التلبس بالجريمة وضمانات الحرية الفردية للمتهم

حمزة مخلوف

تقديم :

التلبس بالجريمة يعتبر من المواضيع المهمة نظرا لاهتمام ثلة من الباحثين القانونيين، وكذا لمجموعة من الاعتبارات ومن أبرزها المكانة التي تتميز بها داخل المنظومة الجنائية، فالتلبس وصف عيني للجريمة أي المشاهدة الفعلية التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية أو مأمور القوة العمومية أو شهود العيان أو حتى الضحية نفسها لشخص وهو يرتكب فعل جرمي يعاقب عليه القانون.

وتعبير التلبس المستعمل في النص العربي للمادة 56 من قانون المسطرة الجنائية يفيد لغة الاختلاط أو المخالطة، فيقال تلبس بالشيئ إذا هو اختلط به، وتلبس بالثوب إذا هو ألبس نفسه فيه فارتداه، ومن ثم يقال مجازا عن الذي يرتكب الجريمة بأنه تلبس بها بأن حمل مظاهرها على جسمه.

أما النص الفرنسي للمادة 56 من قانون المسطرة الجنائية فقد استعمل لفظة Flagrance للتعبير عن هذه الوضعية وهي تفيد في اللغة الفرنسية الوضوح الذي لا غبار عليه والذي لا يترك مدعاة للشك ومن ثم فالذي يرتكب جريمة متلبس بها  flagrant délit يكون في وضعية تفيد بكيفية واضحة وصارخة على ارتكابها منه.

وعلى أي حال ومهما تكن المفاهيم اللغوية لمصطلح التلبس أو Flagrance المستعملين في قانوننا ( المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية في نصها العربي والفرنسي ) للتعبير عن هذه الوضعية القانونية الخطيرة المتميزة عن غيرها، فإن المشرع تجاوز مع ذلك كما سيظهر في نص هذه المفاهيم اللغوية التي يشرح  بها المصطلح  وأورد أحوالا للتلبس قد لا تنسجم مع المعنى اللغوي المخلوع على مصطلح التلبس  أوFlagrance  كما يتبين ذلك من خلال المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه :

تتحقق حالة التلبس بجناية أو جنحة :

أولا : إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها

ثانيا : إذا كان الفاعل مزال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكابها

ثالثا : إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه شارك في الفعل الجرمي، أو وجد عليه أثار أو علامات تثبت هذه المشاركة.

يعد بمثابة تلبس بجناية أو جنحة، ارتكاب جريمة داخل منزل في ظروف غير الظروف المنصوص عليها في الفقرات السابقة إذا التمس مالك أو ساكن المنزل من النيابة العامة أو من ضابط الشرطة القضائية معاينتها”

ويمكن الاشارة الى أن المشرع المغربي خص الجريمة المتلبس بها بإثنين وعشرين مادة في قانون المسطرة الجنائية ( من المادة 56 إلى المادة 77 )، يقودنا هذا إلى الاعتراف بأن الجريمة المتلبس بها تعد من المواضيع الهامة التي أثيرت ومزالت تثار حولها العديد من النقاشات الفقهية والقضائية وتتباين بخصوصها الآراء والاتجاهات.

وتجدر الإشارة إلى أن المشتبه فيه أو المتهم الذي يقدم على اقتراف الفعل الجرمي ويضبط متلبسا بفعله حيث تكون الأدلة ثابتة ودامغة في حقه تثبت ارتكابه للجريمة، ومع ذلك فإن المشرع المغربي متعه بحقوق وضمانات منصوص عليها في دستور المملكة المغربية لسنة 2011، حيث ينص الفصل 23 من دستور المملكة على الآتي : ” لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفها لأقسى العقوبات. يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون. قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان. يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف إعتقال إنسانية. ويمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة والإدماج. يحظر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف. يعاقب القانون على جريمة الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان ” ،  وفي الفصول المتضمنة في قانون المسطرة الجنائية كما سنرى ذلك، مما يتعين احترامها واحترام الإجراءات المسطرية المتبعة من قبل السلطات المكلفة بالتحري عن الجرائم، تحت طائلة العقوبة وبطلان الإجراءات  في حالة خرق هاته القواعد التي تضمن وتقر ضمانات للمشتبه فيه أو للمتهم في حالة التلبس بالجريمة.

حيث أن المتهم يتمتع بحقوق وضمانات تتعلق بكرامته وحريته الفردية أثناء مختلف مراحل الدعوى الجنائية، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه وجعله في منزلة أعلى ممن خلق سواه، ونستدل على ذلك في قوله تعالى ” ولقد كرمنا بني أدم وحملنهم في البر والبحر ورزقنهم من الطيبات وفضلنهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “.

ولعل من أهم ما ينطوي عليه هذا النص الإلاهي الكريم، هو العناية بكل ما يتصل بحقوق الفرد ككل، باعتباره إنسانا يستحق التكريم، لذلك فإن الشريعة الإسلامية قد أولت هذا الأمر غاية الاهتمام، فأحاطت الفرد بضمانات محكمة، حماية لحقوقه التي منحها له الخالق سبحانه وتعالى وكرمه بها.

كما شغلت فكرة ضمانات المتهم في مختلف مراحل الدعوى الجنائية، وخاصة مرحلة الاستجواب حيزا كبيرا على الصعيد القانوني الوطني والدولي، وهو ما تكرس في نصوص دساتير الدول وتشريعاتها، بالإضافة للإتفاقيات والمؤتمرات الدولية والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان لكونها تنصب على أفضل وأكرم مخلوقات الله عز وجل، وهو الانسان.

ونظرا لخطورة هذه المراحل والنتائج التي تترتب عليها، وصلتها بحقوق الإنسان وبحرية الأفراد والحفاظ على أدميتهم وكرامتهم، وما قد تؤدي إلى اعترافات أو أقوال تصدر عن المتهم قد تسيئ إلى مركزه القانوني، لذلك فقد أحاطت المتهم بالعديد من الضمانات في مراحل الدعوى الجنائية.

وهذه الضمانات تنبثق من أصل البراءة في المتهم وهذا الأصل يتطلب معاملة المتهم باعتباره بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا، حيث نص قانون المسطرة الجنائية في المادة الاولى على أنه ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب قوة الشيئ المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية، ويفسر الشك لصالح المتهم ”

فمن خلال دراستنا هذه سنعمل على التعريف بماهية التلبس بالجريمة كما سنتحدث عن الضمانات الفردية للمتهم المقررة في القانون، الأمر الذي يدفعنا لطرح التساؤل الآتي :

فما هو المقصود بحالة التلبس بالجريمة وأهم الضمانات الفردية للمتهم ؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا اعتماد التصميم الآتي والذي من خلاله سنجيب عن هذا الموضوع.

المطلب الاول : ماهية التلبس بالجريمة وأهم صلاحيات وإجراءات الشرطة القضائية خلال البحث التلبسي.

المطلب الثاني: ضمانات الحرية الفردية للمتهم.

المطلب الاول : ماهية التلبس بالجريمة وأهم صلاحيات وإجراءات الشرطة القضائية خلال البحث التلبسي.

يعتبر التلبس بالجريمة حالة ممتازة ودليلا ممتازا على مخالفة القانون ويتطلب إجراءات سريعة وتدخلا فوريا لجمع الأدلة والقيام بالتحريات الضرورية المستعجلة لاستجماع عناصر الجريمة والحيلولة دون اندثارها وضياعها، وهو يتطلب مسطرة خاصة يتمتع فيها ضابط الشرطة القضائية بهامش كبير من الحرية في البحث والتحري بدءا من الانتقال الفوري والايقاف والتفتيش والحجز والوضع تحت الحراسة النظرية، وما يترتب عليها من أثار قانونية تمس ضمانات المشتبه فيه ومبدأ قرينة البراءة، وتختلف طريقة البحث التلبسي عن البحث التمهيدي العادي في بعض النقط الرئيسية، حيث يتيح القانون لضابط الشرطة القضائية مرونة في ممارسة بعض صلاحياته إذا تعلق الأمر ببحث يجريه بشأن جناية أو جنحة متلبس بها، ولا يتيحها له إذا تعلق الأمر بالبحث في غير حالات التلبس.

كما أننا نجد أن قانون المسطرة الجنائية قد قصر مقتضيات التلبس في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس حسب حالات التلبس وارتباطها بصنف الجرائم، وسنناقش من خلال هذا المطلب مفهوم التلبس بالجريمة وحالاته وشروطه في ( الفقرة الأولى ) في حين سنخصص ( الفقرة الثانية ) للحديث عن أهم صلاحيات وإجراءات الشرطة القضائية خلال مرحلة البحث التلبسي.

         الفقرة الأولى : مفهوم التلبس بالجريمة وحالاته وشروطه.

إن الجريمة المتلبس بها هي التي تشاهد وقت حدوثها أو يضبط فاعلها أثناء اقترافه لها بعد تنفيذه لها بوقت وجيز، فالتلبس على هذا النحو يعتبر حالة مغايرة تماما للحالة العادية لذلك نجد أن المشرع المغربي خصص له المواد من 56 الى 77 من قانون المسطرة الجنائية، بالإضافة إلى حالات التلبس المنصوص عليها في المادتين 76 من قانون المسطرة الجنائية والفصل 43 الفقرة الأخيرة من قانون المسطرة المدنية.

اولا : حالات التلبس

إن المشرع المغربي لم يعرف حالة التلبس وإنما اكتفى بتعداد الحالات على سبيل الحصر التي تتحقق فيها حالة التلبس بالجنابة أو بالجنحة وهي أربع حالات أشار إليها المشرع في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية وتتجسد هذه الحالات كالآتي :

تتحقق حالة التلبس بجناية أو جنحة :

اولا : إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها

ثانيا : إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكابها

ثالثا : إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه شارك في الفعل الإجرامي، أو وجد عليه أثر أو علامات تثبت هذه المشاركة.

 يعد بمثابة تلبس بجناية أو جنحة، ارتكاب جريمة داخل منزل في ظروف غير الظروف المنصوص عليها في الفقرات السابقة إذا التمس مالك أو ساكن المنزل من النيابة العامة أو من ضابط الشرطة القضائية معاينتها

كما تجدر الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أنه بالإضافة لحالات التلبس بالجريمة المنصوص عليها وفق منطوق المادة السالفة الذكر، أي الحالات المتضمنة وفق منطوق المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية، نشير إلى أنه توجد حالات أخرى للتلبس بالجريمة والمتضمنة في مقتضيات المادة 76 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على أنه ” يحق في حالة التلبس بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس لكل شخص ضبط الفاعل وتقديمه إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية”.

