق

قد يعجبك ايضا