الحق في التعويض العادل عن نزع الملكية

الأستاذ إدريس بنشطاب

تقديم

تحظى مسطرة نزع الملكية بإجراءات ومقتضيات قانونية خاصة وفق قانون 7.81 المتعلق بسن أحكام قانون نزع الملكية التي توجب على الجهة النازعة الملكية احترامها تحث طائلة بطلان المسطرة.

فحق الملكية مضمون بالدستور المغربي طبقا للفصل 35 منه ينص على ما يلي “” يضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون1“.

وفي نفس السياق نصت المادة 23 من مدونة الحقوق العينية ” على أنه لا يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، لا تنتزع ملكية أحد إلا من أجل المنفعة العامة ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون، ومقابل تعويض مناسب2“.

كما ينص الفصل الأول من القانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية ” إن نزع ملكية العقارات كلا أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية لا يجوز به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة…3 “.

“ومن هذا المنطلق يعتبر قانون 7.81 الإطار المنظم لمسطرة نزع الملكية بالمغرب من خلال إقراره مجموعة من الضمانات لحماية بالدرجة الأولى المنزوع ملكيتهم ثم الجهة النازعة للملكية عن طريق احترامها الإجراءات الإدارية والقضائية لنزع الملكية تطبيقا لقانون وحماية حقوق المالك مقابل تعويض عادل.

فالقضاء الإداري أصبح ينظر في قضايا نزع الملكية طبقا ” للقانون 90/41 بخصوص طلبات الإذن بالحيازة ونقل الملكية والتعويض، وذلك وفق المادة 8 التي تنص على اختصاص المحاكم الإدارية بالبث في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ومن ضمنها طلبات التعويض عن الأضرار التي تنتج الخواص بسبب نزع الملكية أو أعمال التعدي التي تمارسها الإدارة على أراضيهم دون سند يبرر هذا النشاط، في حين ظلت الغرفة الإدارية (بمحكمة النقض) مختصة للنظر في طلبات إلغاء مقررات إعلان المنفعة العامة الصادرة في شكل مراسيم عن الوزير الأول(رئيس الحكومة حاليا) بسبب الشطط في استعمال السلطة4“.

” إن موضوع نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ولاسيما في الجانب المتعلق بالتعويض أصبح يحضى في الآونة الأخيرة بمكانة كبيرة من العناية ولاهتمام لمساسه المباشر بفئات عريضة من المجتمع ومن شرائح مختلفة وأيضا بمفهوم الحكامة في تدبير المال العام والتوظيف الأمثل له،الأمر الذي يجعل مسؤولية الإدارة ومن بعدها القضاء جسيمة في تحقيق هذه الأهداف وضبط التوازنات بين المصالح المتعارضة 5“.

ويتجسد ذلك في الشق المتعلق بالتعويض الذي يشكل ضمانة أساسية لحماية حقهم المتمثل عن نزع الملكية ،فاللجنة الادارية للتقييم تقوم بإقرار تعويضات هزيلة لا ترقى ولا تتناسب مع قيمة العقار المنتزع ملكيته التي تكون بالأساس لصالح الادارة النازعة للملكية ،مع عدم مراعاة القواعد التي يتم تحديد بها التعويض العادل ،هذا ما يشكل أساسا اعتداء وهدرا للحقوق المنزوع ملكيتهم وما ينتج عن ذلك من أثار على المستوى تعقيد  المسطرة والتقاضي في الشق المتعلق بالتعويض لسنوات طويلة أمام القضاء الإداري.

    إذن فما هي القواعد التي يتم الاعتماد عليها القاضي في تقدير التعويض عن نزع الملكية ؟ وهل استطاع المشرع المغربي إقرار مبادئ العدالة والإنصاف بموجب الفصل 20 من قانون نزع الملكية المتعلق بتحديد التعويض؟

وإطلاق من ذلك فإننا سنعالج هذا الموضوع  من خلال مبحثين

المبحث الأول : قواعد تحديد القاضي للتعويض العادل

المبحث الثاني : خصائص دفع التعويض  

 

المبحث الأول : قواعد تحديد القاضي التعويض العادل

مما لا شك فيه أن مسطرة نزع الملكية مسطرة جد معقدة وطويلة بجميع مراحلها الإدارية والقضائية.فالمرحلة الإدارية تبتدئ بمقرر إعلان المنفعة العامة بتحديد الاملاك المنزوع ملكيتها وإصدار مقرر التخلي والقيام بجميع الإجراءات الإدارية  من نشر في الجريدة الرسمية والتعليق بالجماعة الترابية والإيداع بالمحافظة العقارية طبقا للفصول 8/9/10/12 من قانون نزع الملكية.أما المرحلة القضائية تبتدئ بالدعوى الاستعجالية التي يختص بها قاضي المستعجلات مقابل إيداع التعويض الاحتياطي والإذن بحيازة العقارات المنزوع ملكيتها بعد ذلك تأتي المرحلة الأخيرة والحاسمة هي دعوى نقل الملكية ولا يتم الحكم بذلك إلا في حالة التأكد من مدى احترام نازع الملكية الاجراءات المسطرية الإدارية تحث طائلة عدم قبول الدعوى ،وفي حالة احترامها يتم تحديد التعويض عن نزع الملكية ولا يقبل هذا الحكم الطعن بالاستئناف أو النقض إلا في الشق المتعلق بالتعويض .