وبناء على هذه المادة نستشف أنه يحق لكل شخص ضبط الفاعل وهو يقترف فعل جرمي في حالة تفيد التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس أن يقوم بضبطه وتقديمه إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية.

إذن وبالإضافة إلى حالة التلبس بالجريمة المنصوص عليها في المادة 76 من قانون المسطرة الجنائية، توجد حالة أخرى للتلبس بالجريمة ومنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وتحديدا في الباب الثاني المتعلق بالجلسات والأحكام من القسم الثالث المعنون بالمسطرة أمام المحاكم الابتدائية في الفقرة الأخيرة من الفصل 43 والذي ينص على أنه ” إذا صدرت أقوال تتضمن سبا أو إهانة خطيرة تجاه القاضي حرر رئيس الجلسة محضرا يرسل في الحال إلى النيابة العامة لتطبيق المسطرة المتعلقة بالتلبس بالجريمة”.

حيث أنه في حالة صدرت أقوال تجاه القاضي تتضمن سبا في حقه أو إهانة خطيرة تجاهه، يقوم في هذه الحالة رئيس الجلسة بتحرير محضر يرسل حالا إلى النيابة العامة لتطبيق في حق هذا الشخص الذي صدرت منه هاته الاقوال المسطرة المتعلقة بالتلبس بالجريمة ويعتبر في هذه الحالة متلبسا بالجريمة، وتطبق في حقه مسطرة التلبس.

وسنقوم بالتفصيل في كل حالة على حدة من حالات التلبس المنصوص عليها في المادة  56 أعلاه من قانون المسطرة الجنائية على الشكل الآتي :

بالنسبة للحالة الأولى : وهي ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها، فهنا نجد أن عامل الزمن يلعب دور مهم في هذه الحالة لأن الضبط يجب أن يحصل أثناء ارتكاب الجريمة أو بعد ارتكابها مباشرة أو عند محاولة تنفيذها، والاصل في المعاينة أو المشاهدة أن تكون من لدن ضابط الشرطة القضائية، إلا أنه قد يخبرنا بارتكابها من لدن المجني عليه أو الشهود ولكن شرط انتقال الضابط على وجه السرعة إلى مسرح الجريمة قصد الوقوف على حالة التلبس وتكون لحظة معينة فورية أثناء ارتكاب الجريمة أو بعد ارتكابها مباشرة.

أما بالنسبة للحالة الثانية : وهي التي يكون فيها الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور، بمعنى أن المجرم هنا لم يتم ضبطه وايقافه بمكان ارتكاب الجريمة أو الفعل الجرمي، كما أن المشرع استلزم شرطين لتوفر هذه الحالة وهما الصياح والمطاردة.

ويكون الفاعل هنا قد ارتكب جريمته وفرغ منها منذ مدة قصيرة وهو مطارد بصياح الجمهور، وتتحقق ولو كانت المطاردة بواسطة شخصين أو أكثر، ويرى جانب من الفقه أنها تثبت ولو بشخص واحد سواء من طرف الضحية أو الغير، كما لا يتطلب الأمر الصياح بل يمكن فقط عن طريق الإشارة إليه أو الإشارة إلى مكان اختبائه.

أما بخصوص الحالة الثالثة : وهي تواجد الفاعل بعد مرور وقت قصير من ارتكاب الجريمة ومعه أسلحة أو أشياء أو أثار أو علامات تدل على مشاركته في الجريمة، وهنا نجد أن المشرع ركز على وضعية الفاعل والذي اعتبره محور وصف التلبس من خلال الاستدلال بأسلحة أو أشياء أو أثار أو علامات تدل على ارتكابه الجريمة عكس الحالتين السابقتين اللتين تعتمدان على المشاهدة وهنا يتأخر معرفة الجاني لمدة قد تطول وقد تقصر إلا بعد اكتشاف أدلة إدانته تفيد قطعا علاقة الجاني بالجريمة المرتكبة بزمن يسير، وتحقق شرط الزمن اليسير يعود للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع استنادا لظروف وحيثيات وملابسات القضية، كما تجدر الإشارة إلى أن عبارة حاملا أسلحة أو أشياء قد وردت على سبيل المثال لا الحصر.

أما بالنسبة للحالة الرابعة : أي وقوع الجريمة داخل منزل التمس صاحبه التثبت منها، هذه الحالة اوردها المشرع وأصبغ عليها وصف التلبس ولا تخضع لشروط الحالات الثلاث وتتحقق بوقوع الجناية او الجنحة داخل منزل ثم يلتمس صاحبه من النيابة العامة أو أحد ضباط الشرطة القضائية التثبت منها.

إذن فبالاعتماد على منطوق المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية يمكن القول من جهة بأن صور وأحوال التلبس بالجنابة أو الجنحة قد أوردها المشرع على سبيل الحصر بحيث لا يمكن الزيادة فيها من أي كان لكونها مصدرا لصلاحيات استثنائية خولت لضابط الشرطة القضائية، ومن تم امتنع التوسع في أحوالها باعتبارها استثناء ماسا بكيفية واضحة بحرية الأفراد وحقوقهم، وهو ما لا يجوز في غير الحدود التي تجعله أي المساس مقبولا. ومن جهة أخرى يبدو من خلال النص أيضا بأن التلبس كمؤسسة أو نظام قانوني له طابع عيني وتترتب عنه نتائج بالغة الأهمية يمكن حصرها في الآتي :

أولا : التلبس كمفهوم قانوني يلازم الجريمة المرتكبة وليس فاعلها أو من له علاقة بها سواء كان مساهم أو مشارك فيها، وهو ما يترتب عنه أن ثبوت حالة التلبس بالجريمة لا تستلزم بالضرورة مشاهدة مرتكبها وهو ينفذ مادياتها ( إما في صورة تامة أو محاولة لها )، يستفاد هذا من خلال قراءة المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية. التي جاء فيها ” تتحقق حالة التلبس بجناية أو جنحة ” ولم يعبر عن ذلك بالقول ” يعد المجرم متلبسا بالجريمة “.

ثانيا : التلبس ينسحب الى الركن المادي للجريمة وليس الركن المعنوي لها، باعتبار أن هذا الأخير يرتبط بدواخل مرتكب الجريمة ونفسيته، وهو ما لا يمكن خضوعه لمشاهدة ضابط الشرطة القضائية، وترتيبا على هذا فلا مانع من اعتبار حالة التلبس كانت قائمة ومتحققة ( وما يرتبط ذلك من صحة الإجراءات التي اتخذت ) بالنسبة  لوقائع معينة حتى لو ثبت فيما بعد انتفاء الركن المعنوي للجريمة لغلط أو لغيره من الاسباب المعدمة له.

         ثالثا : التلبس لا يتعدى الجريمة التي توافر فيها إلى غيرها من الجرائم التي لا تسمح بخلع صفة التلبس عليها مهما كانت قوة الرابطة التي تجمع بينهما، وتأسيسا على ما سبق، فإذا ثبت أن سرقة ارتكبت في حالة تلبس صح إتخاذ الإجراءات القسرية من قبل ضابط الشرطة القضائية في حق الفاعل المتلبس، أما الذي يخفي الاشياء المتحصلة من ذات السرقة المتلبس بها فلا يصح اعتباره في حالة تلبس بدوره اكتفاء فقط بكون السرقة التي تحصل منها ما وقع إخفاؤه كانت متلبسا بها، بل يلزم فوق ذلك التثبت من كون واقعة الاخفاء للمسروق ذاتها كانت متلبسا بها، وإلا امتنع تماما اتخاذ اي إجراء من الإجراءات التي تخول لضابط الشرطة القضائية في أحوال التلبس.

رابعا : التلبس إذا كان يستدل عليه عادة بالمشاهدة بالعين ( حاسة النظر ) فإنه وباعتبار طابعه ( صفته ) العيني، يمكن الاستدلال عليه بجميع الحواس من شم وسمع ولمس …إلخ

كما تجدر الإشارة إلى أن حالات التلبس لا تخرج عن الوضعيات الأربعة  المنصوص عليها وفق منطوق المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية، والتي ذكرناها آنفا بالشرح والتفصيل.

ثانيا : الشروط الواجبة التحقق لقيام التلبس.

إن المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية وإن كانت ذكرت حالات التلبس باعتبارها شروطا خاصة في التلبس فإنها أغفلت الإشارة لأهم الشروط العامة للتلبس، إلا أن الاجتهاد الفقهي ثار ما أغفله النص من هذه الشروط الخاصة في إطار مقاربة يتوخى منها تحديد مجال التلبس بصورة تحقق معها مصالح المجتمع ومصالح الأفراد في نفس الوقت، وذلك من خلال التوفيق بين وجوب الحرص على اتخاذ الإجراءات ومباشرتها قبل إندثار آثار الجريمة، وما يستدل به عليها بسبب تدخل أي عامل ( العامل البشري ) من العوامل من جهة، وتجنب كل ما من شأنه أن يمس بالحريات الفردية نتيجة إخضاع المشبوه فيه لمسطرة البحث التلبسي الاكثر قسرية وشدة عن مسطرة البحث العادية إلا إذا وجد لذلك مبرر قوي من جهة أخرى.

ولذلك كانت هذه أهم الشروط والتي سنجملها في الآتي :

أ : حصر مجال إعمال مسطرة التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس، أي أنه لا يمكن تصور تلبس إلا بالنسبة للجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس وتخرج عن دائرته الافعال التي تشكل مخالفات وكذا الجنح المعاقب عليها بغرامة فقط طبقا لمنطوق المادة 76 من قانون المسطرة الجنائية.

ب : معاينة ضابط الشرطة القضائية بنفسه لواقعة الجريمة، أي أن تقع المعاينة المادية من قبل ضابط الشرطة القضائية لإحدى حالات التلبس الأربعة، بمعنى أنه لا يمكن الاستعاضة عن مشاهدة الضابط لحالة التلبس بالجريمة، فبمقتضى هذا الشرط أن مشاهدة ضابط الشرطة القضائية لحالة  التلبس بالجريمة واجبة ولا يمكن الاستعاضة عنها بروايتها من الغير ( كالشهود الذين عاينوا الجريمة أو سمعوا بها …) لضابط الشرطة القضائية حيث يتأسس هذا الوجوب على كون التلبس بالجريمة وضعية قانونية تسمح لضابط الشرطة القضائية باتخاذ إجراءات قسرية ضد المشبوه فيه، لذلك ورفعا لشبهة الظلم والتسرع، وجب أن يشاهد هذا الضابط بنفسه حالة التلبس دون الاستناد في ذلك إلى الروايات التي قد تكون مجرد إشاعات تتكذب فيما بعد وفي وقت يكون المشبوه فيه قد مس في حريته وحقوقه الواجبة بمقتضى قرينة البراءة حيث أنه وبناء على المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية ” البراءة هي الاصل ” كما أشارت إلى ذلك أيضا المواد 56 و 76 من قانون المسطرة الجنائية.

