القضاء الاستعجالي في المادة العقارية

سعيد وامدين

ونظرا لاعتبار القضاء من أهم عوامل استقرار المجتمعات الحديثة، كما أن اللجوء إلى القضاء يعتبر من الحقوق الأساسية للفرد المكرسة بموجب الدستور، لأجل طلب الحماية الكافية لحقوقه، وتحقيق الغاية من ذلك يتوقف على حسن القضاء وتحقيق العدالة مع هذا محاطة بشكليات لا مفر منها، فهي محكومة بمواعيد مقررة تمكن الخصوم من تهيئة قضايا وتحضير دفاعهم والمحكمة تستغرق من جهتها وقت في تفحص القضية وتحقيقها، إلا أنه وبالنظر إلى التقدم الاقتصادي والصناعي الحاصل واتساع نطاق المعاملات وتشعبها بين المتعاملين، وما ترتب عن ذلك من نهضة تشريعية أخذت تساير هذا النشاط في مختلف اتجاهاته ونواحيه، ظهرت الحاجة إلى قضاء من نوع خاص أطلق عليه القضاء الاستعجالي الذي أصبح وسيلة لحماية الأوضاع الظاهرة، وصيانة حق من الحقوق أو دليل من أدلة الدعوى كل هذا وذلك دون التصدي لأساس القضايا وجوهر النزاعات
وعليه فإن أهمية الموضوع تكمن في كون القضاء الاستعجالي يشكل وسيلة فعالة كحماية الحقوق حماية وقتية، هذه الحقوق التي لا تحتمل التأخير، إضافة إلى الحد من المشكل القانوني الذي يطرح نفسه بإصرار ألا وهو الخطر الناجم عن بطء الحماية القضائية للحق، فهو يشكل دعامة يعتمد عليها لحسن سير العدالة. وعليه فإن هذا الموضوع يطرح مجموعة من الإشكالات اهمها ماذا نقصد بالقضاء الاستعجالي ؟وماهي ابرز الشروط الاساسية التي يمكن توفرها من اجل التقاضي اما قاضي المستعجلات ؟
وللاحاطة ببعض جوانب هذا الموضوع سنقسمه الى مطلبين على الشكل التالي:
المطلب الاول : تعريف القضاء الاستعجالي وتمييزه عن القضاء العادي
المطلب الثاني :الشروط الشكلية والموضوعية للتقاضي امام قاضي المستعجلات

 

المطلب الأول: تعريف القضاء الاستعجالي وتمييزه عن القضاء العادي

ان الاختلاف بين القضاء الاستعجالي والقضاء العادي هذا ما جعلنا نتتطرق كل واحد منهما قصد اجلاء بعض الغموض عليهما.
الفقرة الاولى:تعريف القضاء الاستعجالي
القضاء الاستعجالي فرع من القضاء المدني ويقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس اصل الحق وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة وصيانة مصالح الطرفين المتنازعين.
فالقضاء الاستعجالي إذا هو قضاء من نوع خاص يمتاز بالسرعة وقصر اجل الإجراءات وعدم المساس بأصل الحق.
الفقرة الثانية :تمييز القضاء الاستعجالي عن القضاء العادي
يتميز بمجموعة من الخصائص يمكن اجمالها على الشكل التالي:
.إن القضاء الإستعجالي لا يبث إلا في الدعاوي التي تتوفر في ها المقررة في الفصل الأول من ق . م .م وهي الأهلية والصفة والمصلحة، إلا انه يتميز باشتراط عنصر الاستعجال وعدم المساس بجوهر النزاع , ومن حيث المسطرة المتبعة فالقضاء الاستعجالي يأخذ بالمسطرة الشفوية , ويبث الأوامر قاض فرد.ومسطرته تتميز بسرعتها انسجاما مع أهداف هذا القضاء وهي بذلك عكس المسطرة المتبعة أمام القضاء الموضوعي الذي يتميز ببطء مسطرته بسبب الحرص على إنصاف المظلوم تطبيقا للقانون , وهكذا فالقضاء الاستعجالي يأخذ بنظام القضاء الفردي إذ أن القرار الذي يصدره قاضي المستعجلات يعد أمرا وليس حكما , خلافا للقضاء الجماعي الذي يصدر قرارا .
ومما يميز القضاء الاستعجالي أيضا أن الأوامر الصادرة عنه تعد من الأوامر الوقتية , لكونها لا تفصل في جوهر النزاع , وبالتالي يمكن تعديلها إذا ما تغيرت الظروف المحيطة بالنزاع , عكس الأحكام التي تصدر عن المحاكم الموضوعية فهي فاصلة في جوهر النزاع .
كما آن الاستعجال يستوجب ضرورة توافر الخطر المحدق بالحقوق والمصالح , فالسرعة مفترضة في جميع الدعاوى حسبما يستفاد من مقتضيات مفترضة في جميع الدعاوى حسب ما يستفاد من مقتضيات متفرقة , والردة في ق . م .م وخصوصا ما ورد في ف 46 الذي ينص على انه ” يفصل في القضية فورا أو تؤجل إلى جلسة مقبلة يمكن تغيير تاريخها حاصلا للأطراف مع الإشارة إلى ذلك في سجل الجلسات “لهذا وجب عدم الخلط بين الاستعجال والبث في الدعوى على السرعة , كما هو الحال بالنسبة لدعاوى الشفعة ودعاوى النفقة , وهكذا يشير المستشار محمد منقار بنيس : “على أن الاستعجال مفترض في هذه الدعاوى وان المشرع ارتأى إسناد الاختصاص بالبث فيها لغير قاضي المستعجلات ”