فالقاضي الإداري يتم تحديد التعويض طبقا لمقتضيات الفصل 20 من قانون نزع الملكية الذي نص على مجموعة من القواعد لغاية تحديد تعويض عادل للمنزوع ملكيتهم جراء هذا النزع الذي أصابهم في ملكيتهم العقارية وخاصة في حالة إقرار تعويضات هزيلة ومجحفة في حقهم من طرف اللجنة الإدارية لتقويم الذي يشكل مساسا خطيرا بالملكية الخاصة وغياب ضمانات التعويض العادل،   فباستقرائنا مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 20 من قانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية الذي نص على مايلي : يحدد التعويض طبقا للقواعد الآتية :يجب أن لا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية،ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غير محقق أو محتمل أو غير مباشر.

إذن المشرع المغربي اشترط أن طبيعة الضرر الموجب للتعويض أن يكون حالا ومحققا (المطلب الأول) وأن يكون الضرر ماديا ومباشرا (المطلب الثاني) ومشروعية الحق العقاري المنزوع (المطلب الثالث ).

 

المطلب الأول : أن يكون الضررحالا ومحققا

” والمقصود بالضرر الحالي هو وجوب كون هذا الضرر قد تحقق فعلا بوقوعه،أو ما قامت بشأنه علاقة سببية بين التجريد من حق الملكية والضرر الناتج عن التجريد.

أما الضرر المحقق هو ذلك الضرر الذي يكون مؤكدا منجزا قابلا للتعويض بصورة يقينية،فالتعويض باعتباره مقابلا وجبرا للضرر الذي يصيب المضرور،يفترض بالضرورة تحقق ذلك الضرر والتيقن منه فلا تعويض حيث لا ضرر.

فالضرر المحقق الواجب التعويض يشمل الضرر الحال،الماثل بالفعل ويشمل ذلك الضرر المستقبل المؤكد الحدوث والذي يكون امتدادا طبيعيا ومؤكد للحالة الراهنة إثر الوقوع الفعل الضار،ولم يكن هناك ما يحول دون تحققه ووقوعه في المستقبل6“.

” ثم هناك الضرر الاحتمالي أو المحتمل وهو الضرر الذي لم يقع بعد ويكون وقوعه مستقبلا غير محقق،وفي هذا الإطار يميز الفقهاء بين الضرر المستقبلي والضرر المحتمل.

فالضرر المستقبلي يكون غالبا محقق الوقوع.لذلك يرى بعض أولئك أنه يجب التعويض عنه،ففقدان الفلاح لمدخوله من انتاجه الفلاحي وهو من قبيل الضرر المستقبلي المحقق الوقوع،أما الضرر المحتمل فهو غير محقق الوقوع قد يقع وقد لا يقع.

من جهة أخرى لا يكون الضرر المستقبلي دائما ضرر محتملا إذ يمكن أن يكون هناك يقين بحدوثه كما أنه ليس دائما ضررا غير محقق بحيث يمكن التحقق من مداه ونطاقه وبالتالي يجب التعويض 7“.

“والضرر المستقبل يقبل التعويض من وجهة أحكام القانون المدني،وهولا يقبله من وجهة القانون المتعلق بنزع الملكية،وهذا إجحاف يجب على القضاء أن يعمل على تلافيه8“.

” فالمشرع المغربي فرض في الفصل 20 من القانون 81/7 معايير كرسها الاجتهاد القضائي،تحدد على ضوئها قيمة العقارات وذلك بالنظر إلى حالاتها وموقعها واستعمالها وبناء على الأثمنة التي بيعت بها العقارات المجاورة مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الموجودة مع عناصر المقارنة،فقد أقر المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا) في قراره الشهير بتاريخ فاتح يوليوز 1958 :بأن“الضرر الذي يمكن لمن نزعت منه الملكية للمنفعة العامة أن يطالب به هو المبني على العناصر الناتجة عن الاستعمال الحالي والمقرر للأرض المنزوع ملكيتها،فلا يحق للمالك أن يطلب تعويضه على أرضه التي تستعمل للفلاحة بالتمسك بأنها كانت ستخصص للبناء،فالقيمة التي يجب أن تؤسس عليها التعويض هي القيمة الفعلية للعقار9“.

” وفي هذا الاطار جاء ضمن قرار صادر عن محكمة النقض عدد 655/2 المؤرخ سنة 07/11/2013 “لكن إن التعويض عن نزع الملكية هو من صميم السلطة التقديرية لقضاة الموضوع،متى أقاموا قضاءهم على تعليل سائغ يكفي لحمله،وله أصله الثابت في الملف،والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه-خلاف الوارد بالوسيلتين-قد أوردت موقع العقار ووجه استغلاله ومواصفاته ومميزاته على ضوء مقتضيات الفصل 20 من قانون 7/81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت……..فتكون المحكمة قد أبرزت العناصر التي اعتمدتها في تحديد التعويض و طبقت مقتضيات الفصل 20 المشار إليه التي يحدد وفقها التاريخ المذكور في نازلة الحال في تاريخ رفع مقال نقل الملكية ….مادام أن الطلب قدم بعد مرور أزيد من ستة أشهر على تاريخ نشر مرسوم نزع الملكية 10“.