ج : معاينة ضابط الشرطة القضائية لواقعة التلبس بطريق مشروع، أي أن معاينة ضابط الشرطة القضائية لحالة التلبس يجب أن تتم بطريق مشروع ووفقا للأحكام والمقتضيات الجري بها العمل، حيث أنه يجب أن يكون الضابط في وضعية قانونية إزاء قيامه بمهامه وأن يتقيد بقواعد الإجراءات التي قررها القانون مع ما قد يترتب عن ذلك من أثار قانونية قد تعصف بجميع التدابير والاجراءات التي تم اتخاذها.

الفقرة الثانية : صلاحيات وإجراءات الشرطة القضائية خلال البحث التلبسي.

إن من الصلاحيات المخولة للشرطة القضائية خلال البحث التمهيدي التلبسي نجد :

وجوب الحضور الفوري للضابطة القضائية لمحل الجريمة المتلبس بها :

عندما يتعلق الأمر بالبحث التمهيدي التلبسي بالجرائم، تثبت لضباط الشرطة القضائية صلاحيات واسعة والتي بمقتضاها يخول لهم اتخاذ تدابير متنوعة، يمكن تقسيمها إلى نوعين، أحدهما يتعلق بالأشخاص، والآخر يتعلق بالأشياء.

غير أنه وقبل أن نفصل في الحديث عن ما يتضمنه كل نوع من التدبرين السالفين الذكر وما يقتضيه من إجراءات وذلك بالنظر للمادة 57  والتي تنص على أنه ” يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن يخبر بها النيابة العامة فورا وأن ينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها لإجراء المعاينات المفيدة. وعليه أن يحافظ على الأدلة القابلة للإندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وأن يحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة. يعرض الأشياء المحجوزة على الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجناية أو الجنحة قصد التعرف عليها. يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة، وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك. كما يمكنه أن يطلب إجراء خبرات عليها وعلى بقية أدوات الجريمة والأشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه فيهم بارتكابها “.   ونستشف من خلال هذه المادة أنها تضع إلتزاما على عاتق ضابط الشرطة القضائية والذي بمقتضاه يتعين عليه بمجرد ما يصل إلى علمه خبر وقوع جناية أو جنحة متلبس بها، يتوجب عليه أن يعلم بها حالا النيابة العامة ( وكيل الملك أو الوكيل العام للملك ) ثم ينتقل فورا إلى عين المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، وذلك لإجراء كل المعاينات المفيدة والمحافظة على الأدلة حتى لا يندثر معها ما يكون قابلا لذلك والقيام بحجز الاشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة … إلخ.

ولابد من الإشارة إلى نقطة مهمة تتعلق بإجراءات البحث في الجرائم المتلبس بها وذلك باستقراء ما ورد في منطوق المواد 57 و المادة 71 بالاضافة للمادة 75 من قانون المسطرة الجنائية، حيث أنه يجيز إنجاز البحث التلبسي لكل من ممثلي النيابة العامة ولقاضي التحقيق ولضابط الشرطة القضائية العادي، والغاية من ذلك هي التمكين من إجرائه على وجه السرعة بسبب دقة هذه الوضعية من  وضعيات ارتكاب الجرائم في كل الاحوال حتى ولو غاب أحد منهم.

إن حضور أحد الضباط السامين للشرطة القضائية في مكان الجريمة قد ينزع صلاحيات إجراء البحث التلبسي عن ضابط الشرطة القضائية العادي تبعا للفرضين الآتيين :

أ : فرضية إنتقال الوكيل العام للملك ( أو وكيل الملك ) إلى مكان وقوع الجريمة :

حيث جاء في منطوق المادة 71 على أنه ” يستلزم حضور ممثل النيابة العامة في حال وقوع جناية أو جنحة تخلى ضابط الشرطة القضائية عن العملية، ويتولى القاضي المذكور كل أعمال الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب ويمكنه أيضا أن يكلف أي ضابط للشرطة القضائية لمواصلة العمليات”.

ب : فرضية إنتقال قاضي التحقيق بدوره إلى مكان وقوع الجريمة :

حيث عالجت هذه الفرضية المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على أنه :

” إذا حضر قاضي التحقيق بمكان وقوع الجناية أو  الجنحة المتلبس بها، فإن الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية بقوة القانون.

يقوم قاضي التحقيق في هذه الحالة بجميع أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة العمليات.

يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد إنتهاء تلك العمليات جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.

وإذا حل بالمكان الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وقاضي التحقيق في آن واحد، فلممثل النيابة العامة أن يلتمس مباشرة تحقيقا قانونيا يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 90 الآتية بعده”.

وترتيبا على هذه المادة تكون الأولوية في إجراء الأبحاث التلبسية بالجنايات والجنح لقاضي التحقيق الذي يحضر إلى عين المكان الذي وقعت فيه الجريمة بصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية.

وفيما يلي سنتحدث باختصار عن التدابير المتخذة بمناسبة البحث التلبسي بالجريمة وفق الآتي :

أولا : التدابير المتخذة ضد الأشخاص بمناسبة البحث التمهيدي التلبسي.

ومن أهم هذه التدابير نذكرها تباعا فما يلي :

  • إمكانية إخضاع المشبوه فيهم ( المبحوث معهم ) للتفتيش الجسدي

فقد نصت المادة 81 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” يجوز لضباط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية.

لا تنتهك حرمة المرأة عند التفتيش، وإذا تطلب الأمر إخضاعها للتفتيش الجسدي يتعين أن تقوم به إمرأة ينتذبها ضابطا للشرطة القضائية لذلك، ما لم يكن الضابط إمرأة.

تسري مقتضيات هذه المادة أيضا في حالة التلبس بجناية أو جنحة”.

  • الاستماع إلى كل شخص باعتبار ذلك من التحريات المفيدة

أوجب القانون على ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بحالة تلبس بجناية أو جنحة عن طريق شكاية أو وشاية ، أن يخبر بها النيابة العامة فورا وأن ينتقل في الحال لعين المكان، لإجراء المعاينة المفيدة طبقا لمنطوق الفقرة الأولى من المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية، للتمكن بسرعة من إتخاذ كل التحريات الأولية من معاينة أدلة الجريمة والعمل على المحافظة عليها قبل التمكن منها، بالتشويه أو بالتمويه أو بالطمس من قبل من له مصلحة في ذلك من الأطراف ذات علاقة بالجريمة المرتكبة، والاستماع لكل شخص يمكنه أن يفيد وينور طريق البحث للوصول لمرتكب الجريمة، والاستماع لكل من له فكرة عنها سواء كان المجني عليه في الجريمة أو الشخص الذي حصل إتهامه من طرف المتضرر، وكذلك كل شخص عاين ارتكابها، وعلى العموم كل من له فكرة عن الجريمة يتم الاستماع له للوصول للحقيقة، باعتبار كل ذلك يدخل في التثبت من وقائع القضية وملابساتها الجائزة بجميع الوسائل والتي تأتي على رأسها شهادة من عاينها وذلك بعد النظر عن سنه او درجة قرابته بالمشبوه فيه أو المجني عليه حيث لا يستوجب توفر الشروط في الشاهد الذي يستمع إليه ليس كالشاهد الذي يستمع الى أقوله أمام المحكمة.

  • منع كل شخص من مبارحة مكان وقوع الجريمة إلى حين إنتهاء التحريات

حيث وردت هذه الصلاحية في الفقرة الأولى من المادة 65 من قانون المسطرة الجنائية لما صرحت في منطوقها بأنه ” يمكن لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد  عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته”.

  • التحقق من هوية الاشخاص ومعاينتها

التحقق من هوية الأشخاص ومعاينتها تدبير اشترعته الفقرة الثانية من المادة 67 من قانون المسطرة الجنائية التي أوجبت ” على كل شخص ظهر من الضروري معاينة هويته أو التحقق منها بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية أن يمتثل للعمليات التي يقتضيها هذا التدبير “.

  • الوضع تحت الحراسة النظرية

الوضع تحت الحراسة النظرية هو إجراء نص عليه المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية وبالتحديد في المادة 66 وذلك في نطاق الجرائم المتلبس بها، وبمقتضاه يسمح لضابط الشرطة القضائية إبقاء شخص أو عدة أشخاص والذين عددتهم المادة 65 من قانون المسطرة الجنائية، وسواء كانوا مشبوها فيهم أم غيرهم ممن وجد في مكان الجريمة التي  أريد مجرد التحقق من هويتهم …)، والذين يكونون رهن إشارة ضابط الشرطة القضائية لحاجيات يقتضيها البحث، وهو إجراء سالب للحرية لإلقاء القبض على شخص وإيداعه مركز الشرطة التي يمارس فيها البحث، والغاية منه هو تمكين الضابط من إجراء البحث في ظروف جدية يمكن التوصل معها للحقيقة المجردة للوصول لمعرفة حقيقة ما إذا كان الشخص المعني بالأمر فعلا له ضلع بالجريمة، وكإشارة إن الوضع تحت الحراسة النظرية يخضع لشروط متضمنة في قانون المسطرة الجنائية يجب احترامها ويترتب عن خرقها جزاء مقرر في القانون.

ثانيا : التدابير المتعلقة بالأشياء المتخذة بمناسبة البحث التمهيدي التلبسيي.

قد تتعدد التدابير التي تتعلق بالأشياء التي تخول لضابط الشرطة القضائية اتخاذها بمناسبة قيامه بالبحث التلبسي، ولعل أظهرها مساسا بالحريات هو تخويله حجز كل ما له علاقة بارتكاب الجناية أو الجنحة وتفتيش المنازل.

  • حجز الاشياء التي لها علاقة بالجريمة

حيث ألزمت الفقرة الثانية من المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية ضابط الشرطة القضائية بعد انتقاله لمسرح الجريمة بأن : يحافظ على الأدلة القابلة للإندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة  وأن يحجز الأسلحة والادوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، كما نجد الفقرة الأخيرة من نفس المادة تنص على أنه ” يعرض الأشياء المحجوزة على الاشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجناية أو الجنحة قصد التعرف عليهما”.

  • تفتيش المنازل

نص دستور المملكة لسنة 2011 وتحديدا في الفصل 24 على أنه ” لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون”   وكذلك قد تم التنصيص على ذلك في الفصول 230 والفصل 441 من مجموعة القانون الجنائي، إذن فالقانون قد حصن المنازل وجعل لها حرمة لا ينبغي انتهاكها من أحد، وإلا عرض نفسه للعقاب الواجب بالنصوص السالفة الذكر. غير أن هذا التحصين لا ينبغي أن يكون مطلقا ليقف حائلا دون تحقيق العدالة الجنائية التي تقتضي أحيانا استبعاد هذه الحصانة  إجراء بحث وتحقيق في منزل من المنازل قد يضم داخله أدلة حاسمة عن جريمة من الجرائم يجري البحث بصددها ولا يمكن الوصول لأدلتها إلا بإجراء أبحاث لضابط الشرطة القضائية ليطلع وهو يقوم بالبحث عن كل ما يستدل به عن الجريمة ونسبتها لفاعل معين، قد يكون صاحب المنزل أو غيره وهذا هو التفتيش.

ومن الطبيعي أن يكتسي تفتيش المنزل المخول لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس بأهمية قصوى لأنه يسمح بالقيام به ولو من دون رضا صاحبه، بل واستعمال القوة العمومية، إن اقتضى الحال ذلك.

ولابد من الإشارة إلى أهم الضوابط التي تتعلق بتفتيش المنازل وذلك باختصار وجيز، حيث أنها تعتبر من الشروط التي تطلب القانون توافرها وأوجب مراعاتها من قبل ضابط الشرطة القضائية وإلا ترتب عنها جزاء البطلان وهي كالآتي :

  • إحترام الوقت القانوني للتفتيش

جاء في المادة 62 من قانون المسطرة الجنائية ” لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا، إلا إذا طلب ذلك رب المنزل أو وجهت استغاثه من داخله، أو في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون، غير أن العمليات التي ابتدأت في ساعة قانونية يمكن مواصلتها دون توقف.

ولا تطبق هذه المقتضيات إذا تعين إجراء التفتيش في محلات يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة.

إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية واقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الاستعجال القصوى أو إذا كان يخشى إندثار الأدلة فإنه يمكن الشروع في تفتيش المنازل ومعاينتها بصفة استثنائية قبل الساعة السادسة صباحا ولا بعد التاسعة ليلا بإذن كتابي من النيابة العامة ”

  • وجوب حضور بعض الاشخاص عملية التفتيش إلى جانب ضابط الشرطة القضائية

إجراء تفتيش المنازل بمناسبة الجرائم المتلبس بها موكول أمره إلى ضابط الشرطة القضائية، في حالة إذا كان إثباتها لا يتأتى بغير حجز أوراق أو وثائق أو أشياء أخرى توجد إما بحوزة المشتبه فيهم أو لدى غيرهم ممن يحوزونها حتى لو كانوا بعيدين عن أية شبهة تتعلق بمساهماتهم أو مشاركتهم في الجريمة طبقا للفقرة الأولى من المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية، سواء برضى أصحاب هذه المنازل أو بدون رضاهم طالما أنه نفذ وفق ما تقرره المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه : ” يطبق ما يلي، مع مراعاة مقتضيات المادة السابقة :

أولا : إذا كان التفتيش سيجرى بمنزل شخص يشتبه في مشاركته في الجريمة، وجب أن يتم التفتيش بحضور هذا الشخص أو ممثله، فإن تعذر ذلك وجب على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي شاهدين لحضور التفتيش من غير الخاضعين لسلطته.

ثانيا : إذا كان التفتيش سيجري بمنزل شخص من الغير يحتمل أن يكون في حيازته مستندات أو أشياء لها علاقة بالأفعال الإجرامية، فإنه يجب حضور هذا الشخص لعملية التفتيش وإذا تعذر ذلك وجب أن يجري التفتيش طبقا لما جاء في الفقرة السابقة.

يحضر هذا التفتيش في جميع الأحوال إمرأة ينتذبها الضابط لتفتيش النساء في الأماكن التي يوجدان بها “.

  • اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على السر المهني :

وفي هذا الصدد لا نقصد إتخاذ الاحتياطات أو التدابير الكفيلة بحفظ السر المهني فقط امتناع ضابط الشرطة القضائية عن إذاعة أو كشف أسرار اطلع عليها بمناسبة قيامه بالبحث التمهيدي فهذا واجب بديهي طبقا لما قررته المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على ” تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية. كل شخص ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في لقانون الجنائي “.

وتحت طائلة العقاب المقرر في الفصل 446 من القانون الجنائي، على اعتبار أن مسطرة البحث تكون سرية لا يجوز إفشاء شيئ منها من أي مشارك فيها، لكن المقصود في هذا الإطار هو قيام الضابط بعمل إيجابي يتمثل في وقوفه دون وصول أسرار تتعلق بالأغيار والتي قد يكونون قد أودعوها في أماكن يكون أصحابها بحكم أنشطتهم أو وظائفهم قد استلموها أو توصلوا إليها ويلزمهم القانون بكتمانها باعتبارها من الأمور المهنية، كتلك الاسرار المودعة بعيادات الأطباء ومكاتب المحامين والموثقين والعدول والمحاسبين…إلخ.

كما تنص المادة 59 في فقرتها الثالثة على أنه : ” إذا تعين إجراء تفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة المختصة وأن يتخذ مسبقا جميع التدابير لضمان احترام السر المهني “.

  • المحافظة على المحجوزات بعد إحصائها :

كما هو معلوم فالغاية من إجراء التفتيش هو الوصول لأدلة إثبات الجريمة للوصول لمرتكبها، وعليه فعند تحقيق الغاية المرجوة والتمكن مثلا من الوثائق أو الأشياء التي يكون لها دور في الوصول إلى الدليل والإثبات، أمكن حينها القيام بحجزها والقيام بإحصائها فورا، وفي حالة تعذر عليه ذلك لسبب ما، فإنه يجب على الضابط الختم عليها مؤقتا إلى حين وقت إحصائها ووضع الختم النهائي عليها وقد نصت على ذلك الفقرتين الخامسة والسادسة من المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية.

  • تحرير محضر التفتيش :

بعد إنتهاء ضابط الشرطة القضائية من عملية التفتيش يتعين عليه عملا بالفقرة الأخيرة من المادة 59 من قانون المسطرة الجنائية أن يحرر محضر التفتيش ويوقعه ويؤرخه ويضيفه إلى المحضر أو إلى المحاضر المكونة للبحث التمهيدي التلبسي.

والمحضر المتعلق بالتفتيش ينبغي إن يسجل فيه الضابط سبب لجوئه إلى التفتيش وتاريخه ووقته، وكل ما عاينه أثناء إجرائه من إطلاع على الوثائق أو معاينة الأشياء أو رفع البصمات أو أخذ الصور، وكذلك ما ضبطه من محجوزات في حالة إن كان هناك حجز كما عليه أن يثبت فيه حضور صاحب المنزل أو نائب عنه، وكذلك أسماء وهوية المشاهدين …إلخ.

 

 

  • جزاء الإخلال بالقواعد المتعلقة بالتفتيش :

الجزاء المنطقي الواجب على مخالفة القواعد المتعلقة بتفتيش المنازل، هو بطلان التفتيش والمحضر المنجز بمناسبته، مما يستتبع استبعاد كل الأدلة التي تم التوصل إليها في ظل التفتيش المعيب وغير الصحيح.

وقد كرس المشرع هذا بصراحة وحزم خلافا لما يلاحظ عليه من مؤاخذات بالنسبة للحراسة النظرية المعيبة وتحديدا في المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية التي صرحت بأنه ” يعمل بالإجراءات المقررة في المواد 59 و 60 و 62 أعلاه تحت طائلة بطلان الاجراء المعيب وما يترتب عنه من إجراءات “.    فما هي إذن أهم الضمانات التي يتمتع بها المتهم ؟

                         المطلب الثاني : ضمانات الحرية الفردية للمتهم.

إن موضوع المحاكمة العادلة على ضوء التشريع المغربي كما هو معلوم هي التي يحكم فيها المتهم وهو معزز بحقوقه وضماناته التي أعطاها له المشرع، وبالتالي فعلى الجهات المختصة بالمتابعة وهي النيابة العامة وجهة التحقيق المتمثلة في قاضي التحقيق وجهة الحكم وهو القضاء الجالس وهو القاضي الذي ينطق بالحكم، فهذه الجهات الثلاث يجب عليهم احترام حقوق المتهم والضمانات التي متعه بها المشرع لكي نكون أمام محاكمة عادلة، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن محاكمة عادلة لم تحترم فيها حقوق  المتهم لأن عدم احترام هذه الحقوق يضعنا أمام محاكمة جائرة وظالمة وليس أمام محاكمة عادلة، وبالتالي فالمحاكمة العادلة لا تتحقق أثناء المحاكمة فقط، وإنما تتحقق قبل المحاكمة وبعد المحاكمة، فعند الحديث عن محاكمة عادلة فلابد أن تتحقق قبل المحاكمة وهنا بالطبع نقصد مرحلة البحث التمهيدي الذي تقوم به النيابة العامة مرورا بمرحلة التحقيق التي يقوم بها قاضي التحقيق، وعند المحاكمة فيجب احترام حقوق وضمانات المتهم أثناء هذه المرحلة ثم في المرحلة الأخيرة بعد المحاكمة.

كانت هذه المراحل الثلاث قبل وأثناء وبعد المحاكمة هي أهم مراحل ضمانات المحاكمة العادلة والتي ذكرناها باقتضاب وجيز، لكن ما يهمنا ونحن بصدد الحديث عن هذا الموضوع الذي يحتل مكانة مهمة وخطيرة تتعلق بحرية الأشخاص الجانحين في إطار المراحل التي تمر منها محاكمة الأشخاص التي ذكرناها سلفا، فمن أهم ضمانات وحقوق المشتبه فيه قبل المحاكمة أي عندما يكون هذا الأخير ماثلا أمام الضابطة القضائية، وسنقتصر على ذكرها وفق المسطرة المتبعة بدءا بمثول المشتبه فيه أمام الضابطة القضائية ، فالمشبه فيه يخضع لإجراءات مسطرية وهو ماثل أمام الضابطة القضائية بناء على الاختصاصات المخولة لهم قانونا وذلك بناء على المواد 18، 21، 22، 23 ، 24 من قانون المسطرة الجنائية.

إذن فمن أهم ضمانات المتهم قبل المحاكمة، فكما هو معلوم أنه قبل أن يصل ملف القضية إلى جهات الحكم المختصة لابد أن يمر من هذه المراحل التي سنفصل فيها كالآتي ( الفقرة الأولى ) ضمانات المشتبه فيه خلال مرحلة البحث التمهيدي، ثم سنخصص ( الفقرة الثانية )  للحديث عن ضمانات المتهم خلال مرحلة التحقيق الاعدادي، في حين سنتناول بالتفصيل والحديث عن أهم ضمانات المتهم أثناء وبعد المحاكمة ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: ضمانات المشتبه فيه خلال البحث التمهيدي

فمرحلة البحث التمهيدي هي المرحلة التي يكون فيها الشخص مشتبه فيه، أي أن ذلك الشخص حالت حوله الشبهات والظن بأنه هو من ارتكب الجريمة، أي يشتبه فيه أنه هو من ارتكب الجريمة، وهذه المرحلة هي من اختصاص النيابة العامة حيث أن قضاة النيابة العامة هم المكلفون بإجراءات البحث التمهيدي، لكن في الواقع العملي فإن ضباط الشرطة القضائية هم الذين يقومون بهذه الإجراءات المتعلقة بالبحث التمهيدي تحت إشراف النيابة العامة، فخلال هذه المرحلة تتخذ مجموعة من الإجراءات ضد المشتبه فيه، وهذه الاجراءات فهي خطيرة بحد ذاتها لأنها إجراءات تمس الحرية الفردية للشخص المشتبه فيه، لكن المشرع في مقابل ذلك أعطى للمشتبه فيه مجموعة من الحقوق والضمانات خلال مرحلة البحث التمهيدي، وبالتالي فإن ضمان حماية حقوق الإنسان وضماناته في هذه المرحلة تعد جوهر المحاكمة العادلة وقلبها النابض، لكن عندما يقع إهدار هذه الحقوق والضمانات خلال هذه المرحلة فسوف يتوقف قلب المحاكمة العادلة عن الخفقان ويصير تحققها صربا على صرب.

فحتى تتحقق محاكمة عادلة فالمشروع قام بتمتيع المشتبه فيه خلال هذه المرحلة بمجموعة من الحقوق والضمانات وبالتالي سنقوم بالتمييز بين ضمانات تتعلق بالوضع تحت الحراسة النظرية، وضمانات تتعلق بالتفتيش.

أولا : ضمانات الوضع تحت الحراسة النظرية

إن من أهم ضمانات المتهم في إطار تدبير الوضع تحت الحراسة النظرية نجد :

حق الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية في معرفة أسباب اعتقاله، فلابد من حق معرفة الاسباب التي جعلت ضابط الشرطة القضائية اعتقاله، حيث لا يمكن مؤاخذة الشخص على فعل لا يعد جريمة ولم يجرمه القانون وهو ما يطلق عليه بمبدأ الشرعية الجنائية ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص “، فلا يمكن متابعة شخص بجريمة غير منصوص عليها في القانون.

كما نص الفصل 3 من مجموعة القانون الجنائي على إنه ” لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون “.

ومن بين الضمانات الممنوحة للمشتبه فيه خلال هذه المرحلة نجد أيضا : مبدأ قرينة البراءة أي أنه يجب افتراض براءة المشتبه فيه فلا يجب اعتباره مجرما مدام لم تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب قوة الشيئ المقضي به، وهذا المبدأ يجد سنده القانوني في المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب قوة الشيئ المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية ويفسر الشك لصالح المتهم”.

وبالظر للعمل القضائي فيما يخص مبدأ قرينة البراءة المنصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية نجد حكم جنحي تمهيدي صادر بتاريخ 12 ماي 2011 في الملف رقم 3245/2011 حيث أنه بتاريخ 12 ماي سنة 2011 أصدرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في جلستها العلنية للبت في القضايا الجنحية الحكم الآتي نصه :

الظنين بارتكابه داخل الدائرة القضائية لهذه المحكمة وذلك منذ زمن لم يمض عليه أمد التقادم الجنحي جنح : تبليغ السلطات العامة عن جرائم يعلم بعدم حدوثها والتأثير على قرارات رجال القضاء قبل صدور أحكام غير قابلة للطعن عن طريق كتابات علنية وتحقير مقررات قضائية من شأنها المساس بسلطة القضاء واستقلاله عن طريق كتابات علنية مع حالة العود.

الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول : 263 و 264 و 266 و 157 من القانون الجنائي.

الوقائع :

بناء على الدعوى العمومية الجارية ضد الظنين ( ر. ن ) من أجل الجنح أعلاه.

وبناء على محضر البحث التمهيدي المنجز من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية عدد 153 بتاريخ 01/05/2011.

وبناء على إدراج القضية بالجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ 10/05/2011 نودي خلالها على الظنين والذي اخضر في حالة اعتقال مؤازرا بدفاعه وتدخل ذ/ محمد لحبيب حاجي وأشار إلى أن المتهم بريئ إلى أن تثبت إدانته وأن وقوف مؤازره بقفص الاتهام يتعارض مع مفهوم الفصل الاول من قانون المسطرة الجنائية والتمس من المحكمة إخراج المتهم من قفص الاتهام، وأكد ذ/ خالد السفياني نفس الملتمس.

وتناول الكلمة السيد وكيل الملك وأفاد بخصوص ملتمس الدفاع أن المغرب يعترف بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا، وأن المتهم يبقى بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي بات وأن سير الجلسة منظم بمقتضى منشور ينص على كيفية عقد الجلسات ملتمسا تطبيق القانون بهذا الشأن.

وأفاد ذ/ حاجي بأنه لا وجود لقانون يلزم المتهم بالوقوف في قفص الاتهام وأن وقوفه في قفص الاتهام يتنافى مع قرينة البراءة .

وأوضحت المحكمة وجود منشور رقم 854 ينظم كيفية عقد الجلسات الرسمية والعادية وهو صادر عن وزير العدل بصفته نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي هو صاحب الجلالة.

وتدخل ذ/ حاتم بكار من هيئة القنيطرة وأكد طلب ذ/ محمد لحبيب حاجي وأن قانون المسطرة الجنائية هو قانون الشرفاء ولا يجب التوسع فيه.

فقررت المحكمة حجز الملف للتأمل في الملتمس المذكور لجلسة 12/05/2011.

_ وبعد التأمل طبقا للقانون _

حيث تقدم الأستاذ محمد لحبيب حاجي بملتمس رامي إلى إخراج المتهم من قفص الاتهام على اعتبار أن تواجده يتعارض ومقتضيات المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بقرينة البراءة وما تشير إليه المواثيق الدولية.

وحيث إستدل الدفاع في إثارة الدفع المذكور بالمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب.

لكن حيث أنه ووفقا لأليات حقوق الإنسان الدولية وما جاء بدليل المحاكمات العادلة المنجز من قبل منظمة العفو الدولية فإن الإخلال باحترام قرينة البراءة يكون عن طريق منع الحماية الإجرائية للأشخاص المتهمين كالوقت اللازم لتجهيز الدفاع والاتصال بمحام، هذه الحماية الإجرائية التي لا تدخل ضمنها قفص الاتهام.

وحيث أن ما ذكره دليل المحاكمات العادلة المذكورة من أمثلة تؤثر على المحاكمة العادلة كوضع المتهم في قفص الاتهام أو تكبيل يده أو قدميه بالأصفاد أو الأغلال أو إرغامه على ارتداء ثياب السجن في قاعة المحكمة أو حلاقة شعر رأسه هي أمثلة لا تنطبق اللثة على وضعية المحاكمات في المغرب، ذلك أن المقصود بقفص الاتهام في المثال المذكور، هو القفص المحاك بسياج حديدي أو ما يصطلح عليه باللغة الفرنسية ب la cage  على اعتبار أن وضع المتهم به يحط من كرامته كإنسان، في حين أن المقصود بقفص الاتهام في ظل التشريعات الحديثة ومنها التشريع المغربي، هي المنصة المخصصة لمثول الشخص المتابع أمام المحكمة بعد النظر عن وضعيته الجنائية.

وحيث أن وقوف المتهم بقفص الاتهام لا يحط من كرامته ولا يؤثر على قرينة البراءة، هذا فضلا على أن المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية أحاط المحاكمة العادلة بضمانات تكفل لكل طرف حقه في الدفاع واتخاذ جميع الوسائل الشريفة للدفاع.

وحيث أنه والحالة ما ذكر فإن طلب محاكمة المتهم بمثوله خارج المكان المخصص له قانونا طلب لا يستند على أي أساس من القانون ويتعين رده.

وتطبيقا للمادة 323 من قانون المسطرة الجنائية.

_ لهذه الاسباب _

تصرح المحكمة علنيا حضوريا وتمهيديا :

برد الفعل المثار ، ومواصلة مناقشة القضية

بهذا صدر الحكم وتلى في الجلسة العلنية المنعقدة في اليوم والشهر والسنة أعلاه بقاعة الجلسات الاعتيادية رقم 8 وكانت المحكمة متركبة من السيد : السيد حسن جابر رئيسا والسيد رشد محمد الصغير ممثلا للنيابة العامة السيد مبارك سفنون كاتب للظبط.

ومن بين الضمانات المخولة للمشتبه فيه أيضا في هذا الإطار حقه في التزام الصمت فهذا الحق يعتبر من أهم الضمانات التي منحها المشرع للمشتبه فيه والمنصوص عليها في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية.

” وفي هذا الإطار المتعلق بحق المشتبه فيه بالتزام الصمت نجد قرار صادر عن المحكمة الابتدائية بميدلت _ حكم ابتدائي بتاريخ 26/11/2015 تحت عدد 2466 ملف جنحي رقم 2467/2015 القاضي ببطلان محضر الضابطة القضائية. عدم إشعار المتهم بحقه في إلتزام الصمت يترتب عنه بطلان المحضر _ نعم. ”

 

وكذلك من بين حقوق المشتبه فيه أثناء الوضع تحت الحراسة النظرية هو حقه في الاتصال بأحد اقربائه، أي أن المشتبه فيه يملك الحق في أن يتصل بأحد أفراد عائلته أو أقربائه حتى يخبرهم بالمكان الذي تم اعتقاله فيه.

وكذلك من أبرز حقوق المشتبه فيه نجد تعيين محامي لمؤازرته أو طلب تعيينه في إطار المساعدة القضائية، ففي الحالة الأولى تقوم الشرطة القضائية فورا باشعار المحامي المعين مع اخبار النقيب بذلك، أما في الحالة الثانية في إطار المساعدة القضائية فإن الشرطة القضائية تقوم بإشعار النقيب وهو الذي يتولى تعيين هذا المحامي لمؤازرة ذلك الشخص المشتبه فيه.

كذلك من أبرز حقوق المشتبه فيه نجد حقه في الفحص الطبي حيث يحق للمشتبه فيه أن يطلب إجراء فحص طبي عليه وأن يطلبه كذلك دفاعه بإجراء فحص طبي عليه حتى يتأكد ما إذا كان قد تعرض للعنف أو التعذيب من طرف ضباط الشرطة القضائية.

وكذلك من أبرز الضمانات الممنوحة للمشتبه فيه هو أن المشرع ونظرا لخطورة إجراء الوضع تحت الحراسة النظرية الذي يؤدي للمساس بالحرية الفردية للشخص، فهنا نجد أن المشرع قيد هذا الإجراء بمدة قانونية حتى لا يتسنى لضابط الشرطة القضائية الاحتفاظ بالشخص المشتبه فيه مدة طويلة، وبالتالي المشرع جعل مدة الحراسة النظرية في الجرائم العادية هي 48 ساعة قابلة للتمديد لمرة واحدة لمدة 24 ساعة، ولكن يجب أن يكون هذا الاجراء بإذن كتابي من النيابة العامة أي من أحد قضاة النيابة العامة.

أما في الجرائم التي تمس الأمن الداخلي والخارجي فحدد المشرع المدة في 96 ساعة ابتدأت منذ توقيف المشتبه فيه وقابلة للتمديد لمدة 96 ساعة مرة أخرى مرة واحدة بإذن كتابي من طرف أحد قضاة النيابة العامة.

أما إذا تعلق الأمر بالجرائم الإرهابية المنصوص عليها في القانون  03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، فإن مدة الحراسة النظرية حددها المشرع في 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين بنفس المدة وكذلك لابد من إذن كتابي من طرف أحد قضاة النيابة العامة في حالة التمديد. طبقا للمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية.

إذن فهذه أهم الضمانات التي خولها المشرع للمشتبه فيه خلال إجراء الوضع تحت الحراسة النظرية والمنصوص عليها في القانون.

وبالنظر إلى العمل القضائي المتعلق بضمانات المتهم في قانون المسطرة الجنائية نجد قرار صادر عن محكمة النقض وهو القرار 743/7 المؤرخ في 30/04/2014 ملف جنحي عدد 8285/6/7/2013 بتاريخ 30/04/2014 إن الغرفة الجنائية القسم السابع بمحكمة النقض في جلستها العلنية أصدرت القرار الآتي نصه :

بناء على طلب النقض المرفوع من طرف المتهم عزيز الفليس بمقتضى تصريح اقتضى به بواسطة دفاعه بتاريخ 29-1-2013 بكتابة ضبط مكمة الاستئناف بالقنيطرة والرامي إلى نقض القرار الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بها بتاريخ 23/01/2013 في القضية ذات العدد 289-2012 القاضي بعد رد الدفع المتعلق بالفصل 66 من قانون المسطرة الجنائية بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من براءته وبعد التصدي إدانته من أجل الاتجار في المخدرات ومعاقبتهم على ذلك بعشرة ( 10 ) أشهر حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 5000 درهم وتأييده فيما قضى به من إتلاف المخدرات المحجوزة وتحميله الصادر تضامنا مع الغير مجبرا في الأدنى .

إن محكمة النقض :

بعد أن تلت السيدة المستشارة لطيفة الهاشمي التقرير المكلفة به في القضية.

وبعد الانصات إلى السيد محمد الجعفري المحامي العام في مستنتجاته.

وبعد المداولة وطبقا للقانون.

في الشكل :

حيث قدم طلب النقض وفق الإجراءات المقررة قانونا فهو مقبول شكلا.

في الموضوع :

حيث أدلى الطاعن بواسطة دفاعيه الأستاذين عبد الرحيم الصقلي وخالد مولمن المحامين بهيئة القنيطرة المقبولين للترافع لدى محكمة النقض بمذكرة مستوفية الشروط المتطلبة ممضاة من قبل الاستاذ عبد الرحيم الصقلي.

في شأن السبب الأول بفروعه الاول والثاني والثالث والسبب الثاني المتخذين في مجموعهما من نقصان التعليل وفساده وعدم الارتكاز على أساس قانوني وخرق القانون ذلك أن القرار المطعون فيه بالنقض عند معرضه لمقتضيات الفصل 66 من قانون المسطرة الجنائية اعتبر أن المشرع المغربي لم يرتب جزاء البطلان على خرق مقتضيات هذا الفصل كما أن إثارة أي دفع من الأطراف يقتضي حصول الضرر وأن إثارته من قبل الطاعن لا مصلحة له فيه لكن ما اعتمده القرار يتنافى ومقتضيات الفصل 66 من قانون المسطرة الجنائية المنسوخ من المادة 23 من الدستور المغربي الذي هو أسمى قانون في البلاد مما يجعل التعليل غير مرتكز على أساس قانوني لما اعتمد مبررات لم تأخذ بعين الاعتبار أن مواد قانون المسطرة الجنائية قد وضعت لتحترم وهذا ما نصت عليه المادة 37 من الدستور التي أكدت على احترام الجميع للقانون والقانون يجب احترامه بغض النظر عن وجود الضرر من عدمه وإهمال نص المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 23 من الدستور بعلة عدم تنصيص المشرع على بطلان الإجراء المترتب على خرق المادتين يعتبر نقصانا في التعليل يوازي انعدامه، والقرار عندما أدان العارض من أجل الاتجار في المخدرات بعدنا ألغي الحكم الابتدائي الذي يراه منها بعلة كون الطاعن لم يذكر معرفته بالمتهم يوسف الغرباوي وسبق أن مدن بسيجارة محشوة بالمخدر مجانا وأنه يلتقي به بزنقة دشراوة وأن هذا الأخير لو كان يكذب لنسب كل المخدرات له وأن ذكره من طرف يوسف الغرباوي هو اعتقاد هذا الأخير أنه هو من بلغ عنه متناسيا أنه تم الاستماع إليه بعد الاستماع للمتهم الغرباوي وهذا التعليل لا ينسجم مع المنطق وظروف الحال لأنهما يعتبران من ساكنة مولاي بوسلهام ومن نفس الحي ويعرفان بعضهما البعض فالتعراف لا يعتبر مبررا للإدانة وعدم نسبه كل المخدرات البالغ عددها 24 قرصا للعارض هو كون هاته الأقراص تشكل نوعين من الأقراص المهلوسة ومن غير المعقول أن يشتري يوسف الغرباوي إذا كان مستهلكا فقط كل هذا العدد من الطاعن مما جعله يختلق قصة الطفل القاصر الذي إلتقى به بسوق أربعاء الغرب ودون سابق معرفة به اقتنى منه أقراص الباليوم ونسب أقراص النورداز للعارض لإخفاء مسألة هامة لم يأخذها القرار في الاعتبار هو أن يوسف الغرباوي تاجر وليس مستهلك، إضافة إلى أن يوسف الغرباوي ضبط متلبسا بعد تلقي الضابطة القضائية لمكالمة هاتفية تفيد تناول هذا الأخير أقراص مهلوسة بمقهى نورماندي فالتبليغ قبل الاستماع مما جعل العارض يذكر هذا المعطى الذي يعزز موقفه ولأن فساد التوقيع التعليل الوارد بالقرار يتجلى في استبعاد التناقضات التي وقع فيها يوسف الغرباوي عند الاستماع إليه حينما أكد أنه مجرد مستهلك وضبطت معه 24 قرصا من نوع مختلفين من الأقراص المهلوسة وصرح بأن نوع النورداز يحدث له ألما ببطنه ويؤثر سلبا على نظامه الغذائي واقتنى منه 14 قرصا وهذا غير طبيعي كما ادعى شراؤه نوع الغاليوم من قاصر يلتقيه لأول مرة فالقرار استبعد كذلك عدم ضبط الضابطة القضائية بمنزل العارض لأية أقراص مخدرة بعد عملية التفتيش واعتمد قرائن لا ترقى إلى مستوى القرينة علما أن تصريحات يوسف الغرباوي كلها مشكوك فيها، والشك يفسر لصالح المتهم، مما يجعل القرار بخرقه المقتضيات المذكورة أعلاه واعتماد قرينة لا ترقى لمستوى القرينة عرضة النقض.

حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عندما ردت الدفع الشكلي ببطلان المحضر لخرق المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية بالقول : ” حيث تمسك دفاع المتهم ببطلان المحضر لخرقه مقتضيات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية والفصل 23 من الدستور إلا أنه قبل الرد على الدفع لابد من الجواب على السؤال الجوهري ما هي الغاية من أي إجراء مسطري ينص عليه قانون المسطرة الجنائية ؟ وكيف ما كان الجواب فإن كل إخلال بإجراء مسطري يلحق ضررا بالغير هو مناط للطعن بالبطلان أم لا ؟ والسؤال الأخير كيف يمكن ترتيب بطلان إجراء مسطري لم يقرر المشرع البطلان عند خرقه ؟ هذه الإشكالية يمكن تلخيصها في القاعدة الآتية ” لا طعن بدون مصلحة ولا بطلان بدون نص ” وبالتالي نستخلص مما سبق أن المشرع حدد شكلية محددة ثابتة وواضحة عند توقيف المتهم وحفاظا على حقوقه الجوهرية كمتهم وحفاظا على حقه في الدفاع فإن ضابط الشرطة القضائية هو ملزم بإخباره بفحوى مقتضيات المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية لكن إذا أغفل المحضر الاشارة إلى مقتضيات المادة 66 في صلب المحضر فإن المشرع لم يرتب البطلان بطريقة أتوماتيكية لسببين أولهما إذا لم يلحق هذا الخرف أي ضرر بالمتهم أو أن المحضر كان في مجمله لصالح المتهم وهذا السبب الرئيسي في عدم تقرير البطلان من طرف المشرع لخرق الفصل 66 بل ترك تقدير البطلان للمحكمة بناء على الأسباب المذكورة أو غيرها وهذا فيه ضمانات أكبر للمتهم وضمانات لعمل الشرطة القضائية، وفي نازلة القضية المتهم أثار بطلان المحضر بسبب عدم تضمين مقتضيات الفصل 66 لم يلحق أي ضرر بحقوق دفاع المتهم من جهة ومن جهة أخرى فإن المحضر ضمن أقوال في صالح المتهم وضمن إنكاره لما نسب إليه أي أن المتهم استند مسطريا من المحضر والمتهم نفسه يعترف بأن التصريحات المدونة بالمحضر صدرت عنه وحيث بالرجوع للفصل 66 فإن المشرع جعل إخبار المتهم بإمكانية عدم الإدلاء بأي تصريح يقع على ضابط الشرطة بالقول : ” يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله وبحقوقه ومن بينها حقه في إلتزام الصمت. إلا أنه لم يرتب أي جزاء على عدم احترامه حسب ما بينا أعلاه هذا من جهة ومن جهة أخرى فعدم تضمين أنه تم إخباره بحقه في عدم الإدلاء بأي تصريح لا يعني بطلان المحضر خاصة وأنه أدلى بتصريح وللمتهم أن يمتنع تلقائيا عن الإدلاء بأي جواب عند الاستماع أما إذا أدلى بتصريح فإن هذا الإجراء يبقى صحيحا ولو لم يتم اشعاره بحقه في الصمت ولا يترتب عن عدم إخباره أي بطلان للمحضر فالدفع يبقى بدون أساس ويتعين رفضه ” تكون بررت ما انتهت إليه بما فيه الكفاية ولم تخرق المقتضيات المحتج بها في شيئ وليس في جوانبها ما يمكن اعتباره خرقا لحقوق الدفاع أو مساسا بحرية الأشخاص هذا من جهة.

وحيث من جهة ثانية لما كان من حق المحكمة الزجرية تكوين قناعتها ببراءة أو إدانة المتهم من جميع الأدلة المعروضة عليها في إطار سلطتها التقديرية التي لا تخضع في هذا الشأن لرقابة محكمة النقض، فإنه لما قضت المحكمة المطعون في قراراتها بإدانة المطلوب في النقض من أجل المنسوب إليه إستنادا إلى تصريح المسمى يوسف الغرباوي بأنه اقتنى 14 قرصا من نوع النورداز من عند المتهم عزيز الفليس هذا القرار المعزز بعدة قرائن اعتبرتها المحكمة متناسقة ومتماسكة ومنسجمة ومؤدية إلى النتيجة التي انتهت إليها تكون قد اعتمدت دليلا قانونيا عرض عليها ونوقش من طرفها فكونت منه قناعتها في إطار السلطة المخولة لها قانونا فجاء بذلك قرارها معللا تعليلا كافيا ولم يخرق المقتضيات المحتج بها في شيئ ويبقى السببان على غير أساس.

ومن أجله :

قضت برفض الطلب المرفوع من طرف المتهم عزيز الفليس ضد القرار الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 23/01/2013 في القضية ذات العدد 289-2012 وحكمت عليه بأداء ضعف مبلغ الضمانة.

وبه صدر القرار وتلى بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض الكائنة بشارع النخيل حي الرياض بالرباط وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السيد : عبد المالك بورج رئيسا والمستشارين : عمر المصلوحي وفاطمة بزوط ولطيفة الهاشيمي مقررة ومحمد عز وبمحضر المحامي العام السيد محمد الجعفري الذي كان يمثل النيابة العامة بمساعدة كاتبة الضبط السيدة بوشرى الركراكي.

ثانيا : التفتيش

من أبرز الضمانات الممنوحة للمشتبه فيه المتعلقة بالتفتيش، وكما هو معلوم أن حرمة المسكن حق دستوري منصوص عليه في دستور المملكة لسنة 2011، وتحديدا في منطوق الفقرة الثانية من الفصل 24 كما رأينا ذلك آنفا، إذ لا يمكن انتهاكه إلا بموجب القانون وهكذا فالمشرع أحاط حرمة المنزل بجملة من الضمانات القانونية وكل انتهاك خارج ما هو منصوص عليه في القانون سيترتب عنه المساءلة القانونية لمرتكب الفعل، وبالنظر لخطورة عملية تفتيش المنزل احاطها المشرع بمجموعة من الضمانات من أبرز هذه الضمانات أنه قيد إجراء التفتيش بوقت قانوني محدد وهذا الوقت لا يمكن إجراء التفتيش بعد التاسعة ليلا وقبل السادسة صباحا لكن هناك بعض الاستثناءات ترد على هذه القاعدة.

حيث تنص المادة 62 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا، إلا إذا طلب ذلك رب المنزل أو وجهت استغاثة من داخله، أو في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون. غير أن العمليات التي ابتدأت في ساعة قانونية يمكن مواصلتها دون توقف. لا تطبق هذه المقتضيات إذا تعين إجراء التفتيش في محلات يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة. إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية واقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الاستعجال القصوى أو إذا كان يخشى اندثار الأدلة فإنه يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة استثنائية قبل الساعة السادسة صباحا أو بعد التاسعة ليلا بإذن كتابي من النيابة العامة “.

كذلك من أهم الضمانات أن يتم التفتيش من طرف ضابط الشرطة القضائية بمعنى أنه يجب أن يقوم بعملية التفتيش ضابط الشرطة القضائية أي من يحمل هذه الصفة وليس شخص آخر.

كذلك من بين ضمانات التفتيش المقررة في القانون هو الحفاظ على الأشياء المحجوزة أي أنه يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يضع الاشياء التي تم الحجز عليها في كيس ويختم عليها بعد أن يقوم بإحصائها بمعية من حضروا عملية التفتيش.

ثالثا : إجراء المعاينة

أما التنقل لمكان وقوع الجريمة مقيد بإجراءات في غاية الأهمية وهو قيام ضابط الشرطة القضائية بالمعاينة المفيدة وتنصب معاينة ضباط الشرطة القضائية على الأشياء والأشخاص والأمكنة وكل ما من شأنه المساعدة في البحث والتحري والكشف عن الحقيقة، وسنتعرف بداية عن المعاينة فيما يتعلق بالأشخاص ثم ننتقل بعد ذلك للمعاينة فيما يتعلق بحجز الأدلة والمحجوزات وحمايتها.

وفيما يتعلق بتفتيش الأشخاص فقد نصت المادة 81 على أنه ” يجوز لضباط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية. لا تنتهك حرمة المرأة عند التفتيش، وإذا تطلب الأمر إخضاعها للتفتيش الجسدي يتعين أن تقوم به إمرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لذلك، ما لم يكن الضابط إمرأة. تسري مقتضيات هذه المادة في حالة التلبس بجناية أو بجنحة “.   ونستشف من فحوى هاته المادة السالفة الذكر التنصيص على عدم انتهاك حرمة المرأة والاستعانة من أجل ذلك بامرأة أخرى ينتدبها الضابط ما لم يكن الضابط امرأة، وتفتيش الأشخاص يعد تدبيرا استثنائيا ضيق المشرع من اللجوء إليه وجعله مشروطا بالوضع تحت الحراسة النظرية، وهذا الإذن بالتفتيش تصدره النيابة العامة ولم يحدد له القانون شكلا معينا ولكن يجب إن يكون مكتوبا ومتضمنا بعض البيانات الأساسية، كتاريخ وساعة وصفة ومصدر الإذن ورقم وتاريخ الطلب، وهوية الشخص المراد تفتيشه، والإشارة إلى مبررات الاذن بالتفتيش والفصول التي يستند عليها، والاذن بالتفتيش إما أن يكون شخصي مأذون بإجرائه لضابط معين أو مطلقا يجوز لكل ضابط تنفيذه.

وفيما يتعلق بحجز المحجوزات فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي : ” يعرض الاشياء المحجوزة على الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجناية أو الجنحة قصد التعرف عليها “.

وهذه الأدلة يتحصل عليها الضابط بالطرق التالية :

إما عن طريق التفتيش أو الضبط بمكان الجريمة أو بحوزة الجاني أو تقديمها من طرف أحد الأشخاص ويجب على الضابط ضبط هذه الأدلة واحصائها ووضعها في غلاف مختوم يشير فيها إلى طبيعتها واحصائها ووزنها، وإذا تعلق الأمر بأشياء أو مواد تقدر بالوزن إلى حين تقديمها للنيابة العامة قصد احالتها إلى المحكمة أو على قاضي التحقيق، وإذا خيف عن الاشياء المحجوزة من سرعة تلفها أو اندثارها أو صعب التحقق من ماهيتها فإنه يمكن الاستعانة بكل شخص مؤهل قد يكون خبيرا لتحديد طبيعتها وماهيتها.

الفقرة الثانية : ضمانات المتهم خلال مرحلة التحقيق الاعدادي

مرحلة التحقيق الاعدادي هي مرحلة تتوسط مرحلة البحث التمهيدي ومرحلة المحاكمة فهي تحتل مكانة الوساطة بينهما، فالجهة المكلفة بالتحقيق خلال هذه المرحلة هو قاضي التحقيق، ونظرا لخطورة الإجراءات التي تتخذ خلال هذه المرحلة، نجد إن المشرع خول وأحاط المتهم بمجموعة من الضمانات والحقوق سعيا منه لتحقيق محاكمة عادلة.

إذن فمن أبرز الضمانات المخولة للمتهم خلال هذه المرحلة نجد حقه في عدم الإدلاء بأي تصريح عند مثوله أول مرة أمام قاضي التحقيق إلا بحضور محاميه، والهدف من ذلك هو تجنب انتزاع الاعتراف من هذا المتهم عن طريق ممارسة عليه الضغط أو الإكراه.

وكذلك نجد من أبرز الضمانات خلال هذه المرحلة اختيار محامي لمؤازرته أو اختياره في إطار المساعدة القضائية.

وكذلك من بين الضمانات المخولة للمتهم هو الحق في أن يوضع ملف قضيته رهن إشارة محاميه داخل أجل معقول.

وكذلك من بين الضمانات التي أعطاها المشرع للمتهم حقه في أن لا يستمع إليه ولا يواجه بالطرف المدني إلا بحضور محاميه، يعني من حقه ألا يتم الاستماع له أو أن يتم مواجهته من طرف قاضي التحقيق بالطرف المدني إلا بحضور محاميه الشخصي.

ومن أبرز الضمانات في هذا الإطار كذلك نجد اعتبار الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي فقط ولا يمكن اللجوء إليه إلا في الحالات التي تقتضي ذلك. كذلك نجد أن المشرع قيد الاعتقال الاحتياطي بالمدة حتى لا يتسنى لقاضي التحقيق اعتقال المتهم مدة طويلة وبالتالي حصر مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنح شهر قابل للتمديد مرتين بنفس المدة يعني أقصى مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنح هي ثلاثة أشهر، إما إذا تعلق الأمر بالجنايات فإن المشرع قيد مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنايات في شهرين قابلة للتمديد خمس مرات لنفس المدة، يعني أقصى مدة للاعتقال الاحتياطي في الجنايات هي سنة واحدة.

غير أنه يمكن الإشارة إلى أن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية جاءت بمستجدات فيما يتعلق بترشيد الاعتقال الاحتياطي منها تقليص تمديدات الاعتقال الاحتياطي في الجنايات من خمس إلى ثلاث مرات أي من سنة إلى ثمانية أشهر باستثناء الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية. كما أن مشروع مسودة قانون المسطرة الجنائية استحدثت مجموعة من التدابير فيما يخص ترشيد الاعتقال الاحتياطي.

وكذلك من أهم ضمانات التفتيش نجد المحافظة على السر المهني طبقا للمادة 15 من قانون المسطرة الجنائية حيث تنص على أنه ” تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث والتحقيق سرية”.

كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي “.

فكما هو معروف أن عملية التفتيش تترتب عليها الاطلاع على الاسرار الخاصة بالمواطنين وكذلك بعض الاماكن التي تكون مشمولة بكتمان السر المهني كا مكاتب المحامين والاطباء …، وبالتالي يجب على ضابط الشرطة القضائية إن يتخذ جميع الاجراءات الضرورية لضمان كتمان السر المهني.

وفي حالة إذا كان التفتيش يقع على مكتب محامي مثلا فهنا التفتيش يقوم به أحد قضاة النيابة العامة وليس ضابط الشرطة القضائية ويتم التفتيش بحضور نقيب هيئة المحامين.

كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي رتب جزاء البطلان على عدم احترام إجراءات التفتيش كما هي منصوص عليها في القانون، وهذا الجزاء يعتبر في حد ذاته ضمانة.

كما تجدر الإشارة أيضا أنه إذا تعلق الأمر بتفتيش امرأة فاحتراما لضمان صون كرامة المرأة واحتراما لحرمة الجسد فإنه لا يجب أن يقوم بالتفتيش ضابط الشرطة القضائية ذكر وإنما لابد من امرأة هي من تقوم بالتفتيش، وفي حالة قام ضابط الشرطة ذكر بهذا الامر فإن الأمر يكون باطلا.

إذن فهذه أهم الضمانات السالفة الذكر والتي خولها المشرع للمشتبه فيه أثناء البحث التمهيدي، وكما ذكرناها آنفا فضمانات المشتبه فيه خلال هذه المرحلة تتعلق بالوضع تحت الحراسة النظرية وأخرى تتعلق بالتفتيش.

الفقرة الثالثة : ضمانات المتهم أثناء وبعد المحاكمة

هناك ضمانات أقرها المشرع لفائدة المتهم تتعلق بمرحلة المحاكمة وبعد المحاكمة لتحقيق المحاكمة العادلة وسنتطرق من خلال هذه الفقرة الى ابرز الضمانات الممنوحة للمتهم أثناء مرحلة المحاكمة ( أولا ) ثم سنتطرق للحديث عن ضمانات المتهم بعد المحاكمة ( ثانيا ).

اولا : ضمانات المتهم أثناء المحاكمة

لتحقيق المحاكمة العادلة أثناء مرحلة المحاكمة فلابد إن تتحقق مجموعة من المبادئ الأساسية حتى نحقق محاكمة عادلة ومن بينها نجد : مبدأ استقلال القضاء، ومبدأ المساواة أمام القضاء، ومبدأ حضورية، وعلانية، وشفوية المحاكمة.

بالنسبة للمبدأ الاول وهو استقلال القضاء، لتحقيق محاكمة عادلة يجب أولا أن تكون السلطة القضائية مستقلة تماما عن السلطتين التشريعية  والتنفيذية، ويجب أن تكون سلطة القضاء محايدة ونزيهة، ومنه نستشف أنه لا يمكن الحديث عن محاكمة عادلة بدون قضاء مستقل ونزيه ومحايد.

أما المبدأ الثاني وهو المساواة أمام القضاء، ولتحقيق المحاكمة العادلة فلابد أن تكون هناك مساواة امام القضاء وتتحقق هذه المساواة بعدم التمييز والتفرقة بين المتقاضين بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي أو الدين … إلخ.

إضافة إلى مبدأ المجانية أي أن اللجوء الى القضاء أصبح مجاني والدولة هي التي تتكلف بدفع المال للقضاة على الخدمة التي يقدمونها الى المتقاضين.

أما بخصوص مبدأ حضورية وعلانية وشفوية المحاكمة فنقصد بالحضورية أن تتم المحاكمة بحضور المتهم فلابد أن يكون المتهم حاضرا، حتى يعرف ما يدور في جلسة الحكم، أما العلانية فنقصد بها هنا تمكين الجميع من حضور جلسات المحاكمة وسماع ما يدور فيها من نقاشات ومرافعات ، إضافة إلى أن تتم إجراءات المحاكمة بشكل فوري حتى يتسنى للمتهم معرفة الأدلة المقدمة ضده ومناقشتها ومناقشة الشهود.

إضافة إلى كل هذه المبادئ فمن حق المتهم كذلك في الدفاع بمعنى أنه يملك الحق في الدفاع عنه ومؤازرته أثناء المحاكمة.

فهذه أبرز الضمانات الممنوحة للمتهم أثناء مرحلة المحاكمة والتي  ذكرناها باقتضاب وجيز.

ثانيا : ضمانات المتهم بعد المحاكمة

وهذه الضمانات والتي سنذكرها باقتضاب، تتجلى بالخصوص في الطعن والتعويض عن الخطأ القضائي وللتفصيل أكثر فيها نبدأ بالطعن؛ المشرع منح للمتهم الحق في الطعن في الاحكام وجعل هذه الطعون منها ما هي طعون عادية وأخرى طعون غير عادية وبالتالي فالطعون العادية منحت للمتهم حق التعرض عن الحكم واستئنافه، كما أعطاه في الطعون غير العادية بتقديم طلب ينقد هذا الحكم كما يمكنه التماس إعادة النظر فيه أو مراجعته، إذن فالطعون العادية نجدها تنقسم إلى ثلاث فهناك النقض وهناك الالتماس بإعادة النظر والمراجعة، وبناء عليه فالهدف من ممارسة طرق الطعن هو مراجعة الاحكام الصادرة التي قد تكون مشوبة بأخطاء أو مخلة بالعدالة.

أما فيما يخص التعويض عن الخطأ القضائي فإنه يعد من بين ضمانات المحاكمة العادلة المخولة للمتهم في حالة حصوله على حكم يقضي ببراءته، ففي هذه الحالة يمكن له الحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقته، كما يمكن للمتهم في حالة حصوله على البراءة أن يطالب الطرف المدني الذي فتح التحقيق بناء على طلبه أمام المحكمة المدنية بالتعويض، بمعنى يمكنه رفع دعوى ضد الطرف المدني الذي قام بفتح التحقيق في حالة إذا حصل المتهم على حكم بالبراءة فيمكنه متابعة الطرف المدني أمام المحكمة المدنية ليأخذ التعويض عن الأضرار التي تسبب له فيها، وذلك طبقا للمادة 98 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على ” إذا صدر أمر بعدم متابعة بعد فتح تحقيق بناء على طلب من الطرف المدني وأصبح نهائيا، فيمكن للمتهم ولكل الاشخاص المشار إليهم في الشكاية،  أن يطلبوا من المشتكي تعويضهم عن الضرر أمام المحكمة المدنية المختصة، دون الاخلال بحقهم في المتابعة بالوشاية الكاذبة “.

 

خاتمة :

وفي الختام وتأسيسا على ما سبق ذكره نخلص إلى أن حالة التلبس بالجريمة تشكل حالة ذات أهمية كبيرة وذات خطورة داخل المنظومة الجنائية، وذلك للإجراءات المسطرية المتبعة في كل أطوار الدعوى الجنائية، لما تحمل من إجراءات خطيرة ودقيقة تمس بحرية المشتبه فيه أو المتهم الذي ينساق إلى ارتكاب الفعل الجرمي المخالف للقانون وللنظام العام.

ولحماية حريته وصون كرامته فالمشرع متع المتهم بضمانات منصوص عليها دستوريا بتنصيصه على حقوق وضمانات ممنوحة للأشخاص الملقى عليهم القبض أو المعتقلين أو المتابعين أو الذين تمت إدانتهم حيث لا يجوز ممارسة هذه الإجراءات في حقهم إلا طبقا لما ينص عليه القانون حتى لا تنتهك الحقوق والحريات.

كما تم التنصيص على أن الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري يعد من أخطر الجرائم والتي تعرض مقترفها لعقوبات قاسية، فكل من يمارس هذه الخروقات في حق الاشخاص رهن القبض أو الاعتقال او المتابعة أو الإدانة يترتب في حقه أقسى العقوبات، وتحت طائلة بطلان الإجراءات المسطرية المتبعة في حالة خرق هاته الاجراءات.

كما أن كل شخص تم اعتقاله يجب اخباره فورا بدواعي اعتقاله صيانة لحقوقه وحريته بالاضافة إلى تمتيعه بحقه الدستوري في إلتزام الصمت، فالدستور يخول للمشتبه فيه حق إلتزام الصمت، وعدم الإدلاء بأية أقوال إن أراد ذلك، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، كما يحق له الاستفادة وفي أقرب وقت ممكن من المساعدة القانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه طبقا لما هو مقرر في القانون.

كما تم التنصيص على مبدأ قرينة البراءة في قانون المسطرة الجنائية وأن الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت الإدانة في حقه، لضمان المحاكمة العادلة، كما أنه يتمتع كل شخص معتقل طبقا للقانون بحقوق أساسية منها توفير له ظروف اعتقال إنسانية واحترام أدميته وكرامته لما للإنسان من تكريم كونه أفضل المخلوقات عند الله تعالى على الارض، فالله عز وجل خلق الانسان وجعله مكرما وأعطاه منزلة أعلى ممن خلق سواه من المخلوقات، وبالتالي وجب احترام هذه الضمانات المقررة في القانون حتى لا تنتهك حقوق وحريات الأفراد لتحقيق المحاكمة العادلة التي تتوفر فيها كل الضمانات والحقوق الفردية الممنوحة للمتهم.

 

معلومات حول الكاتب:

حمزة مخلوف

باحث في ماستر العلوم الجنائية والأمنية – تطوان

قد يعجبك ايضا