حق المعتقل في التخابر مع محاميه وضمانات المحاكمة العادلة

الأستاذ محمد وردي

إن الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها وتنزل مواطنيها منازلهم التي يستحقونها ،تجدها دائمة العمل على تحسين و تجويد الترسانة القانونية التي يتحاكم اليها الافراد و الجماعات لفض نزاعاتهم ،بل الاكثر من ذلك فهي تعمل جاهدة على ضمان محاكمة عادلة لجميع الاطراف و على قدم المساواة بين الجميع ،و هذا ماعمل المغرب هلى تكريسه في كل القوانين سواء الدستورية أو الاجرائية و كذلك الموضوعية ،لكن و بالنظر لظروف الحال فإن المتتبع لشأن العدالة يلاحظ وقوع بعض الحالات و الوقائع التي تجعله في حيرة من امره ،بل ويتساءل عن دور هذه القوانين في تنظيم حياة الناس ، ويزداد هذا المشهد غموضا عندما يقع الاصطدام بين بعض اصحاب مهن و مؤسسات المفروض فيها و في رجالها أن تكون الصف الاول في تطبيق القانون و احترام مبادئه ، و لا أدل على ذلك من واقعة تعرض محاميين منتميين لهيئة الدارالبيضاء لاعتداء داخل المؤسسة السجنية و هم بصدد الدخول للتواصل مع مؤازريهم في قضية من القضايا المعروضة على القضاء .

ما يجعلنا نتستاءل عن حضور المحامي و دوره في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة ؟و كذلك عن النظام القانوني لتخابر المحامي مع موكليه المعتقلين ؟وهل يشكل تواجد المحامي بباحة المؤسسة السجنية خطرا وتهديدا لأمنها ؟ وهل يتطلب ذلك تدخلا عنيفا و إخراج المحامي بالقوة؟

كل هذه الاسئلة و غيرها سنجيب عنها من خلال تحليلنا للموضوع معتمدين نازلة السجن رقم 1بعين السبع نمودجا في ذلك .

1- وجود المحامي و دوره في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة .

لاشك ان التشريع لا يكون وليد اللحظة ،بل هونتاج تراكمات و دراسات ،وأن اهتداء قانوننا الاجرائي للتنصيص على امكانية الاستعانة بمحام في كل مراحل القضية بداية بالبحث التمهيدي و هو مايجد سنده في المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية و التي جاء فيها” ….. يحق للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية في حالة تمديدها أن يطلب من ضابط الشرطة القضائية الاتصال بمحام. كما يحق للمحامي المنتصب الاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية.

يتم الاتصال بترخيص من النيابة العامة ابتداء من الساعة الأولى من فترة تمديد الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل سرية المقابلة.

غير أنه إذا تعذر الحصول على ترخيص النيابة العامة خاصة لبعد المسافة، فإن ضابط الشرطة القضائية يأذن بصفة استثنائية للمحامي بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، على أن يرفع فوراً تقريراً في هذا الشأن إلى النيابة العامة.

يمنع على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية.

يمكن لممثل النيابة العامة تأخير اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية، إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، كلما تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من هذا القانون على أن لا يتجاوز ذلك التأخير مدة ثمان وأربعين ساعة ابتداء من التمديد الأول .

يمكن للمحامي المرخص له بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يقدم أثناء مدة تمديد هذه الحراسة وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد. ”

وصولا الى مرحلة الاستنطاق امام النيابة العامة و هو ما كرستة المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على انه “……إذا تعلق الأمر بالتلبس بجنحة معاقب عليها بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور، فإنه يمكن لوكيل الملك أو نائبه أن يصدر أمراً بإيداع المتهم بالسجن بعد إشعاره بأن من حقه تنصيب محام عنه حالاً واستنطاقه عن هويته والأفعال المنسوبة إليه، كما يمكن أن يقدمه للمحكمة حراً بعد تقديم كفالة مالية أو كفالة شخصية.

يحق للمحامي أن يحضر هذا الاستنطاق، كما يحق له أن يلتمس إجراء فحص طبي على موكله، وأن يدلي نيابة عنه بوثائق أو إثباتات كتابية. كما يمكنه أن يعرض تقديم كفالة مالية أو شخصية مقابل إطلاق سراحه”،مرورا بمرحلة التحقيق و التي جعلت من إمكانية حضور المحامي و استعانة الاطراف به امرا دا أهمية بالغة حيث جاء في المادة 134 من قانون المسطرة الجنائية “يشعر القاضي المتهم فورا بحقه في اختيار محام، فإن لم يستعمل حقه في الاختيار عين له قاضي التحقيق بناء على طلبه محاميا ليؤازره، وينص على ذلك في المحضر.
يحق للمحامي أن يحضر الاستنطاق المتعلق بالتحقيق في هوية المتهم.” بل إن المشرع اعطى لقاضي التحقيق امكانية منع اتصال المتهم بالغير بصفة كلية لمدة معينة دون ان يسري هذا المنع على محامي المتهم ، و هو مانجد سنده في المادة 136من قانون النسطرة الجنائية و التي ورد فيها “يحق للمتهم المعتقل بمجرد مثوله لأول مرة أمام قاضي التحقيق أن يتصل بحرية بمحاميه.

يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بمنع اتصال المتهم بالغير لمدة عشرة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
لا يسري المنع من الاتصال على محامي المتهم في جميع الأحوال.”

اما مرحلة قضاء الموضوع فتلك حكاية اخرى يكفينا فيها ذكر ان وجود المحامي في بعض القضايا يعتبر الزاميا كالجنايات مثلا و قضايا الاحداث و يسعفنا في هذا الباب ان نسرد مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 475 من قانون المسطرة الجنائية “إذا لم يختر الحدث أو ممثله القانوني محاميا، فيعينه له قاضي الأحداث تلقائياً أو يدعو نقيب المحامين لتعيينه”.

كل هذا و غيره من المقتضيات القانونية التي تحث سواء على إجبارية او إمكانية الاستعانة بمحام في كل مراحل القضية لها نتيجة واحدة متمثلة في الدور الكبير الذي يقوم به المحامي تنويرا للعدالة و تسهيلا لعملها مما يجعله شريكا في صناعة المنتوج القضائي بالمملكة ، و لما كان الامر كذلك وجب تقوية هذا الدور و هذا التواجد بل و حماية و تسهيل عمل اصحاب البدلة السوداء لا الدخول معهم و جرهم الى معارك هم في غنى عنها ،و تستنزف جهدهم و طاقتهم و تضيع حقوق موكليهم .فتواجد المحامي في قضية ما هو اضمن و اسلم للمحاكمة بصفة عامة و للمتقاضي بصفة خاصة .فليس من العبث التنصيص على تواجده الالزامي او الاختياري إن لم يكن لذلك فوائد جليلة و على رأسها المساهمة في تحقيق المحاكمة العادلة .

2- علاقة المحامي بالمؤسسة السجنية
يعتبر المحامي من بين الزوار الذين يردون على المؤسسات السجنية ،لكنه لا يأتي اليها بصفته الشخصية وإنما يلجها ممارسا لمهام الدفاع و الاعداد لوسائله و حججه ، الامر الذي لا يتحقق إلا إذا تم التواصل الجيد و الحر مع موكله المعتقل بالمؤسسة السجنية ،و كل ذلك عمل المشرع المغربي على تنظيمه من خلال القانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية تحت عدد 98-23 و الذي اقر بإمكانية تخابر المحامي مع المعتقل محددا ايضا الطريقة التي يمكن له بها الولوج الى المؤسسة السجنية و كذلك الجهة التي تمنحه الاذن بذلك ، مع ضرورة الاشارة إلى ان هذا الامر هو في الحقيقة حق للمعتقل و تقتضيه المحاكمة العادلة ، و قد جاء التنصيص على هذا الحق في المادة 80 من القانون السالف الذكر و التي جاء فيها “يتصل محامو المعتقلين الاحتياطيين بموكليهم، بناء على ترخيص تسلمه السلطة القضائية المكلفة بالتحقيق، أو النيابة العامة المختصة.

يسمح للمحامين بالاتصال بالمدانين، بناء على ترخيص يسلمه لهم وكيل الملك الذي تقع المؤسسة السجنية ضمن دائرة اختصاصه.

يجري الاتصال بحرية في قاعة معدة لهذه الغاية.”
فالاذن يمنحه وكيل الملك او الوكيل العام او قاضي التحقيق و يكون الاتصال بكل حرية و لا تطاله تلك القيود التي تسري على عامة الناس او على عائلات المعتقلين ،و هذا الامر لايشكل امتيازا للمحامي بقدر ماهو رغبة على- قدر المستطاع- من المشرع في توفير ظروف جيدة للمعتقل المتهم و الذي لازال بريئا و أن قرينة البراءة لازالت لصيقة به و لا ينزعها عنه احد بصريح المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية .

لكن لا شك ان المؤسسة السجنية لها طبيعة خاصة و ظروف اخص ،فهي تضم الاشخاص المعتقلين احتياطيا و المدانين نهائيا و لها وضع امني خاص لذلك مكن المشرع العاملين بها و الساهرين على تنظيمها من مقتضيات قانونية تمكنهم من السهر على توفير الامن داخلها و لا ادل على ذلك من نص المادة 65 من القانون رقم98-23 و التي نصت على مايلي :”يرخص للموظفين الممارسين لمهامهم، باستعمال السلاح، بعد توجيه الإنذارات المعتادة عند استعماله، وذلك في الحالات التالية:

1- عند تعرضهم للعنف، أو لاعتداء خطير، أو في حالة تهديدهم من طرف أشخاص مسلحين، أو عند استهدافهم بإلقاء قذائف خطيرة عليهم.

2- عند عدم تمكنهم من الدفاع بطريقة أخرى، عن المؤسسات والمراكز التي يحرسونها، والأشخاص الذين هم في عهدتهم، أو إذا تعرضوا لمقاومة ولم يكن بإمكانهم ردها إلا باستعمال السلاح.

3- عندما يحاول المعتقلون الإفلات من حراستهم، ولا يتأتى ضبطهم إلا باستعمال السلاح. 4- إذا حاول أشخاص الدخول إلى المؤسسة أو دخلوا إليها، ولم يمتثلوا للإنذارات الموجهة إليهم، وحاولوا الإفلات من البحث عنهم أو إلحاق ضرر بسلامة وأمن الحراس أو المعتقلين أو المؤسسة”.
فبالرجوع إلى نص المادة اعلاه نجد المشرع قد سمح لافراد او الموظفين بالمؤسسة السجنية باستعمال القوة بل و سمح بإمكانية استعمال السلاح ضد كل من تحققت فيه الصور الاربعة الواردة في المادة المذكورة
و عطفا على نازلة الحال هل يتصور ان يقوم المحامي بالدخول الى مؤسسة سجنية و يحاول الافلات او الاختباء و لا يمتثل للاوامر ؟بل هل تسري هذه المادة على ولوجه للمؤسسة السجنية و هو الذي لا يمكنه الولوج اليها الا باعتماد مسطرة خاصة؟

و جوابا عليه و امام وضوح المقتضيات القانونية فإن النص السابق و الحالات الواردة به لا تسري على تخابر المحامي مع المعتقل ، و انه إذا كنا نستوعب تدخل الادارة في شكل و وقت وسبب و صفة زيارة العائلة و الاذن بذلك، فإنه من غير المقبول أن يمنح الاذن بالزيارة للمحامي من قبل السلطة القضائية و وجود هذا الاذن تحت رقابتها و سلطتها ،ثم يأتي آخر ليفرض “رأيه ” حتى وإن خالف القانون ،كما أن المحامي

لم يكن في يوم من الايام مبعثا لتهديد الامن داخل المؤسسات السجنية ،و انه لا يأتي إليها إلا لتحسين اوجه دفاعه عن المعتقلين،كما أن رفضه الامتثال للإنذارات -حسب ادعائكم-ليس مبررا لموظفيكم لينهالو ركلا ورفسا على محاميين ذنبهما الوحيد انهما ارادا ممارسة مهامهما تحت القانون .ثم ماهو التهديد الذي خلقه تواجدهم داخل المؤسسة التي كان حريا بها تطبيق القانون و ربط الاتصال بالجهات المعنية لا التصرف بانفعال و الاقدام على افعال لايمكن ان تصدر عن مسؤول كيفما كانت الادارة التي ينتمي إليها . و بكفينا مطالعة القانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية لكي يتأكد للجميع بأن اطر المندوبية العامة لإدارة السجون ملزمين بإخبار مرؤوسيهم و الجهات الامنية و القضائية المتدخلة في هءا الشأن بكل طارئ ليتسنى لهذه الاخيرة القيام بالمتعين ووفق القانون، و لتجاوز مثل هذه الخرجات الغير المحسوبة و التي تشنج العلاقات و تخلق التوتر في جو العمل ،و لكم ان تتصوروا نفسية المحامي و هو يتعرض للضرب و الاهانة ،كما نتخيل وضع الموظف الساهر على امن المؤسسة و الملزم قانونا باحترام المؤسسات الاخرى التي ترد على ادارته .

وفي الختام و عملا بمقولة سيدنا لوط لقومه “اليس منكم رجل رشيد “نقول إن الوضع لايستدعي المزيد من المشاحنات و النزاعات فالمحامي يدخل الى المؤسسة السجنية في إطار القانون و يمارس مهامهه في إطاره ايضا ، و المسؤول داخل المؤسسة السجنية يحتكم إلى القانون و يسهر على تطبيقه و إن اعترضه “مانع”فليعالجه بالقانون لا بالتحدي و إظهار الشروخ بين مؤسسات الاصل فيها التكامل و الاحترام المتبادل.

قد يعجبك ايضا