المطلب الثاني: الشروط الشكلية والموضوعية للتقاضي امام قاضي المستعجلات
الفقرة الاولى: الشروط الموضوعية
لقد تطرق المشرع المغربي في الفصل 149 من ق م .م إلى احد شرو ط القضاء الاستعجالي ونصه ما يلي يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمتعجلات…. وأشار إلى شرط أخر في الفصل 152من ق م. م وهو حسب النص لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر.من خلال ما ورد يتبين لنا ان الاختصاص قاضي المستعجلات منوط بتوافر شرطين هما توافر عنصر الاستعجال وعدم المساس بجوهر الحق و إذا اختل شرط من هدين الشرطين لا يكون قاضي الأمور المستعجلة مختصا بالنضر في النازلة المعروفة عليه ويتعين عليه الحكم بعدم اختصاصه.
شرط الاستعجال : *

من الصعب إعطاء تعريف دقيق ومحدد للاستعجال لان حالته تتأثر وتتغير تبعا لتغير ظروف الزمان والمكان المحيطة بالدعوى وهكذا فعنصر الاستعجال أو عدم توافره يخضع لتقدير القاضي وحده شريطة أن يبين في حكمه الأسباب التي أدت إلى توافره من عدمه حتى يقف على تحديد اختصاصه بنظر الدعوى أم لا ولهذا فله أن يصدر قرارا تمهيديا كالاستعانة بذوي الخبرة أن الانتقال إلى مكان النزاع للمعاينة قصد التحقيق من توفر وجه الاستعجال في الدعوى كان يطلب المالك إخلاء العقار مؤقتا دفعا للخطر الذي يخشى حصوله من انهيار البناء على ساكنه من خلل جسيم ثم دفع السكان بعدم الاختصاص بدعوى أن المباني ليست متداعية وانه لا خطر على حياتهم من استمرار انتفاعهم بالعقار فينبغي على القاضي في هذه الحالة أن ينتدب خبيرا لمعاينة العقار والتحقيق من مدى جسامة الخلل فادا تبت له إن حالة العقار تؤذن بالانهيار بكون هناك وجه استعجال في الدعوى ويصبح من المتعين إخلاء العقار أما إذا تبين للقاضي عكس ذلك كان عليه هن يقضي بعدم الاختصاص لعدم توافر وجه الاستعجال.
أو في الحالة التي يطلب فيها الدائن من قاضي المستعجلات أن يحصل على الإذن لبيع الشيء المحبوس لديه بسبب انه معرض للهلاك في حين يضر المدعي عليه على عدم إمكانية حصول هذا الهلاك وبالتالي عدم وجود عنصر الاستعجال , فحينما يتعين على القاضي أن ينتدب خبيرا لمعاينة الشيء المحبوس تأذن بالهلاك فانه يكون هناك وجه الاستعجال في الدعوى , ويقع اختصاص قاضي المستعجلات , أما إذا تبين عكس ذلك أي عدم إمكانية حدوث الهلاك وبالتالي عدم وجود عنصر الاستعجال , فانه على قاضي المستعجلات أن يقضي بعدم الاختصاص.
والسؤال المطروح بخصوص الاستعجال, هو الذي يقوم به قاضي المستعجلات في حالة ما إذا زال عنصر الاستعجال , أثناء تداول الدعوى أو حال الفصل فيها وفي هذا يقول الدكتور احمد هاني مختار أنه ” إذا كان الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المراد حمايته والمحافظة عليه ومن الظروف المحيطة به , لا مجرد رغبة رافع الدعوى في الحصول على حكم في طلباته بسرعة , فيتعين أن يستمر الاستعجال من وقت رفع الدعوى إلى وقت صدور الحكم , فإذا رفعت الدعوى أمام القضاء المستعجل , وقت توافر فيها ركن الاستعجال ثم افتقدته قبل الفصل فيها لأي سبب وجب على المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها طالما أن الدعوى وقت الفصل فيها أضحت مفتقرة إلى ركن الاستعجال”
:عدم المساس بجوهر الحق
إضافة لشرط توافر الاستعجال, فان اختصاص قاضي المستعجلات مقيد بشرط ثاني ألا وهو عدم المساس بجوهر الحق ف 152 من ق . م .م، فأما القاضي المستعجل ما هو إلا أمر وقتي , لا يمكن أن يمس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر , فإذا تبين للقاضي من خلال فحصه لظاهر المستندات , أن الأمر الذي سيصدره فيه مساس بأصل النزاع فيجب عليه أن يقضي بعدم اختصاصا نوعيا بنظر الدعوى , وليس برفض الدعوى لان الرفض يعني أنه مختص أصلا بنظر النزاع ولعدم أحقية المدعي في طلبه فانه يرفضه وشرط عدم المساس بجوهر الحق ضمانة لحقوق المتقاضين إذ لولاه لضاعت حقوق عديدة بسبب سرعة إجراءات القضاء الاستعجالي من جهة , وهفوات وسلبيات القضاء الفردي من جهة أخرى , لذا فان الأمر الاستعج الي لا يعد سوى أمر وقتي هدفه البث في نزاع يتوافر فيه عنصر الاستعجال دون أن يمس بأصل الحق أو جوهر النزاع , الذي يترك لأطرافه الخوض فيه أمام القضاء الموضوعي
إلا أنه يمكن للقاضي الاستعجالي أن يبث في مصاريف النزاع أو أن يأمر بالاحتفاظ بالبث فيها إلى أن تقع تصفيتها مع المصاريف المتعلقة بالجوهر ” الفصل 154 من ق . م. م ”
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية
شرط الصفة:يقصد بالصفة علاقة الشخص المدعي بالمدعى به والتي تعطيه الصلاحية في الادعاء بالمطالبة به أمام القضاء وغياب شرط الصفة أمام قاضي المستعجلات يؤدي لا محالة الى عدم قبول الدعوى من الناحية الشكلية وهكذا فقد جاء في امر استعجالي صادر عم رئيس المحكمة الإبتدائية ببني ملال ما يلي:لكن حيث ان الطالبة لم تدل بأي سند يثبت صفتها على المحل موضوع الدعوى.وحيث ان الصفة من الشروط الاساسية لرفع الدعوى وهي من النظام العام تثار تلقائيا من طرف المحكمة.

الأهلية:
الأهلية على نوعين: أهلية وجوب وأهلية أداء . أولا: أهلية الوجوب: ويقصد بها:” صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون، وهي تبدأ بميلاد الشخص حيا، وتلازمه طول حياته ولا يمكن حرمانه منها” . ثانيا: أهلية الأداء: وهي صلاحية الشخص للإلزام والإلتزام ، وهي مسطريا صلاحية الشخص في رفع الدعوى ، ومن ثم كان لزاما أن يتوفر كل من أراد اللجوء إلى القضاء أن يتوفر على الأهلية الكاملة، أما إذا كان ناقص الأهلية كالصغير المميز والسفيه ، أو فاقدا لها كالصغير غير المميز والمجنون فلا بد من رفع الدعوى من طرف نائبه القانوني أو الشرعي.
المصلحة:المصلحة هي الفائدة المادية أو الأدبية التي يجنيها المدعي من وراء دعواه، وقد قيل لا دعوى بدون مصلحة، أو المصلحة مناط الدعوى، وقد استقر المجلس الأعلى على اعتبار هذا الشرط لازما لقبول الدعوى وصحتها ، و أن تكون مبنية على حق مشروع، لأن المصلحة غير المشروعة لا يعتد بها، ولا تسعف المتمسك برفع الدعوى قبولها من طرف المحكمة .وأن تكون شخصية ومباشرة،فالمدعي لا يقبل منه أن يطالب بحق الغير و لو كان حق أبيه أو أخيه أو زوجه،ما لم يكن نائبا عن هذا الغير. كما ينبغي أن تكون هذه المصلحة موجودة وقت رفع الدعوى، فإذا طالب دائن بدين له على المدين دون أن يكون هذا الدين معلقا على شرط، ولا مقترنا بأجل، كانت المصلحة قائمة وحالة، لكنها إذا كانت معرضة لضرر محتمل، كما لو قام المدين ببعض التصرفات التي تضر بحقوق الدائن، فإنها تعتبر مقبولة كشرط لقبول الدعوى. إذن من خلال هذا المبحث يتبين لنا أن القاضي يثير تلقائيا إنعدام الصفة، أو الأهلية، أو المصلحة، وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده، وإذا تم تصحيح المسطرة، أعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحصحيحة

إن مهمة القيام بالقضاء الاستعجالي موكولة أيضا إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمقتضى الفقرة 3 من ف 149 من ق . م . م على شرط توفر ما يلي : 1 _ أن تتوفر حالة الاستعجال , فعدم توفرها يجعل القضاء المستعجل غير مختص
الفصل 153
تكون الأوامر الاستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون ويمكن للقاضي مع ذلك أن يقيد التنفيذ بتقديم كفالة.
يمكن للقاضي في حالة الضرورة القصوى أن يأمر بالتنفيذ على أصل الأمر.
لا يطعن في هذه الأوامر بالتعرض.
يجب تقديم ,الإستئناف داخل خمسة عشر يوما من تبليغ الأمر عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك، ويفصل في ,الإستئناف بصفة استعجالية.
يقع التبليغ طبقا لمقتضيات الفصل 54 غير أنه إذا حضر الأطراف وقت صدور الأمر كان التبليغ الواقع في ذلك الحين صحيحا ويشار في الأمر إلى حضورهم ومعاينة هذا التبليغ

 

معلومات حل الكاتب:

سعيد وامدين

طالب كلية العلوم القانونية والإقتصادية مراكش
قد يعجبك ايضا