“وإذا كان القانون اشترط أن يكون الضرر حاليا ومحققا،فقد زاد تبيانا بتنصيصه على أن الضرر المحتمل وغير المحقق غير قابل للتعويض،والضرر المحتمل هو الذي يبقى رهينا بوقائع وأحداث معينة قد تجتمع أولا،وبالتالي فهو غير محقق الوقوع مثل دفع المنزوع ملكيته بكونه كان عازما على إقامة بنايات معينة أو كان سيفتح محلا تجاريا،إلا أننا نعتقد أنه إذا كان المشروع المنوي إنجازه قد خرج إلى حيز الوجود،سواء تم الشروع في بداية الأشغال أو تم الحصول على الرخصة الإدارية الضرورية،فإن نزع الملكية في هذه الحالة يؤدي إلى ضياع فرصة لصاحب الحق يحرمه من الاستمرار في إنجاز مشروعه،لذا كان الاجتهاد القضائي الفرنسي على حق حينما قرر منح تعويض عن ضياع فرصة نتيجة الضرر الذي أصاب المنزوع ملكيته من جراء كونه أصبح ملزما بإدخال تغييرات على مشاريع التوسع أو الاستعمال الاكثر مردودية التي كانت مبرمجة والتي كانت ستنفد لو لم يتم نزع الملكية

وإذا كان القانون المغربي منذ صدور ظهير 31 غشت 1914 أخد بالقانون الفرنسي من حيث تنصيصه على وجوب كون الضرر حاليا ومحققا، فإن القانون الفرنسي عدل عن هذا التعبير مشروطا أن يكون الضرر محققا وماديا ومباشرا،حتى يمكن التعويض عن الضرر المستقبل متى كان محققا 11“.

ومن و جهة نظري فإن عدم التعويض عن الضرر المستقبل الغير المحتمل إجحافا وغلوا في حق المنزوع ملكيتهم، في حين هناك العديد من الحالات كانت في البداية أضرار غير محتملة وأصبحت محتملة في المستقبل،وخير مثال عن ذلك الطريق السيار الرابط بين مدينة تطوان والفنيدق،فنتيجة  ذلك نتجت أضرار وخيمة على المنزوع ملكيتهم أبرزها مرور الطريق في وسط المزارع الفلاحية وأصبحت الراضي عبارة عن اجزاء صغيرة تحد بجميع الجوانب الطريق السيار لا تصلح لأي شيء وفقدانها لطريق،كما أن المنتوج الزراعي لبعض الأراضي تراجع بشكل كبير مقارنة من قبل نتيجة التلوث الناجم عن دخان ووسائل النقل،إضافة إلى غرق الأراضي بالمياه لتلف ممرات الصرف التي كانت موجودة من قبل بسبب أشغال إنجاز الطريق،ووجود العديد من الأراضي كانت مدرجة في مشروع تصميم التهيئة داخل المدار الحضري في حين تم التعويض عنها على أساس أنها أراضي فلاحية والفرق جد كبير بينها على مستوى تحديد التعويض هذا يشكل عائقا كبيرا لأصحابها والعدالة تقتضي التعويض عن مجموع الأضرار التي لحقت الملكية العقارية، في انتظار المشرع المغربي العمل على إعادة النظر في قانون نزع الملكية.

 

المطلب الثاني: أن يكون الضرر ماديا ومباشرا

الضرر المادي الذي يصيب الشخص في ذمته المالية فيفقرها.كالمس بحق من حقوقه العينية الأصلية(حق الملكية،حق الانتفاع،حق الارتفاق،حق السطحية،…)أو التبعية (الرهون،الامتيازات..)أو بحق شخصي له(الكراء،الدائنية..)12“.

  ” ويقصد بهذا الشرط أن يشكل الضرر نتيجة مباشرة لنزع الملكية بحيث توجد علاقة سببية بين الفعل الذي هو نزع الملكية والنتيجة التي هي الضرر،إذ يكفي أن يكون الفعل هو الذي يلعب الدور الحاسم في ميلاد الضرر ولو تزامن مع أفعال أخرى كان لها دورا ثانويا فقط في ازدياد حدته،إذا ثبت بالتأكد أنه لولم يكن وجود نزع الملكية ما كان للضرر أن يوجد بالمرة .

ويكون الضرر غير المباشر إذا لم يكن ناتجا أساسا عن نزع الملكية بحيث تسبب في حدوثه واقعة أخرى لم يكن نزع الملكية إلا فرصة لإظهار الضر أو للزيادة في حدته13“.

” وفي هدا الإطار جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 1819 بتاريخ 12 أبريل 2014 “حيث يبقى معه الضرر الثابت اللاحق بالمستأنفة الناتج مباشرة عن إفراغها من العقار المنزوع ملكيته يتمثل في المصاريف التي يتطلبها عملية البحث عن عقار مماثل من جديد وترحيل معداتها إليه والتي تبقى في الغالب عبارة عن تجهيزات المكتب وكذا تجهيزه لجعله ملائما لممارسة نشاطها ولاسيما فيما يتعلق بحفر الآبار وتركيب الصهاريج وما يستتبع ذلك من ضياع فرصة الربح طوال هذه الفترة ،وهي الأضرار التي قدرت هذه المحكمة أن التعويض اللازم لجبرها وبالنظر إلى حجم الشركة ومستوى نشاطها يتعين تحديده في مبلغ 8000.000،00….14“.

“ومحكمة النقض ذهبت أبعد من ذلك فجاء في أحد قراراتها بأن” الحكم الذي يأخذ بعين الاعتبار حين تحديده للتعويض عن نزع الملكية تخصيص العقار للتجزئة أو البناء يكون قد خرق مقتضيات الفصل 20 من القانون 81/7 وذهبت  في حكم أخر إلى التأكيد على أن التعويض عن نزع الملكية يجب فقط أن يشمل الضرر الحالي والمحقق ولا يمكن تمديده إلى ضرر غير محقق جوهري وغير مباشر،رافضة بذلك طلب الشركة المنزوع ملكيتها الرامي إلى إضافة قيمة التجارية الحالية والمستقبلية للعقار مادام هذا الأخير لم ينل أي تخصيص تجاري إذ يوجد على شكل قطعة وبصفة عامة الاجتهاد القضائي المغربي في استبعاده للضرر المستقبلي على عدم التمييز بين ما هو محقق وما هو غير محقق(وهو ما يعني فعلا عدم التعويض عن مجموع الضرر15“.

