رئيس النيابة العامة: دور القضاء في إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان
كلمة السيد الوكيل العام للملك،
رئيس النيابة العامة
في افتتاح أشغال الندوة الدولية
حول موضوع:
(دور القضاء في إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان)
يوم الاثنين 12 دجنبر 2022
بمقر رئاسة النيابة العامة
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛
- السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
- السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
- السيد وسيط المملكة؛
- السيد ممثل وزير العدل؛
- السيدة سفيرة الاتحاد الأوروبي بالرباط ( Patricia LLOMBART CUSSAC)
- السيدة رئيسة مكتب مجلس أوربا بالمغرب(Carmen Morte Gomez)؛
- السيدات والسادة المسؤولون القضائيون؛
- السيدات والسادة رؤساء الأقطاب والشعب والوحدات برئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
– السيدات والسادة ممثلو المؤسسات والهيئات الوطنية؛
- السيدات والسادة ممثلو وسائل الإعلام؛
- حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والاحترام الواجب لشخصه.
يشرفني في مستهل هذا اللقاء أن أعبر لكم عن عميق فخري واعتزازي بمشاركتي بمعيتكم افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية حول موضوع: (دور القضاء في إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان).
وبهذه المناسبة أود أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على تفضله بالحضور معنا في افتتاح أشغال هذه الندوة الدولية، والذي يعكس حرصه الدائم على أن يكون القضاء المغربي بجميع مكوناته نموذجاً يحتذى به في حماية حقوق الإنسان والذود عنها.
كما يطيب لي أن أرحب بالسيد وسيط المملكة والسيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على حضورهما معنا في أشغال هذه الندوة لا سيما ان السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان لها التزام في ندوة تنعقد مزامنة مع هذا اللقاء بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، فلها منا خالص الشكر والامتنان على تشريفهما لنا بالحضور.
كما يطيب لي أن أتقدم بالشكر الجزيل أيضاً للخبراء الأجانب ولكل من ساهم في إنجاز هذه الندوة العلمية التي تندرج في إطار تخليد الذكرى الـ 75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تصادف العاشر من دجنبر والتي تتميز بخصوصية خلال هذه السنة على اعتبار أنها تنطلق ابتداءً من 10 دجنبر 2022 حتى نهاية سنة 2023، وفي هذا الإطار حرصت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها على تنظيم أنشطة تروم إبراز دور النيابة العامة والقضاء في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها تخليداً لهذا اليوم.
ولا بد من التذكير، بهذه المناسبة، بالقيمة التي يكتسيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالنظر لما تضمنه من مبادئ عامة جعلته يحظى بدعم واعتماد من طرف الأمم المتحدة بإجماع أعضائها، حيث أصبحت مصدر إلهام لكافة الدول في تطوير ما أصبح يعرف اليوم بمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بما تشمله من اتفاقيات أساسية في مجال حقوق الإنسان وهيئات مكلفة بمراقبة مدى التزام الدول بمقتضيات تلك الاتفاقيات، وغيرها من الآليات كآلية الاستعراض الدوري الشامل وآليات الإجراءات الخاصة التي تساهم جميعها في تتبع تنفيذ الدول لمقتضيات تلك الاتفاقيات وتطوير المعايير الدولية المترتبة عنها.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد انخرطت المملكة المغربية في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في وقت مبكر، وتواصل هذا الانخراط حيث أصبحت بلادنا اليوم من بين الدول المصادقة والمنضمة إلى الاتفاقيات التسع الأساسية في مجال حقوق الإنسان والتي تشكل مع البروتكولات الملحقة بها ما يسمى بالنواة الصلبة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. كما تعززت الممارسة الاتفاقية لبلادنا في هذا الشأن عبر التفاعل مع هيئات الأمم المتحدة الموكول لها تتبع تنفيذ مقتضيات تلك الاتفاقيات ومراقبة مدى وفاء الدول الأطراف بالتزاماتها المترتبة عنها.
ومن أجل إعمال المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الوطني، فقد حرصت بلادنا على تقوية وتطوير الإطار القانوني والمؤسساتي تنزيلا لمقتضيات دستور 2011، التي نصت على تشبث المملكة المغربية بمنظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وعلى سمو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها على التشريعات الوطنية في إطار أحكام الدستور.
