محمد الغالمي : الحماية الاجتماعية بالمغرب

تقرير أشغال الدرس:

أضحت الحماية الاجتماعية اليوم حقا من حقوق الإنسان الأساسية بعدما كانت تعتبر لزمن طويل عملا ذا بعد إنساني وشكلا من أشكال العمل الخيري والبر والإحسان ، كما تعد الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العقد الاجتماعي وروابط الأخذ والعطاء والتضامن التي لا يمكن من دونها للمجتمعات أيا كان مستوى تنميتها أن تضمن تماسكها وازدهارها وأن تصون كرامة مواطنيها .

فتحقيق الحماية الاجتماعية يعتبر مدخلا أساسيا لا محيد عنه للنهوض بالعنصر البشري باعتباره حلقة أساسية في التنمية ، ولبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمجالية .

وتجسد اهتمام المغرب بتنزيل آليات الحماية الاجتماعية في إطلاق مجموعة من البرامج الاجتماعية، ذلك أن الحماية الاجتماعية ليس مفهوم حديث العهد ، بل راكم المغرب مجموعة من التجارب والآليات لتعزيز هذه الحماية ، و في مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، ونظام المساعدة الطبية راميد ، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية ، وبرامج دعم تمدرس الأطفال مثل “برنامج تيسير” ، وبرنامج “دعم الأرامل” .

وقد مكنت هذه البرامج على اختلاف أشكالها من التقليص من نسبة الفقر والهشاشة والهدر المدرسي ، ومن ولوج فئة واسعة من المجتمع إلى الخدمات الأساسية .

وعليه تطرقنا في هذه المداخلة للمرجعية الدولية  للحماية الاجتماعية ،حيث تشكل الحماية الاجتماعية موضوع نقاش دولي باعتبارها حقـا مـن الحقـوق المتأصلـة فـي القانـون الدولـي. وقـد تـم التأكيـد علـى هـذا المبـدأ، فـي إعـلان فيلادلفيـا لسـنة  1944المتعلـق بأهـداف ومقاصـد منظمـة العمـل الدوليـة، و المــادة  22مــن الإعــلان العالمــي لحقــوق الإنســان  1948،كما  أكَّــد العهــد الدولــي الخــاص بالحقــوق الاقتصاديــة والاجتماعيــة والثقافيــة (المادتــان  9و10 ) على حـق كل شـخص فـي الضمـان الاجتماعـي، بمـا فـي ذلـك التأمينـات الاجتماعيـة، كمـا هـو الحـال فـي الاتفاقيـة الدوليـة للقضـاء علـى جميع أشـكال التمييز العنصـري (المادة5 )، واتفاقيـة القضـاء علـى جميـع أشـكال التمييـز ضـد المـرأة (المـادة11 )، واتفاقيـة حقـوق الطفـل (المـادة 26 ) ، والاتفاقيـة الدوليـة لحمايـة حقـوق جميـع العمـال المهاجريـن وأفـراد أسـرهم (المـادة27 ) واتفاقيـة حقـوق الأشـخاص ذوي الإعاقـة (المـادة 28).

كما بسطنا مفهوم الحماية الاجتماعية،  اعتبارا أن مجالات الحماية الاجتماعية متعددة ومتداخلة، ، و أبعاد هذه الحماية يمكن أن تتمثل في شكل تدابير خاصة ، وعبارة عن تعويضات نقدية مباشرة ، موجهة للأشخاص في شكل تعويضات عن البطالة أو تعويضات عائلية، أو تعويضات نهاية الخدمة أو العمل ، كما يمكن أن تتمثل في تدابير عامة تتمثل في الاستراتيجيات والبرامج التي تهدف إلى ضمان الحد الأدنى من المعيشة ، من أجل تحقيق الأمن الاقتصادي و رفاه الإنسان ، بحيث يمكن أن تكون هذه التدابير عبارة عن برامج هادفة لتمويل التعليم ، أو برامج لرعاية المسنين ، أو الخدمات الصحية أو لتوفير الرعاية الخاصة للأطفال.

ثم بينا أهم نقط ضعف منظومة الحماية الاجتماعية الوطنية ، والمتمثلة في افتقار أنظمة الحماية الاجتماعية لحكامة التدبير ، والاستهداف الفئوي لهذه المنظومة، الأمر الذي أفرغ مفهوم الحماية الاجتماعية من مضمونه .

وبسطنا سياق القانون 09.21 المعلق بالحماية الاجتماعية، انطلاقا من خطاب العرش الذي وجهه جلالة الملك نصره الله بمناسبة الذكرى 19 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين ، الذي ّأعطى فيه المنهاج الذي ينبغي تسـري عليه منظومة الحماية الاجتماعية، وصولا للتعليمات الملكية السامية الواردة في خطابي العرش يوم 29 يوليو 2020، وافتتاح السنة التشريعية للبرلمان أكتوبر 2020، والقاضية بالعمل على تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، وصولا لمصادقة المجلس الوزاري على مشروع قانون إطار  رقم 09.21  يتعلق بالحماية الاجتماعية بتاريخ 11 فبراير 2021 .

شكل هذا المشروع المجتمعي، الذي يحظى بمتابعة واهتمام خاصين من طرف جلالة الملك، ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في  تحسین ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة.

 

كما بينا في هذه المداخلة المستجدات التي تضمنها القانون الإطار رقم 09.21 ، حيث بينا  مدلول الحماية الاجتماعية في القانون الإطار ،و أهدافها و  الجدولة الزمنية لتعميم التأمين الإجباري عن المرض بالإضافة للمبادئ الأساسية للقانون الإطار  وآليات  التمويل و آليات الحكامة، دون أن نغفل التزامات مختلف الأطراف ، وختمنا بمجموعة من المقترحات والحلول من أجل  تجاوز أعطاب منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب ، ونذكر أهمها كما يلي:

  • إحداث نظام موحد للحماية الاجتماعية يقوم على أساس المساواة وعدم التمييز
  • شمول نظام الحماية الاجتماعية، لمظهري التعويضات المباشرة، والسياسات العمومية الموجهة لدعم التعليم والتشغيل والصحة العمومية؛
  • تجاوز النظرة الإحسانية للفعل الاجتماعي، واعتبار الحماية الاجتماعية حقا للمواطنات والمواطنين؛
  • اعتماد الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية كمدخل أساسي للإقرار الفعلي بالحق في الحماية الاجتماعية: اعتبار التشغيل محرك الحماية الاجتماعية؛
  • التقليــص مــن هشاشــة الحمايــة الاجتماعيــة لأجــراء القطــاع الخــاص إزاء انعــدام الاســتقرار فــي

سـوق الشـغل؛

  • إحــداث تغييــر فــي المفاهيــم والتصــورات التــي يرتكــز عليهــا وضــع السياســات العموميــة المتعلقــة بالطفولــة، مــن خــلال اعتبــار الحمايــة الاجتماعيــة للأطفــال واجبــاً واســتثماراً أساســياً فــي أجيــال المســتقبل فــي الآن ذاتــه؛
  • الوقـوف عنـد حصيلـة منجـزات السياسـات العموميـة فـي ضـوء مقتضيـات اتفاقيـة منظمـة العمـل الدوليـة رقـم 168المتعلقـة بسياسـة التشـغيل والحمايـة مـن البطالـة، والعمـل علـى المصادقـة علـى هـذه الاتفاقيـة وإعمـال توصياتهـا؛
  • اســتكمال الإطــار القانونــي والتنظيمــي لحمايــة الأشــخاص فــي وضعيــة إعاقــة، مــن خــلال وضــع

تدابيـر ردعيـة لأشـكال العنـف وسـوء المعاملـة والتمييـز إزاء هـذه الفئـة مـن الأشـخاص، سـواء داخـل

الأسـرة أو فـي أماكـن العمـل أو فـي مـا يتصـل بالولـوج إلـى التشـغيل والخدمـات العموميـة؛

  • القضــاء علــى أشــكال التمييــز فــي حــق ذوي الإعاقــة فــي أنظمــة التأميــن الإجباريــة والتكميليــة

التـي تتولـى تدبيرهـا شـركات القطـاع الخـاص، وإلغـاء البنـود التـي تـؤدي إلـى إقصائهـم مـن هـذه

الأنظمــة.

 

لمشاهدة المزيد من الحلقات أنقر هنا

إن كان لديكم أي أسئلة أو مقترحات يمكنكم تركها في التعليقات

استمارة المشاركة

للمشاركة معنا في تأطير أشغال الدروس القانونية، اتصلو بنا:

+212 6 33 93 13 39

 

قد يعجبك ايضا