” أما بالنسبة للاجتهاد القضائي الفرنسي فيعد أكثر مرونة، فقد اعتبر من جملة الأضرار المباشرة التي تستتبع التعويض ما ينتج عن ضياع المداخيل لمنزوع الملكية أو الالتزام أحد الأفراد بإيواء سيارته بمستودع السيارات بمقابل بعدما ما تم نزع ملكية المبنى الذي كان يأوي فيه سيارته دون مقابل، أو التعويضات المدفوعة من طرف مالك المقاولة المنزوع ملكيتها لبعض مأجوريه الذين رفضوا مرافقته للمحلات الجديدة.

بالمقابل اعتبر القضاء الفرنسي من قبيل الضرر غير المباشر الذي لا يتم تعويضه في إطار قواعد نزع الملكية الضرر الذي ينتج عن إحداث ارتفاق معين، أو الناتج عن فوائد الدين يكون قد أبرمه منزوع الملكية16“.

” بالنسبة لضرر المعنوي أو الأدبي هو الذي لا يصيب الشخص في مصلحة مالية،وإنما يصيبه في مصلحة غير مالية كالشرف والسمعة والكرامة والاعتبار…وقد يترتب عن الفعل الواحد نوعي الضرر المادي والمعنوي”17.ولا يهتم قانون نزع الملكية بتعويض إلا عن الأضرار المادية،أما الأضرار المعنوية المترتبة عن نزع الملكية فإنه لا أهمية لها لواضع هذا القانون،حتى لو ترتبت عليها إزعاج ومضار فقدان الجوار وخلخلة العلاقات الاجتماعية.غير أنه من الناحية العلمية فكثير ما يبحث القضاء عن مبررات للتعويض عن الضرر المعنوي تحت ستار التشويش عن الملكية18“.

“فالشخص الذي عاش مدة طويلة ،صغرا وكبرا،شتاء وصيفا في منزل،ارتبطت به ذكرياته وأهواءه،فإذا به يجد نفسه فجأة خارج ذلك المنزل،فلا شك أن ضرر معنويا سيصيبه،ونفس الضرر يمكن تصوره بالنسبة لشخص كان يملك منزلا يطل على منظر رائع يجد فيه ذاته،فإذا به يحرم منه نتيجة نزع الملكية.

وإذا يصعب منح التعويض المعنوي فنعتقد أنه لا يجب أن يشكل حجة لحرمان الشخص المضرور من الحصول على ما يجبر خاطره،سيما وأن الضرر المعنوي يعوض في إطار المسؤولية التقصيرية،ويمكن فرزه عن الضرر المادي حسب عدة عوامل منها حالة الأشخاص ومدى ارتباطهم الزمني بالعقار المنزوع ودرجة تأثيرنزع الملكية على الوضعية العائلية من حيث الارتباط بين الاقارب إذ قد يضطر العض إلى مغادرة المكان الذي ظل يقطن فيه لمدة معينة19“.

“والمشرع الفرنسي انتهى إلى عدم التعويض عن الاضرار المعنوية في مجال نزع الملكية،وهكذا رفض التعويض عن الضرر الذي ادعى شخص أنه قد أصابه من جراء كونه ظل مستقرا بالعقار المنزوع ملكيته لمدة خمسين سنة،وإن كان القضاء الفرنسي يستعمل في بعض الحالات وسائل ملتوية لإصلاح والتعويض عن الضرر المعنوي وذلك بمنح المتضرر تعويضات إضافية أو تبعية20“.

 

المطلب الثالث  :أن يكون الحق العقاري المنزوع ملكيته حقا مشروعا

” يشترط  في الضرر الموجب للتعويض أن يمس بأحد الحقوق أو المراكز الموجودة بصفة قانونية. فكل ملكية لا تستحق الحماية القانونية تكون هي والعدم سواء أمام التعويض عن فقدها.

وعليه لا يمكن لمنزوع ملكيته (أو صاحب الحق)المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسبب له فيه إجراء نزع الملكية إذا كان المعني في وضعية غير شرعية لا يحميها القانون كأن يكون محتلا للعقار بدون سند قانوني كما لو تعلق الأمر بعقار غير محفظ وقع الترامي عليه من طرف شخص غير مالكه القانوني الحقيقي21“.

“وعلى هذا الأساس يتم رفض منح التعويض كلما كان المتضرر في وضعية غير شرعية كأن يكون يمارس داخل العقار المنزوع ملكيته مهنة غير معروفة(السحر مثلا)أو ممنوعة بمقرر إداري،أو أن العقار بني بدون رخصة بشرط أن يكون هذا الجزء غير محفظ(أومقيد).نفس الشيء للمحتل بدون سند قانوني.

وتعامل القضاء الفرنسي أحيانا بمرونة مع هذا الشرط فقد أقرت محكمة النقض الفرنسية منح تعويض في حالة تقادم مخالفة البناء بدون رخصة،كما قضت إحدى المحاكم الفرنسية بمنح تعويض عن بناية منجزة بدون رخصة على أساس أن الإدارة كانت تفرض الضرائب منذ 7 سنوات باعتبار الأرض مبنية كما أن نازع الملكية اقترح على المكترين للبناية تعويضا معينا22“.

وكخلاصة القول فالعدالة تقتضي أن يتم منح التعويض عن مجموع الضرر الذي تعرض له المنزوع ملكيته سواء الضرر الحالي والمحقق والمستقبلي والمباشر والمادي المعنوي الذي نجد العديد من صوره على المستوى الواقع العملي،ومن المؤسف جدا لا نجد تطبيقاته على المستوى القضائي الذي يعالج مثل هذه الأضرار وخاصة الشخص الذي يفقد مزرعته جراء هذا النزع التي كانت تشكل رمزا للعائلة والجو العائلي اللذي كانوا يعيشون فيه الهو والمرح والجو الطبيعي والأكثر من ذلك أنهم عاشوا فيها مدة طويلة أكثر من 200 سنة اباءهم وأجدادهم عاشوا فيها،ومن الصعب جدا أن يتم تدمير تلك الدكرايات في فترة قصيرة تصبح كأنها لم تكن وتأثر عليهم نفسيا ومهما كان التعويض فلن يعوضهم عن ذلك الفقد .

 

المبحث الثاني :خصائص دفع التعويض

إن من بين الخصائص التي يتميز بها التعويض العادل هي أن يكون عادلا (المطلب الأول) وأن يكون مسبقا(المطلب الثاني) وأن يكون المقابل نقدا (المطلب الثالث).

المطلب الأول : أن يكون التعويض عادلا

“من بين المبادئ الدستورية المتفق عليها ،مبدأ مساواة الأفراد أمام التكاليف العامة.وهو المبدأ اخذت به الدساتير المغربية المتعاقبة،فقد نص الفصل 39 من دستور المملكة لسنة 2011 على مايلي “على الجميع أن يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور”.

    ونتيجة لهذا المبدأ الدستوري، لا يجوز أن تقع أعباء المنفعة العامة على البعض بينما تعود الفائدة على الجميع أو على البعض الأخر وهو ما ينطبق على نزع الملكية التي لا يجوز أيضا أن تستعمل كوسيلة الإثراء منزوع الملكية على حساب الأموال العامة.وبالتالي فإذا نزعت ملكية بعض الأفراد أو أحدهم ،فلا أقل من تعويض عادل يجب أن يحصلوا عليه مقابل الحرمان.ويتعلق الأمر بقاعدة أسمى من القانون تطبق بدون نص،فالعدل أساس الملك وأساس القانون في نفس الوقت 23“.

“وإغفال التشريع المغربي النص على عدالة التعويض الواجب دفعه لمنزوع الملكية ليس معتمدا مادام يشترط في هذا التعويض أن يكون شاملا لجميع الأضرار الناجمة مباشرة عن نزع الملكية.

فالعدل صفة وشرط لازمان للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.وإن وقع تقدير ذلك التعويض أحيانا بكيفية تسيء كثيرا إلى فلسفة نظام نزع الملكية في جوهره.

فنزع الملكية للمنفعة العامة في حقيقتها ليست بيعا وبالتالي فالتعويض ليس تمنا بيع العقار المنزوع ملكيته والذي قد يحصل فيه غبن لأحد الطرفين البائع والمشتري،وبالتالي يتحمل تبعته وحده.وإنما يرمي هذا التعويض إلى إصلاح الضرر الحاصل للمنزوع منه الملكية وهو ما يؤدي إلى مفهوم واسع للقيمة الحقيقية للملك24“.

” وفي هذا الاطار جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 1819 ما يلي” وحيث إن تحديد التعويض عن نزع الملكية العقار يخضع لمجموعة من الضوابط والأحكام تم التنصيص عليها في الفصل 20 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية….وبمقتضاه يجب أن لا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية.ويؤخذ فيه قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية25“.”دون أن يمتد هذا التعويض إلى كل من الضرر غير المحقق والضرر المحتمل والضرر غير المباشر.فتجاهل التشريع المغربي التعويض عن الضرر المستقبلي يشكل إهدارا كبيرا للحقوق،في حين الأساس الذي ينبغي أن ينبني عليه نظام نزع الملكية هو منح تعويض عادل،والعدالة تقتضي أن يتم التعويض عن الأضرار التي لحقت الملكية الخاصة أيا كانت هذه الأضرار مادية،معنوية،حالية،مستقبلية.وهكذا أمكن القول بأن المعايير التي وضعها المشرع المغربي لتقدير التعويض لا ترقى إلى مستوى تعويض عادل،والمؤسف أن نجد التشريع المغربي دهب بعيدا لحماية المال العام والتضحية بمصالح أصحاب الملكية.

ويلاحظ التشريع المغربي لم ينص على عدالة هذه التعويضات صراحة.إذ تعتبر المادة 23 من مدونة الحقوق العينية سدا لثغرة كبيرة في التشريع المغربي وجب أن يعمل القضاء مستقبلا على إعطائها المضمون الدقيق وأن يفسرها في سياق تكريس مبدأ الرقابة القضائية على أعمال الإدارة 26“.

ومن وجهة نظري فإن المشرع المغربي بعد كل البعد على حماية حقوق المنزوع ملكيتهم جراء قرار نزع الملكية الذي أصابهم،فإقرار المشرع المغربي تعويضات هزيلة تفتقد للعدالة التي ينبغي عليها تقدير التعويض،وخاصة التعويضات المقترحة من طرف اللجنة الإدارية لتقويم التي تقترح تعويضات لا ترقى ولا تتناسب مع قيمة العقار المنزوع ملكيته.هذا الأمر يتسبب في طول وتعقيد الإجراءات الحصول على التعويض والتقاضي أمام المحاكم الإدارية لسنوات طويلة والوقوع في مشاكل التي تعتري مسطرة التنفيذ.كما أن قانون نزع الملكية تتصف بعض فصوله بالنقص مما ينبغي على  المشرع المغربي العمل على تداركه وإقرار تعويضات مناسبة وعادلة تشمل مجموع الضرر الذي أصاب الملكية العقارية لنكون أمام روح العدالة ألا وهو التعويض العادل .

 

المطلب الثاني : أن يكون التعويض مسبقا

  ” إن أهم مشكل يطرحه أداء التعويض بدون شك ذلك المتعلق بتاريخ أدائه.فلا يكفي أن يكون هذا التعويض عادلا فقط.وإنما يجب أن يكون مسبقا ،وخاصية تسبيق

التعويض تعني أن هذا الأخير يجب أن يؤدى ويدفع ليس فقط قبل نقل الملكية ولكن أيضا قبل أخذ الحيازة من طرف الإدارة .فالحيازة الفورية متوقفة على دفع التعويض المؤقت أو إيداعه.

والفصل 18 من القانون 81/7 (الفقرة 2) يتحدث عن الحكم بحيازة العقار مقابل إيداع أو دفع مبلغ التعويض المؤقت.أيضا الفصل 27 من نفس القانون ينص على أن “حيازة نازع الملكية للعقارات أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها لا يمكن أن تتم إلا بعد استيفاء إجراءات التبليغ والنشر المنصوص عليها في الفصل 26 ودفع التعويض الاحتياطي أو إيداعه 27

“وهو نفس الأمر الذي تم تأكيده من خلال الفصل 27 من نفس القانون،غير أن ضمانة تسبيق التعويض تفقد في بعض الأحيان خصوصياتها ويعود السبب في ذلك إلى كثرة حالات الاعتداء المادي التي ينعدم فيها هذا المبدأ .

فالقضاء الإداري يتولى مراقبة خاصية تسبيق التعويض بصفة تلقائية دونما حاجة إلى إثارة خرق من شأنها من دوي المصلحة،إذ يراقب ضرورة تضمين طلبات الإذن بالحيازة التعويض الاحيتاطي المقترح وتحديده،وهو التعويض الذي ينبغي إيداعه بصندوق الإيداع والتدبير أو دفعه للمنزوع ملكيته 28“.

“وجاء ضمن أمر صادر عن القضاء الإستعجالي بالمحكمة الإدارية بالرباط مايلي”وحيث إن مقتضيات الفصل 24 من القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة توجب على قاضي المستعجلات الإذن في الحيازة لنازع الملكية متى تبين له بأن المسطرة المنصوص عليها في الفصول 8-9-10و12من القانون أعلاه قد تمت بصورة صحيحة .

وحيث إنه بعد تفحصنا للوثائق المعززة للطلب المرفقة بالملف تبين لنا بأن المدعية قد سلكت جميع الإجراءات الإدارية المنصوص عليها في الفصول المشار إليها أعلاه،والمتمثلة في التعليق والإيداع والنشر وباقي الإجراءات الأخرى مما لا يسعنا والحالة هذه سوى الاستجابة للطلب بالتفصيل الوارد والإذن للمدعية في حيازة القطعة الأرضية مقابل دفعها أو إيداعها بصندوق الإيداع والتدبير لمبلغ التعويض المؤقت والبالغ قدره…….29“.

ومن هذا المنطلق فإن القضاء الإداري يشكل ضمانة حقيقية لحماية الملكية العقارية من الاعتداءات المادية،ويتجلى ذلك في المراقبة مدى احترام الجهة النازعة للملكية للإجراءات الإدارية المنصوص عليها ضمن قانون نزع الملكية 81/7 لغاية سلوك مسطرة نزع الملكية ،فعدم احترامها يقابله عدم الإذن بحيازة العقار من طرف القضاء الإداري الإستعجالي ،وفي حالة سلوكها بشكل صحيح فلا مانع من الإذن بالحيازة العقار مقابل أداء التعويض المؤقت الاحتياطي إلى حين صدور التعويض النهائي والحكم بنقل الملكية للجهة النازعة .

ثالثا : أن يكون التعويض نقدا

         ينص الفصل 30 على أنه “وجب إيداع التعويضات المستحقة لدى صندوق الإيداع والتدبير”،إذ يستخلص من هذا أن التعويض يجب أن يكون نقدا ،وهذه هي القاعدة العامة حتى في جل التشريعات المقارنة ،ففي القانون الفرنسي نص الفصل13.20 من قانون نزع الملكية لسنة 1977 على أن التعويضات المستحقة تكون نقدية،ونفس الأمر بالنسبة للقانون السويسري في الفصل  15 من قانون قانون نزع الملكية لسنة 1933 والذي نص على أن التعويض لا يكون إلا نقدا أو على شكل رأسمال30“.

” لكن ما ينبغي التنويه إليه، أنه لا يوجد ما يمنع من أن يتم التعويض عينا، ذلك أنه من حق المنزوع ملكيته أن يبادر بالمطالبة من السلطة نازعة الملكية أن تجري مبادلة بين العقار موضوع نزع الملكية وعقار أخر في ملكيتها سواء بمدرك أو بدونه، حسب طبيعة العقار وموقعه وأوصافه وغير ذلك من المواصفات، خاصة وأن التعويض في إطار نزع الملكية ليس بثمن مقابل للبيع.

“وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بما يلي ” وحيث بعد انتهاء الإجراءات المسطرية صدر الحكم بنقل الملكية القطعة المشار إليها لفائدة وزارة التجهيز والنقل مقابل إيداع التعويض النهائي على أساس 900 درهم للمتر لفائدة المنزوع ملكيته تحت طائلة ترتيب الفوائد القانونية، وتحميل المدعية الصائر… وعللت قرارها بما فيه الكفاية ولم تخرق أي مقتضى قانوني وما أثير في وسيلتي النقض منعدم الأساس.

كما جاء أيضا في القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط ما يلي ” حيث يستفاد من أوراق الملف… يقضي في مواجهة المستأنف عليهم بالإذن للدولة (الملك الخاص) في حيازة القطعة الأرضية… البالغة مساحتها 5724 متر مربع مقابل أدائها أو إيداعها لصندوق الإيداع والتدبير لمبلغ التعويض وقدره 1.988.920 ,00.

وانطلاقا من ذلك يستنتج أن نزع الملكية لا يتم إلا بعد إيداع التعويض النقدي لفائدة المنزوع ملكيته أو لدى صندوق الإيداع والتدبير تحت ترتيب الفوائد وقبل حيازة العقار وهذا ما يشكل ضمانة حقيقية للمنزوع ملكيته وحماية حقهم هو الحق في التعويض31.”

“إلا أن هذه القاعدة نجد لها استثناءات سواء المنصوص عليها في قانون نزع الملكية أو في قوانين أخرى لكن ذلك لن يتم إلا بعد موافقة شكلية لمنزوع الملكية .

  • حالة الفصل 22 من قانون نزع الملكية الذي يخص على أنه ” إذا كان يشغل العقارات المنزوع ملكيتها مكترون بصفة قانونية مصرح بهم على إثر البحث الإداري المنصوص عليه في الفصل 10 أو مقيدون بصفة قانونية في السجلات العقارية، فإن نازع الملكية يتحمل منح التعويضات الواجبة لهم أو عند الاقتضاء تمكينهم من عقار أخر إذا كان من ممكنا
  • حالة الفصل 41 من قانون نزع الملكية الذي يستثني من قاعدة التعويض النقدي الحالة التي يتم فيها نزع ملكية الحقوق المائية وتكون للمنزوع ملكيتهم أراضي في مناطق سقوية أو مقرر سقيها، حينئذ يلجأ إلى تعويض في الاستفادة من عملية التزويد بالماء طبقا للسعر المعمول به، وذلك في حدود التعويض الذين هم دائنون به للإدارة عن نزع الملكية32“.
  • “الفصل 19 من ظهير 24 ماي 1955 المتعلق بالأكرية التجارية الذي ينص على أنه إذا تم نزع الملكية عقارية أصل تجاري، وجب أداء تعويض عن الإفراغ طبقا للفصل 10 ما لم يعرض نازع الملكية على المكتري عقارا مماثلا للعقار المنزوع ملكيته ويكون قريبا منه”

فمكتري الأصل التجاري الذي تم نزع ملكية إما أن تم تعويضه مع الأخذ في عين الاعتبار في تحديد التعويض جميع ما سيحصل له من خسائر وما سيفقده من أرباح وأن يعرض عليه عقار مماثلا وقريبا من العقار الأول مع تعويضه مقابل ما حرم منه مؤقتا من المنفعة مع جميع مصاريف الانتقال والاستقرار والإفراغ ….

وتوفير مكان أخر (تعويض عيني) للتاجر المعني بالأمر لكي يمارس تجارته لا يعني أبدا أن استعمال هذه الإمكانية من شأنه أن يسد الباب في وجه هذا الأخير لكي يطالب بتعويض  إضافي متى تحققت شروطه وهذا ما يستشف من القراءة المتأنية للفصل 19 أعلاه.ومما لا شك فيه ففي هذه الحالة تفيد نازع الملكية كثيرا في تلاقي التعويضات الضخمة التي تستحق لأصحاب الأصول التجارية.

وقد تقوم الإدارة النازعة –استثناء من التعويض النقدي-بإجراء عملية مبادلة مع المعنيين بالأمر بمنحهم عقارات بديلة عن العقارات التي نزعت منهم متى كان ذلك ممكنا.

فالتعويض العيني يتميز في بعض الأحيان عن التعويض النقدي خصوصا عندما يكون هذا الأخير محل خلاف كبير بين نازع الملكية ومنزوعها .وقد كانت الشريعة الاسلامية تجعل من التعويض العيني في مجال نزع الملكية القاعدة العامة .

أما بالنسبة لتعويض العيني بالنسبة للجماعات الترابية التي تتوفر على رصيد عقاري مهم يخدم مصلحة الطرفين نازع الملكية ومنزوعها ويحول دون طول إجراءات المسطرة القضائية خاصة إذا وافق المعنيون بالأمرعلى ذلك،وهي طريقة تجنب تطبيق مسطرة نزع الملكية الانحراف لأسباب أو لأخرى33“.

 

خاتمة :

إن الحق في التعويض العادل يشكل ضمانة حقيقية للمنزوع ملكيتهم جراء مسطرة نزع فالقاضي الإداري له سلطات واسعة لتقدير التعويض الناتج عن نزع الملكية، فهو يستبعد تقرير اللجنة الإدارية للتقويم لعدم اتصافها بالحياد والنزاهة وتعويضاتها تكون هزيلة جدا لمصلحة الجهة النازعة للملكية.

كما أن القاضي يأمر بإجراء الخبرة بناء على حكم تمهيدي يعين الخبير فيه وأهم النقط المدرجة لإنجاز الخبرة ولا تأخذ بها المحكمة إلا على سبيل الاستئناس، كما يستعين القاضي بعقود المقارنة لتقدير التعويض. غير أن المشرع المغربي اعتبر الضرر الموجب للتعويض هو الضرر المباشر والمحقق دون أن يمتد إلى الضرر المستقبلي والمعنوي، فتجاهل المشرع الضرر المستقبلي والمعنوي فيه إهدارا للحقوق، والأساس القانون لإقرار تعويض عادل هو التعويض عن كافة الأضرار التي لحقت الملكية أي كانت مادية، معنوية، حالية مستقبلية في انتظار تفعيل المشرع ذلك.

 

لائحة الإحالات:

1 – دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الصادر بتنفيذه الظهير رقم 91.11.1 مؤرخ في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز (2011) منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964.

2  ـ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 178.11.1 صادر في 25

من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011). منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص: 5587.

3 – ـ القانون رقم 7.81 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 245 ـ 8 ـ 1 بتاريخ 6 ماي 1984 والمرسوم بتطبيق القانون المتعلق بنزع الملكية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3685 في 15/06/1983.

4 -ادريس بنشطاب “مسطرة نزع الملكية وإشكالية التعويض بين النص القانوني والواقع العملي” رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –تطوان-السنة الجامعية 2020 /2019(ص9).

5 -ذ/رضا التايدي”مسطرة نزع الملكية بين متطلبات المصلحة العامة وضمانة التعويض العادل منشورات مجلة المحاكم الادارية العدد الخامس إصدار خاص يناير 2017 (ض61).

6 – لود طوير ” تقدير التعويض عن نزع الملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة” رسالة لنيل الماستر في القانون

الخاص جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكادير السنة الجامعية 2014/2013

(ص:13).

7 – محمد ابن الحاج السلمي ” مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت في القانون المغربي” الطبعة

الأولى مطبعة دار القلم الرباط، 2016 (ص: 132).

8 – محمد الكشبور ” نزع الملكية من أجل المنفعة العامة” ( قراءة في النصوص وفي مواقف القضاء) دون ذكر المطبعة الطبعة الثانية 2007 (ص: 200)

9 -د/أحمد أجعون”نشاط ووسائل الإدارة وفقا للتشريع المغربي”منشورات مجلة الحقوق سلسلة الدراسات والأبحاث”العدد 11 مطبعة المعارف الجديدة-الرباط2016 (ص195).

10 – قرار  صادر عن محكمة النقض عدد 255/2 بتاريخ 07/11/2013 غير منشور .

11 – البشير باجي ” شرح قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة” في ضوء القانون المغربي والقضاء والفقه والتطبيق،

الكتاب الأول (مطبعة الأمنية) الطبعة الأولى 1991 (ص270).

12 ـ ذ/ نزهة الخلدي ” الموجز في النظرية العامة للالتزامات” الطبعة الأولى مطبعة تطوان 2016 (ص: 118).

13 – مصطفى مندولي ” إشكالية التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة” رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أكدال-الموسم الجامعي 2015/2016 (ص31).

14 – قرار صادر  عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 1819بتاريخ 12 أبريل 2014 ملف عدد 1163/11/11 غير منشور.

15 – د/ أحمد أجعون ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة” الطبعة الأولى دار الأوقاف المغربية

للنشر والتوزيع، الدار البيضاء 2017 (ص280).

16 ادريس بنشطاب “مسطرة نزع الملكية وإشكالية التعويض بين النص القانوني والواقع العملي”مرجع سابق (  135).

17 ـ ذ/ نزهة الخلدي ” الموجز في النظرية العامة للالتزامات” م.س (ص: 119).

18 – ـ العربي محمد مياد، ” نزع الملكية لأجل المنفعة العامة على ضوء العمل القضائي ومواثيق حقوق الإنسان” (دراسة مقارنة مع بعض التشريعات العربية) مطبعة المعارف الجديدة طبعة 2018(ص81)

19 – البشير باجي ” شرح قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”م.س(ص275/276).

20 – الطيبي عبد القادر” دور القاضي الإداري في تقدير التعويض الناتج عن نزع الملكية ـ دراسة مقارنة ـ ” رسالة لنيل الماستر في القضاء الإداري، جامعة محمد الخامس السويسي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا ـ الموسم الجامعي (2012/2013)(ص29).

21 – محمد ابن الحاج السلمي ” مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت في القانون المغربي”م.س(ص134).

22 – د/ أحمد أجعون ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة”م.س(ص283).

23 – د/ أحمد أجعون ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة”م.س(ص284).

24 – محمد ابن الحاج السلمي ” مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت في القانون المغربي”م.س(ص135).

25 – قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط عدد 1819 ملف 1163/11/11 بتاريخ 12 أبريل 2014 غير منشور .

26 دة/ نادية النحلي ” شرط التناسبية في تقدير التعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”.من خلال المادة 23 من

مدونة الحقوق العينية. منشورات مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية والقضائية العدد الثالث مطبعة

الأورومتوسطي للمغرب فاس 2012.(ص 175).

27 — د/ أحمد أجعون ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة”م.س(ص285).

28 – الطيبي عبد القادر” دور القاضي الإداري في تقدير التعويض الناتج عن نزع الملكية ـ دراسة مقارنة ـ “م.س(ص31).

29 -أمر استعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط ملف رقم 235/1/2012 أمر رقم 724 بتاريخ 18/6/2012 غير منشور.

30 – سعاد المعروفي ” شرط التعويض المناسب عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة” منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد 15 مطبعة الأمنية الرباط  2018(ص133).

31 – ادريس بنشطاب “مسطرة نزع الملكية وإشكالية التعويض بين النص القانوني والواقع العملي”م.س(ص145).

32 – مصطفى مندولي ” إشكالية التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”م.س(ص34).

33 – د/أحمد أجعون”نشاط ووسائل الإدارة وفقا للتشريع المغربي”م.س(ص200).

 

معلومات خول الكاتب:

الاسم الكامل  : إدريس بنشطاب

الصفة : باحث في العلوم القانونية

خريج ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان

قد يعجبك ايضا