ونظرا للمكانة التي أولاها الدستور، من خلال التأكيد على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتعزيز دوره في حماية الحقوق والحريات فإن السلطة القضائية انخرطت بجميع مكوناتها في تنزيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وفي تنفيذ الالتزامات الدولية المترتبة عن الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا المجال والتي صادق عليها المغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن جل، إن لم نقل كل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أولت مكانة متميزة للقضاء باعتباره وسيلة للانتصاف، فالاحتكام إلى القضاء مبدأ أساسي لفرض سيادة القانون وضمان مبدأ المساواة أمامه، وحماية حقوق الإنسان. وقد دأبت الهيئات الدولية لحقوق الإنسان بمناسبة فحصها للتقارير الدورية للدول الأطراف على طلب معلومات حول الاجتهادات القضائية الوطنية في موضوع إعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى توجيه ملاحظات وتوصيات بشأن أهمية استقلال القضاء ودوره في إعمال تلك المعايير، فضلا عن تشديدها على ضرورة حماية استقلال القضاة وضمان حيادهم ونزاهتهم.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد انخرطت السلطة القضائية بجميع مكوناتها في مسار تعزيز حقوق الإنسان والنهوض بها ببلادنا. وفي هذا السياق ركزت رئاسة النيابة العامة على ربط مواضيع التكوين المختارة في مجال حقوق الانسان ، سواءً بالنسبة لهذا اليوم الدراسي أو غيره من الدورات التكوينية بالممارسة العملية لقضاة النيابة العامة وقضاة الحكم عبر التطرق لبعض الحقوق ومفهومها ونطاقها في القانون الدولي لحقوق الإنسان بهدف الالمام بالمعايير الدولية المتعلقة بتلك الحقوق، واجتهادات وقرارات الهيئات المعنية، وطبيعة التزامات الدول بموجب تلك الاتفاقيات، واجتهادات المحاكم الوطنية والدولية ودور قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة في حماية تلك الحقوق ومراعاة المعايير الدولية وتنفيذ التزامات المملكة المغربية الدولية أثناء ممارستهم لمهامهم. ويتعلق الأمر على الخصوص بالمعايير الدولية ذات الصلة بالحق في المحاكمة العادلة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة، والحماية ضد الاعتقال التعسفي، والمعايير الدولية ذات الصلة باستعمال القوة من طرف الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
وهو ذات الاتجاه الذي ما فتئت هذه الرئاسة بتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية تنحو نحوه، والرامي إلى تعزيز إدماج بُعد حقوق الإنسان في عمل القضاة لاسيما من خلال تنفيذ البرنامج الطموح المتعلق بتعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان الذي أطلقت أشغاله في اليوم العاشر من شهر دجنبر سنة 2020 احتفالا بالذكرى 72 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويستهدف هذا البرنامج تمكين قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم من مواكبة التطورات التي تعرفها منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولا سيما فيما يتعلق بمكانة القضاء ودوره في حماية الحقوق والحريات وتملك المعايير الدولية ذات الصلة والاطلاع على الممارسات الفضلى والتجارب المقارنة لإعمال تلك المعايير.
ويجدر التذكير بهذه المناسبة، وبكل اختصار بحصيلة تنفيذ هذا البرنامج حيث استفاد منه إلى حدود اليوم 210 مسؤولا قضائيا و719 قاضية وقاض من قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة، إضافة إلى 123 مستفيداً من أطر ومسؤولي رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فضلاً عن 108 مستفيدة ومستفيد يمثلون مؤسسات وطنية أخرى من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي والمندوبية العامة لإدارة السجون، علما بأن العزم قائم على مواصلة هذا البرنامج التكويني في مجال تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الانسان بالتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
حضرات السيدات والسادة؛
في ختام هذه الكلمة، أود أن أتقدم بخالص عبارات الشكر والتقدير لجميع السيدات والسادة المشاركين في هذه الندوة، وبالشكر الجزيل لكل من ساهم في إعدادها والتحضير لها وتنفيذها، كما لا تفوتني الفرصة لأجدد شكري للسادة الخبراء الأجانب وقضاة الاتصال المعتمدين ببلادنا، آملا أن تحقق الأهداف المرجوة منها وأن تساهم في تبادل الخبرات والتجارب والممارسات الفضلى بين أنظمة قضائية مختلفة بما يخدم دور القضاء في حماية حقوق الإنسان وتطوير العمل القضائي في مجال إعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان، سائلا العلي القدير أن يوفقنا جميعا لما فيه خير بلادنا وخدمة العدالة وحماية الحقوق والحريات لنكون عند حسن ظن مولانا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزره بصنوه الرشيد مولاي الرشيد، وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع الدعاء وبالإجابة جدير.
والله ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
م. الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة